الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل السابع " في أحكام حرمها
أتفق الأئمة الثلاثة وغيرهم على تحريم قطع شجرها وصيدها خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه وما سبق من الأحاديث الصحيحة الصريحة حجة عليه ويتمسك بقول صلى الله عليه وسلم كما حرم إبراهيم مكة على كل ما لم يقم دليل على افتراق الحرمين فيه ولمسلم أنّ سعد أركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسليه ثيابه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم فقال معاذ الله أن أردّ شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وفي رواية للمفضل الجندي فأخذ فأسه ونطعه وشيئاً سوى ذلك فأطلع العبد إلى سادته فأخبرهم فركبوا إلى سعد فقالوا الغلام غلامنا فأردد إليه ما أخذت منه فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث السابق في الفصل قبله ولأبي داود لأنّ سعد أوجد عبيدا من عبيد المدينة يقطعون شجرا من شجر المدينة قال فأخذ متاعهم وقال يعني لمواليهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء وقال من قطع منه شيئاً فإن أخذ سلبه ولأبن زبالة أن سعد أوجد جارية لعاصية السلمية تقطع فضربها بها وسلبا شمله لها وفأسا كانت معها فاستعدت عاصية عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال أردد إليها يا أبا إسحاق
فقال لا والله لا أردد إليها غنيمة غنمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يقول من وجدتموه يقطع الحمى فاضربوه واسلبوه واتخذ من فأسها مما تغازل يعمل بها حتى لقي الله تعالى وفي رواية له يقطع شجرا بالعقيق وأنه قال غنما رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجدناه يقطع من شجر حرم المدينة الرطب منه وللجندي أن عمر رضي الله عنه قال لغلام قدامة بن مظعون أنت على هؤلاء الحطابين فمن وجدنه احتطب فيما بين لابتي المدينة فلك فأسه وحبله وثوباه قال عمر ذلك كثير
ولأبي داود وهو صحيح أو حسن كما قال النووي أن سعدا أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابه فجاء مواليه فكلموه فيه فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم هذا الحرم وقال من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه فلا أردد طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن إن شئتم دفعت إليكم ثمنه وفي الموطا عن أبي أيوب الأنصاري أنه وجد غلمانا قد ألجوا ثعلبا إلى زاوية فطردهم عنه قال مالك لا أعلم أنه قال أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بصنع هذا وللطبراني برجال الصحيح مثله عن زيد بن ثابت بدل أبي أيوب وله أيضا عن شرحبيل بن سعيد قال أخذت نهسا يعني
طائرا بالأسواق فأخذه مني زيد بن ثابت فأرسله وقال أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها ولأحد وغيره نحوه
وللطبراني في الكبير برجال ثقات عن عبد الله بن عباد الرزقي كنت أصيد العصافير في بئرا هاب وكانت لهم قال فرآني عبادة بن الصامت وقد أخذت العصفور فينزعه مني ويقول أي بنيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة وللبزاز عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف اصطدت طيرا بالقنبلة فلقيني أبي عبد الرحمن فعرك أذني ثم أخذ مني فأرسله وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم صيد ما بين لابتيها وتمسك الحنفية بقصة أبا عمير ما فعل النغير قالوا وإلا لما جاز حبس النغير ومحمله عندنا أنه من صيدا لحل إذ لا يجب إرساله بل يجوز ذبحه بالحرم وهم يمنعون ذلك وبتقدير تسليمه فهو محتمل لأن يكون قبل تحريم المدينة
وتمسك بعضهم بقطعه صلى الله عليه وسلم النخل لبناء المسجد وجوابه أن ذلك كان في أول الهجرة وتحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما أوضحه الحافظ ابن حجر مع أن النخل مما يستنبته الآدميون وقد ذهبت الحنفية كالمالكية إلى جواز قطعه في الحرم المكي أيضا والأصح عندنا المنع إلا لحاجة العمارة ونحوها كما سيأتي عن الغزالي بل
قال الماروردي أن محل الخلاف فيما كان من ذلك في موات الحرم فإن أنبته شخص في ملكه جاز قطعه بلا خلاف كما أنه لا خلاف في جواز قطع ما يستنبت من غير الشجر كالحنطة والخضراوات مطلقا وقال البهيقي إنه استدلوا بحديث سلمة إما إن كنت تصيد بالعقيق لشيعتك إذا ذهبت وتلقيتك إذا جئت فإني أحب العقيق
قال وهو حديث ضعيف لا يعارض به الأحاديث الصحيحة الثابتة ويجوز أن يكون الموضع الذي كان
يصيد فيه سلمة خارجا من الحرم أي لأن العقيق يمتد إلى البقيع كما سيأتي فبعضه خارج الحرم جزما بخلاف موضع قصر سعد مع قصور العقيق فإنها بحرته مع احتمال أن ذلك كان قبل التحريم قال الطحاوي يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها وكان بقاء ذلك مما يزيد في رؤيتها ويدعوا إليها
كما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينتها فلما انقطعت الهجرة زال ذلك قلت أراد أن النهي ليس التحريم فهو خلاف مقتضاه ما لم يقم دليل على خلافه وأن أراد نسخه فالنسخ لا يثبت إلا بدليل وأختلف القائلون بالتحريم فعن أحمد في الجزاء روايتان وعن الشافعي قولان الجديد عدمه وهو قول مالك واختاره ابن المنذر وابن نافع من أصحاب مالك وجوبه
وقال القاضي عبد الوهاب أنه إلا قيس وأختاره النووي وغيره لصحة حديث سعد والجواب عنه مشكل ويسلب كالقتيل من الكفار حتى يؤخذ فرسه وسلاحه
وقيل الثياب فقط ويكون ذلك للسالب على الأصح وقيل لفقراء المدينة ويترك للمسلوب ما يستر به عورته
وفي أخذ منه بعد وجهان ويسلب إذا صاد وإن لم يتلف فإن كانت ثيابه مغصوبة لم تسلب بلا خلاف كما في شرح المهذب وقال البلقيني الذي يقتضيه النظر أنّ العبد لا يسلب إذ لا ملك له وكذا لو كان على الصائد ثوب مستأجر أو مستعار
قلت التحقيق التفصيل بين أن يأمر السيد ومن في معناه بذلك أم لا ويحمل ما اتفق لسعد على الأول يجوز أخذ ما يتغذى به مما ينبت بنفسه كالرجلة ونحوه كما قاله المحب الطبري وهو ظاهر فهو أولى من أخذه للبهائم وفرق المطري تبعا لأبن النجار وابن الجوزي من الحنابلة بين حرم مكة والمدينة فقال يجوز أخذ ما تدعوا الحاجة إليه من شجر حرم المدينة للرحل بالحاء المهملة والوسائد ومن حثيثه للعلف بخلاف مكة لما سبقت الإشارة إليه في بعض أحاديث الفصل قبله ولابن زبالة يا رسول الله أنا أصحاب عمل وأنا لا نستطيع أن ننتاب أرضا فرخص لهم في القائمتين والوسادة والعارضة والاثنان قلت مثل هذا لا يحتج به وسبق من جنسه ما يعارضه بل روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه بإسناد حسن
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمنع أن يقطع المسد قال خارجة والمسد مرود البكرة وأخذ الحشيش للدواب جائز عندنا على الأصح في حرم مكة وقال النووي في حديث مسلم المتقدم أن فيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف بخلاف خبط الأغصان وقطعها فإنه حرام وقال هو وغيره في شجر مكة أنه يجوز أخذ ورقها لكنها لا تهش حذرا من أن يصيب لحاءها فقد استوى الحرمان في ذلك
وقال الغزالي حرم مكة لو قطع منه للحاجة التي يقطع لها إلا ذخر كتسقيف البيوت ونحوه ففيه الخلاف في قطعه للدواء أي والأصح جوازه وتبعه على ذلك صاحب الحاوي الصغير فجوز القطع للحاجة مطلقا ولم يخص الدواء فالحرمان في ذلك سواء وقل من تعرض للمسألة وما ذكروه في الدواء يتناول تحصيله له وإن لم يكن السبب قائما وهو ظاهر إطلاق الماوردي واستدلال بعضهم بنقل السنا المكي لكن عبارة الروضة ولو احتج إليه للدواء وفي شرح المهذب يجوز أخذه للعلف ولو أخذه لبيعه ممن يعلف به لم يجز ومقتضى ما سبق في الفصل قبله من قوله في الحديث ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لتطتها امتناع تنفير صيدها أي لا يصاح عليه فينفر كما قالوه في الحرم المكي وقد سوى صاحب الانتصار من أصحابنا بين الحرمين
في أن لقطتهما لا تحل للتملك بل للعفظ أبدا وهو مقتضى الدليل خلافا للدرامي حيث أرمي حيث فرق بينهما وقال الأئمة الثلاثة أن لقطتها تحل للتملك كغيرها ومقتضى قوله ولا يحمل فيها سلاح لقتال مجيء الخلاف الذي في مكة وأن المقاتلة الجائزة بغيرها تحرم فيها كقتال البغاة بل يضيق عليهم أن يخرجوا أو يفيأوا
وذهب الحسن إلى تحريم حمل السلاح بمكة للنهي عن القتال فيها وهو سببه وفي الصحيح لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة ونقل النووي عن الماوردي أنه طرد الوجهين في سقوط فرض الاستنجاء بالذهب والديباج في حجارة الحرم قل ولعل مراده ما نقل منها إلى الحل إذ لا خلاف في جواز البول في الحرم فالأستنجاء بأحجاره كذلك وصحح الرافعي كراهة نقل أحجار الحرم
وترابه وما أتخذ منه ونقلها النووي عن كثيرين أو الأكثرين وصحح هو التحريم وقال أبو حنيفة لا بأس به
وحمل تراب الحل وأحجاره إلى الحرم خلاف
الأولى كما في شرح المهذب وأطلق في الروضة والمناسك الكراهة عليه ويظهر أن محل ذلك فيما لم تدع الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى نقل تراب الحل إلى الحرم أو عكسه كمن أحتاج للسفر بآنية من تراب الحرم أو دخوله بها جاز وهو أولى مما سبق في جواز قطع نبات الحرم للدواء ونحوه وأولى من تجويز آنية الذهب والفضة للحاجة وقد قال الزركشي ينبغي أن يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه لأطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي من الصداع قلت فتربه صعيب أولى بذلك لما سبق فيها ويجب على من أخرج شيئاً من تراب الحرم أو حجره أن يردّه ولا ضمان في تركه قال الدميري فإذا نقل تراب أحد الحرمين إلى الآخر هل يزول التحريم أي فينقطع وجوب الردّ أو يفرق بين نقله للأشرف وعكسه فيه نظروا في تغليظ الدية على القاتل خطأ بحرم المدينة كمكة خلاف مبني على الخلاف في ضمان صيدها ولذا أختار السراج البلقيني أنها تغلظ لأن المختار كما سبق عن النووي وغيره ضمان صيدها بالسلب وهو متجه واستحسن الروياني التسوية بين الحرمين في أن من مات من الكفار بهما يخرج ويدفن خارجها وعلي القول باختصاص مكة بذلك فسببه أن الكفار أخرجوا منها حبيبه صلى الله عليه وسلم فعوقبوا بالمنع من الحلول فيها مطلقا. لأولى كما في شرح المهذب وأطلق في الروضة والمناسك الكراهة عليه ويظهر أن محل ذلك فيما لم تدع الحاجة إليه فإن دعت الحاجة إلى نقل تراب الحل إلى الحرم أو عكسه كمن أحتاج للسفر بآنية من تراب الحرم أو دخوله بها جاز وهو أولى مما سبق في جواز قطع نبات الحرم للدواء ونحوه وأولى من تجويز آنية الذهب والفضة للحاجة وقد قال الزركشي ينبغي أن يستثنى من منع نقل تراب الحرم تربة حمزة رضي الله عنه أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه لأطباق السلف والخلف على نقلها للتداوي من الصداع قلت فتربه صعيب أولى بذلك لما سبق فيها ويجب على من أخرج شيئاً من تراب الحرم أو حجره أن يردّه ولا ضمان في تركه قال الدميري فإذا نقل تراب أحد الحرمين إلى الآخر هل يزول التحريم أي فينقطع وجوب الردّ أو يفرق بين نقله للأشرف وعكسه فيه نظروا
في تغليظ الدية على القاتل خطأ بحرم المدينة كمكة خلاف مبني على الخلاف في ضمان صيدها ولذا أختار السراج البلقيني أنها تغلظ لأن المختار كما سبق عن النووي وغيره ضمان صيدها بالسلب وهو متجه واستحسن الروياني التسوية بين الحرمين في أن من مات من الكفار بهما يخرج ويدفن خارجها وعلي القول باختصاص مكة بذلك فسببه أن الكفار أخرجوا منها حبيبه صلى الله عليه وسلم فعوقبوا بالمنع من الحلول فيها مطلقا.