الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ، قَالَ الْعِصَامُ: لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الْحَارِثِ، حَافِظٌ، ثِقَةٌ، لَكِنْ لَهُ مَنَاكِيرُ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصَحَّفَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَضْبُوطٌ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَفِي تَبْصِيرُ الْمُنْتَبِهِ بِتَحْرِيرِ الْمُشْتَبَهِ لِلْعَسْقَلَانِيِّ: حَرْبٌ خَلْقٌ أَيْ كَثِيرٌ. (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) : هَكَذَا وَقَعَ فِي نَسْخِ الشَّمَائِلِ، وَالصَّوَابُ أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ زَائِدٌ لِأَنَّ أَبَا خَالِدٍ كُنْيَةُ يَزِيدَ لَا أَبُوهُ، ذَكَرَهُ مِيرَكُ شَاهْ، وَقَالَ الْعِصَامُ: صَوَابُهُ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ أَوْ يَزِيدُ أَبِي خَالِدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَهُوَ ثِقَةٌ، عَابِدٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَرْبَعَةُ. (عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ) : اسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. (الْأَوْدِيُّ) : بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ، مَنْسُوبٌ إِلَى أَوْدِ بْنِ صَعْبٍ، ثِقَةٌ. (عَنْ حُمَيْدِ) : بِالتَّصْغِيرِ. (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) : مَرَّ ذِكْرُهُ. (عَنْ رَجُلٍ) : قِيلَ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ، وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ. (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : فِي شَرْحٍ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِلْجَهْلِ فِي إِسْنَادِهِ، انْتَهَى. وَهَذَا صَدَرَ مِنْ جَهْلِهِ بِأَنَّ جَهَالَةَ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ لِأَنَّ كُلَّهُمْ عُدُولٌ. (أَنَّ النَّبِيَّ) : وَفِي نُسْخَةٍ «رَسُولَ اللَّهِ» . صلى الله عليه وسلم كَانَ) : أَيْ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ (يَتَرَجَّلُ غِبًّا) : وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرْبَعَ سِنِينَ قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ.
(تَنْبِيهٌ) : وَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَنَوَّرُ، وَكَانَ إِذَا كَثُرَ شَعْرُهُ أَيْ شَعْرُ عَانَتِهِ حَلَقَهُ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَلَى بَدَأَ بِعَانَتِهِ فَطَلَاهَا بِالنَّوْرَةِ
وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ ; لِأَنَّ الْمُرْسَلَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأَمَّا خَبَرُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ حَمَّامَ الْجَحْفَةِ فَمَوْضُوعٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الدَّمِيرِيِّ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَمْ تَعْرِفِ الْعَرَبُ الْحَمَّامَ بِبِلَادِهِمْ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم.
(بَابُ مَا جَاءَ فِي شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ)
.
وَفِي نُسْخَةٍ «النَّبِيِّ» . صلى الله عليه وسلم : الشَّيْبُ وَالشَّيْبَةُ مَصْدَرَانِ وَمَعْنَاهُ كَوْنُ الشَّعْرِ أَبْيَضَ، كَذَا فِي التَّاجِ، وَأَرْدَفَ بَابَ الشَّعْرِ بِبَابِ الشَّيْبِ لِأَنَّهُ مِنْ عَوَارِضِهِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) : أَيِ الطَّيَالِسِيُّ لِأَنَّهُ سَمِعَ هَمَّامَ بْنَ يَحْيَى دُونَ الْمَصَاحِفِيِّ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِتَرْكِ وَصْفِهِ بِالْمَصَاحِفِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْمَصَاحِفِيَّ، وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، غَلِطَ فِي أَحَادِيثَ، رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ. (أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «حَدَّثَنَا» . (هَمَّامٌ) : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيِ ابْنُ يَحْيَى، بِهِ يَتَمَيَّزُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَالْأَوَّلُ ثِقَةٌ، رُبَّمَا وَهِمَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ. (
عَنْ قَتَادَةَ) : تَابِعِيٌّ، مَشْهُورٌ. (قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: هَلْ خَضَبَ) : بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ هَلْ صَبَغَ. (رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْ شَعْرَهُ. (قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ) : أَيْ شَعْرُهُ. (ذَلِكَ) : أَيْ مَحَلَّ الْخِضَابِ كَذَا قِيلَ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمُسْتَكِنُّ فِي «لَمْ يَبْلُغْ» رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ هُوَ الْخِضَابُ الَّذِي هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ خَضَبَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَضَبَ؟ فَقَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ. أَيْ حَدَّهُ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ إِلَى بُعْدِ وَقْتِ الْخِطَابِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ الْمُسْتَكِنُّ رَاجِعًا إِلَى الشَّيْبِ الْمَذْكُورِ حُكْمًا بِقَرِينَةِ خَضَبَ، أَيْ مَا بَلَغَ شَيْبُهُ ذَلِكَ أَيْ مَبْلَغًا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ:(إِنَّمَا كَانَ) : أَيْ شَيْبُهُ. (شَيْئًا) : أَيْ قَلِيلًا، وَفِي نُسْخَةٍ «شَيْبًا» ، أَيْ بَيَاضًا يَسِيرًا، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِيرَكُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: التَّقْدِيرُ إِنَّمَا كَانَ يَخْضِبُ شَيْبًا. وَفِيهِ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِسَائِرِ رِوَايَاتِهِ الصَّرِيحَةِ بِنَفْيِ الْخِضَابِ مَا يُنَاسِبُ عُنْوَانَ الْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (فِي صُدْغَيْهِ) : بِضَمٍّ فَسُكُونٍ لِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ كَائِنًا فِيهِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ، وَيُسَمَّى الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَيْهِ صُدْغًا أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَدَةِ الْحَالِ، وَرُبَّمَا قَالُوا السُّدْغُ بِالسِّينِ، قِيلَ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ «إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ» بِالرَّفْعِ أَيْ شَيْءٌ مِنَ الشَّيْبِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَصْرَ أَوِ التَّأْكِيدَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ «إِنَّمَا» عَلَى خِلَافٍ «فِيهِ» يُنَافِي مَا سَيَأْتِي أَنَّهُ مَا عُدَّ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: الْحَصْرُ هُنَا بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا فِي اللِّحْيَةِ، قَالَ الْعِصَامُ: وَيُعْلَمُ مِنْهُ قِلَّةُ شَيْبِ الرَّأْسِ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَبْدُو الشَّيْبُ فِي الصُّدْغَيْنِ. وَقَالَ شَارِحٌ: الْمُرَادُ حَصْرُ شَيْبٍ يَكُونُ وَهُوَ فِي اللِّحْيَةِ. قَالَ الْعِصَامُ: وَفِيهِ أَنَّهُ يُنَافِي مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ «وَبِرَأْسِهِ رَدْغٌ» ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنَّ وَضْعَ الرَّدْغِ عَلَى الرَّأْسِ إِنَّمَا كَانَ لِمَنْفَعَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْخِضَابِ، هَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ الشَّعْرَ الْأَبْيَضَ كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الذَّقَنِ وَالشَّفَةِ السُّفْلَى، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَجْهُ الْجَمْعِ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَخْضِبْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا كَانَ الْبَيَاضُ فِي عَنْفَقَتِهِ وَفِي الصُّدْغَيْنِ وَفِي الرَّأْسِ نُبَذٌ. بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، أَيْ شَعَرَاتٌ مُتَفَرِّقَةٌ، وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي شَابَ مِنْ عَنْفَقَتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا شَابَ مِنْ غَيْرِهَا، وَمُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَضَبَ؟ قَالَ: لَمْ يَبْلُغِ الْخِضَابَ. وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ: لَوْ شِئْتُ أَنْ أَعُدَّ شَمَطَاتٍ كُنَّ فِي رَأْسِهِ لَفَعَلْتُ. زَادُ ابْنُ سَعْدٍ وَالْحَاكِمُ «مَا شَأْنُهُ بِالشَّيْبِ» ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا دَهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، فَإِنْ لَمْ يَدْهِنْ تَبَيَّنَ، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَقَالَ مِيرَكُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْجَمْعِ بِمَا ذُكِرَ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ، أَقُولُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُقْتَطَعٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ لِأَنَسٍ فَالْجَمْعُ بِاعْتِبَارِ الْمَجْمُوعِ، ثُمَّ كَلَامُ الْعَسْقَلَانِيِّ مُتَضَمِّنٌ لِلْجَوَابِ عَنْ إِشْكَالٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَضَبَ - كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِ الْخِضَابِ - فَأَشَارَ إِلَى دَفْعِهِ بِأَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَعْرِهِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْخِضَابِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي الْخِضَابَ، وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ، وَقَوْلُهُ «لَمْ يَخْضِبْ» إِنَّمَا قَالَهُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ لِأَنَّ نَفْيَ عِلْمِهِ وَهُوَ الْخَادِمُ الْمُلَازِمُ لَهُ صلى الله عليه وسلم بَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى، قِيلَ: ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَبَغَ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ الْقَلِيلَةِ فِي حِينٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَتَرَكَهُ فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ، فَأَخْبَرَ كُلٌّ بِمَا رَأَى، وَكِلَاهُمَا صَادِقٌ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَنْ نَفَى الصَّبْغَ أَرَادَ
نَفْيَهُ بِصِفَةِ الدَّوَامِ وَالْأَغْلَبِيَّةِ، وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ إِثْبَاتَهُ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ، قِيلَ: وَيُحْتَمَلُ أَنِ الْمُثْبِتَ يُرِيدُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَبَغَ الثَّوْبَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَفِّرُ لِحْيَتَهُ. (وَلَكِنْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه : وَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ مَادَّةُ مُنَاسَبَتِهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَقُرْبُهُ مِنْهُ سِنًّا. (خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ) : بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ نُونٍ، وَبِالْمَدِّ، مَعْرُوفٌ. (وَالْكَتَمُ) : بِفَتْحَتَيْنِ وَالتَّاءُ مُخَفَّفَةٌ، كَذَا فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ، فَفِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْكَتَمُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ: هُوَ وَرَقٌ يُشْبِهُ وَرَقَ الْآسِ، يُصْبَغُ بِهِ. وَفِي الْمُهَذَّبِ: هُوَ الْوَسْمَةُ. وَفِي الصِّحَاحِ: الْكَتَمُ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ لِلْخِضَابِ، وَالْمَكْتُومَةُ دُهْنٌ لِلْعَرَبِ أَحْمَرُ، وَيُجْعَلُ فِيهِ الزَّعْفَرَانُ أَوِ الْكَتَمُ. وَفِي الْفَائِقِ: هُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ لِلْخِضَابِ الْأَسْوَدِ. وَفِي النِّهَايَةِ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَبَغَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا عَنِ الْآخَرِ فَإِنَّ الْخِضَابَ
بِهِمَا يَجْعَلُ الشَّعْرَ أَسْوَدَ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ بِأَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْوَاوِ، انْتَهَى. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ خَضَبَ بِالْحِنَّاءِ تَارَةً وَبِالْكَتَمِ أُخْرَى، عَلَى أَنَّ الْوَاوَ قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى أَوْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِمْ: الْكَلِمَةُ اسْمٌ وَفِعْلٌ وَحَرْفٌ، وَقَالَ الشَّاطِبِيُّ رحمه الله فِي بَابِ الْبَسْمَلَةِ: وَصِلْ وَاسْتَكِنْ. وَقَدْ قَالَ شَارِحُو كَلَامِهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاوِ التَّخْيِيرُ. وَقَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: الْكَتَمُ الصِّرْفُ يُوجِبُ سَوَادًا مَائِلًا إِلَى الْحُمْرَةِ، وَالْحِنَّاءُ تُوجِبُ الْحُمْرَةَ فَاسْتِعْمَالُهُمَا يُوجِبُ مَا بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ، انْتَهَى. فَالْوَاوُ عَلَى أَصْلِهِ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُغْرِبِ، وَعَنِ الْأَزْهَرِيِّ: أَنَّ الْكَتَمَ نَبْتٌ فِيهِ حُمْرَةٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ «كَانَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَلِحْيَتُهُ كَأَنَّهَا ضِرَامُ عَرْفَجٍ» ، انْتَهَى. وَالضِّرَامُ دِقَاقُ الْحَطَبِ الَّذِي يُسْرِعُ اشْتِعَالُ النَّارِ فِيهِ، وَالْعَرْفَجُ نَبْتٌ فِي السَّهْلِ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَقَالَ الْجَزَرِيُّ: وَقَدْ جُرِّبَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ جَمِيعًا فَلَمْ يُسَوِّدْ بَلْ يُغَيِّرُ صُفْرَةَ الْحِنَّاءِ وَحُمْرَتِهِ إِلَى الْخُضْرَةِ وَنَحْوِهَا فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ السَّوَادَ، وَكَذَا رَأَيْنَاهُ وَشَاهَدْنَاهُ، هَذَا وَقَدْ قَالَ مِيرَكُ: الْحَدِيثُ هَكَذَا فِي رِوَايَةِ قَتَادَةَ وَوَافَقَهُ ابْنُ سِيرِينَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْهُ بِذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ، وَلَفْظُهُ: قُلْتُ لَهُ: أَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ، وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بِلَفْظِ:«وَلَكِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ خَضَبَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ» ، وَأَظُنُّ أَنَّ ذِكْرَ عُمَرَ فِيهِ وَهْمٌ ; لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ:«وَقَدِ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا» ، أَيْ صِرْفًا. قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ إِذِ الدَّوَامُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْسَبُ بِالْبَابِ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَهُ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْخِضَابُ مَنْفِيًّا وَالشَّيْبُ مُثْبَتًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَاسَبَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ مَوْضُوعَ ذَلِكَ الْبَابِ إِنَّمَا هُوَ ثُبُوتُ الْخِضَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) : أَيِ السَّكُونِيُّ مَوْلَاهُمْ، صَدُوقٌ، تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ، رَوَى عَنْهُ السِّتَّةُ. (وَيَحْيَى بْنُ مُوسَى) : أَيِ الْبَلْخِيُّ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. (قَالَا) : أَيْ كِلَاهُمَا. (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) : أَيِ ابْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ، مَوْلَاهُمْ، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، كَبِيرٌ، مُصَنِّفٌ شَهِيرٌ، عَمِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَتَغَيَّرَ، وَكَانَ شَيْخًا لِأَجِلَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، رَوَى السِّتَّةُ حَدِيثَهُ، قَالَ الْعِصَامُ: وَكَانَ يَتَشَيَّعُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (عَنْ مَعْمَرٍ) : مَرَّ ذِكْرُهُ. (عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ) : بِفَتْحِ الْجُزْأَيْنِ لِلتَّرْكِيبِ، وَالشِّينُ سَاكِنَةٌ وَبَنُو تَمِيمٍ يَكْسِرُونَهَا، وَقَوْلُهُ:(شَعْرَةً بَيْضَاءَ)
إِمَّا تَمْيِيزٌ أَوْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ، قَالَ الْحَنَفِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَنَسٍ لَا يُنَافِي مَا صَدَرَ عَنْهُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، فَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ ; لِأَنَّ هَذَا السَّلْبَ عَامٌّ وَإِنْ كَانَ مُشْعِرًا بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْهُ. قَالَ الْعِصَامُ: يَسْتَدْعِي كَوْنُهُ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ بِحَسْبِ مُتَفَاهَمِ
الْعُرْفِ، وَرَدَّهُ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ: لَا يُنَافِي هَذَا الْحَدِيثُ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ الْآتِيَةَ، إِنَّمَا كَانَ شَيْبُهُ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ ; لِأَنَّ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ نَحْوُ الْعِشْرِينَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِنَحْوِ الشَّيْءِ عَلَى الْقُرْبِ مِنْهُ فَقَدْ وَهِمَ، نَعَمْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِالشَّيْبِ، مَا كَانَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ بَيْضَاءَ. وَقَدْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إِخْبَارَهُ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ بِأَنَّ الْأَوَّلَ إِخْبَارٌ عَنْ عَدِّهِ وَالثَّانِي إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ، فَهُوَ لَمْ يَعُدَّ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَأَمَّا فِي الْوَاقِعِ فَكَانَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ، انْتَهَى. وَفِيهِ أَنَّ مَا فِي الْوَاقِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَدِّ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ، نَعَمْ لَوْ وَقَعَ الظَّنُّ وَالتَّخْمِينُ مَوْضِعَ الْوَاقِعِ كَانَ لَهُ وَقْعٌ وَحَصَلَ بِهِ جَمْعٌ، قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ: وَقَدِ اقْتَضَى حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ يَعْنِي الْمُخَرَّجَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ شَيْبَهُ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى عَشْرِ شَعَرَاتٍ لَإِيرَادِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ الْقِلَّةِ لَكِنْ خُصَّ ذَلِكَ بِالْعَنْفَقَةِ، وَقَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَيُحْمَلُ أَنَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ فِي صُدْغَيْهِ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى) : وَزَادَ فِي نُسْخَةٍ قَبْلَهُ أَبُو مُوسَى. (أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «أَنْبَأَنَا» . (أَبُو دَاوُدَ) : أَيِ الطَّيَالِسِيُّ لِأَنَّهُ يَرْوِي عَنْ شُعْبَةَ. (أَخْبَرَنَا) : وَفِي نُسْخَةٍ «حَدَّثَنَا» . (شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ سُئِلَ عَنْ شَيْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ) : كَذَا بِالْفَاءِ فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ «قَالَ» فَلَا إِشْكَالَ ; لِأَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ عِنْدِ مَنْ يَقُولُ بِهِ، وَجُمْلَةُ سُئِلَ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ حَالٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَقَالَ الْعِصَامُ: لَا يَخْفَى أَنَّ «سُئِلَ» حَالٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، وَقَوْلُهُ «فَقَالَ» مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ، وَمَا بَعْدَهُ مَقُولُ الْقَوْلِ، فَلَمْ يَبْقَ فِي الْكَلَامِ شَيْءٌ يَكُونُ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِسَمِعْتُ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقَدَّرَ بَعْدَ تَمَامِ الْإِسْنَادِ يَقُولُ، انْتَهَى. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَنَّ «سَمِعَ» مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ «سُئِلَ» ، «وَفَقَالَ» إِلَى آخِرِهِ الْمَجْمُوعُ بَيَانٌ لِلْمَسْمُوعِ، وَحَاصِلُهُ أَنِّي سَمِعْتُ كَلَامَ سَائِلِهِ، فَجَوَابُهُ. (كَانَ دَهَنَ رَأْسَهُ) : بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَرُوِيَ «ادَّهَنَ» بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَكِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ بِالضَّمِّ، كَذَا قَالَهُ الْحَنَفِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ بَابَ الِافْتِعَالِ مِنْهُ لَازِمٌ، فَفِي الْقَامُوسِ: دَهَنَ رَأْسَهُ وَغَيَّرَهُ دَهْنًا بَلَّهُ، وَقَدِ ادَّهَنَ بِهِ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ. وَقَالَ مِيرَكُ: كَذَا فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا دَهَنَ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ، وَكَذَا لَمْ يَدْهَنْ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ادَّهَنَ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ، وَكَذَا لَمْ يَدَّهِنْ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ يَكُونُ رَأْسُهُ مَفْعُولًا. وَلَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: دَهَنَ رَأْسَهُ أَوْ شَارِبَهُ إِذَا طَلَاهُ بِالدُّهْنِ وَادَّهَنَ عَلَى وَزْنِ افْتَعَلَ إِذَا تَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ، فَقَوْلُهُ ادَّهَنَ شَارِبَهُ خَطَأٌ. وَفِي الصِّحَاحِ: دَهَنْتُهُ بِالدُّهْنِ أَدْهَنْتُهُ وَتَدَهَّنَ هُوَ بِنَفْسِهِ وَادَّهَنَ أَيْضًا عَلَى افْتَعَلَ إِذَا تَطَلَّى بِالدُّهْنِ، انْتَهَى. قَالَ الْعِصَامُ: وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ ادَّهَنَ مِنَ الِافْتِعَالِ وَهُوَ لَازِمٌ فَيُرْفَعُ رَأْسُهُ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ ادَّهَنَ، وَمَنْ حَفِظَ مَعَهُ نَصْبَ رَأْسِهِ، فَبَعْضُهُمْ يُخَطِّئُ الرِّوَايَةَ، وَبَعْضُهُمْ يَتَكَلَّفُ بِمَا يُخَالِفُ الدِّرَايَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَمَ بِأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلَمْ يَنْظُرْ هَلِ اللُّغَةُ تُسَاعِدُهُ فَإِنْ أَبَيْتَ، وَصَحَّ أَنَّ الرِّوَايَةَ نَصْبُ رَأْسِهِ لَا مَحَالَةَ فَالتَّرْكِيبُ مِنْ قَبِيلِ (سَفِهَ نَفْسَهُ) أَوْ عَلَى تَضْمِينِ الِادِّهَانِ مَعْنَى الدَّهْنِ، انْتَهَى. وَقَدْ تَحَقَّقَ مِمَّا سَبَقَ أَنْ دَعْوَى الرِّوَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيِّ وَرَدَّهَا مِنْ مِيرَكِ شَاهْ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ قَوْلَ مِيرَكَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ كَانَ
نَافِيًا، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ ; لِأَنَّ الْحَنَفِيَّ لَيْسَ مَظِنَّةً لِمَا ادَّعَاهُ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ الْمُعْتَبَرَةَ مِنْ طَرِيقِ مِيرَكَ وَكَذَا رِوَايَةُ الْعِصَامِ، نَعَمْ لَوْ بَيَّنَّا مَنْ رَوَيَا عَنْهُ لَقُدِّمَا فَإِنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، ثُمَّ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِرَفْعِ رَأْسِهِ بَلْ نَفَاهُ مِيرَكُ وَلَمَّا خَطَّأَ الرِّوَايَةَ وَأَيَّدَ خَطَأَهَا بِمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مِنَ الدِّرَايَةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى تَصْحِيحِهَا بِتَأْوِيلٍ يُجَوِّزُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا انْتِقَالٌ مِنْ نَاقِلِ الرِّوَايَةِ مِمَّا وَرَدَتْ فِي حَدِيثٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلْفَرْقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَأَمَّا قَوْلُ الْعِصَامِ: إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ (سَفِهَ نَفْسَهُ) فَإِنَّمَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ أَوَّلًا وَضَبْطِ نَصْبِهِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهَا ثَانِيًا، ثُمَّ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ اسْتَمْهَنَهَا وَأَذَلَّهَا وَاسْتَخَفَّ بِهَا. قَالَ الْمُبَرِّدُ وَثَعْلَبٌ: سَفِهَ بِالْكَسْرِ مُتَعَدٍّ وَبِالضَّمِّ لَازِمٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ وَتَغْمِصَ النَّاسَ» أَيْ تَحْقِرَهُمْ، وَقِيلَ أَصْلُهُ سَفَّهَ نَفْسُهُ عَلَى الرَّفْعِ فَنُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ، أَوْ سَفِهَ فِي نَفْسِهِ فَنُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، انْتَهَى. فَكَلَامُ الْعِصَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَحَدِ الْقَبِيلَيْنِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا مَذْهَبٌ كُوفِيٌّ ; فَإِنَّ التَّمْيِيزَ لَا يَكُونُ إِلَّا نَكِرَةً عِنْدَ الْبَصْرِيِّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ عَلَى التَّضْمِينِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ التَّقْدِيرَ
أَدْهَنَ دَاهِنًا رَأْسَهُ. (لَمْ يُرَ مِنْهُ) : أَيْ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ أَوْ مِنْ أَجْلِ دُهْنِهِ. (شَيْبٌ) : لِالْتِبَاسِ بَيَاضِهِ لِلَمَعَانِ الشَّعْرِ مِنَ الدُّهْنِ. (فَإِذَا لَمْ يَدْهُنْ) : بِضَمِّ الْهَاءِ كَذَا مَضْبُوطٌ فِي أَصْلِنَا، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنَ الْقَامُوسِ، لَكِنْ قَالَ الْحَنَفِيُّ وَتَبِعَهُ الْعِصَامُ أَنَّ مُضَارِعَهُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رُئِيَ) : أَيْ شَيْبٌ. (مِنْهُ) : وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَكَانَ إِذَا دَهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ. قَالَ الطِّيبِيُّ: شَعِثَ أَيْ تَفَرَّقَ شَعْرُ رَأْسِهِ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الِادِّهَانِ كَانَ يَجْمَعُ شَعْرَ رَأْسِهِ وَيَضُمُّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَتِ الشَّعَرَاتُ الْبِيضُ مِنْ قِلَّتِهَا لَا تَبِينُ، فَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ ظَهَرَتْ.
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ) : بِكَسْرِ أَوَّلِهِ، مَنْسُوبٌ إِلَى كِنْدَةَ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَمَحَلَّةٍ بِالْكُوفَةِ. (الْكُوفِيُّ) : صَدُوقٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنْ شَرِيكٍ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، أَيِ الْقَاضِي، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْأَئِمَّةُ. (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) : أَيِ ابْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ الْمَدَنِيِّ أَبُو عُثْمَانَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، قَدَّمَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَلَى مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ مَعِينٍ عَلَى الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا. (عَنْ نَافِعٍ) : أَيْ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، ثِقَةٌ، ثَبْتٌ، مَشْهُورٌ. (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) : أَيْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ، وُلِدَ بَعْدَ الْمَبْعَثِ بِيَسِيرٍ، وَقِيلَ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهُ، وَقِيلَ شَهِدَ الْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهُ، رُوِيَ لَهُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا. (قَالَ: إِنَّمَا كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا) : أَيْ قَرِيبًا. (مِنْ عِشْرِينَ شَعْرَةٍ بَيْضَاءَ) : سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ.
(حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) : بِالتَّصْغِيرِ. (مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ) : صَدُوقٌ، لَهُ أَوْهَامٌ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ. (عَنْ شَيْبَانَ) : صَدُوقٌ يَهِمُ رُمِيَ بِالْقَدَرِ، أَكْثَرَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ مُسْلِمٌ، وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) : أَيِ السَّبِيعِيِّ. (عَنْ عِكْرِمَةَ) : بِسُكُونٍ بَيْنَ كَسْرَتَيْنِ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، ثَبْتٌ، عَالِمٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ تَكْذِيبُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ. (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ شِبْتَ) :
بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ، قِيلَ: أَيْ ظَهَرَ فِيكَ آثَارُ الشَّيْبِ مِنَ الثِّقَلِ وَضَعْفِ الْبَدَنِ وَنَحْوِهِمَا، فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا سَبَقَ مِنْ قِلَّةِ الشَّيْبِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: كَأَنَّ حِكْمَةَ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ مِزَاجَهُ صلى الله عليه وسلم اعْتَدَلَتْ فِيهِ الْأَمْزِجَةُ وَالطَّبَائِعُ الْأَرْبَعَةُ وَاعْتِدَالُهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الشَّيْبِ وَلَوْ فِي أَوَانِهِ فَكَانَ شَيْبُهُ بِالنَّظَرِ لِذَلِكَ كَأَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى أَوَانِهِ، انْتَهَى. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ يُوجِبُ الِاعْتِدَالَ بِأَنَّ ظُهُورَ الشَّيْبِ لَا يَكُونُ قَبْلَ زَمَانِهِ وَلَا بَعْدَ أَوَانِهِ بِخِلَافِ عَدَمِ الِاعْتِدَالِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، فَقَوْلُهُ: وَاعْتِدَالُهَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَدَمِ الشَّيْبِ وَلَوْ فِي أَوَانِهِ، غَيْرُ صَحِيحٍ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ فِي أَنَّ مَعْنَاهُ ظَهَرَ فِيكَ أَثَرُ الضَّعْفِ وَالْكِبَرِ، انْتَهَى. وَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْجَوَابِ. (قَالَ صلى الله عليه وسلم: شَيَّبَتْنِي) : أَيْ ضَعَّفَتْنِي وَوَهَّنَتْ عِظَامِي وَأَرْكَانِي لَمَّا أَوْقَعَتْنِي فِي الْهُمُومِ وَأَكْثَرَتْ أَحْزَانِي. (هُودٌ) : بِضَمِّ الدَّالِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِضَمَّتَيْنِ، وَقَالَ مِيرَكُ: صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا هُودٌ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ مَعًا عَلَى أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ، انْتَهَى. وَزَعَمَ الْحَنَفِيُّ وَتَبِعَهُ الْعِصَامُ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ، ثُمَّ وَجَّهَهُمَا بِمَا قَالَ الرِّضَى إِنْ جُعِلَ هُودٌ اسْمَ السُّورَةِ لَا يُصْرَفُ لِأَنَّهُ كَمَاهْ وَجُورَ وَإِنْ جُعِلَ اسْمَ النَّبِيِّ صُرِفَ وَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ حِينَئِذٍ أَيْ سُورَةَ هُودٍ. (وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ) : بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ خَفْضُهَا عَلَى الْحِكَايَةِ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى. (وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) : أَيْ وَأَمْثَالُهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا، وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى السُّوَرِ مَجَازِيٌّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُؤَثِّرُ الْحَقِيقِيُّ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ اهْتِمَامِي بِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَثُلَاتِ النَّوَازِلِ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَخَذَ مِنِّي مَا أَخَذَهُ حَتَّى شِبْتُ قَبْلَ أَوَانِ الْمَشِيبِ خَوْفًا عَلَى أُمَّتِي، وَذُكِرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ بَعْضِهِمْ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ: رُوِيَ عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ» قَالَ: «نَعَمْ» فَقُلْتُ: بِأَيَّةِ آيَةٍ؟ قَالَ: قَوْلُهُ: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ، انْتَهَى. وَهُوَ لَا يُنَافِي أَسْبَابًا أُخَرَ مَذْكُورَةً فِي سَائِرِ السُّوَرِ مَعَ أَنَّ مَرْجِعَ الْكُلِّ إِلَيْهَا وَلِذَا قِيلَ الِاسْتِقَامَةُ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ كَرَامَةٍ
وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِقَامَةِ مَذْكُورٌ فِي الشُّورَى أَيْضًا، مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَصْرِ حَتَّى يُحْتَاجَ إِلَى الْجَوَابِ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا سَمِعَ فِي هُودٍ أَوْ بِأَنَّ الِاسْتِقَامَةَ فِي الشُّورَى مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الثَّبَاتُ وَالْمُدَاوَمَةُ، بِخِلَافِ مَا هُوَ فِي هُودٍ، فَإِنَّ فِيهَا أَمْرُ الْأُمَّةِ بِهَا أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمَ ضَعْفَهُمْ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثُ:«اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» فَلِأَجْلِ الِاهْتِمَامِ بِحَالِهِمْ وَمُلَاحَظَةِ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ وَمَآلِهِمْ صَارَ مُعْتَكِفًا فِي زَاوِيَةِ الْغَمِّ وَالْهَمِّ، فَظَهَرَ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ أَثَرُ الضَّعْفِ وَالْأَلَمِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا انْدَفَعَ التَّدَافُعَاتُ وَالِاضْطِرَابَاتُ الْوَاقِعَةُ فِي الشُّرُوحِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ مِنْ أَنَّ تَقْدِيمَ هُودٍ لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِقَامَةِ فَإِنَّ التَّقْدِيمَ الذِّكْرِيَّ لَا يَخْلُو عَنْ فَائِدَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَرْفُ الْوَاوِ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ فَمَحَلُّ بِحَثٍ فَإِنَّ مَحَلَّ اعْتِبَارِ التَّقْدِيمِ الذِّكْرِيِّ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ جَوَازِ تَأْخِيرِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ أَفَادَ تَقْدِيمَ الصَّفَا وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ:«ابْدَءُوا» أَوْ «ابْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ، وَكَمَا أَخَذَ بِهِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَتَقْدِيمُ هُودٍ مُتَعَيَّنٌ لِتَقَدُّمِهَا فِي التَّنْزِيلِ عَلَى السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ الْمُرَتَّبَةِ، وَتَقْدِيمُ مَا حَقُّهُ التَّقْدِيمُ لَا يُفِيدُ أَمْرًا زَائِدًا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ وَالِاخْتِصَاصَ كَمَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نَعَمْ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَجْهٌ لِلتَّقْدِيمِ وَوَجْهٌ لِلتَّأْخِيرِ فَيُحْتَاجُ إِلَى نُكْتَةٍ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا فِي قَوْلِهِ عز وجل:(رَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى)، وَقَوْلِهِ:(رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ) تَقَدَّمَ هَارُونَ عَلَى مُوسَى لِأَنَّهُ أَكْبَرُ سِنًّا مَعَ مَرَاعَاتِ الْفَاصِلَةِ، وَقُدِّمَ مُوسَى لِأَنَّهُ
الْأَصْلُ فِي النُّبُوَّةِ وَهَارُونُ تَابِعٌ لَهُ مَعَ أَنَّهُ مُقْتَضَى رُءُوسِ الْآيِ أَيْضًا.
(حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ) : بِكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ فَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ) : أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ. (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) : بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ بَاءٍ بَعْدَهَا فَاءٌ، صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ، كَانَ فِي وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْلُغْ، رُوِيَ عَنْهُ خَمْسُونَ حَدِيثًا، حَدِيثَانِ فِي
الْبُخَارِيِّ وَفِي مُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ وَفِيهِمَا حَدِيثَانِ. (قَالَ قَالُوا) : أَيِ الصَّحَابَةُ أَوْ رَئِيسُهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَالْجَمْعُ لِلتَّعْظِيمِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ الْقَائِلَ وَاحِدٌ لِاتِّفَاقِهِمْ فِي مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ فَكَأَنَّ جَمِيعَهُمْ قَالُوا. (يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَاكَ) : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ:(قَدْ شِبْتَ) : فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَأَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ «وَقَدْ شِبْتَ» حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ نَرَاكَ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ. (قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا) : أَيْ أَشْبَاهُهَا الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقِيَامَةِ وَعَذَابِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: لَعَلَّهَا الْمُفَصَّلَةُ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَقَوْلُهُ: كَانَ وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ السُّوَرِ بِالذِّكْرِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَالَ إِخْبَارِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُهُمَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، بَلْ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ حَيْثُمَا وُجِدَتْ فِي الْقُرْآنِ يَكُونُ سَبَبًا لِضَعْفِ الْقُوَى، وَالسُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ هِيَ الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى وَقَائِعِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ كَالشُّعَرَاءِ وَطَهَ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْقَصَصِ وَغَيْرِهِمَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَالْمَدَنِيَّاتُ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْخَمْسِ الْأُوَلِ وَفِي الرَّعْدِ وَالْفَتْحِ وَالَّتِي قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَالرَّحْمَنِ وَالْحَدِيدِ وَقَدْ سَمِعَ وَالدَّهْرِ وَالنَّصْرِ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا مَا يُنَاسِبُ السَّبَبَ الْمُتَقَدِّمَ الْمَذْكُورَ فِي غَيْرِهَا، وَقَدْ جَاءَ حَدِيثٌ مُصَرِّحٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ مَا أَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: بَيْنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ جَالِسَانِ نَحْوَ الْمِنْبَرِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ نِسَائِهِ يَمْسَحُ لِحْيَتَهُ وَيَرْفَعُهَا فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا. قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا رَقِيقًا، وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا شَدِيدًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأُمِّي لَقَدْ أَسْرَعَ فِيكَ الشَّيْبُ، فَرَفَعَ لِحْيَتَهُ بِيَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَذَرَفَتْ عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«أَجَلْ شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا» ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بِأَبِي وَأُمِّي مَا أَخَوَاتُهَا؟ قَالَ: «الْوَاقِعَةُ، وَالْقَارِعَةُ، وَسَأَلَ سَائِلٌ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ» . وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَارِعَةَ وَسَأَلَ سَائِلٌ غَيْرُ مَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّوَرِ الْمُفَصَّلَةِ السَّابِقَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا وَمَا فُعِلَ بِالْأُمَمِ قَبْلِي» .
(حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) : بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونِ جِيمٍ. (أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ) : بِفَتْحِ أَوَّلِهِ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ. (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) : تَصْغِيرُ عُمَرَ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ السِّتَّةُ. (عَنْ إِيَادِ) : بِكَسْرِ هَمْزٍ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ. (بْنِ لَقِيطٍ) : بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ، أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. (الْعِجْلِيِّ) : بِكَسْرِ عَيْنٍ وَسُكُونِ جِيمٍ. (عَنْ أَبِي رِمْثَةَ) : بِرَاءٍ مَكْسُورَةِ فميم ساكنة
فمثلثة، صَحَابِيٌّ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ (التَّيْمِيِّ) بِفَتْحِ التَّاءِ، نِسْبَةً إِلَى قَبِيلَةٍ. (تَيْمِ الرِّبَابِ) : بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَتَيْنِ، وَاحْتُرِزَ عَنْ تَيْمِ قُرَيْشٍ قَبِيلَةٍ مِنْ بَكْرٍ، قَالَ مِيرَكُ: صَحَّ
فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا «الرِّبَابُ» بِكَسْرِ الرَّاءِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَضَبَطَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بِفَتْحِ الرَّاءِ، قُلْتُ: لَعَلَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَفِي الْقَامُوسِ:«الرِّبَابُ» بِالْكَسْرِ، أَحْيَاءُ ضَبَّةَ لِأَنَّهُمْ أَدْخَلُوا أَيْدِيَهُمْ فِي رِبٍّ وَتَعَاقَدُوا وَ «الرِّبُّ» ثِقْلُ السَّمْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ:«الرِّبَابُ» بِالْكَسْرِ خَمْسُ قَبَائِلَ - مِنْ جُمْلَتِهِمْ تَيْمٌ - غَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي رِبٍّ وَتَحَالَفُوا عَلَيْهِ فَصَارُوا يَدًا وَاحِدَةً، انْتَهَى. وَالْخَمْسُ: ضَبَّةُ، وَثَوْرٌ، وَعُكْلٌ، وَتَيْمٌ، وَعَدِيُّ، عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِيرَكُ. وَتَيْمُ الرِّبَابِ بِالْجَرِّ فِي أَصْلِنَا، وَقَالَ الْعِصَامُ: إِنَّهُ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَمَا اشْتُهِرَ مِنْ جَرِّهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَتَأَمَّلْ، فَتَأَمَّلْنَا وَظَهَرَ لَنَا أَنَّ وَجْهَهُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّيْمِيَّ مَعْنَاهُ الْمَنْسُوبُ إِلَى التَّيْمِ وَفِي قُوَّتِهِ فَيَصِحُّ جَرُّهُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ التَّيْمِيِّ وَنُكْتَتُهَا تُعَدُّدُ الْتَيْمِ، وَيَصِحُّ أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ، أَيْ أَحَدُ تَيْمِ الرِّبَابِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ النَّصْبَ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي غَيْرُ ظَاهِرٍ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ يَعْنِي بِالتَّيْمِيِّ تَيْمِ الرِّبَابِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْحَمْلِ فَيَعُودُ الْإِشْكَالُ فَيَحْتَاجُ إِلَى تَكَلُّفٍ بِأَنْ يُقَالَ: يَعْنِي التَّيْمَ الَّذِي نُسِبَ إِلَيْهِ تَيْمُ الرِّبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَعِي ابْنٌ لِي) : الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ الْإِتْيَانِ وَالْوَاوُ حَالِيَّةٌ، ذَكَرَهُ الْعِصَامُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأَصْلِنَا الْمُصَحَّحِ الْمُقَابَلِ بِالنُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيِّ:«مَعَ ابْنٍ لِي» ظَرْفٌ لِأَتَيْتُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ «مَعِي ابْنٌ لِي» ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَتَيْتُ، لَكِنَّهُ اكْتَفَى بِالضَّمِيرِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَغَيْرُ مَوْجُودٍ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ الْمَوْجُودَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ مِيرَكُ: قَوْلُهُ: «وَمَعِي ابْنٌ لِي» لَمْ يُسَمَّ الِابْنُ الْمَذْكُورُ، كَذَا فِي الشَّرْحِ، وَوَجَدْتُ بِخَطِّهِ عَلَى هَامِشِ نُسْخَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَكْتُوبًا وَإِلَيْهِ مَنْسُوبًا، كَذَا وَقَعَ فِي الشَّمَائِلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي. وَأَظُنُّهُ الصَّوَابُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ زَادَ: ثُمَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي: «ابْنُكَ؟» قَالَ: إِي وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، قَالَ:«حَقًّا؟» قَالَ: أَشْهَدُ بِهِ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَاحِكًا مِنْ ثَبْتِ شَبَهِي فِي أَبِي وَمِنْ حَلِفِ أَبِي عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ:«أَمَّا أَنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ» وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ تَكُونُ عَنِ الْأَبِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ الِابْنِ وَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا. (قَالَ) : أَيْ الِابْنُ. (فَأُرِيتُهُ) : فِعْلٌ مَجْهُولٌ مِنَ الْإِرَاءَةِ، أَيْ جَعَلَنِي أَبِي أَوْ غَيْرَهُ رَائِيًا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. (فَقُلْتُ لَمَّا رَأَيْتُهُ) : أَيْ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَتَرَاخٍ. (هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ) : وَمَعْنَاهُ عَلِمْتُ يَقِينًا أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ نُورِ جَمَالِهِ الْعَلِيِّ وَظُهُورِ كَمَالِهِ الْجَلِيِّ حَيْثُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِظْهَارِ مُعْجِزَةٍ وَإِتْيَانِ بُرْهَانٍ وَمَحَجَّةٍ. وَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ الْحَنَفِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَهُوَ بَعِيدٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْإِيهَامِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْإِرَادَةِ فِي الظَّاهِرِ. (وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ) : أَيْ مَصْبُوغَانِ بِلَوْنِ الْخُضْرَةِ بِتَمَامِهَا، قَالَ مِيرَكُ: وَهُوَ أَكْثَرُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مَخْطُوطَيْنِ بِخُطُوطٍ خُضْرٍ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: «بُرْدَانِ» بَدَلَ «ثَوْبَانِ» ، وَالْغَالِبُ أَنَّ الْبُرُودَ ذَوَاتُ الْخُطُوطِ، قَالَ الْعِصَامُ:
الْمُرَادُ بِالثَّوْبَيْنِ الرِّدَاءُ وَالْإِزَارُ، وَمَا قِيلَ فِيهِ أَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ ضَعْفُهُ ظَاهِرٌ إِذْ غَايَةُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ، انْتَهَى. وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ إِذِ الْأَشْيَاءُ مُبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهَا، فَإِذَا اخْتَارَ الْمُخْتَارُ شَيْئًا مِنْهَا بِلُبْسِهِ لَا شَكَّ فِي إِفَادَةِ الِاسْتِحْبَابِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ رَأَيْتُهُ، وَقَالَ الْحَنَفِيُّ: مِنْ فَاعِلِ «رَأَيْتُ» وَهُوَ بَعِيدٌ، أَوْ فَاعِلِ «قُلْتُ» وَهُوَ أَبْعَدُ، وَقَالَ الْعِصَامُ: حَالٌ مِنْ «نَبِيِّ اللَّهِ» ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ مَعْنًى وَإِنْ قَرُبَ لَفْظًا، وَأَمَا قَوْلُهُ: إِنَّهُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَامِلِ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةُ أَصْلٍ نَحْوِيٍّ فَمَدْفُوعٌ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُسَمَّى أَجْنَبِيًّا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا نَبِيُّ اللَّهِ، فِي حُكْمِ التَّقْرِيرِ. (وَلَهُ شَعْرٌ) : أَيْ قَلِيلٌ مِنْ نَعْتِهِ أَنَّهُ (قَدْ عَلَاهُ) : أَيْ غَلَبَهُ وَشَمِلَهُ. (الشَّيْبُ) : فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ: شَيْبَهُ لَمْ يَبْلُغْ عِشْرِينَ شَعْرَةً. (وَشَيْبُهُ أَحْمَرُ) : أَيْ حَالَ كَوْنِهِ يُخَالِطُ شَيْبَهُ حُمْرَةٌ فِي أَطْرَافِ تِلْكَ الشَّعَرَاتِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ أَوَّلُ مَا يَشِيبُ أُصُولُ الشَّعْرِ، وَأَنَّ الشَّعْرَ إِذَا قَرُبَ شَيْبُهُ صَارَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَبْيَضَ، أَوِ الْمُرَادُ بِالشَّيْبِ الْبَيَاضُ، وَمَعْنَى أَحْمَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيَاضُ صُبِغَ بِحُمْرَةٍ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي رِمْثَةَ أَيْضًا