الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة الأدلة:
يمكن أن نقول في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ} يحتمل أن تكون علم بمعنى أقدر أي أن الله سبحانه وتعالى أقدر آدم على النطق بهذه الأسماء، وجعل فيه القدرة على إيجادها بنفسه ويمكن أن يكون معناه ألهم كما في قوله تعالى:{وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ} 1 الآية والدليل إذا دخله الاحتمال بطل به الاستدلال. ومع اختلاف المفسرين في معنى "الأسماء" نرى ابن فارس ومن لف لفه يتمسكون بتفسير ابن عباس.
فإن اعترض عليهم معترض بأن الضمير في عرضهم للعاقل ولو كان الأمر كما تدعون لقال عرضهن أو عرضها ردوا عليه بأن ذلك من باب التغليب ونظير ذلك قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} 2 فقال منهم فغلب العاقل على غير العاقل، وما ذكر من أن اللسان المراد منه اللغة نقول: بأن مجاز يعارضه مجازات أخرى كأن يكون المراد مخارج الحروف أو القدرة عليها فلم يثبت الترجيح وذم الله القوم؛ لأنهم سموا
1 من الآية رقم 80 من سورة الأنبياء.
2 من الآية رقم 45 من سورة النور.
الأصنام آلهة واعتقدوها كذلك1 ونقول: بأن الاصطلاح لا يستدعي تقدم اصطلاح آخر بدليل تعليم الوالدين الطفل دون سابقة اصطلاح هناك، أما ما ورد بسفر التكوين من أن الله بعد أن خلق الحيوانات والطيور والدواب عرضها على آدم ليرى كيف يسميها فوضع آدم أسماء لهذه المخلوقات فيرد عليه بعض الباحثين بقوله: إن هذه القصة تحوي نوعًا من السذاجة وفيها أيضًا شيء من الطرافة ومن البعيد أن نتصور أن الله أحضر هذه الحيوانات وهذه الطيور أمام آدم كما يحضرها شخص لشخص آخر كما هو ظاهر القصة، ثم تساءل كيف حصلت هذه التسمية لكل هذه الحيوانات وتلك الطيور في مشهد قصير بهذه الصورة التي تروى بها القصة؟ "1.
ولقد أنكر بعض الباحثين مذهب التوقيف بناء على تفسير أصحابه قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} بتعليم الله سبحانه وتعالى آدم بطريق مباشر أسماء جميع
1 ويمكن أن يقال: لو كان الذم منصبًّا على العبادة لقال عبدتموها.
2 قضايا لغوية د. كمال بشر ص113، 114.
الأشياء المحيطة به عن قرب أو عن بعد والموجودة في عصره والتي ستوجد في العصور المقبلة ويعللون سبب هذا الإنكار بقولهم: قد يوافق العقل أن الله علم آدم بالقوة أو بالفعل أسماء ما يحيط به من أشياء وما كان قريبًا منه، ولكن من الصعب بل من المستحيل أن يوافق على أنه علمه أسماء ما ليس محيطًا به. وما كان بعيدًا عنه إذا ما الفائدة المترتبة على هذا التعليم وما الهدف منه؟ ثم لنا أن نتساءل هل يستطيع آدم أن يحيط بأسماء كل الأشياء حاضرها ومستقبلها؟ الجواب أظنه بالنفي فآدم بشر عادي له مقدرة محدودة وإمكانات معينة1.
وهذا لا يخالف ما ذهب إليه ابن فارس فلقد ذهب ابن فارس إلى أن الله علم آدم ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه وانتشر من ذلك ما شاء الله.
1 قضايا لغوية د. كمال بشر ص135، 136 بتصرف.