الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بحر عمان
وجزائره وعجائبه
وهو شعبة من بحر فارس عن يمين الخارج من عمان، وهو بحر كثير العجائب غزير الغرائب، وفيه مغاص اللؤلؤ ويخرج منه الحب الجيد، وفيه جزائر كثيرة معمورة مسكونة: منها جزيرة خارك: وهي كبيرة عامرة آهلة وبها مغاص اللؤلؤ.
وجزيرة خاسك: وهي بقرب جزيرة قيس وأهلها لهم خبرة بالحرب وصبر عليه في البحر، فإن الرجل منهم يسبح أياماً في الماء وهو يجالد بالسيف كما يجالد غيره على وجه الأرض.
حكاية عجيبة: حكي أن بعض الملوك بالهند أهدى لبعض الملوك جواري هنديات حساناً فلما عبرت المراكب والجواري بهذه الجزيرة خرجن يتفسحن في مصالحهن في أرضها فاختطفتهن الجن، ونكحهن فولدن هؤلاء القوم.
وجزيرة سلطى: وهي كبيرة وفيها قوم يسمع كلامهم وضجيجهم من مسافة بعيدة، ومن وصل إليهم يخاطبهم ويخاطبونه غير أنهم لا يرون بأشخاصهم، ويقال إنهم من الجن وهم مؤمنون، فإذا وصل إليهم الغريب جعلوا له من الزاد ما يكفيه ثلاثة أيام فإذا أراد الرجوع إلى أهله حملوه في مركب وأوصلوه إلى قصده.
وجزيرة الشجر: وبها شجر يحمل ثمراً كاللوز في صفته وقدره، يؤكل بقشره وهو أحلى من الشهد ويقوم مقام كل دواء، ومن أكل منه من الرجال والنساء يزداد قوة وشباباً ولا يهرم أبداً ولا يشيب، وإن كان آكله طاعناً في السن وقد ذهبت قوته وابيض شعره عاد في الحال إلى قوة الشباب واسود شعره. وذكر أن بعض الملوك بالهند زرعه في أرضه فأورق ولم يثمر.
وجزيرة الدهلان: وهو شيطان في صورة إنسان راكب على طير يشبه النعامة، يأكل لحوم الناس، إذا طلع أحد من المراكب إلى تلك الجزيرة أخذهم ودفعهم إلى مكان لا خلاص لهم منه وأكلهم واحداً بعد واحد.
وحكي أن مركباً ألجأته الريح إلى تلك الجزيرة، وكانوا قد سمعوا بذلك الشيطان، فلما أتاهم قاتلوه وصبروا على قتاله صبر الكرام، فلما رأى ذلك منهم صاح بهم صيحة سقطوا منها مغشياً عليهم، فجعل يجرهم على وجوههم إلى موضعه المعهود، وكان فيهم رجل صالح فدعا عليه فهلك وعاد إلى موضعه طالباً لما فيه من الأموال والذخائر وأمتعة الناس.
جزيرة الصريف: وهي جزيرة تلوح لأصحاب المراكب فيطلبونها وكلما قربوا منها تباعدت عنهم، وربما أقاموا لذلك أياماً كثيرة فلا يصلون إليها وقيل إن أحداً منهم لم يدخلها قط، إلا أنهم رأوا فيها دواب وأشخاصاً.
جزيرة القندج: فيها صنم من رخام أخضر ودموعه تسيل على ممر الأيام والليالي فإذا دخل الريح في جوفه صفر صفيراً عجيباً. ذكر المسافرون أنه يبكي على قوم كانوا يعبدونه من دون الله، وقيل إن بعض الملوك غزا عباد ذلك الصنم فأفناهم وأبادهم عن آخرهم واجتهد في كسر ذلك الصنم فلم يقدر ولم تعمل فيه الآلة، وكلما ضربوه بمعول عاد الضرب إلى الضارب فقتله. فتركوه وانصرفوا.
جزيرة سرندوسة: وهي كبيرة عامرة، بها أشجار وأنهار وثمار، وعند أهلها من الذهب ما لا يكيف: فماعونهم ذهب، وآنيتهم ذهب، وقدورهم ذهب، وخوابيهم ذهب، وسلاحهم ذهب، ولهم ملك يدفع لهم كل من يقصدهم أو يقصد الخروج من عندهم بشيء من ذلك. وعجائب هذا البحر كثيرة: وذكر أن العنبر الخالص ينبت في قعر هذا البحر كما ينبت القطن في الأرض، فإذا اضطرب البحر قذف به، وربما أكل منه الحوت العظيم الجرم فيموت فيطفو على وجه الماء في اليوم الثالث فيجذبه أهل المراكب بالكلاليب إلى الساحل فيأخذون العنبر من جوفه.
وملكان: نوع من السمك يطفو على وجه البحر في ثالث عشر كانون الثاني، يدل ذلك على خروج ريح يضطرب لها البحر حتى يصل الاضطراب إلى بحر فارس، ويشتد هيجانه ويتكدر لونه وتنعقد ظلمته بعد طفو هذا السمك بيوم واحد.
ومنها الأمشور: وهو سمك يأتي بالبصرة في وقت معين، فيبقى مدة شهرين وينقطع فلا يعود إلا في ذلك الوقت بعينه من العام القابل.
والجراف: أيضاً سمك وأوانه مثل أوانه وانقطاعه.
ومنها: حيوان يعرف بالتنين شر من الكوسج، طوله كالنخلة السحوق، أحمر العينين كريه المنظر، له أنياب كأسنة الرماح، يقهر الحيوانات كلها حتى الكوسج.
ومنها: سمكة خضراء أطول من ذراع؛ لها خرطوم طويل عظيم كالمنشار تضرب به من عارضها فتقده؛ وفي هذا البحر دردور صغير.
حكى القزويني: أن رجلاً من أصفهان ركبته ديون كثيرة ففارق أصفهان وركب هذا البحر صدفة مع تجار فتلاطمت بهم الأمواج حتى حلوا في الدردور ببحر فارس، فقال التجار للرئيس: هل تعرف لنا سبيلاً إلى الخلاص فنسعى فيه؟ فقال: إن سمح أحدكم بنفسه تخلصنا. فقال الرجل الأصفهاني المديون في نفسه: كلنا في موقف الهلاك وأنا قد كرهت الحياة وسئمت البقاء.
وكان في السفينة جمع من التجار الأصفهانيين، فقال الرجل لهم: هل تحلفون لي بوفاء ديوني وخلاص روحي وأقديكم بروحي وأوثركم بحياتي وتحسنون إلى عيالي ما استطعتم؟ فحلفوا له على ذلك وفوق ما شرط، فقال الأصفهاني للرئيس: ما تأمرني أن أفعل فقد سلمت نفسي لله طلباً لخلاصكم إن شاء الله تعالى، فقال له الرئيس: آمرك أن تقف ثلاثة أيام على ساحل هذا البحر وتضرب على هذا الدهل ليلاً ونهاراً ولا تفتر عن الضرب أبداً، قلت: أفعل إن شاء الله تعالى. فأعطوني من الماء والزاد ما أمكن.
قال الأصفهاني فأخذت الدهل والماء والزاد وتوجهوا بي نحو الجزيرة وأنزلوني بساحلها فأخذت وشرعت في ضرب الدهل فتحركت المياه وجرى المركب وأنا أنظر إليهم حتى غاب المركب عن بصري، فجعلت أطوف في تلك الجزيرة وإذا أنا بشجرة عظيمة وعليها شبه سطح فلما كان الليل وإذا بهدة عظيمة فنظرت فإذا طائر عظيم في الخلقة قد سقط على ذلك السطح الذي في الشجرة فاختفيت خوفاً منه، فلما كان الفجر انتفض بجناحيه وطار، فلما كان الليل جاء أيضاً وحط مكانه الذي حط فيه البارحة فدنوت منه فلم يتعرض لي بسوء ولا التفت إلي أصلاً وطار عند الصباح.
فلما كان ثالث ليلة وجاء الطائر على عادته وقعد مكانه جئت حتى قعدت عنده من غير خوف ولا دهشة إلى أن نفض جناحيه فتعلقت بإحدى رجليه بكلتا يدي فطار بي إلى أن ارتفع النهار، فنظرت إلى تحتي فلم أر إلا لجة ماء البحر فكدت أن أترك رجله وأرمي بنفسي من شدة ما لقيت من التعب، فتصبرت زماناً، وإذا بالقرى والعمارة تحتي ففرحت وذهب ما كان بي من الشدة، فلما دنا الطائر من الأرض رميت نفسي على صبرة تبن في بيدر، وطار الطائر فاجتمع الناس حولي وتعجبوا مني وحملوني إلى رئيسهم وأحضروا لي من يفهم كلامي، فأخبرتهم قصتي فتبركوا بي وأكرموني وأمروا لي بمال وأقمت عندهم أياماً.
فخرجت يوماً لأتفرج وإذا أنا بالمركب الذي كنت فيه قد أرسى؛ فلما رأوني أسرعوا إلي وسألوني عن أمري فأخبرتهم فحملوني إلى أهلي وأقاموا لي بالمال وفوق الشرط، فعدت بخير وغنى وسلامة.