الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أمهات المدارس والخانقاه العظيمة بالديار المصرية:
مدخل
قال: أول من بنى المدارس في الإسلام الوزير نظام الملك قوام الدين الحسن بن علي الطوسي، وكان وزير السلطان البارسلان السلجوقي عشر سنين، ثم وزر لولده ملكشاه عشرين سنة. وكان يحب الفقهاء والصوفية ويكرمهم، ويؤثرهم، بنى المدرسة النظامية ببغداد، وشرع فيها في سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ونجزت سنة تسع وخمسين، وجمع الناس على طبقاتهم فيها يوم السبت عاشر ذي القعدة ليدرس فيها الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، فجاء الشيخ ليحضر الدرس، فلقيه صبي في الطريق، فقال: يا شيخ كيف تدرس في مكان مغصوب؟ فرجع الشيخ؛ واختفى. فلما يئسوا من حضوره، ذكر الدرس بها أبو نصر بن الصباغ عشرين يوما. ثم إن نظام الملك احتال على الشيخ أبي إسحاق، ولم يزل يرفق به حتى درس بها، فحضر يوم السبت مستهل ذي الحجة، وألقى الدرس بها إلى أن توفي. وكان يخرج أوقات الصلاة فلا يصلي بمسجد خارجها احتياطًا. وبنى نظام الملك أيضا مدرسة بنيسابور تسمى النظامية، درس بها إمام الحرمين، واقتدى الناس به في بناء المدارس.
وقد أنكر الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام على من زعم أن نظام الملك أول من بنى المدارس وقال: قد كانت المدرسة البيهقية بنيسابور قبل أن يولد نظام الملك، والمدرسة السعيدية بنيسابور أيضا، بناها الأمير نصر بن سبكتكين أخو السلطان محمود لما كان واليا بنيسابور، ومدرسة ثالثة بنيسابور، بناها أبو سعد إسماعيل بن علي بن المثنى الأستراباذي الصوفي الواعظ شيخ الخطيب، ومدرسة رابعة بنيسابور أيضا بنيت للأستاذ أبي إسحاق.
قال الحاكم في ترجمة الأستاذ أبي إسحاق: لم يكن بنيسابور مدرسة قبلها مثلها؛
وهذا صريح في أنه بني قبلها غيرها. قال القاضي تاج الدين السبكي في طبقاته الكبرى: قد أدرت فكري، وغلب على ظني أن نظام الملك أول من رتب فيها المعاليم للطلبة، فإنه لم يصح لي: هل كان للمدارس قبله معاليم أم لا؟ والظاهر أنه لم يكن لهم معلوم. انتهى.
وأما مصر، قال ابن خلكان: لما ملك السلطان صلاح الدين بن أيوب بالديار المصرية، لم يكن بها شيء من المدارس، فإن الدولة العبيدية كان مذهبها
مذهب الرافضة والشيعة، فلم يكونوا يقولون بهذه الأشياء، فبنى السلطان صلاح الدين بالقرافة الصغرى المدرسة المجاورة للإمام الشافعي، وبنى مدرسة مجاورة للمشهد الحسيني بالقاهرة، وجعل دار سعيد السعداء خادم الخلفاء المصريين خانقاه (1) ، وجعل دار عباس الوزير العبيدي مدرسة للحنفية، وهي المعروفة الآن بالسيوفية، وبنى المدرسة التي بمصر المعروفة بزين التجار للشافعي، وتعرف الآن بالشريفية، وبنى بمصر مدرسة أخرى للمالكية، وهي المعروفة الآن بالقمحية.
وقد حكي أن الخليفة المعتضد بالله العباسي لما بنى قصره ببغداد استزاد في الذرع، فسئل عن ذلك، فذكر أنه يريده ليبني فيها دورا ومساكن ومقاصر، يرتب في كل موضع رؤساء، كل صناعة ومذهب من مذاهب العلوم النظرية والعملية، ويجري الأرزاق السنية، ليقصد كل من اختار علما أو صناعة رئيسا، فيأخذ عنه.
وقد ذكر الواقدي أن عبد الله بن أم مكتوم قدم مهاجرا إلى المدينة، فنزل دار القراء.
(1) الخانقاه، وجمعها خوانق، وكذلك الرباطات والزوايا: معاهد دينية إسلامية للرجال والنساء، أنشئت لإيواء المنقطعين والزهاد والعباد. ولفظ الرباط والزاوية عربيان، أما الخانقاه ففارسية ومعناها البيت، وهي حديثة في الإسلام، في حدود الأربعمائة، وجعلت لتخلي الصوفية فيها للعبادة والتصرف.