الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر يوم القيامة والحشر والنشر
وتبديل الأرض غير الأرض وطي السماء، وأحوال ذلك اليوم
قال الله عز وجل: " يومَ تُبدَّل الأرضُ غيرَ الأرض والسمواتُ، وبرزُوا لله الواحِد القهّار ". فأول من يحييه الله جل جلاله يوم القيامة إسرافيل لينفخ النفخة الثالثة لقيام الخلق كما تقدم. ثم يحيي رؤساء الملائكة ثم أهل السماء، ويأمر جبريل وميكائيل وإسرافيل أن انطلقوا إلى رضوان خازن الجنان وقولوا له: إن رب العزة والجبروت والكبرياء مالك يوم الدين، يأمرك أن تزين البراق وترفع لواء الحمد وتاج الكرامة وسبعين حلة من حلل الجنة الفاخرة، واهبطوا بها إلى قبر البشير النذير حبيبي محمد صلواتي وتسليمي عليه، فنبهوه من رقدته وأيقظوه من نومته وقولا له: هلم إلى استكمال كرامتك واستيفاء منزلتك وارتفاعك على الأولين والأخرين، وشفاعتك في المذنبين.
قال: فينطلقون إلى باب الجنة فيقرعونه فيقول رضوان: من بباب الجنة؟ فيقول: جبريل وميكائيل وإسرافيل وأتباعهم، ويبلغ جبريل الرسالة، فيقول: وأين القيامة؟ فيقول جبريل: هذا يوم القيامة. قال: فيقبل رضوان بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة والحلل وتستبشر الحور والولدان، ويرتفعن إلى أعالي القصور ويمجدن الملك الغفور ويفرحن بلقاء الأحباب ويشكرن رب الأرباب. ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل: يا رضوان زخرف الجنان ومر الحور العين أن يتزين بأكمل زينة
ويتهيأن لقدوم سيد الأنبياء والمرسلين وقدوم أزواجهن من المؤمنين فما بقي غير الوصال والاجتماع والاتصال.
ثم يقبل إسرافيل وميكائيل وجبريل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف إسرافيل عند رأسه وميكائيل عند وسطه وجبريل عند رجليه فيقول إسرافيل لجبريل: نبهه يا جبريل فأنت صاحبه ومؤنسه في دار الدنيا؛ فيقول له جبريل: صح به يا إسرافيل فأنت صاحب النفخة والصور. قال: فيقول له إسرافيل: أيتها النفس المطمئنة البهية الطاهرة الزكية عودي إلى الجسد الطيب، يا محمد قم بإذن الله وأمره. فيقوم صلى الله عليه وسلم وهو ينفض التراب عن رأسه ووجهه، ثم يلتفت عن يمينه وإذا بالبراق ولواء الحمد وتاج الكرامة وحلل المجد، فتسلم الملائكة عليه ويقول له جبريل: يا محمد هذه هدية إليك وكرامة من رب العالمين. فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: بشرني. فيقول جبريل: إن الجنان قد زخرفت والحور العين قد تزينت وهن في انتظار قدومك أيها المختار، فهلم إلى لقاء الملك الجبار. فيقول: سمعاً وطاعة لرب العالمين. أخبرني أين تركت أمتي المساكين؟ فيقول: يا محمد وعزة من اصطفاك على العالم ما انشقت الأرض عن أحد سواك من بني آدم.
قال: فيسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلبس تلك الحلل ويتقدم فيركب البراق وتضع الملائكة على رأسه تاج الكرامة ويسلمونه لواء الحمد، فيأخذه بيده ويسير في موكب الكرامة والعز فرحاً مسروراً مبجلاً معظماً محبوراً، حتى يقف بين يدي الله عز وجل ثم يرسل الله الأرواح ويأمرها أن تلج في الأجساد بنفخة إسرافيل، فإذا الخلائق قيام من قبورهم، عراة ينفضون التراب عن وجوههم ورؤوسهم، وقد عقدوا أيديهم في أعناقهم وشخصوا بأبصارهم مهطعين إلى الداع سكارى وما هم بسكارى، متحيرين والهين حيارى لا يعرفون شرقاً ولا غرباً،
الرجال والنساء في صعيد واحد، لا يعرف الرجل من إلى جانبه: أرجل أم امرأة؟ ولا تعرف المرأة من إلى جانبها: أمرأة أم رجل؟ قد شغل كل منهم بنفسه.
ثم يوكل الله عز وجل بكل نفس ملكاً يسوقها إلى الموقف وشاهداً من نفس، فالسائق هو الملك الموكل والشاهد جملة أعضائه وجسده. قال: ثم يؤتى بهم إلى أرض المحشر والموقف، وهي أرض بيضاء من فضة أو كالفضة، لم يسفك عليها دم حرام ولم يعبد عليها وثن، يظهرها الله سبحانه بأرض بيت المقدس، وقد نصبت عليها منابر للأنبياء وكراسي للأولياء والصالحين والشهداء، ويصف الخلائق على تلك الأرض صفوفاً من المشرق إلى المغرب. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أهل الجنة يومئذ مائة وعشرون صفاً، ثمانون من أمتي، وأربعون من سائر الأمم. ثم تقرب الشمس من رؤوس الخلائق ويزداد في حرها سبعين ضعفاً، وتبرز جهنم وذلك قوله تعالى:" وُبّرزَتِ الجحيمُ لمن يَرى " فتغلي أدمغتهم في رؤوسهم، ويرشح العرق من أبدانهم فيسير في الأرض ثم يأخذهم العرق على قدر ذنوبهم: فمنهم من يأخذه إلى كعبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى إبطيه، ومنهم من يأخذه إلى عنقه، ومنهم يعوم فيه عوماً.
ثم يقومون كذلك ما شاء الله حتى يطول الوقوف ويشتد بهم الكرب، فيقول بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى آدم فنسأله أن يشفع فينا إلى ربنا، فمن كان من أهل الجنة فيؤمر به إلى الجنة، ومن كان من أهل النار فيؤمر به إلى النار. فيأتون آدم فيقولون: يا آدم قد طال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها. فيقول آدم: ما لي وللشفاعة؟ ويذكر ذنبه انطلقوا إلى غيري.
فيأتون نوحاً فيقولون مقالهم. فيقول: كيف لي بالشفاعة وقد أهلك الله بدعوتي من في الأرض وأغرقهم؟ ولكن انطلقوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ويذكرون له الحال ويسألونه الشفاعة، فيقول: ما لي وللشفاعة؟ ولكن انطلقوا إلى موسى بن عمران الذي كلمه الرحمن. قال: فيأتونه فيقول: كيف لي بالشفاعة؟ وقد قتلت نفساً وألقيت الألواح فتكسرت، ولكن انطلقوا إلى عيسى بن البتول. فينطلقون إليه ويقولون مقالهم. فيقول: ما لي وللشفاعة؟ وقد اتخذني النصارى إلهاً من دون الله وإني لعبد الله، ولكن أدلكم على صاحب الشفاعة الكبرى، انطلقوا إلى أبي القاسم محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.
فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، ووجهه يضيء على أهل الموقف، فينادونه من دون منبره العالي: يا حبيب رب العالمين وسيد الأنبياء والمرسلين، قد عظم الأمر وجل الخطب وطال الوقوف واشتد الكرب فاشفع لنا إلى ربنا في فصل الأمر، فمن كان من أهل الجنة يؤمر به إليها، ومن كان من أهل النار يؤمر به إليها، الغوث الغوث يا محمد، فأنت صاحب الجاه، والمبعوث رحمة للعالمين، قال: فيبكي النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي أمام العرش فيخر ساجداً فينادى: يا محمد ليس هذا يوم سجود فارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع: فيقول: يا رب مر بالعباد إلى الحساب فقد اشتد الكرب وعظم الخطب.
فيجاب إلى ذلك ويأمر الله عز وجل بالعرض للحساب، ثم تزفر جهنم زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا أخذه الرعب والجزع، وكل ينادي: نفسي يا رب، فآدم يقول: يا رب أسألك حواء ولا هابيل، ولا أسألك إلا نفسي، ونوح ينادي: لا أسألك ساماً ولا حاماً بل أسألك نفسي، والخليل ينادي: لا أسألك
إسماعيل ولا إسحق ولكن أسألك نفسي يا رب، وموسى ينادي: لا أسألك هرون أخي بل أسألك نفسي يا رب، وعيسى ينادي: يا رب لا أسألك مريم أمي وأسألك يا رب نفسي وذلك قوله عز وجل: " يومَ يَفِرُّ المرءُ من أخيه، وأمِّه وأبيه، وصاحبتِه وبنيه، لكل امرئٍ منهم يومئذ شأن يُغنيه ".
قال: ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ينادي: يا رب لا أسألك فاطمة ابنتي ولا بعلها ولا ولديها، ولا أسألك اليوم إلا أمتي ولا أسألك غيرها، فينادي المنادي من قبل الله عز وجل: يا رضوان زخرف الجنان، يا مالك سعر النيران، يا كسرون مد الصراط على متن جهنم. وهو أدق من الشعرة وأحد من السيف، وهي ألف عام صعود وألف عام استواء وألف عام هبوط، وقيل أكثر من ذلك. وهو سبع قناطر، فيسأل العبد عند القنطرة الأولى عن الإيمان وهي أصعب القناطر وأهواها قراراً، فإن أتى بالايمان نجا، وإن لم يأت به تردى إلى أسف سافلين. ويسأل عند القنطرة الثانية عن الصلاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الثالثة عن الزكاة فإن أتى بها نجا وإن لم يأت بها تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الرابعة عن صيام شهر رمضان فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة الخامسة عن الحج فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السادسة عن الأمر بالمعروف، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار. ويسأل عند القنطرة السابعة عن النهي عن المنكر، فإن أتى به نجا وإن لم يأت به تردى في النار.
قال: ثم تحمل الخلائق على الصراط، فمنهم من يجوزه كالبرق الخاطف، ومنهم من يجوزه كالريح العاصف، ومنهم من يجوزه كالفرس الجواد، ومنهم كالرجل
الساعي، ومنهم من يجوزه وهو يحضن الصراط بصدره، ومنهم من تأخذه النار. وإذا وقف الخلائق بين يدي الله عز وجل تطايرت الصحف بالأيمان والشمائل " فأمّا من أُوتيَ كتابه بيمينه فسوف يحاسَبُ حساباً يسيراً، وينقلبُ إلى أهله مسروراً، وأما من أُوتيَ كتابَهُ بشِماله فسوف يدعُو ثُبوراً ويصلَى سعيراً ".
وسئل بعض العلماء: كيف يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره؟ قال: تدخل يده الشمال في صدره وتخرج من وراء ظهره، فيدفع إليه كتابه بشماله من وراء ظهره، فيدعو بالويل والثبور ويصلى سعيراً فيقال:" لا تَدْعُوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعُوا ثبوراً كثيراً ". ثم يأتي النداء من قبل الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم ولا جور جائر ولأقتصن من الشاة القرناء إذا نطحت الشاة الجماء، ولأسألن العود لم خدش العود؟ ولا يدخلن أحد من أهل الجنة الجنة ولا من أهل النار النار وفي قلبه مظلمة. فيقتص حينئذ للمظلومين من الظالمين ويؤخذ من حسنات الظالم فتوضع في صحيفة المظلوم، فإذا استوعبت حسناته وبقي عليه مظالم بعد، أُخذ من سيئات المظلوم فتوضع في سيئات الظالم، ثم يلقى في النار، وكذلك أمثاله.
قال أبي بن كعب: يجيء الرب جل جلاله يوم القيامة في ملائكة السماء السابعة وتعالى عن الرحلة والمقام فيؤتى بالجنة مفتحةً أبوابها وهي تزف بين الملائكة، يراها كل بر وفاجر، وقد احتفت بها ملائكة الرحمة، فتوضع عن يمين العرش، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة سنة، ويؤتى بالنار تقاد بسبعين ألف زمام، كل زمام يقبض عليه سبعون ألف ملك، مصفدة أبوابها، عليها ملائكة سود غلاظ شداد، معهم السلاسل الطوال وأطواق الأغلال والأنكال الثقال، وسرابيل القطران
ومقطعات النيران، لأعينهم لمعان كالبرق، ولوجوههم لهيب كنار الحريق، وقد شخصت أبصارهم نحو العرش، ينتظرون أمر رب العزة، فتوضع حيث شاء الله، فإذا بدت النار للخلائق ودنت وبينها وبينهم مسيرة خمسمائة عام زفرت زفرة فلا يبقى ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا وجثا على ركبتيه وأخذته الرعدة وصار قلبه معلقاً إلى حنجرته، ويخرج ولا يرجع إلى مكانه، وذلك قوله تعالى:" إذِ القلوبُ لدى الحناجرِ كاظمين ".
وقيل: توضع النار على يسار العرش ثم يؤتى بالميزان فيوضع بين يدي الجبار، ثم تدعى الخلائق للعرض والحساب. قال كعب الأحبار: لو أن رجلاً كان له مثل عمل سبعين نبياً لخشي في ذلك اليوم ألا ينجو من شر ذلك اليوم. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وددت أن حسناتي فضلت سيئاتي بمثقال ذرة ثم أُترك بين الجنة والنار، ثم يقال لي: تمن، فأقول: تمنيت أن أكون تراباً. وفي هذا القدر كفاية.