الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بحر المغرب
وعجائبه وغرائبه
وهو بحر الشام وبحر القسطنطينية. مخرجه من المحيط، يأخذ مشرقاً فيمر بشمال الأندلس ثم ببلاد الفرنج إلى القسطنطينية ويمتد ببلاد الجنوب إلى سبتة، إلى طرابلس الغرب، إلى الإسكندرية، ثم إلى سواحل الشام، إلى أنطاكية.
وذكر في كتاب أخبار مصر أنه بعد هلاك الفراعنة كانت ملوك بني دلوكة في شق البحر المحيط من الغرب، وهو البحر المظلم، فتغلب الماء على بلاد كثيرة وممالك عظيمة فأخربها وركبها وامتد إلى الشام وبلاد الروم، وصار حاجزاً بين بلاد مصر وبلاد الروم، على أحد ساحليه المسلمون وعلى الآخر النصارى. وهناك مجمع البحرين وهما بحر الروم والمغرب، وعرضه ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخاً. والمد والجزر هناك في كل يوم وليلة أربع مرات، وذلك أن البحر الأسود وهو بحر المغرب عند طلوع الشمس يعلو فيصب في مجمع البحرين حتى يدخل في بحر الروم، وهو البحر الأخضر إلى وقت الزوال فإذا زالت الشمس غاض البحر الأسود وانصب فيه الماء من البحر الأخضر إلى مغيب الشمس ويعلو البحر الأخضر على الدوام.
وفي هذا البحر من الجزائر شيء كثير:
فمن جزائره جزيرة الأندلس: وقد تقدم ذكرها.
وجزيرة مجمع البحرين: وهي جزيرة كبيرة وفيها منارة مبنية بالصخر المانع الصلد، لها أساس راسخ ولا باب لها ولا يعمل فيها الحديد، وعلوها أكثر من مائة ذراع، وعلى رأسها صورة إنسان ملتف بثوب كأنه من ذهب ويده اليمنى ممدودة إلى البحر الأسود كأنه يشير بأصبعه لذلك الموضع من العدو.
وجزيرة صقلية: وهي جزيرة عظيمة بها أنهار وأشجار وثمار ومزارع وبها جبل يقال له جبل البركات، يظهر منه دخان في النهار وبالليل نار، يطير منه شرر إلى البحر فيصير حجارة سوداء مثقبة تحرق كل شيء صادفته وتطفو على وجه الماء ويأخذها الناس فيستعملونها في الحمامات لحدة الأرجل.
جزيرة إقريطش: وهي في بحر الروم وبها معادن من الذهب.
جزيرة طاوزاق: وهو ملك له أربعة آلاف امرأة وليس له ولد، وعندهم شجر إذا أكلوا منه أفادهم القوة في الجماع، وأطاق الواحد منهم أن يجامع في اليوم مائة مرة وأكثر.
الجزيرة السيارة: أخبر البحريون أنهم رأوها مراراً كثيرة فيها أشجار وعمارات وجبال كلما هبت الريح عليها من المغرب سارت لنحو المشرق، وكلما هبت من المشرق سارت لنحو المغرب، وحجارتها خفاف فترى الحجر تظن أنه قنطار فيكون رطلاً واحداً.
وذكر بعض اليهود أن مركبهم انكسرت على هذه الجزيرة فأقاموا أياماً لم يكن غذاؤهم إلا السمك، ووقعوا في جزيرة حجارتها وجبالها ووهادها وترابها كلها ذهب، وكان قد سلم معهم زورق المركب فأوسقوه من ذلك الذهب فوق طاقته وسافروا فلم يسيروا إلا قليلاً حتى عطب الزورق ولم ينج إلا من قدر على السباحة.
جزيرة تنيس: وهي في بحر الروم، وفيها مدن كثيرة ويخرج إليها من البحر نوع من السمك فيقيم بها يوماً وينقطع، ويظهر نوع آخر يقيم يوماً وينقطع ولا يزال كذلك إلى آخر السنة تتمة ثلاثمائة وستين نوعاً، ثم يعود النوع الأول كالعادة.
وجزيرة النوم: بها أشجار وثمار وأزهار، من شم شيئاً منها نام من ساعته.
وجزيرة خالطة: قال أبو حامد الأندلسي: رأيت هذه الجزيرة وبها من الغنم شيء لا يحصى، كالجراد المنتشر لا ينفر من الناس، يأخذ أهل المراكب منها ما شاؤوا. وبها أشجار وثمار وأعشاب، وليس بها إنس ولا جان.
جزيرة الدير: ذكر البحريون أنها بقرب قسطنطينية، وفيها دير غائب في البحر فينكشف عنه الماء يوماً في السنة وتحج أهل تلك النواحي إليه ويبقى ظاهراً إلى وقت العصر، ثم يزيد الماء فيغطيه إلى العام القابل.
جزيرة الكنيسة: ذكر أبو حامد الأندلسي أن بهذه الجزيرة جبلاً على شاطئ البحر الأسود عليه كنيسة منقورة في الصخر، في الجبل، وعليها قبة عظيمة وعلى
تلك القبة طائر غراب، يطير ويحط ولا يزال عليها. ومقابل القبة مسجد يزوره المسلمون ويقولون إن الدعاء فيه مستجاب. وقد شرط على أهل تلك الكنيسة ضيافة من يزور ذلك المسجد من المسلمين. فإذا قدم زائر للمسجد أدخل الغراب رأسه إلى داخل الكنيسة وصاح صيحات بعدد الزوار، إن كان واحداً فواحدة، أو اثنين فاثنتين، أو عشرة فعشرة، لا يخطئ أبداً. فينزل أهل تلك الكنيسة بالضيافة إليهم على عدتهم لا يزيدون ولا ينقصون. وذكر القسيسون أنهم ما زالوا يرون ذلك الغراب ولا يدرون من أين مأكله ومشربه؟ وتعرف تلك الكنيسة بكنيسة الغراب.
ومن عجائب هذا البحر ما ذكره أبو حامد من أنه قال: لما غاض بحر الروم انكشف عن مدن وعمارات لا توصف، وبه الشيخ اليهودي وهو حيوان كالإنسان وله لحية بيضاء وبدن كبدن الضفدع، وشعره كشعر البقر وهو في قدر البغل، يخرج من البحر في كل ليلة سبت فلا يزال في البر حتى تغيب الشمس فيثب وثبة فلا يلحقه أحد، وهو يثب كما يثب الضفدع.
وحدث عبد الرحمن بن هرون المغربي قال: ركبت هذا البحر فوصلنا إلى موضع يقال له الرطون وكان معنا غلام صقلبي، معه صنارة فدلاها في البحر فصاد سمكة قدر الشبر فنظرنا فإذا مكتوب خلق أذنها الواحدة: لا إله إلا الله، وفي قفاها وخلف أذنها الأخرى: محمد رسول الله.
البغل: وهي سمكة كبيرة قال أبو حامد الأندلسي: رأيت هذه السمكة بمجمع البحرين مثل الجبل العظيم، وقد لازمتها سمكة أكبر منها في الظلمات، فهربت المسماة بالبغل منها، وجدت الأخرى في طلبها، ولما عاين البغل منها لاجد صاحت
صيحة عظيمة ما سمع أهول منها، فكادت قلوبنا أن تنشق من الخوف واضطرب البحر وكثرت أمواجه وخفنا الغرق، وأتت السمكة الطالبة لتعبر خلف البغل من الظلمات إلى مجمع البحرين فلم تقدر لعظمها.
حوت موسى عليه السلام: قال أبو حامد: رأيت سمكة تعرف بنسل الحوت في مدينة سبتة، وهو الحوت المشوي الذي صحبه موسى ويوشع حين سافرا في طلب الخضر عليهم السلام، وهي سمكة طولها ذراع وعرضها شبر، وأحد جانبيها شوك وعظام وجلد رقيق على أحشائها، ورأسها نصف رأس بعين واحدة، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها. ونصفها الآخر صحيح بهيج. والناس يتبركون بها ويهدونها إلى الرؤساء، سيما اليهود.
وسمكة كأنها قلنسوة سوداء: قال أبو حامد: رأيت هذه السمكة وفي جوفها شبه المصارين، ولا رأس لها ولا عين، ولها مرارة كمرارة البقر سوداء. فإذا صادها أحد تحركت فيسود ما حولها من الماء حتى يبقى كالحبر الدخاني، وأظنه من مرارتها، فيؤخذ ذلك الماء ويكتب به في الورق وهو أحسن من الحبر وأعظم سواداً وأثبت وأجود وأبص منه.
وسمكة: يقال لها الخطاف: على ظهرها جناحان تخرج من الماء وتطير حيث شاءت ثم تعود إلى الماء.
وسمكة تعرف بالمنارة. وهذه السمكة تخرج ببدنها من الماء وتقف على عجزها كالمنارة ثم ترمي بنفسها على المركب العظيم فتغرقه وتهلك أهله، فإذا أحسوا بها ضربوا الطبول والبوقات وأضرموا مكاحل النفط فتهرب عنهم.
وسمكة كبيرة إذا نقص عنها الماء بقيت على الطين ملقاة ولا تزال تضرب إلى
مقدار ست ساعات، ثم تنسلخ من جلدها ويظهر لها جناحان من تحت إبطها فتطير مع عظمتها إلى بحر آخر. وهذا من أعظم عجائب القدرة.
ومنها التنانين: وهي كثيرة في هذا البحر، ولا سيما عند طرابلس واللاذقية.