المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثامن " في خصائصها - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ١

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأوّل في فضلها ومتعلقاتها وفيه عشرة فصول

- ‌ الفصل الثاني في تفضيلها على البلاد

- ‌ الفصل الثالث " في الحث على الإقامة والصبر والموت بها واتخاذ الأصل

- ‌ الفصل الرابع " في الدعاء لها ولأهلها ونقل وباءها وعصمتها من الدجال

- ‌الفصل الخامس في ترابها وثمرها

- ‌ الفصل السادس " في تحريمها والألفاظ المتعلقة به

- ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

- ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

- ‌ الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك

- ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

- ‌الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما

- ‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

- ‌ الفصل الثاني " في توسل الزائر به صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى

- ‌الفصل الثالث في فضل المسجد النبوي وروضته ومنبره

- ‌الباب الثالث في أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها

- ‌ الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم

- ‌ الفصل الثاني " في منازل الأوس والخزرج وما دخل بينهم من الحروب

- ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفصل الرابع " في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وسكناه بدار

الفصل: ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

"‌

‌ الفصل الثامن " في خصائصها

وهي كثيرة تزيد على المائة إلا أن مكة شاركتها في بعض ذلك كالمذكور في الفصل قبله من تحريم وقطع الرطب من شجرها وحشيشها وصيدها واصطياده وتنفيره وحمل السلاح للقتال بها وأمر لقطتها ونقل التراب ونحوه منها أو إليها ونبش الكافر إذا دفن بها. وامتازت بتحريمها على لسان أشرف الأنبياء بدعوته صلى الله عليه وسلم كون المتعرض لصيدها وشجرها يسلب كقتيل الكفار وهو أبلغ في الزجر مما جاء في مكة وعلي القول بعدمه وهو أدل على عظيم حرمتها حيث لم يشرع له جابر ويجوز نقل ترابها للتداوي واشتمالها على أفضل البقاع ودفن أفضل الخلق به وأفضل هذه الأمة وكذا أكثر الصحابة والسلف الذين هم خير القرون وخلقهم من تربتها وبعث أشرف هذه الأمة يوم القيامة منها على ما نقله في المدارك عن مالك قال وهو لا يقوله من عند نفسه وكونها محفوفة بالشهداء كما قاله مالك أيضا بها

ص: 239

أفضل الشهداء الذين بذلوا أنفسهم في ذات الله تعالى بين يدي نبيه صلى الله عليه وسلم فكان شهيدا عليهم واختيار الله تعالى لها قرار الأفضل خلقه وأحبهم إليه واختيار أهلها للنصرة والإيواء وافتتاحها بالقرآن وسائر البلاد بالسيف والسنان وافتتاح سائر بلاد الإسلام منها وجعلها مظهر الدين وجوب الهجرة إليها قبل فتح مكة والسكنى بها لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومواساته بالأنفس على ما قال عياض أنه متفق عليه قال ومن هاجر قبل الفتح فالجمهور على منعه من الإقامة بمكة بعد الفتح ورخص له في ثلاثة أيام بعد قضاء نسكه والحث على سكناها وعلى اتخاذ الأصل بها وعلى الموت فيها والوعد على ذلك بالشفاعة أو الشهادة أو هما واستجاب الدعاء بالموت بها وحرصه صلى الله عليه وسلم على موته بها وشفاعته أو شهادته لمن صبر على لأوائها أو شدتها وطلبه لزيادة البركة بها على مكة بما سبق بيانه ودعائه بحبها وأن يجعل الله تعالى بها قرارا ورزقا حسنا وتحريكه الدابة عند

ص: 240

قدومها من حبها وطرحه الرداء عن منكبيه إذا قاربها وتسميته لها بطيبة وغيرها مما سبق ومن خصائصها طيب ريحها وللعطر فيها رائحة لا يوجد في غيرها قاله ياقوت وطيب العيش بها وكثرة أسمائها وكتابتها في التوراة مؤمنة وتسميتها فيها بالمحبوبة والمرحومة وغيره مما سبق وإضافتها إلى الله في قوله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها وإلى الرسول بلفظ البيت في قوله تعالى كما أخرجك ربك من بيت الحق وأقسم الله تعالى (لا أقسم بهذا البلد) والبداء فيها في قوله تعالى (رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) مع أن المخرج مقدّم على المدخل

ص: 241

وكثرة دعائه صلى الله عليه وسلم لها خصوصا بالبركة ولثمارها ومكيالها ولسوقها وأهلها وقوله أنها تنفي خبثها وأنها تنفي الذنوب وأنه لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله تعالى فيها من هو خير منه ومن أرادها وأهلها بسوء إذا به الله تعالى الحديث فرتب الوعيد فيه على الإرادة كما قال تعالى في حرم مكة ومن يرد فيه بالحاد بظالم الآية والوعيد الشديد لمن أحدث بها حدثا أو آوى محدثا

ص: 242

والحدث الإثم فيشمل الصغيرة فهي بها كبيرة أي يعظم جزاؤها لدلالتها على جراءة مرتكبها بحرم سيد المرسلين وحضرته الشريفة والوعيد الشديد لمن ظلم أهلها أو أخافهم ووعيد من لم يكرم أهلها وأن إكرامهم وحفظهم حق على الأمة وأنه صلى الله عليه وسلم شفيع أو شهيد لمن حفظهم فيه وقوله ومن أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي واختصاصها بملك الإيمان والحياء وبكون الإيمان يأرز إليها واشتباكها بالملائكة وحراستهم لها وأنها دار إسلام أبد الحديث أن الشياطين قد

ص: 243

يئست أن تعبد ببلدي هذا وأنها آخر قرى الإسلام خرابا رواه الترمذي وحسنه وعصمتها من الطاعون ومن الدجال مع خروج الرجل الذي هو خير الناس أو من خير الناس منها إليه ونقل وبائها وحماها والاستشفاء بترابها وبثمرها وقوله في حديث الطبراني وحق على كل مسلم زيارتها وسماعه صلى الله عليه وسلم لمن صلى أو سلم عليه عند قبره ووجوب شفاعته لمن زاره بها وغير ذلك مما سيأتي في فضل الزيارة

ص: 244

وكونها أول أرض أتخذ بها مسجد لعامة المسلمين في هذه الأمة وتأسيس مسجدها على يد صلى الله عليه وسلم وعمله فيه بنفسه ومعه خير الأمة وأن الله تعالى أنزل في بنائه لمسجد أسس على التقوى الآية وكونه آخر مساجد الأنبياء والمساجد التي تشد إليها الرحال وكونه أحق

المساجد أن يراد

ص: 245

وما به من المضاعفة الآتية وأن من صلى فيه أربعين صلاة كتبت له براءة من النار وبراءة من العذاب وبريء من النفاق

ص: 251

وأن من خرج على طهر لا يريد إلا الصلاة فيه كان بمنزلة حجة وما ثبت من أن إتيان مسجد قباء والصلاة فيه تعدل عمرة وغير ذلك مما سيأتي في فصلها وأن ما بين بيته صلى الله عليه وسلم ومنبره روضة من رياض الجنة مع ذهاب بعضهم إلى أن ذلك يعم مسجده صلى الله عليه وسلم وأنه المسجد الذي لا يعرف بقعة في الأرض من الجنة غيره وأن منبره الشريف على ترعة من ترع الجنة وأن قوائمه ثوابت في الجنة وأنه على حوضه صلى الله عليه وسلم وما جاء في أن ما بين منبره الشريف والمصلى روضة من رياض الجنة وسيأتي ما يقتضي أن المراد مصلى العيد وهذا جانب كبير من هذه البلدة وقوله في أحد جبل يحبنا ونحبه وأنه على ترعة من ترع الجنة وفي واديها بطعان أنه على ترعة من ترع الجن

ص: 252

ووصفه لواديها العقيق وبالوادي المبارك وأنه يحبنا ونحبه وقوله في ثمارها أن العجوة من الجن وسيأتي في بئر غرس أن صلى الله عليه وسلم رأى أنه أصبح على بئر نن آبار الجنة فأصبح عليها ورؤيا الأنبياء حق واختصاص مسجدها بمزيد الأدب وخفض الصوت وتأكد التعلم والتعليم به وأنه لا يسمع النداء فيه ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق واختصاصه عند بعضهم بمنع أكل الثوم من دخوله لاختصاصه بملائكة الوحي والوعيد الشديد لمن حلف يمين فاجرة عند منبرها ومضاعفة سائر الأعمال بها كما صرح به الغزالي وغيره

ص: 253

وسيأتي حديث صيام شهر رمضان في المدينة كصيام ألف شهر فيما سواها وكون أهلها أول من يشفع لهم صلى الله عليه وسلم واختصاصهم بمزيد الشفاعة والإكرام وجاء بعث الميت بها من الآمنين وأنه يبعث من بقيعها سبعون ألفا على صورة القمر يدخلون الجنة بغير حساب

ص: 254

ومثله مقبرة بني سلمة وتوكل ملائكة بمقبرة بقيعها كلما امتلأت أخذوا بأطرافها فكفؤها في الجنة وبعثه صلى الله عليه وسلم منها وبعث أهلها من قبورهم قبل سائر الناس

ص: 255

واستحباب الدعاء بها في الأماكن التي دعا بها صلى الله عليه وسلم وسيأتي بيانها ويقال انه مستجاب عند الأسطوان المخلق وعند المنبر وبزاوية دار عقيل وبمسجد الفتح على ما سيأتي وكثرة المساجد والمشاهد والمتبركات بها كما يتضح لك واستحقاق من عاب تربتها للتعزيز أفتى مالك فيمن قال تربتها رديئة بأن يضرب ثلاثين درّة وأمر بسجنه وكان له قدر وقال ما أحوجه غلى ضرب عنقه تربة دفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أنها غير طيبة واستجاب الدخول لها من طريق والرجوع من أخرى والاغتسال لدخولها وتخصيص أهلها بأبعد المواقيت

ص: 256

وذهب بعض السلف غلى تفضيل البداءة بها قبل مكة وأن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبدؤون بالمدينة إذا حجوا يقولون نبدأ من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن علقمة والأسود وعمرو بن ميون أنهم بدءوا بالمدينة وعن العبدي من المالكية المشي إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم افضل من الكعبة

ص: 257

وسيأتي أن من نذر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزمه الوفاء قولا واحدا وفي وجوب الوفاء بزيارة قبر غيره وجهان ويكتفي بزيارته لمن نذر إتيان

ص: 262

مسجده كما قاله الشيخ أبو علي تفريعا على القول بلزوم الإتيان كما في البويطي وعلى أنه لا بد من ضم قربه إلى الإتيان كما هو الأصح والصحيح عدم لزوم الإتيان وجاء في سوقها أن الجالب إليه كالمجاهد في سبيل الله وأن المحتكر فيه كالمخلد في كتاب الله واختصت بظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها مع انطفائها عند حرمها كما سيأتي

ص: 264

وبما تضمنه حديث الحاكم وغيره وصححه يوشك الناس أن يضربوا كباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة وكان ابن عيينة يقول نراه مالك بن انس وقيل ذلك وبما نقل عن مالك من أن إجماع أهلها مقدم على خبر الواحد لسكناهم مهبط الوحي ومعرفتهم بالناسخ والمنسوخ واختصاص أهلها في قيام رمضان بستة وثلاثين ركعة سوى الوتر على المشهور عند الشافعية

ص: 265

قال الشافعي رأيت أهل المدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة منها ثلاث الوتر ونقل الروياني

ص: 267

وغيره من الشافعي أن سببه إرادة أهل المدينة مساواة أهل مكة فيما كانوا يأتون به من الطواف وركعتيه بعد الترويحات فجعلوا مكان كل أسبوع ترويحة قال الشافعي ولا يجوز لغير

أهل المدينة أن يماروا أهل مكة ولا ينافسوهم لأن الله تعالى فضلهم على سائر البلاد وقد بسطنا المسألة في كتابنا مصابيح القيام في شهر الصيام وأهل المدينة اليوم يقومون بعشرين ركعة أول الليل وبستة عشر آخره ولم أتحقق ابتداء وقت التفريق ويجعلون لكل من الصلاتين إماما ما غير الآخر ويقتصرون على إقامة الوتر جماعة أول الليل فتفوت من عزم على القيام آخر الليل وآخر وتره هذه السنة فذكرت لهم ذلك فصار إمام آخر الليل يوتر بفرقته وأن اتحد الإمام قدم غيره فيه فيوتر بهم ثم غلبت الحظوظ النفسية فتركوا ذلك بعد سنين ولا يخفى أن مكة تشارك المدينة في بعض ما سبق ومما اشتركا فيه أن كلا منهما يقوم مقام المسجد الأقصى لمن نذر الصلاة أو الاعتكاف فيه ولو نذرهما بمسجد المدينة لم يجزه الأقصى وأجزأ المسجد الحرام بناء على زيادة المضاعفة به وإذا نذر المشي إليها قال ابن المنذر يلزمه الوفاء وأن نذر المشي إلى بيت المقدس يخير بين الشي إليه أو إلى أحدهما والذي رجحوه ما اقتضاه كلام البغوي من عدم لزوم المشي في غير المسجد الحرام وإذا نذر تطيب مسجد المدينة والأقصى فتردّد فيه أمام الحرمين واقتضى كلام الغزالي تخصيص التردّد بهما فإن نظر غلى التعظيم ألحقناهما بالكعبة أو إلى امتياز الكعبة فلا " قلت " فينبغي الجزم بذلك في نذر تطييب القبر الشريف والله أعلم. دينة أن يماروا أهل مكة ولا ينافسوهم لأن الله تعالى فضلهم على سائر البلاد وقد بسطنا المسألة في كتابنا مصابيح القيام في شهر الصيام وأهل المدينة اليوم يقومون بعشرين ركعة أول الليل وبستة عشر آخره ولم أتحقق ابتداء وقت التفريق ويجعلون لكل من الصلاتين إماما ما غير الآخر ويقتصرون على إقامة الوتر جماعة أول الليل فتفوت من عزم على القيام آخر الليل وآخر وتره هذه السنة فذكرت لهم ذلك فصار إمام آخر الليل يوتر بفرقته وأن اتحد الإمام قدم غيره فيه فيوتر بهم ثم غلبت الحظوظ النفسية فتركوا ذلك بعد سنين ولا يخفى أن مكة تشارك المدينة في بعض ما سبق

ص: 268

ومما اشتركا فيه أن كلا منهما يقوم مقام المسجد الأقصى لمن نذر الصلاة أو الاعتكاف فيه ولو نذرهما بمسجد المدينة لم يجزه الأقصى وأجزأ المسجد الحرام بناء على زيادة المضاعفة به وإذا نذر المشي إليها قال ابن المنذر يلزمه الوفاء وأن نذر المشي إلى بيت المقدس يخير بين الشي إليه أو إلى أحدهما والذي رجحوه ما اقتضاه كلام البغوي من عدم لزوم المشي في غير المسجد الحرام وإذا نذر تطيب مسجد المدينة والأقصى فتردّد فيه أمام الحرمين واقتضى كلام الغزالي تخصيص التردّد بهما فإن نظر غلى التعظيم ألحقناهما بالكعبة أو إلى امتياز الكعبة فلا " قلت " فينبغي الجزم بذلك في نذر تطييب القبر الشريف والله أعلم.

ص: 269