المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأول في فضل الزيارة وتأكدها وشد الرحال إليها وصحة نذرها وحكم - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ١

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأوّل في فضلها ومتعلقاتها وفيه عشرة فصول

- ‌ الفصل الثاني في تفضيلها على البلاد

- ‌ الفصل الثالث " في الحث على الإقامة والصبر والموت بها واتخاذ الأصل

- ‌ الفصل الرابع " في الدعاء لها ولأهلها ونقل وباءها وعصمتها من الدجال

- ‌الفصل الخامس في ترابها وثمرها

- ‌ الفصل السادس " في تحريمها والألفاظ المتعلقة به

- ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

- ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

- ‌ الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك

- ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

- ‌الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما

- ‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

- ‌ الفصل الثاني " في توسل الزائر به صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى

- ‌الفصل الثالث في فضل المسجد النبوي وروضته ومنبره

- ‌الباب الثالث في أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها

- ‌ الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم

- ‌ الفصل الثاني " في منازل الأوس والخزرج وما دخل بينهم من الحروب

- ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفصل الرابع " في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وسكناه بدار

الفصل: ‌الأول في فضل الزيارة وتأكدها وشد الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

وفيه خمسة فصول

‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

الاستئجار عليها

روى الدارقطني في السنن وغيرها والبيهقيّ وغيرهما من طريق موسى بن هلال العبدي عن عبيد الله العمريّ مصغرا عن نافع عن أبن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من زار قبري وجبت له شفاعتي

ص: 321

واختلف علي بن سمرة فرواه مرة من طريق عبيد الله العمريّ مصغرا كغيره ومرة مكبرا ومرّ من ذلك الحافظ يحيى بن عليّ القرشي وصوّب التصغير وفي تاريخ أبن عساكر المحفوظ عن أبن سمرة عبيد الله وفي كامل أبن عدي عبد الله أصح وفيه نظر وأن صح حمل كما قال السبكيّ على إنه عند موسى بن هلال عنهما جميعا مع إنّ المكبر روى له مسلم مقرونا بغيره وقال أبو حاتم رأيت أحمد يحسن الثناء عليه وقال يحيى بن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال إنه في نافع صالح وموسى بن هلال قال أبن عدي أرجو إنه لا بأس به وقد روى عنه ستة منهم الإمام أحمد ولم يكن يروي إلا عن ثقة فلا يضره قول أبي حاتم إنه مجهول وقول العقيلي لا يتابع عليه وسيأتي في الحديث الثالث متابعة مسلمة الجهني له ولذلك ذكر هذا الحديث عبد الحق في الأحكام الوسطى والصغرى وسكت عليه مع قوله في الصغرى إنه تخيرها صحيحة

ص: 324

الإسناد معروفة عند النقاد قد ثقلها الإثبات وتداولها الثقات وذكر نحوه في الوسطى وسبقه إبن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث وهو متضمن لمعنى هذا ومعنى وجبت إنها ثابتة لا بدّ منها بالوعد الصدق وقوله له أي يخص بشفاعة ليست لغيره أو يفرد بشفاعة مما تحصل لغيره تشريفا له أو أن دخوله في الشفاعة لا بدّ منه فهو بشرى بموته مسلما فلا يضمن فيه شرط الوفاة على الإسلام بخلافه على الأوّلين وقوله شفاعتي أي إنه يشفع فيه هو بنفسه والشفاعة تعظم بعظم الشافع وللبزار من طريق عبد الرحمن بن زيد عن أبيه عن أبن عمر رضي الله عنه مرفوعا من زار قبري حلت له شفاعتي وهذا هو الأوّل ولذا عزاه عبد الحق للدارقطني أيضا إلا أن في الأوّل وجبت وفي هذا حلت

ص: 325

والقصد تقوية الأوّل به فلا يضره ما قيل في عبد الله الغفاري وكذا ما قيل في عبد الرحمن بن زيد إذ ليس راجعا إلى تهمة كذب ولا فسق ومقله يحتمل في المتابعات وقد روى الترمذي وغيره لعيد الرحمن بن زيد وقال أبن عدي إنه ممن احتمله الناس وإنه ممن يكتب حديثه وصحح الحاكم حديثا من جهته في التوسل وللطبرانيّ في الكبير والأوسط والدارقطني في أماليه وأبي بكر بن المقري في معجمه من طريق مسلمة بن سالم الجهني حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن سالم عن أبن عمر رضي الله عنه مرفوعا من جاءني زائرا لا نعمده حاجة إلا زيارتي كان حقا عليّ أن

ص: 326

أكون له شفيعا يوم القيامة وفي معجم أبن المقري بالسند المذكور عن نافع وسالم عن أبن عمر مرفوعا من جاءني زائرا كان له حقا على الله عز وجل أن أكون له شفيعا يوم القيامة وأورد الحافظ أبن السكن هذا الحديث في باب ثواب من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم من كتابه المسمى بالسنن الصحاح المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو محذوف الأسانيد ومقتضى ما شرطه في خطبته أن يكون مما أجمع على صحته وكأنه فهم من الحديث الزيارة بعد الموت أو أن ما بعد الموت داخل في العموم وهو صحيح

ص: 327

وللدارقطني والطبراني وغيرهما بسند فيه حفص بن أبي داود القاري عن ليث عن مجاهد عن أبن عمر مرفوعا من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وحفص هذا وثقه أحمد في أرجح الروايتين عنه وضعفه جماعة وهو لم ينفرد بهذا الحديث فقد رواه الطبراني في الكبير والأوسط

ص: 328

من طريق عائشة بنت يونس امرأة لليث عن الليث عن مجاهد عن أبن عمر رضي الله عنه مرفوعا من زار قبري الحديث ورواه بعض الحفاظ المعاصرين لأبن منده من طريق حفص بلفظ من حج

ص: 329

فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وأبن الجوزي في مثير العزم الساكن بلفظ من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصحبني قال أبو اليمن بن عساكر تفرد بقوله وصحبني الحسن بن الطيب وفيه نظر وهي زياده منكرة قال السبكيّ لم ينفرد بها أبن الطيب فقد رواه كذلك أبن عديّ في كامله من طريق الحسن بن سفيان بدل أبن الطيب قلت وذلك لا يقتضي التشبيه بمن صحبه من كل وجه حتى يعارض لو أنفق أحدكم مثل أحد الحديث كما زعمه

ص: 330

بعضهم ولأبن عدي في الكامل والدارقطنيّ في غرائب مالك من طريق النعمان بن شبل عن مالك عن نافع عن أبن عمر رضي الله عنه مرفوعا من

حجج البيت ولم يزرني فقد جفاني قال ابن عدي لا أعلم من رواه عن مالك غير النعمان ولم أر في أحاديثه حديثا غريبا قد جاوزا الحدّ فإذا كره ونقل في صدر ترجمته عن عمران أن بن موسى أنه ثقة وعن موسى بن هارون أنه مهتم والنهمة غير مفسرة فالحكم للتوثيق وقول الدارقطني تفرد به هذا الشيخ وهو منكر الظاهر أنه لعدم احتمال تفرد بهذا الإسناد لا بالنسبة إلى المتن فذكره في الموضوعات سرف

ص: 331

وللدارقطني في العلل عن نافع بن عمر رضي الله عنه مرفوعا زارني إلى المدينة كنت له شفيعا أو شهيدا وقيل أخطأ بعض رواته إذ المعروف من حديث ابن عمر من استطاع منكم أن يموت بالمدينة وفيه نظر

ص: 332

ولأبي داود الطيالسي حدثنا سوار ابن ميمون العبدي حدثني رجل من آل عمر عن عمر رضي الله عنه مرفوعا من زار قبري أو قال من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله تعالى من الآمنين يوم القيامة قال السبكي سوار روى عنه شعبة فدل على ثقته عنده فلم يبق إلا الرجل المبهم والأمر فيه قريب سيما وهو من

ص: 333

طبقة التابعين ولأبي جعفر العقيلي من رواية سوار المتقدم عن رجل من آل الخطاب مرفوعا من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة ومن مات الحديث وفي رواية له عن هارون بن فزعة عن رجل من آل الخطاب نحوه وزاد عقب في جواري يوم القيامة ومن سكن المدينة وصبر على بلائها كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة وهارون بن قزعة ذكره ابن حبان في

ص: 334

الثقات فبم يبق إلا الرجل المبهم وإرساله وسيأتي عن هارون بن قزعة مسند بلفظ آخر وللدارقطني وغيره من طريقه عن رجل من آل حاطب عن حاطب مرفوعا من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة ولأبي الفتح في الثاني من فوائده بإسناد عن علقمة عن عبد الله مرفوعا من حج حجة الإسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله عز وجل فيما أفترض عليه

ص: 335

ولأبي الفتوح سعيد بن محمد في جزئه رواية ابن الأغاطي من طريق عبد الله العمري سمعت سعيد المقبري سمعت أبا هريرة رضي الله عنه مرفوعا من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة ولبن أبي الدنيا والبهيقي عن سليمان بن يزيد الكعبي عن أنس بن مالك مرفوعا من زارني بالمدينة كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة وفي رواية بأول ولفظ البهيقي من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم

ص: 336

القيامة ومن زارني محتسب إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة وسليمان ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم منكر الحديث ليس بقوي ولا يلزم من كونه يروى عن التابعين عدم إدراكه أنساب لبني النجار من طريق سمعان بن المهدي عن أنس مرفوعا من زارني ميتا فكأنما زارني حيا ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة وما من أحد من أمتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر وقال الذهبي

ص: 337

سمعان بن مهدي عن أنس لا يكاد يعرف الصمت به نسخة مكذوبة وقال الحافظ ابن حجرا أكثر متونها موضوعة ولأبي جعفر العقيلي من طريق فضالة بن سعيد عن محمد بن يحيي المازني ولم يذكر فيها العقيلي سوى التفرد والنكارة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو قال شفيعا ولبعض الحفاظ في زمن ابن مندة هو في مسند الفردوس عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان

ص: 338

وليحيي بن الحسين من طريق النعمان بن شبل وسبق الكلام فيه في الحديث الخامس قال حدثنا محمد بن الفضل مديني سنة ست وسبعين عن جابر عن محمد بن علي رضي الله عنه مرفوعا من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن لم يزرني فقد جفاني

ص: 339

وقوله مديني يقتضي أنه غير محمد بن الفضل بن عطية الذي كذبوه لأن ذاك كوفي نزل بخارى وجابر يحتمل أنه الجعفي وغيره محمد بن علي أن كان ابن الحنفيه فقد أدرك أباه عليا وإن كان الباقر فهو منقطع ورواه ابن عساكر من غير هذه الطريق من غير تصريح بالرفع ولفظه عن علي رضي الله عنه قال من سأل لرسول الله صلى الله عليه وسلم الدرجة والوسيلة حلت له

ص: 340

شفاعتي يوم القيامة ومن زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه عبد الملك بن هارون بن

عنترة فيه كلام كثير ولطاهر بن يحيي في روايته لكتاب أبيه يحيي المتقدم ذكره عقب حديث على المتقدم ما لفظه حدّثني أبي قال حدثنا أبو يحيي محمد بن الفضل بن نباتة النميري قال حدثنا الحاني قال حدثنا الثوري عن عبد الله ابن السائب عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله وليحيي أيضا من طريق عبد الله بن وهب وهو ثقة عن رجل عن بكر بن عبد الله مرفوعا من أتى المدينة زائرا إليّ وجبت له شفاعتي يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين بعث آمنا وفيه الرجل المبهم وبكر بن عبد الله

ص: 341

أن كان الأنصاري فهو صحابي وإن كان المزني فهو تابعي جليل فيكون مرسلا ولأبي داود بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام صدر به البيهقيّ باب الزيارة وأعتمد على ذلك جماعة منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى لتضمنه فضيلة رده صلى الله عليه وسلم وهي عظيمة

ص: 342

وذكر ابن قدامة هذا الحديث من رواية أحمد بلفظ ما من أحد يسلم علي عند قبري فإن ثبت وإلا فالمسلم عند القبر أمتاز بالمواجهة بالخطاب المستدعي للردّ ولذا قال الإمام الجليل أبو عبد الرحمن عبد الله المقبري أحد أكابر شيوخ البخاري هذا الحديث في الزيارة إذا زارني فسلم عليّ ردّ الله علي روحي حتى أردّ عليه

ص: 346

ويؤيده أن أصل السلام عرفا ما يواجه به المسلم عليه من قرب ويكنى به عن الزيارة وهو سلام التحية المستدعي للردّ على المسلم أو برسوله بخلاف السلام الذي يقصد به الدعاء منا بالتسليم عليه من الله تعالى سواء كان بلفظ الغيبة أو لحضور وهو الذي قيل باختصاصه به عن الأمة كالصلاة فلا يقال فلان عليه السلام وهذا الحديث استدل به البيهقي لحياة الأنبياء قال والمعنى إلا وقد ردّ عليه وقيل هو خطاب على مقدار فهم المخاطبين أنه لابد من ردّ الروح ليسمع فكأنه قال أسمعه تمام السماع وأجيبه تمام الإجابة مع دلالته على الردّ عند السلام أول مسلم ولم يرد قبضها بعد ولا قائل به لتوالي موتات لا تحصر أوان الردّ معنوي من الاستغراق في الشهود فهو التفات روحاني إلى دوائر البشرية من الاستغراق في الحضرة وأما حديث النسائي وغيره أن لله ملائكة سياحيين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام وأحاديث عرض الملك لصلاة الأمة وسلامها عليه صلى الله عليه وسلم فذاك في حق الغائب وأما الحاضر ففيه حديثا الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا من صلى عند قبري سمعته ومن صلى عليّ نائيا بلغته رواه جماعة من طريق أبي عبد الرحمن قال

ص: 347

البيهقي وهو محمد بن مروان السدي فيما أرى وفيه نظر والثاني وهو أضعف من الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا من صلى عليّ عند قبري وكل الله تعالى بها ملكا يبلغني وكفى أمر آخرته وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة وفي رواية ما من عبد يسلم عليّ عند قبري إلا وكل الله بها ملكا يبلغني وكفى أمر آخرته ودنياه وكنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة وذكر في الأحياء حديث أن الله وكل بقبره صلى الله عليه وسلم ملكا يبلغه سلام من سلم عليه من أمته قال هذا في حق من لم يحضر قبره فكيف بمن فارق الوطن وقطع البوادي شوقا إليه وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا من أحد يمرّ بقبر أخيه المؤمن وفي رواية بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا يسلم عليه إلا عرفه وردّ عليه السلام

ص: 348

ولبن أبي الدنيا إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه ردّ عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه ردّ عليه السلام وسيأتي قول ابن حبيب فإنه صلى الله عليه وسلم يعلم وقوفك وقد ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم كما نقله ابن عبد الهادي أنّ الشهداء بل كل المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوا به وردّ عليه السلام فإذا كان هذا في حق آحاد المسلمين فكيف زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوا به وردّ عليه السلام فإذا كان هذا في حق آحاد المسلمين فكيف بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فهو صلى الله عليه وسلم كما سيأتي يسمع من يسلم عليه عند قبره ويردّ عليه عالما بحضوره عند قبره بهذا فضلا حقيقا بأن ينفق فيه ملك الدنيا حتى يتوصل إليه في توثيق عرى الإيمان للبارزي عن سليمان بن سحيم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون

ص: 349

عليك أتفقه سلامهم قال نعم وأردّ عليهم

ولأبن النجار عن إبراهيم بن بشار حججت في بعض السنين فجئت المدينة فتقدمت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فسمعت من داخل الحجرة وعليك السلام ونقل مثله عن جماعة من الأولياء والصالحين ولا شك في حياته صلى الله عليه وسلم بعد الموت وكذا سائر الأنبياء عليهم السلام حياة أكمل من حياة الشهداء التي أخبر الله بها في كتابه العزيز وهو صلى الله عليه وسلم سيد الشهداء وأعمال الشهداء في ميزانه وقد قال صلى الله عليه وسلم كما رواه الحافظ المنذري علي بعد وفاتي كعلي في حياتي ولأبن عدي فى كامله وأبي بعلي برجال ثقات عن أنس رضي الله عنه مرفوعا الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون وصححه البيهقي وحديث ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ عن أنس مرفوعا أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكن يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور وقال البيهقي أن صح فالمراد والله أعلم لا يتركون لا يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين فيما بين يدي الله وقال

ص: 350

ولحياة الأنبياء بعد موتهم عليهم الصلاة والسلام شواهد من الأحاديث الصحيحة وذكر حديث مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره وغيره من أحاديث لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وحديث أوس بن أوس مرفوعا أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه ألصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت فقال أن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام أخرجه ابن حيان في صحيحه والحاكم وصححه وذكر البيهقي له شواهد ولبن ماجة بإسناد جيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعا أكثروا

ص: 351

الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه شهود تشهد الملائكة وأن أحدا لن يصلي عليّ إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها قال قلت وبعد الموت قال وبعد الموت أن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام فنبي الله حي يرزق هذا لفظ ماجة ولبين عساكر من طرق عن عمار بن ياسر مرفوعا أن الله أعطاني ملكا من الملائكة يقوم على قبري إذا نامت فلا يصلي عليّ أحد صلاة إلا وقال يا أحمد فلان بن فلان يصلي عليك يسميه باسمه وأسم أبيه فيصلي الله عليه مكانها عشرا وفي رواية أن الله أعطى ملكا أسماء الخلائق وفي رواية أسماع الخلائق فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة الحديث وللبزاز برجال الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا أن لله تعالى

ص: 352

ملائكة سباحين يبلغوني عن أمتي قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت الله لكم وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي قال المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته وأنه يسرّ بطاعات أمته وأن الأنبياء لا يبلون مع أنا نعتقد ثبوت الإدراكات كالعلم والسماع لسائر الموتى ونقطع بعود حياة لكل ميت في قبره ونعيم القبر وعذابه ثابت وهو من الأعراض المشروطة بالحياة لكنه لا يتوقف على البنية وأما أدلة الحياة في الأنبياء فمقتضاها أنها مع البنية مع قوة النفوذ في العالم والاستغناء عن العوائد الدنيوية

ص: 353

وعن صاحب الدار المنظم أنه صلى الله عليه وسلم لما مات ترك في أمته رحمة لهم فإنه سأل الله عز وجل لأن يكون بين أمته إلى يوم القيامة وحديث أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث لا أصل له وعن المنهال بن عمر وكنت أنا وسعيد بن المسيب إلى جنب حجرة أم سلمة فجعل الناس يدخلون بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعيد أترى هؤلاء ما أحمقهم إنهم يرون أنه في بيته قلت أجل أنه لا يبقى نبي من أولي العزم فوق أربعين ليلة حتى يرفع وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم لم يبق في الأرض فوق أربعين ليلة حتى رفع وأنه ليس من يوم إلا وتعرض عليه أمته طرفي النهار فيعرفهم بأسماعهم ونسبهم وبذلك يشهد عليهم وروى عبد الرزاق بلفظ أن سعيد بن المسيب رأى قوما يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوما ثم عقبه

ص: 354

بحديث مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره إشارة لردّ ذاك ويشير غليه أيضا حديث أن الله حرمّ على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام في جواب قولهم وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت

يقولون بليت وابن المسيب لم ينكر التسليم إلا أنه وأن صح ما قال فالقبر الشريف له به صلى الله عليه وسلم علاقة والتفات روحاني وله نسبة إليه مع أنا قطعنا بوضعه صلى الله عليه وسلم به فنستصحبه حتى يقوم قاطع على خلافه وسبق في الفصل التاسع ما أخبر به سعيد بن المسيب من سماعه الأذان والإقامة من القبر أيام الحرة وقال عثمان رضي الله عنه أيام حصاره لن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وروى ابن عسكر بسند جيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قصة نزول بلال بن رباح بداريا بعد فتح عمر رضي الله عنه البيت المقدس قال ثم أن بلالا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني فانتبه حزينا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرخ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين فجعل بضمهما ويقبلهما

ص: 355

فقالا نشتهي نسمع إذ أنك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فعلا سطح المسجد ووقف موقفه الذي كان يقف فيه فلما قال اله أكبر ارتجت المدينة فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجتها فلما قال أشهد أن محمد رسول الله خرجت العواتق من خدورهن وقالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رؤى يوما أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم

ص: 356

وسلم إلا مرة في قدمه للزيارة طلب غليه الصحابة ذلك فأذن ولم يتم الأذان وقيل أذن لأبي بكر في خلافته وليس الاعتماد في السفر للزيارة على مجرّد منامه بل على فعله لذلك والصحابة متوفون ولم تخف عليهم القصة والمنام مؤكد لذلك وقد استفاض عمر بن عبد العزيز أنه كان يبرد البريد من الشام يقول سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الإمام أبو بكر بن عمر بن أبي عاصم النبيل من المتقدمين في مناسك له التزم فيها الثبوت وكان عمر بن عبد العزيز يبعث بالرسول قاصدا من الشام إلى المدينة ليقرئ النبيّ صلى الله عليه وسلم السلام ثم يرجع

ص: 359

في فتوح الشام أن عمر رضي الله عنه قال لكعب الأحبار بعد فتح بيت المقدس هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال نعم يا أمير المؤمنين. ولما قدم عمر المدينة أول ما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح أن عمر كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر الصديق السلام عليك يا أبتاه

ص: 362

وفي الموطأ أن ابن عم رضي الله عنه ما كان يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر وعمر وعن ابن القاسم والقعنبي ويدعو لأبي بكر وعم رضي الله عنه وعن ابن عون سأل رجل نافعا هل كان ابن عمر يسلم على القبر قال نعم لقد رأيته مائة مرة أو أكثر من مائة مرة كان يأتي القبر فيقوم عنده فيقول السلام على النبي السلام على أبي بكر السلام على أبي وسيأتي ما رواه أبو حنيفة رحمه الله عن ابن عمر من قوله من الستة أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم من قبل القبلة الخبر الآتي وما رواه أحمد وغيره من وجود مروان لأبي أيوب الأنصاري واضعا وجهه على القبر

ص: 363

وفي الشفاء قال بعضهم رأيت انس بن مالك أتى إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فوقف فرفع يديه حتى ظننت أنه أفتتح الصلاة فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنصرف وللبزار خرج عمر إلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا معاذ بن جبل قائم يبكي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يبكيك يا معاذ الحديث وأخرج الحافظ أبو ذر الهروي في أواخر كتاب السنة له من طريق محمد بن يوسف بن الطباخ قال حدثنا مصعب قال الداوردي رأيت جعفر بن محمد أي الصادق بن الباقر جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أثنى فسلم على أبي بكر وعمر فرآني كأني تعجبت أو قال فسرني أي لا كذابة بذلك ما تزعمه الشيعة من بغضة للشيخين قال فقال لي والله إن هذا الذي أدين الله به وأنه ما يسرني أن أقول لمعاوية خزاه الله أو فعل الله به وأنّ لي الدنيا وأخرج الدارقطني في الفضائل عن عبد الله بن جعفر أن علي بن أبي طالب دخل المسجد فبكى حيث نظر إلى بيت فاطمة فأطال البكاء ثن أنصرف إلى قبر النبي صلى الله عليه

وسلم فبكى فأطال البكاء عنده ثم قال وعليكما السلام يا أخويّ ورحمة الله قد كنتما هاديين مهديين خرجتما من الدنيا خميصين يعني أبا بكر وعمر

ص: 364

وذكر ابن عبد البر والبلاذريّ وغيرهما أن زياد ابن أبيه أراد الحج فأتاه أبو بكرة وهو لا يكلمه فأخذ أبنه ليخاطبه ويسمع زيادا فقال أن أباك فعل وفعل وأنه يريد الحج وأمّ حبيبة هناك فإن أذنت له فأعظم بها مصيبة وخيانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإن هي حجته فأعظم بها حجة عليه قال البلاذري فترك الحج تلك السنة وقيل غير ذلك فلولا أن إتيان المدينة والزيارة للحاج عندهم مما لا يترك ما قال أبو بكرة ذلك مع تمكن زيادة من الحج على غير طريق المدينة فإنه كان بالعراق ومكة أقرب إليه وفي الشفاء قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتبرك برؤية روضته ومثيره وقبره ومجلسه وملامس يديه ومواطئ قدميه والعمود الذي يستند إليه وينزل جبريل بالوحي فيه عليه ومن عمده وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين والاعتبار بذلك كله

ص: 365

وتقدم في الفصل الثامن اختلاف السلف أن في الأفضل للحاج البداءة بالمدينة أو بمكة وأن ممن أختار البداءة بالمدينة علقمة والأسود وعمرو بن ميمون من التابعين ولعل سببه إيثار الزيارة أوّلا وفي فتاوى أبي الليث السمرقندي روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة إنه قال الأحسن للحاج أن يبدأ بمكة فإذا قضى نسكه مرّ بالمدينة وإن بدأ بها جاز فيأتي قريبا من قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقوم بين القبر والقبلة وقال عياض زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة بين المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها وأوضح السبكي أمر الإجماع على الزيارة قولا وفعلا وسرد كلام الأئمة في ذلك فليراجع وبين إنها قربة بالسنة

ص: 366

وقد سبق من السنة الخاصة بها ما فيه مقنع وجاء في السنة الصحيحة المتفق عليها الأمر بزيارة القبور وقبره صلى الله عليه وسلم سيد القبور فهو داخل في ذلك وبالقياس على ما ثبت من زيارته بأهل البقيع والشهداء فقبره أولى لما له من الحق ووجوب التعظيم ولتنالنا الرحمة بصلاتنا وسلامنا عليه عند قبره بحضرة الملائكة الحافين به وفيه التبرك بذلك وتأدية الحق وتذكر الآخرة كما في زيارة غيره وبالإجماع لما سبق ولإجماع العلماء على زيارة القبور للرجال كما حكاه النووي بل قال بعض الظاهرية بوجوبها واختلفوا في النساء وأمتاز القبر الشريف النبوي بالأدلة الخاصة به فيستثنى من محل الخلاف بالنسبة إلى النساء كما أشار إليه السبكي والريمي وغيرهما وهو مقتضى إطلاق الأئمة وبالكتاب لقوله تعالى ولو إنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك الآية لحثه على المجيء إليه والاستغفار عنده واستغفاره للجاءين وهذه رتبة لا تنقطع بموته

ص: 367

وقد استغفر لكل من المؤمنين والمؤمنات لأمر الله له به في كتابه فإذا وجد المجيء واستغفار الجائي تكملت الأمور الموجبة لتوبة الله ورحمته وقوله واستغفر لهم معطوف على جاءوك فلا يقتضي كون استغفاره بعد استغفارهم مع أنا لا نسلم أنهم لا يستغفر لهم بعد الموت لما سبق

ص: 369

من حياته واستغفاره لأمته عند عرض أعمالهم فهو متوقع كما في الحياة ويعمل في كمال رحمته أنه لا يترك ذلك لمن جاءهم وسيأتي في الفصل بعده عن مالك في مناظرته المنصور ما يشهد لذلك وكذا عن غيره وقد فهم العلماء من الآية العموم واستحبوا لمن أتى القبر أن يتلوها ويستغفر الله تعالى وأوردوا حكاية العتبي الآتية في كتبهم مستحسنين

ص: 370

لها وذكرها أبن عساكر في تاريخه وأبن الجوزي في مثير العزم وأبن النجار بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي قال أتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فزرته وجلست بحذاءه فجاء إعرابي وذكر نحو ما سيأتي بل روى أبو سعيد السمعاني عن عليّ رضي الله عنه قال قدم علينا إعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره وحنا من ترابه على رأسه وقال يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله سبحانه وما

ص: 371

وعينا عنك وكان فيما أنزل عليك (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم) الآية وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنوديّ من القبر أنه قد غفر لك بل يستدل بالآية وكذا بما سبق أيضا على مشروعية السفر للزيارة وشدّ الرحال لشموله المجيء من قرب ومن بعد ولعموم قوله من

زار قبري

ص: 372

وفي الحديث الذي صححه ابن السكن من جاءني زائرا. وإذا ثبت أن الزيارة قربه فالسفر إليها كذلك وقد ثبت خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة لزيارة الشهداء وقد أطبق السلف والخلف وأجمعوا عليه

ص: 376

وحديث لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد معناه لا تشد الرحال إلى مسجد لفضيلته لما في رواية لأحمد وابن شبة بسند حسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ينبغي للمطي أن تشد رحالها إلى مسجد ينبغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى

ص: 379

وللإجماع على شد الرحال لعرفة القضاء النسك وكذا الجهاد والهجرة من دار الكفر وللتجارة ومصالح الدنيا واختلفوا في شد الرحال لبقية المساجد غير الثلاثة فقيل يحرم وقيل لا وإنما بان صلى الله عليه وسلم أن القرية المقصودة فيها دون غيرها ونقل عياض لأن منع أعمال المطي في غير الثلاثة إنما هو للنادر على أن السفر بقصد الزيارة مسجد المدينة لمجاورته القبر الشريف وقصد الزائر

ص: 380

الحلول فيه لتعظيم من حلّ بتلك البقعة كما لو كان حيا وليس القصد تعظيم بقعة القبر لعينها بل من حل فيها وقوله من زار قبري أي زارني في قبري ويرشد لذلك حديث

ص: 384

خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق مع حديث صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سوى

ص: 386

إلا المسجد الحرام فإني آخر الأنبياء ومسجدي آخر المساجد

ص: 387

فإن قيل روى عبد الرزاق أن الحسن بن الحسن رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم قبورا وصلوا عليّ حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني

ص: 388

ولنقاضي إسماعيل عن سهل بن أبي سهيل جئت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بن حسين يتعشى فقال هلمّ إلى العشاء فقلت لا أريد فقال

ص: 391

مالي رأيتك وقفت قلت وقفت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا دخلت فسلم عليه وذكر الحديث ولأبي يعلي عن عليّ بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعوا فنهاه فقال ألا أحدثكم وأسند الحديث

ص: 392

قلنا في رواية للقاضي إسماعيل أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي إليه ويصنع من ذلك ما أنتهزه عليه عليّ بن الحسين فقال ما يحملك على هذا فقال أحب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليّ أخبرني أبي وذكر الحديث فتبين أن ذلك الرجل زاد في الحد وهو موافق لما سيأتي عن مالك في

ص: 393

كراهة الإكثار من الوقوف بالقبر الشريف أو كراهة ذلك لمن لم يقدم من سفر أو أنه رآه يبالغ في الدنو من القبر بالدخول في تلك الفرجة فأراد أعلامه

ص: 394

أن السلام يبلغ من الغيبة ولأنه رآه يتكلف الإكثار من الحضور وعليه يحمل ما جاء عن الحسن بن الحسن لقوله إذا دخلت فسلم عليه وقد روى يحيي بن الحسن أن عليّ بن الحسين رضي الله عنه كان إذ جاء يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند الاسطوانة التي تلي الروضة الشريفة ثم يسلم ثم يقول ههنا رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المطري وهو موقف السلف قبل إدخال الحجرة في المسجد وسيأتي خبر آخر في بيان الموضع الذي كان يقف عنده عليّ بن الحسين من جهة الوجه الشريف

ص: 399

وقال يحيى حدّثنا هارون بن موسى الفروي قال سمعت جدي أبا علقمة يسأل كيف كان الناس يسلمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل البيت في المسجد فقال كان يقف الناس على باب البيت يسلمون عليه وكان الباب ليس عليه غلق حتى هلكت عائشة رضي الله عنه وقال الحافظ المنذري في حديث لا تجعلوا قبري عيدا يحتمل أن يكون حثا على كثرة الزيارة وإن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد ويؤيده قوله لا تجعلوا بيوتكم قبورا أي لا تتركوا الصلاة فيها قال السبكي ويحتمل أن يكون المراد لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه أولا يتخذ كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغيره مما يعمل في الأعياد بل لا يؤتى إلا للزيارة

ص: 400

والسلام والدعاء ثم ينصرف عنه وقال عبد الحق الصقلي عن أبي عمران إنما كره مالك رحمه الله تعالى أن يقال زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم لأن الزيارة من شاء فعلها ومن شاء تركها وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة قال عبد الحق يعني من السنن الواجبة وقيل حمى مالك إضافة الزيارة إلى القبر قطعا للذريعة وقيل لأن المضيّ

إليه ليس ليصله بذلك ولا لينفعه وإنما هو رغبة في الثواب فهو من باب أن كلمة أعلى من كلمة والمختار عندنا عدم الكراهة في إطلاق ذلك وقال الحنفيه زيارته صلى الله عليه وسلم من أفضل المندوبات والمستحبات بل تقرب من درجة الواجبات وقد سرد السبكي المنقول في ذلك من كتب المذاهب الأربعة فلا نطول به وقال القاضي أبن كج من أصحابنا إذا نذران يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا وإذا نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان والقطع به هو الحق لأنه قربة مقصودة للأدلة الخاصة فيه وقد وجب من جنس ذلك الهجرة إليه في حياته صلى الله عليه وسلم كما قيل بوجوب جنس الاعتكاف لوجوب الوقوف بعرفة ووجه الخلاف في غيره تشبيهه بزيارة القادمين ونحوه مما لم يوضع قربه مقصودة وإن كان قربة من حيث ترغيب الشرع فيه لعموم فائدته فيكون الأصح لزومه أيضا وقال العبدي من المالكية في شرح الرسالة وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام والمشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة وإلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن البيت المقدس وليس عنده حج ولا عمرة فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه الوفاء فالكعبة متفق عليها وتختلف أصحابنا في المسجدين الآخرين قال السبكي وهذا الخلاف في نذر إتيان المسجدين لا في نذر الزيارة وفي تهذيب الطالب لعبد الحق قيل للشيخ أبي محمد بن أبي زيد فيمن أستأجر بمال ليحج وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع تلك السنة أن يزور قال يردّ من الآخرة بقدر مسافة الزيارة وقال غيره عليه أن يرجع ثانية حتى يزور وقال عبد الحق أن استؤجر لسنة بعينها سقط ما يخص الزيارة وأن استؤجر على حجة في ذمته يرجع ويزور وقد اتفق النقلان قال السبكي وهذا فرع حسن والذي ذكره أصحابنا أن الاستئجار على الزيارة لا يصح لأنه عمل غير مضبوط ولا مقدّر بشرع والجعالة أن وقعت على نفس الوقوف لم يصح أيضا لأن ذلك مما لا يصبح فيه النيابة عن الغير وأن وقعت على الدعاء عند القبر الشريف كانت صحيحة لأن الدعاء مما تصح النيابة فيه والجهل بالدعاء لا يبطلها قاله الماوردي وبقى قسم ثالث لم يذكره وهو إبلاغ السلام ولا شك في جواز الإجازة والجعالة عليه والظاهر أنه مراد المالكية قلت في التفقيه للريمي أن في الاستئجار للزيارة ثلاثة أوجه أصحها فيما قال أبن سراقة الجواز واختاره الأصبحي صاحب المفتاح والثاني المنع وبه قطع الماورديّ والثالث وبه قال الإمام الحليمي واختاره الأصبحي صاحب المعين انه يبنى على ما إذا حلف لا يكلم فلانا فكاتبه أو راسله والصحيح عدم الحنث فلا يصح الاستئجار وأن قلنا يحنث صح " قلت " البناء ضعيف إذ الملحظ في الإيمان العرف وأما الزيارة وإبلاغ السلام فقربة مقصودة كما أن المكاتبة يحصل بها التودد والصلة وأن لم يسم كلاما والحق صحة الاستئجار للسلام عليه صلى الله عليه وسلم وللدعاء عنده. ذلك ولا لينفعه وإنما هو رغبة في الثواب فهو من باب أن كلمة أعلى من كلمة والمختار عندنا عدم الكراهة في إطلاق ذلك

ص: 401

وقال الحنفيه زيارته صلى الله عليه وسلم من أفضل المندوبات والمستحبات بل تقرب من درجة الواجبات وقد سرد السبكي المنقول في ذلك من كتب المذاهب الأربعة فلا نطول به وقال القاضي أبن كج من أصحابنا إذا نذران يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعندي أنه يلزمه الوفاء وجها واحدا وإذا نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان والقطع به هو الحق لأنه قربة مقصودة للأدلة الخاصة فيه وقد وجب من جنس ذلك الهجرة إليه في حياته صلى الله عليه وسلم كما قيل بوجوب جنس الاعتكاف لوجوب الوقوف بعرفة

ص: 403

ووجه الخلاف في غيره تشبيهه بزيارة القادمين ونحوه مما لم يوضع قربه مقصودة وإن كان قربة من حيث ترغيب الشرع فيه لعموم فائدته فيكون الأصح لزومه أيضا وقال العبدي من المالكية في شرح الرسالة وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام والمشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة وإلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن البيت المقدس وليس عنده حج ولا عمرة فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه الوفاء فالكعبة متفق عليها وتختلف أصحابنا في المسجدين الآخرين قال السبكي وهذا الخلاف في نذر إتيان المسجدين لا في نذر الزيارة وفي تهذيب الطالب لعبد الحق قيل للشيخ أبي محمد بن أبي زيد فيمن أستأجر بمال ليحج وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع تلك السنة أن يزور

ص: 404

قال يردّ من الآخرة بقدر مسافة الزيارة وقال غيره عليه أن يرجع ثانية حتى يزور وقال عبد الحق أن استؤجر لسنة بعينها سقط ما يخص الزيارة وأن استؤجر على حجة في ذمته يرجع ويزور وقد اتفق النقلان قال السبكي وهذا فرع حسن والذي ذكره أصحابنا أن الاستئجار على الزيارة لا يصح لأنه عمل غير مضبوط ولا مقدّر بشرع والجعالة أن وقعت على نفس الوقوف لم يصح أيضا لأن ذلك مما لا يصبح فيه النيابة عن الغير وأن وقعت على الدعاء عند القبر الشريف كانت صحيحة لأن الدعاء مما تصح النيابة فيه والجهل بالدعاء لا يبطلها قاله الماوردي وبقى قسم ثالث لم يذكره وهو إبلاغ السلام ولا شك في جواز الإجازة والجعالة عليه والظاهر أنه مراد المالكية قلت في التفقيه للريمي أن في الاستئجار للزيارة ثلاثة أوجه أصحها فيما قال أبن سراقة الجواز واختاره الأصبحي صاحب المفتاح والثاني المنع وبه قطع الماورديّ والثالث وبه قال الإمام الحليمي واختاره الأصبحي صاحب المعين انه يبنى على ما إذا حلف لا يكلم فلانا فكاتبه أو

ص: 405

راسله والصحيح عدم الحنث فلا يصح الاستئجار وأن قلنا يحنث صح " قلت " البناء ضعيف إذ الملحظ في الإيمان العرف وأما الزيارة وإبلاغ السلام فقربة مقصودة كما أن المكاتبة يحصل بها التودد والصلة وأن لم يسم كلاما والحق صحة الاستئجار للسلام عليه صلى الله عليه وسلم وللدعاء عنده.

ص: 406