الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع: الحلف بغير الله
حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الحلف بغير الله، وذلك لسد الطرق الموصلة للشرك، وحماية لجناب التوحيد، وحتى يكون الدين كله لله.
قال عليه الصلاة والسلام: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك "1.
وهذا الشرك الذي عناه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:"أشرك"هو الشرك الأصغر، الذي لا يخلد صاحبه في النار، ولكنه على خطر عظيم إن لم يتب منه.
وقد أشار الشيخ الأمين رحمه الله إلى أنه لا يجوز الحلف بغير الله، ومن حلف فإن يمينه باطلة، وإنما يكون الحلف صحيحاً إذا كان بالله، أو بأسمائه، أو صفاته.
قال رحمه الله: "اعلم أن اليمين لا تنعقد إلا بأسماء الله وصفاته، فلا يجوز القسم بمخلوق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفاً فليحلف بالله، أو ليصمت" 2"3.
ثم يرد رحمه الله على من جوز الحلف برسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً أن ذلك مصادمة للأمر النبوي الكريم المانع من الحلف بغير الله، فيقول: "ولا تنعقد يمين بمخلوق كائنا ما كان، كما أنه لا تجوز بإجماع من
1 أخرجه الترمذي 4/110، وقال: هذا حديث حسن.
2 أخرجه البخاري 7/221.
3 أضواء البيان 2/123. وانظر المصدر نفسه 3/34.
يعتدّ به من أهل العلم، وبالنص الصحيح الصريح في منع الحلف بغير الله. فقول بعض أهل العلم1 بانعقاد اليمين به صلى الله عليه وسلم لتوقف إسلام المرء على الإيمان به ظاهر البطلان، والله تعالى أعلم" 2.
وهذا الذي قرره الشيخ الأمين رحمه الله هو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين ذكر تنازع الناس في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال بعد ذلك:"إن الصواب الذي عليه عامة علماء المسلمين سلفهم وخلفهم أن لا يحلف بمخلوق؛ لا نبي ولا غير نبي، ولا ملك من الملائكة، ولا ملك من الملوك، ولا شيخ من الشيوخ، والنهي عن ذلك نهي تحريم عند أكثرهم كمذهب أبي حنيفة وغيره، وهو أحد القولين في مذهب أحمد"3.
وإذا كان الشيخ الأمين رحمه الله يبيّن أن ليس للمخلوق أن يحلف بغير الله، فإنه يؤكد في موضع آخر أن للخالق أن يقسم بما شاء من خلقه، فيقول رحمه الله:" والله جلّ وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه، ولم يقسم في القرآن بحياة أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك من التشريف له صلى الله عليه وسلم ما لا يخفى"4
وما بينه الشيخ رحمه الله من أن للخالق أن يقسم بما شاء من خلقه أشار إليه الشيخ سليمان بن عبد الله5 رحمه الله بقوله: "فإن قيل إن الله أقسم بالمخلوقات في القرآن. قيل: ذلك يختص بالله تبارك وتعالى؛ فهو يقسم بما شاء من خلقه لما في ذلك من الدلالة على قدرة الرب ووحدانيته،
1 منهم الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الأخرى، انظر مجموع الفتاوى 1/335.
2 أضواء البيان 2/123.
3 فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 27/349. وانظر: تيسير العزيز الحميد ص590.
4 أضواء البيان 3/34.
5 تقدمت ترجمته.
وإلهيته، وعلمه، وحكمته، وغير ذلك من صفات كماله. وأما المخلوق فلا يقسم إلا بالخالق تعالى. فالله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وقد نهانا عن الحلف بغيره، فيجب على العبد التسليم والإذعان لما جاء من عند الله" 1.
وهكذا نرى الشيخ الأمين رحمه الله يؤكد أن للخالق جل وعلا أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس للمخلوق أن يقسم بأحد سوى خالقه جل وعلا؛ لدلالة الأدلة الشرعية على ذلك، ولأن حلف المخلوق بغير خالقه قد يجره إلى أمر جد خطير، فقد يخرجه من الملة –عياذا بالله-؛ لأن الحلف بغير الله ذريعة من أقوى الذرائع الموصلة إلى الشرك الأكبر؛ إذ إن الحالف قد يتدرج في تعظيم المحلوف به، حتى يصل به إلى درجة المساواة مع الخالق جل وعلا، ولا يختلف اثنان أنّ هذا شرك أكبر.
1 تيسير العزيز الحميد ص590.