المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ١

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأوّل في فضلها ومتعلقاتها وفيه عشرة فصول

- ‌ الفصل الثاني في تفضيلها على البلاد

- ‌ الفصل الثالث " في الحث على الإقامة والصبر والموت بها واتخاذ الأصل

- ‌ الفصل الرابع " في الدعاء لها ولأهلها ونقل وباءها وعصمتها من الدجال

- ‌الفصل الخامس في ترابها وثمرها

- ‌ الفصل السادس " في تحريمها والألفاظ المتعلقة به

- ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

- ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

- ‌ الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك

- ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

- ‌الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما

- ‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

- ‌ الفصل الثاني " في توسل الزائر به صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى

- ‌الفصل الثالث في فضل المسجد النبوي وروضته ومنبره

- ‌الباب الثالث في أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها

- ‌ الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم

- ‌ الفصل الثاني " في منازل الأوس والخزرج وما دخل بينهم من الحروب

- ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفصل الرابع " في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وسكناه بدار

الفصل: ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

"‌

‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

وصولها لحرمها

في الصحيحين حديث لا تقوم الساعة حتى تظهر نار الحجاز وللبخاري تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصري وفي مسند الفردوس وكامل أبن عديّ عن عمر مرفوعا لا تقوم الساعة حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار تضيء له أعناق الإبل ببصري ولأحمد برجال ثقات عن أبي ذر أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا ذا الحليفة فتعجل رجال إلى المدينة وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتنا معه فلما أصبح سأل عنهم فقيل تعجلوا إلى المدينة فقال تعجلوا إلى المدينة والنساء أما أنهم سيدعونها أحسن ما كانت ثم قال ليت شعري متى تخرج نار

ص: 301

بأرض اليمن من جبل الوراق تضيء منها أعناق الإبل ببصري بروكا كضوء النهار " قلت " والمدينة وإن كانت حجازية فقد نص الشافعيّ على كونها يمانية كما نقله عنه البيهقيّ وروى في ذلك حديثا وللطبراني في حديث لحذيفة بن أسد لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رومان أو ركوبة تضيء منها أعناق الإبل ببصري

ص: 302

وله عن عاصم بن عدي الأنصاريّ سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثان ما قدم فقال أبن حبس وسيل قلنا لا ندري فمرّ بي رجل من بني سليم فقلت من أين جئت فقال من حبس وسيل فدعوت بنعلي فانحدرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله سألتنا عن حبس وسيل فقلنا لا علم لنا به وإنه مرّ بي هذا الرجل فسألته فزعم إن به أهله فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أين أهلك قال بحبس

ص: 303

وسيل فقال أخرج أهلك منها فأنه يوشك أن تخرج منها نار تضيء أعناق الإبل ببصرى وعن رافع بن بشر السلمي عن أبيه مرفوعا يوشك نار تخرج من حبس وسيل تسير سير مطية الإبل تسير النهار وتقيم الليل الحديث أخرجه أحمد وأبو يعلى قال الحافظ الهيتميّ ورجال أحمد رجال الصحيح غير رافع وهو ثقة أهو حبس بالضم ثم السكون بين حرّة بني سليم والسوارقية وقال نصر إنه بالفتح إحدى حرّتي بن سليم وقد ظهرت هذه النار وأقبلت من قبلة المدينة مما يلي المشرق بجهة طريق السوارقية كما سيأتي وهي جهة بلاد بني سليم

ص: 304

قال البدر بن فرحون سالت هذه النار في وادي أحيلين وقال القطب القسطلانيّ ظهرت في جهة المشرق على مرحلة متوسطة من المدينة في موضع يقال له قاع الهيلا قرب مساكن قريظة بينها وبين أحيلين ثم امتدّت آخذة في المشرق إلى قريب من أحيلين " قلت " ولعل مظهرها أوّلا كان من الموضع المشار إليه في الحديث لكن لم يحس بها الناس حتى سالت بالمحل المذكور لأنها للإنذار فظهرت قرب بلد النذير صلى الله عليه وسلم وتقدّمها زلازل مهولة أياما وقد قال تعالى وما ترسل بالآيات إلا تخويفا ولعلها لو ظهرت بغير هذا المحل وسلطان العظمة التي هي من آثاره قائم عمّ ضررها الأمة فخصت به ليتم الإنذار ثم أنّ أهل المدينة التجئوا في أمرها إلى نبيهم المبعوث بالرحمة فصرفت عنهم ذات الشمال وقابلتها الرحمة فكانت بردا وسلاما وظهرت بركة تربته صلى الله عليه وسلم في أمته وقال النووي تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام

ص: 305

" قلت " وكانت في زمنه وكان ابتداء الزلزلة بالمدينة مستهل جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة لكنها كانت خفيفة فلم يدركها بعضهم مع تكرّرها واشتدّت في يوم الثلاثاء وظهرت ظهورا عظيما ثم في ليلة الأربعاء ثالث الشهر في الثلث الأخير من الليل حدثت زلزلة عظيمة جدّا أشفق الناس منها واستمرّت تزلزل بقية الليل إلى يوم الجمعة ولها دويّ أعظم من الرعد فتموج الأرض وتتحرّك الجدران حتى وقع في يوم واحد دون ليلته ثماني عشرة حركة على ما حكاه القسطلانيّ في كتاب أفرده لهذه النار وكانت في زمنه وهو بمكة ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب سنان قاضي المدينة والقاشاني وغيرهما عجائب من ذلك

ص: 306

قال القاشاني تزلزلت الأرض يوم الجمعة زلزلة عظيمة إلى أن اضطربت منائر المسجد وسمع لسقفه صرير عظيم وقال القسطلاني فلما كان يوم الجمعة نصف النهار ظهرت تلك النار فنار من محل ظهورها في الجوّ دخان متراكم غشي الأفق سواده فلما تراكمت الظلمات وأقبل الليل سطع شعاع النار فظهرت مثل المدينة العظيمة في جهة المشرق

ص: 307

وقال القرطبيّ وقد خرجت نار بالحجاز بالمدينة الشريفة وكان بدؤها زلزلة عظيمة ليلة الأربعاء ثالث جمادى الآخرة استمرت إلى ضحى يوم الجمعة فسكنت وظهرت أي النار قال وكانت ترة صفة البلد العظيمة عليها سور محيط عليه

شراريف وأبراج ومآذن ويرى رجال يقودونها لا تمرّ على جبل إلا دكته وأذابته ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دويّ كدويّ الرعد يأخذ الصخور بين يديه واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم فانتهت النار إلى قرب المدينة ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد شوهد لهذه النار غليان كغليان البحر وقال لي بعض أصحابنا رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام وسمعت إنها رؤيت من مكة ومن جبال بصرى انتهى وقال القسطلاني إن ضوءها استولى على ما بطن وظهر حتى كأن الحرم والمدينة قد أشرفت بهما الشمس وتأثر من لهيبها النيران وصار نور الشمس على الأرض يعتريه صفرة ولونها هي يعتريه حمرة والقمر كأنه قد كسف ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب الشريف سنان إنها رؤيت من مكة ومن الفلاة جميعها من ينبع

ص: 309

قال أبو شامة وأخبرني من أنق به ممن شاهدها بالمدينة إنه بلغة إنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب والشمس والقمر في مدّتها ما يطلعان إلا كأسفين وظهر عندنا بدمشق أثر ذلك الكسوف من ضعف النور على الحيطان وكنا حيارى من ذلك إلى أن بلغنا خبرها وقال القسطلاني قد أخبرني جماعة إنهم شاهدوها من جبال ساية وجاء من أخبر إنه أبصرها بتيماء وبصرى منهما مثل ما هي من المدينة في البعد وقال العماد بن كثير أخبرني قاضي القضاة صدر الدين الحنفي قال أخبرني والدي الشيخ صفي الدين مدرس مدرسة بصرى إنه أخبره غير واحد من

ص: 310

الأعراب صبيحة الليلة التي ظهرت فيها هذه النار إنهم رأوا صفحات أعناق إبلهم في ضوء تلك النار فظهر إنها الموعود بها وتمت بذلك المعجزة لحصول ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وأنارتها بهذه الأماكن البعيدة ليتم الإنذار واختصاص ظهورها بيوم الجمعة لا يخفى وكانت نعمة في صورة نقمة فوجلت القلوب منها وأشفقت وأعتق أمير المدينة عز الدين منيف بن شيحة جميع مماليكه وردّ على الناس مظالمهم وأبطل المكس وهبط للنبي صلى الله عليه وسلم وبات في المسجد ليلة الجمعة والسبت ومعه جميع أهل المدينة حتى النساء والصغار وأهل النخل يتضرعون ويبكون كاشفين رؤوسهم مقرين بذنوبهم مستجيرين بنبيهم صلى الله عليه وسلم فصرف الله تعالى عنهم تلك النار العظيمة ذات الشمال قالت من وادي أحيليين إلى جهة الشمال واستمرّت مدّة ثلاثة أشهر على ما ذكره المؤرخون فطالت مدّتها ليشتهر أمرها وينزجر عامة الخلق بها وعظم أمرها ليشاهد منها عنوان نار الآخرة

ص: 311

وذكر القسطلانيّ عمن يثق به أنّ أمير المدينة أرسل عدة من الفرسان إليها فلم تجسر الخيل على القرب منها فترجل أصحابها وقربوا منها فذكروا إنها ترمي بشرر كالقصر ولم يظفروا بحلية أمرها فجرّد عزمه لذلك فوصل منها إلى قدر غلوتين بالحجر ولم يستطع أن يجاوز موقفه من حرارة الأرض وأحجار كالمسامير تحتها نار سارية ومقابلة ما يتصاعد من اللهب فعاين نارا كالجبال الراسيات والتلال المجتمعة السائرات تقذف بزبد الأحجار كالبحار المتلاطمة الأمواج وعقد لهيبها في الأفق قتاما حتى ظن الظان إن الشمس والقمر كسفا إذ سلبا بهجة الإشراق في الآفاق انتهى وفيه مخالفة لما نقله المطري عن علم الدين سنجر عتيق عز الدين منيف أمير المدينة من أنّ سيده أرسله إليها مع شخص من العرب قال وقال لنا ونحن فارسان أقر بأمتها وأنظر أهل يقدر أحد على القرب منها فأنّ الناس يهابونها فقربنا منها فلم نجد لها حرا فرسي وسرت إلى أن وصلت إليها وهي تأكل الصخر والحجر فأخذت سهما من كنانتي ومددت به يدي إلى أن وصل النصل إليها فلم أجد لذلك ألما ولا حرا فعرق النصل ولم يحترق العود

ص: 312

وذكر المطري قبل ذلك إنها كانت تأكل كل ما مرت عليه من جبل وحجر ولا تأكل الشجر قال وظهر لي إنه لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم شجر المدينة فمنعت من أكل شجرها لوجوب طاعته على كل مخلوق " قلت " صرح القسطلاني بما يرده حيث قال إنها لم تزل مارة على سبيلها وهي تسحق ما والاها وتذيب ما لاقاها من الشجر الأخضر والحصبي وإن طرفها الشرقي آخذ بين الجبال فحالت دونه ثم وقفت وإن طرفها الشامي وهو الذي يلي الحرم اتصل بجبل يقال له وعيرة على قرب من شرقي جبل أحد ومضت في الشظاة التي في طرفها وادي حمزة رضي الله عنه حتى استقرّت تجاه حرم النبي صلى الله عليه وسلم فطفئت قال وأخبرني شخص اعتمد عليه إنه عاين حجرا ضخما من حجارة الحرة كان بعضه خارجا عن حدّ

الحرم فعلقت بما خرج منه فلما وصلت إلى ما دخل منه في الحرم طفئت وخمدت وقال في موضع آخر إنها لما استقبلت الشام سالت إلى أن وصلت إلى موضع يقال له قرين الأرنب بقرب أحد فوقفت وانطفأت قلت وهذا أولى بالاعتماد وأبلغ في الأعجاز ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب القاضي سنان ما يؤيده فإنه قال فيه إن سيل هذه النار انحدر مع وادي الشظاة حتى حاذى جبل أحد وكادت النار تقارب حرة العريض ثم سكن قتبرها الذي يلي المدينة وطفئت مما يلي العريض ورجعت تسير في المشرق وكذا قول المؤرخين إنها سالت سيلا ذريعا في واد يكون طوله مقدار أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمفه قامة ونصف وهي تجري على وجه الأرض والصخر يذوب كالآنك ولم يزل يجتمع منه في آخر الوادي عند منتهى الحرة أي في المشرق حتى قطعت في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وعيرة فسدت الوادي المذكور بسدّ عظيم من الحجر المسبوك بالنار قلت وآثار السدّ موجودة اليوم هناك ويسمى الحبس وقال القسطلاني أخبرني جمع أركن إلى قولهم إنها تركت على الأرض من الحجر ارتفاع رمح طويل على الأرض الأصلية انتهى وأنقطع وادي الشظاة بسبب ذلك وصار السيل يتحبس خلف السدّ المذكور حتى يصير بحرا مدّ البصر عرضا وطولا وسيأتي خبر انخراقه في الفصل الثاني من الباب الثامن ومن العجائب إن في تلك السنة احترق المسجد النبوي حريقه الأوّل عقب انطفاء هذه النار وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدّمت دار الوزير ثم في السنة التي بعدها وقعت الطامة الكبرى بأخذ التتار لبغداد وقتل الخليفة وأهلها بذل السيف فيهم نيفا وثلاثين يوما وألقيت الكتب تحت أرجل الدواب وبنى منها معالفهم بالمدرسة المستنصرية وخلت بغداد ثم استولى عليها الحريق حتى عمّ ترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة وشوهد على بعض حيطانهافعلقت بما خرج منه فلما وصلت إلى ما دخل منه في الحرم طفئت وخمدت وقال في موضع آخر إنها لما استقبلت الشام سالت إلى أن وصلت إلى موضع يقال له قرين الأرنب بقرب أحد فوقفت وانطفأت قلت وهذا أولى بالاعتماد وأبلغ في الأعجاز

ص: 313

ونقل أبو شامة عن مشاهدة كتاب القاضي سنان ما يؤيده فإنه قال فيه إن سيل هذه النار انحدر مع وادي الشظاة حتى حاذى جبل أحد وكادت النار تقارب حرة العريض ثم سكن قتبرها الذي يلي المدينة وطفئت مما يلي العريض ورجعت تسير في المشرق وكذا قول المؤرخين إنها سالت سيلا ذريعا في واد يكون طوله مقدار أربعة فراسخ وعرضه أربعة أميال وعمفه قامة ونصف وهي تجري على وجه الأرض والصخر يذوب كالآنك ولم يزل يجتمع منه في آخر الوادي عند منتهى الحرة أي في المشرق حتى قطعت في وسط وادي الشظاة إلى جهة جبل وعيرة فسدت الوادي المذكور بسدّ عظيم من الحجر المسبوك بالنار قلت وآثار السدّ موجودة اليوم هناك ويسمى الحبس

ص: 314

وقال القسطلاني أخبرني جمع أركن إلى قولهم إنها تركت على الأرض من الحجر ارتفاع رمح طويل على الأرض الأصلية انتهى وأنقطع وادي الشظاة بسبب ذلك وصار السيل يتحبس خلف السدّ المذكور حتى يصير بحرا مدّ البصر عرضا وطولا وسيأتي خبر انخراقه في الفصل الثاني من الباب الثامن ومن العجائب إن في تلك السنة احترق المسجد النبوي حريقه الأوّل عقب انطفاء هذه النار وزادت دجلة زيادة عظيمة فغرق أكثر بغداد وتهدّمت دار

ص: 315

الوزير ثم في السنة التي بعدها وقعت الطامة الكبرى بأخذ التتار لبغداد وقتل الخليفة وأهلها بذل السيف فيهم نيفا وثلاثين يوما وألقيت الكتب تحت أرجل الدواب وبنى منها معالفهم بالمدرسة المستنصرية وخلت بغداد ثم استولى عليها الحريق حتى عمّ ترب الرصافة مدفن ولاة الخلافة وشوهد على بعض حيطانها

أن ترد عبرة فهذي بنو العباس دارت عليهم الدائرات

استبيح الحريم إذ قتل الأحسبا منهم وأحرق الأموات

وكثر الموت والفناء بتلك الناحية وطوى بساط الخلافة منها وذكر بعضهم هذه النار وغرق بغداد وأصلحه أبو شامة منبها على إنهما في سنة بقوله

سبحان من أصبحت مشيئته

جارية في الورى بمقدار

في سنة أغرق العراق وقد

أحرق أرض الحجاز بالنار

وقريب من هذه النار ما ذكره أبن شبة في أخبار خالد بن سنان العبسي وهو كما في الخبر نبيّ ضيعه قومه وكانت سالت عليهم نار من حرة النار في ناحية خيبر وكانت الإبل تعشى بضوئها من مسيرة ثماني ليال وإن خالد أطفأها عنهم وقد بسطنا خبرها في الأصل

ص: 316

وللبهيقي في الدلائل في خبر معاوية بن حرمل في قدومه المدينة وقول عمر له أذهب إلى خير المؤمنين وأنزل عليه يعني تميما الداري قال فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار من الحرّة فجاء عمر رضي الله عنه إلى تميم الداري فقال قم إلى هذه النار فقال يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا فلم يزل به حتى قام معه قال وتبعتهما فانطلقنا إلى النار فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها وهذا شبيه بما وقع لخالد بن سنان وأنشد بعض أهل المدينة في النار المتقدّمة

يا كاشف الضرّ صفحا عن جرائمنا

لقد أحاطت بنا يا رب بأساء

نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها

حملا ونحن بها حقا أحقاء

زلازل تخشع الصم الصلاب لها

وكيف تقوى على الزلزال شماء

أقام سبعا يرج الأرض فانصدعت

عن منظر منه عين الشمس عشواء

بحر من النار تجري فوقه سفن

من الهضاب لها في الأرض أرساء

ترمي لها شررا كالقصر طائشة

كأنها ديمة تنصب هطلاء

تنشق منها بيوت الصخران زفرت

رعبا وترعد مثل السعف أضواء

منها تكاثف في الجوّ الدخان إلى

أن عادت الشمس منهوهي دهماء

قد أثرت سفعة في البدر لفحتها

فليلة التم بعد النور عمياء

ص: 317

تحدّث النيرات السبع ألسنها

بما يلاقي بها تحت الثرى الماء

وقد أحاط لظاها بالبروج إلى

أن صار تلفحها بالأرض أهواء

فباسمك الأعظم المكنون أن عظمت

منا الذنوب وساء القلب أسواء

فاسمح وهب وتفضل بالرضا كرما

وارحم فكل لفرط الجهل خطاء

فقوم يونس لما آمنوا كشف التعذيب عنهم وعم القوم نعماء

ونحن أمة هذا المصطفى ولنا

منه إلى عفوك المرجوّ دعاء

هذا الرسول الذي لولاه ما سلكت

محبة في سبيل الله بيضاء

فارحم وصل على المختار ما خطبت

على علا منبر الأوراق ورقاء

ص: 318