الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معرفة الفصيح من العرب:
عقد السيوطي فصلًا في معرفة الفصيح من العرب وضح فيه أفصح الخلق ثم أفصح العرب، فقال: أفصح الخلق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين جل وعز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنا أفصح العرب"، رواه أصحاب الغريب ورووه أيضًا بلفظ:"أنا أفصح من نطق بالضاد بيد1، أني من قريش"، وتقدم حديث: أن عمر قال: يا رسول الله مالك أفصحنا، ولم تخرج من بين أظهرنا
…
الحديث وروى البيهقي في شعب الإيمان عن محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمي: أن رجلًا قال يا رسول الله، ما أفصحك! فما رأينا الذي هو أعرب منك. قال:"حق لي فإنما أنزل القرآن عليّ بلسان عربي مبين" وقال الخطابي: اعلم أن الله لما
1 بيد ملازمة للإضافة إلى أن واسمها، ويرى الدماميني أنه لا دليل على اسميتها لجواز أن تكون حرف استثناء وعلى القول باسميتها لها استعمالان أحدهما أنها بمعنى غير إلا أنها منصوبة دائمًا ولا تقع صفة ولا تكون إلا في الاستثناء المنقطع ومنه الحديث:"نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا". ثانيهما: بمعنى من أجل كحديث::"أنا أفصح العرب بيد أني من قريش" ويرى ابن مالك وغيره أنا بمعنى غير وأن الحديث من تأكيد المدح بما يشبه الذم.
وضع رسوله صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وحيه، ونصبه منصب البيان لدينه اختار له من اللغات أعربها، ومن الألسن أفصحها وأبينها ثم أمده بجوامع الكلم. قال:"ومن فصاحته أنه تكلم بألفاظ اقتضبها لم تسمع من العرب قبله، ولم توجد في متقدم كلامها، كقوله: "مات حتف أنفه"، و"حمي الوطيس" و "لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين". في ألفاظ عديدة تجري مجرى الأمثال وقد يدخل في هذا إحداثه الأسماء الشرعية. انتهى.
وأفصح العرب قريش، قال ابن فارس في فقه اللغة باب القول في أفصح العرب أخبرني أبو الحسن1 أحمد بن محمد مولى بنى هاشم بقزوين، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عباس الحشكي، "قال" حدثنا إسماعيل بن أبي عبد الله، قال: أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لإشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالهم أن قريشًا أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة وذلك أن الله تعالى
1 في فقه اللغة للثعالبي: أبو الحسين.
اختارهم من جميع العرب، واختار منهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فجعل قريشًا قطان حرمه وولاة بيته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش "في دارهم" وكانت قريش مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها، إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها فصاروا بذلك أفصح العرب.
ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ولا عجرفية قيس ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة ولا كسر أسد وقيس وروى أبو عبيد من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن على سبع لغات منها خمس بلغة العجز من هوازن هم الذين يقال لهم عليا هوازن، وهم خمس قبائل أو أربع منها سعد بن بكر وجشم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف. قال أبو عبيد: وأحسب أفصح هؤلاء بني سعد بن بكر وذلك
لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصح العرب بيد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بن بكر" وكان مستعرضًا فيهم وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العلاء: أفصح العرب عليا هوازن، وسفلى تميم. وعن ابن مسعود: أنه كان يستحب أن يكون الذين يكتبون المصاحف من مضر، وقال عمر: لا يملين في مصاحفنا إلا غلمان قريش وثقيف، ثم أضاف:
وقال ثعلب في أماليه: ارتفعت قريش في الفصاحة عن عنعنة تميم وتلتلة بهراء وكسكسة ربيعة وكشكشة هوازن وتضجع قريش وعجرفية ضبة وفسر تلتلة بكسر أوائل الأفعال المضارعة.
وقال أبو نصر الفارابي في أول كتابة المسمى "بالألفاظ والحروف" كانت قريش أجود العرب انتقادًا للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعًا وأبينها إبانة عما في النفس، والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اقتدى وعنهم أخذ اللسان
العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد فإن هؤلاء الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم1.
1 الْمُزهر ج1، ص209-211.
أجناس 1 الكلام في الاتفاق والافتراق:
من كلام العرب اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين.
فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين فقولك: ذهب، وجاء، وقام، وقعد، وتكلم، وسكت.
ورجل، وامرأة، وفرس، وجمل، وناقة، ويوم، وليلة، ويد، ورجل، وهذا هو الكثير الذي لا يحاط.
وأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد فقولك: ظننت وحسبت، وقعدت وجلست، وذهبت ومضيت وانطلقت، وذراع وساعد، وأنف ومرسن، وبر وحنطة، وريب وشك، وعير وحمار، ويسمى "الترادف": وهو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد:
1 الأجناس جمع جنس، والجنس بالكسر أعم من النوع وهو: كل ضرب من الشيء، فالإبل جنس من البهائم.
وأن فوائده أن تكسر الوسائل -أي الطرق- إلى الإخبار عما في النفس، فإنه ربما نسي الإنسان أحد اللفظين، أو عسر عليه النطق به إذا كان ألثغ، ولولا المترادفات تعينه على قصده لما قدر على ذلك ومنها التوسع في سلوك طرق الفصاحة وأساليب البلاغة في النظم والنثر؛ وذلك لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر السجع والقافية والتجنيس1 والترصيع2 وغير ذلك من أصناف البديع، ولا يتأتى ذلك باستعمال
1 التجنيس هو أن يورد المتكلم كلمتين تجانس كل واحدة منهما صاحبتها في تأليف حروفها.
2 والترصيع هو أن يكون حشو البيت مسجوعًا وأصله في قولهم رصعت العقد إذا فصلته وذلك كقول امرئ القيس:
مخش مجش مُقبِلٍ مُدبِرٍ مَعًا
…
كَتَيسِ ظِباءِ الحُلَّبِ العدوان
المخش: الجريء الماضى.
المجش: غليظ الصوت.
التيس: فحل الظباء.
الحلب: نبات ترعاه الظباء فتضمر عليه.
العدوان: شديد العدو.
فأتى باللفظتين الأولتين مجموعتين في تصريف واحد وبالتاليتين لها شبيهتين في التصريف وربما كان السجع ليس في لفظة لفظة ولكن في لفظتين لفظتين بالوزن نفسه ومنه قول أبي صخر الهذلي:
سود ذوائبها بيض ترائبها
…
محض ضرائبها صيغت على الكرم
الذوائب جمع ذؤابة، شعر في أعلى ناصية الفرس، الترائب: عظام الصدر أو ما ولي الترقوتين منه أو اليدان والرجلان والعينان أو موضع القلادة.
الضرائب: جمع ضريبة وهي الطبيعة. والمحض: الخالص.
مرادفه مع ذلك اللفظ ومنها قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر فيكون شرحًا للآخر الخفي وقد ينعكس الحال بالنسبة إلى قوم دون آخرين. والمترادف مما امتازت به اللغة العربية وطالت به غيرها من اللغات ومظهر من مظاهر اتساع اللغة وعظمها.
وأما اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين فيسمى اللفظ المتعدد المعنى وينقسم إلى قسمين:
1-
المشترك اللفظي.
2-
التضاد1.
فالمشترك اللفظي هو: اللفظ الواحد الدال على معنين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة، تقول وجدت شيئًا إذا أردت وجدان الضالة ووجدت على الرجل من الموجدة، "وهي الغضب".
ووجدت زيدًا كريمًا أي علمت.
1 التضاد: نوع من المشترك ولا يتم الحديث عن المشترك اللفظي إلا بالتعرض للألفاظ التي يدل للفظ منها على المعنى وضده والتي اصطلح القدماء من علماء العربية على تسميتها بالأضداد.
كذلك: ضربت زيدًا، وضربت مثلًا، وضربت في الأرض إذا أبعدت وكذلك العين: عين المال، والعين التي يبصر بها، وعين الماء، والعين من السحاب الذي يأتي من قبل القبلة، وعين الشيء إذا أردت حقيقته، وعين الميزان. وهذا الضرب كثير جدًّا.
التضاد: هو دلالة اللفظ على معنيين متضادين دلالة مستوية عند أهل تلك اللغة. كقولهم جلل: للعظيم ولليسير أو الصغير. والجون للأسود وللأبيض، والصارخ للمستغيث وللمغيث، الصريم: الصبح والصريم الليل والظن يقين وشك.
اعتراض: فإن قيل بأن الاسم منبئ عن المعنى الذي تحته، ودال عليه وموضح تأويله، فإذا اعتور1 اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطب أيهما أراد المخاطب، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على هذا المسمى.
1 اعتور: تناوب.
الجواب: إن كلام العرب يصحح بعضه بعضًا، ويرتبط أوله بآخره، لا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه استكمال جميع حروفه، فجاز وقوع اللفظة الواحدة على المعنيين المتضادين؛ لأنها تتقدمها ويأتي بعدها ما يدل على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، فلا يراد بها في حال التكلم والإخبار إلا معنى واحد، فمن ذلك قول الشاعر:
كل شيء ما خلا الموت جلل
…
والفتى يسعى ويلهيه الأمل1
فدل ما تقدم قبل "جلل وتأخر بعده، على أن معناه كل شيء ما خلا الموت يسير، ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن الجلل هنا معناه عظيم. وقال الآخر:
قومي هم قتلوا أميم أخي
…
فإذا رميت يصيبني سهمي
1 في اللسان نسب للبيد وروي:
كل شيء ما خلا الله جلل
…
والمرء يسعى ويلهيه الأمل
فلئن عفوت لأعفون جللا
…
ولئن سطوت لأوهنن عظمي1
فدل الكلام على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفون عفوًا عظيمًا؛ لأن الإنسان يفخر بصفحة عن ذنب حقير يسير. فلما كان اللبس في هذين زائلًا عن جميع السامعين لم يذكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين.
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} 2، وكذا {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ} 3، أراد الذين يتيقنون ذلك، فلم يذهب وهم عاقل إلى أن الله تعالى يمدح قومًا بالشك في لقائه، وقال تعالى:{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ} 4، أي اعتقدوا اعتقادًا كانوا منه في حكم المتيقنين، وقال تعالى:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيه} 5،
1 سطا عليه وبه سطوًا وسطوة: صال أو قهر بالبطش.
2 من الآية رقم 46 من سورة البقرة.
3 من الآية رقم 249 من سورة البقرة.
4 من الآية رقم 2 من سورة الحشر.
5 من الآية رقم 87 من سورة الأنبياء، وذا النون لقب يونس عليه السلام.
فقد قيل الأولى أن يكون من الظن الذي هو التوهم. أي ظن أن لن نضيق عليه.
ولا يقول مسلم تيقن يونس أن الله لا يقدر عليه1 ومنه إضافة على ما تقدم تقارب اللفظين والمعنيين: كالحزم والحزن2.
فالحزم من الأرض أرفع من الحزن، كالخضم وهو بالفم كله والقضم وهو بأطراف الأسنان، ومثل نضخ الماء فالنضخ أقوى من النضح، فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف والخاء لغلظها لما هو أقوى منه.
وقسم وقصم فالقصم أقوى فعلًا من القسم؛ لأن القصم يكون معه الدق وأما القسم، فقد يقسم بين الشيئين فلا ينكأ3 أحدهما فخضت الصاد بالأقوى والسين
1 انظر المُزهر للسيوطي ج1، ص388، 398، 399 بتصرف. انظر أيضًا المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني معنى الآيات ص317.
2 الحزم والحزن: ما غلظ من الأرض.
3 ينكأ: يقشر
بالأضعف. ومنه اختلاف اللفظين وتقارب المعنيين كقولنا: مدحه إذا كان حيًّا وابنه إذا كان ميتًا.
ومنه تقارب اللفظين واختلاف المعنيين وذلك قولنا: حرج إذا وقع في الحرج وتحرج إذا تباعد من الحرج، كذا أثم وتأثم، وفزع إذا أتاه الفزع وفزع عن قلبه إذا نحى عنه الفزع.