المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ١

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأوّل في فضلها ومتعلقاتها وفيه عشرة فصول

- ‌ الفصل الثاني في تفضيلها على البلاد

- ‌ الفصل الثالث " في الحث على الإقامة والصبر والموت بها واتخاذ الأصل

- ‌ الفصل الرابع " في الدعاء لها ولأهلها ونقل وباءها وعصمتها من الدجال

- ‌الفصل الخامس في ترابها وثمرها

- ‌ الفصل السادس " في تحريمها والألفاظ المتعلقة به

- ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

- ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

- ‌ الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك

- ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

- ‌الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما

- ‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

- ‌ الفصل الثاني " في توسل الزائر به صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى

- ‌الفصل الثالث في فضل المسجد النبوي وروضته ومنبره

- ‌الباب الثالث في أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها

- ‌ الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم

- ‌ الفصل الثاني " في منازل الأوس والخزرج وما دخل بينهم من الحروب

- ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفصل الرابع " في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وسكناه بدار

الفصل: ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

"‌

‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

ومبايعتهم له بالعقبة الأولى والثانية وهجرته صلى الله عليه وسلم ونزوله بقباء

كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة يعرض نفسه في كل موسم على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم إلا أن يؤوه ويمنعوه ويقول لا أكره

ص: 577

أحد على شيء بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فيأبونه ويقولون قوم الرجل أعلم به وقدم مكة

ص: 578

أبو الجيسر في فتية من بني عبد الأشهل يطلبون حلف قريش فعرض النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وقال هل لكم في خير ما جئتم له وتلى عليهم القرآن ثم قال بايعوني واتبعوني فإنكم ستجتمعون بي فقال أياس ابن

ص: 579

معاذ وقيل عمر بن الجموح هذا والله خير لكم مما جئتم له فأنتهره أبو الجيسر ثم لم يتم لهم الحلف فانصرفوا فكانت وقعة بعاث. قال ابن إسحاق ولما أراد الله تعالى إظهار دينه خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج قال أمن موالي يهود قالوا نعم فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام وكان مما صنع الله تعالى لهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم وكانوا أهل علم وكتاب وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان وكانوا قد غزوهم في بلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا الهم أن نبيا مبعوث قد أظل زمانه نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وارم فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر قال بعضهم لبعض تعلمون أنه النبي الذي توعدكم به يهو فلا تسبقنكم إليه فأجابوه فيما دعاهم إليه قالوا أنا تر كنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ثم انصرفوا إلى بلادهم فلما جاءوا قومهم لم يبق دار من دورهم إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم

ص: 580

أي أصحاب هذه العقبة ستة نفر من الخزرج منهم أسعد ابن زرارة وقال غيره سبعة وقيل فيهم اثنان من الأوس أبو الهيثم بن التيهان من بني جشم أخوه عبد الأشهل وعويم بن ساعدة من بني أمية بن زيد قال ابن إسحاق فلما كان الموسم يعني من العام المقبل وافاه منهم اثنا عشر رجلا فذكر الستة الأولين وأربعة من الخزرج أيضا وأبا الهيثم بن التيهان وعويم بن ساعدة قال فيما يعم النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة على بيعة النساء أي على وفق بيعة النساء التي نزلت بعد الفتح على أن لا يشركوا بالله شيأ إلى آخر الآية ولم يكن أمر بالقتال بل ذلك قبل نزول الفرائض ما عدا التوحيد والصلاة وأرسل معهم مصعب بن عمير يفقههم في الدين ويعلمهم الإسلام وقيل بل

ص: 581

بعثه إليهم بعد ذلك يطلبهم هو وابن آدم مكتوم وكان مصعب بن عمير يؤم بهم ويقرئهم القرآن وهو أول من سمى بالمقرئ فنزل على أسعد بن زرارة وجمع بهم أول جمعة في الإسلام بمعونة أسعد بن زرارة وروى أبو داود أن ذلك كان في هدم البيت من حرة بني بياضة وكانوا أربعين في بقيع يقال له بقيع الخضمات

ص: 582

ولأبن إسحاق أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريدا بني عبد الأشهل ودار بني ظفر فدخل به حائطا لبني ظفر على بئر يقال لها مرق وعند البيهقي فخرج به غلى دار بني عبد الأشهل فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل يقال لها بئر مرق انتهى قال ابن إسحاق فجلسا وأجتمع إليهما رجال ممن أسلم فلما سمع بذلك سعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدا بني عبد الأشهل يومئذ قال سعد وكان ابن خالة أسعد ن زرارة لأسيد لا أبا لك أنطلق إلى هذين الرجلين اللذين أتيا دارنا ليسفها ضعفاءنا فأزجرهما وأنههما أن يأتيا دارنا فإنه لولا أسعد مني حيث قد علمت كفيتك ذلك فأخذ أسيد حربته ثم أقبل عليهما فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاء فأصدق الله فيه قال فوقف عليهما متسمتا فقال ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا فاعتزلانا أن كانت لكما بأنفسكما حاجة فقال له مصعب أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمر قبلته وإن كرهت كف عنك ما تكره قال أنصفت فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا فيما يذكر عنهما والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ثم قال ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم

ص: 583

أن تدخلوا في هذا الدين قالا له تغتسل فتطهر وتطهر ثيابك ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلي فقام ففعل ذلك ثم قال أن ورائي رجلا أن أتبعكما لم يختلف عنه أحد من قومه وسأرسله إليكما الآن سعد ابن معاذ ثم أنصرف إلى سعد وقومه

وهم جلوس في ناديهم فلما نظر إليهم سعد مقبلا قال أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به فلما وقف قال له سعد ما فعلت قال كلمت الرجلين فوالله ما رأيت بهما بأسا وقد نهيتهما فقالا نفعل ما أحببت وقد حدّثت أنّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك ليحقروك فقام سعد مغضبا مبادرا فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما فوقف عليهما متسمتا ثم قال يا أبا أمامة أما والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني أتغشانا في دارنا بما تكره وقد قال أسعد أصعب أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه إن يتبعك لا يتخلف منهم اثنان فقال له مصعب أو تقعد فتسمع فأن رضيت أمر أو رغبت فيه قبلته وأن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال سعد أنصفت فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن قالا فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم لإشراقه وتسهله ثم قال كيف تصنعون إذا أسلمتم فذكرا له ما تقدّم ففعله ثم عمد إلى نادى قومه ومعهم أسيد بن حضير فلما رآه قومه مقبلا قالوا نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به فلما وقف عليهم قال يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم قالوا سيدنا أفضلنا رأيا وأيمننا نقيبه قال فإن كلام رجالكم ونسائكم عليّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله قال فوالله ما أمسى في دار بني الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما أو مسلمة ورجع مصعب إلى أسعد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها

ص: 584

رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف وتلك أوس الله وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن صيفي بن الأسلت وكان شاعرا لهم قائد يطيعونه فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضى بدر وأحد والخندق ثم أسلموا كلهم وللطبراني عن عروة في قصة إسلام بني عبد الأشهل قال ثم أن بني النجار اشتدوا على أسعد بن زرارة وأخرجوا مصعبا فأنتقل إلى سعد بن معاذ فلم يزل يدعو ويهدي على يديه حتى قلّ دار من دور الأنصار إلا أسلم فيها ناس وأسلم أشرافهم وبن الجموح وكسرت أصنامهم وكان المسلمون أعز أهلها وقال ابن إسحاق في ذكر العقبة الثانية ثم أن مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج من الأنصار من المسلمين للقائهم النبي صلى الله عليه وسلم ومبايعته في الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام حتى أراد الله بهم ما أراد من كرامته والنصر لنبيه صلى الله عليه وسلم وإعزاز الإسلام وأهله

ص: 585

قال كعب بن مالك فلما كانت الليلة التي واعدنا رسول اله صلى الله عليه وسلم لها وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا فنمنا تلك الليلة في قومنا وفي رحالنا حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسلل القطا مستخفين فاجتمعنا في الشعب عند العقبة ثلاثة وسبعين رجلا ومعنا امرأتان أم عمارة بنت كعب إحدى نساء بني مازن وأسماء بنت عمرو بن عدي إحدى نساء بني سلمة ولأبن إسحاق من الأوس أحد عشر رجلا ومن القبائل أربعة حلفاء الخزرج وكان من بني الحرث بن الخزرج اثنان وستون رجلا وكأنه أدخل في الخزرج حلفاءهم الأربعة وإلا فتزيد العدّة على ثلاثة وسبعين أربعة ولرزين عن عبادة بن الصامت نحو حديث كعب إلا أنه قال فلما كان العام المقبل أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن سبعون رجلا وامرأتان من قومنا فواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شعب العقبة عن يسارك وأنت ذاهب إلى منى فلما توافينا عنده جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس رضي الله عنه وفي حديث كعب فجاء ومعه العباس فتكلم فقال أن محمدا منا من حيث علمتم وقد منعناه وهو في عز وقد أبى إلا الانحياز إليكم فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما وعدتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فانتم وذاك وإلا فمن الآن قال فقلنا قد سمعنا ما قلت فتكلم يا رسول الله فخذ لنفسك ولربك

ص: 586

ما أحببت فتكلم فدعا الله وقرأ القرآن ورغب في الإسلام ثم قال أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأنباءكم قال وأخذ الراء بن معر وربيدة فقال نعم والذي بعثك بالحق لمنعنك مما نمنع منه أزرنا فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أصحاب الحروب وأهل

الحلقة ورثناها كابرا عن كابر فأعترض القول والراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الهيثم بن التيهان فقال يا رسول الله أن بيننا وبين الرجال يعني اليهود حبالا ونحن قاطعوها فهل عسيت أن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله تعالى أن ترجع إلى قومك وتدعنا قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسأل من سألتم وعن عاصم بن عمر بن قتادة أن العباس بن عبادة بن نظلة أخا بني سالم بن عوف قال بل يا معشر الخزرج هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل قالوا نعم أنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة وأشرافكم قتلا أسلمتموه فن الآن فهو والله أن فعلتم خزي الدنيا والآخرة وأن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على ما ذكر فهو والله خير الدنيا والآخرة قالوا فأنا نأخذه على ما قلت خلنا بذلك يا رسول الله أن نحن وفينا قال الجنة قالوا أبسط يدك فبسط يده فبايعوه قال عاصم ما قال ذلك العباس إلا ليشهد العقد في أعناقهم

ص: 587

وقال غيره أراد التأخير أراد التأخير تلك الليلة رجاء أن يحضر عبد الله بن أبي بن سلول فيكون أقوى للأمر قال ابن إسحاق فبنو النجار يزعمون أن أبا إمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده وبنو عبد الأشهل يقولون بل أبو الهيثم بن التبهان وفي حديث كعب المتقدم أنه البراء بن معرور ثم تتابع القوم ولأحمد والحاكم في الإكليل أن عبد الله بن رواحة قال يا رسول الله أشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وأشترط لنفسي أن تمنعون منه أنفسكم قالوا فمالنا إذا فعلنا ذلك قال الجنة قالوا ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزل أن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية وقال سول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث كعب أخرجوا إليّ منكم أثنى عشر نقيبا يكونون على قومهم بما فيهم فأخرجوا منهم أثنى عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس

ص: 588

وعن عبد الله بن أبي بكر حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنقباء أنتم كفلاء على قومكم كفالة الحواريين لعيسى بن مريم عليه السلام قالوا نعم وفي خبر رزين المتقدم عن عبادة بن الصامت عقب ذكر النقباء فبينا هم في ذلك إذ صرخ الشيطان يقول يا أهل الجباجب وهي المنازل هل لكم في الصباة قد أجمعوا على حربكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ابن أرب العقبة لأفرغنّ لك أي عدوّ الله أرجعوا إلى رحالكم فقال له العباس بن عبادة بن نضلة والذي بعثك بالحق نبيا لئن شئت لنميلن بأسيافنا غدا على منى فقال له لم أؤمر بذلك ولكن أرجعوا إلى رجالكم وفي حديث كعب نحوه قال فرجعنا إلى مضاجعنا فلما أصبحنا غدت علينا رجلة قريش حتى جاءونا في منازلنا فقالوا يا معشر الخزرج أنه بلغنا أنكم جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا وأنه والله ما من حيّ من العرب أبغض إلينا أن تشب الحرب بيننا وبينهم منكم فانبعث من هنالك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء وما علمناه وقد صدقوا لم يعلموه

ص: 589

وروى أنهم أتوا عبد الله ابن أبي فقال لهم أن هذا الأمر جسيم ما كان ليتفوّتوا عليّ بمثل هذا وما علمته كان ثم أنهم قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتخرج معنا قال ما أمرت به وأذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الهجرة إلى المدينة وأقام ينتظر الأذن في الخروج فتوجه بين العقبتين جماعة منهم

ص: 590

ابن أم مكتوم ويقال أوّل من هاجر إلى المدينة أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي زوج أم سلمة بعد رجوعه من هجرة الحبشة ثم توالى خروجهم بعد العقبة الأخيرة إرسالا منهم عمر بن الخطاب وأخوه زيد وطلحة وصهيب وحمزة

ص: 591

وزيد بن حارثة وعبد الرحمن بن عوف والزبير وعثمان بن عفان وغيرهم رضي الله عنه حتى لم يبقى معه صلى الله عليه وسلم إلا على بن أبي طالب والصديق كذا قاله ابن إسحاق وغيره فلما رأت قريش ذلك حذروا خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم فاجتمعوا بدار الندوة وفيهم أبو جهل وجاءهم إبليس في صفة شيخ نجدي وصوب قول أبي جهل

ص: 592

لما اختلفوا فيما يفعلون بالنبي صلى الله عليه وسلم أرى أن يعطي خمسة رجال من خمس قبائل سيفا سيفا فيضربونه ضربة رجل فيتفرق دمه في هذه البطون فلا تقدر لكم بنو هاشم

على شيء فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ نم على فراشي وتسبح ببردي فلن يخلص إليك أمر فتردّ الودائع إلى أهلها وأتى أبا بكر فأعلمه وقال قد أذن لي فقال الصحبة يا رسول الله وكان إنما حبس نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه فعرض على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى راحلتيه كان قد أعدّهما فقال بالثمن فقال هي لك به فأخذ القموى وقيل الجدعاء وثمنها ثمانمائة درهم فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى عبد الله ابن أريقط ويقال أريقد من بني الديل من كنانة فأستأجره وكان على دين قومه هاديا خريتا أي ماهرا بالهداية وواعداه أن يأتيهما بعد ثلاث غار ثور ثم أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فجاء عليّ رضي الله عنه فاجتمعت قريش على باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتى يجتمعوا يعني الخمسة ثم أخذ صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرماها في وجوههم فأخذ على أبصارهم ولمّ على أصمختهم فجعل على رأس كل رجل منهم ترابا ثم أتى منزل أبي بكر الصديق رضي الله عنه فخرجا وأتيا الغار وجاء للمشركين رجل كان بعيدا منهم فقال ما تنتظرون قالوا أن نصبح فنقتل محمد قال قبحكم الله وخيبكم أوليس قد خرج عليكم وجعل على رؤوسكم التراب قال أبو جهل أوليس هو ذاك مسجي ببرده الآن فلما أصبحوا قام عليّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلك المخبر فاجتمعت قريش وأخذت الطرق وجعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت أعينهم ولم يجدوا سيأ ومروا بالغار وقرءوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت وجاء الديلي بعد ثلاث بالراحلتين وذلك بعد العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما فخرجا لهلال ربيع الأول يوم الاثنين وقيل الخميس وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة بضع عشر سنة وقال عروة عشرا ولم يعلم بخروجه إلا عليّ وآل أبي بكر فأنطلق بهما الدليل ومعهما عامر بن فهيرة يخدمهما يردفه أبو بكر رضي الله عنه ويعقبه فأخذ بهم في اسفل مكة حتى أتى بهم طريق السواحل أسفل من عسفان ثم عارض الطريق على أمج ثم نزل من قديد على خيام أم معبد الخزاعية وقيل سلك على أسفل أمج حتى عارض الطريق بعد أن جاوز قديدا وأتفق في مسيرهم قصة سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد وأقامت قريش أياما لا يدرون أين أخذوا فسموا صوتا على أبي قبيس يقول فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى وإذ يمكر بك الذين كفروا الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعليّ نم على فراشي وتسبح ببردي فلن يخلص إليك أمر فتردّ الودائع إلى أهلها وأتى أبا بكر فأعلمه وقال قد أذن لي فقال الصحبة يا رسول الله وكان إنما

ص: 593

حبس نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه فعرض على النبي صلى الله عليه وسلم إحدى راحلتيه كان قد أعدّهما فقال بالثمن فقال هي لك به فأخذ القموى وقيل الجدعاء وثمنها ثمانمائة درهم فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى عبد الله ابن أريقط ويقال أريقد من بني الديل من كنانة فأستأجره وكان

ص: 594

على دين قومه هاديا خريتا أي ماهرا بالهداية وواعداه أن يأتيهما بعد ثلاث غار ثور ثم أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فجاء عليّ رضي الله عنه فاجتمعت قريش على باب الدار فقال أبو جهل لا تقتلوه حتى يجتمعوا يعني الخمسة ثم أخذ صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرماها في وجوههم فأخذ على أبصارهم ولمّ على أصمختهم فجعل على رأس كل رجل منهم ترابا ثم أتى منزل أبي بكر الصديق رضي الله عنه فخرجا وأتيا

ص: 595

الغار وجاء للمشركين رجل كان بعيدا منهم فقال ما تنتظرون قالوا أن نصبح فنقتل محمد قال قبحكم الله وخيبكم أوليس قد خرج عليكم وجعل على رؤوسكم التراب قال أبو جهل أوليس هو ذاك مسجي ببرده الآن فلما أصبحوا قام عليّ عن الفراش فقال أبو جهل صدقنا ذلك المخبر فاجتمعت

ص: 596

قريش وأخذت الطرق وجعلت الجعائل لمن جاء به فانصرفت أعينهم ولم يجدوا سيأ ومروا بالغار وقرءوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت

ص: 597

وجاء الديلي بعد ثلاث بالراحلتين وذلك بعد العقبة بشهرين وبضعة عشر يوما فخرجا لهلال ربيع الأول يوم الاثنين وقيل الخميس وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوّة بضع عشر سنة وقال عروة عشرا ولم يعلم بخروجه إلا عليّ وآل أبي بكر فأنطلق بهما الدليل ومعهما عامر بن فهيرة يخدمهما يردفه أبو بكر رضي الله عنه ويعقبه فأخذ بهم في اسفل مكة حتى أتى بهم طريق السواحل أسفل من عسفان ثم عارض الطريق على أمج ثم نزل من قديد على خيام أم معبد الخزاعية وقيل سلك على أسفل أمج حتى عارض الطريق

ص: 598

بعد أن جاوز قديدا وأتفق في مسيرهم قصة سراقة عارضهم يوم الثلاثاء بقديد

ص: 599

وأقامت قريش أياما لا يدرون أين أخذوا فسموا صوتا على أبي قبيس يقول

فإن يسلم السعد أن يصبح محمد

من الأمن لا يخشى خلاف المخالف

فقالت قريش لو علمنا من السعد أن قال

أبا سعد الأوس كن أنت مانعا

ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى وتبوآ

من الله في الفردوس زلفة عارف

فعلموا أنه أخذ طريق المدينة قال رزين والأقرب ما ذكره غيره من سماعهم لهذه الأبيات قبل الهجرة ثم سمعوا قائلا بأسفل مكة وقيل بأبي قبيس يقول

جزى الله رب الناس خير جزائه

رفيقين قالا خيمتي أم معبد

الأبيات المشهورة وكان صلى الله عليه وسلم مر بأم معبد فاستسقاها لبنا وأتفق ظهور المعجزة في حلبة اللبن من شاة عجفاء لم يكن لها لبن ثم ارتحلوا فجاء أبو معبد فأخبرته وسقته من اللبن فخرج في أثرهم ليسلم عليهم فيقال أدركهم ببطن ريم فبايع وانصرف ولما شارف النبي صلى الله عليه وسلم المدينة لقيه أبو بريدة الأسلمى في سبعين من قومه بني سهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أنت فقال بريدة فقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قال من أسلم فقال لأبي بكر

ص: 600

سلمنا ثم قال ممن قال من بني سهم قال خرج سهمك فقال بريدة للنبيّ صلى الله عليه وسلم من أنت قال أنا محمد بن عبد الله رسول الله فأسلم بريدة ومن معه فلما أصبح قال بريدة للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندخل المدينة إلا ومعك لواء فحل عمامته ثم شدّها في رمح ثم مشى بين يديه صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله تنزل على من فقال أن ناقتي هذه مأمورة ولقى صلى الله عليه وسلم الزبير كما في الصحيح وقيل لقي طلحة في ركب من المسلمين تجارا قافلين من الشأم فكسا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا وسمع المسلمون بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة أول النهار فينتظرونه فما يردهم إلى إلا حر الشمس فبعد أن رجعوا يوما أوفى رجل من اليهود على أطم لأمر ينظر إليه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين فلم يملك اليهودي نفسه أن قال بأعلى صوته يا بني قيلة يعني الأنصار هذا جدّكم يعني حظكم الذي تنتظرونه فثار المسلمون إلى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو ابن عوف بقباء على كلثوم بن الهدم ولرزين نزل في ظل نخلة ثم أنتقل إلى دار كلثوم وفي نسخة طاهر بن يحيي من كتاب أبيه أناخ إلى عذق عند بئر

ص: 601

غرس قبل أن تبزغ الشمس وما يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر فجعل الناس يقفون عليهم حتى بزغت الشمس من ناحية أطمهم الذي يقال له شقيف فأمهل أبو بكر رضي الله عنه ساعة ثم ذكر أنه قام فستر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه فعرف القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال محمد بن معاذ قلت لمجمع ابن يعقوب أن الناس يرون أنه جاء بعدما أرتفع النهار وأحرقتهم الشمس قال مجمع هكذا أخبرني أبي وسعيد بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن يزيد فالا ما بزغت الشمس إلا وهو في منزله صلى الله عليه وسلم قلت وفي مسلم أن قدومهم كان ليلا والذي قاله الأكثر نهارا وقوله بئر غرس لعله تصحيف عذق الغرس من منزله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بقباء بخلاف بئر عذق وفي الصحيح أنهم لما قدموا أقام أبو بكر

ص: 602

للناس أي يتلقاهم فطفق من جاء الأنصار أي ممن لم يكن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يحيي أبا بكر أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل أبو بكر رضي الله عنه حتى ظلل عليه بردائه فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم اه ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم قال لمولى له يا نجيج فقال صلى الله عليه وسلم وألتفت لأبي بكر رضي الله عنه انجمعت أو انجمعنا فقال أطعما رطبا فأتى بقنو من أمّ جردان فيه رطب منصف وفيه زهو فقال ما هذا فقال هذا عذق أم جردان فقال صلى الله عليه وسلم اللهم بارك أمّ جردان وكان يتحدث مع أصحابه في منزل سعد بن خيثمة وكان عزبا وسمى منزله منزل العزاب فلذلك قال قوم أنه صلى الله عليه وسلم نزل عليه وفي الصحيح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في عمرو بن عوف

ص: 603

وفي رواية على المدينة والأكثر أن ذلك اليوم يوم الاثنين وشذ من قال يوم الجمعة لاثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول علة ما جزم به ابن النجار والنووي ونقله ابن الجوزي عن الزهري وهو ما رواه ابن سعد بن أبي إسحاق فالعجب من الزين المراغي حيث نقله عن ابن النجار والنووي فقط وتعجب منه وكأنه فهم أن مرادهما به دخول باطن المدينة نفسها وقيل كان قدومه قباء في سابعة وقيل لليلتين خلتا منه وقيل

ص: 604

لنصفه فأقام الثلاثاء والأربعاء والخميس كما جزم به ابن جبان لأبن عائذ عن ابن عباس رضي الله عنه ما مكث في بني عمرو بن عوف ثلاث ليال وأتخذ مكانه مسجدا فكان يصلي فيه ثم بناه بنو عمرو بن عوف

فهو الذي أسس على التقوى ولأبن زبالة عن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم أثنين وعشرين يوما وللبخاري عن عروة بضع عشرة ليلة وعن أنس أربع عسر ليلة وهو أولى بالقبول من غيره وأقام عيّ رضي الله عنه بعد مخرجه صلى الله عليه وسلم أياما ما قبل ثلاثة حتى أدّى للناس ودائعهم ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم وكانت الخزرج تخاف أن تدخل دار الأوس وكذا الأوس لما كان بينهم من العداوة وكان أسعد بن زرارة قتل نبيل بن الحرث يوم بعاث فقال صلى الله عليه وسلم أين أسعد بن رزازة فقال سعد بن خيثمة ومبشر ورفاعة أبنا النذر كان قد أصاب منا رجلا يوم بعاث فجاء أسعد إليه متقنعا ليلة الأربعاء بين العشاء فقال صلى الله عليه وسلم جئت إليّ ههنا وبينك وبين القوم ما بينك وبينهم قال لا والذي بعثك بالحق ما كنت لأسمع بك في مكان إلا جئت ثم بات عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ثم غدا فقال صلى الله عليه وسلم لسعد ابن خيثمة ومبشرو رفاعة أجيروه قالوا أنت فأجره فجوارنا في جوارك فقال يجيره بعضكم فقال سعد بن خيثمة هو في جواري ثم ذهب لأسعد بن زرارة في بيته فجاء به يخاصره يده في يده ظهرا حتى انتهى به إلى بني عمرو بن عوف ثم قال الأوس يا رسول الله كلنا له جار فكان يغدو ويروح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي تأسيسه صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء قبل تحوله منها في الفصل الثاني من الباب الخامس. الذي أسس على التقوى ولأبن زبالة عن قوم من بني عمرو بن عوف أنه أقام فيهم أثنين وعشرين يوما وللبخاري عن عروة بضع عشرة ليلة وعن أنس أربع عسر ليلة وهو أولى بالقبول من غيره

ص: 605

وأقام عيّ رضي الله عنه بعد مخرجه صلى الله عليه وسلم أياما ما قبل ثلاثة حتى أدّى للناس ودائعهم ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء فنزل على كلثوم بن الهدم وكانت الخزرج تخاف أن تدخل دار الأوس وكذا الأوس لما كان بينهم من العداوة وكان أسعد بن زرارة قتل نبيل بن الحرث يوم بعاث فقال صلى الله عليه وسلم أين أسعد بن رزازة فقال سعد بن خيثمة ومبشر ورفاعة أبنا النذر كان قد أصاب منا رجلا يوم بعاث فجاء أسعد إليه متقنعا ليلة الأربعاء بين العشاء فقال صلى الله عليه وسلم جئت إليّ ههنا وبينك وبين القوم ما بينك وبينهم قال لا والذي بعثك بالحق ما كنت لأسمع بك في مكان إلا جئت ثم بات عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى أصبح ثم غدا فقال صلى الله عليه وسلم لسعد ابن خيثمة ومبشرو رفاعة أجيروه قالوا أنت فأجره فجوارنا في جوارك فقال يجيره بعضكم فقال سعد بن خيثمة هو في جواري ثم ذهب لأسعد بن زرارة في بيته فجاء به يخاصره يده في يده ظهرا حتى انتهى به إلى بني عمرو بن عوف ثم قال الأوس يا رسول الله كلنا له جار فكان يغدو ويروح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيأتي تأسيسه صلى الله عليه وسلم لمسجد قباء قبل تحوله منها في الفصل الثاني من الباب الخامس.

ص: 606