الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ مِيرَكُ: ظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ تَحْرِيمَ إِسْبَالِ الْإِزَارِ مَخْصُوصٌ بِالْجَرِّ ; لِأَجْلِ الْخُيَلَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا، لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءً، وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا، وَالْبَطَرُ بِفَتْحَتَيْنِ: التَّكَبُّرُ وَالطُّغْيَانُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُعْلَمُ مِنْ بَعْضِ الْأَخْبَارِ تَحْرِيمُ الْإِسْبَالِ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ أَيْضًا، كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبُخَارِيِّ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فِي النَّارِ، لَكِنْ يُسْتَدَلُّ بِالتَّقْيِيدِ فِي حَدِيثِهِ وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِالْخُيَلَاءِ وَالْبَطَرِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الزَّجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا، فَلَا يَحْرُمُ الْإِسْبَالُ إِذَا سَلِمَ مِنَ الْخُيَلَاءِ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ لَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِحْدَى شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءً» ، هَذَا وَيَدْخُلُ فِي الزَّجْرِ عَنْ جَرِّ الثَّوْبِ تَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ، وَالْعَذَبَةِ وَنَحْوِهِمَا، وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ مِنَ الطُّولِ وَالسَّعَةِ، وَتَبِعَهُ الطَّبَرِيُّ، وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ: حَدَثَ لِلنَّاسِ اصْطِلَاحٌ، وَصَارَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ الْخَلَائِقِ شِعَارٌ يُعْرَفُونَ بِهِ، فَمَهْمَا كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْخُيَلَاءِ فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ، فَلَا يَجْرِي النَّهْيُ فِيهِ، مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ الْمَذْمُومِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
قِيلَ: وَلَمَّا كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَبْدُو مِنْهُ إِلَّا طَيِّبٌ، كَانَ عَلَامَةُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَّسِخَ لَهُ ثَوْبٌ، وَمِنْ خَوَاصِّهِ أَنَّ ثَوْبَهُ لَمْ يَقْمَلْ، وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنَّ الذُّبَابَ كَانَ لَا يَقَعُ عَلَى ثِيَابِهِ قَطُّ، وَأَنَّ الْبَعُوضَ لَا يَمْتَصُّ دَمَهُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ لَبِسَ السَّرَاوِيلَ فَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِهِ، وَاسْتَأْنَسَ لَهُ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَلْبَسْهُ إِلَّا يَوْمَ قَتْلِهِ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَاهُ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِيَلْبَسَهُ، قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهُ لَبِسَهُ، وَكَانُوا يَلْبَسُونَهُ فِي زَمَانِهِ وَبِإِذْنِهِ انْتَهَى. وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ مِرْطًا مُرَحَّلًا مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ، وَالْمِرْطُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ خَزٍّ يُؤْتَزَرُ بِهِ، وَالْمُرَحَّلُ بِضَمٍّ فَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، هُوَ مَا فِيهِ صُوَرُ رَحَّالِ الْإِبِلِ، وَلَا بَأْسَ بِهَا إِذْ لَا يَحْرُمُ إِلَّا تَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ، وَقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ إِزَارُ خَزٍّ فِيهِ عَلَمٌ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: غَيْرُ جَيِّدٍ، إِنَّمَا ذَلِكَ تَفْسِيرُ الْمُرَجَّلِ بِالْجِيمِ، وَرِوَايَتُهُ بِالْمُهْمَلَةِ عَلَى مَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
الْمِشْيَةُ بِالْكَسْرِ مَا يَعْتَادُهُ الشَّخْصُ مِنَ الْمَشْيِ عَلَى مَا هُوَ وَضْعُ الْفِعْلَةِ بِالْكَسْرِ، ذَكَرَهُ الْجَارَبَرْدِيُّ.
(حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ فَكَسْرِ الْهَاءِ ابْنُ
عُقْبَةَ الْحَضْرَمِيُّ صَدُوقٌ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ، وَقَالَ الْعِصَامُ: خَلَطَ
بَعْدَ احْتِرَاقِ كُتُبِهِ، كَذَا فِي التَّقْرِيبِ، وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِضَعْفِهِ فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ) أَيْ أَبْصَرْتُ أَوْ عَلِمْتُ، وَهُوَ أَبْلَغُ (شَيْئًا) تَنْوِينُهُ لِلتَّنْكِيرِ (أَحْسَنَ) صِفَةُ شَيْئًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَمَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى الثَّانِي (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِ شَيْءٍ أَحْسَنَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْسَنُ مِمَّا عَدَاهُ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ عُرْفًا كَمَا سَبَقَ (كَأَنَّ الشَّمْسَ) اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَوْ تَعْلِيلٍ، أَيْ كَانَ شُعَاعُهَا أَوْ جِرْمُهَا خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِي الثَّانِي، مَعَ أَنَّهُ أَبْلَغُ (تَجْرِي فِي وَجْهِهِ) شَبَّهَ جَرَيَانَ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا بِجَرَيَانِ الْحُسْنِ وَنُورِهِ فِي وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم، وَعَكَسَ التَّشْبِيهَ مُبَالَغَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَنَاهِي التَّشْبِيهِ، بِجَعْلِ وَجْهِهِ مَقَرًّا وَمَكَانًا لِلشَّمْسِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، لَوْ رَأَيْتَهُ لَرَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظِلٌّ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَ شَمْسٍ قَطُّ إِلَّا غَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ الشَّمْسِ، وَلَمْ يَقُمْ مَعَ سِرَاجٍ قَطُّ إِلَّا غَلَبَ ضَوْءُهُ ضَوْءَ السِّرَاجِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَالْقَصْدُ مِنْ هَذَا إِقَامَةُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَحْسَنِيَّتِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَجْهَ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ الَّذِي بِهِ يَظْهَرُ الْمَحَاسِنُ ; لِأَنَّ حُسْنَ الْبَدَنِ تَابِعٌ لِحُسْنِهِ غَالِبًا، (وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مِشْيَتِهِ) بِالْكَسْرِ لِلْهَيْئَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ بِلَا تَاءٍ، أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ مَشْيِهِ (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّمَا الْأَرْضُ) بِالرَّفْعِ (تُطْوَى) أَيْ تُجْمَعُ وَتُجْعَلُ مَطْوِيَّةً (لَهُ) أَيْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ (إِنَّا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ، وَفِي نُسْخَةٍ وَإِنَّا (لَنُجْهِدُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ: بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا انْتَهَى. فَمَا وَقَعَ لِابْنِ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلرِّوَايَةِ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلدِّرَايَةِ، يُقَالُ: أَجْهَدَ دَابَّتَهُ وَجَهَدَهَا إِذَا حَمَلَ عَلَيْهَا فِي السَّيْرِ فَوْقَ طَاقَتِهَا، حَتَّى وَقَعَتْ فِي الْمَشَقَّةِ فَالْمَعْنَى إِنَّا نُتْعِبُ (أَنْفُسَنَا) وَنُوقِعُهَا فِي الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ فِي حَالِ سَيْرِهِ صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّهُ لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ) أَيْ غَيْرُ مُبَالٍ بِجَهْدِنَا، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نُجْهِدُ أَوْ مَفْعُولِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سُرْعَةَ مَشْيِهِ كَانَتْ عَلَى غَايَةٍ مِنَ الْهَوْنِ، وَالتَّأَنِّي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِسُرْعَةٍ فَاحِشَةٍ تُذْهِبُ بَهَاءَهُ وَوَقَارَهُ، فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَقَوْلَهُ تَعَالَى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ سُرْعَتَهُ فِي مِشْيَتِهِ، كَانَتْ مِنْ كَمَالِ الْقُوَّةِ لَا مِنْ
حَيْثُ الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ وَالْعَجَلَةِ، وَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِي الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ اقْتِرَانِ الْجُمْلَتَيْنِ، أَنَّ حُسْنَ وَجْهِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُسْتَمِرًّا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ.
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ، وَسُكُونِ جِيمٍ (وَغَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ مِنَ الْمَشَايِخِ (قَالُوا: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ فَسُكُونِ فَاءٍ (قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ أَوْ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، (قَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ (كَانَ عَلِيٌّ إِذَا وَصَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه