الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس: الانفعالات
الانفعالات منها ما يكون هادئاً ومنها ما يكون حاداً، وهي تغير وثورة داخلية طارئة، توجد لوجود مهيج ما، وتزول لزواله1.
والانفعالات كثيرة منها: الغضب، والخوف، والفرح، والحزن، والاندهاش التعجبي
…
ونحوها.
فهي إذاً حالات اضطراب وتغير في الكائن الحي، استجابة لمؤثر معين تميز بمشاعر قوية، واندفاع نحو سلوك ذا شكل معين2.
ويصاحب هذه الانفعالات، ثلاثة أنواع من التغيرات:
1-
مشاعر داخلية وجدانية لا يدركها إلا الشخص نفسه، كشعور الغضبان بالضيق، وانتقاص الذات أو الإهانة.
2-
تغير في أجهزة الجسم الداخلية، كما يبدو على الغضبان من اضطراب في الجهاز التنفسي، وسرعة خفقان القلب، وازدياد إفرازات الغدد الصماء، وارتفاع ضغط الدم
…
الخ.
1 علم النفس المعاصر ص158، 159.
2 نفس المصدر ص154.
3-
تغيرات جسمية خارجية، فالمغضب مثلاً يقطب جبينه، وتتقلص عضلات وجهه، وتظهر عليه حركات وإيماآت غير طبيعية1.
والانفعالات بحسب قوة هيجانها، ثلاثة أنواع:
1-
انفعال خفيف يحمل النفس على طلب ما يلائمها، ويروي عواطفها المختلفة، أو ما تعتقد فيه النفع، كما يحملها على ترك المنافر، أو ما تعتقد فيه الضرر، وهذه انفعالات لازمة لقيام الإنسان بنشاطاته المعتادة، وتصاحب العواطف، كما تقدم في المطلب السابق.
2-
انفعال طارئ مصحوب بشيء من الهيجان، لكنه ليس بحاد، كما أنه يزيد عن الانفعال الخفيف الناتج عن العواطف، كما يتميز عنه بأنه طارئ وذاك مستقر.
وهذا الانفعال الطارئ الهادئ لازم للإنسان، ليتخذ موقفاً مناسباً من الأحداث الطارئة، طلباً أو هرباً أو غير ذلك2، فالخوف من خطر داهم انفعال مهم للهرب منه أو مقاومته، ورؤية الوالد ولده مع قرناء السوء -مثلاًَ- يولد عنده انفعالاً يحمله على توجيه النصح والعمل على عزله عنهم
…
وهكذا.
3-
الانفعالات الشديدة الهيجان وهي غالباً غير بنّاءة، ولها أثر سيئ
1 نفس المصدر ص155 و156 مع التصرف.
2 انظر: علم النفس المعاصر ص159، 163، 164.
على السلوك خاصة إذا أخرجت الإنسان عن حدود النشاط المعتدل السوي، ويبدو الأثر السيئ لتلك الثورة العارمة على الوظائف العقلية، حيث يشل التفكير، ويشوه الإدراك، وتضعف الذاكرة، ويقل مستوى الذكاء
…
وبالتالي يسوء فهم الفرد للموقف ويفتقد القدرة على حل المشكلات، وتصبح أحكامه فاسدة، حيث يعمى عن رؤية الكثير من الحقائق1.
وقد يدفعه إلى أعمال سيئة ضارة به وبغيره.
وقد وردت نصوص كثيرة تبين أنّ الانفعالات عموماً محلها القلب، من ذلك قوله تعالى:{وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45] .
فذكر تعالى في هذه الآية انفعالين:
الأول: انفعال الانقباض والنفور الذي يقوم في قلوب المنكرين للبعث والمعاد من توحيد الله.
والثاني: انفعال الفرح والسرور والاستبشار، إذا أشيد بالآلهة التي يعبدونها من دون الله.
وقال تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ} [النازعات:8] .
1 انظر: المصدر السابق ص160، 161.
واجفة: أي خائفة، وهو انفعال يحصل لها في ذلك اليوم، مما عاينته من عظيم الهول النازل1.
أي يشف صدور المؤمنين مما يجدونه من الموجدة والغيظ على الكافرين، بسبب ما كانوا ينالونه من الأذى على أيديهم، وغدرهم بهم ونقضهم لعهودهم، فهو انفعال طارئ، وُجِد مع وجود المهيج ويزول بالتشفي من العدو، وهو غير عاطفة الكراهة والبغضاء للكفار الملازمة لقلوب المؤمنين.
فدلت هذه الآيات على أن انفعال النفور والاشمئزاز، وانفعال الفرح والاستبشار، وانفعال الخوف والفزع، وانفعال الغيط والغضب، إنما تكون في القلوب، فدل ذلك على أن القلوب هي محل الانفعالات، والله أعلم.
1 انظر: جامع البيان لابن جرير 10/91.