المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: دلالة الصفات على توحيد الألوهية - جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف - جـ ١

[عبد العزيز بن صالح بن إبراهيم الطويان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: حياة الشيخ الأمين الشخصية

- ‌المبحث الأول: نسبه، وولادته

- ‌المبحث الثاني: نشأته

- ‌المبحث الثالث: قدومه إلى المملكة، واستقراره بها، واستقبال العلماء له

- ‌المبحث الرابع: صفاته الخِلقية

- ‌المبحث الخامس: صفاته الخُلقية

- ‌المبحث السادس: أدبه، وذكاؤه وظرفه، ومن مواقفه وأقواله

- ‌المبحث السابع: وفاته

- ‌الفصل الثاني: حياة الشيخ الأمين العلمية

- ‌المبحث الأول: "طلبه للعلم، وشيوخه

- ‌المبحث الثاني: عقيدته

- ‌المبحث الثالث: أعماله، ووظائفه

- ‌المبحث الرابع: تلاميذه

- ‌المبحث الخامس: مؤلفاته

- ‌المبحث السادس: ثناء العلماء عليه

-

- ‌الباب الأول: جهود الشيخ الأمين رحمه الله في توضيح الإيمان بالله

- ‌تمهيد:

- ‌الفصل الأول: توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثاني: توحيد الألوهية

- ‌المبحث الأول: تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني: براهين التوحيد

- ‌المطلب الأول: دلالة الصفات على توحيد الألوهية

- ‌المطلب الثاني: البراهين الكونية

- ‌المبحث الثالث: أنواع العبادة

- ‌المطلب الأول: الدعاء

- ‌المطلب الثاني: التوكل

- ‌المطلب الثالث: الولاء والبراء

- ‌المطلب الرابع: الخوف والرجاء

- ‌المطلب الخامس: الحكم بما أنزل الله

- ‌المبحث الرابع: ما يضاد إخلاص العبادة

- ‌المطلب الأول: الشرك بالله تعالى

- ‌المطلب الثاني: الذبح لغير الله

- ‌المطلب الثالث: ادعاء علم الغيب

- ‌المطلب الرابع: الحلف بغير الله

- ‌المطلب الخامس: السحر

- ‌المطلب السادس: البناء على القبور

- ‌الفصل الثالث: جهود الشيخ الأمين في توضيح توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: جهود الشيخ في إبراز عقيدة السلف في الصفات

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الثاني: معتقد السلف في الصفات يقوم على ثلاثة أسس

- ‌المطلب الثالث: قواعد في الصفات

- ‌المطلب الرابع: ذكر جملة من الصفات التي ذكرها الشيخ الأمين –رحمه الله

- ‌المبحث الثاني: موقف الشيخ رحمه الله من أهل التأويل

- ‌المطلب الأول: معاني التأويل

- ‌المطلب الثاني: بعض شبه أهل التأويل، وردّ الشيخ عليها

- ‌المطلب الثالث: مقارنة بين مذهب السلف والخلف

- ‌المطلب الرابع: رجوع بعض أئمة أهل التأويل عن مذهب الخلف إلى معتقد السلف

- ‌الباب الثاني: جهوده في توضيح بقية أركان ومباحث الإيمان

- ‌الفصل الأول: الإيمان بالملائكة والجن

- ‌الفصل الثاني: الإيمان بالكتب

الفصل: ‌المطلب الأول: دلالة الصفات على توحيد الألوهية

‌المبحث الثاني: براهين التوحيد

‌المطلب الأول: دلالة الصفات على توحيد الألوهية

المبحث الثاني: براهين التوحيد

توحيد الألوهية هو غاية دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، والحكمة من خلق الخلق، ولقد تضافرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب إفراد الله بالعبادة، وأنه وحده المستحق أن يعبد ويعظم.

والأدلة على ألوهية الله سبحانه وتعالى واستحقاقه للهبادة هي أيضا دلائل على ربوبيته، وأسمائه وصفاته؛ لأن توحيد الألوهية –كما مرّ- متضمن لتوحيد الربوبية، فمن أتى به فقد جاء بالتوحيد المطلوب المنجي من دخول النار، المقتضي دخول الجنة.

وقد اهتم الشيخ الأمين رحمه الله بهذه البراهين، فأورد في تفسيره نصوصا كثيرة من القرآن الكريم، وذكر أنها تدل على وحدانية الله واستحقاقه للعبادة دون سواه، وهذه النصوص منها ما هو في صفاته سبحانه وتعالى الدالة على ألوهيته وعظمته.

ومنها ما هو في آياته المنزلة والمخلوقة. وقد ذكرها في مواضع بالإجمال، وفي أخرى بالتفصيل، وسوف أوردها مجملة، ثم أفصل كل دليل على حدة مسترشداً بكلام الشيخ رحمه الله على فهم هذه البراهين.

ص: 118

المطلب الأول: دلالة الصفات على توحيد الألوهية

ذكر الشيخ الأمين رحمه الله بعض الصفات الدالة على ألوهية الله سبحانه، واستحقاقه للعبادة؛ فمنها: صفة الملك، وصفة الوحدانية، وصفة الألوهية، وصفة الخلق، وصفة القدرة.

فعند تفسير قوله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} 1.

قال رحمه الله: "وقد أثنى –جلا وعلا- على نفسه في هذه الآية الكريمة بخمسة أمور، هي أدلة قاطعة على عظمته واستحقاقه وحده لإخلاص العبادة له:

الأول منها: أنه هو الذي له ملك السموات والأرض.

والثاني: أنه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك هلواً كبيراً.

والثالث: أنه لا شريك له في ملكه.

والرابع: أنه هو خالق كلّ شيء.

والخامس: أنه قدر كل شيء خلقه تقديراً.

وهذه الأمور الخمسة المذكورة في هذه الآية الكريمة جاءت موضحة في آيات كثيرة".

ثم سرد رحمه الله آيات كثيرة تدل على كل نوع من هذه الأمور

1 سورة الفرقان، الآية [2] .

ص: 119

الخمسة، على طريقته رحمه الله في بيان القرآن بالقرآن.

فقال: "أما الأول منا: وهو أنه له ملك السموات والأرض فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة، كقوله تعالى في سورة المائدة:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآية1،وقوله تعالى:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} الآية2. وجميع الآيات التي ذكر فيها جل وعلا أن له الملك، فالملك فيها شامل لملك السموات والأرض وما بينهما، وغير ذلك؛ كقوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} 3

والآيات الدالة على أن له ملك كل شيء كثيرة جداً معلومة"4.

والأمر الثاني –وهو كونه لم يتخذ ولداً- استدل له بقوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} .

الأمر الثالث: استدل له بقوله تعالى في سورة سبأ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} 5.

وقوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} 6؛ لأن قوله: {الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} يدل على تفرده بالملك والقهر، واستحقاق إخلاص العبادة كما لا يخفى. إلى غير ذلك من الآيات.

واستدل للأمر الرابع –وهو كونه خالق كل شيء- بقوله تعالى: {ذَلِكُمُ

1 سورة المائدة، الآية [40] .

2 سورة فاطر، الآية [13] .

3 سورة آل عمران، الآية [26] .

4 أضواء البيان 6/265.

5 سورة سبأ، الآية [22] .

6 سورة غافر، الآية [16] .

ص: 120

اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلآ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} 1، إلى غير ذلك من الآيات.

واستدل للأمر الخامس –وهو كونه قدر كل شيء خلقه- بقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} 2.

وهذا الذي أوردته قليل من كثير مما أورده الشيخ رحمه الله في كتاب التفسير من أدلة قرآنية على هذه الأنواع3.

فالشيخ الأمين رحمه الله يتناول براهين التوحيد بالتوضيح في هذه السورة الكريمة وحدها مؤكدا أن من اتصف بهذه الصفات العظيمة فهو المستحق أن يعبد ولا يشرك معه أحد؛ فالله سبحانه وتعالى هو النافع الضار، المتفرد بكل كمال، الآمر الناهي. قدر جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة قبل خلقه، ثم كتبه في اللوح المحفوظ4، ثم خلقه وفق ما يريد، فسبحان المتصف بكل كمال وجلال، فهو الإله المعبود بحق وحده.

وهذا ما أكده أيضاً الإمام ابن القيم5-رحمه الله حيث يقول:

"وإذا كان وحده هو ربنا وملكنا وإلهنا، فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه. ولا معبود لنا غيره، فلا ينبغي أن يدعى، ولا يخاف، ولا يرجى، ولا يحب سواه. ولا يذل لغيره، ولا يخضع لسواه، ولا يتوكل إلا عليه؛ لأن من ترجوه وتخافه، وتدعوه، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك

1 سورة غافر، الآيتان [62-63] .

2 سورة الأعلى، الآيتان [2-3] .

3 راجع أضواء البيان 6/265-267.

4 يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة ". أخرجه مسلم في صحيحه كتاب القدر 4/2044. بلفظ:"كتب الله مقادير الخلائق"والترمذي في سننه 4/458 وقال: حديث حسن صحيح غريب. واللفظ له.

5 تقدمت ترجمته.؟؟

ص: 121

والقيم بأمورك ومتولي شأنك؛ وهو ربك فلا رب سواه، أو تكون مملوكه وعبده الحق؛ فهو ملك الناس حقاً، وكلهم عبيده ومماليكه، أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين، بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله الحق؛ إله الناس الذي لا إله لهم سواه، فمن كان ربهم وملكهم وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجؤا إلى غير حماه، فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم جميعاً بربوبيته وملكه وإلهيته لهم. فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه إلى ربه ومالكه وإلهه"1.

وخلاصة القول: أن من كان متصفاً بتلك الصفات العظيمة جدير بأن يعبد وحده ولا يشرك معه أحد من خلقه؛ وهو ما يؤكده الشيخ الأمين رحمه الله، وما يحتويه كلامه السابق؛ فالموجودات كلها واقعة تحت أمر الله ونهيه وقهره. فسبحان من تفرد بالوحدانية والملك والألوهية.

وهذه الصفات العظيمة الدالة على توحيد الألوهية: قد أجمل الشيخ رحمه الله الكلام عنها في موضع واحد، ثم فصل الكلام عنها في مواضع متعددة من تفسيره.

وقد أجملت الكلام عنها فيما سبق اقتداء بصنيع الشيخ رحمه الله، وها أنا أشرع ببيانها على وجه التفصيل اقتداء بصنيع الشيخ رحمه الله أيضا. فمنها:

أولا: قدرة الله على الخلق:

الذي يقدر على خلق الخلق، وإبرازهم من العدم إلى الوجود هو الذي يستحق أن يعبد وحده؛ لأن من لا يقدر على ذلك عاجز، والعاجز لا

1 بدائع الفوائد 2/248.

ص: 122

يصلح أن يكون إلهاً ومعبوداً.

وقد فصل الشيخ رحمه الله في هذه المسألة في عدة مواضع من تفسيره، أكتفي بذكر موضعين منها:

فعند تفسيره لقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} 1.

قال: "أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى أنه هو المستحق لأن يعبد وحده؛ لأنه هو الخالق وحده، ولا يستحق من الخلق أن يعبدوا إلا من خلقهم وأبرزهم من العدم إلى الوجود، لأن المقصود من قوله: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ} إنكار ذلك، وأنه هو الخالق وحده، بدليل قوله بعده: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي وخالق كل شيء هو المستحق لأن يعبد وحده. ويبين هذا المعنى في آيات كثيرة؛ كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} الآية2، وقوله: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} 3، وقوله: {أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} 4، وقوله: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} 5، إلى غير ذلك من الآيات لأن المخلوق محتاج إلى خالقه؛ فهو عبد مربوب مثلك يجب عليه أن يعبد من خلقه وحده، كما يجب عليك ذلك، فأنتما سواء بالنسبة إلى وجوب عبادة الخالق وحده لا شريك له"6.

1 سورة الرعد، الآية [16] .

2 سورة البقرة، الآية [21] .

3 سورة الفرقان، الآية [3] .

4 سورة الأعراف، الآية [191] .

5 سورة لقمان، الآية [11] .

6 أضواء البيان 3/101.

ص: 123

وعند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} 1 قال رحمه الله:

"قد ذكرنا قريباً أن قوله: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلآ بِالْحَقِّ} 2 يتضمن البرهان القاطع على صحة معنى "لا إله إلا الله"، وأن العلامة الفارقة بين المعبود بحق وبين غيره هي كونه خالقاً. وأول سورة الأحقاف هذه يزيد ذلك إيضاحاً؛ لأنه ذكر من صفات المعبود بحق أنه خلق السموات والأرض وما بينهما بالحقّ وذكر من المعبودات الأخرى التي عبادتها كفر مخلد في النار أنها لاتخلق شيئاً"3.

ولاشك أن هذا البرهان من أعظم البراهين الدالة على توحيد الألوهية؛ إذ كيف يستحق العبادة من يعجز عن الخلق، بل هو مخلوق مربوب مفتقر إلى ربه وخالقه. فمن يستحق العبادة خالق كل شيء وربه ومليكه، وهو الله رب العالمين، الإله المعبود وحده سبحانه وتعالى.

ثانياً: النافع الضار

النافع الضار من أسماء الله المزدوجة المتقابلة المقترنة التي لا يفرد أحدهما عن الآخر4. وهي تدل على كمال الله سبحانه وتعالى، وحكمته البالغة؛ حيث ينفع من أطاعه بفعل الخيرات في الدنيا والإعانة عليها، وتكون سبباً لدخول الجنة. والضارّ لمن عصاه وابتعد عن هداه ومآله إلى النار.

1 سورة الأحقاف، الآية [4] .

2 سورة الأحقاف، الأية [3] .

3 أضواء البيان 7/372.

وقد ذكر الشيخ رحمه الله مضمون هذا المعنى في عدة مواضع من تفسيره أضواء البيان.

(انظر مثلاً: 2/482، 3/211، 4/30) .

4 بدائع الفوائد 1/167.

ص: 124

وقد أشار الشيخ رحمه الله إلى أن النافع والضار هو الله وحده، فيجب أن يفرد بالعبادة وحده؛ إذ أن عبادة ما سواه باطلة؛ لأنه عاجز عن النفع والضر، والعاجز لايصلح أن يكون إلها.

قال رحمه الله موضحاً هذا المعنى عند تفسير قوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلآ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} 1: "بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة سخافة عقول الذين عبدوا العجل، وكيف عبدوا ما لايقدر على ردّ الجواب لمن سأله، ولا يملك نفعاً لمن عبده، ولاضراً لمن عصاه، وهذا يدل على أن المعبود لا يمكن أن يكون عاجزاً عن النفع والضر ورد الجواب.

وقد بين هذا المعنى في غير هذا الموضع؛ كقوله في الأعراف في القصة بعينها: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} 2. ولاشك أن من اتخذ من لايكلمه ولايهديه سبيلاً إلها، فإنه من أظلم الظالمين، ونظير ذلك قوله تعالى عن إبراهيم: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} 3 4.

وعند تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} 5 قال رحمه الله:

"ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن المعبودات من دونه لا تقدر أن تكشف ضراً أراد الله به أحداً، أو تمسك

1 سورة طه، الآية [89] .

2 سورة الأعراف، الآية [148] .

3 سورة مريم، الآية [42] .

4 أضواء البيان 4/497-498.

5 سورة الزمر، الآية [38] .

ص: 125

رحمة أراد بها أحداً، جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى:{يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} 1..2.

وبذلك يوضح الشيخ رحمه الله أن القادر على النفع والضر هو المستحق للعبادة، ولايقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى؛ فهو الإله المعبود وحده.

وما ذكره الشيخ رحمه الله لم ينفرد به، ولم يكن أول من قاله، بل هو معنى معروف قاله العلماء قبله، وهو عقيدة السلف الصالح المستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن رجب3 رحمه الله: "فإن العبد إذا علم أنه لن يصيبه إلا ماكتب الله له من خير وشر، ونفع وضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم على خلاف المقدور غير مفيد البتة، علم حينئذ أن الله وحده هو الضار النافع، المعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه عز وجل، وإفراده بالطاعة، وحفظ حدوده؛ فإن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله من يعبد من لا ينفع ولا يضر، ولايغني عن عابده شيئاً. فمن يعلم أنه لا ينفع ولا يضر، ولا يعطي ولا يمنع غير الله أوجب له ذلك إفراده بالخوف، والرجاء، والمحبة، والسؤال، والتضرع، والدعاء، وتقديم طاعته على طاعة الخلق جميعاً، وأن يتقى سخطه. ولو كان فيه سخط الخلق جميعاً4.

1 سورة مريم، الآية [42] .

2 أضواء البيان 7/75.

وقد أشار الشيخ رحمه الله لهذا المعنى في عدة مواضع من تفسير أضواء البيان.

(انظر مثلاً: 3/280، 4/572، 7/606) .

3 أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي، ثم الدمشقي. ولد في بغداد سنة (736?) ونشأ وتوفي في دمشق سنة (795?) .

(انظر: شذرات الذهب 6/339. والأعلام 3/295) .

4 جامع العلوم والحكم ص183.

ص: 126

وخلاصة القول: أن الشيخ رحمه الله استشهد على ألوهية الله، واستحقاقه العبادة بكونه النافع والضار وحده كما صرحت بذلك الأدلة الصريحة الواضحة في كتاب الله تعالى.

ثالثاً: الرزاق

الرزاق من أسماء الله تعالى الدالة على عظم فضله وكرمه وسخائه؛ فهو الذي يرزق أهل السموات والأرض بأنواع الخيرات والنعم المتتالية. وكما أنه يرزق عباده الدنيا وملذاتها كذلك يرزق الإيمان الموصل إلى الجنة ونعيمها. ولايقدر على ذلك كله إلا الله وحده. فهو المستحق أن يعبد وحده لاشريك له.

وقد أوضح الشيخ رحمه الله هذا المعنى، وأشار إلى أنه لا يجوز أن تكون العبادة إلا لمن رزق الخلق وأنعم عليهم بالخيرات المتتالية، وهو الله سبحانه وتعالى. أما غيره فلا يستحق أن يعبد؛ لأنه عاجز عن رزق العباد، والعاجز لا يكون إلهاً؛ فقال عند تفسيره قوله تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُون} 1:

"ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات؛ بإنزال المطر، ولا من الأرض؛ بإنبات النبات، وأكد عجز معبوداتهم عن ذلك بأنهم لا يستطيعون؛ أي لا يملكون أن يرزقوا، والاستطاعة منفية عنهم أصلاً؛ لانهم جماد ليس فيه قابلية استطاعة شيء. ويفهم من الآية الكريمة: أنه لا يصح أن يعبد إلا من يرزق الخلق؛ لأن أكلهم رزقه وعبادتهم غيره كفر ظاهر لكل عاقل. وهذا المعنى المفهوم بينه الله في مواضع أخر". ثم ذكر رحمه الله بعض الآيات الدالة على هذا المعنى؛ منها قوله تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} 2. وقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلآ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا

1 سورة النحل، الآية [73] .

2 سورة تبارك، الآية [21] .

ص: 127

أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} 1،

وغيرها من الآيات2.

وهذا المفهوم الذي قصده الشيخ رحمه الله بهذا القول، هو عين ما ارتضاه أئمة التفسير ممن عرفوا بسلامة الاعتقاد. ودقة إيضاح المعاني التي تتضمنها الآيات.

أمثال الإمام ابن كثير3 رحمه الله الذي قال عند تفسيره لقوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً} 4.

يقول الله تعالى إخباراً عن المشركين الذين عبدوا معه غيره، مع أنه هو المنعم المتفضل الخالق الرازق وحده لا شريك له، ومع هذا يعبدون من دونه من الأصنام والأنداد والأوثان ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً؛ أي لا يقدر على إنزال مطر، ولا إنبات زرع ولاشجر. ولا يملكون ذلك لأنفسهم؛ أي ليس لهم ذلك، ولا يقدرون عليه لو أرادوه، ولهذا قال تعالى:{فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ} 5؛ أي لا تجعلوا له أنداداً وأشباهاً وأمثالاً، {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 6 أي أنه يعلم ويشهد أنه لا إله إلا هو، وأنتم بجهلكم تشركون به غيره" 7.

وخلاصة القول: إن الشيخ الأمين رحمه الله يستدل بهذه الصفة العظيمة، وثبوت تفرد الباري سبحانه بها على استحقاقه للألوهية وحده لا شريك له؛ إذ ليس من العقل في شيء أن يأكل الإنسان رزق ربه ويتقلب

1 سورة الذرايات، الآيات [56-58] .

2 أضواء البيان 3/322-323.

وأشار لهذا المعنى أيضاً في مواضع أخرى من تفسيره أضواء البيان.

(انظر مثلاً: 3/327، 7/666) .

3 هو الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، أبو الفداء الدمشقي. ولد سنة (701?) في قرية من قرى الشام، وتوفي في دمشق سنة (774?) .

(انظر: شذرات الذهب 6/231-232. والأعلام 1/320) .

4 سورة النحل، الآية [73] .

5 سورة النحل، الآية [74] .

6 سورة النحل، الآية [74] .

7 تفسير القرآن العظيم 2/578.

ص: 128

في نعمه، ويعبد سواه.

رابعاً: عالم الغيب

من أسماء الله سبحانه وتعالى: العليم، الذي أحاط بكل شيء علماً؛ علم الأمور قبل خلق السموات والأرض، ثم كتبها وقدرها وشاءها، ثم خلقها.

وهاهنا يوضح الشيخ رحمه الله أنه لاينبغي أن يعبد إلا من اتصف بصفة العلم، وأما من لم يتصف بهذه الصفة العظيمة فهو عبد مقهور محتاج إلى الله تعالى الإله المستحق للعبادة وحده.

يقول رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} 1:

"ختم الله هذه السورة الكريمة بهذه الخاتمة العظيمة، فكأنه يقول: الذي يأمركم وينهاكم جدير بأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى؛ لأنه متصف بصفات عظيمة تستوجب أن يفرد بالطاعة، وأن لا يعصى له أمر، فإنه يعلم السر وأخفى"2.

ثم يقول رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {َإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ} 3: "أي كل الأمور راجعة إليه تعالى. ومن الأمور الراجعة إليه بنوآدم وأعمالهم؛ فيجازي كلا منهم بما يستحق من خير أو شر. وفائدة الترتيب بالفاء في قوله تعالى: {فاعبده} الإشارة إلى نكتة؛ وهو أنه لا ينبغي أن يعبد ويخضع ويذل إلا لمن اتصف بهذه الصفات العظيمة، ومثله

1 سورة هود، الآية [123] .

2 معارج الصعود ص306.

3 سورة هود، الآية [123] .

ص: 129

قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلآ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} 1. ويفهم من مفهوم المخالفة أن الجاهل الذي لا يعلم الغيب لا ينبغي أن يخضع له؛ لأنه مربوب محتاج إلى الله تعالى" 2.

فالشيخ يؤكد أن المتصرف في هذا الكون هو الله وحده، ولا يعلم الغيب غيره، فهو المعبود بحق دون سواه، وأما غيره من الأنبياء والملائكة والأولياء، فهم عاجزون عن نفع أنفسهم ومعرفة مستقبلهم فضلاً عن نفع غيرهم؛ قال الله تعالى مخبراً عن رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَلا ضَرّاً إِلآ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لآسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ} 3.

1 سورة المزمل، الآية [9] .

2 معارج الصعود ص306-307.

3 سورة الأعراف، الآية [188] .

ص: 130