الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: بيان أصل الإيمان
أصل الإيمان، به يدخل العبد في الإسلام، وبه يكون اعتبار سائر الأعمال، وبصلاح ما في القلب أو فساده يكون صلاح الأعمال أو فسادها، قال صلى الله عليه وسلم:"
…
ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب " 1.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فأصل الإيمان في القلب، وهو قول القلب وعمله، وهو إقرار بالتصديق والحب والانقياد"2.
فالتصديق: هو قول القلب، وهو المعرفة والإثبات لما دلت عليه الشهادتان.
والحب: عمل القلب نحو المشهود لهما، وهو الله تبارك وتعالى في شهادة أن لا إله إلا الله، ومحمد بن عبد الله في شهادة أن محمداً رسول الله، فيحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه.
والانقياد: عمل القلب أيضاً، وهو القبول وعقد العزم على الامتثال لما دلت عليه الشهادتان.
1 رواه البخاري، كتاب الإيمان، ح (52) الصحيح مع الفتح 1/126.
2 مجموع الفتاوى 14/119.
ولا بد مع هذا الذي يقوم بالقلب، من النطق بالشهادتين؛ وجمع بينهما الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به "1.
قال النووي2 رحمه الله معقباً على هذا الحديث: "وفيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما، واعتقاد جميع ما أتى به الرسول صلى الله عليه وسلم "3.
قوله: الإقرار بالشهادتين: التلفظ بهما.
مع اعتقادهما: هو قول القلب وعمله كما تقدم.
واعتقاد ما جاء به الرسول
…
اعتقاد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر به، وليس المراد أن من شرط الإيمان أن يعرف كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ويعتقده.
1 رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى
…
ص (34) 1/52.
2 الإمام العلامة أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري الحوراني النووي الشافعي، ولد سنة 631هـ، له من التصانيف: شرح صحيح مسلم، والأذكار، ورياض الصالحين، والأربعون النووية، وحلية الأبرار، وغيرها كثير، توفي سنة 676هـ ببلده نوا.
انظر: البداية والنهاية 13/294، وشذرات الذهب 5/354.
3 شرح النووي على صحيح مسلم 1/212.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلا يكون مسلماً إلا من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وهذه الكلمة بها يدخل الإنسان في الإسلام
…
فيكون معه من الإيمان هذا الإقرار، وهذا الإقرار لا يستلزم أن يكون صاحبه معه من اليقين ما لا يقبل الريب
…
لكن لا بد من الإقرار بأنه رسول الله، وأنه صادق في كل ما أخبر عن الله" 1.
وبناء على ما تقدم يتبين أن أصل الإيمان ينعقد بثلاثة أمور:
الأول: النطق بالشهادتين.
الثاني: قول القلب وهو العلم والتصديق بمعناهما، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق في كل ما أخبر به عن الله.
الثالث: عمل القلب، وهو قبول التوحيد والبراءة من ضده، والمحبة لله ولرسوله ولدينه، والعزم على الانقياد لهما.
فإذا جاء العبد بأصل الإيمان فهو مأمور مكلف بتكميل إيمانه، ليس له أمن في الحياة الدنيا ولا في الآخرة إلا بذلك، فإذا امتثل العبد الطاعات، واجتنب المحرمات، فقد استكمل عرى الإيمان الواجب، وأصبح في مرتبة المقتصد.
1 كتاب الإيمان لابن تيمية، المصدر السابق ص231، 232.
روى البخاري تعليقاً أن عمر بن عبد العزيز1 كتب إلي عدي بن عدي2: "أن للإيمان فرائض وشرائع وحدوداً وسنناً، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان
…
" 3.
1 الإمام الراشد والخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، أحد خلفاء بني أمية كان ثقة مأموناً، له فقه وعلم وورع، وكان إماماً عادلاً وقد عد من الخلفاء الراشدين توفي سنة 101هـ.
انظر: البداية والنهاية 9/200، وسير أعلام النبلاء 5/114.
2 عدي بن عدي بن عميرة الكندي الجزري، ثقة فقيه، عمل لعمر بن عبد العزيز على الموصل، كما ولي الجزيرة وغيرها لسليمان بن عبد الملك توفي سنة 120هـ.
انظر: تقريب التهذيب 388، وتهذيب التهذيب 7/168.
3 صحيح البخاري مع الفتح 1/45.