الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك
عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا أن مكة بلد عظمه الله تعالى وعظم حرمته خلق مكة وحفها بالملائكة قبل أن يخلق شيئاً من الأرض كلها بألف عام ووصلها بالمدينة ووصل المدينة ببيت المقدس ثم خلق الأرض كلها بعد ألف خلقا واحدا وهو حديث واه وعن عليّ رضي الله عنه كانت الأرض ماء فبعث الله ريحا مسحت الأرض مسحا فظهرت على الأرض زبدة فقسمها أربع قطع خلق من قطعة مكة والثانية المدينة والثالثة بيت المقدس والرابعة الكوفة وهو أثر رواه أيضا
وفي الكبير للطبراني مرفوعا أن الله عز وجل أطع إلى أهل المدينة وهي بطحاء قبل أن تعمر ليس فيها مدر ولا بشر فقال يا أهل يثرب أني مشترط عليكم ثلاثا وسائق إليكم من كل الثمرات لا تعصي ولا تعلى ولا تكبري فإن فعلت شيئا من ذلك كالجزور لا يمنع من أكله ولرزين وغيره مرفوعا لما تجلى الله الجبل طور سيناء تشظى ستة أشظاظ وفي رواية شظايا فنزلت بمكة ثلاثة حراء وثبير وثور وبالمدينة أحد وعير وورقان وفي رواية ورضوي بدل عير ورضوي ينبع من عمل المدينة وفي رواية عير وثور ورضوي وفيه حكمة أخرى لتحديد الحرم بها
وللطبراني وفي حديث الإسراء أول ما أسري به صلى الله عليه وسلم مرّ بأرض ذات نخل فقال له جبريل أنزل فنزل فصلى فقال صليت بيثرب وللنسائي فقال أتدري أين صليت صليت بطيبة وإليها المهاجرة
وللشافعي رحمه الله حديث أسكنت أقل الأرض مطرا وهي بين عيني السماء عين الشام وعين اليمن زاد ابن زبالة فاتخذوا الغنم على خمس ليال من المدينة وفي رواية له فأقلوا من الماشية وعليكم بالزرع وأكثروا فيه من الجماجم وللشافعي يوشك أهل المدينة أن تمطر مطر ألا يكن أهلها البيوت ولا تكنهم الأمظال الشعر
وفي رواية أن يصيبها مطر أربعين ليلة لا يكن أهلها بيت من مدر وفي أخبار المدينة للمرجاني عن جابر رضي الله عنه مرفوعا ليعودن هذا الأمر إلى المدينة كما بدا منها حتى لا يكون إيمانا إلا بها ولا حمد برجال ثقات أن يرجع الناس إلى المدينة حتى تصير مسالحهم بسلاح ولابن زبالة كيف بك يا عائشة إذا رجع الناس بالمدينة وكانت كالرمانة المحشوة قالت فمن أين يأكلون يا نبي الله قال يطعمهم الله فوقهم ومن تحت أرجلهم ومن جنات عدن وفي رواية له
وليوشكن ان يبلغ بنيانهم هيفا وله عقب ذكر شجرة ذي الحليفة مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يبلغ البناء الشجرة وله أريتك شرف السيالة وشرف الروحاء فإنه منازل أهل الأردن إذا حيز الناس إلى المدينة ولمسلم تبلغ المساكن أهاب أو يهاب بكسر المثناة التحتية
ولأحمد في حديث أنه صلى الله عليه وسلم خرج حتى أتى بئر الأهاب يوشك البنيان أن يأتي هذا المكان وبئر أهاب كما سيأتي بالحرة الغربية وقد بلغتا المساكن قبل خراب المدينة ولأبي بعلي عن أبى ذر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ البناء فأرتحل إلى الشام فلما بلغ البناء سلعا قدمت الشام وللطبراني في الكبير سيبلغ البناء سلعا ثم يأتي على المدينة زمان يمر السفر على بعض أقطارها فيقول قد كانت هذه مرة عامرة من طول الزمان وعفو الأثر ولا حمد بإسناد حسن ليسيرن الراكب في جنب وادي المدينة فليقولن لقد كان في هذه مرة حاضرة من المؤمنين
وللنسائي آخر قرية قرى السلام خرابا المدينة وللترمذي نحوه وحسنه وكذا لابن حبان ولأبي داود عران بيت المقدس خراب يثرب وخراب يثرب خروج الملحمة فتح القسطنطينية وفتح القسطنطينية خروج الدجال وله الملحمة الكبرى وفتح القسطنطينية خروج الدجال في سبعة اشهر
وفي الصحيحين لتتركون المدينة على خير ما كانت مدللة ثمارها لا يغشاها إلا العوافي يريد عوافي الطيور والسباع وآخر من يحشر منها راعيان يريدان المدينة ينعقان بغنمها فيجدانها وحوشا
ولمسلم وحشا وزاد حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما وفي الموطأ لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب والذئب فيعدى على بعض سواري المسجد أو المنبر أي يبول ولأحمد برجال ثقات المدينة يتركها أهلها وهي مرطبة قالوا فمن يأكلها قال السباع والعائف
وله برجال الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدا فأقبل على المدينة وقال ويدل أنها قرية يدعها أهلها كأينع ما تكون وفي رواية ويل أتتك قرية يدعك أهلك وأنت خير ما تكونين ولأبن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا ومرفوعا ليخرجن أهل المدينة من المدينة خير ما كانت
نصفها زهز ونصفها رطب قيل من يخرجهم منها يا أبا هريره قال أمراء السوء
وله ابن عمرو علي بن أبي هريره أي في تعبيره بخير ما كانت فقال له لم ترد عليّ فوالله لقد كنت أنا وأنت في بيت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم يخرج منها أهلها خير ما كانت فقال ابن عمر أجل ولكن لم يقله وإنما قال أعمر ما كانت ولو قال خير ما كانت لكان ذلك وهو حيّ وأصحابه فقال أبو هريرة رضي الله عنه صدقت والذي نفسي بيده ولأحمد برجال ثقات عن أبى ذر رضي الله عنه ما أنهم سيدعونها أحسن ما تكون الحديث الآتي في الفصل بعده وقد أختلف في هذا الترك للمدينة فقال عياض جرى في العصر الأول
وذكر الإخباريون في بعض الفتن التي جرت بها أرحا أكثر أهلها وبقيت ثمارها للعوافي ثم تراجع الناس إليها زاد البدر بن فرحون في النقل عن عياض وأن قوما رأوا ما أنذر به صلى الله عليه وسلم من تعدية الكلاب على سواري مسجدها وقال النووي المختاران هذا يكون آخر الزمان عند قيام الساعة يوضحه قوله في رواية لم يحشر راعيان وفي البخاري
أنهما آخر من يحشر قلت روى ابن شبة حديث ليخرجن أهل المدينة ثم ليعودن إليه ثم ليخرجن منها ثم لا يعودون وحديث يخرج أهل المدينة منها ثم يعودون إليه فيعمرونها حتى تمتلئ وتبنى ثم يخرجون منها فلا يعودون إليها أبدا فالترك الثاني لم يقع وهو مراد النووي ولذا روى ابن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفا آخر من يحشر رجلان رجل من جهينة وآخر من مزينة فيقولان أين الناس فيأتيان المدينة فلا يريان إلا الثعالب فينزل إليهما ملكان فيسحبانهما على وجوههما حتى يلحقانهما بالناس
وله آخر الناس محشر أرجلان من مزينة يفقدان الناس فيقول أحدهما لصاحبه فقد الناس مندحين وفيه ثم يقول أنطلق بنا إلى المدينة فينطلقان فلا يجدان بها أحد ثم يقول أنطلق إلى منزل قريش ببقيع الغرقد فينطلقان فلا يريان إلا السباع والثعالب فيتوجهان نحو البيت الحرام قلت فهذا مبين لأن ذلك عند قيام الساعة وكأنهما لما كانا آخر الناس موتا كانا آخرهم حشرا وفي رواية إنهما كانا ينزلان بجبل ورقان ويؤيد ما ذكره النووي أيضا ما رواه ابن شبة بسند صحيح أما والله لندعنها مذللة أربعين عاما للعوافي أتدرون ما العوافي الطير والسباع وله تقوم الساعة حتى يجيء الثعلب فيربض على منبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينهنهه أحد
وله ليجيئن الثعلب حتى يقبل في ظل المنبر ثم يروح لا ينهنهه أحد وله عن شريح بن عبيد أنه قرأ كتابا لكعب ليغشين أهل المدينة أمر يفزعهم حتى يتركوها وهي مذللة وحتى تبول السنانير على قطائف الخز ما يروعها شيء وحتى تخرق الثعالب في أسواقها ما يروعها شيء ولابن زبالة لا تقوم الساعة حتى تغلب على مسجدي هذا الكلاب والذئاب والضباع فيمر الرجل ببابه فيريد أن يصلي فيه فما يقدر عليه فهذا كله لم يقع اتفاقا وأما الترك الأول الذي ذكره عياض فلعله المشار إليه بقول أبي هريرة رضي الله عنه لما قيل له من يخرجهم منها قال أمراء السوء
ولأبن شبة عنه والذي نفسي بيده لتكونن بالمدينة ملحمة يقال لها الحالقة لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين فأخرجوا من المدينة ولو على قدر بريد ولأبن أبي شيبة عنه اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمرة الصبيان
يشير إلى ولاية يزيد وكانت سنة ستين وإلى كائنة الحرة وهي السبب في ترك المدينة كما يشير إليه قول القرطبي تبعا العياض فلما انتهى حال المدينة كمالا وحسنا تناقض أمرها إلى أن أقفرت جهاتها وتوالت الفتن فيها فخاف أهلها فارتحلوا عنها ووجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها فهزمهم وقتلهم بحرة المدينة قتلا ذريعا واستباح المدينة ثلاثة أيام فسميت وقعة الحرة لذلك ويقال لها حرة زهرة وكانت
الوقعة بموضع يعرف بواقم على ميل من المسجد النبوي فقتل بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين وهم ألف وسبعمائة وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان وقتل من حملة القرآن سبعمائة رجل قال وقال الإمام بن حزم في المرتبة الرابعة وجالت الخيول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالت وراثت بين القبر والمنبر أدام الله تشريفهما وأكره الناس أن يبايعوا اليزيد على أنهم عبيد له إن شاء باع وإن شاء أعتق وذكر له يزيد بن عبد الله بن زمعة البيعة على
حكم القرآن والسنة فأمر بقتله فضرب عنقه وذكر الإخباريون أنها خلت من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي وفي حال خلائها أعدت الكلاب أي بالبت على سواري المسجد اه كلام القرطبي وسبب أمر يزيد بذلك على ما ذكره ابن الجوزي أنه ولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة فبعث إليه وفدا منها فلما رجعوا قالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب وأنا نشهدكم أنا قد خلعنا مع إحسانه جائزتهم فخلعوه عند المنبر وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار وعبد الله بن مطيع على قريش وأخرجوا عامله عثمان وكان ابن حنظلة يقول ما خرجنا عليه حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء وفي كتاب الواقدي أن ابن ميناء كان عاملا على صوافي المدينة وبها يومئذ صواف كثيرة حتى كان معاوية رضي الله عنه يجد بالمدينة وأعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق يحصد مائة ألف وسق حنطة فأقبل ابن ميناء بشرج من الحرة يريد الأموال فلما انتهى إلى بلحارث منعوه فأعلم أمير المدينة عثمان بذلك فأرسل إلى ثلاثة من بلحارث فأجابوه فعد ابن ميناء فذبوه فرجع إلى الأمير فقال أجمع لهم وبعث معه جنده فرفدت قريش الأنصار وتفاقم الأمر فكتب عثمان إلى يزيد بذلك وحرضه على أهل المدينة فقال والله لأبعثن لهم الجيوش ولأوطئنها الخيل فبعث مسلم بن عقبة في أثنى عشر ألفا وقال له أدع القوم ثلاثا فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا للجند وأجهز على جريحهم وأقتل مدبرهم وإياك أن تبقى عليهم وأن لم يعرضوا لك فأمض إلى ابن الزبير فلما قربوا تشاور أهل المدينة في خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملوا في الخندق خمسة عشر يوما فلما وصل القوم عسكروا بالجرف وبعثوا رجالا أحدقوا بالمدينة فلم يجدوا مدخلا والناس على أفواه الخنادق يرمون بالنبل وجلس مسلم بناحية وأقم فرأى أمر مهولا فاستعان بمروان وكان أهل المدينة قد أخرجوه من بني أمية فلقي مسلما فرجع معه فكلم مروان رجلا من بني حارثة ورغبه في الصنيع وقال تفتح لنا طريقا فأكتب بذلك إلى يزيد فيحسن جائزتك ففتح لهم طريقا من قبلهم حتى أدخل له الرجال من بني حارثة إلى بني عبد الأشهل قال محمود بن لبيد حضرت يومئذ فإنما أتينا من قومنا بني حارثة وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عند أبن عباس قال جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة في وقعة الحرة قال يعقوب وكانت الوقعة سنة ثلاث وستين ولأبن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء سمعت أشياخ أهل المدينة يوما فأن فعلوا فأرمهم بمسلم بن عقبة فأني عرفت نصيحته فلما ولى يزيد وقد عليه أبن حنظلة وجماعة فأكرمهم فرجع فحرض الناس على يزيد ودعاهم إلى خلعه فأجابوه فبلغه فجهز مسلم بن عقبة فأستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب المدينة فترك أهل المدينة القتال ودخلوا خوفا على أهليهم فكانت الهزيمة وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم بما شاء اه وذكر المجد وغيره إنهم سبوا الذرية واستباحوا الفروج وإنه كان يقال لأولئك الأولاد من النساء اللاتي حملن أولاد الحرة لأبن الجوزي عن هشام أبن حسان ولدت بعد الحرة ألف امرأة من غير زوج وممن قتل من الصحابة يومئذ صبرا عبد الله أبن حنظلة الغسيل مع ثمانية من بنيه وعبد الله بن زيد حاكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ومعقل بن سنان الأشجعي وكان شهد فتح مكة وكان معه راية قومه وفيه يقول شاعرهملقرآن والسنة فأمر بقتله فضرب عنقه وذكر الإخباريون أنها خلت من أهلها وبقيت ثمارها للعوافي وفي حال خلائها أعدت الكلاب أي بالبت على سواري المسجد ا. هـ كلام القرطبي
وسبب أمر يزيد بذلك على ما ذكره ابن الجوزي أنه ولى عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة فبعث إليه وفدا منها فلما رجعوا قالوا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويلعب بالكلاب وأنا نشهدكم أنا قد خلعنا مع إحسانه جائزتهم فخلعوه عند المنبر وبايعوا عبد الله بن حنظلة الغسيل على الأنصار وعبد الله بن مطيع على قريش وأخرجوا عامله عثمان وكان ابن حنظلة يقول ما خرجنا عليه حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء وفي كتاب الواقدي أن ابن ميناء كان عاملا على صوافي المدينة وبها يومئذ صواف كثيرة حتى كان معاوية رضي الله عنه يجد بالمدينة وأعراضها مائة ألف وسق وخمسين ألف وسق يحصد مائة ألف وسق حنطة فأقبل ابن ميناء بشرج من الحرة يريد الأموال فلما انتهى إلى بلحارث منعوه فأعلم أمير المدينة عثمان
بذلك فأرسل إلى ثلاثة من بلحارث فأجابوه فعد ابن ميناء فذبوه فرجع إلى الأمير فقال أجمع لهم وبعث معه جنده فرفدت قريش الأنصار وتفاقم الأمر فكتب عثمان إلى يزيد بذلك وحرضه على أهل المدينة فقال والله لأبعثن لهم الجيوش ولأوطئنها الخيل فبعث مسلم بن عقبة في أثنى عشر ألفا وقال له أدع القوم ثلاثا فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فأبحها ثلاثا للجند وأجهز على جريحهم وأقتل مدبرهم وإياك أن تبقى عليهم وأن لم يعرضوا لك فأمض إلى ابن الزبير فلما قربوا تشاور أهل المدينة في خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعملوا في الخندق خمسة عشر يوما فلما وصل القوم عسكروا بالجرف وبعثوا رجالا أحدقوا بالمدينة فلم يجدوا مدخلا والناس على أفواه الخنادق يرمون بالنبل وجلس مسلم بناحية وأقم فرأى أمر مهولا فاستعان بمروان وكان أهل المدينة قد أخرجوه من بني أمية فلقي مسلما فرجع معه فكلم مروان رجلا من بني حارثة ورغبه في الصنيع وقال تفتح لنا طريقا فأكتب بذلك إلى يزيد فيحسن جائزتك ففتح لهم طريقا من قبلهم حتى أدخل له الرجال من بني حارثة إلى بني عبد الأشهل
قال محمود بن لبيد حضرت يومئذ فإنما أتينا من قومنا بني حارثة وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح عند أبن عباس قال جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها يعني إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة في وقعة الحرة قال يعقوب وكانت الوقعة سنة ثلاث وستين ولأبن أبي خيثمة بسند صحيح إلى جويرية بن أسماء سمعت أشياخ أهل المدينة
يوما فأن فعلوا فأرمهم بمسلم بن عقبة فأني عرفت نصيحته فلما ولى يزيد وقد عليه أبن حنظلة وجماعة فأكرمهم فرجع فحرض الناس على يزيد ودعاهم إلى خلعه فأجابوه فبلغه فجهز مسلم بن عقبة فأستقبلهم أهل المدينة بجموع كثيرة فلما نشب القتال سمعوا في جوف المدينة التكبير وذلك أن بني حارثة أدخلوا قوما من الشاميين من جانب المدينة فترك أهل المدينة القتال ودخلوا خوفا على أهليهم فكانت الهزيمة وبايع مسلم الناس على أنهم خول ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم بما شاء اه
وذكر المجد وغيره إنهم سبوا الذرية واستباحوا الفروج وإنه كان يقال لأولئك الأولاد من النساء اللاتي حملن أولاد الحرة لأبن الجوزي عن هشام أبن حسان ولدت بعد الحرة ألف امرأة من غير زوج وممن قتل من الصحابة يومئذ صبرا عبد الله أبن حنظلة الغسيل مع ثمانية من بنيه وعبد الله بن زيد حاكى وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ومعقل بن سنان الأشجعي وكان شهد فتح مكة وكان معه راية قومه وفيه يقول شاعرهم
ألا تلكموا الأنصار تبكي سراتها
…
وأشجع تبكي معقل بن سنان
ولأبن الجوزي عن سعيد بن المسيب لقد رأيتني ليالي الحرة وما في المسجد أحد من خلق الله غيري وأن أهل الشام ليدخلون زمرا يقولون انظروا إلى هذا الشيخ المجنون ولا يأتي وقت صلاة إلا سمعت آذانا من القبر ثم أقيمت الصلاة فتقدمت فصليت وما في المسجد أحد غيري
وسمى مسلم بن عقبة مسرفا لإسرافه في قتل أهل المدينة وكذا مجرما لعظيم إجرامه وروى إنه أتى بعلي بن الحسين رضي الله عنه مع غيظه عليه فلما رآه ارتعد وقام له وأقعده إلى جانبه وقال له سلني حوائجك فلم يسأله في أحد ممن قدّم للسيف إلا شفعه فيه وأنصرف فقيل لعلي رأيناك تحرك شفتيك فما الذي قلت قال قلت اللهم رب السماوات السبع وما أظللن والأرضين السبع وما أقللن ورب العرش العظيم ورب محمد وآله الطيبين الظاهرين أعوذ بك من شره وأدرأ بك في نحره أسألك أن تريني خبره وتكفيني شره وقيل لمسلم رأيناك تسب هذا الغلام وسلفه فلما أتى به إليك رفعت منزلته قال ما كان ذلك برأي مني ولقد ملئ قلبي منه رعبا ولما سار من المدينة لقتال أبن الزبير أهلكه الله في الطريق وابتلاه الله بالماء الأصفر في بطنه فمات بقديد
وقيل بهرشي بعد الوقعة بثلاث وكان قد قال لحصين بن نمير أمير المؤمنين ولاك بعدي فأسرع السير لأبن الزبير وأمره أن ينصب المجانيق على مكة ومضى الجيش لمكة وجعل يرمي الكعبة بالمنجنيق وأخذ رجل قبسا في رأس رمح فطار به الريح فاحترق البيت فجاءهم نعي يزيد هلال ربيع الآخر وكان بين الحرة وموته ثلاثة أشهر أو دونها فأنه توفى بالذبحة وذات الجنب نصف ربيع الأول وكانت وقعة الحرة وقتل الحسين ورمى الكعبة من أشنع ما جرى في زمن يزيد وللواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر من أسفاره فلما مر بحرة زهرة وقف واسترجع فسيئ بذلك من معه وظنوا إن ذلك من أمر سفرهم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يا رسول الله ما الذي رأيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما أن ذلك ليس من سفركم هذا قالوا فما هو قال يقتل في هذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي
وله أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشرف على بني عبد الأشهل أشار بيد فقال يقتل بهذه الحرّة خيار أمّتي وعن كعب قال نجد في التوراة إن في حرة شرقي المدينة مقتلة تضيء وجوههم يوم القيامة صنعا ويقال للحرة حرة وأقم وقال عبد الرحمن بن سعيد بن زيد أحد العشرة
فإن تقتلونا يوم حرة واقم
…
فنحن على الإسلام أوّل من قتل
ونحن قتلناكم بيد راذلة
…
وأبنا بأسلاب لنا منكم نفل
فإن ينج منها عائذ البيت سالما
…
فكل الذي قد نالنا منكم بطل
يعني بعائذ البيت عبد الله بن الزبير