المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - جمع الوسائل في شرح الشمائل - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقَنُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَتِهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تُكَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خُبْزِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِدَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدَحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ فَاكِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(باب ما جاء في خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

أَنَّ شَيْبَهُ أَحْمَرُ مَصْبُوغٌ بِالْحِنَّاءِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم هَلْ خَضَبَ أَمْ لَا؟ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلِمِيرَكَ شَاهْ فِي هَذَا الْمَقَامِ اعْتِرَاضٌ عَلَى الطِّيبِيِّ مِمَّا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ. (أَخْبَرَنَا سُرَيْجُ) : مُصَغَّرُ سَرْجٍ بِالْجِيمِ. (بْنُ النُّعْمَانِ) : بِضَمِّ أَوَّلِهِ، أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ الْجَوْهَرِيُّ، أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ. (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ. (بْنُ سَلَمَةَ) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ، وَالْخَمْسَةُ فِي صِحَاحِهِمْ. (عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ) : تَقَدَّمَ. (قَالَ: قِيلَ لِجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَكَانَ) : بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ، وَفِي نُسْخَةٍ «هَلْ كَانَ» . (فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْبٌ) : هَكَذَا فِي أَصْلِنَا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَعَلَيْهِ الشُّرَّاحُ أَيْضًا، وَقَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الشَّمَائِلِ وَفِي أَكْثَرِهَا هَكَذَا. (قَالَ لَمْ يَكُنْ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا شَعَرَاتٌ) : بِدُونِ لَفْظِ شَيْبٍ، وَالتَّنْوِينُ فِي شَعَرَاتٍ لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ، وَقَالَ الْعِصَامُ: قَوْلُهُ شَيْبٌ أَيْ بَيَاضُ شَعْرٍ أَوْ شَعْرٌ أَبْيَضُ فَإِنَّ الشَّيْبَ يَكُونُ بِالْمَعْنَيَيْنِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْتَاجُ فِي قَوْلِهِ إِلَّا شَعَرَاتٌ إِلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ إِلَّا بَيَاضُ شَعَرَاتٍ. (فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ مَحَلِّ تَفَرُّقِ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْحَنَفِيِّ بِوَسَطِهِ فَغَيْرُ مُطَابِقٍ مَعَ إِيهَامِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ مُقَدَّمِهِ، فَلَعَلَّهُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ. (إِذَا ادَّهَنَ) : بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيِ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ وَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ. (وَارَاهُنَّ) : مِنَ الْمُوَارَاةِ أَيْ غَيَّبَهُنَّ. (الدُّهْنُ) : وَأَخْفَاهُنَّ وَسَتَرَهُنَّ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا إِلَّا بِتَدْقِيقِ نَظَرٍ وَتَعْمِيقِ بَصَرٍ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قِلَّتِهِنَّ، وَالدُّهْنِ بِضَمِّ الدَّالِ فِي أَصْلِنَا، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ بِضَمِّهَا وَفَتْحِهَا، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ، وَقَالَ مِيرَكُ: صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَهُوَ إِسْنَادٌ إِلَى السَّبَبِ وَإِنْ قُرِئَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسَاعَدَتْهُ الرِّوَايَةُ فَهُوَ أَوْفَقُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى وَظُهُورِ السَّبَبِيَّةِ

فِيهِ أَقْوَى كَمَا لَا يَخْفَى، انْتَهَى. فَزَعْمُ الْعِصَامِ أَنَّ الْفَتْحَ وَالضَّمَّ كِلَاهُمَا رِوَايَةٌ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ غَيْرُ الدِّرَايَةِ.

‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

فِي الْقَامُوسِ: الْخِضَابُ كَكِتَابٍ مَا يُخْتَضَبُ بِهِ أَيْ يُلَوَّنُ بِهِ، وَفِي الشُّرُوحِ أَنَّ الْخِضَابَ كَالْخَضَبِ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّلْوِينِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَنْسَبُ بِالْبَابِ ; لِأَنَّ مُعْظَمَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا جَاءَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ يُنَاسِبُ الْأَوَّلَ مَعَ أَنَّهُ مِنْ لَازِمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: إِنَّ جَعْلَهُ مَصْدَرًا بَعِيدٌ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبُعْدِ، ثُمَّ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) : بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ) : بِالتَّصْغِيرِ. (عَنْ إِيَادِ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ. (بْنِ لَقِيطٍ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ. (قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو رِمْثَةَ) : بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ. (قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ ابْنٍ لِي) : ظَرْفُ لَغْوٍ لِأَتَيْتُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ " مَعِي " بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا " ابْنٌ لِي " بِرَفْعِ ابْنٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَتَيْتُ لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِالضَّمِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ " مَعَ ابْنٍ لِي " حَالٌ، أَيْ

ص: 96

كَائِنًا مَعَهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (فَقَالَ) : أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (ابْنُكَ هَذَا؟) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفَةٌ وَأُظْهِرَتْ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: وَلِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَسَاغٌ فَيُغْنِي عَنْ حَذْفِ الْهَمْزَةِ. فَغَفْلَةٌ عَنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ أَنَّ الرِّوَايَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدِّرَايَةِ، وَلِذَا قِيلَ: ثَبِّتِ الْعَرْشَ ثُمَّ انْقُشْ، وَفِي تَأْخِيرِ هَذَا إِشْكَالٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ ابْنِهِ هَذَا، وَالْمُطَابِقُ لَهُ " أَهَذَا ابْنُكَ؟ " لَا عَنْ هَذِيَّةِ ابْنِهِ الْمُطَابِقِ لَهُ مَا فِي الْمَتْنِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ السُّؤَالَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْأَوَّلِ وَبِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ أَنَّ لَهُ ابْنًا، فَكَانَ الْمَطْلُوبُ هَذِيَّةَ الِابْنِ الْمَعْهُودِ، وَلِذَا قَالَ:" ابْنُكَ هَذَا " أَيِ الْمَعْهُودُ ذِهْنًا. (فَقُلْتُ: نَعَمْ) : الرِّوَايَةُ بِفَتْحَتَيْنِ وَقُرِئَ فِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ، وَحُكِيَ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِهَا. (أَشْهَدُ بِهِ) : هَذِهِ جُمْلَةُ مُقَرَّرَةٌ لِقَوْلِهِ " نَعَمْ " قَالَ مِيرَكُ: يُرْوَى بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ أَيْ كُنْ شَاهِدًا عَلَى اعْتِرَافِي بِأَنَّهُ ابْنِي مِنْ صُلْبِي، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْمُجَرَّدِ أَيْضًا، أَيْ أُقِرُّ بِهِ وَأَعْتَرِفُ بِذَلِكَ، انْتَهَى. فَقَوْلُ الْحَنَفِيِّ رُوِيَ عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ وَحْدَهُ، وَعَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْضًا مِنَ الشَّهَادَةِ أَوْ مِنَ الشُّهُودِ بِنَاءً عَلَى زَعْمِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُ رِوَايَةٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مِيرَكَ، أَوْ بِنَاءً عَلَى وَهْمِهِ مِنْ عَدَمِ فَرْقِهِ بَيْنَ النُّسْخَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ، ثُمَّ مِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُ قَدَّمَ النُّسْخَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِ أَصِلٍ لَهُ أَصْلًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِنَ الشُّهُودِ مَعَ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ مِنَ الْمَعْنَى. فَقَدْ رَدَّهُ الْعِصَامُ بِقَوْلِهِ: وَجَعْلُهُ مِنَ الشُّهُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، يُقَالُ شَهِدَهُ أَيْ حَضَرَهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِبَيَانِ أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِجِنَايَتِهِ عَلَى مَا اعْتَادَهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ مُؤَاخَذَةِ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ بِجِنَايَةِ الْآخَرِ وَقَدْ أَبْطَلَهُ الشَّرْعُ بِقَوْلِهِ عز وجل:(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)

. (قَالَ) : أَيْ صلى الله عليه وسلم. (لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ) : أَيْ لَا يُؤْخَذُ هَذَا بِذَنْبِكَ وَلَا تُؤْخَذُ أَنْتَ بِذَنْبِهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ آخَرَ: " أَلَا لَا يَجْنِيَ جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ "، وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ قَالَ:" ابْنُكَ هَذَا؟ " فَقُلْتُ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ:" ابْنُ نَفْسِكَ؟ " قُلْتُ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ:" فَإِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ مُنْقِذٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي: " ابْنُكَ هَذَا؟ " قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ:" حَقًّا؟ " قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا مِنْ تَبَيُّنِ شَبِهِي فِي أَبِي وَمِنْ حَلِفِ أَبِي، ثُمَّ قَالَ:" أَمَّا إِنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ " قَالَ: وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ، انْتَهَى. وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالِاحْتِمَالِ الْعَقْلِيِّ الْمُخَالِفِ لِلدَّلِيلِ النَّقْلِيِّ، يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً لَهُمَا أَوْ يَكُونُ إِخْبَارًا عَنِ الْغَيْبِ. (قَالَ) : أَيْ أَبُو رِمْثَةَ إِعَادَةً لِفَصْلِ الْكَلَامِ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمُ رُجُوعُ ضَمِيرِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يُوجَدْ كَلِمَةُ " قَالَ ". (وَرَأَيْتُ الشَّيْبَ أَحْمَرَ) : أَيْ لِقُرْبِهِ مِنَ الْبَيَاضِ أَوْ بِسَبَبِ الْخِضَابِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْبَابِ وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ مِيرَكَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ بِلَفْظِ " وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ " زَادَ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ " وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ "، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ:" وَكَانَ قَدْ لَطَّخَ لِحْيَتَهُ بِالْحِنَّاءِ، وَعِنْدَ أَحْمَدَ: فَإِذَا رَجُلٌ لَهُ وَفْرَةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَرَأَيْتُ بِرَأْسِهِ رَدْعَ حِنَّاءٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ مِنْ طَرِيقِ غَيْلَانَ بْنِ جَامِعٍ، عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ، عَنْ أَبِي رِمْثَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي خِضَابِهِ صلى الله عليه وسلم. (قَالَ أَبُو عِيسَى) : هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَسْمُوعَةِ الْمُصَحَّحَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بِنَاءً عَلَى غَلَبَةِ كُنْيَتِهِ عَلَى اسْمِهِ إِذِ التَّكْنِيَةُ عَنْ صَاحِبِهَا غَيْرُ مُتَعَارَفٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِشَيْخِهِ وَمُقْتَدَاهُ وَهُوَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، حَيْثُ عَبَّرَ فِي صَحِيحِهِ وَسَائِرِ تَصَانِيفِهِ أَيْضًا عَنْ نَفْسِهِ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَيُحْتَمَلُ احْتِمَالًا بَعِيدًا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ صُنْعِ التَّلَامِذَةِ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ، وَقَالَ الْعِصَامُ: لَمْ يَقُلْ " قُلْتُ " لِئَلَّا يُشْتَبَهَ بِقُلْتُ سَابِقًا، وَلَمْ يَقُلْ " قَالَ " بِالْإِضْمَارِ لِخَفَاءِ الْمَرْجِعِ وَالِاشْتِبَاهِ بَقَالَ سَابِقًا. فَمَنْ قَالَ: هُوَ مُدْرَجٌ عَنْ رَاوِي الْكِتَابِ فَكَأَنَّهُ بَعُدَ عَنِ الصَّوَابِ، قُلْتُ: كَلَامُهُ مَعَ بُعْدِهِ أَقْرَبُ مِنَ التَّعْلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالتَّأْوِيلَيْنِ

ص: 97

الْمَسْطُورَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ تَوْجِيهِ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (هَذَا) : أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ. (أَحْسَنُ شَيْءٍ) : أَيْ أَرْجَحُ حَدِيثٍ. (رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) : أَيْ بَابِ الْخِضَابِ. (وَأَفْسَرُ) : مِنَ الْفَسْرِ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَوْضَحُ رِوَايَةً وَأَظْهَرُ دَلَالَةً. (لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْلُغِ الشَّيْبَ) : أَيْ لَمْ يَصِلْهُ وَلَمْ يَظْهَرِ الْبَيَاضُ فِي شَعْرِهِ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ شَيْبُهُ بِالْحُمْرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَهُ أَبُو رِمْثَةَ، قَالَ مِيرَكُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْكَلَامِ إِلَى أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُصَرِّحَةَ بِالْخِضَابِ فِي طَرِيقِ حَدِيثِ أَبِي رِمْثَةَ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ أَوْ هِيَ مُؤَوَّلَةٌ كَمَا سَيَجِيءُ، انْتَهَى. يَعْنِي اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُمْرَةُ الشَّيْبِ بِحُمْرَةِ الْخِضَابِ، هَذَا وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:

كَذَا قِيلَ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ ; لِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَائِلٌ بِالْخِضَابِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ لِأَحَادِيثِهِ الْآتِيَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ لَمْ يَسُقْ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلًا بَلْ كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَى سِيَاقِهِ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ فَإِنَّ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ ذَكَرَ كَوْنَهُ أَحْمَرَ أَيْضًا فَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ ثَمَّ أَوْلَى، وَذِكْرُ كَوْنِهِ أَحْمَرَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُمْرَتَهُ الذَّاتِيَّةَ الَّتِي هِيَ مُقَدِّمَةٌ لِلشَّيْبِ فَذِكْرُهُ لَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْبَابَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مُنَاسَبَةً بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهِيَ أَنَّ فِيهَا إِثْبَاتَ الشَّيْبِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْبَابِ السَّابِقِ وَأَنَّهُ كَانَ أَحْمَرَ بِالْخِضَابِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذَا الْبَابِ، وَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَمْ يَشِبْ فَمَعْنَاهَا لَمْ يَكْثُرْ شَيْبُهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتُرُهُ بِالْحُمْرَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، انْتَهَى. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَائِلٌ بِالْخِضَابِ لِإِمْكَانِ تَرْجِيحِ عَدَمِهِ عِنْدَهُ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِ الشُّرَّاحِ هُنَا اضْطِرَابٌ وَتَرَدُّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ وَمَنْشَؤُهُ عَدَمُ اطِّلَاعِ قَوَاعِدِ هَذَا الْفَنِّ لَدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ الْعِصَامُ بِالرَّدِّ الْبَلِيغِ عَلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ. (أَبُو رِمْثَةَ اسْمُهُ رِفَاعَةُ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْفَاءِ. (بْنُ يَثْرِبِيٍّ) : نِسْبَةً إِلَى يَثْرِبَ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ لِلْمَدِينَةِ. (التَّيْمِيُّ) : بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ جَرُّهُ نِسْبَةً إِلَى تَيْمٍ قَبِيلَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وَلَا شَكَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَيْضًا مَقُولُ قَوْلِ أَبِي عِيسَى، لَكِنْ وَجْهُ تَأْخِيرِهِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ خَفِيٌّ، انْتَهَى. وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْحَنَفِيِّ حَيْثُ قَالَ: وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ هَذَا الْكَلَامُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ. أَقُولُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ لَمَّا كَانَ مَآلُهُمَا وَاحِدًا فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ بَعْدَ تَمَامِ كَلَامِهِ وَفَرَاغِ مَرَامِهِ.

(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي) : أَيْ وَكِيعٌ. (عَنْ شَرِيكِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُغْنِي، قَالَ الْعِصَامُ: فَمَا فِي الشَّرْحِ هُوَ بِكَسْرِ الْهَاءِ فَكَأَنَّهُ سَهْوٌ، ثُمَّ هَذَا نَسَبُهُ إِلَى جَدِّهِ وَأَبُوهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ «الْآتِي» ، وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ إِلَخْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَيْمِيٌّ مَوْلَاهُمْ، مَدَّنِيٌّ، شَهِيرٌ بِالْأَعْرَجِ، ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ الْمَنْسُوبُ إِلَى الْأَبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ لَمْ يُخَرِّجْ مِنْ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ حَدِيثَهُ إِلَّا النَّسَائِيُّ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ. (قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟) : بِفَتْحِ الضَّادِ، أَيْ هَلْ صَبَغَ شَعْرَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. هَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 98

خَضَبَ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ. (قَالَ أَبُو عِيسَى، وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ) : بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْوَضَّاحُ الْوَاسِطِيُّ الْبَزَّارُ، رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ. (هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ، فَقَالَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) : قَالَ الْعِصَامُ: ظَاهِرُهُ أَنَّهُ قَالَ بَدَلَ «أَبِي هُرَيْرَةَ» ، «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ» . وَفِي الشَّرْحِ لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا الظَّاهِرَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَاءَ خِضَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ تَرْكِ الظَّاهِرِ بَلْ ذَكَرَ مَا لَا يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنِ الظَّاهِرِ. قُلْتُ: وَجْهُهُ يَتَبَيَّنُ مِنْ كَلَامِ مِيرَكَ حَيْثُ وَجَدْتُ بِخَطِّهِ فِي هَامِشِ نُسْخَةِ أَصْلِهِ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَنَدِ أَبِي عَوَانَةَ بَيَانُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَوْهَبٍ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا فَفِيهِ تَقْوِيَةٌ وَتَقْرِيرٌ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَيَانُ وَهْمِ شَرِيكٍ بِقَوْلِهِ «سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ» وَأَنَّ الْخَبَرَ مَرْوِيٌّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ أَكْثَرِ الطُّرُقِ الْمَرْوِيَّةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى. فَالشَّارِحُ اخْتَارَ الشِّقَّ الثَّانِي، وَالْعِصَامُ وَقَعَ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ، فَوَقَعَ بَيْنَهُمَا الْمَشَاقُّ، وَحَصَلَ بِهَذَا النَّقْلِ وَجْهُ الْوِفَاقِ، ثُمَّ رَأَيْتُ مِيرَكَ بَسَطَ فِي شَرْحِهِ بِتَأْيِيدِ هَذَا الْمَقَالِ فَقَالَ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَمِنْ طَرِيقِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْوَفَاءِ وَابْنُ سَعْدٍ قَالَا: سَمِعْنَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَخْضُوبًا. هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَزَادَ ابْنُ مَاجَهْ وَأَحْمَدُ «بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ: كَانَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعْرِ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا فِيهِ أَثَرُ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَلِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ نُصَيْرِ بْنِ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنِ ابْنِ مَوْهَبٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أَرَتْهُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْمَرَ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ الشَّعْرَ مَخْضُوبًا سَأَلَ مِنْهَا: هَلْ خَضَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ. وَلَمْ يُخَرِّجِ ابْنُ سَعْدٍ وَلَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ أَنَّهُمَا اسْتَوْعَبَا طُرُقَ أَخْبَارِ مَنْ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِخِضَابِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ يَعْنِي الْعَسْقَلَانِيَّ بِرِوَايَتِهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ بَلْ لَمْ يَرِدْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفَ بِإِيرَادِ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ شَرِيكٍ شَاذَّةٌ بَلْ مُنْكَرَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ) : أَيِ الْبَلْخِيُّ الْعَابِدُ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ. (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ زُرَارَةَ) : بِزَايٍ مَضْمُومَةٍ وَرَائِينَ، أَبُو الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، نَزِيلُ بَلْخَ مَسْتُورٌ. (عَنْ أَبِي جَنَابٍ) : بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ فَنُونٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَهُوَ الصَّوَابُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ وَغَيْرُهُ، وَفِي نُسْخَةٍ بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ غَلَطٌ. وَفِي أُخْرَى بِمُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَفِي أُخْرَى بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ، وَهُوَ مُحَدِّثٌ مَشْهُورٌ رُبَّمَا ضَعَّفُوهُ لِكَثْرَةِ تَدْلِيسِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (عَنْ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ. (عَنِ الْجَهْذَمَةِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ. (امْرَأَةُ بَشِيرِ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ عَلَى وَزْنِ بَدِيعٍ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ شِينٍ

مُعْجَمَةٍ، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ سَهْوٌ وَغَلَطٌ. (بْنِ الْخَصَاصِيَةِ) : بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَبِصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ، وَالتَّشْدِيدُ فِيهَا لَحْنٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَعَالِيَّةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالتَّخْفِيفِ كَكَرَاهِيَةٍ وَعَلَانِيَةٍ وَطَوَاعِيَةٍ، كَذَا نُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ مَجْدِ الدِّينِ الْفَيْرُوزَابَادِيِّ، وَزَآبَادِي رَدًّا عَلَى ابْنِ الْأَثِيرِ وَغَيْرِهِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ مِنْ أَوْزَانِ الْمَصْدَرِ، وَتَعَقَّبَهُ الْعِصَامُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الْخَصَاصِيَةُ مَصْدَرًا، وَإِنَّمَا وُجِدَ الْخَصَاصُ وَالْخَصَاصَةُ بِمَعْنَى الْفَقْرِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ لِلنِّسْبَةِ فَتَكُونُ مُشَدَّدَةً فَالتَّعْوِيلُ عَلَى النَّقْلِ لَا عَلَى الْعَقْلِ،

ص: 99

وَأَغْرَبَ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَفِي تَخْطِئَةِ التَّشْدِيدِ بِذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْأَعْلَامِ وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يُوَافِقُ الْأَوْزَانَ الْمَعْرُوفَةَ. هَذَا وَهِيَ اسْمُ أُمِّهِ، وَهِيَ صَحَابِيَّةُ، وَأَبُوهُ مَعْبَدٌ، وَيُقَالُ غَيَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْمَهَا وَجَعَلَهُ لَيْلَى. (قَالَتْ: أَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قَدَّمَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ لِإِفَادَةِ تَفَرُّدِهَا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ. (يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ) : حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ. (يَنْفُضُ) : بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ يَمْسَحُ. (رَأْسَهُ) : أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ بِيَدِهِ لِيُقَطِّرَ عَنْهُ الْمَاءَ، وَالنَّفْضُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى التَّحْرِيكِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ، وَكَذَا قَوْلُهُ:(قَدِ اغْتَسَلَ) : وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ الْحَالِيَّةِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْتِئْنَافًا وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ:(وَبِرَأْسِهِ) : إِمَّا حَالِيَّةٌ أَوْ عَاطِفَةٌ. (رَدْغٌ) : بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ، وَفِي الْقَامُوسِ أَنَّهُ جَمْعُ رَدَغَةٍ بِالتَّحْرِيكِ أَوِ التَّسْكِينِ وَهُوَ الْوَحْلُ الشَّدِيدُ، فَعَلَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ فِي رَأْسِهِ لَطْخَاتٌ غَلِيظَةٌ مِنَ الصَّبْغِ الَّذِي هُوَ الْحِنَّاءُ أَوِ الزَّعْفَرَانُ أَوْ غَيْرُهُ، وَلِخَفَاءِ دَلَالَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى الْمَقْصُودِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى: وَالصَّحِيحُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى. يَعْنِي الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (أَوْ قَالَ) : أَيْ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ. (رَدْعٌ) : بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ، وَهُوَ لَطْخٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ، وَأَثَرُ الطِّيبِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ الصِّبْغُ وَبِالْمُعْجَمَةِ الطِّيبُ الْكَثِيرُ، وَقِيلَ الَّذِي مَعَهُ وَسَخٌ، وَقِيلَ أَعَمُّ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ. (مِنْ حِنَّاءٍ) : بِالْمَدِّ. (شَكَّ فِي هَذَا) : أَيْ فِي أَنَّهُ رَدْغٌ أَوْ رَدْعٌ. (الشَّيْخُ) : أَيْ شَيْخُ الْمُصَنِّفِ فِي أَوَّلِ السَّنَدِ وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ، وَفِي نُسْخَةٍ الشَّكُّ هُوَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ هَارُونَ وَمَآلُهُمَا وَاحِدٌ، وَضَمِيرُ قَالَ لِلشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ.

(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : أَبِي الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ، صَاحِبُ الْمُسْنَدِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ، كَذَا ذَكَرَهُ الْعِصَامُ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِهِ أَنَّهُ الْحَافِظُ عَالِمُ سَمَرْقَنْدَ، رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ، وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ. (أَخْبَرَنَا عَمْرُو) : بِالْوَاوِ. (بْنُ عَاصِمٍ) : أَيِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْمِصْرِيُّ، صَدُوقٌ

، فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي صِحَاحِهِمْ.

(أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ) : بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ الطَّوِيلُ. (عَنْ أَنَسٍ) : أَيِ ابْنِ مَالِكٍ. (قَالَ: رَأَيْتُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ) : أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ. صلى الله عليه وسلم مَخْضُوبًا) : قَدْ مَرَّ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْضِبْ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالنَّفْيِ أَكْثَرَ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِالْإِثْبَاتِ - إِنْ صَحَّ عَنْهُ - الْأَقَلَّ مِنْهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَجَازِ، وَذَلِكَ بِأَنَّ الشَّعْرَ لَمَّا كَانَ مُتَغَيِّرًا لَوْنُهُ بِسَبَبِ وَضْعِ الْحِنَّاءِ عَلَى الرَّأْسِ لِدَفْعِ الصُّدَاعِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ التَّطَيُّبِ سَمَّاهُ مَخْضُوبًا، أَوْ سَمَّى مُقَدِّمَةَ الشَّيْبِ مِنَ الْحُمْرَةِ خِضَابًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ. (قَالَ حَمَّادٌ) : أَيِ الْمَذْكُورُ. (وَأَخْبَرَنَا) : بِوَاوٍ عَاطِفَةٍ. (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) : أَيِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَعَبْدُ اللَّهِ صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (قَالَ: رَأَيْتُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَخْضُوبًا) : قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سَلَّامٌ - وَهُوَ ابْنُ

ص: 100

أَبِي مُطِيعٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، أَوِ ابْنُ مِسْكِينٍ عِنْدَ أَبِي نَصْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ -، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْنَا شَعْرًا مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَخْضُوبًا. وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ: مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَكَذَا لِأَحْمَدَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ، كِلَاهُمَا عَنْ سَلَّامٍ، وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ - وَهُوَ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ - شَعْرًا أَحْمَرَ مَخْضُوبًا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ: كَانَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ أَثَرُ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ. قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي خَضَبَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْمَرَّ بَعْدَهُ لِمَا خَالَطَهُ مِنْ طِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ فَغَلَبَتْ بِهِ الصُّفْرَةُ، قَالَ: فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْضِبْ أَصَحُّ. كَذَا وَقَالَ الَّذِي أَبْدَاهُ احْتِمَالًا قَدْ ثَبَتَ مَعْنَاهُ مَوْصُولًا إِلَى أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَجَزَمَ بِأَنَّهُ احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ، قُلْتُ: وَكَثِيرٌ مِنَ الشُّعُورِ الَّتِي تَنْفَصِلُ عَنِ الْجَسَدِ إِذْ طَالَ الْعَهْدُ يَؤُولُ سَوَادُهَا إِلَى الْحُمْرَةِ، وَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ مِنَ التَّرْجِيحِ خِلَافُ مَا جَمَعَ بِهِ الطَّبَرِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ خَضَبَ كَابْنِ عُمَرَ حَكَى مَا شَاهَدَهُ وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، وَمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَأَنَسٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ مِنْ حَالِهِ صلى الله عليه وسلم، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْخِضَابَ شَاهَدُوا الشَّعْرَ الْأَبْيَضَ ثُمَّ لَمَّا وَرَّاهُنَّ الدُّهْنُ كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ظَنُّوا أَنَّهُ خَضَبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ مِيرَكُ: اعْلَمْ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَخْضِبْ وَلَمْ يَبْلُغْ شَيْبُهُ إِلَى الْخِضَابِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ إِلَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَأَمَّا أَنْ يُحْكَمَ بِشُذُوذِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ رِوَايَةَ حُمَيْدٍ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَهُوَ مُدَلِّسٌ، قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ

سَمِعَهُ مِنْ ثَابِتٍ فَدَلَّسَهُ. وَمَعَ هَذَا فَقَدَ خَالَفَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ كَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَثَابِتٍ وَقَتَادَةَ، وَأَحَادِيثُهُمْ عَنْ أَنَسٍ فِي نَفْيِ الْخِضَابِ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ وَاحِدٌ وَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلِذَا نَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَقِيبَهُ عَنْ حَمَّادٍ رَاوِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَنَسٍ مَخْضُوبًا. إِشَارَةً إِلَى شُذُوذِ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَضَبَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي رِجَالِ مَالِكٍ، وَفِي غَرَائِبِ مَالِكٍ لَهُ أَيْضًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ شَعَرَاتِهِ الْمُطَهَّرَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةِ زَوْجِ أُمِّ أَنَسٍ أَوْ عِنْدَ أُمِّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَخَضَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ أَوْ أُمُّهُ كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ أَنَسٍ فَرَآهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عِنْدَهُ، أَوْ يُحْمَلُ رِوَايَةُ أَنَسٍ " كَانَ شَعْرُهُ مَخْضُوبًا "، عَلَى أَنَّهُ رَآهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيْضَاءَ. فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ لَمْ تُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ حُسْنِهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا وَقَدْ أَنْكَرَ أَحْمَدُ إِنْكَارَ أَنَسٍ أَنَّهُ خَضَبَ، وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ، وَوَافَقَ مَالِكٌ أَنَسًا فِي إِنْكَارِ الْخِضَابِ وَتَأَوَّلَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَضَبَ فِي وَقْتٍ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ وَلَا تَأْوِيلُهُ، وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ مَا رَأَى وَهُوَ صَادِقٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ مِيرَكُ: وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ سَلَفًا وَخَلَفًا فِي أَنَّهُ هَلِ الْخِضَابُ أَحَبُّ أَمْ تَرْكُهُ أَوْلَى؟ فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى الْأَوَّلِ مُسْتَدِلِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ ". أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَشْيَخَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِيضٌ لِحَاهُمْ فَقَالَ: " يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ حَمِّرُوا أَوْ صَفِّرُوا وَخَالِفُوا أَهْلَ الْكِتَابِ ". أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ ; وَلِهَذَا خَضَبَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ، وَمَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الْخِضَابِ أَوْلَى لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا:" مَنْ شَابَ شَيْبَةً فَهِيَ لَهُ نُورٌ إِلَّا أَنْ يَنْتِفَهَا أَوْ يَخْضِبَهَا ". هَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ، لَكِنْ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ، انْتَهَى. وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ أَيْضًا وَقَالَ صَحِيحٌ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ تَغَيُّرَ الشَّيْبِ ; وَلِهَذَا لَمْ يَخْضِبْ عَلِيٌّ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَجَمْعٌ جَمٌّ

ص: 101