الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بحر الخزر
وهو بحر الأتراك، وهو في جهة الشمال، شرقيه جرجان وطبرستان وعلى شماله بلاد الخزر، وغربيه اللان وجبال القبق، وعلى جنوبه الجبل والديلم. وهو بحر واسع ولا اتصال له بشيء من البحار، وهو بحر صعب خطر المسلك سريع الهلاك شديد الاضطراب والأمواج، لا جزر فيه ولا مد، وليس فيه شيء من اللآلئ والجواهر.
ذكر السمرقندي في كتابه: أن ذا القرنين أراد أن يعرف ساحل هذا البحر، فبعث قوماً في مركب وأمرهم بالمسير فيه سنة كاملة لعل أن يأتوه بخبر ساحل؛ فساروا بالمركب سنة كاملة فلم يروا شيئاً سوى سطح الماء وزرقة السماء، فأرادوا الرجوع فقال بعضهم: نسير شهراً آخر لعلنا أن نرجع بخبر. فساروا شهراً آخر فإذا هم بمركب فيه أناس فالتقى المركبان ولم يفهم أحدهم كلام الآخر، فدفع قوم ذي القرنين إليهم امرأة وأخذوا منهم رجلاً ورجعوا إلى الإسكندر وأخبروه بالأمر. قال: فزوج الإسكندر الرجل بامرأة من عسكره فأتت بولد يفهم كلام الوالدين، فقال له: سل أباك من أين جئت؟ فسأله فقال: جئت من ذلك الجانب. فقيل له فهل هناك ملك؟ قال: نعم أعظم من هذا الملك. قيل: فكم لكم في البحر؟ قال: سنتين وشهرين.
وقيل: إن دور هذا البحر ألفان وخمسمائة فرسخ، وطوله ثمانمائة فرسخ وعرضه ستمائة فرسخ، وهو مدور الشكل، إلى الطول أميز.
وبهذا البحر عجائب كثيرة:
منها: ما ذكره أبو حامد عن سلام الترجمان رسول الخليفة إلى ملك الخزر، قال: لما توجهت من عند الخليفة إليهم أقمت عندهم مدة فرأيتهم يوماً قد اصطادوا
سمكة عظيمة فجذبوها بالكلاليب والحبال، فانتفخت أذن السمكة فخرج منها جارية بيضاء حمراء طويلة الشعر، سوداؤه، حسنة الصورة طويلة القامة كأنها القمر البدر، وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح، وفي وسطها غشاء لحمي كالثوب الضيف من سرتها إلى ركبتها كأنه إزار مشدود عليها. فما زالت كذلك حتى ماتت.
ومنها التنين: ذكروا أنه يرتفع من هذا البحر تنين عظيم يشبه السحاب الأسود وينظر إليه الناس. وزعموا أنها دابة عظيمة في البحر تؤذي دوابه فيبعث الله عليها سحاباً من سحب قدرته فيحملها ويخرجها من البحر. وهي صفة حية سوداء لا يمر ذنبها على شيء من الأبنية العظام إلا سحقته وهدمته، ولا من الأشجار إلا هدتها. وربما تنفست فاحترقت الأشجار والنبات.
قال: فيلقيها السحاب في الجزائر التي بها يأجوج ومأجوج فتكون لهم غذاء. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما هذا القول.
وحكي أن الإسكندر لما أن فرغ من السد وأحكمه سر بذلك سروراً عظيماً، وأمر بسرير فنصب له على السد فرقي عليه وحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا رب الأرباب ومسهل الصعاب، أنت ألهمتني بسد هذا المكان صوناً للبلاد وراحة للعباد وقمعاً لهذا العدو المطبوع على الفساد، فأحسن لي المثوبة في يوم المعاد، ورد غربتي
وأحسن أوبتي. ثم سجد سجدة أطال فيها ثم استوى على فراشه واستلقى على ظهره لانتعاشه، وقال: الآن قد استرحت من سطوة الخزر ومقاساة الأتراك.
ثم أغفى إغفاءه فطلع طالع من البحر حتى سد الأفق بطوله وارتفع كالغمامة العظيمة السوداء فسد الضوء عن الأرض، فبادرت الجيوش والمقاتلة إلى قسيهم واشتد الصياح، فانتبه الاسكندر ونادى: ما الذي نابكم وما شأنكم؟ فقالوا: الذي ترى. قال: أمسكوا عن سلاحكم وكفوا عن انزعاجكم، لم يكن الله عز وجل ليلهمني لما أراد ويغربني عن أهلي ومسقط رأسي ي البلاد لمصالح الخلق والعباد مدة عشرين سنة وستة شهور، ثم يسلط علي بهيمة من بهائم البحر المسجور. فكف الناس عن السلاح وأقبل الطالع نحو السد حتى علاه وارتفع عليه رمية سهم، ثم قال: أيها الملك، أنا ساكن هذا البحر، وقد رأيت هذا المكان مسدوداً سبع مرات، وفي وحي الله عز وجل أن ملكاً، عصره عصرك وصورته صورتك وصوته صوتك واسمه اسمك، يسد هذا الثغر سداً مؤبداً، فأحسن الله معونتك وأجزل مثوبتك ورد غربتك وأحسن أوبتك فأنت ذلك الملك الهمام وعليك من الله السلام. ثم غاب عن بصره فلم يعلم كيف ذهب وليكن هذا آخر الكلام على البحار والجزائر والعجائب.