الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ. وَجَمَعَ الطَّبَرِيُّ بَيْنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَةِ عَلَى الْخَضْبِ وَالْأَخْبَارِ الدَّالَةِ عَلَى خِلَافِهِ بِأَنَّ الْأَمْرَ لِمَنْ يَكُونُ شَيْبُهُ مُسْتَبْشَعًا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْخِضَابُ، وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فَلَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنَّ الْخِضَابَ مُطْلَقًا أَوْلَى لِأَنَّ فِيهِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ
وَفِيهِ صِيَانَةٌ لِلشَّعْرِ عَنْ تَعَلُّلِ الْغُبَارِ وَغَيْرِهِ، إِلَّا إِنْ كَانَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ تَرْكُ الصَّبْغِ فَالتَّرْكُ فِي حَقِّهِ أَوْلَى، انْتَهَى. وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ، ثُمَّ إِنَّ الْقَائِلِينَ بِاسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ: هَلْ يَجُوزُ الْخَضْبُ بِالسَّوَادِ وَالْأَفْضَلُ الْخِضَابُ بِالْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ، وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ، وَاسْتَحَبُّوا الْخِضَابَ بِالْحُمْرَةِ أَوِ الصُّفْرَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ، قَالَ: أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثُّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " غَيِّرُوا هَذَا وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضْعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْلَمَ وَرَأَسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثُّغَامَةِ بَيَاضًا إِلَى آخِرِهِ. وَزَادَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ: فَذَهَبُوا بِهِ وَحَمَّرُوهُ. وَالثُّغَامَةُ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ نَبَاتٌ شَدِيدُ الْبَيَاضِ زَهْرُهُ وَثَمَرُهُ. وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ: " إِنْ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ ". أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الصَّبْغَ بِهِمَا يَخْرُجُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ.
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ:" مَا أَحْسَنَ هَذَا " قَالَ فَمَرَّ آخَرُ قَدْ خَضَبَ بِالصُّفْرَةِ، فَقَالَ:" هَذَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ ". أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ.
وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا: يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِهَذَا السَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَجِدُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ.
وَلِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ: " مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ، وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَيُسْتَحَبُّ فِي حَقِّ النِّسَاءِ، وَيُحَرَّمُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ إِلَّا لِلتَّدَاوِي.
هَذَا وَأَوَّلُ مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ فِرْعَوْنُ. ثُمَّ إِنَّ نَتْفَ الشَّيْبِ يُكْرَهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا:" لَا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ فَإِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ ". رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ. وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ نَتْفَ الرَّجُلِ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لَا يُكْرَهُ نَتْفُ الشَّيْبِ إِلَّا عَلَى وَجْهِ التَّزْيِينِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنِ النَّتْفِ دُونَ الْخَضْبِ ; لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرُ الْخِلْقَةِ مِنْ أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْخَضْبِ فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ عَلَى النَّاظِرِ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقِ لِلصَّوَابِ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي كُحْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
الْكَحْلُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَبِالضَّمِّ اسْمٌ لِلَّذِي يُكْتَحَلُ بِهِ، قَالَ مِيرَكُ: وَالْمَسْمُوعُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ الضَّمُّ وَإِنْ كَانَ لِلْفَتْحِ وَجْهٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى إِذْ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ التَّصْرِيحُ بِمَا يُكْتَحَلُ بِهِ إِلَّا فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ، وَأَكْثَرُ الطُّرُقِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ اكْتِحَالِهِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ) : بِالتَّصْغِيرِ. (الرَّازِّيُّ) : وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَوَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَرَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى اخْتُلِفَ فِيهِ، وَكَانَ ابْنُ مَعِينٍ يَقُولُ: حَسَنُ
الرَّأْيِ. وَقِيلَ حَافِظٌ ضَعِيفٌ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ) : مَنْسُوبٌ إِلَى الطَّيَالِسَةِ وَهِيَ جَمْعُ الطَّيْلَسَانِ. (عَنْ عَبَّادِ) : بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ. (بْنِ مَنْصُورٍ) : وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِهَا، صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَتَغَيَّرَ بِآخِرِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ فِي صِحَاحِهِمْ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ. (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ) :
أَيْ دُومُوا عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَمِيمٍ مَكْسُورَةٍ، حَجَرٌ يُكْتَحَلُ بِهِ، وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: هُوَ الْحَجَرُ الْمَعْدِنِيُّ، وَقِيلَ هُوَ الْكُحْلُ الْأَصْفَهَانِيُّ، يُنَشِّفُ الدَّمْعَةَ وَالْقُرُوحَ وَيَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَيُقَوِّي عِصَابَتِهَا لَا سِيَّمَا لِلشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ.
وَفِي تَاجِ الْأَسَامِي: الْإِثْمِدُ تُوتْيَا، وَفِي رِوَايَةٍ «بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ» ، وَهُوَ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْمِسْكُ الْخَالِصُ كَذَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ: «لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ» . وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ. وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ، وَلِأَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِثْمِدٌ يَكْتَحِلُ بِهِ عِنْدَ مَنَامِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا. (فَإِنَّهُ) : أَيِ الْإِثْمِدَ أَوِ الِاكْتِحَالَ. (يَجْلُو الْبَصَرَ) : مِنَ الْجِلَاءِ، أَيْ يُحَسِّنُ الْعَيْنَ لِدَفْعِهِ الْمَوَادَّ الرَّدِيئَةَ النَّازِلَةَ إِلَيْهَا مِنَ الرَّأْسِ. (وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ) : مِنَ الْإِنْبَاتِ، قَالَ مِيرَكُ: وَالشَّعَرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الرِّوَايَةِ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مُرَاعَاةُ الْبَصَرِ، ثُمَّ الْمُرَادُ شَعُرُ أَهْدَابِ الْعَيْنِ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى أَشْفَارِهَا. وَعِنْدَ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ:«عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشَّعْرِ، مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى، مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ» . (وَزَعَمَ) : أَيِ ابْنُ عَبَّاسٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ، وَيُصَرِّحُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الْآتِيَةُ، وَهُوَ أَقْرَبُ وَبِالِاسْتِدْلَالِ أَنْسَبُ. وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «فَزَعَمَ» بِالْفَاءِ، وَالزَّعْمُ قَدْ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُشَكُّ فِيهِ قَالَ تَعَالَى:(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وَفِي الْحَدِيثِ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا» فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ السِّيَاقِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ كَقَوْلِ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ أَخِيهَا عَلِيٍّ رضي الله عنهما لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ أَصْهَارِهَا أَجَارَتْهُمَا. وَإِنْ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَلَى مَا جَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ فَالزَّعْمُ بَاقٍ عَلَى مَعْنَاهُ الْمُتَبَادِرِ إِشَارَةً إِلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ بِإِسْقَاطِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْعِبَارَةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَائِلُ ابْنَ عَبَّاسٍ لَقِيلَ: وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ زَعَمَ فَائِدَةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ أَتَى لِطُولِ الْفَصْلِ كَمَا يَقَعُ إِعَادَةُ قَالَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَإِيمَاءً إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَالثَّانِي مَوْقُوفٌ وَالْأَوَّلُ قَوْلِيٌّ وَالثَّانِي فِعْلِيٌّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: وَالْأَوْجَهُ نِسْبَةُ الزَّعْمِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ، وَيُؤَيِّدُهُ
نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي إِلَى يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فِي حَدِيثِهِ. أَيْ حَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا أَنَّهُ فِي حَدِيثِ نَفْسِهِ، وَالْمَقْصُودُ الْمُغَايَرَةُ اللَّفْظِيَّةِ بَيْنَ الرُّوَاةِ فِي الْأَسَانِيدِ الْمُخْتَلِفَةِ هَذَا. وَلَمَّا كَانَ زَعَمَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى ظَنَّ وَرَدَ:(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَقَوْلُهُ: (كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ) : بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْمُهْمَلَةِ، اسْمُ آلَةِ الْكُحْلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا مَا فِي الْكُحْلِ. (يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ) : بِالنَّصْبِّ، أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ - كَمَا سَيَأْتِي - وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ أَبْقَى لِلْعَيْنِ وَأَمْكَنُ فِي السِّرَايَةِ إِلَى طَبَقَاتِهَا. (ثَلَاثَةً) : أَيْ مُتَوَالِيَةً. (فِي هَذِهِ) : أَيِ الْيُمْنَى. (وَثَلَاثَةً) : أَيْ مُتَتَابِعَةً. (فِي هَذِهِ) : أَيِ الْيُسْرَى، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ عَيْنُ الرَّاوِي بِطْرِيقِ التَّمْثِيلِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «
مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِي الْإِيتَارِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكْتَحِلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا كَمَا فِي أَحَادِيثَ الْبَابِ لِيَكُونَ فِي كُلِّ عَيْنٍ يَتَحَقَّقُ الْإِيتَارُ، وَالثَّانِي أَنْ يَكْتَحِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً ثَلَاثَةً فِي الْيُمْنَى وَاثْنَيْنِ فِي الْيُسْرَى عَلَى مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ بِالْيَمِينِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى الْيَسَارِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ، وَجَوَّزَ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَوَاحِدَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا مُتَعَاقِبَةً وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ فَيَكُونُ الْوِتْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَأَرْجَحُهَا الْأَوَّلُ لِحُصُولِ الْوِتْرِ شَفْعًا مَعَ أَنَّهُ يُتَوَصَّلُ أَنْ يُكْتَحَلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَاحِدَةً ثَمَّ وَثَمَّ وَيَئُولُ أَمْرَهُ إِلَى الْوِتْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُضْوَيْنِ.
(حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ) : حَدِيثُهُ بِصِيغَةِ النِّسْبَةِ مِنَ الصُّبْحِ. (الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ) : بِفَتْحِ الْبَاءِ وَتُكْسَرُ، أَخْرَجَ
الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ إِلَّا ابْنُ مَاجَهْ. (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) : بِالتَّصْغِيرِ. (بْنُ مُوسَى) : أَيِ الْعَبْسِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ) : أَيِ ابْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ، ثِقَةٌ، تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ. (عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ) : كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَبَعْضِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ. (ح) : وَهِيَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْوِيلِ مِنَ السَّنَدِ الَّذِي ذُكِرَ إِلَى سَنَدٍ آخَرَ فَيُنْطَقُ بِهَا حَاءٌ مَمْدُودَةٌ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ مَقْصُورًا، فَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ حَالَةَ الْوَقْفِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَوْ عَلَامَةُ صَحَّ ; لِيُعْلَمَ أَنَّ الْإِسْنَادَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَصِلْ إِلَى مُنْتَهَاهُ وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ حَدِيثَ هَذَا الْإِسْنَادِ سَقَطَ وَلِئَلَّا يُرَكَّبَ الْإِسْنَادُ الثَّانِي عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ إِسْنَادًا وَاحِدًا أَوِ اخْتِصَارًا مِنْ قَوْلِهِمُ الْحَدِيثُ يَعْنُونَ إِلَى آخِرِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ. قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْمُعَظَّمِينَ، شَيْخُ الْقُرَّاءِ وَالْمُحَدِّثَيْنِ، مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَزَرِيُّ رحمه الله فِي الْبِدَايَةِ: إِذَا كَانَ لِلْحَدِيثِ إِسْنَادَانِ أَوْ أَكْثَرُ كَتَبُوا. (ح) عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ إِسْنَادٍ إِلَى إِسْنَادٍ ; إِشَارَةً إِلَى التَّحْوِيلِ مِنْ إِسْنَادٍ إِلَى إِسْنَادٍ فَيَتَلَفَّظُ بِهَا الْمُحَدِّثُ عِنْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهَا فَيَقُولُ حَاءٌ وَيَمُدُّ فِي الْقِرَاءَةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَصْحَابِنَا، وَقِيلَ هِيَ مِنَ الْحَيْلُولَةِ لِأَنَّهُ يُحَوِّلُ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ وَلَيْسَتْ مِنَ الْحَدِيثِ فَلَا يُتَلَفَّظُ بِشَيْءٍ مَكَانِهَا، وَقِيلَ هِيَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِنَا: الْحَدِيثُ فَلِذَلِكَ يَقُولُهُ الْمَغَارِبَةُ مَكَانَهَا. وَكَتَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحُفَّاظِ مَكَانَهَا صَحَّ، وَهَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّهَا رَمْزُهَا وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُهَا خَاءً مُعْجَمَةً وَيَتَلَفَّظُ بِهَا كَذَلِكَ، يُرِيدُ أَنَّهُ إِسْنَادٌ آخَرُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا اجْتِهَادٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ أَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَقَالَ مِيرَكُ: اعْلَمْ أَنَّ الْوَاسِطَةَ فِي الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْمُصَنِّفِ وَبَيْنَ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ اثْنَانِ، وَفِي الْإِسْنَادِ الثَّانِي ثَلَاثٌ، فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا قَبْلَهُ نَازِلٌ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ، لَكِنَّ شَيْخَهُ الْأَوَّلَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ الشَّيْخَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَرَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فَيَكُونُ الثَّانِي أَعْلَى مِنَ الْأَوَّلِ عُلُوًّا مَعْنَوِيًّا - أَعْنِي بِاعْتِبَارِ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ - فَلَا يَضُرُّهُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ، وَبِمُلَاحَظَةِ النُّزُولِ الْمَذْكُورِ تَحَوَّلَ مِنْ سَنَدِ ابْنِ الصَّبَّاحِ إِلَى سَنَدِ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ فَإِنَّ الْوَاسِطَةَ فِيهِ بَيْنَ عَبَّادٍ وَبَيْنَهُ اثْنَانِ. (وَقَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ «وَحَدَّثَنَا» ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ:«قَالَ وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ» بِزِيَادَةِ «قَالَ» وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْوَاقِعُ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا، وَالضَّمِيرُ فِيهِ إِلَى الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّهُ وَقَعَ مِنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ.
(حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «قَالَ أَخْبَرَنَا» . (عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْتَحِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ) : أَيْ عِنْدِ النَّوْمِ كَمَا سَيَأْتِي. (بِالْإِثْمِدِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فِي حَدِيثِهِ) : أَيْ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. (
إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَظَرًا إِلَى «قَالَ» ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا نَظَرًا إِلَى حَدِيثِهِ وَرِوَايَتِهِ. (كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا عِنْدَ النَّوْمِ ثَلَاثًا فِي كُلِّ عَيْنٍ) قِيلَ: حَتَّى فِي السَّفَرِ. قَالَ مِيرَكُ: قَوْلُهُ: وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ إِلَى آخِرِهِ، هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ بِمُعَلَّقٍ وَلَا مُرْسَلٍ كَمَا تَوَهَّمَ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ بَيْنَ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ
وَرِوَايَةِ يَزِيدَ، يَعْنِي رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ كِلَاهُمَا عَنْ عَبَّادِ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْجَامِعِ طَرِيقَ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْعِصَامِ فِيمَا سَبَقَ مِنَ الْكَلَامِ.
(حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ) : أَيِ الْكَلَاعِيُّ، شَامِيٌّ، ثِقَةٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) : أَيِ ابْنِ يَسَارٍ، إِمَامُ أَهْلِ الْمَغَازِي، صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَبَاقِي الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي صِحَاحِهِمْ. (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) : تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (عَنْ جَابِرٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ» ) : وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذُوهُ فَيَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: «اكْتَحِلُوا بِهِ» . (عِنْدَ النَّوْمِ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ إِجْمَاعًا. (فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ) : وَتَعْلِيلُهُ بِالْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ لَا يُنَافِي كَوْنَ الْأَمْرِ لِلسُّنِّيَّةِ لَاسِيَّمَا وَقَدْ وَقَعَتْ مُوَاظَبَتُهُ الْفِعْلِيَّةُ وَتَرْغِيبَاتُهُ الْقَوْلِيَّةُ، وَتِلْكَ الْمَنَافِعُ وَسِيلَةٌ إِلَى الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ كَمَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ وَتَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَنَافِعِ الْبَصَرِ حَتَّى فَضَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى السَّمْعِ، مَتَّعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا، فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا قَالَهُ الْعِصَامُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ غَالِبُ مَا يَأْمُرُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ، نَبَّهْ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ مِنْهَا بَلْ لِمَصْلَحَةِ الْبَدَنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ، وَأَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي الِائْتِمَارِ بِهِ عَلَى تَفَاوُتِ حَاجَتِهِمْ. لَكِنَّ هَذِهِ النُّكْتَةَ تُنَافِي مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الِاكْتِحَالَ سُنَّةٌ وَالْإِيتَارُ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إِذَا أَمَرَ بِشَيْءٍ لِنَفْعِ الْبَدَنِ كَوْنُهُ سُنَّةً أَوْ فَرْضًا، انْتَهَى. وَهُوَ غَفْلَةٌ مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَكْلِ قَدْ يَكُونُ فَرْضًا وَالْأَمْرَ بِالسُّحُورِ سُنَّةٌ مَعَ أَنَّ نَفْعَهُ رَاجِعٌ إِلَى الْبَدَنِ، وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: لَوِ امْتَنَعَ الْمُضْطَرُّ أَوِ الْمُرْتَاضُ عَنِ الْأَكْلِ بَلْ عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا مَاتَ عَاصِيًا. وَاتَّفَقُوا عَلَى حُرْمَةِ أَكْلِ التُّرَابِ وَالطِّينِ وَنَحْوِهِمَا لِأَجْلِ ضَرَرِ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْخَمْرُ لِضَرَرِ الْعَقْلِ، فَتَعَقَّلْ وَتَأَمَّلْ يَظْهَرْ لَكَ وَجْهُ الْخَلَلِ فَتَجْتَنِبَ دُخُولَ الْوَحْلِ وَتَتَخَلَّصَ مِنَ الْخَطَلِ، نَعَمْ، فِي التَّعْلِيلِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُكْتَحِلَ إِذَا أَرَادَ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ بِالِاكْتِحَالِ الْمُعَالَجَةَ وَالدَّوَاءَ لَا مُجَرَّدَ الزِّينَةَ كَالنِّسَاءِ، وَلِذَا ذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إِلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ مُطْلَقًا إِلَّا لِلتَّدَاوِي، وَاللَّهُ هُوَ الْهَادِي.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) : أَيِ ابْنُ سَعِيدٍ كَمَا فِي نُسْخَةٍ. (أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ) : بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّعْلِيقِ
وَبَقِيَّةُ السِّتَّةِ فِي صِحَاحِهِمْ. (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) : أَيِ الْأَسَدِيِّ، مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيِّ،