الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: ادعاء علم الغيب
علم الغيب من خصائص الله سبحانه وتعالى، فلا يعلم الغيب إلا هو؛ قال تعالى:{قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} 1وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ} 2.
والغيب كما ذكر الشيخ الأمين رحمه الله: "يطلق على كل ما غاب من المعلومات"3.
وهو يؤكد رحمه الله أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وقد يطلع من شاء من رسله على شيء من المغيبات. يقول رحمه الله: "أعلم المخلوقات وهم الرسل والملائكة لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله تعالى. وهو تعالى يعلم رسله من غيبه ما يشاء؛ كما أشار له بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} 4 وقوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية5
…
"6.
لذلك فقد بين رحمه الله أن جميع وسائل ادعاء الاطلاع على الغيب هي من الضلال الذي نهى الله عنه، وليس لنا إلا ما أطلع الله عليه رسوله،
1 سورة النمل، الآية [65] .
2 سورة الأنعام، الآية [59] .
3 معارج الصعود ص100.
وقد عرفه صاحب الصحاح (1/196) : بأنه كل من غاب عنك.
وانظر: تهذيب اللغة 8/214.
4 سورة آل عمران، الآية [179.]
5 سورة الجنّ، الآيتان [26-27] .
6 أضواء البيان 2/196-197.
وأخبرنا به صلى الله عليه وسلم ، فيقول رحمه الله موضحاً هذا المعنى:
"لما جاء القرآن العظيم بأن الغيب لايعلمه إلا الله كان جميع الطرق التي يراد بها التوصل إلى شيء من علم الغيب غير الوحي من الضلال المبين. وبعض منها مايكون كفراً ولذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" 1. ولا خلاف بين العلماء في منع العيافة2. والكهانة3، والعرافة4، والطرق5، والزجر6، والنجوم. وكل ذلك يدخل في الكهانة، لأنها تشمل جميع أنواع ادعاء الاطلاع على علم الغيب، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: "ليسوا بشيء" 7"8.
ويؤكد الشيخ الأمين رحمه الله أن ليس للعباد تسلط إلى معرفة الغيب، وأن جميع الطرق التي يدعي أصحابها أنها تنبىء عن الغائب كلها من البهتان. وهذا ما أوضحه الإمام القرطبي9 رحمه الله بقوله: "قال العلماء رحمة الله عليهم: لما تمدح سبحانه بعلم الغيب، واستأثر به دون
1 أخرجه مسلم4/1751، إلا أنه قال:"ليلة"بدل"يوما".
2 هي زجر الطير للتفاؤل، والتشاؤم بأسمائها وأصواتها وممرها.
(انظر: اللسان 11/167. وتهذيب اللغة 3/231) .
3 الكهانة مثل العرافة –كما سيأتي-
(انظر: الصحاح 6/2191. وتهذيب اللغة 6/24. واللسان 17/244-245) .
4 العراف: هو الحازي أو المنجم الذي يدعي علم الغيب الذي استأثر الله بعلمه.
(انظر: الصحاح 4/1402. وتهذيب اللغة 2/347 واللسان 11/142.
5 هو الضرب بالحصى، والخط في التراب، وهو ضرب من التكهن.
(انظر: الصحاح 4/1515. وتهذيب اللغة 16/224، واللسان 12/85) .
6 ويكون للطير، وغيرها للتيمن بسنوحها، أو التشاؤم ببروحها، وهو ضرب من التكهن.
(انظر: الصحاح 2/668. وتهذيب اللغة 10/602) .
7 أخرجه البخاري 7/82؛ ومسلم 4/1750.
8 أضواء البيان 2/197.
9 هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرج الأنصاري الخزرجي الأندلسي القرطبي من كبار المفسرين. رحل إلى المشرق واستقر بمنية ابن خصيب في صعيد مصر. وتوفي ودفن بها سنة (671?) .
وانظر: شذرات الذهب 5/335.
خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم، ودلالة صادقة على نبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب بالحصى، وينظر في الكتب، ويزجر بالطير ممن ارتضاه من رسول فيطلعه على مايشاء من غيبه، بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه" 1.
إذاً: فادعاء معرفة الأمور الغائبة ليس بالأمر الهيّن، بل هو زعم بمشاركة الله تعالى الذي لايعلم الغيب أحد سواه في علمه، ولذلك يبين الشيخ الأمين رحمه الله أن بعض أهل العلم قد كفر من يدعي معرفة الغيب، ويسوق الأدلة التي استدلوا بها فيقول:"ووجه تكفير بعض أهل العلم لمن يدعي الاطلاع على الغيب أنه ادعى لنفسه ما أستأثر الله تعالى به دون خلقه، وكذب القرآن الوارد بذلك؛ كقوله: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللَّهُ} 2. وقوله هنا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاّ هُو} "3.
وماذكره الشيخ رحمه الله من أن مدعي الغيب كافر هو القول الحق الذي تنصره الأدلة الصريحة الدالة على أن الغيب لله وحده، وأنه من خصائص ألوهيته وربوبيته جل وعلا. والمتطاول إلى معرفة الغيب هو في الحقيقة مدع لمشاركة الله تعالى في صفة من صفاته الخاصة به. ولا شك في كفر من ادعى هذه المنزلة.
1 الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 19/19.
2 سورة النمل، الآية [65] .
3 أضواء البيان 2/199.
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي1 رحمه الله موضحاً هذا الأمر: "إن الله تعالى هو المنفرد بعلم الغيب، فمن ادعى مشاركة الله في شيء من ذلك؛ بكهانة أو عرافة أو غيرها، أو صدق من ادعى ذلك فقد جعل لله شريكاً فيما هو من خصائصه، وقد كذب الله ورسوله. وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائط التي تستعين بها على دعوى العلوم الغيبية، فهو شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به، ومن جهة التقرب إلى غير الله"2.
وبذلك يتبين كفر من ادعى علم الغيب بأي طريقة من الطرق الشيطانية؛ إذ إنه زعم لنفسه ما اختص الله به دون خلقه، وكذب بالقرآن العظيم، وبآياته الكريمة التي ذكر الله جل وعلا فيها أنه لايعلم الغيب أحد سواه جل وعلا.
1 هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن محمد آل سعدي. ينتهي نسبه إلى بني عمرو من قبيلة تميم. ولد في عنيزة سنة (1307هـ) ، وتوفي بها سنة (1376هـ) .
(انظر: علماء نجد 2/422. والأعلام 3/340) .
2 القول السديد في مقاصد التوحيد ص84-85.