المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب ما جاء في شعر رسول الله) - جمع الوسائل في شرح الشمائل - جـ ١

[الملا على القاري]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرَجُّلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خِضَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي لِبَاسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي نَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَخَتُّمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ مِغْفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي عِمَامَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِزَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تَقَنُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي جِلْسَتِهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي تُكَأَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّكَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَكْلِ رَسُولِ اللَّهِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خُبْزِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ إِدَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الطَّعَامِ)

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي قَدَحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي صِفَةِ فَاكِهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابٌ فِي صِفَةِ شَرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَابُ مَا جَاءَ فِي شُرْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌(باب ما جاء في شعر رسول الله)

ذَلِكَ وَأَثْبَتَ صُحْبَتَهُ وَرَوَى عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ قَوْلُهُ:«فَقَالَ: نَعَمْ» ; قَائِلُهُ عَاصِمٌ أَيْضًا، وَفَاعِلُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَكَذَا هُوَ فَاعِلُ قَوْلِهِ. (ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ) : أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فِي جَوَابِ سُؤَالِنَا عَنْهُ اسْتَغْفَرَ لَكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ نَعَمِ، اسْتَغْفَرَ لَكُمْ أَيْضًا امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وَهَذَا مُحَصَّلُ تِلَاوَةِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ

صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِالِاسْتِغْفَارِ لِلْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَمَالِ شَفَقَتِهِ وَرَحْمَتِهِ لِأُمَّتِهِ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الْبَتَّةَ، وَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ:«وَلَكُمْ» تَغْلِيبُ الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ، وَتَغْلِيبُ الْحَاضِرِينَ عَلَى الْغَائِبِينَ. وَأَقُولُ لَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ بِأَنْ يُقَالَ صَدَرَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ حُضَّارِ مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَبْدِ اللَّهِ، وَقَالُوا لَهُ اسْتِفْهَامُ تَعَجُّبٍ أَوْ إِخْبَارُ تَلَذُّذٍ، فَقَالَ هُوَ أَوِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نَعَمِ، الْأَمْرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَلَا هُوَ أَوِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَصْحَابَ مَجْلِسِهِ صَدَرَ مِنْهُمْ نَحْوَ هَذَا السُّؤَالِ وَوَقَعَ مِنْهُ هَذَا الْجَوَابُ بِمُقْتَضَى الْحَالِ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَارْتَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنَ الْمُنَازَعَاتِ ثُمَّ الْخِطَابُ لَهُ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ تَعَالَى:(لِذَنْبِكَ) مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ) وَمَعَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ لَا ذَنْبَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ، لَعَلَّهُ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ تَسْلِيَةً لِلْأُمَّةِ وَتَعْلِيمًا لَهُمْ أَوِ اسْتِغْفَارُهُ مِنَ الْخَطَرَاتِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ الْبَشَرِيَّةِ ; تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم كَالذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الْفَارِضِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:

وَلَوْ خَطَرَتْ لِي فِي سِوَاكَ إِرَادَةٌ

عَلَى خَاطِرِي سَهْوًا حَكَمْتُ بِرِدَّتِي.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ طَلَبُ الثَّبَاتِ عَلَى الْعِصْمَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ رِعَايَةً لِقَاعِدَةِ الْخَشْيَةِ فَإِنَّهَا نِهَايَةُ سُلُوكِ الْمُخْلِصِينَ وَغَايَةُ عُبُودِيَّةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَقِيلَ: كَانَ يَسْتَغْفِرُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمُبَاحَاتِ أَوْ مِنْ رُؤْيَةِ تَقْصِيرٍ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِذَا قِيلَ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. وَقِيلَ: اسْتِغْفَارُهُ مِنْ ذُنُوبِ أُمَّتِهِ فَهُوَ كَالشَّفَاعَةِ لَهُمْ.

(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ)

أَيْ فِي صِفَةِ شَعْرِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ. صلى الله عليه وسلم : اعْلَمْ أَنَّ الشَّعْرَ حَيْثُ جَاءَ بِدُونِ التَّاءِ فَهُوَ بِفْتَحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ وَإِذَا جَاءَ بِالتَّاءِ فَهُوَ بِسُكُونِهَا وَيُفْتَحُ، وَفِي هَذَا الْبَابِ ثَمَانِيَةُ أَحَادِيثَ.

(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ. (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حُمَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ أَيِ الطَّوِيلِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ وَاصِلًا أَوْ مُنْتَهِيًا. (إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ) : بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي وَفِي نُسْخَةٍ بِالْإِفْرَادِ، قَالَ مِيرَكُ: أَضَافَ الْوَاحِدَ إِلَى التَّثْنِيَةِ كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ التَّثْنِيَتَيْنِ مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ أَيْ نِصْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَسَيَأْتِي بِلَفْظِ «أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ» بِإِضَافَةِ الْجَمْعِ إِلَى التَّثْنِيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(صَغَتْ قُلُوبُكُمَا) ، وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الشَّعْرِ هُوَ الَّذِي جُمِعَ وَعُقِصَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مُعْظَمُ شَعْرِهِ أَوْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ أَوْ حِينَ لَا يَفْرُقُ شَعْرَهُ، فَلَا يُنَافِي الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى كَوْنِهِ بَالِغًا مَنْكِبَيْهِ أَوْ وَاقِعًا عَلَيْهِمَا.

(حَدَّثَنَا هَنَّادُ) : بِتَشْدِيدِ النُّونِ. (ابْنُ السَّرِيِّ) : بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ. (حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «أَخْبَرَنَا» . (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) : بِكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا

ص: 74

نُونٌ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ الْمَدَنِيُّ، مَوْلَى قُرَيْشٍ، صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ، وَمُسْلِمٌ، وَالْأَرْبَعَةُ فِي صِحَاحِهِمْ، تَغَيَّرَ حِفْظُهُ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ. (عَنْ هِشَامٍ) : أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَإِمَامَتِهِ وَجَلَالَتِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ أَحْيَانًا. (بْنِ عُرْوَةَ) : أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَ بَحْرًا لَا يُكَدَّرُ. وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: كَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ. (عَنْ أَبِيهِ) : أَيْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَحَدِ الْعَشْرَةِ الْمُبَشَّرَةِ. (عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ) : أَفَادَتِ الْحِكَايَةُ الْمَاضِيَةُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ اسْتِحْضَارًا لِلصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَإِشَارَةً إِلَى تَكْرَارِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، أَيْ: اغْتَسَلْتُ مُكَرَّرًا. (أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ، وَيُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، قَالَ الطِّيبِيُّ: أُبْرِزَ الضَّمِيرُ لِيَصِحَّ الْعَطْفُ، فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ يَصِحُّ الْعَطْفُ وَلَا يُقَالُ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى تَغْلِيبِ الْمُتَكَلِّمِ الْغَائِبِ كَمَا غُلِّبَ الْمُخَاطَبُ عَلَى الْغَائِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) فَإِنْ قُلْتَ: النُّكْتَةُ هُنَاكَ أَنَّ آدَمَ عليه السلام أَصْلٌ فِي سُكْنَى الْجَنَّةِ، قُلْتُ هُنَا: لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ النِّسَاءَ مَحَلُّ الشَّهَوَاتِ وَحَامِلَاتٌ لِلِاغْتِسَالِ فَكُنَّ أَصْلًا، انْتَهَى. أَوْ أَنَّ الْأَصْلَ إِخْبَارُ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُعَدًّا لِغَسْلِهَا وَشَارَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ. (مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) : مُتَعَلِّقٌ بِاغْتَسَلَ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ الْغُسْلَانُ مُتَعَاقِبَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ تُقَدُّمُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَدَبِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ الْمَعِيَّةِ يُحْتَمَلُ التَّسَتُّرُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ جَمَالِ حَالِهِمَا وَكَمَالِ حَيَائِهِمَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّكَشُّفِ يَحْتَمِلُ عَدَمُ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:«مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْهَا، وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ عَنْهَا:«مَا رَأَيْتُ مِنْهُ وَلَا رَأَى مِنِّي» يَعْنِي الْفَرْجَ. وَبِهِ انْدَفَعَ مَا نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ وَبِالْعَكْسِ. قَالَ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ أَنَّ: سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، يَعْنِي عَنِ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى عَوْرَةِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءً فَقَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، انْتَهَى. وَفِي كَوْنِهِ نَصًّا مَحَلُّ نَظَرٍ إِذْ عَلَى تَقْدِيرِهِ يُنَاقِضُ مَا سَبَقَ عَنْهَا فَعَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ يُحْمَلُ عَلَى مَا عَدَا الْفَرْجِ مِنَ الْأَفْخَاذِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَنْكَشِفُ عِنْدَ الِاغْتِسَالِ وَبِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْحَالِ، ثُمَّ قِيلَ: فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاغْتِرَافَ مِنَ الْمَاءِ الْقَلِيلِ لَا يَجْعَلُ الْمَاءَ مُسْتَعْمَلًا، وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمَا غَسْلُ أَيْدِيهِمَا خَارِجَ الْإِنَاءِ ثُمَّ تَنَاوُلُهُمَا مِنَ الْمَاءِ. قَالَ مِيرَكُ: وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: «مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ» ، فَقِيلَ: الْأُولَى ابْتِدَائِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ: بَيَانِيَّةٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ:«مِنْ قَدَحٍ» بَدَلُ «مِنْ إِنَاءٍ» بِإِعَادَةِ الْجَارِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ ; أَيْ بِسَبَبِ الْجَنَابَةِ، وَمِنْ

أَجْلِهَا قَالَ ابْنُ التِّينِ: كَانَ هَذَا الْإِنَاءُ مِنْ شَبَهٍ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ، وَكَأَنَّ مُسْتَنَدَهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَفْظُهُ:«مِنْ تَوْرٍ مَنْ شَبَهٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: «مِنْ إِنَاءٍ يُقَالُ لَهُ

ص: 75

الْفَرَقُ» ، وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَيُرْوَى بِتَسْكِينِ الرَّاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَقِيلَ صَاعَانِ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بِلَفْظِ:«قَدْرُهُ سِتَّةُ أَقْسَاطٍ» ، وَالْقِسْطُ بِكَسْرِ الْقَافِ نِصْفُ صَاعٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَاخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَعَكْسِهِ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَبَعْضُهُمْ عَلَى جَوَازِ طَهَارَةِ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ دُونَ الْعَكْسِ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمُ الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا خَلَّيَا بِهِ، وَالْجَوَازُ فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَا وَتَمَسَّكَ كُلٌّ بِظَاهِرِ خَبَرٍ دَلَّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْجَمِيعِ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ، وَالْجَوَازِ عَلَى مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ بِذَلِكَ، جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْجَوَازَ فِيمَا إِذَا اغْتَرَفَا مَعًا وَالْمَنْعُ فِيمَا اغْتَرَفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ. وَبَعْضُهُمْ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْفِعْلَ عَلَى الْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ. (وَكَانَ لَهُ) : أَيْ لِرَأْسِهِ الشَّرِيفِ. (شَعْرٌ) : أَيْ نَازِلٌ. (فَوْقَ الْجُمَّةِ) : بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ. (وَدُونَ الْوَفْرَةِ) : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهُ رَاءٌ مَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ كَذَا فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالنِّهَايَةِ، وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَعْرَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَمْرًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجُمَّةِ وَالْوَفْرَةَ لَيْسَ بِجُمَّةٍ وَلَا وَفْرَةٍ، لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهُ كَانَ شَعْرُهُ جُمَّةً وَعَلَى أَنَّ جُمَّتَهُ مَعَ عِظَمِهَا إِلَى أُذُنَيْهِ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا وَقَدْ رَوَى الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي جَامِعِهِ أَيْضًا، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ: كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ. كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ، قَالَ مِيرَكُ: كَذَا وَقَعَ فِي الشَّمَائِلِ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَوْقَ الْوَفْرَةِ دُونَ الْجُمَّةِ، قِيلَ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ «فَوْقَ وَدُونَ» تَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَحَلِّ وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِقْدَارِ فَقَوْلُهُ:«فَوْقَ الْجُمَّةِ» أَيْ: أَرْفَعُ مِنْهَا فِي الْمَحَلِّ، «وَدُونَ الْجُمَّةِ» أَيْ: أَقَلُّ مِنْهَا فِي الْمِقْدَارِ، وَكَذَا فِي الْعَكْسِ. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ لَوْلَا أَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ مُتَّحِدٌّ، انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ مُلَّا حَنَفِي: فِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَآلَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مُتَّحِدٌ مَعْنًى وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ

وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ اتِّحَادُ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ، غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَوْ مَنْ دُونَهَا أَدَّتْ أَوْ أَدَّى مَعْنًى وَاحِدًا بِعِبَارَتَيْنِ، وَلَا غُبَارَ عَلَيْهِ، هَذَا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدِيثِ أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ الْمُتَقَارِبَيْنِ مَكَانَ الْآخَرِ كَمَا مَرَّ فِي «أَفْلَجَ الثَّنِيَّتَيْنِ» حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ «الْفَلَجَ» اسْتُعْمِلَ مَكَانَ «الْفَرَقِ» وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: لَعَلَّ اغْتِسَالَ عَائِشَةَ وَرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَقَعَ مُتَعَدِّدًا، وَيَكُونُ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ نَاشِئًا مِنَ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جُمْلَةَ «وَكَانَ» ، إِلَخْ، حَالٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ مَعْطُوفًا عَلَى «كُنْتُ» فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالِاغْتِسَالِ، فَيَكُونَانِ حَدِيثَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَإِلَّا فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ غُسْلٍ اخْتِلَافُ حَالٍ وَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ كَمَا لَا يَخْفَى، وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ حَجَرٍ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي شَرْحِ شَمَائِلِهِ بِلَفْظِ «وَأَنْزَلُ مِنَ الْوَفْرَةِ» ، وَقَالَ: أَيْ مِنْ مَحَلِّهَا وَهُوَ شَحْمَةُ الْأُذُنِ. وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بِمَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ فِي نُسَخٍ هُنَا «فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ» ، وَهَذِهِ عَكْسُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ، انْتَهَى. وَقَوْلُهُ:«أَنْزَلُ» غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا أَحَدَ مِنَ الشُّرَّاحِ أَيْضًا ذَكَرَهُ.

(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) : بِفَتْحِ مِيمٍ فَكَسْرِ نُونٍ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ، أَبُو جَعْفَرٍ الْأَصَمُّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، رَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ

ص: 76

الصِّحَاحِ. (أَخْبَرَنَا أَبُو قَطَنٍ) : بِقَافٍ فَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ فِي آخِرِهِ نُونٌ، اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ قَطَنٍ الْبَصْرِيُّ، قَدَرِيٌّ إِلَّا أَنَّهُ صَدُوقٌ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ) : تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مَشْرُوحًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ هَاهُنَا قَوْلُهُ:(وَكَانَتْ جُمَّتُهُ تَضْرِبُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ) : أَيْ مُعْظُمُهَا يَصِلُ إِلَى الشَّحْمَةِ وَبَقِيَّتُهَا إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَوِ الْجِهَاتِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ الْجُمَّةَ مِنَ الشَّعْرِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَقِيلَ: لَمْ يُرِدْ بِالضَّرْبِ الْبُلُوغَ وَالِانْتِهَاءَ بَلْ أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ يُرْسِلُهَا إِلَى أُذُنَيْهِ وَمُحَاذَاتِهِمَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْجُمَّةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْوَفْرَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ وَأَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ الشَّعْرُ إِلَى الْأُذُنِ، وَوَقَعَ فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ أَنَّ الْجُمَّةَ هِيَ الشَّعْرُ مُطْلَقًا

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ) : بِفَتْحِ الْجِيمِ. (بْنِ حَازِمٍ) : بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَكْسُورَةٍ، الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (حَدَّثَنِي أَبِي) : يَعْنِي جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ - أَبُو النَّصْرِ، لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ عَنْ قَتَادَةَ

ضَعْفٌ وَلَهُ أَوْهَامٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ حِفْظِهِ، وَمَعَ هَذَا رَوَى حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي صِحَاحِهِمْ. (عَنْ قَتَادَةَ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، بَصْرِيٌّ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، يُقَالُ: وُلِدَ أَكْمَهْ، قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ أَحْفَظُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى بَابِ قَتَادَةَ وَانْصَرَفَ، فَفَقَدُوا قَدَحًا فَحَجَّ قَتَادَةُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ، فَوَقَفَ أَعْرَابِيٌّ فَسَأَلَهُمْ، فَسَمِعَ قَتَادَةُ كَلَامَهُ، فَقَالَ: صَاحِبُ الْقَدَحِ هَذَا فَسَأَلُوهُ، فَأَقَرَّ بِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. (قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ) : أَيِ ابْنِ مَالِكٍ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. (كَيْفَ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ وَلَا بِالسَّبِطِ) : تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى، وَالْمَقْصُودُ هُنَا قَوْلُهُ:(كَانَ يَبْلُغُ شَعْرُهُ) : أَيِ الْمَجْمُوعُ مِنْهُ. (شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ) : وَهِيَ مَا لَانَ مِنْ أَصْلِهَا، وَهُوَ مُعَلَّقُ الْقُرْطِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ) : وَقَدْ يُقَالُ أَنَّ أَبَا عُمَرَ كُنْيَةُ يَحْيَى. (الْمَكِّيُّ) : وَهُوَ الْعَدَنِيُّ فِي الْأَصْلِ، صَدُوقٌ، ضَعِيفُ السَّنَدِ، وَكَانَ لَازَمَ ابْنَ عُيَيْنَةَ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ فِيهِ غَفْلَةٌ، أَكْثَرَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ حَدِيثَهُ، وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِي الشَّمَايِلِ «ابْنُ أَبِي عُمَرَ» فَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ

ص: 77

يَحْيَى، وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) : بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْجِيمِ الْمَكْسُورَةِ فَتَحْتِيَّةٌ فَمُهْمَلَةٌ، اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، رَوَى حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلَمْ يُتَرْجِمْ لَهُ أَحَدٌ. (عَنْ مُجَاهِدٍ) : أَيِ ابْنِ جَبْرٍ، بِفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ، الْمَخْزُومِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيِّ، ثِقَةٌ، إِمَامٌ فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ. (عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) : بِكَسْرِ النُّونِ، وَهَمْزٍ فِي آخِرِهِ، وَاسْمُهَا فَاخِتَةٌ، بِكَسْرِ الْخَاءِ، وَقِيلَ عَاتِكَةُ، وَقِيلَ هِنْدٌ. (بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ) : أُخْتُ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، أَسْلَمَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ، رِوَايَتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا، قَالَ مِيرَكُ: أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَقَالَ فِي جَامِعِهِ

قَالَ مُحَمَّدٌ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ -: لَا نَعْرِفُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْجَعْدِ: رِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. أَقُولُ وَلَا مُنَافَاةَ إِذِ الْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ إِنَّمَا تَمْنَعُ الصِّحَّةَ عِنْدَهُ. (قَالَتْ: قَدِمَ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ جَاءَ أَوْ نَزَلَ. (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ) : ظَرْفُ «قَدِمَ» وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ: «قَدِمَ عَلَيْنَا بِمَكَّةَ» ، وَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا بِهِ كَمَا قِيلَ فِي «دَخَلْتُ الدَّارَ» . (قَدْمَةً) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنَ الْقُدُومِ، مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِقَدِمَ، وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدُومَاتٌ أَرْبَعَةٌ لِمَكَّةَ: عُمْرَةُ الْقَضَاءِ، وَفَتْحُ مَكَّةَ، وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةَ، وَلِحَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْدَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اغْتَسَلَ وَصَلَّى الضُّحَى فِي بَيْتِهَا. (وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ) : بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ جَمْعُ غَدِيرَةٍ، وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ، أَيْ: قَدِمَ مَكَّةَ، وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ ضَفَائِرَ وَيُقَالُ ذَوَائِبَ.

(حَدَّثَنَا سُوَيْدُ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ وَاوٍ. (بْنُ نَصْرٍ) : بِفَتْحِ نُونٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي الْمُقَدِّمَةِ: هَذِهِ الْكَلِمَةُ إِذَا نُكِّرَتْ كَانَتْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَإِذَا عُرِّفَتْ كَانَتْ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، انْتَهَى. وَهُوَ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

(حَدَّثَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «أَنَا» . (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ) : أَيِ الْمَرْوَزِيُّ، مَوْلَى بَنِي حَنْظَلَةَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، فَقِيهٌ، عَالِمٌ، جَوَادٌ، مُجَاهِدٌ، صُوفِيٌّ، عَابِدٌ، وَكَانَ أَبُوهُ مَمْلُوكًا لِرَجُلٍ مِنْ هَمْدَانَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ فِي صِحَاحِهِمْ. (عَنْ مَعْمَرٍ) : بِفَتْحِ مِيمَيْنِ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ، بَيْنَهُمَا هُوَ ابْنُ رَاشِدٍ الْبَصْرِيُّ، نُزِيلُ الْيَمَنِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ. (عَنْ ثَابِتٍ) : أَيِ الْبُنَانِيِّ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، ثِقَةٌ، عَابِدٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ، مَاتَ وَلَهُ أَحْوَالٌ ظَاهِرَةٌ. (

ص: 78

عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ شَعْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ) : أَيْ أَحْيَانًا. (إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ) : قِيلَ: جَمْعُ نِصْفٍ، أُرِيدَ بِهِ مَا فَوْقَ

الْوَاحِدِ، وَهَذَا إِخْبَارٌ بِمَا هُوَ أَلْيَقُ بِالْإِنْصَافِ، وَحَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ: كَأَنَّهُ جَمَعَ الْأَنْصَافَ دَلَالَةً عَلَى تَعَدُّدِ النِّصْفِ الْمُنْتَهِي إِلَيْهِ ; فَتَارَةً إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَتَارَةً إِلَى مَا فَوْقَهَا، وَتَارَةً إِلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ الْفَوْقِ وَهُوَ أَعْلَاهُ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِالنِّصْفِ مُطْلَقَ الْبَعْضِ كَحَدِيثِ:«تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ» . وَذَلِكَ الْبَعْضُ مُتَعَدِّدٌ أَكْثَرُ مِنَ اثْنَيْنِ ; لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ تَارَةً إِلَى نِصْفِ الْأُذُنِ، وَتَارَةً لِمَا دُونَهُ، وَتَارَةً إِلَى مَا فَوْقَهُ. هَذَا وَالْمَقْصُودُ مِنْ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ هُنَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْهُ أَوَّلَ الْبَابِ تَقْوِيَةُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَأَنَّهُ رُوِيَ بِإِسْنَادَيْنِ وَانْتِفَاءُ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ تَدْلِيسِ حُمَيْدٍ.

(حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «ثَنَا» . (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ) : أَيِ الْأَيْلِيُّ بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ. (عَنِ الزُّهْرِيِّ) : وَهُوَ ابْنُ شِهَابٍ، إِمَامٌ جَلِيلٌ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ. (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) : بِالتَّصْغِيرِ. (بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) : بِالتَّكْبِيرِ. (بْنِ عُتْبَةَ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ فَوْقِيَّةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، فَقِيهٌ، ثَبْتٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ، وَأَبُوهُ أَيْضًا مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ وَالرَّاسِخِينَ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ، وَجَدُّهُ عُتْبَةُ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) : كَذَا وَصَلَهُ يُونُسُ وَوَافَقَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. فَذَكَرُهُ مُرْسَلًا، وَكَذَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ حَيْثُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ فَوْقَهُ. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْدِلُ) : أَيْ يُرْسِلُ، قَالَ مِيرَكُ: هُوَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الدَّالِ، أَيْ: يَتْرُكُ شَعْرَ نَاصِيَتِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ. (شَعْرَهُ) : أَيْ عَلَى جَبِينِهِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْجَبِينِ وَاتِّخَاذُهُ كَالْقُصَّةِ أَيْ بِضَمِّ الْقَافِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ، انْتَهَى. وَقِيلَ: سَدَلَ الشَّعْرَ إِذَا أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَضُمَّ جَوَانِبَهُ، وَقِيلَ: السَّدْلُ أَنْ يُرْسِلَ الشَّخْصُ شَعْرَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَلَا يَجْعَلَهُ فِرْقَتَيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِرْقَتَيْنِ كُلُّ فِرْقَةٍ ذُؤَابَةٌ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ:(وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ) : بِسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَرُوِيَ مِنَ التَّفْرِيقِ. (رُءُوسَهُمْ) : أَيْ شُعُورِهَا، أَيْ يَفْرُقُونَ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ وَيَكْشِفُونَهُ عَنْ جَبِينِهِمْ، وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْفَرْقُ قِسْمَةُ الشَّعْرِ، وَالْمَفْرِقُ وَسَطُ الرَّأْسِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. (وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ) : أَيْ شَعْرَهَا. (وَكَانَ) : أَيْ هُوَ صلى الله عليه وسلم. (يُحِبُّ مُوَافِقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ) : أَيْ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ، وَهُوَ إِمَّا

لِمُنَاسَبَةِ قُرْبِ

ص: 79

الْجِنْسِيَّةِ فِي مُشَارَكَةِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَسَائِرِ الْقَوَاعِدِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَإِمَّا لِإِرَادَةِ الْفَهْمِ وَتَقْرِيبِهِمْ إِلَى الْحَقِّ فَإِنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْإِيمَانِ، فَهُمْ بِالْأُلْفَةِ أَحَقُّ وَأَلْيَقُ، قَالَ مِيرَكُ: فَإِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِبَقَايَا مِنْ شَرَائِعِ الرُّسُلِ، فَكَانَتْ مُوَافَقَتُهُمْ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مُوَافَقَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا مَا لَمْ يَجِئْ فِي شَرْعِنَا بِمَا يُخَالِفُهُ، وَعَكَسَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَقُلْ «يُحِبُّ» بَلْ كَانَ يَتَحَتَّمُ الِاتِّبَاعُ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّ الْقَائِلَ بِهِ يَقْصُرُهُ عَلَى مَا وَرَدَ فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ شَرْعٌ لَهُمْ لَا مَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ إِذْ لَا تَوْثِيقَ بِنَقْلِهِمْ، قَالَ النَّوَوِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ فَقِيلَ: فَعَلَهُ ائْتِلَافًا لَهُمْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَمُوَافَقَةً لَهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَلَمَّا أَغْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ خَالَفَهُمْ فِي أُمُورٍ كَصَبْغِ الشَّيْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، انْتَهَى. حَيْثُ وَرَدَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ، وَمِنْهَا صَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، ثُمَّ أَمَرَ بِنَوْعِ مُخَالَفَةٍ لَهُمْ فِيهِ بِصَوْمِ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَمِنْهَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ فِي مُخَالَطَةِ الْحَائِضِ، وَمِنْهَا النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِأَنَّهُ الْمَنْسُوخُ، وَنَاسِخُهُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ يَتَحَرَّى ذَلِكَ وَيَقُولُ:«إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْكُفَّارِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» . وَفِي لَفْظٍ: مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صِيَامِهِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:«يَوْمَا عِيدٍ» أَنَّ السَّبْتَ عِيدُ الْيَهُودِ، وَالْأَحَدَ عِيدُ النَّصَارَى. وَقَالَ آخَرُونَ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَمَرَ بِاتِّبَاعِ شَرَائِعِهِمْ فِيمَا لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوهُ. (ثُمَّ فَرَقَ) : بِالتَّخْفِيفِ وَيُشَدَّدُ. (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ) : أَيْ شَعْرَهُ بِأَنْ أَلْقَى شَعْرَ رَأْسِهِ إِلَى جَانِبَيْهِ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا عَلَى جَبْهَتِهِ، قَالُوا: وَالْفَرْقُ سُنَّةٌ لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ بِوَحْيٍ لِقَوْلِهِ: «مَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ» . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: نُسِخَ السَّدْلُ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلَا اتِّخَاذُ النَّاصِيَةِ وَالْجُمَّةِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُ الْفَرْقِ لَا وُجُوبُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْفَرْقَ كَانَ اجْتِهَادًا فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا بِوَحْيٍ، فَيَكُونُ الْفَرْقُ مُسْتَحَبًّا، انْتَهَى. وَلَعَلَّ حِكْمَةَ عُدُولِهِ عَنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا أَنَّ الْفَرْقَ أَقْرَبُ إِلَى النَّظَافَةِ وَأَبْعَدُ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي غَسْلِهِ وَعَنْ مُشَابَهَةِ النِّسَاءِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ السَّدْلِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ وَإِلَّا حُرِّمَ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ، انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُ جَوَازَ السَّدْلِ مَا رُوِيَ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ يَسْدِلُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْرِقُ، وَلَمْ يَعِبْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَوْ كَانَ الْفَرْقُ وَاجِبًا لَمَا سَدَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ، وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ: الصَّحِيحُ جَوَازُهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ:

وَزَعْمُ نَسْخِهِ يَحْتَاجُ لِبَيَانِ نَاسِخِهِ وَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الْمَنْسُوخِ، وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ. نَعَمْ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:

ص: 80

أَمَّا تَوَهُّمُ النَّسْخِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، لَكِنَّ الْعَسْقَلَانِيَّ قَالَ: جَزَمَ الْحَازِمِيُّ أَنَّ السَّدْلَ نُسِخَ بِالْفَرْقِ، وَاسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ «ثُمَّ أَمَرَ بِالْفَرْقِ» ، وَكَانَ الْفَرْقُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ، أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ عَنْ يَافُوخِهِ. وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ: إِذَا فَرَقْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ صَدَعْتُ فِرْقَةً عَنْ يَافُوخِهِ وَأَرْسَلْتُ نَاصِيَتَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ: الْيَافُوخُ مُؤَخَّرُ الرَّأْسِ مِمَّا يَلِي الْقَفَا، يَعْنِي: أَحَدُ طَرَفَيْ ذَلِكَ الْخَطِّ عِنْدَ الْيَافُوخِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عِنْدَ جَبْهَتِهِ مُحَازِيًا لِمَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ لِيَكُونَ نِصْفُ الشَّعْرِ مِنْ يَمِينِ ذَلِكَ الْفَرْقِ وَنَصِفُهُ مِنْ يَسَارِهِ. وَقَالَ الشَّارِحُ زَيْنُ الْعَرَبِ: الْفَرْقُ بِسُكُونِ الرَّاءِ، الْخَطُّ الظَّاهِرُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا قُسِمَ نِصْفَيْنِ، وَذَلِكَ الْخَطُّ بَيَاضُ بَشَرَةِ الرَّأْسِ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ شَعْرِ الرَّأْسِ.

(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ) : بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْهِدَايَةِ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، عَدْلٌ، حَافِظٌ، عَارِفٌ بِالرِّجَالِ. (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ الْمَكِّيِّ) : أَيِ الْمَخْزُومِيِّ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) : بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ جِيمٍ. (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) : سَبَقَ ضَبْطُهَا. (قَالَتْ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَا ضَفَائِرَ أَرْبَعٍ) : جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَغَدَائِرَ جَمْعُ غَدِيرَةٍ وَهُمَا بِمَعْنًى، وَالضَّفْرُ نَسْجُ الشَّعْرِ وَغَيْرِهِ، وَالضَّفِيرَةُ الْعَقِيصَةُ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ حِلُّ ضَفْرِ الشَّعْرَ حَتَّى لِلرِّجَالِ، وَلَيْسَ يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا اعْتِيدَ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ، أَقُولُ عَادَةُ السَّادَةِ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ أَيْضًا هِيَ الضَّفْرُ أَيْضًا، لَكِنْ عَلَى غَدِيرَتَيْنِ وَاقِعَتَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِمْ تَفْرِقَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النِّسَاءِ إِذْ عَادَتُهُنَّ وَضْعُ الضَّفَائِرِ خَلْفَهُنَّ، وَهَذَا الْفَرْقُ يَكْفِي فِي عَدَمِ التَّشَبُّهِ بِهِنَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ مِيرَكُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدِ اخْتَلَفَتْ فِي وَصْفِ شَعْرِهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي رِوَايَةٍ لِأَنَسٍ: شَعْرُهُ فِي نِصْفِ أُذُنَيْهِ. وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: كَانَ يَبْلُغُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ. وَيُوَافِقُهُ حَدِيثُ الْبَرَاءِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ. أَوِ الْعَكْسُ، وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ: بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ: لَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. وَهَذَا مُحَصَّلُ الْأَخْبَارِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ: لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ. وَهُوَ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا، فَهَذِهِ سِتُّ رِوَايَاتٍ ; الْأُولَى: نِصْفُ أُذُنَيْهِ، الثَّانِيَةُ: إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ، وَالثَّالِثَةُ: بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ

الْخَامِسَةُ قَرِيبٌ مِنْهُ، السَّادِسَةُ: لَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ. إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ عِيَاضًا قَالَ: الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مِنْ شَعْرِهِ مَا كَانَ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَهُوَ الْوَاصِلُ إِلَى نِصْفِ أُذُنَيْهِ، وَالَّذِي بَعْدَهُ هُوَ مَا بَلَغَ شَحْمَةَ الْأُذُنِ وَمَا يَلِيهِ هُوَ الْكَائِنُ بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، وَمَا كَانَ خَلْفَ الرَّأْسِ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ، انْتَهَى. وَهُوَ لَا يَخْلُو مِنْ بُعْدٍ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ وَصَفَ شَعْرَهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ مَجْمُوعَهُ أَوْ مُعْظَمَهُ لَا كُلَّ قِطْعَةٍ قِطْعَةٍ مِنْهُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ: إِنَّ الِاخْتِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَتَنَوُّعِ الْحَالَاتِ فَإِذَا غَفَلَ عَنْ تَقْصِيرِهِ بَلَغَ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ، وَإِذَا قَصَّرَهُ كَانَ إِلَى أَنْصَافِ الْأُذُنَيْنِ، فَطَفِقَ يَقْصُرُ ثُمَّ يَطُولُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَعَلَى هَذَا تَرْتِيبُ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فَكُلُّ وَاحِدٍ أَخْبَرَ عَمَّا رَآهُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَحْيَانِ بِوَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ، انْتَهَى. وَهَذَا الْجَمْعُ لَا يَخْلُو عَنْ تَأَمُّلٍ أَيْضًا ; إِذْ لَمْ يُرْوَ تَقْصِيرُ الشَّعْرِ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدِ اضْطَرَبَ قَوْلُ الشُّرَّاحِ فِي تَحْقِيقِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُقَالَ: فَطَفِقَ يُقَصِّرُ ثُمَّ يُطَوِّلُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأَسَهُ فِي عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ أَيْضًا، فَإِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْحَلْقِ كَانَ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ ثُمَّ يَطُولُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَصِيرُ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ وَمَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ وَعَاتِقِهِ، وَغَايَةُ طُولِهِ أَنَّهُ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ إِذَا طَالَ زَمَانُ إِرْسَالِهِ بَعْدَ الْحَلْقِ فَأَخْبَرَ كُلُّ رَاوٍ بِمَا رَآهُ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ شَعْرِهِ صلّى الله عليه

ص: 81