المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها - خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى - جـ ١

[السمهودي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأوّل في فضلها ومتعلقاتها وفيه عشرة فصول

- ‌ الفصل الثاني في تفضيلها على البلاد

- ‌ الفصل الثالث " في الحث على الإقامة والصبر والموت بها واتخاذ الأصل

- ‌ الفصل الرابع " في الدعاء لها ولأهلها ونقل وباءها وعصمتها من الدجال

- ‌الفصل الخامس في ترابها وثمرها

- ‌ الفصل السادس " في تحريمها والألفاظ المتعلقة به

- ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

- ‌ الفصل الثامن " في خصائصها

- ‌ الفصل التاسع " في بدء شأنها وما يؤول عليه أمرها وما وقع من ذلك

- ‌ الفصل العاشر " في ظهور نار الحجاز المنذر بها من أرضها وانطفائها عند

- ‌الباب الثاني في فضل الزيارة والمسجد النبوي ومتعلقاتهما

- ‌الأوّل في فضل الزيارة وتأكدها وشدّ الرحال إليها وصحة نذرها وحكم

- ‌ الفصل الثاني " في توسل الزائر به صلى الله عليه وسلم إلى ربه تعالى

- ‌الفصل الثالث في فضل المسجد النبوي وروضته ومنبره

- ‌الباب الثالث في أخبار سكناها إلى أن حل النبي صلى الله عليه وسلم بها

- ‌ الأول " في سكناها بعد الطوفان وسكن اليهود بها ثم الأنصار وبيان نسبهم

- ‌ الفصل الثاني " في منازل الأوس والخزرج وما دخل بينهم من الحروب

- ‌ الفصل الثالث " في إكرام الله تعالى لهم بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الفصل الرابع " في قدومه صلى الله عليه وسلم باطن المدينة وسكناه بدار

الفصل: ‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

"‌

‌ الفصل السابع " في أحكام حرمها

أتفق الأئمة الثلاثة وغيرهم على تحريم قطع شجرها وصيدها خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه وما سبق من الأحاديث الصحيحة الصريحة حجة عليه ويتمسك بقول صلى الله عليه وسلم كما حرم إبراهيم مكة على كل ما لم يقم دليل على افتراق الحرمين فيه ولمسلم أنّ سعد أركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسليه ثيابه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أردّ شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 217

وفي رواية للمفضل الجندي فأخذ فأسه ونطعه وشيئاً سوى ذلك فأطلع العبد إلى سادته فأخبرهم فركبوا إلى سعد فقالوا الغلام غلامنا فأردد إليه ما أخذت منه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث السابق في الفصل قبله ولأبي داود لأنّ سعد أوجد عبيدا من عبيد المدينة يقطعون شجرا من شجر المدينة قال فأخذ متاعهم وقال يعني لمواليهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء وقال من قطع منه شيئاً فإن أخذ سلبه ولأبن زبالة أن سعد أوجد جارية لعاصية السلمية تقطع فضربها بها وسلبا شمله لها وفأسا كانت معها فاستعدت عاصية عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أردد إليها يا أبا إسحاق

ص: 218

فقال لا والله لا أردد إليها غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه واتخذ من فأسها مما تغازل يعمل بها حتى لقي الله تعالى وفي رواية له يقطع شجرا بالعقيق وأنه قال غنما رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجدناه يقطع من شجر حرم المدينة الرطب منه وللجندي أن عمر رضي الله عنه قال لغلام قدامة بن مظعون أنت على هؤلاء الحطابين فمن وجدنه احتطب فيما بين لابتي المدينة فلك فأسه وحبله وثوباه قال عمر ذلك كثير

ص: 219

ولأبي داود وهو صحيح أو حسن كما قال النووي أن سعدا أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابه فجاء مواليه فكلموه فيه فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم هذا الحرم وقال من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه فلا أردد طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه وفي الموطا عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجوا ثعلبا إلى زاوية فطردهم عنه قال مالك لا أعلم أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنع هذا وللطبراني برجال الصحيح مثله عن زيد بن ثابت بدل أبي أيوب وله أيضا عن شرحبيل بن سعيد قال أخذت نهسا يعني

ص: 220

طائرا بالأسواق فأخذه مني زيد بن ثابت فأرسله وقال أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها ولأحد وغيره نحوه

ص: 221

وللطبراني في الكبير برجال ثقات عن عبد الله بن عباد الرزقي كنت أصيد العصافير في بئرا هاب وكانت لهم قال فرآني عبادة بن الصامت وقد أخذت العصفور فينزعه مني ويقول أي بنيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة وللبزاز عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف اصطدت طيرا بالقنبلة فلقيني أبي عبد الرحمن فعرك أذني ثم أخذ مني فأرسله وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيد ما بين لابتيها وتمسك الحنفية بقصة أبا عمير ما فعل النغير قالوا وإلا لما جاز حبس النغير ومحمله عندنا أنه من صيدا لحل إذ لا يجب إرساله بل يجوز ذبحه بالحرم وهم يمنعون ذلك وبتقدير تسليمه فهو محتمل لأن يكون قبل تحريم المدينة

ص: 222

وتمسك بعضهم بقطعه صلى الله عليه وسلم النخل لبناء المسجد وجوابه أن ذلك كان في أول الهجرة وتحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما أوضحه الحافظ ابن حجر مع أن النخل مما يستنبته الآدميون وقد ذهبت الحنفية كالمالكية إلى جواز قطعه في الحرم المكي أيضا والأصح عندنا المنع إلا لحاجة العمارة ونحوها كما سيأتي عن الغزالي بل

ص: 223

قال الماروردي أن محل الخلاف فيما كان من ذلك في موات الحرم فإن أنبته شخص في ملكه جاز قطعه بلا خلاف كما أنه لا خلاف في جواز قطع ما يستنبت من غير الشجر كالحنطة والخضراوات مطلقا وقال البهيقي إنه استدلوا بحديث سلمة إما إن كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت فإني أحب العقيق

ص: 224

قال وهو حديث ضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة ويجوز أن يكون الموضع الذي كان

يصيد فيه سلمة خارجا من الحرم أي لأن العقيق يمتد إلى البقيع كما سيأتي فبعضه خارج الحرم جزما بخلاف موضع قصر سعد مع قصور العقيق فإنها بحرته مع احتمال أن ذلك كان قبل التحريم قال الطحاوي يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها وكان بقاء ذلك مما يزيد في رؤيتها ويدعوا إليها

ص: 225

كما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينتها فلما انقطعت الهجرة زال ذلك قلت أراد أن النهي ليس التحريم فهو خلاف مقتضاه ما لم يقم دليل على خلافه وأن أراد نسخه فالنسخ لا يثبت إلا بدليل وأختلف القائلون بالتحريم فعن أحمد في الجزاء روايتان وعن الشافعي قولان الجديد عدمه وهو قول مالك واختاره ابن المنذر وابن نافع من أصحاب مالك وجوبه

ص: 226

وقال القاضي عبد الوهاب أنه إلا قيس وأختاره النووي وغيره لصحة حديث سعد والجواب عنه مشكل ويسلب كالقتيل من الكفار حتى يؤخذ فرسه وسلاحه

ص: 227

وقيل الثياب فقط ويكون ذلك للسالب على الأصح وقيل لفقراء المدينة ويترك للمسلوب ما يستر به عورته

ص: 228

وفي أخذ منه بعد وجهان ويسلب إذا صاد وإن لم يتلف فإن كانت ثيابه مغصوبة لم تسلب بلا خلاف كما في شرح المهذب وقال البلقيني الذي يقتضيه النظر أنّ العبد لا يسلب إذ لا ملك له وكذا لو كان على الصائد ثوب مستأجر أو مستعار

ص: 229

قلت التحقيق التفصيل بين أن يأمر السيد ومن في معناه بذلك أم لا ويحمل ما اتفق لسعد على الأول يجوز أخذ ما يتغذى به مما ينبت بنفسه كالرجلة ونحوه كما قاله المحب الطبري وهو ظاهر فهو أولى من أخذه للبهائم وفرق المطري تبعا لأبن النجار وابن الجوزي من الحنابلة بين حرم مكة والمدينة فقال يجوز أخذ ما تدعوا الحاجة إليه من شجر حرم المدينة للرحل بالحاء المهملة والوسائد ومن حثيثه للعلف بخلاف مكة لما سبقت الإشارة إليه في بعض أحاديث الفصل قبله ولابن زبالة يا رسول الله أنا أصحاب عمل وأنا لا نستطيع أن ننتاب أرضا فرخص لهم في القائمتين والوسادة والعارضة والاثنان قلت مثل هذا لا يحتج به وسبق من جنسه ما يعارضه بل روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه بإسناد حسن

ص: 230

إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمنع أن يقطع المسد قال خارجة والمسد مرود البكرة وأخذ الحشيش للدواب جائز عندنا على الأصح في حرم مكة وقال النووي في حديث مسلم المتقدم أن فيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف بخلاف خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام وقال هو وغيره في شجر مكة أنه يجوز أخذ ورقها لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب لحاءها فقد استوى الحرمان في ذلك

ص: 231

وقال الغزالي حرم مكة لو قطع منه للحاجة التي يقطع لها إلا ذخر كتسقيف البيوت ونحوه ففيه الخلاف في قطعه للدواء أي والأصح جوازه وتبعه على ذلك صاحب الحاوي الصغير فجوز القطع للحاجة مطلقا ولم يخص الدواء فالحرمان في ذلك سواء وقل من تعرض للمسألة وما ذكروه في الدواء يتناول تحصيله له وإن لم يكن السبب قائما وهو ظاهر إطلاق الماوردي واستدلال بعضهم بنقل السنا المكي لكن عبارة الروضة ولو احتج إليه للدواء وفي شرح المهذب يجوز أخذه للعلف ولو أخذه لبيعه ممن يعلف به لم يجز ومقتضى ما سبق في الفصل قبله من قوله في الحديث ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لتطتها امتناع تنفير صيدها أي لا يصاح عليه فينفر كما قالوه في الحرم المكي وقد سوى صاحب الانتصار من أصحابنا بين الحرمين

ص: 232

في أن لقطتهما لا تحل للتملك بل للعفظ أبدا وهو مقتضى الدليل خلافا للدرامي حيث أرمي حيث فرق بينهما وقال الأئمة الثلاثة أن لقطتها تحل للتملك كغيرها ومقتضى قوله ولا يحمل فيها سلاح لقتال مجيء الخلاف الذي في مكة وأن المقاتلة الجائزة بغيرها تحرم فيها كقتال البغاة بل يضيق عليهم أن يخرجوا أو يفيأوا

ص: 233

وذهب الحسن إلى تحريم حمل السلاح بمكة للنهي عن القتال فيها وهو سببه وفي الصحيح لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة ونقل النووي عن الماوردي أنه طرد الوجهين في سقوط فرض الاستنجاء بالذهب والديباج في حجارة الحرم قل ولعل مراده ما نقل منها إلى الحل إذ لا خلاف في جواز البول في الحرم فالأستنجاء بأحجاره كذلك وصحح الرافعي كراهة نقل أحجار الحرم

ص: 234

وترابه وما أتخذ منه ونقلها النووي عن كثيرين أو الأكثرين وصحح هو التحريم وقال أبو حنيفة لا بأس به

ص: 235

وحمل تراب الحل وأحجاره إلى الحرم خلاف

الأولى كما في شرح المهذب وأطلق في الروضة والمناسك الكراهة عليه ويظهر أن محل ذلك فيما لم تدع الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى نقل تراب الحل إلى الحرم أو عكسه كمن أحتاج للسفر بآنية من تراب الحرم أو دخوله بها جاز وهو أولى مما سبق في جواز قطع نبات الحرم للدواء ونحوه وأولى من تجويز آنية الذهب والفضة للحاجة وقد قال الزركشي ينبغي أن يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه لأطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي من الصداع قلت فتربه صعيب أولى بذلك لما سبق فيها ويجب على من أخرج شيئاً من تراب الحرم أو حجره أن يردّه ولا ضمان في تركه قال الدميري فإذا نقل تراب أحد الحرمين إلى الآخر هل يزول التحريم أي فينقطع وجوب الردّ أو يفرق بين نقله للأشرف وعكسه فيه نظروا في تغليظ الدية على القاتل خطأ بحرم المدينة كمكة خلاف مبني على الخلاف في ضمان صيدها ولذا أختار السراج البلقيني أنها تغلظ لأن المختار كما سبق عن النووي وغيره ضمان صيدها بالسلب وهو متجه واستحسن الروياني التسوية بين الحرمين في أن من مات من الكفار بهما يخرج ويدفن خارجها وعلي القول باختصاص مكة بذلك فسببه أن الكفار أخرجوا منها حبيبه صلى الله عليه وسلم فعوقبوا بالمنع من الحلول فيها مطلقا. لأولى كما في شرح المهذب وأطلق في الروضة والمناسك الكراهة عليه ويظهر أن محل ذلك فيما لم تدع الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى نقل تراب الحل إلى الحرم أو عكسه كمن أحتاج للسفر بآنية من تراب الحرم أو دخوله بها جاز وهو أولى مما سبق في جواز قطع نبات الحرم للدواء ونحوه وأولى من تجويز آنية الذهب والفضة للحاجة وقد قال الزركشي ينبغي أن يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه لأطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي من الصداع قلت فتربه صعيب أولى بذلك لما سبق فيها ويجب على من أخرج شيئاً من تراب الحرم أو حجره أن يردّه ولا ضمان في تركه قال الدميري فإذا نقل تراب أحد الحرمين إلى الآخر هل يزول التحريم أي فينقطع وجوب الردّ أو يفرق بين نقله للأشرف وعكسه فيه نظروا

ص: 236

في تغليظ الدية على القاتل خطأ بحرم المدينة كمكة خلاف مبني على الخلاف في ضمان صيدها ولذا أختار السراج البلقيني أنها تغلظ لأن المختار كما سبق عن النووي وغيره ضمان صيدها بالسلب وهو متجه واستحسن الروياني التسوية بين الحرمين في أن من مات من الكفار بهما يخرج ويدفن خارجها وعلي القول باختصاص مكة بذلك فسببه أن الكفار أخرجوا منها حبيبه صلى الله عليه وسلم فعوقبوا بالمنع من الحلول فيها مطلقا.

ص: 237