الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: الذبح لغير الله
الذبح عبادة يتقرب بها إلى الله جل وعلا، ولا يجوز أن يتقرب بها لغيره؛ قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 1.
وقد بين الشيخ الأمين رحمه الله أن من ذبح لغير الله كائنا من كان فإنه جعله معبوداً له من دون الله، فقال رحمه الله: "
…
فمن صرف شيئاً من ذلك لغير الله فقد جعله شريكاً مع الله في هذه العبادة التي هي الذبح، سواء كان نبياً أو ملكاً، أو بناء أو شجراً أو حجراً، أو غير ذلك، لافرق في ذلك بين صالح وطالح، كما نصّ عليه تعالى بقوله:{وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً} 2، ثم بين أن فاعل ذلك كافر، بقوله تعالى:{أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} 3
…
"4.
وكذا نرى الشيخ الأمين رحمه الله لايرتضي قول من فرق بين ما ذبحه أهل الكتاب لصنم، وبين ما ذبحوه لعيسى، أو واحد من الملائكة؛ حيث جعلوا الأول محرماً، والآخر مكروها، فيرد على هذا التفريق بأن الجميع مما ذبح لغير الله، فيقول رحمه الله: "إن هذا الفرق باطل بشهادة القرآن؛ لأن الذبح على وجه القربة عبادة بالإجماع، وقد قال تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} 5. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الآية6
…
" 7.
1 سورة الكوثر، الآية [2] .
2 سورة آل عمران، الآية [80] .
3 سورة آل عمران، الآية [80] .
4 دفع إيهام الاضطراب –الملحق بأضواء البيان 10/104.
5 سورة الكوثر، الآية [2] .
6 سورة الأنعام، الآية [162] .
7 دفع إيهام الاضطراب –الملحق بأضواء البيان 10/103.
ويستشهد رحمه الله بقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 1، فيقول:"وقوله: "لغير الله" يدخل فيه الملك والنبي كما يدخل فيه الصنم والنصب والشيطان، وقد وافقونا في منع ما ذبحوه باسم الصنم، وقد دل الدليل على أنه لا فرق في ذلك بين النبي والملك، وبين الصنم والنصب، فلزمهم القول بالمنع. وأما استدلالهم بقوله:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} 2: فلا دليل فيه؛ لأن قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ليس بمخصص لقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ؛ لأنه ذكر فيه بعض ما دل عليه عموم {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 3.
وما ذهب إليه الشيخ رحمه الله من أنه لافرق في حكم الحرمة بين ما ذبح لعيسى أو للصنم؛ إذ إن كليهما مما قصد به غير الله سبحانه وتعالى، هو ما وضحه الإمام النووي4-رحمه الله، وبين أن من ذبح للأنبياء، أو للأصنام فهو ممن ذبح لغير الله، فقال:"وأما الذبح لغير الله فالمراد به أن يذبح باسم غير الله تعالى؛ كمن ذبح للصنم، أو الصليب، أو لموسى، أو لعيسى صلى الله عليهما، أو للكعبة، ونحو ذلك. فكلّ هذا حرام، ولا تحلّ هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلماً، أو نصرانياً، أو يهودياً، نص عليه الشافعي، واتفق عليه أصحابنا. فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفراً، فإن كان الذابح مسلماً قبل ذلك صار بالذبح مرتداً"5.
1 سورة المائدة، الآية [3] .
2 سورة المائدة، الآية [3] .
3 دفع إيهام الاضطراب 10/104-105 الملحق بأضواء البيان.
4 هو الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري بن حسن بن حزام النووي الدمشقي، ولد في (نوا) سنة (631هـ) وتوفي فيها سنة (676هـ) . انظر طبقات الشافعية للسبكي 5/165، والأعلام 8/150.
5 شرح النووي على صحيح مسلم 13/141.
فلا حجة لمن فرق بين ما ذبح للصنم، أو ذبح لعيسى عليه السلام فالكل داخل تحت قوله تعالى:{وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} 1عندما ذكر ما حرمه علينا جلّ وعلا.
ومن المسائل التي وضحها الشيخ الأمين رحمه الله في هذا الباب عدم جواز الذبح في مكان كان يعبد فيه غير الله، أو كان موضعاً لعيد من أعياد الجاهلية، وقد بين أثابه الله أن هذا الذبح معصية لله تعالى لا يتقرب به إلى الله، وقد استشهد بحديث ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد"؟ قالوا: لا. قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم"؟ قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم"2.
وقد عقب رحمه الله على هذا الحديث بقوله: "وفيه الدلالة الظاهرة على أن النحر بموضع كان فيه وثن يعبد، أو عيد من أعياد الجاهلية من معصية الله، وأنه لا يجوز بحال. والعلم عند الله تعالى"3.
وقد سبقه إلى نحو هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية؛ إذ عقب على هذا الحديث بقوله: "وهذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم، ومحل أوثانهم معصية لله"4. ثم بين كون ذلك معصية لله من وجوه عديدة، وقد أطال في الكلام على ذلك رحمه الله.
1 سورة المائدة، الآية [3] .
2 أخرجه أبوداود في سننه 3/607، وقال عنه الألباني: إسناده صحيح. (انظر: مشكاة المصابيح 2/1024، رقم 3437) .
3 أضواء البيان، 5/681.
4 اقتضاء الصراط المستقيم 1/440. وانظر: تيسير العزيز الحميد ص201.