الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب. عالم الغيب، راحم الشيب، منزل الكتاب. ساتر العيب، كاشف الريب، مزلل الصعاب. مغيث الملهوف، دافع الصروف، رب الأرباب. خالق الخلق، باسط الرزق، مسبب الأسباب. مالك الملك، مسخر الفلك، مسير السحاب. رافع السبع الطباق مخيمة على الآفاق تخييم القباب. ساطح الغبراء، على متن الماء، ممسكة بحكمته عن الاضطراب. منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم يوم الحشر والمآب.
أحمده وهو المحمود بكل لسان ناطق، وأشكره وهو المشكور في المغارب والمشارق.
وأشهد ان لا إله إلا الله لا شريك له، شهادة ركن الإيمان أركانها، وشيد الإتقان بنيانها، ومهد الإذعان أوطانها، وأكد البرهان إدمانها. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. المستولي على شانئه بشأنه، ونبيه المفضل بمعاني علومه وبدائع بيانه، ورسوله الصادع بدليله وبرهانه، القائل: زينت لي مشارق الأرض ومغاربها كشفاً واطلاعاً بسره وعيانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره وأعوانه، صلاة تبلغ من آمن به غاية أمنه وأمانه، وتسكن روعته في الدارين، بعفو الله وغفرانه، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد: فإن خالق الخلق والبريئة، ومن له الإرادة والمشيئة، قد ميز الملوك والرعاة عمن دونهم من الرعية، فلذلك قد خصوا بالهمم العلية، والأخلاق السامية الزكية، ورغبوا في الاطلاع على الأمور الغامضة الخفية، ليكونوا فيما ندبوا له من الاسترعاء على بيضاء نقية، ويحصلوا من أخبار العالم على الأشياء الصادقة الجلية، فحينئذ أشار إلى الفقير الخامل من إشارته الكريمة محمولة بالطاعة على الرؤوس، وسفارته المستقيمة بين الإمام المعظم والسودان الأعظم قد سطرت في التواريخ والطروس وهو المقر الأشرف العالي المولوي الأميني الناصحي السيدي المالكي المخدومي السيفي شاهين المؤيد، مولانا نائب السلطنة الشريفة بالقلعة المنصورة الجليلة، أعز الله أنصاره؛ ورفع درجته وأعلى مناره إن أضع له دائرة مشتملة على دائرة الأرض، صغيرة توضح ما اشتملت عليه من الطول والعرض، والرفع والخفض؛ ظناً منه أحسن الله إليه أني أقوم بهذا الصعب الخطير؛ وأنا والله لست بذلك، والفقير في دائرة هذا العالم أحقر حقير. فأنشدت:
إن المقادير إذا ساعدت
…
ألحقت العاجز بالحازم
وتوسلت إلى رب الأرباب ومذلل الصعاب؛ وابتهلت إليه ابتهال المستغيث المصاب. ففتح سبحانة من فيضان لطفه أحسن باب؛ وسهل بامتناع عطفه ذلك الصعب المهاب؛ ويسر برأفته ما لم يخطر في بال وحساب؛ فنهضت مبادراً إلى السجود شاكراً لذي الإنعام والجود. ثم أقبلت على مطالعة حكماء الأنام، وتصانيف علماء الهيئة الأعلام؛ كشرح التذكرة لنصر الدين الطوسي، وجعفر الأنبياء
لبطليموس، وتقويم البلاد للبلخي؛ ومروج الذهب للمسعودي، وعجائب المخلوقات لابن الأثير الجزري والمسالك والممالك للمراكشي؛ وكتاب
الابتداء، وغيرها من الكتب المعينة على تحصيل المطلوب.
ومعلوم أن الكتب الموضوعة بين الناس في هذا الغرض لم تخل من خلل والتباس؛ فإن ذلك أمر موهوم، لكنه وهم حسن. وكما قيل: بين اليقين والوهم بون كما بين اليقظة والوسن. والله سبحانه هو المتجاوز عن الخطأ والخلل والخطل، والموفق لصالح القول والعمل. وقد وضعت دائرة، مستعيناً بالله تعالى، على صورة شكل الأرض في الطول والعرض، بأقاليمها وجهاتها، وبلدانها، وصفاتها وعروضها وهيئاتها، وأقطارها وممالكها، وطرقها ومسالكها، ومفاوزها ومهالكها، وعامرها وغامرها، وجبالها ورمالها، وعجائبها وغرائبها، وموقع كل مملكة وإقليم من الأخرى، وذكر ما بينهما من المتالف والمعاطب براً وبحراً، وذكر الأمم المقيمة في الجهات والأقطار طراً، وسد ذي القرنين في سالف الأحقاب على يأجوج ومأجوج كما في نص الكتاب، وسميته: خريدة العجائب وفريدة الغرائب.
وبالله سبحانه الاعتصام، وهو حسبي على الدوام، ومنه أسأل السداد والتوفيق، فإنه أهل الإجابة والتحقيق. وهذه الدائرة المذكورة.
وهذه رسالة لطيفة باهرة كالشرح في توضيح ما في هذه الدائرة، تبين للناظر فيها أحوال الجبال، والجهات، والبحار والفلوات، وما اشتملت عليه من الممالك، مستوعباً فيها لذلك، إن شاء الله تعالى.
ولنشرع أولاً في ذكر جبل قاف: قال الله عز وجل في كتابه العزيز " ق، والقرآنِ المَجيدِ " وفي تفسير " ق " ستة أقوال للمفسرين، منها: أنه جبل من زبرجدة
خضراء، قاله أبو صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما. وروى عكرمة عن ابن عباس أيضاً رضي الله عنهما قال: خلق الله جبلاً يقال له قاف، محيطاً بالعالم السفلي، وعروقه متصلة بالصخرة التي عليها الأرض، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان عليه السلام حيث قال:" يا بُنّي إنها إن تك مثقالَ حبّةٍ من خردلٍ فتكُنْ في صخرة أو في السموات أو في الأرض " الآية. فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل قرية في الأرض أمر ذلك الجبل أن يحرك العرق الذي يلي تلك القرية، فتزلزل في الوقت. وقال مجاهد: هو جبل محيط بالأرض والبحار. وروي عن الضحاك أنه زمردة
خضراء، وعليه كنفا السماء كالخيمة المسبلة. وخضرة السماء منه. والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما ذكر البحار: فأعظم بحر على وجه الأرض: المحيط المطوق بها من سائر جهاتها، وليس له قرار ولا ساحل إلا من جهة الأرض، وساحله من جهة الخلو البحر المظلم، وهو محيط بالمحيط كإحاطة المحيط بالأرض، وظلمته من بعده عن مطلع الشمس ومغربها، وقرب قراره. والحكمة في كون ماء البحر ملحاً أُجاجاً لا يذاق ولا يساغ، لئلا ينتن من تقادم الدهور والأزمان، وعلى ممر الأحقاب والأحيان، فيهلك من نتنه العالم الأرضي، ولو كان عذباً لكان كذلك. ألا ترى إلى العين التي ينظر بها الإنسان الأرض والسماء والعالم والألوان، وهي شحمة مغمورة في الدمع، وهو ماء مالح، والشحم لا يصان إلا بالملح فكان الدمع مالحاً لذلك. المعنى: قاف محيط بالكل، كما تقدم. وفي الظلمات: عين الحياة، التي شرب الخضر عليه السلام منها، وهي في القطعة بين المغرب والجنوب.
وفي المحيط: الأرض التي فيها عرش إبليس اللعين، هو في التي بين المشرق والمغرب والجنوب، وهو إلى المشرق أقرب في مقابلة الربع الخراب من الأرض. والله أعلم.
وأما الخلجان الآخذة من المحيط فهي ثلاثة: أعظمها وأهولها بحر فارس، وهو البحر الآخذ من المحيط الشرقي من حد أرض بلاد الصين إلى لسان القلزم الذي أغرق الله فيه فرعون، وضرب لموسى وقومه فيه طريقاً يبساً، ثم بحر
الروم الآخذ من المحيط الغربي من حد الأندلس والجزيرة الخضراء، إلى أن يخالط خليج قسطنطينية. فأما إذا قطعت من لسان القلزم إلى حد الصين على حد مستقيم، كان مقدار تلك المسافة نحو مائتي مرحلة. وكذلك إذا شئت أن تبقطع من القلزم إلى أقصى حد بالمغرب على خط مستقيم، كان نحو مائة وثمانين مرحلة، وإذا
قطعت من القلزم إلى حد العراق في البرية على خط مستقيم، وشققت أرض السماوة، ألفيته نحو شهر.
ومن العراق إلى نهر بلخ نحو شهرين، ومن نهر بلخ إلى آخر بلاد الإسلام في حد فرغانة نيف وعشرون مرحلة، ومن هذا المكان إلى بحر المحيط من آخر عمل الصين نحو شهرين، هذا في البر.
وأما من أراد قطع هذه المسافة من القلزم إلى الصين في البحر طالت المسافة عليه، وحصلت له المشقة العظيمة، لكثرة المعاطف والتواء الطرق واختلاف الرياح في هذه البحور، وأما بحر الروم فإنه يأخذ من المحيط الغربي، كما تقدم بين الأندلس وطنجة. حتى ينتهي إلى ساحل بلاد الشام، ومقدار ما ذكر في المسافة أربعة أشهر. وهذا البحر أحسن استقامة واستواء من بحر فارس، وذلك أنك إذا أخذت من فم هذا الخليج، يعني من مبدئه، إلى المحيط أتتك ريح واحدة إلى أكثر هذا البحر. وبين القلزم الذي هو لسان بحر فارس وبين بحر الروم، على سمت القبلة، أربع مراحل. وزعم بعض المفسرين في قوله تعالى:" بينهما برزَخٌ لا يَبْغيان " أنه هذا الموضع.