الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما قيل في النيل من الأشعار:
قال التيفاشي: قد ذكرت العرب النيل في أشعارها، وضربت به الأمثال، قال قيس بن معدي كرب، فيما أورده الجاحظ في كتاب الأمصار:
ما النيل أصبح زاخرًا بمدوده
…
وجرت له ريح الصبا فجرى بها
قال بعضهم:
واهًا لهذا النيل أي عجيبة
…
بكر بمثل حديثها لا يسمع (1)
يلقي الثرى في العام وهو مسلم
…
حتى إذا ما مل عاد يودع
متنقل (2) مثل الهلال فدهره
…
أبدا يزيد كما يريد ويرجع
ظافر الحداد:
والنيل مثل عمامة (3)
…
شرب محشاة بأخضر
والجسر فيها كالطراز
…
وموجه رقم مصور
تفريكه ما درجته
…
له الرياح من التسكر
وقال يصف افتراقه عند رأس الروضة:
لله يوم أناله النيل
…
لحسنه جملة وتفصيل
في منظر مشرف على خضر
…
كأنه في الظلام قنديل
تبدي لنا جانبا جزيرته
…
أشيا بها للعين تأميل
ورقمه جسره وتفريكه الموج
…
وفي نكته للخليج تجميل
(1) خطط المقريزي 1: 101.
(2)
المقريزي: "مستقبل".
(3)
ط، ح:"غمامة".
ابن الساعاتي:
ولما توسطنا على النيل غدوة
…
ظننت وقلت اليوم باللهو ملآن
عشارية أنشا لها الماء مقلة
…
وليس لها إلا المجاذيف أجفان
محيي الدين بن عبد الظاهر:
نيل مصر لمن تأمل مرأى
…
حسنه معجز وبالحسن معجب
كم به شاب فودها وعجيب
…
كيف شابت بالنيل والنيل يخضب!
وقال:
كم قطع الطرق نيل مصر
…
حتى لقد خافه السبيل
بالسيف والرمح من غدير
…
ومن قناة لها نصول
ابن نباته:
زادت أصابع نيلنا
…
وطغت وطافت في البلاد
وأتت بكل مسرة
…
ماذي أصابع ذي أيادي
النصير الحمامي:
عن عجل النيروز قبل الوفا
…
عجل للعالم صفع القفا
فقد كفى من دمعهم ما جرى
…
وما جرى من نيلهم ما كفى
ناصر الدين حسن بن النقيت:
كأن النيل ذو فهم ولب
…
لما يبدو لعين الناس منه (1)
فيأتي عند حاجتهم إليه
…
ويمضي حين يستغنون عنه
آخر:
النيل قال وقوله
…
إذ قال ملء مسامعي
(1) المقريزي 1: 101، نهاية الأرب 1:281.
في غيظ من طلب العلا
…
عم البلاد منافعي
وعيونهم بعد الوفا
…
قلعتها بأصابعي
شمس الدين بن دانيال الحكيم:
كأنما النيل الخضم إذ بدا
…
يروى حديثا وهو ذو تسلسل
لما رأى الأرض بها شقيقه
…
ضمخها بمائه المصندل
آخر:
يا نيل اجر على حسن العوائد في
…
أرجاء مصرك واجبر كل مرتزق
واعلم بأنك مصري فلست ترى
…
حلو الفكاهة ما لم تأت بالملق
خليل بن الكفتي:
مولاي إن البحر لما زرته
…
حياك وهو أخو الوفا بالإصبع
فانظر لبسطته فرؤيتك التي
…
هي مشتهاه وروضة المتمتع
أرخى عليه الستر لما جئته
…
خجلا ومدت تضرعا بالأذرع
آخر:
سد الخليج بكسره جبر الورى
…
طرا فكل قد غدا مسرورا
الماء سلطان فكيف تواترت
…
عنه البشائر إذ غدا مكسورا
شمس الدين سبط الملك الحافظ:
لله در الخليج إن له
…
تفضلًا لا نزال نشكره
حسبك منه بأن عادته
…
يجبر من لا يزال يكسره
الصلاح الصفدي:
رأيت في أرض مصر مذ حللت بها
…
عجائبًا ما رآها الناس في جيل
تسود في عيني الدنيا فلم أرها
…
تبيض إلا إذا ما كنت في النيل
وقال:
ركبت في النيل يومًا مع أخي أدب
…
فقال: دعني من قال ومن قيل
شرحت يا بحر صدري اليوم قلت له:
…
لا تنكر الشرح يا نحوي للنيل
وقال:
قالوا علا نيل مصر في زيادته
…
حتى لقد بلغ الأهرام حين طما
فقلت: هذا عجيب في بلادكم
…
أن ابن ستة عشر يبلغ الهرما
وقال:
قد زاد هذا النيل في عامنا
…
فأغرق الأرض بإنعامه
وكاد أن يعطف من مائه
…
عرى على أزرار أهرامه
تميم بن المعز العبيدي:
يوم لنا بالنيل مختصر
…
ولكل يوم لذاذة قصر (1)
والسفن تجري كالخيول بنا
…
صعدًا وجيش الماء منحدر (2)
فكأنما أمواجه عكن
…
وكأنما داراته سرر
آخر:
مد نيل الفسطاط فالبر بحر
…
زاخر فيه كل سفن تعوم
فكأن الأرضين منه سماء
…
وكأن الضياع فيها نجوم
ظافر:
ولله مجرى النيل فيها إذا الصبا
…
أرتنا به في سيرها عسكرا مجرى
فشط يهز السمهرية ذبلا
…
ونهر يهز البيض هندية بترا
(1) المقريزي 1: 102.
(2)
ديوانه: 255.
إذا مد حاكي الورد غضا وإن صفا
…
حكى ماؤه لونا ولم يعده بسرا
أيدمر التركي:
كيمياء النيل خالصة
…
قد أتتنا منه بالعجب
كان من ذوب اللجين فقد
…
عاد بالتدبير من ذهب
راقص بالحسن مبتهج
…
فهو في عجب وفي طرب
ومغاني مصر تسمعه
…
نغمة الشادي بلا صخب
ونسيم الريح لاعبة
…
في خلال الروض بالقضب
إبراهيم بن عبدون الكاتب:
والنيل بين الجانبين كأنما
…
صبت بصفحته صفيحة صقيل
يأتيك من كدر الزواخر مده
…
بممسك من مائه ومصندل
فكان ضوء البدر في تمويجه
…
برق يموج في سحاب مسبل
وكأن نور السرج من جنباته
…
زهو الكواكب تحت ليل أليل
مثل الرياض مصنفا أنوارها
…
يبدو لعين مشبه وممثل
آخر:
أرى أبدًا كثيرا من قليل
…
وبدرًا في الحقيقة من هلال (1)
فلا تعجب فكل خليج ماء
…
بمصر مشبه بخليج مال
زيادة إصبع في كل مد
…
زيادة أذرع في كل حال
الأمير تميم بن المعز:
نظرت إلى النيل في مده
…
بموج يزيد ولا ينقص (2)
كأن معاطف أمواجه
…
معاطف جارية ترقص
(1) المقريزي 1: 102.
(2)
ديوانه: 255.
أيدمر التركي:
انظر إلى النيل السعيد المقبل
…
والماء في أنهاره كالسلسل
أضحى يريك الحسن بين مورد
…
من لونه حينًا وبين مصندل
ويمر في قيد الرياح مسلسلًا
…
يا حسنه من مطلق ومسلسل
وترى زوارقه على أمواجه
…
منسوبة للناظر المتأمل
مثل العقارب فوق حيات غدت
…
يسعى بها في عدوها ما يأتلي
وكأنما أسماكه من فضة
…
من جمد ذائب مائه من أول
بعضهم:
أتطلب من زمانك ذا وفاء
…
وتأمل ذاك جهلًا من بنيه
لقد عدم الوفاء به وإني
…
لأعجب من وفاء النيل فيه
ومن كلام القاضي الفاضل في وصف النيل المصري الذي يكسو الفضاء ثوبا فضيًّا، ويدلي من الأرض ماءه سراجا من النور مضيا، ويتدافع تياره واقفا في صدر
الجدب بيد الخصب، ويرضع أمهات خلجه المزارع فيأتي أبناؤها بالعصف والأب (1) .
وقال فيه أيضا:
وأما النيل فقد امتدت أصابعه، وتكسرت بالموج أضالعه، ولا يعرف الآن قاطع طريق سواه، ولا من يرجى ويخاف إلا إياه (2) .
وقال أيضًا:
وأما النيل المبارك فقد ملأ البقاع، وانتقل من الإصبع إلى الذراع، فكأنما غار على الأرض فغطاها، وأغار عليها فاستقعد وما تخطاها (3) .
(1) مسالك الأبصار 2: 67.
(2)
مسالك 1: 67.
(3)
المقريزي 1: 102، نهاية الأرب 1:281.
ومن كتاب السجع الجليل فيما جرى من النيل:
وأما البحر الذي بنى عليه عنوان هذه العبودية، فلا تسأل عما جرى منه، وما نقلت الرواة من العجائب عنه؛ وذلك أنه عم قدومه بالنفع البلاد، وساوى بين بطون الأودية وظهورها الوهاد. وقدم المفرد مبشرا بوفائه في جمع لا نظير له في الآحاد، واحمرت على ما طلب الغلاء عيونه، وتكفل للمصر بأن يوفي بعد وفائه ديونه، ونزل السعر حين أخذ منه طالع الارتفاع، وأحدق بالقرى فأصبح كأنه سماوات كواكبها الضياع؛ فلم يكن بعد ذلك إلا كلمح البصر أو هو أقرب، حتى عسل (1) في شوارع مصر كما عسل الطريق الثعلب، وجاس خلال ديارها فأصبح على زرائبها المبثوثة بسطة، وأحاط بالمقياس إحاطة الدائرة بالنقطة. ثم علت أمواجه، واشتد اضطرابه، وكاد يمتزج بنهر المجرة الذي الغمام زبده والنجوم حبابه.
وشرق حتى ليس للشرق مشرق
…
وغرب حتى ليس للغرب مغرب
إلى أن قال: أما دير الطين فقد ليس سقوف حيطانه، واقتلع أشجار غيطانه، وأتى على ما فيه من حاصل وغلة، وتركه ملقة فكان كما قيل: زاد الطين بلة.
وأما الجيزة فقد طغى الماء على قناطرها وتجسر، ووقع بها القصب من قامته
حين علا عليه الماء وتكسر، فأصبح بعد اخضرار بزته شاحب الإيهاب، ناصل الخضاب، غارقًا في قعر {بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} ، وقطع طريق زاويتها على من بها من المنقطعين والفقراء، وترك الصالح كالصالح يمشي على الماء {فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ، أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ، فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ، أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} وأدركهم الغرق فأيسوا من الخلاص، {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} فنادوا {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} ، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} فانهدت قواهم، واستغاثوا من كثرة الماء بالذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم.
وأما الروضة فقد أحاط بها إحاطة الأكمام بزهره، والكأس بحباب خمره:
فكأنها فيه بساط أخضر
…
وكأنه فيها طراز مذهب
(1) عسل، أي سار مسرعًا.
فكم بها من متهم ومنجد، ومسافر مما حصل له من المقيم المقعد. وحائك أصبح حول نوله ينير، وجعل من غزله بل من غيظه على أجيره يحمل ويسير. ومنجم وصل الماء من منزله إلى العتبة الخارجة فأصبح في أنحس تقويم، ودخل إلى بيت أمراضه {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، فأصبح في الطريق وعليه كآبة وصفرة، ودموعه في المحاجر كالحصى لها اجتماع وحمرة. وشاعر أوقعه في الضرورة بحره المديد، واشتغل بهدم داره عن بيت القصيد، وعروضي ضاقت عليه الدائرة: هذه الفاصلة، وقلع من عروض بيته وتدًا أزعج بقلعه مفاصله. ونحوي اشتغل عن زيد وعمرو يبل كتبه، وذهل حين استوى الماء والخشبة، عن المفعول معه والمفعول به، وطار عقله ولا سيما عن تصانيف ابن عصفور، وأخبر أن البحر وأثاث بيته جار ومجرور.
وأما الجزيرة الوسطى فقد أفسد جل ثمارها، وأتى على مقاتيها فلم يدع شيئًا من رديها وخيارها، وألحق موجدها بالمعدوم، وتلا علي التكروري {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} ، وأخلق ديباج روضها الأنف، وترك قلقاسها بمده وجزره على شفا جرف.
وأما المنشأة فقد أصبحت للهجر مقرة، بعد أن كانت للعيون قرة، وقيل لمنشيها:{أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} ، فقال: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ
مَرَّة} . ومال على ما فيها من شون الغلات كل الميل، وتركها تتلو بفمها الذي شقتاه مصراعا الباب:{يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْل} .
وأما بولاق فقد أصبحت صعيدًا زلقًا من الملق، وقامت قيامة المار بها حين التفت الساق بالساق من الزلق، فكم اقتلع بها شجرة لبت رءوسها، وترك ساقية تنوح على أختها التي أصبحت خاوية على عروشها.
وأما الخليج الحاكمي فقد خرج عسكر موجه بعد الكسر على حمية، ومرق من قسي قناطره كالسهم من الرمية، وتواضع حين قبل بحارة زويلة عتاب غرفها العالية وترك الساقين في حالة العجز عن وصفها صريع الدلاء وحماد الراوية. فأصبحوا من الكساد وقد سئموا الإقامة، قائلين في شوارع مصر: يا الله السلامة.