الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المزهر:
مؤلفه:
السيوطي، ولد جلال الدين السيوطي في غرة شهر رجب عام 849هـ وتوفي في 19 جمادى الأولى عام 911هـ عن اثنين وستين عامًا إلا شهرًا تقريبًا.
مكانته العلمية:
لقد حفظ القرآن وهو صغير سنه دون الثمانية، كما حفظ عديدًا من كتب اللغة وغيرها كالعمدة، وألفية ابن مالك ورحل إلى بلاد كثيرة في سبيل طلب العلم، وبذلك تبوأ مكانة علمية مرموقة فلقد تولى الإفتاء، وأملى الحديث وألف كتبه المعروفة المشهورة التي حفظت التراث اللغوي بما حوته من أقوال المتقدمين من علماء العربية.
مؤلفاته:
ألف السيوطي كتبًا كثيرة كالإتقان في علوم القرآن والاقتراح في أصول النحو، وحسن المحاضرة والأشباه والنظائر، والمزهر الذي نحن بصدد دراسة بعض ما حواه، إلا أنه وصف بكثرة النقل عن القدماء ولم تكن له فكرة مستقلة عن سابقيه، أو تعليقًا في كثير من كتبه.
القصد من تأليف المزهر:
لقد بين السيوطي القصد والهدف من تأليف هذا الكتاب في مقدمته حيث يقول: هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه واخترعت تنويعه وتبويبه.. حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع.. وقد كان كثير ممن تقدم يلم بأشياء من ذلك، ويعتني في بيانها بتمهيد المسالك، غير أن هذا المجموع لم يسبقني به سابق، ولا طرق سبيله طارق.
وسنتناول في دراستنا بعض ما نقله السيوطي عن العلماء السابقين في نشأة اللغة، وكذلك تطور اللغة وما ذكر في هذا -الكتاب خاصًّا باللهجات.
لقد خصص السيوطي مسألة في بيان واضع اللغة: أتوقيف هي ووحي، أم اصطلاح وتواطؤ. نقل فيها أقوال العلماء السابقين كابن فارس وابن جني وغيرهما فيقول1: قال أبو الحسين أحمد بن فارس في فقه اللغة: اعلم أن لغة العرب توقيف دليل ذلك قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} فكان ابن عباس يقول: علمه الأسماء كلها وهي هذه الأسماء والتي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وجمل وحمار وأشبه ذلك في الأمم وغيرها.. نقل جميع ما قاله ابن فارس في نشأة اللغة انتهى بقوله هذا كله كلام ابن فارس وكان من أهل السنة.
1 المزهر ج1 ص8-10.
ثم نقل قول ابن جني الذي نقلناه سابقًا فقال1: قال ابن جني في الخصائص وكان هو وشيخه أبو علي فارسي معتزليين: باب القول على أصل اللغة؟ أإلهام هي أم اصطلاح؟ هذا موضع محوج إلى فضل تأمل غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي ولا توقيف.. إلى أن قال هذا كله كلام ابن جني.
ثم ذكر السيوطي بعد أن نقل قول ابن فارس وابن جني، ورأى الإمام فخر الدين الرازي فقال: وقال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول وتبعه تاج الدين الأرموي في الحاصل، وسراج الدين الأرموي في التحصيل ما ملخصه: النظر الثاني في الواضع: الألفاظ إما أن تدل على المعاني بذواتها، أو بوضع الله إياها، أو بوضع الناس أو يكون البعض بوضع الله والباقي بوضع الناس، والأول مذهب عباد بن سليمان،
1 المزهر ج2 ص10-16.
والثاني مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك1 والثالث مذهب أبي هاشم، وأما الرابع فإما أن يكون الابتداء من الناس والتتمة من الله وهو مذهب قوم، أو الابتداء من الله والتتمة من الناس وهو مذهب الأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني. والمحققون متفقون في الكل إلا في مذهب عباد. ودليل فساده أن اللفظ لو دل بالذات لفهم كل واحد منهم كل اللغات، لعدم اختلاف الدلالات الذاتية واللازم باطل فالمذموم كذلك.
واحتج عباد بأنه لولا الدلالة الذاتية لكان وضع لفظ من بين الألفاظ بإزاء معنى من بين المعاني ترجيحًا بلا مرجح وهو محال. وجوابه أن الواضع إن كان هو الله فتخصيصه الألفاظ بالمعاني كتخصيص العالم بالإيجاد في وقت من بين سائر الأوقات.
وإن كان هو الناس فلعله لتعين الخطران بالبال، ودليل إمكان التوقف احتمال خلق الله تعالى الألفاظ
1 هو محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني عالم بالأصول والكلام توفي علم 406هـ.
ووضعها بإزاء المعاني وخلق علوم ضرورية في ناس بأن تلك الألفاظ موضوعة لتلك المعاني. ودليل إمكان الاصطلاح إمكان أن يتولى واحد أو جمع وضع الألفاظ لمعانٍ، ثم يفهموها لغيرهم بالإشارة كحال الوالدات مع أطفالهن. وهذان الدليلان هما دليلا إمكان التوقيف.
واحتج القائلون بالتوقيف بوجوه:
أولها:
قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} 1 فالأسماء كلها معلمة من عند الله بالنص، وكذا الأفعال والحروف؛ لعدم القائل بالفصل، ولأن الأفعال والحروف أيضًا أسماء؛ لأن الاسم ما كان علامة التميز من تصرف النحاة لا من اللغة، ولأن التكلم بالأسماء وحدها متعذر.
1 من الآية رقم31 من سورة البقرة.
وثانيها:
أنه سبحانه وتعالى: ثم قومًا في إطلاقهم أسماء غير توقيفية في قوله تعالى: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} 1 وذلك يقضي كون البواقي توقيفية.
وثالثهما:
قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} 2 والألسنة اللحمانية غير مرادة لعدم اختلافها؛ ولأن بدائع الصنع في غيرها أكثر، فالمراد هي اللغات.
ورابعها:
وهو عقلي: لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب ببعضها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة يعود إليه الكلام ويلزم أما الدور أو التسلسل في الأوضاع وهو محال، فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.
1 من الآية رقم23 من سورة النجم.
2 من الآية رقم22 من سورة الروم.
واحتج القائلون بالاصطلاح بوجهين:
أحدهما:
لو كانت اللغات توقيفية لتقدمت واسطة البعثة على التوقيف والتقدم باطل وبيان الملازمة أنها كانت توقيفية فلا بد من واسطة بين الله والبشر، وهو النبي لاستحالة خطاب الله تعالى مع كل أحد بيان بطلان لتقدم قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} 1، وهذا يقتضي تقدم اللغة على البعثة.
والثاني:
لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علمًا ضروريًّا في العاقل أنه وضع الألفاظ لكذا، أو في غير العاقبل أو بألا يخلق علمًا ضروريًا أصلًا، والأول باطل، إلا لكان العاقل عالمًا بالله بالضرورة؛ لأنه إذا كان عالمًا بالضرورة يكون الله واضع كذا لكذا
1 من الآية رقم4 من سورة إبراهيم.
كان علمه بالله ضروريًا ولو كان كذلك لبطل التكليف، والثاني باطل؛ لأن غير العاقل لا يمكنه إنهاء تمام هذه الألفاظ. والثالث باطل؛ لأن العلم بها إذا لم يكن ضروريًّا احتاج إلى توقيف آخر ولزم التسلسل. ثم ذكر الجواب عن حجج أصحاب التوقيف فقال: والجواب عن الأولى من حجج أصحاب التوقيف: لم لا يتجاوز أن يكون المُراد من تعليم الأسماء الإلهام إلى وضعها ولا يقال التعليم إيجاد العلم فإنا لا نسلم بذلك، بل التعليم فعل يترتب عليه العلم ولأجله يقال علمته فلم يتعلم.
سلمنا أن التعليم إيجاد العلم، لكن تقرر في الكلام أن أفعال العباد مخلوقه لله تعالى، فعلى هذا: العلم الحاصل بها موجد الله.
سلمناه لكن الأسماء هي سمات الأشياء وعلاماتها مثل أن يعلم آدم صلاح الخيل للعدو، والجمال للحمل، والثيران للحرث فلم قلتم: إن المراد ليس ذلك؟ وتخصيص الأسماء بالألفاظ عرف جديد، سلمنا أن
المراد هو الألفاظ، ولكن لم لا يجوز أن تكون هذه الألفاظ وضعها قوم آخرون قبل آدم وعلمها الله آدم، وعن الثانية أنه تعالى: ذمهم لأنهم سموا الأصنام آلهة اعتقدوها كذلك.
وعن الثالثة:
أن اللسان هو الجارحة المخصوصة، وهي غير مرادة بالإتقان والمجاز الذي ذكرتموه يعارضه مجازات أخرى، نحو مخارج الحروف، أو القدرة عليها، فلم يثبت الترجيح.
وعن الرابعة:
أن الاصطلاح لا يستدعى تقدم اصطلاح آخر بدليل تعليم الوالدين الطفل دون سابقة اصطلاح ثمة. ثم أجاب السيوطي عن حجتي أصحاب الاصطلاح فقال: والجواب عن الأولى من حجتى أصحاب الاصطلاح: لا نسلم
توقف على البعثة، لجواز أن يخلق الله فيهم العلم الضروري بأن الألفاظ وضعت لكذا وكذا.
وعن الثانية:
لم يخلق الله العلم الضروري في هذا لا يكون واضعًا وضع تلك الألفاظ لتلك المعاني، وعلى هذا لا يكون العلم بالله ضروريًّا. سلمناه، ولكن لم لا يجوز أن يكون الإله معلوم الوجود بالضرورة لبعض العقلاء، قوله لبطل التكليف قلنا: بالمعرفة. أما بسائر التكاليف فلا. انتهى.
وقال أبو الفتح بن برهان: في كتاب الوصول إلى الأصول: اختلف العلماء في اللغة هل تثبت توقيفًا أو اصطلاحًا فذهب المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحًا، وذهبت طائفة إلى أنها تثبت توقيفًا.
وزعم الأستاذ أبو إسحاق1 الإسفراييني أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع يثبت توقيفًا، وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحد من الطرفين.
ومثال القاضى أبو بكر: يجوز أن يثبت توقيفًا، ويجوز أن يثبت اصطلاحًا، ويجوز أن يثبت بعضه توقيفًا وبعضه اصطلاحًا وكل ممكن.
وعمدة القاضى أن الممكن هو الذي لو قدر موجودًا لم يعرض من وجودها محال فوجب قطع القول بإمكانها.
وعمدة المعتزلة أن اللغات لا تدل على مدلولاتها كالدلالة العقلية ولهذا المعنى يجوز اختلافها، ولو ثبتت توقيفًا من جهة الله تعالى لكان ينبغى أن يخلق الله العلم بالصيغة ثم يخلق العلم بالمدلول، ثم يخلق لنا العلم بجعل الصنعة دليلًا على ذلك المدلول، ولو خلق لنا العلم
1 هو إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران عالم بالفقه والأصول وكان ثقة في الحديث توفي عام 418هـ.
بصفاته لجاز أن يخلق لنا العلم بذاته، ولو خلق لنا العلم بذاته بطل التكليف وبطلت المحنة.
قلنا هذا بناء على أصل فاسد، فإنا نقول يجوز أن يخلق الله لنا للعلم بذاته ضرورة، وهذه المسألة فرع ذلك الأصل.
وعمدة الأستاذ أبي إسحق الإسفراييني أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع لو ثبت اصطلاحًا لافتقر إلى اصطلاح آخر يتقدمه وهكذا فيتسلسل إلى ما لا نهاية له.
قلنا هذا باطل فإن الإنسان يمكنه أن يفهم غيره معاني الأسامي كالطفل ينشأ غير عالم بمعاني الألفاظ، ثم يتعلمها من الأبوين من غير تقدم اصطلاح.
وعمدة من قال إنها تثبت توقيفًا قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، وهذا لا حجة فيه من جهة القطع، فإنه عموم والعموم ظاهر في الاستغراق، وليس بنص.
قال القاضي: أما الجواز فثابت من جهة القطع بالدليل الذي قدمته، وأما كيفية الوقوف فأنا متوقف، فإن دل دليل من السمع على ذلك ثبت به.
وقال إمام الحرمين1 في البرهان: اختلف أرباب الأصول في مأخذ اللغات، فذهب ذاهبون إلى أنها توقيف من الله تعالى، وصار صائرون إلى أنها تثبيت اصطلاحًا وتواطؤًا، وذهب الأستاذ أبو إسحاق في طائفة من الأصحاب إلى أن القدر الذي يفهم منه قصد التواطؤ لا بد أن يفرض فيه التوقيف. والمختار عندنا أن العقل يجوز ذلك كله، فأما تجويز التوقيف فلا حاجة إلى تكلف دليل فيه، ومعناه أن يثبت الله تعالى في الصدور علومًا بديهية بصيغ مخصوصة بمعاني، فتتبين العقلاء الصيغ ومعانيها ومعنى التوقيف فيها أن يلقوا وضع الصيغ على حكم الإرادة والاختيار، وأما الدليل على تجويز وقوعها اصطلاحًا فهو أنه لا يبعد أن يحرك
1 هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني الملقب بإمام الحرمين توفي 478هـ.
الله تعالى نفوس العقلاء لذلك، ويعلم بعضهم مراد بعض، ثم ينشئون على اختيارهم صيغًا وتقترن بما يريدون أحوال لهم، وأشار إلى المسميات، وهذا غير مُستنكر، وبهذا المسلك ينطق الطفل على طوال ترديد المسمع عليه ما يريد تلقينه أفهامه، فإذا ثبت الجواز في الوجهين لم يبق لما تخيله الأستاذ وجه والتعويل في التوقيف وفرض الاصطلاح على علوم تثبت في النفوس، فإذا لم يمنع ثبوتها لم يبق لمنع التوقيت والاصطلاح بعدها معنى، ولا أحد يمنع جواز ثبوت العلوم الضرورية على النحو المبين.
فإن قيل: قد أثبتم الجواز في الوجهين عمومًا، فما الذي اتفق عندكم وقوعه؟ قُلنا: ليس هذا مما يتطرق إليه بمسالك العقول فإن وقوع الجائز لا يستدرك إلا بالسمع المحض، ولم يثبت عندنا سمع قاطع فيما كان من ذلك: وليس في قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} دليل على أحد الجائزين، فإنه لا يمتنع أن تكون اللغات لم يكن يعلمها فعلمه الله تعالى إياها، ولا يمتنع
أن الله تعالى أثبتها ابتداء وعلمه إياها. ثم نقل السيوطي قول الغزالي1 فقال: وقال الغزالي في المنخول: قال قائلون: اللغات كلها اصطلاحية إذ التوقيف يثبت بقول الرسول، ولا يفهم قوله دون ثبوت اللغة، وقال آخرون: هي توقيفية إذ الاصطلاح يعرض بعد دعاء البعض، البعض بالاصطلاح، ولا بد من عبارة يفهم منها قصد الاصطلاح وقال آخرون: ما يفهم منه قصد التواضع توقيفي دون ما عداه، ونحن نجوز كونها اصطلاحية بأن يحرك الله رأس واحد فيفهم بأن يثبت الرب تعالى مراسم وخطوطًا يفهم الناظر فيها العبارات، ثم يتعلم البعض عن البعض.
وكيف لا يجوز في العقل كل واحد منهما ونحن نرى الصبي يتكلم بكلمة أبويه، ويفهم ذلك من قرائن
1 أي الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني.
هو محمد بن محمد الغزالي، حجة الإسلام وهو فيلسوف متصوف توفي 505هـ.
أحوالها في حالة صغره فإذن الكل جائز. وأما وقوع أحد الجائزين فلا يستدرك بالعقل، ولا دليل في السمع وقوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} ، ظاهر في كونه توقيفًا وليس بقاطع ويحتمل كونها مصطلحًا عليها من خلق الله تعالى قبل آدم.
وينقل السيوطي أيضًا رأي ابن الحاجب1 فيقول: وقال ابن الحاجب في مختصره: الظاهر من هذه الأقوال قول أبي الحسن الأشعري قال القاضى تاج الدين السبكيّ في شرح منهاج البيضاوي: معنى قول ابن الحاجب القول بالوقف عن القطع بواحد من هذه الاحتمالات، وترجيح مذهب الأشعري بغلبة الظن.
قال: وقد كان بعض الضعفاء يقول: إن هذا الذي قاله ابن الحاجب مذهب لم يقل به أحد؛ لأن العلماء في المسألة بين متوقف وقاطع بمقالته، فالقول بالظهور لا قائل به، قال: وهذا ضعيف، فإن المتوقف لعدم قاطع
1 هو عثمان بن عمر بن أبي بكر من علماء العربية ولد في إسنا من صعيد جمهورية مصر العربية وتوفي عام 646هـ، وكان أبوه حاجبًا فسمي بابن الحاجب.
قد يرجح بالظن، ثم إن كانت المسألة ظنية اكتفى في العمل بها بذلك الترجيح، وإلا توقف عن العمل بها، ثم قال والإنصاف أن الأدلة ظاهرة فيما قاله الأشعري فالمتوقف إن توقف لعدم القطع فهو مصيب وإن ادعى عدم الظهور فغير مصيب، هذا هو الحق الذي فاه به جماعة من المتأخرين منهم الشيخ تقيّ الدين محمد بن علي المعروف1 بابن دقيق العيد في شرح العنوان2.
هذا بعض ما نقله السيوطيّ عن العلماء السابقين في نشأة اللغة. ونلاحظ على السيوطيّ أنه ينقل الآراء فقط ولا يعلق عليها، ونعذره في ذلك؛ لأن البحث في نشأة اللغة الخاصة قال فيه العلماء كثيرًا ولم يصلوا إلى نتيجة مؤكدة وكل أدلتهم لا يعتد بها ثم نرى السيوطيّ بعد ذلك ينقل رأي أبي الحسن الأخفش عن ابن جني فيقول: قال ابن جني: الصواب وهو رأي أبي الحسن الأخفش سواء
1 الزيادة عن كشف الظنون والأعلام للزركلي، وهو قاضٍ من أكابر العلماء بالأصول وأصله من منفلوط ومولده في ينبع، وفاته بالقاهرة عام 702هـ.
2 اسم الكتاب: شرح عنوان الوصول في الأصول.
قلنا بالتوقيف أم بالاصطلاح، أن اللغة لم توضع كلها في وقت واحد بل وقعت متلاحقة متتابعة.
ويعقد السيوطي فصلًا في كتابه المزهر للهجات، ويرى كما رأى غيره من العلماء أن لهجة قريش هي أفصح لهجات العرب فيقول: تحت النوع الحادي عشر "معرفة الرديء المذموم من اللغات"1 هو أقبح اللغات وأنزلها درجة، قال الفراء: كانت العرب تحضر الموسم في كل عام، وتحج البيت في الجاهلية، وقريش يسمعون لغات العرب فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ، ثم ذكر بعض اللغات المذمومة فقال: من ذلك الكشكشة وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينًا، فيقولون: رأيتكش وبكش وعليكش فمنهم من يثبتها حالة الوقف فقط وهو الأشهر، ومنهم من يثبتها في الوصل أيضًا، ومنهم من
1 المزهر: 1/ 221.
يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول: منش وعليش. ومن ذلك: الكسكسة وهي في ربيعة ومضر، يجعلون بعد الكاف أو مكانها في المذكر سينا على ما تقدم، وقصدوا بذلك الفرق بينهما.
ومن ذلك العنعنة: وهي في كثير من العرب في لغة قيس وتميم تجعل الهمزة المبدوء بها عينًا، فيقولون في أنك: عنك، وفي ألم علم وفي أذن عذن.
ومن ذلك: الفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عينًا.
ومن ذلك: الوكم في لغة ربيعة، وهم قوم من كلب، يقولون عليكم وبكم حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة.
ومن ذلك الوهم في لغة كلب، يقولون: منهم وعنهم، وبينهم وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة.
ومن ذلك العجعجة في لغة قضاعة، يجعلون الياء المشددة جيمًا يقولون في تميمي تميمج.
ومن ذلك الاستنطاء: في لغة سعد بن بكر، وهذيل والأزد، وقيس والأنصار، تجعل العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء كأنطى في أعطى.
ومن ذلك الوتم في لغة اليمن، تجعل السين تاء كالنات في الناس.
ومن ذلك الشنشنة في لغة اليمن تجعل الكاف شينًا مطلقا مثل: لبيش اللهم لبيش أي لبيك.
ومن العرب من يجعل الكاف جيمًا كالعجبة يريد الكعبة، وقال ابن فارس في فقه اللغة: باب اللغات المذمومة فذكر منها العنعنة والكشكشة والكسكسة، والحرف الذي بين القاف والكاف في لغة تميم والذي بين الجيم والكاف في لغة اليمن وإبدال الياء جيمًا في الإضافة نحو غلامج، وفي النسب نحو بصرج وكوفج
ومن ذلك الخرم وهو زيادة حرف في الكلام لا الذي في العروض كقوله:
ولا للمابهم أبدا دواء
وقوله:
وصاليات ككما يؤثقين
قال هذا قبيح لا يزيد الكلام قوة بل يقبحه.
وذكر الثعالبي في فقه اللغة من ذلك اللخلخانية تعرض في لغة أعراب الشحر وعمان كقولهم: "مشا الله كان" أي ما شاء الله كان.
والطمطمانية تعرض في لغة حمير كقولهم: طالب أمهواء أي طاب الهواء. ثم ذكر بعد ذلك أمثلة من الألفاظ المفردة كقوله: الطعسفة لغة مرغوب عنها يقال مر يطعسف في الأرض إذا مر بخبطها. وكقوله يقال
حفرت البئر حتى أمهيت وأموهت وإن شئت أمهيت وهي أبعد اللغات فيها. والمعنى انتهيت إلى الماء..
ويخصص فصلًا آخر لمعرفة مختلف اللغات.
فينقل فيه ما قاله ابن فارس وقد ذكرنا في أول هذا البحث فلا داعي لاعادته ثانيا. ثم بعد ذلك يلحق هذا الفصل بفوائد يذكر فيها ما قاله ابن جني في الخصائص: اللغات على اختلافها كلها حجة، وينقل أيضًا ما ذكرناه عن ابن جني في العربي الفصيح ينتقل لسانه.
ثم ينقل في الفائدة الثالثة ما قاله ابن فارس فيقول: قال ابن فارس في فقه اللغة باب انتهاء الخلاف في اللغات، يقع في الكلمة الواحدة لغتان، كقولهم: الصرام والصرام1، ولحصاد والحصاد.
1 صرام النخل: أوان إدراكه.
ويقع في الكلمات ثلاث لغات، نحو: الزجاج والزجاج
…
ويقع في الكلمة أربع لغات نحو الصداق والصداق والصدقة والصدقة.
ويكون فيها خمس لغات نحو: الشمال1 الشمل والشمأل، والشيمل والشمل.
ويكون فيها ست لغات نحو: قسطاس، وقسطاس وقصطاس وقستاط، وقساط وقساط، ولا يكون أكثر من هذا. والكلام بعد ذلك أربعة أبواب.
الباب الأول:
المجمع عليه الذي لا علة فيه وهو الأكثر والأعم مثل الحمد والشكر لا اختلاف فيه في بناء ولا حركة.
والباب الثاني:
ما فيه لغتان وأكثر إلا أن إحدى اللغات أفصح. نحو بغذاذ وبغداد وبغدان هي كلها صحيحة إلا أن بعضها في كلام العرب أصح وأفصح.
1 الشمأل: الريح التي تهب من ناحية القطب.
والباب الثالث:
ما فيه لغتان أو ثلاث أو أكثر وهي متساوية كالحصاد والحصاد والصداق والصداق فأيًّا ما قال القائل فصحيح فصيح.
الباب الرابع:
ما فيه لغة واحدة إلا أن المولدين غيروا فصارت ألسنتهم فيه بالخطأ جارية نحو قولهم: اصرف الله عنك كذا وانجاص1.
وامرأة مطاوعة، وعرق النسا بكسر النون وما أشبه ذا وعلى هذه الأبواب الثلاثة بنى أبو العباس ثعلب كتابه المسمى "فصيح الكلام" أخبرنا به أبو الحسن القطان عنه -انتهى كلام ابن فارس.
1 جاص عن الشيء: مال وحاد عنه.
الرابعة:
قال ابن هشام في شرح الشواهد: كانت العرب ينشد بعضهم شعر بعض وكل يتكلم على مقتضى سجيته التي فطر عليها، ومن هنا كثرت الروايات في بعض الأبيات.