الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جامع عمرو*:
قال ابن المتوج في إيقاظ المتغفل وإيعاظ المتؤمل: هو الجامع العتيق المشهور بتاج الجوامع، قال الليث بن سعد: ليس لأهل الراية مسجد غيره؛ وكان الذي حاز موضعه ابن كلثوم التجيبي (1) ، ويكنى أبا عبد الرحمن، ونزله في حصارهم الحصن، فلما رجعوا من الإسكندرية سأل عمرو وقيسبة في منزله هذا، تجعله مسجدا؟ فقال قيسبة: فإني أتصدق به على المسلمين، فسلمه إليهم؛ فبني في سنة إحدى وعشرين، وكان طوله خمسين ذراعا في عرض ثلاثين. ويقال: إنه وقف على إقامة قبلته ثمانون رجلا من الصحابة، منهم الزبير ابن العوام والمقداد بن الأسود وعبادة بن الصامت و"أبو" الدرداء، وأبو ذر وأبو بصرة ومحمية بن جزء الزبيدي، ونبيه بن صواب وفضالة بن عبيد وعقبة بن عامر، ورافع بن مالك وغيرهم (2) .
ويقال: إنها كانت مشرفة جدًّا، وأن قرة بن شريك لما هدم المسجد وبناه في زمن الوليد تيامن قليلا.
وذكر أن الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة كانا يتيامنان إذا صليا فيه؛ ولم يكن للمسجد الذي بناه عمرو محراب مجوف، وإنما قرة بن شريك جعل المحراب المجوف.
* المقريزي 4: 5.
(1)
هو قيسبة بن كلثوم التجيي؛ أحد بني سوم؛ سار من الشام إلى مصر مع عمرو بن العاص، فدخلها في مائة راحلة وخمسين عبدا وثلاثين فرسا. فلما أجمع المسلمون وعمرو بن العاص على حصار الحصن، نظر قيسبة بن كلثوم، فرأى جنانا تقرب من الحصن، فعرج عليها في أهله وعبيده، فنزل فضرب فيها فسطاطه، وأقام فيها طول حصارهم الحصن، حتى فتحه الله عليهم، ثم خرج قيسبة مع عمرو إلى الإسكندرية وخلف أهله فيها، ثم فتح الله عليهم الإسكندرية، وعاد قيسبة إلى منزله فهذا فنزله" المقريزي.
(2)
المقريزي عن داود بن عقبة: "أن عمرو بن العاص بعث ربيعة بن شرحبيل بن حسنة، وعمرو بن علقمة القرشي ثم العدوي يقيمان القبلة؛ وقال لهما: قوما إذا زالت الشمس -أو قال: انتصفت- فاجعلاها على حاجبيكما، ففعلا".
وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ عامل الوليد على المدينة حين هدم المسجد النبوي، وزاد فيه.
وأول من زاد في جامع ومسلمة بن مخلد، وهو أمير مصر سنة ثلاث وخمسين، شكا الناس إليه ضيق المسجد، فكتب إلى معاوية، فكتب معاوية إليه يأمره بالزيادة فيه، فزاد فيه من بحرية، وجعل له رحبة من البحري وبيضه وزخرفه، ولم يغير البناء القديم، ولا أحدث في قبلته ولا غربيه شيئا.
وكان عمرو قد اتخذ منبرا، فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعزم عليه في كسره: أما بحسبك أن تقوم قائما، والمسلمون جلوس تحت عقبيك! فكسره.
وذكر أنه زاد من شرقيه حتى ضاق الطريق بينه، وبين دار عمرو بن العاص وفرشه بالحصر، وكان مفروشا بالحصباء.
وقال في كتاب الجند العربي: إن مسلمة نقض ما كان عمرو بن العاص بناه، وزاد فيه من شرقيه، وبنى فيه أربع صوامع، في أركانه الأربعة برسم الأذان، ثم هدمه عبد العزيز بن مروان أيام إمرته بمصر في سنة تسع وسبعين، وزاد فيه من ناحية الغرب، وأدخل فيه الرحبة التي كانت بحرية.
ثم في سنة تسع وثمانين أمر الوليد نائبه بمصر برفع سقفه وكان مطأطئًا، ثم هدمه قرة بن شريك بأمر الوليد سنة اثنتين وتسعين وبناه، فكانوا يجمعون في قيسارية العسل حتى فرغ من بنائه في رمضان سنة ثلاث وتسعين، ونصب فيه المنبر الجديد في سنة أربع وتسعين، وعمل فيه المحراب المجوف، وعمل للجامع أربعة أبواب، ولم يكن له قبل إلا بابان، وبنى فيه بيت المال، بناه أسامة بن زيد التنوخي متولي الخراج بمصر سنة تسع وتسعين؛ فكان مال المسلمين فيه، ثم زاد فيه صالح علي بن عبد الله بن عباس،
وهو يومئذ أمير من قبل السفاح، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائة، فأدخل فيه دار الزبير بن العوام، واحدث له بابا خامسا.
ثم زاد فيه موسى بن عيسى الهاشمي، وهو يومئذ أمير مصر من قبل الرشيد في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة.
ثم زاد فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين -وهو أمير مصر من قبل المأمون-
في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة (1) ومائتين؛ فتكامل ذرع الجامع مائتين وتسعين ذراعا بذراع العمل طولا في مائة وخمسين عرضا. ويقال: إن ذرع جامع ابن طولون مثل ذلك سوى الأزقة المحيطة بجوانبه الثلاثة. ونصب عبد الله بن طاهر اللوح الأخضر، فلما احترق الجامع احترق ذلك اللوح، فجعل أحمد بن محمد العجيفي هذا اللوح مكانه، وهو الباقي إلى اليوم.
ولما تولى الحارث بن مسكين القضاء من قبل المتوكل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، أمر ببناء هذه (2) الرحبة لينتفع الناس بها، وبلط زيادة بن طاهر، وأصلح السقف. ثم زاد فيه أبو أيوب أحمد بن محمد بن شجاع صاحب الخراج في أيام المستعصم في سنة ثمان وخمسين ومائتين.
ثم وقع في مؤخر الجامع حريق في ليلة الجمعة لتسع خلون من صفر سنة خمس وسبعين ومائتين، فأمر خمارويه بن أحمد بن طولون بعمارته على يد العجيفي، فأعيد على ما كان، وأنفق فيه ستة آلاف وأربعمائة دينار، وكتب اسم خمارويه في دائرة الرواق الذي عليه اللوح الأخضر (3) .
(1) في المقريزي: "وصل عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب مولى خزاعة، أميرًا من قبل المأمون في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ومائتين، وتوجه إلى الإسكندرية مستهل صفر سنة اثنتي عشرة ومائتين، ورجع إلى الفسطاط في جمادى الآخرة من السنة المذكورة".
(2)
المقريزي: "ورحبة الحارث هي الرحبة البحرية من زياد الخازن، وكانت رحبة يتابع الناس فيها يوم الجمعة".
(3)
المقريزي: "وأمر عيسى النوشري في ولايته الثانية على مصر في سنة أربع وتسعين ومائتين بإغلاق الجامع فيما بين الصوات، فكان يفتح للصلاة فقط، وأقام على ذلك أياما، فضج أهل المسجد ففتح لهم".
وزاد فيه أبو حفص العباسي أيام نظره في قضاء مصر خلافة لأخيه الغرفة التي يؤذن فيها المؤذنون في السطح؛ وذلك في سنة ست وثلاثين وثلثمائة.
ثم زاد فيه أبو بكر محمد بن عبد الله بن الخازن رواقا مقداره تسعة أذرع، وذلك في رجب سنة سبع وخمسين وثلثمائة، ومات قبل إتمامه، فأتمه ابنه علي، وفرع في رمضان سنة ثمان وخمسين، ثم بنى فيه الوزير أبو الفرج يعقوب بن كلس بأمر العزيز بالله الفوارة التي تحت قبة بيت المال، وهو أول من عمل فيه فوارة (1) .
وفي سنة سبع وثمانين وثلثمائة بيض المسجد، ونقشت ألواحه، وذهب على يد برجوان الخادم، وعمل فيه تنور يوقد كل ليلة جمعة.
وفي سنة ثلاث وأربعمائة أنزل إليه من القصر بألف ومائتين وتسعين (2) مصحفًا في ربعات، فيها ما هو مكتوب بالذهب كله، ومكن الناس من القراءة فيها، وأنزل إليه تنور من فضة استعمله (3) الحاكم بأمر الله برسم الجامع، فيه مائة ألف درهم فضة، فاجتمع الناس، وعلق بالجامع بعد أن قلعت عتبتا الجامع حتى أدخل به.
ثم في أيام المستنصر في رمضان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة زيد في المقصورة في شرقيها وغربيها، وعملت منطقة فضة في صدر المحراب الكبير، أثبت عليها اسم أمير المؤمنين، وجعل لعمودي المحراب أطواقًا من فضة، فلم يزل (4) ذلك إلى أن استبد السلطان صلاح الدين بن أيوب فأزاله (5) .
وفي ربيع الآخر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة، عمل مقصورة خشب ومحراب ساج
(1) المقريزي: "وزاد فيه مساقف الخشب المحيطة بها على يد المعروف بالمقدسي الأطروشي متولي مسجد بيت المقدس".
(2)
المقريزي: "وثمان وتسعين".
(3)
المقريزي: "عمله".
(4)
المقريزي: "وجرى ذلك على يد عبد الله بن محمد بن عبد الله في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة".
(5)
المقريزي: "بعد موت العاضد لدين الله في محرم سنة سبع وستين وخمسمائة، فقلع مناطق الفضة من الجوامع بالقاهرة".
منقوش بعمودي صندل برسم الخليفة، تنصب له في زمن الصيف، وتقلع في زمن الشتاء إذا صلى الإمام في المقصورة الكبيرة.
وفي سنة أربع وستين وخمسمائة تمكن الفرنج من ديار مصر، وحكموا في القاهرة حكما جائرا، فتشعث الجامع، فلما استبد السلطان صلاح الدين جدده في سنة ثمان وستين وخمسمائة، ورخمة ورسم عليه اسمه، وعمر المنظرة التي تحت المئذنة الكبيرة، وجعل لها سقاية.
ولما تولى تاج الدين بن بنت الأعز قضاء الديار المصرية أصلح ما مال منه، وهدم ما به من الغرف المحدثة، وجمع أرباب الخبرة، واتفق الرأي على إبطال
جواز الماء (1) إلى الفسقية، وكان الماء يصل إليها من بحر النيل، فأمر بإبطاله لما كان فيه من الضرر على جدار الجامع.
وجد السلطان بيبرس في عمارة ما تهدم من الجامع، فرسم بعمارته، وكتب اسم الظاهر بيبرس على اللوح الأخضر، وجليت العمد كلها، وبيض الجامع بأسره، وذلك في رجب سنة ست وستين وستمائة. ثم جدد في أيام المنصور قلاوون سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
ولما حدثت الزلزلة في سنة اثنتين وسبعمائة تشعث الجامع فجدده (2) سلار نائب السلطنة.
ثم تشعث في أيام الظاهر برقوق، فعمره الرئيس برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلي
(1) المقريزي: "جريان الماء إلى فوارة الفسقية".
(2)
المقريزي: "فأنفق الأميران بيبرس الجاشنكير -وهو يومئذ أستادار الملك الناصر محمد بن قلاوون، والأمير سلار وهو نائب السلطنة، وإليهما تدبير الدولة- على عمارة الجامعين بمصر والقاهرة".
رئيس التجار، وأزال اللوح الأخضر، وجدد لوحا آخر بدله وهو الموجود الآن، وانتهت عمارته في سنة أربع وثمانمائة.
وقال ابن المتوج: ذرع هذا الجامع اثنان وأربعون ألف ذراع بذراع البز المصري القديم، وهو ذراع الحصر المستمر الآن، وذرعه بذراع العمل ثمانية وعشرون ألف ذراع، وعدد أبوابه ثلاثة عشر بابا.
وممن تولى إمامة هذا الجامع أبو رجب العلاء بن عاصم الخولاني، وهو أول من سلم في الصلاة تسليمتين بهذا الجامع، بكتاب ورد عليه من المأمون يأمره بذلك؛ وصلى خلفه الإمام الشافعي حين قدم مصر، فقال: هكذا تكون الصلاة، ما صليت خلف أحد أتم صلاة من أبي رجب ولا أحسن.
ولما تولى القصص حسن بن الربيع بن سليمان في زمن المتوكل سنة أربعين ومائتين، أمر بترك قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في الصلاة، وأمر أن تصلى التراويح، وكانت تصلى قبل ذلك ست تراويح.
قال القضاعيّ: ولم يكن الناس يصلون بالجامع صلاة العيد، حتى كانت سنة ست وثلثمائة صلى فيها رجل يعرف بعلي بن أحمد بن عبد الملك الفهمي (1) صلاة الفطر، ويقال: إنه خطب من دفتر نظرا، وحفظ عنه أنه قال:"اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مشركون"، فقال بعض الشعراء:
قام في العيد لنا خطيبًا
…
فحرض الناس على الكفر (2)
وذكر بعضهم أنه كان يوقد في الجامع العتيق كل ليلة ثمانية عشر ألف فتيلة،
(1) المقريزي: "يعرف بابن أبي شيخة".
(2)
بعده في المقريزي: "وتوفي سنة تسع وثلثمائة".
وأن المطلق برسمه خاصة لوقود كل ليلة أحد عشر قنطارًا زيتًا طيبًا.
وقال المقريزي: أخبرني شهاب الدين أحمد بن عبد الله الأوحدي، أخبرني المؤرخ ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن الفرات، أخبرنا العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفي، أنه أدرك بجامع عمرو قبل الوباء الكائن في سنة تسع وأربعين وسبعمائة بضعًا وأربعين حلقة لإقراء العلم لا تكاد تبرح منه.