الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أرباب الوظائف في هذه المملكة:
قال ابن فضل الله: الوظائف الكبار من ذوي السيوف: إمرة سلاح الدوادارية، الحجوبية، إمرة جاندار (1) الأستاذ دارية (2) ، المهمندارية (3) ، نقابة الجيوش.
ومن ذوي الأقلام: الوزارة، كتابة السر، نظر الجيش، نظر الأموال، نظر الخزانة، نظر البيوت، نظر بيت المال، نظر الإسطبلات.
ومن ذوي العلم: القضاة، الخطباء، وكالة بيت المال، الحسبة.
قال: وكانت وظيفة تسمى نيابة السلطان، أبطلها الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان النائب أولا سلطانا مختصرا، وكان هو الذي يفرق الإقطاعات ويعين الإمرة والوظائف، ويتصرف التصرف المطلق في كل أمر، إلا في ولاية المناصب الجليلة، كالقضاء والوزارة وكتابة السر، لكن يعرض هو على السلطان من يصلح، وقل ألا يجاب، وكان يسمى كافل الممالك والسلطان الثاني.
وأما الوزارة، فكان يليها من أرباب السيوف والأقلام على قدر ما يتفق، وكان الوزير النائب في المكانة.
قال: وقد أبطل الناصر الوزارة أيضا، واستقل هو بما كان يفعله النائب والوزير، واستجد وظيفة يسمى مباشرها ناظر الخاص، أصل موضوعها أن يكون مباشرها متحدثا فيما هو خاص بمال السلطان يتحدث في مجموع الأمر الخاص بنفسه، وفي العام
(1) الجاندارية، مثل الخاصكية، مركبة من لفظين أحدهما جان، ومعناه سلاح، والثاني دار، ومعناه ممسك، ومعنى جاندار سلطان؛ أن صاحبها يستأذن على دخول الأمراء للخدمة، ويدخل أمامهم إلى الديوان. انظر حواشي السلوك 1:133.
(2)
الأستاذدار هو الذي يتولى شئون مسكن السلطان أو الأمير وصرفه، وتنفذ فيه أوامره، وانظر صبح الأعشى 4:20.
(3)
المهمندار: هو الذي يتلقى الرسل والعربان الواردين على السلطان، وينزلهم دار الضيافة ويتحدث في القيام بأمورهم. انظر صبح الأعشى 4:22.
يأخذ رأيه فيه، فيبقى بسبب ذلك كأنه الوزير لقربه من السلطان.
وأول من ولي هذه الوظيفة كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن السديد.
وأما إمرة سلاح فموضوعها أن صاحبها مقدم السلاح دارية، والمتولي بحمل سلاح السلطان في المجامع الجامعة، وهو المتحدث في السلاح خاناه وتعلقاتها، وهو من أمراء المئين.
والدوادارية موضوعها أن صاحبها يبلغ الرسائل عن السلطان، ويقدم القصص إليه، ويشاور على من يحضر إلى الباب، ويقدم البريد إذا حضر، ويأخذ خط السلطان على عموم المناشير والتواقيع والكتب.
والحجوبية موضوعها أن صاحبها يقف بين الأمراء والجند، وهو المشار إليه في الباب بالقائم مقام البواب في كثير من الأمور.
وإمرة جاندار صاحبها كالمتسلم للباب، وهو المتسلم للزردخاناه (1) ، ومن أراد السلطان قتله، كان على يد صاحب هذه الوظيفة.
والأستاذدارية صاحبها إليه أمر بيوت السلطان كلها من المصالح والنفقات والكساوي، وما يجري مجرى ذلك، وهو من أمراء المئين.
ونقابة الجيش صاحبها كأحد الحجاب الصغار، وله تحلية الجند في عرضهم، وإذا أمر السلطان بإحضار أحد، أو الترسيم عليه فهو صاحب ذلك.
والولاية صاحبها هو صاحب الشرطة.
وأما الوزارة فصاحبها ثاني السلطان إذا أنصف، وعرف حقه، ولكن في هذه المدد تقدمت عليها النيابة وتأخرت الوزارة وتقهقرت، فصار المتحدث فيها كناظر المال لا يتعدى الحديث في المال، ولا يتسع له في التصرف بحال، ولا يمد يده في الولاية والعزل كتطلع السلطان إلى الإحاطة بجزئيات الأحوال.
ثم إن السلطان أبطل هذه الوظيفة، وعطل جيد الدولة من عقودها، وصار ما كان
(1) الزردخاناه: دار السلاح، كلمة فارسية مركبة، وقد أطلقها المقريزي على السلاح نفسه. حواشي السلوك 1:306.
إلى الوزير منقسما إلى ثلاثة: إلى ناظر المال أو شاد الدواوين، أمر تحصيل المال، وصرف النفقات والكلف، وإلى ناظر الخاص تدبير جملة الأمور، وتعيين
المباشرين، وإلى كاتب السر التوقيع في دار العدل مما كان يوقع فيه الوزير مشاورة واستقلالا، ثم إن كلًّا من المتحدثين الثلاثة لا يقدر على الاستقلال بأمر إلا بمراجعة السلطان.
ومن وظيفة كتابة السر قراءة الكتب الواردة على السلطان، وكتابة أجوبتها والجلوس لقراءة القصص بدار العدل، والتوقيع عليها وتصريف المراسيم، ورودا أو صدورا.
وأما نظر الجيش فلصاحبه النظر في الإقطاعات، ومعه من المستوفين ما يحرر كليات المملكة وجزئياتها.
وأما نظر الخزانة فكانت وظيفة كبيرة الوضع؛ لأنها مستودع أموال المملكة، فلما استحدثت وظيفة الخاص ضعف أمرها، وغالب ما يكون نظرها من القضاة أو نحوهم.
وأما نظر البيوت فمنوط بالأستاذدارية فكل ما يتحدث فيه الأستاذدارية يشارك فيه.
وأما نظر بيت المال فوظيفة جليلة موضوعها حمل حمول المملكة إلى بيت المال والتصرف فيه تارة بالميزان وتارة بالتسبيب بالأقلام، ولا يلي هذه الوظيفة إلا من هو من ذوي العدالة المبرزة.
وأما نظر الإصطبلات، فلصاحبه الحديث في أنواع الإصطبل والمناخات، وعلفها وأرزاق خدمها وما يبتاع لها.
وأما وظائف أهل العلم فمعروفة مشهورة لا تخلو مملكة من ممالك الإسلام منها.
هذا كله كلام ابن فضل الله.
ذكر في التاريخ أن الخليفة المقتفي بالله نقل المظفر بن جهير من الأستاذ دارية إلى
الوزيرية في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة، قال بعضهم: وذلك أول ما سمع بوظيفة الأستاذدارية في الدول.
وقال بعض المؤرخين: لما تولى الظاهر بيبرس أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنكيزخان ملك التتار وأموره، ففعل ما أمكنه، ورتب في
سلطنته أشياء كثيرة لم تكن قبله بديار مصر، مثل ضرب البوقات وتجديد الوظائف، فأحدث أمير سلاح وأمير مجلس ورأس نوبة الأمراء وأمير خور، وحاجب الحجاب والدوادار والجمدار وأمير شكار. وموضوع أمير سلاح أنه يتحدث على السلاح داريه، وينال السلطان آلة الحرب والسلاح يوم القتال ويوم الأضحى، ولم تكن رتبته في زمن الظاهر أن يجلس في ميسرة السلطان، إنما كان يجلس في هذا الموضع أتابك، ثم في زمن الناصر ابن قلاوون كان يجلس فيه رأس نوبة الأمراء.
وموضوع أمير مجلس، أنه يحرس مجلس السلطان وفرشه، ويتحدث على الأطباء والكحالين ونحوهم، وكانت وظيفة جليلة أكبر قدرا من أمير سلاح.
ورأس نوبة، وظيفة عظيمة عند التتار ويفخمون فيها السين، ولما أحدثها الظاهر بمملكة مصر كان صاحبها يسمى رأس نوبة الأمراء؛ ومعناه أكبر طائفة الأمراء، وهو أكبر من أمير مجلس وأمير سلاح، وهو في مرتبة الأمير الكبير الآن، ولم يكن أحد يسمى بالأمير الكبير إذ ذاك؛ إلى أن ولي هذه الوظيفة شيخو العمري في زمن السلطان حسن، فلقب بالأمير الكبير زيادة على التقليب برأس نوبة الأمراء، وهو أول من لقب بالأمير الكبير كما ذكر.
وموضوع أمير أخور النظر في علف الخيل، وأخور بالمعجمة المذود الذي يأكل فيه الفرس.
والحاجب كان في الزمن الأول من أيام الخلفاء للذي يحجب الناس عن الدخول على
الخليفة، وكان يرفأ حاجب عمر بن الخطاب، ثم عظمت الحجوبية في أيام الناصر بن قلاوون.
والدوادار كان في زمن الخلفاء أيضا، وهو الذي يحمل الدواة ويحفظها، ومعناه ماسك الدواة، وأول من أحدث هذه الوظيفة الملوك السلجوقية، وكانت في زمنهم وزمن الخلفاء لرجل متعمم ثم صارت في زمن الظاهر لأمير عشرة.
والجمدار: ماسك البقجة التي للقماش.