الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والخروج منها؛ لأنه لا يقوم بمصلحتهم فيها إلا النيل، فأصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعا، وقد زالت تلك السنة السوء عن أهل مصر (1) .
حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن موسى عليه السلام دعا على آل فرعون، فحبس الله عنهم النيل حتى أرادوا الجلاء حتى طلبوا إلى موسى أن يدعو الله رجاء أن يؤمنوا، فدعا الله، فأصبحوا وقد أجراه الله في تلك الليلة ستة عشر ذراعا. فاستجاب الله بتطوله لعمر بن الخطاب كما استجاب لنبيه موسى عليه السلام (2) .
ذكر مزايا النيل:
قال التيفاشي: اتفق العلماء على أن النيل أشرف الأنهار في الأرض لأسباب:
منها عموم نفعه، فإنه لا يعلم نهر من الأنهار في جميع الأرض المعمورة يسقي ما يسقيه النيل.
ومنها الاكتفاء بسقيه، فإنه يزرع عليه بعد نضوبه، ثم لا يسقى الزرع حتى يبلغ منتهاه؛ ولا يعلم ذلك في نهر سواه.
ومنها أن ماءه أصح المياه وأعدلها وأعذبها وأفضلها.
ومنها مخالفته أنهار الأرض في خصال هي منافع فيه، ومضار في غيره.
ومنها أنه يزيد عند نقص سائر المياه، وينقص عند زيادتها؛ وذلك أوان الحاجة إليه.
ومنها أنه يأتي أرض مصر في أوان اشتداد القيظ، والحر ويبس الهواء وجفاف
(1) فتوح مصر: 150.
(2)
فتوح مصر: 151.
الأرض، فيبل الأرض، ويرطب الهواء، ويعدل الفصل تعديلا زائدا.
ومنها أن كل نهر من الأنهار العظام، وإن كل فيه منافع، فلا بد أن يتبعها مضار في أوان طغيانه بإفساد ما يليه ونقص ما يجاوره، والنيل موزون على ديار مصر بوزن معلوم، وتقدير مرسوم لا يزيد عليه، ولا يخرج عن حده {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (1) .
ومنها أن المعهود في سائر الأنهار أن يأتي من جهة المشرق إلى المغرب، وهو يأتي من جهة المغرب إلى الشمال، فيكون فعل الشمس فيه دائمًا، وأثرها في
إصلاحه متصلا ملازما؛ وفي ذلك يقول الشاعر:
مصر ومصر ماؤها عجيب
…
ونهرها يجري به الجنوب
ومنها أن كل الأنهار يوقف على منبعه وأصله، والنيل لا يوقف له على أصل منبع. وليس في الدنيا نهر يصب في بحر الصين والروم غيره؛ وليس في الدنيا نهر يزيد ثم يقف، ثم ينقص ثم ينضب على الترتيب والتدريج غيره؛ وليس في الدنيا نهر يزرع عليه ما يزرع على النيل، ولا يجيء من خراج غلة زرعه ما يجيء من خراج غلة زرع النيل.
قال صاحب مباهج الفكر: النيل أخف المياه وأحلاها، وأرواها وأمراها، وأعمها نفعا، وأكثرها خراجا؛ ويحكى أنه جبي في أيام كنعاوس؛ أحد ملوك القبط الأول مائة ألف ألف وثلاثون ألف دينار، وجباه عزيز مصر مائة ألف ألف دينار، وجباه عمرو بن العاص اثني عشر ألف ألف دينار، وجباه عبد الله بن أبي سرح أربعة عشر ألف ألف دينار، ثم رذل إلى أن جبي أيام جوهر القائد ثلاثة آلاف ألف ومائتي ألف دينار؛ وسبب تقهقره أن الملوك لم تسمح نفوسهم بما كان ينفق في الرجال الموكلين
(1) الأنعام: 96.
لحفر خلجه وإصلاح جسوره، ورم قناطره، وسد ترعه، وقطع القضب وإزالة الحلفاء؛ وكانوا مائة ألف وعشرين ألف رجل مرتبين على كور مصر سبعين ألفًا للصعيد، وخمسين ألفا لأسفل الأرض.
ويحكى أنها مسحت أيام هشام بن عبد الملك، فكان ما يركبه الماء مائة ألف ألف فدان، والفدان أربعمائة قصبة والقصبة عشرة أذرع.
وأما أحمد بن المدبر، فإنه اعتبر ما يصلح للزرع بمصر في وقت ولايته، فوجده أربعة وعشرين ألف ألف فدان، والباقي قد استبحر وتلف، واعتبر مدة الحرث فوجدها ستين يوما، والحراث الواحد يحرث خمسين فدانا، فكانت محتاجة إلى أربعمائة ألف وأربعين ألف حراث.
وقال صاحب مرآة الزمان: ذكر أحمد بن بختيار أن في الليل عجائب منها التمساح، ولا يوجد إلا فيه، ويسمى في مصر التمساح، وفي بلاد النوبة الورل، ووراء النوبة الشوشار.
قال: والتمساح لا دبر له، وما يأكله يتكون في بطنه دودا، فإذا آذاه خرج إلى البرية فينقض عليه طائر فيأكل ما بين أسنانه، وما يظهر من الدود، وربما يطبق عليه التمساح، فيبلعه.
وذكر ابن حوقل أن بنيل مصر أماكن لا يضر التمساح فيها، كعدوة بوصير والفسطاط.
قال: وفي النيل السقنقور، ويكون عند أسوان، وفي حدودها. وقيل: إنه من نسل التمساح إذا وضعه خارج الماء، فما قصد الماء صار تمساحا، وما قصد البر صار سنقنقورا. وله قضيبان كالضب.
وفيه السمك الرعاد إذا وقع في شبكة الصياد، لا يزال ترتعد يداه، ورجلاه حتى يلقيها أو يموت، وهي نحو الذراع.
وفيه سمكة على صورة الفرس. والمكان الذي يكون فيه لا يقربه التمساح.
وفيه شيخ البحر سمكة على صورة آدمي، وله لحية طويلة، ويكون بناحية دمياط وهو مشؤوم، فإذا رئي في مكان دل على القحط والموت والفتن.
ويقال: إن دمياط ما تنكب حتى يظهر عندها.