الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأُخْرَى. (ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ) : وَهَذَا كَانَ فِي سَفَرٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سِفْرٍ فَقَالَ: «أَمَعَكَ مَاءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَمَشَى حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فِي سَوَادِ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَاءَ، فَأَفْرَغْتُ عَلَيْهِ الْإِدَاوَةَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ مِنْ صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُخْرِجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْهَا حَتَّى أَخْرَجَهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ. وَلَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى: فَذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْ كُمَّيْهِ فَكَانَا ضَيِّقَيْنِ، فَأَخْرَجَ مِنْ تَحْتِ بَدَنِهِ. بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ فَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ، أَيْ جُبَّتِهِ، كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى الْبَدَنُ بِفَتْحَتَيْنِ، دِرْعٌ قَصِيرَةٌ ضَيِّقَةُ الْكُمَّيْنِ. زَادَ مُسْلِمٌ: وَأَلْقَى الْجُبَّةَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَعَلَى خُفَّيْهِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ: كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبَّادِ بْنِ زِيَادَةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ حَتَّى وَجَدَ النَّاسُ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ; فَصَلَّى بِهِمْ، فَأَدْرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ صِلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ النَّاسَ. وَفِي أُخْرَى: قَالَ الْمُغِيرَةُ: فَأَرَدْتُ تَأْخِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُ» . كَذَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الِانْتِفَاعُ بِثِيَابِ الْكُفْرِ حَتَّى يُتَحَقَّقُ نَجَاسَتُهَا ; لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ، وَلَمْ يَتَفَصَّلْ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ ; لِأَنَّ الْجُبَّةَ كَانَتْ شَامِيَّةً وَكَانَتِ الشَّامُ إِذَا ذَاكَ دَارُ كُفْرٍ، وَمِنْهَا جَوَازُ لُبْسِ الصُّوفِ. وَكَرِهَ مَالِكٌ لُبْسَهُ لِمَنْ يَجِدُ غَيْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّهْرَةِ بِالزُّهْدِ ; لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْعَمَلِ أَوْلَى، وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّوَاضُعُ فِي لُبْسِهِ بَلْ فِي الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ بِدُونِ ثَمَنِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قِيلَ فِيهِ: نَدْبُ اتِّخَاذِ ضَيِّقِ الْكَمِّ فِي السَّفَرِ لَا فِي الْحَضَرِ ; لِأَنَّ أَكْمَامَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم كَانَتْ وَاسِعَةً. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَإِنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ تَحَرَّاهَا لِلسَّفَرِ، وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَبِسَهَا لِلدِّفَاءِ مِنَ الْبَرْدِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ اتِّسَاعِ الْأَكْمَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَكْمَامَ جَمْعُ كُمٍّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جُمَعُ كُمَّةٍ، وَهِيَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ، فَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ: مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ اتِّسَاعُ الْكُمَّينِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى السِّعَةِ الْمُفْرِطَةِ، وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيَّنٌ، وَلِذَا قَالَ فِي النُّتَفِ مِنْ كُتِبِ أَئِمَّتِنَا: يُسْتَحَبُّ اتِّسَاعُ الْكُمِّ قَدْرَ شِبْرٍ. . .
(بَابُ مَا جَاءَ فِي عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا هَذَا الْبَابَ الصَّغِيرَ فِي عَيْشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بَعْدَ بَابِ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَابٌ طَوِيلٌ فِي بَيَانِ عَيْشِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَاهُنَا ذَاكَ الْبَابُ الطَّوِيلُ فِي عَيْشِهِ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ مَشَايِخِنَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ إِيرَادُ بَابِ الْعَيْشِ بَيْنَ بَابِ اللِّبَاسِ وَبَابِ الْخُفِّ غَيْرُ مُلَائِمٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ صَنِيعِ نَسْخِ الْكِتَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَتَبَهُ الْفَقِيرُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ الْحُسَيْنِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، كَذَا وَجَدَتْهُ بِخَطِّ مِيرَكَ شَاهْ عَلَى هَامِشِ نُسْخَةٍ فَقَالَ الْحَنَفِيُّ: وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّوِيلُ بَعْدَ الْقَصِيرِ، وَيَتَّجِهُ عَلَى كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ أَنَّ جَعْلَهُمَا بَابَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: يَأْتِي هَذَا الْبَابُ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ حِكْمَةِ ذَلِكَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَبْدَى لِذَلِكَ مَا لَا يُجْدِي، وَقَالَ: هُنَاكَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْبَابَ فِيمَا مَرَّ عَلَى مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ، ثُمَّ أَعَادَهُ هَاهُنَا بِزِيَادَاتٍ أُخَرَ أَخْرَجَتْهُ عَنِ التَّكْرَارِ الْمَحْضِ، ثُمَّ أَطَالَ بِكَلَامٍ خَارِجٍ عَنِ الْمَرَامِ مَعَ التَّنْجِيحِ الزَّائِدِ فِي كُلِّ مَقَامٍ، وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِأَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ ضِيقِ عَيْشِهِ صلى الله عليه وسلم فِي كُلِّ بَابٍ، وَأَحَادِيثُ ذَاكَ الْبَابِ دَالَّةٌ عَلَى مَا جَاءَ فِي ضِيقِ عَيْشِهِ الْمَخْصُوصِ بِهِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ هَذَا الْبَابُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضِيقِ عَيْشِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ، وَذَاكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى آخِرِ أَمْرِهِ إِشَارَةً إِلَى اسْتِوَاءِ حَالَيْهِ فِي اخْتِيَارِهِ صلى الله عليه وسلم أَوِ اخْتِيَارِهِ تَعَالَى لَهُ الطَّرِيقَ الْمُخْتَارَ مِنَ الْفَقْرِ وَالصَّبْرِ وَالشُّكْرِ وَالرِّضَا فِي الدَّارِ الْغَدَّارِ ; إِذْ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ وَهِيَ دَارُ الْقَرَارِ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ فَلَا تَكْرَارَ فِي الْمَعْنَى، فَلَا يُنْظَرُ إِلَى الْمَبْنَى ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَوَسُّعِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَتَّى لَبِسَ مِثْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَوْبَيْنِ مُمَشَّقَيْنِ مِنَ الْكَتَّانِ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ بَعْدَ بَابِ اللِّبَاسِ مُقَدَّمًا عَلَى بَابِ الْخُفِّ، هَذَا وَالْعَيْشُ: الْحَيَاةُ، وَمَا يَكُونُ بِهِ الْحَيَاةُ مِثْلُ الْمَعِيشَةِ وَفِي الْمَثَلِ: عَيْشٌ مَرَّةً وَجَيْشٌ مَرَّةً ; مَثَلٌ فِي الرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، كَذَا فِي تَاجِ الْأَسَامِي.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ) : أَيِ السِّخْتِيَانَيُّ، نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ السِّخْتِيَانِ أَيِ الْجُلُودِ أَوْ عَمَلِهَا. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) : بِكَسْرِ السِّينِ بَعْدَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبِفَتْحِ النُّونِ عَلَى ضَبْطٍ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، قَالَ الْعِصَامُ: الظَّاهِرُ أَنَّ سِيرِينَ كَغِسْلِينَ، وَأَنَّهُ مُصَرَّفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْعَلَمِيَّةُ لَكِنْ قُيِّدَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ بِالْفَتْحَةِ، وَوَجْهُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ إِذِ الْعُجْمَةُ فِيهِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ ; لِأَنَّهُ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ، قُلْتُ بِوَجْهٍ بِمَا قَالَ الْجَعْبَرِيُّ
نَقْلًا عَنْ بَعْضِ النُّحَاةِ أَنَّ مُطْلِقَ الْمَزِيدَتَيْنِ كَغَلْبُونَ وَنَحْوِهِ عِلَّةٌ لِمَنْعِ الصَّرْفِ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْمَوَالِي لَا مِنَ الْعَرَبِ، فَلَا بِدَعَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْعُجْمَةُ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ سِيرِينَ أُمُّهُ فَيَكُونُ فِيهِ عِلَّتَانِ التَّأْنِيثُ وَالْعِلْمِيَّةُ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. ثُمَّ هُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، مَشْهُورٌ، إِمَامٌ فِي عِلْمِ التَّعْبِيرِ وَغَيْرِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ، وَهُوَ مِنْ مَوَالِي أَنَسٍ كَاتَبَهُ عَلَى عِشْرِينَ أَلْفًا فَأَدَّاهَا وَعُتِقَ، وَكَانَ لَهُ أَوْلَادٌ سِتَّةٌ كُلُّهُمْ نُجَبَاءُ مُحَدِّثُونَ وَهُمْ: مُحَمَّدٌ وَمَعْبَدٌ وَأُنَيْسٌ وَيَحْيَى وَحَفْصَةُ وَكَرِيمَةُ، وَمِنْ نَوَادِرِ الْأَسَانِيدِ: رَوَى مُحَمَّدُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أُنَيْسٍ، حَيْثُ وَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةُ أُخُوَّةٍ. (قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ) : أَيْ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ ثَوْبَانِ آخَرَانِ. (مُمَشَّقَانِ) : بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْمُثَقَّلَةِ، أَيْ مَصْبُوغَانِ بِالْمِشْقِ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ، قَالَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَقِيلَ هُوَ الْمِغْرَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ، قِيلَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَمَرَّ مَا يَدْفَعُ ذَلِكَ، وَأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَا إِشْكَالَ، انْتَهَى. وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحُمْرَةِ مُعَلَّلٌ بِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الشَّيْطَانِ، وَالْمَصْبُوغُ بِالطِّينِ الْأَحْمَرِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الشَّأْنُ. (مِنْ كَتَّانٍ) : بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ، بَيَانٌ لَثَوْبَانِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. (فَتَمَخَّطَ) : أَيِ اسْتَنْثَرَ وَطَهَّرَ أَنْفَهُ. (فِي أَحَدِهِمَا) : وَمِنْهُ الْمُخَاطُ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ. (فَقَالَ) : أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ. (بَخْ بَخْ) : بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِكَسْرِهَا مُنَوَّنَةً، وَفِي نُسْخَةٍ بِتَشْدِيدِهَا مُنَوَّنَةً، فِي النِّهَايَةِ: هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الْفَرَحِ وَالرِّضَاءِ بِالشَّيْءِ وَتُكَرَّرُ لِلْمُبَالَغَةِ،
وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ فَإِنْ وُصِلَتْ خُفِضَتْ وَنُوِّنَتْ وَرُبَّمَا شُدِّدَتْ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَرُوِيَ بِالرَّفْعِ، وَإِذَا كُرِّرَتْ فَالِاخْتِيَارُ تَحْرِيكُ الْأَوَّلِ وَإِسْكَانُ الثَّانِي. يَعْنِي إِمَّا رُجُوعًا إِلَى الْأَصْلِ أَوْ مَرْعَاةً لِلْوَقْفِ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَعْنَاهُ تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمُهُ، وَسُكِّنَتِ الْخَاءُ كَسُكُونِ اللَّامِ فِي بَلْ وَهَلْ، مَنْ قَالَ «بَخٍّ» بِكَسْرِهِ مُنَوَّنًا فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالْأَصْوَاتِ كَصَهٍ وَمَهٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: بَخْ بَخْ وَبِهْ وَبِهْ. قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ بَخْ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِتَنْوِينِهَا مَكْسُورَةً، وَحَكَى الْقَاضِي الْكَسْرَ بِلَا تَنْوِينٍ، وَحَكَى: الْأَحْمَرُ التَّشْدِيدَ فِيهِ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: فِيهَا لُغَاتٌ: إِسْكَانُ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا تَنْوِينًا وَبِغَيْرِ تَنْوِينِ الْأُولَى وَتَسْكِينِ الثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهَا تَفْخِيمُ الْأَمْرِ وَالْإِعْجَابُ بِهِ وَالْمَدْحُ لَهُ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا هُنَا التَّعَجُّبُ وَالِاسْتِغْرَابُ لِقَوْلِهِ: (يَتَمَخَّطُ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْكَتَّانِ) : قَالَ الْعِصَامُ: اسْتِئْنَافٌ أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ السُّؤَالُ عَنْ جِهَةِ التَّعَجُّبِ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ مُقَدَّرَةٌ فِي الْكَلَامِ، وَالْعَجَبُ مِنَ ابْنِ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بَخٍ لِلْإِنْكَارِ، وَفِي صِحَّتِهِ هُنَا نَظَرٌ، انْتَهَى. إِذْ صِحَّةُ الْإِنْكَارِ أَمْرٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ بَيَّنَ وَجْهَ التَّعَجُّبِ بِقَوْلِهِ:(لَقَدْ) : وَاللَّامُ فِي جَوَابِ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ (رَأَيْتُنِي) : وَإِنَّمَا اتَّصَلَ الضَّمِيرَانِ وَهُمَا لِوَاحِدٍ حَمْلًا لِرَأَى الْبَصْرِيَّةِ عَلَى الْقَلْبِيَّةِ فَإِنَّ كَوْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ ضَمِيرَيْنِ وَمُتَّصِلَيْنِ مِنْ خَصَائِصِ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ، أَيْ عَلِمْتُنِي لَا رَأَيْتُ نَفْسِيِّ، وَبِتَقْرِيرِنَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْجُمْلَةَ الْقَسَمِيَّةَ بَيَانِيَّةٌ وَاسْتِئْنَافِيَّةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ حَجَرٍ تَبَعًا لِلْعِصَامِ أَنَّ اللَّامَ لِلْقَسَمِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ بِتَقْدِيرِ الْقِصَّةِ لِيَتَّحِدَ زَمَانُ الْحَالِ وَعَامِلُهُ. (وَإِنِّي) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ رَأَيْتُ. (لَأَخِرُّ) : بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِّ ضَرَبَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخُرُورِ
أَيْ أَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ السَّاجِدِ. (فِيمَا بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها : إِشَارَةً إِلَى مَوْضِعِ الْأَحْبَابِ الْأَصْحَابِ مِنْ غَيْرِ خَفَاءٍ وَاحْتِجَاجٍ. (مَغْشِيًّا عَلِيَّ) : أَيْ مِنْ غَلَبَةِ الْجُوعِ، وَهُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ «أَخِرُّ» أَيْ مُسْتَوْلِيًا عَلَيَّ الْغِشِّيُ. (فَيَجِيءُ الْجَائِي) : أَيِ الْوَاحِدُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ. (فَيَضَعُ رِجْلَهُ) : أَيْ قَدَمَهُ. (عَلَى عُنُقِي) : لِيَسْكُنَ اضْطِرَابِي وَقَلَقِي، أَخْبَرَ عَنِ الْأُمُورِ الْمَاضِيَةِ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ، أَعْنِي: أَخِرُّ وَيَجِيءُ وَيَضَعُ ; اسْتِحْضَارًا لِلصُّوَرِ الْوَاقِعَةِ. (يُرَى) : بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ حَالٍ أَيْ يَظُنُّ الْجَائِي. (أَنَّ بِي جُنُونًا) : أَيْ نَوْعًا مِنَ الْجُنُونِ وَهُوَ الصَّرَعُ. (وَمَا بِي جُنُونٌ) : أَيْ وَالْحَالُ أَنْ لَيْسَ بِي مَرَضُ الْجُنُونِ. (وَمَا هُوَ) : أَيْ مَا هُوَ بِي وَيَعْنِي مَا الَّذِي بِي. (إِلَّا الْجُوعُ) : أَيْ أَثَرُهُ وَاسْتِيلَاؤُهُ عَلَيَّ، وَعِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ، وَإِنْ كَانَ لَيُغْشَى عَلَيَّ فِيمَا بَيْنَ بَيْتِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِنَ الْجُوعِ. وَلَا مُنَافَاةَ لِوُقُوعِ التَّعَدُّدِ، وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ: فَلَقِيتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَوْمًا فَاسْتَقْرَأْتُهُ آيَةً، فَذَكَرَهَا، قَالَ: فَمَشَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَخَرَرْتُ عَلَى وَجْهِي مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي. وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقٍ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُشْبِعَ بَطْنِي، وَكُنْتُ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصَى مِنَ الْجُوعِ، وَإِنِّي كُنْتُ أَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الْآيَةَ وَهِيَ مَعِي كَيْ يَفْطَنَ بِي وَيُطْعِمَنِي. وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: وَكُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمْ يُجِبْنِي حَتَّى يَذْهَبَ بِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: يَا أَسْمَاءُ أَطْعِمِينَا، فَإِذَا أَطْعَمَتْنَا أَجَابَنِي. قَالَ: وَكَانَ جَعْفَرُ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَجْلِسُ إِلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَنِّيهِ بِأَبِي الْمَسَاكِينِ، وَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ عَنْهُ قَالَ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَطْعَمْ فَجِئْتُ أُرِيدُ الصُّفَّةَ، فَجَعَلْتُ أَسْقُطُ فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ جُنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الصُّفَّةِ فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِقَصْعَةِ ثَرِيدٍ فَدَعَا عَلَيْهَا أَهْلَ الصُّفَّةِ وَهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ كَيْ يَدْعُوَنِي حَتَّى قَامُوا وَلَيْسَ فِي الْقَصْعَةِ إِلَّا شَيْءٌ فِي نَوَاحِيهَا، فَجَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَارَتْ لُقْمَةً فَوَضَعَهَا عَلَى أَصَابِعِهِ فَقَالَ لِي:«كُلْ بَاسِمِ اللَّهِ» ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا زِلْتُ آكُلُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعْتُ. وَوَجْهُ إِيرَادِ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ فَقْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ