الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني: جهوده في توضيح بقية أركان ومباحث الإيمان
الفصل الأول: الإيمان بالملائكة والجن
الملائكة والجن من المخلوقات المغيبة، التى لا تراها أعين بني آدم؛ فهم من عالم الغيب.
والملائكة عباد مكرمون خلقهم الله من نور، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لا يعلم عددهم إلا الله، وكلهم الله سبحانه بوظائف وأعمال مختلفة.
قال تعالى في وصفهم: {فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} 1، وقال:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 2، وقال:{وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاّ هُوَ وَمَا هِيَ إلاّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" 4.
والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان؛ لقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ} 5.
ويجب الإيمان تفصيلاً بمن ورد ذكرهم في الكتاب والسنة من الملائكة بأسمائهم وأعمالهم؛ فأعظمهم جبريل الموكل بالوحي الذي به حياة القلوب، ينزل به على الأنبياء. وميكائيل الموكل بالقطر والنبات. وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور.
1 سورة فصلت، الآية [38] .
2 سورة التحريم، الآية [6] .
3 سورة المدثر، الآية [31] .
4 أخرجه مسلم 4/2294.
5 سورة البقرة، الآية [285] .
فهؤلاء الثلاثة موكلون بما فيه حياة الإنسان.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة.."1.
ويجب الإيمان إجمالاً بمن لم يرد تعيينه باسمه المخصوص، ولا تعيين نوعه المخصوص2.
وقد أشار الأمين رحمه الله إلى بعض وظائف الملائكة؛ فقال: "الملائكة يرسلها الله في شؤون وأمور مختلف، ولذا عبر عنها بالمقسمات، ويدل لهذا قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً} 3؛ فمنهم من يرسل لتسخير المطر والريح، ومنهم من يرسل لكتابة الأعمال، ومنهم من يرسل لقبض الأرواح، ومنهم من يرسل لإهلاك الأمم؛ كما وقع لقوم صالح"4.
ثم تطرق رحمه الله إلى ذكر الملائكة الموكلين بكتابة أقوال بني آدم، فقال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى:{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 5: "والمتلقيان هما الملكان اللذان يكتبان أعمال الإنسان. وقد دلت الآية الكريمة على أن مقعد أحدهما عن يمينه، ومقعد الآخر عن شماله.... وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} : أي ما ينطق بنطق، ولا يتكلم بكلام {إلاّ لَدَيْهِ} : أي: إلا والحال أن عنده رقيباً؛ أي ملكاً مراقباً لأعماله، حافظاً لها، شاهداً عليها، لا يفوته منها شيء. {عَتِيدٌ} : أي حاضر، ليس
1 أخرجه مسلم في صحيحه 1/534.
2 انظر: إغاثة اللهفان 2/127. وشرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد الصالح العثيمين –مخطوط- ق33. والكواشف الجلية ص36.
3 سورة النازعات، الآية [5] .
4 أضواء البيان 7/661. وانظر المصدر نفسه 3/274.
وذكر هذا الكلام في الشريط رقم [4] ، من سورة الأنعام، عند تفسير قوله تعالى:{ولا أقول لكم إني ملك} . (سورة الأنعام، الآية [5] ) .
5 سورة ق، الآية [18] .
بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة يكتبون أعماله، جاء موضحاً في آيات كثيرة من كتاب الله؛ كقوله:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} 1، وقوله تعالى:{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} 2وقوله تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} 3"4.
وقد أوضح رحمه الله أن كتابة أعمال العباد لا تتعارض مع إحاطة الله بكل شيء علماً، وإنما ذلك لحكم أرادها الله جل وعلا؛ يقول رحمه الله:"إن الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، في وقت كتابة الحفظة أعماله لا حاجة له لكتب الأعمال؛ لأنه عالم بها لا يخفى عليه شيء، وإنما أمر بكتابة الحفظة للأعمال لحكم أخرى؛ كإقامة الحجة على العبد يوم القيامة، كما أوضحه بقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} 5"6.
وتعرّض رحمه الله للخلاف الحاصل في كتابة الحفظة لأقوال العباد؛ هل تشمل المباح، أو تقتصر على ما فيه ثواب وعقاب فقط؛ فذكر للعلماء قولين، ولم يرجح أحدهما على الآخر؛ فقال: "قال بعضهم7: يكتب عليه
1 سورة الانفطار، الآيتان [10-11] .
2 سورة الزخرف، الآية [80] .
3 سورة الجاثية، الآية [28] .
4 أضواء البيان 7/648-650.
5 سورة الإسراء، الآيتان [13-14] .
6 أضواء البيان 7/648.
7 قاله أبوالجوزاء، ومجاهد. (انظر الجامع لأحكام القرآن 17/9) . وذكره ابن كثير (في التفسير 4/224) ، عن طاوس. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر، حتى إنه ليكتب قوله: أكلت، وشربت، وذهبت، وجئت، ورأيت. حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقى سائره، وذلك قوله تعالى:{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} . [تفسير ابن كثير 4/224] .
كل شيء، حتى الأنين في المرض وهذا ظاهر قوله تعالى:{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} 1؛ لأن قوله: {مِنْ قَوْلٍ} : نكرة في سياق النفي زيدت قبلها لفظة: {مِنْ} ، فهي نص صريح في العموم. وقال بعض العلماء2: لا يكتب من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب؛ وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب فالذين يقولون لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، والذين يقولون يكتب الجميع: متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب، إلا أن بعضهم يقولون: لا يكتب أصلاً، وبعضهم يقولون: يكتب أولاً، ثم يمحى. وزعم بعضهم أن محو ذلك، وإثبات ما فيه ثواب وعقاب هو معنى قوله تعالى:{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِت} الآية3. والذين قالوا: لا يكتب ما لا جزاء فيه، قالوا: إن في الآية نعتاً محذوفاً سوغ حذفه العلم به: لأن كل الناس يعلمون أن الجائز لا ثواب فيه ولا عقاب، وتقدير النعت المحذوف: ما يلفظ من قول مستوجب للجزاء" 4.
الجن:
أما الجن: فقد خلقوا من النار، كما قال تعالى:{وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} 5.
وهم أمة مكلفة بالعبادة؛ فمنهم المؤمن، والكافر، والعاصي؛ قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُون} 6. وقال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالأنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} 7، وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان} 8.
1 سورة ق، الآية [18] .
2 قاله عكرمة. [انظر الجامع لأحكام القرآن 17/9] .
3 سورة الرعد، الآية [39] .
4 أضواء البيان 7/651.
5 سورة الحجر، الآية [27] .
6 سورة الذاريات، الآية [56] .
7 سورة الأحقاف، الآية [18] .
8 سورة الرحمن، الآية [46] .
وهم يأكلون ويشربون ويتناسلون، ولهم ذرية؛ قال تعالى:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} 1. وهم يفنون ويموتون مثل الإنس، قال صلى الله عليه وسلم: "والجن والإنس يموتون "2.
وقد اختلف في إبليس؛ هل خلق من جنس الملائكة، أم من الجن؟ فتطرق الشيخ الأمين –رحمه الله إلى ذكر هذين القولين، مع أدلة كل منهما؛ فقال رحمه الله: " وحجة من قال إن أصله ليس من الملائكة أمران؛ أحدهما: عصمة الملائكة من ارتكاب الكفر الذي ارتكبه إبليس، كما قال تعالى عنهم:{لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 3، وقال تعالى:{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} 4. الثاني: أن الله صرح في هذه الآية الكريمة بأنه من الجن، والجن من غير الملائكة؛ قالوا: وهو نص قرآني في محل النزاع. واحتج من قال إنه ملك في الأصل بما تكرر في الآيات القرآنية من قوله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} 5، قالوا: فإخراجه بالاستثناء من لفظ الملائكة دليل على أنه منهم. وقال بعضهم: والظواهر إذا كثرت صارت بمنزلة النص، ومن المعلوم أن الأصل في الاستثناء الاتصال، لا الانقطاع، قالوا: ولا حجة لمن خالفنا في قوله تعالى: {كَانَ مِنَ الْجِنِّ} 6؛ لأن الجن قبيلة من الملائكة، خلقوا من بين الملائكة من نار السموم؛ كما روى ابن عباس. والعرب تعرف في لغتها إطلاق الجن على الملائكة، ومنه قول الأعشى في سليمان بن داود:
وسخر من جن الملائك تسعة
قياما لديه يعملون بلا أجر
قالوا: ومن إطلاق الجن على الملائكة قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
1 سورة الكهف، الآية [50] .
2 أخرجه البخاري 8/167.
3 سورة التحريم، الآية [6] .
4 سورة الأنبياء، الآية [27] .
5 سورة الحجر، الآية [30] . وسورة ص، الآية [73] .
6 سورة الكهف، الآية [50] .
الْجِنَّةِ نَسَباً} 1، عند من يقول بأن المراد بذلك قولهم:" الملائكة بنات الله، سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله علواً كبيراً"2.
ثم ذكر رحمه الله من رجح القول الأول، فقال:"وممن جزم بأنه ليس من الملائكة في الأصل لظاهر هذه الآية الكريمة: الحسن البصري، ونصره الزمخشري3في تفسيره"4.
ثم ذكر أيضاً من رجح القول الأخير، فقال:"وقال القرطبي في تفسيره سورة البقرة: إن كونه من الملائكة هو قول الجمهور؛ ابن عباس وابن مسعود، وابن جريج5، وابن المسيب6، وقتادة7، وغيرهم. وهو اختيار الشيخ أبي الحسن8، ورجحه الطبري، وهو ظاهر قوله: {إلاّ إِبْلِيسَ} 9"10.
ثم رجح رحمه الله أن أصله من الجن فقال: "وأظهر الحجج في المسألة حجة من قال إنه غير ملك؛ لأن قوله تعالى: {إلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ
1 سورة الصافات، الآية [158] .
2 أضواء البيان 4/120.
3 هو محمود بن عمر الزمخشري، أبو القاسم. ولد سنة [467?] ، وتوفي سنة [538?] .
(انظر البداية والنهاية 12/235. وشذرات الذهب 4/119) .
4 أضواء البيان 4/120.
5 هو الحافظ شيخ الحرم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي المكي. أول من دون العلم بمكة. ولد سنة [80?] ، وتوفي سنة [150?] .
(انظر: سير أعلام النبلاء 6/325. والبداية والنهاية 10/110) .
6 هو الإمام سعيد بن المسيب بن حزن بن ابي وهب القرشي المخزومي سيد التابعين، وأحد العلماء الأثبات، والفقهاء الكبار، توفي سنة [94?] .
(انظر: سير أعلام النبلاء 4/217. والبداية والنهاية 9/105) .
7 هو قتادة بن دعامة بن عزيز السدوسي البصري المحدث المفسر. كان من أوعية العلم، وأحد كبار علماء التابعين. توفي سنة [117?] .
(انظر: سير أعلام النبلاء 5/269. والبداية والنهاية 9/325) .
8 لم أعرفه.
9 انظر: الجامع لأحكام القرآن 1/202.
10 أضواء البيان 4/120.
فَفَسَق} 1، وهو أظهر شيء في الموضوع من نصوص الوحي، والعلم عند الله تعالى"2.
وما رجحه الشيخ الأمين –رحمه الله من كون إبليس من الجن هو ما تطمئن النفس إليه؛ لتضافر الأدلة عليه، وقد قال إبليس عن نفسه:{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} 3. وجاء في الحديث: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" 4؛ فهذا صريح في كونه من الجن، وهو ما رجحه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد قال عن إبليس لعنه الله: "وجعله بعض الناس من الملائكة لدخوله في الأمر بالسجود، وبعضهم من الجن لأن له قبيلاً وذرية، ولكونه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور. والتحقيق: أنه كان منهم باعتبار صورته، وليس منهم باعتبار أصله، ولا باعتبار مثاله"5.
هل يدخل المؤمنون من الجن الجنة؟
تطرق رحمه الله إلى هذه المسألة، وذكر لأهل العلم قولين فيها، ورد على من منع دخولهم الجنة مرجحاً أن المؤمنين من الجن يدخلونها؛ فقال رحمه الله عند تفسير قوله تعالى:{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} 6: "تمسك جماعة من العلماء؛ منهم الإمام أبوحنيفة -رحمه الله تعالى- بظاهر هذه الآية، فقالوا: إن المؤمنين المطيعين من الجن لا يدخلون الجنة. مع أنه جاء في آية أخرى ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة، وهي قوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} 7؛ لأنه تعالى بين شموله للجن والإنس بقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ
1 سورة الكهف، الآية [50] .
2 أضواء البيان 4/121. وانظر المصدر نفسه 2/293.
3 سورة الأعراف، الآية [12] .
4 أخرجه مسلم 4/2294.
5 مجموع فتاوى ابن تيمية 4/346.
6 سورة الأحقاف، الآية [31] .
7 سورة الرحمن، الآية [46] .
وَلا جَانٌّ} 1؛ لأنه يشير إلى أن في الجنة جناً يطمثون النساء كالإنس"2.
ثم قال رحمه الله: "إن آية الأحقاف نص فيها على الغفران والإجارة من العذاب، ولم يتعرض فيها لدخول الجنة بنفي ولا إثبات، وآية الرحمن نص فيها على دخولهم الجنة؛ لأنه تعالى قال فيها: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} "3.
وقال رحمه الله أيضاً: وحاصل هذه المسألة: أن الجن مكلفون على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وأن كافرهم في النار بإجماع المسلمين، وهو صريح قوله تعالى:{لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} 4، وقوله تعالى:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} 5، وقوله تعالى:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ فِي النَّارِ} 6، إلى غير ذلك من الإيات. وأن مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنة، ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم الآيتين المذكورتين. والظاهر دخولهم الجنة كما بينا، والعلم عند الله"7.
ولا ريب أن ما قاله الشيخ الأمين –رحمه الله هو الحق في هذه المسألة لما نقله من النصوص الصريحة في دخول مؤمنهم الجنة. ويؤيده أيضاً قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُو} 8؛ فهو دليل على ثوابهم وعقابهم. وقال تعالى: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ
1 سورة الرحمن، الآية [47] .
2 دفع إيهام الاضطراب، الملحق بأضواء البيان 10/263.
3 سورة الرحمن، الآية [56] .
4 سورة هود، الآية [119] .
5 سورة الشعراء، الآيتان [94-95] .
6 سورة الأعراف، الآية [38] .
7 دفع إيهام الاضطراب 10/268. وانظر: أضواء البيان 7/401، 756، 757.
8 سورة الأحقاف، الآية [19] .
بَخْساً وَلا رَهَقاً} 1؛ فالله سبحانه وتعالى يثيب على الإيمان، ويعاقب على الكفر.
وقد نقل شيخ الإسلام عن أكثر أهل العلم أن مؤمن الجن يدخل الجنة، ورجحه، فقال بعد أن ذكر إجماع العلماء على دخول كافرهم النار، وساق الآيات الدالة على ذلك: وأما مؤمنهم فأكثر العلماء على أنهم يدخلون الجنة، وقال طائفة: بل يصيرون تراباً كالدواب. والأول أصح؛ وهو قول الأوزاعي، وابن أبي ليلى2، وأبي يوسف3، ومحمد4. ونقل ذلك عن مالك والشافعي وأحمد، وهو قول أصحابهم"5.
1 سورة الجن، الآية [13] .
2 هو الإمام أبوعيسى عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي. ولد في خلافة الصديق. قتل بوقعة الجماجم سنة [82?] .
(انظر سير أعلام النبلاء 4/262) .
3 هو القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي. أنبل تلاميذ أبي حنيفة، توفي سنة [182هـ] .
(انظر سير أعلام النبلاء 8/535. والبداية والنهاية 10/186) .
4 هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، صاحب أبي حنيفة، توفي سنة [189?] .
(انظر سير أعلام النبلاء 9/134. والبداية والنهاية 10/210) .
5 النبوات ص397. وانظر الفتاوى 4/233، 11/306.