الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نشأتها:
بدأ العلماء إذا يضعون القواعد التي تضبط اللغة، والتي تعين على فهمها وآدائها للمعاني، والتي تيسر على الدارسين لها من غير أبنائها طرق تعلمها وإجادتها، بدءوا بالدراسة العميقة والملاحظة الدقيقة، والسماع من العرب الخلص والأخذ عنهم، إلا أن ذلك لم يتهيأ لهم دفعة واحدة وإنما بدأت الدراسة تضع الخطوط العامة لا الفروع الدقيقة غير أن الدافع الديني جعلهم يقبلون على هذا العلم ويفرعون له، ويعطونه من عنايتهم واهتمامهم ما أسرع في نموه، وما هيأ له أن يكتمل وينضج في فترة قصيرة.
1-
فعني المسلمون منذ القرن الأول الهجرة بتدقيق الكتابة العربية وتقييد "الحروف الكتابية" بـ
"الشكل" صونا لكلام الله عز وجل عن أن يصيبه التحريف.
2-
وفي هذا الوقت بدأت المحاولات وتوالت للكشف عن القواعد التي يسير عليها الكلام العربي، ولوضع هذه القواعد في قوالب تتخذ للتعليم.
ويبرز في هذه المحاولات اسم أبي الأسود الدؤلي، ومن وليه من نحاة البصرة والكوفة إلى أن يأتي الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وللخليل شأن جليل في كثير من جوانب الدراسات اللغوية، فقد استخرج أوزان الشعر العربي وأحكام قوافيه، وخطا بالمحاولات النحوية والصرفية السابقة خطوات كبارًا تبدو آثارها في كتاب تلميذه سيبويه ووضع -أو الأرجح أنه أوحى بطريقة وضع- أول معجم شامل لمفردات العربية وهو المعروف بـ"العين" وقد شارك الخليل في وصف أصوات اللغة العربية ثم أتى تلميذه سيبويه بوصف لها أدق من وصفه وأكمل.
3-
ثم كان كتاب سيبويه أقدم كتاب وصلنا في النحو العربي والذي اتخذ أساسًا لما وليه من دراسات نحوية1.
ولقد امتزج النحو بالدراسات اللغوية، فقد كان مزيجًا من النحو والصرف واللغة والأدب وما إلى ذلك من علوم اللغة العربية؛ لأن هذه الفروع كانت متداخلة آخذًا بعضها بحجز بعض لقرب الوشيجة بينها في الغرض والمقصد، فكان الأديب حينذاك نحويًّا صرفيًّا لغويًّا، والنحويّ أديبًا صرفيًّا وهكذا، وكان ذلك في الطور الأول: طور الوضع والتكوين وهو الذي بدأ بأبي الأسود وانتهى إلى أول عصر الخليل بن أحمد، ولقد أخذت هذه الفروع تمتاز بعضها من بعض في البحث والتدوين من أوائل الطور الثاني تدريجيًّا حتى اشتهر بعض العلماء بالنحو وأشير إلى آخر باللغة ودواليك2.
1 علم اللغة د. محمود السعران ص353، 354.
2 نشأة النحو للشيخ محمد الطنطاوي ص27-30.
فكان البحث في النحو في الأدوار الأولى للثقافة العربية ممتزجًا باللغة والأدب، وكان كذلك يمتزج بعلم القراءات في معظم الأحوال، فكان كثير من العلماء تشمل ثقافتهم وبحوثهم هذه الفروع الأربعة ثم اقتضت طبيعة التدرج والتعمق في البحث أن تستقل هذه الفروع بعضها عن البعض الآخر.
ويقول الشيخ محمد الطنطاوي: "نعم قد تقلص عن كتب النحو من أوائل هذا الطور -الطور الثاني- ما لا يتصل به هذا الاتصال الوثيق كمباحث اللغة والأدب والأخبار على أن الخليل وهو غرة جبين هذا الطور قد جمع اللغة والنحو فإنه ذكر في كتاب العين مقدارًا كبيرًا من النحو بجانب اللغة"1.
4-
وكانت عناية علماء العربية بمفردات الكلام العربي -وكانوا يسمون هذا "علم اللغة"- عناية بالغة منذ القرم الأول للهجرة وظلت هذه العناية متواصلة،
1 نشأة النحو ص31 بتصرف.
فكان جمع المفردات الخاصة بموضوع معين، ككتاب الشجر أو المطر إلخ، أو جمع المفردات الغريبة كغريب القرآن، وغريب الحديث، وحوشى الكلام أو جمع "الأضداد" أو التأليف في "الترادف" والاشتراك اللفظي1.
وعني العرب من قديم ببيان الكلمات الأعجمية الأصل الدخيلة على الكلام العربي، ونصوا على ما في لغة القرآن الكريم من الأعجمي، ولهم في "المعرب" تصانيف كثيرة من أشهرها كتاب المعرب للجواليقي، ومن عنايتهم بمفردات اللغة تأليفهم في مصطلح العلوم والفنون2.
ثم بلغ التأليف اللغوي القمة عندما صنف العلماء المعجمات التي تشمل أكبر عدد من مفردات اللغة على ترتيب خاص مصحوبة بشرح المعنى، وكان القرن
1 علم اللغة د. محمود السعران ص356.
2 المرجع السابق ص356.
الأول للهجرة بداءة التأليف اللغوي، وفي القرن الثاني بدئ بتأليف المعجمات1.
5-
وعني علماء العربية بالبحث في أسباب فصاحة "الكلمة" وبلاغة الكلام إلخ.
وقد اتصلت البلاغة بالمنطق كما اتصل النحو به أيضًا ولذلك أصابها العقم لما غلبه عليها الاتجاه المنطقي الفلسفي2.
1 الصحاح ومدارس المعجمات العربية ص69.
2 علم اللغة د. محمود السعران ص356-357.