الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أثر الإيمان في تطهير القلب من الران ودَرَن المعاصي
ويكون ذلك بتكفير الذنوب، فقد جعل الله الإيمان سبباً لتكفير الذنوب.
وذلك أن الذنوب يغطي رانها القلب، وينتج عن ذلك ثلاثة أمور لها أثر بالغ في إضعاف أو فقدان حصانة القلب ضد الأفكار الهدامة ومسبباتها، وهي:
1-
تقطع الصلة بالله:
وقد تقدم أن أول وأهم أثر للإيمان هو كونه السبب الوحيد في حصول ولاية الله ومعونته وتأييده للعبد، وما ينتج عن ذلك من تحصينه ضد الضلالات بصرفه عنها، أو صرفها عنه.
ومعلوم أن العبد في ولاية الله ما دام قائماً بالسبب الذي يحصل به عليها، وهو الإيمان والتقوى، فإذا قارف المعاصي واستمر على ذلك، بَعُد بذلك عن الله، وحجب عنه ولايته، ووكله إلى نفسه بقدر فسقه، فكان بذلك غرضاً لشياطين الإنس والجن.
قال ابن القيم رحمه الله في معرض تعداد عقوبات المعاصي: "ومن أعظم عقوبتها أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى، وإذا وقعت القطيعة بين العبد وبين ربه تبارك وتعالى انقطعت عنه
أسباب الخير، واتصلت به أسباب الشر، فأي فلاح وأي رجاء، وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير، وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى له عنه، واتصلت به أسباب الشر ووصل ما بينه وبين أعدى عدوّ له، فتولاه عدوه وتخلى عنه وليه
…
" 1.
وقال أيضاً: "وأصل هذا كله، أن القلب كلما كان أبعد من الله، كانت الآفات إليه أسرع، وكلما كان أقرب من الله بعدت عنه الآفات، والبعد من الله مراتب بعضها أشد من بعض، فالغفلة تبعد العبد عن الله، وبعد المعصية أعظم من بعد الغفلة، وبعد البدعة أعظم من بعد المعصية، وبعد النفاق والشرك أعظم من ذلك كله"2.
2-
تظلم القلب:
وذلك أن الران إذا زاد في القلب حجب بصيرته، وأضعف وظيفة التعقل، فيظلم قلبه ويسير في الحياة بلا نور يتخبط في الظلمات، ومنها الأفكار الهدامة التي تحيط به من كل الاتجاهات، ويروج لها كل شيطان.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان بعض آثار المعاصي على قلب العاصي: "يجد ظلمة في قلبه حقيقية يحس بها، كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور
1 الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص87.
2 المصدر السابق ص83.
والمعصية ظلمة، وكلما قويت ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة، وهو لا يشعر
…
" 1.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراًُ في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق"2.
وكما أن المعصية تضعف البصيرة، فهي أيضاً تضعف التعقل، وقد تقدم أن الإيمان له تأثير في وظيفة التعقل، وكلما كان الإيمان قوياً، كان العقل أقوى وأرشد، وإذا ضعف الإيمان باقتراف المعاصي، وزاد الران أضعف هذه القوة.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن المعاصي تفسد العقل، فإن للعقل نوراً، والمعصية تطفئ نور العقل ولا بد، وإذا طفئ نوره ضعف ونقص"3.
3-
تغذي مادة الشر في القلب:
إن المعاصي تصرف القلب عن صحته واستقامته إلى مرضه وانحرافه، فلا يزال مريضاً معلولاً لا ينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه، فتأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان، بل الذنوب أمراض القلوب
1 المصدر نفسه ص55.
2 المصدر نفسه ص55.
3 المصدر السابق ص61.
ولا دواء لها إلا بتركها.1
فالمعاصي تقسي القلب، وتقوي العواطف الفاسدة التي هي من موجهات الإرادة، فيكون القلب مهيأ بما فيه من الدوافع للتفاعل مع المغريات الخارجية التي تزين له الشهوات، وتلبس عليه بالشبهات، وتكون استجابته لها بقدر ما في قلبه من الران والفساد.
وتكرار المعاصي تكرار الممارسة لمعصية ما يسبب إلفها، أو ما يسمى "العاطفة المستقرة"2 التي تجعل الإنسان يمارسها إشباعاً لهذه العاطفة، حتى ولو لم يلتذ بها، وكذلك الطاعات مع تكرار الممارسة تكون عواطف مستقرة.
أشار إلى ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله بقوله: "ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها، وتولد بعضها بعضاً حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها، كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة، السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة، الحسنة بعدها، فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها اعملني أيضاً، فإذا عملت قالت الثالثة كذلك وهلم جرا، فيتضاعف الربح وتزايدت الحسنات، وكذلك كانت السيئات أيضاً حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة، وصفات لازمة وملكات ثابتة، فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما
1 انظر: المصدر السابق ص80.
2 تقدم الكلام على العواطف المستقرة ص245.
رحبت
…
حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه، ولو عطل المجرم المعصية، وأقبل على الطاعة، لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتى يعادوها، حتى إن كثيراً من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها
…
" 1.
والعواطف المستقرة المتوجهة إلى حب المعاصي مخالفة للفطرة، وبذلك ينتج عنها قلق وخوف يلازم القلب، يقوى بقوة تلك العواطف ويضعف بضعفها.
والقلق والخوف من أقوى الموجهات القلبية إلى الجنوح إلى العديد من العادات والأعمال التي يصطاد بها المروجون للأفكار الهدامة، وإذا كان القلق ناتجاًَ عن شبهة -ثارت في القلب لضعف اليقين- كان دافعاً إلى الخوض في المناهج المخالفة للحق، طالباً اليقين، وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام على أثر الإيمان في طمأنينة القلب في الفصل القادم إن شاء الله.
وخلاصة ما تقدم: أن المعاصي تحدث أثراً عظيماً في القلب، ينتج عنه بعد العاصي عن الله، ويغطي الران القلب فيظلم، وتضعف بصيرته وتعقله كما تزداد فيه مادة الشر، وتتوجه الإرادات إليه، وبذلك تنهدّ الأسوار المنيعة التي كانت تحوط القلب وتحصنه من مخططات ووساوس
1 المصدر السابق ص57، 58.
شياطين الإنس والجن، بل يكون مقبلاً عليها طالباً لها بقدر ما فيه من الشر والظلمة.
وحيث إن كل بني آدم خطاؤون، ونظراً لخطورة المعاصي على القلوب -كما تقدم - فقد أوجد الله المخرج من ذلك ويسره، حيث أوجد أسباباً لتكفير الذنوب وتطهير القلوب من آثارها، وهذا من عظيم رحمته بعباده وله الحمد والمنة.
تكفير الذنوب وأثره في تطهير القلوب:
بين الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأثر للذنوب في تدنيس القلوب، وكيف يتم تطهيرها منه بقول:" إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكت في قلبه نكتة سوادء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، سُقل1 قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله {كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] "2.
فبين صلى الله عليه وسلم أن المعاصي سبب لحصول الظلمة والران في القلب، والتوبة والاستغفار وعدم الاستمرار على الذنب سبب لجلائها وزوالها، وتطهير
1 سُقِل على البناء للمفعول، وفي رواية الإمام أحمد صقل، المسند 2/297، قال في القاموس: السقل والصقل، وقال: صقله أي جلاه، القاموس المحيط ط مؤسسة الحلبي وشركاه 3/396 و4/2.
2 الحديث تقدم تخريجه، ص328.
القلب من آثارها.
ومكفرات الذنوب -من فضل الله- كثيرة جداً، بل إن كل الأعمال الصالحة مكفرات للذنوب، إلا أن أثر بعضها أقوى وأشمل من بعض. وسوف أذكر باختصار أهم تلك المكفرات.
فمن أعظم أسباب تكفير الذنوب وتطهير القلوب من آثارها:
التوحيد:
قال ابن رجب رحمه الله: "من أسباب المغفرة التوحيد، وهو السبب الأعظم، فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة
…
فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه، وقام بشروطه كلها بقلبه ولسانه وجوارحه، أو بقلبه ولسانه عند الموت، أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها، ومنعه من دخول النار بالكلية، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله، محبة وتعظيماً وإجلالاً ومهابة وخشية ورجاء وتوكلاً، وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر، وربما قلبتها حسنات
…
فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم، فلو وضع ذرة منه على جبال الذنوب والخطايا لقلبها حسنات"1.
1 جامع العلوم الوحكم ص374.
قوله رحمه الله في حق التوحيد: "فمن فقده فقد المغفرة، ومن جاء به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة"، مفاده أن لا حظّ لغير الموحد في رحمة الله الموجبة لمغفرة الذنوب، والنجاة من العذاب ودخول الجنة، وذلك أن الشرك يعمل عملاً يضاد عمل التوحيد.
فالتوحيد يكفر السيئات، والشرك يحبط الحسنات.
كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] .
فالتوحيد هو الشرط الأساسي لانتفاع العبد بأعماله الصالحة في مجال تكفير الذنوب وغيره، والتوسل به هو أبرك التوسلات النافعة في حصول المغفرة واستجابة الدعاء، لذلك توسل به ذو النون عليه السلام وهو في تلك الشدة الرهيبة، كما أخبرنا الله عنه بقوله:{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87، 88] .
ومن أجل ذلك كانت أفضل صيغ الاستغفار تشتمل على الإقرار بالتوحيد بالنطق بالشهادة، كما في دعاء سيد الاستغفار الذي علمناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "سيد الاستغفار أن يقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت،
خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " 1.
ومن المكفرات: التوبة والاستغفار.
قال تعالى: {إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان: 70] .
ومن المكفرات: الصلوات الخمس والجمعة وصوم رمضان والحج.
قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] .
وقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء،
1 رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، ح6306 الصحيح مع الفتح 11/97.
قال: فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا " 1.
وقال عليه الصلاة والسلام: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "2.
وقال صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"3.
وقال صلى الله عليه وسلم في الحج: "من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه "4.
1 متفق عليه: البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة، رقم528 الصحيح مع الفتح 2/11. ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا
…
رقم 667 1/462.
2 متفق عليه: البخاري، كتاب الإيمان، باب قيام ليلة القدر احتساباً من الإيمان وباب صوم رمضان احتساباً من الإيمان، رقم35، 38 الصحيح مع الفتح /91، 92. ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في قيام رمضان رقم 760 1/524 -واللفظ له.
3 رواه مسلم، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة مكفرات ما بينهن رقم 233 1/209.
4 متفق عليه: البخاري، الحج، باب فضل الحج المبرور، رقم 1521 الصحيح مع الفتح 3/382. ومسلم، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة رقم 1350 2/984.
ولا يقتصر تكفير الذنوب على الفرائض بل يشمل النوافل أيضاً.
قال صلى الله عليه وسلم: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط "1.
ومن ذلك: الذكر:
قال صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك، ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر "2.
والنصوص الدالة على فضائل الأعمال، وتكفيرها للذنوب كثيرة جداً، وليس الغرض الحصر، وإنما الإشارة إلى عناية الله بهذا الأمر الذي
1 رواه مسلم في كتاب الطهارة، باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره، رقم 251 1/219.
2 متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل التهليل، الصحيح مع الفتح11/201، ح6403. ومسلم، كتاب الذكر، باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء رقم 2691 4/2071 -واللفظ له
فيه جلاء القلوب وتطهيرها من أدران الذنوب، لتبقى قوية حصينة من كل فكر خبيث، متوجهة بإراداتها إلى الخير.
وهذه الأعمال المكفرة منها ما يكون تكفيره عام لجميع الذنوب، ومنها ما يقتصر على الصغائر، فالكبائر لا بد لها من توبة نصوح.
فاشتراط التوبة مع الأعمال الصالحة يدل على لزومها لتكفير الكبائر، وأكد ذلك سبحانه في الآية التي تليها، فقال:{وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً} [الفرقان:71] .
أما الصغائر فإنها تكفر بالأعمال الصالحة فرائض ونوافل، كما قال صلى الله عليه وسلم:" الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر "1.
ومما يجدر التنبيه عليه أن هذه الأعمال جميعها لا يحصل منها
1 رواه مسلم، تقدم تخريجه ص372.
المقصود، وهو تكفير الذنوب وتطهير القلب من نكدها، إلا إذا كانت صادرة من موحد عالم بربه، مخلص بأعماله لله وحده، وعملها عن علم وموافقة لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
وخلاصة هذا المبحث: أن تطهير القلب من الران ودرن المعاصي، أثر هام من آثار الإيمان، يجعل القلب محافظاً على سلامته ونوره، ويُقوّي فيه مادة الخير، ويقلل نوازع الشر، ويزيد من صلته بربه، حيث يُزَال ما يجثم عليه من الران وكدر المعاصي أولاً بأول بفعل المكفرات، وبذلك يحافظ القلب على درجة عالية من حب الإيمان، وكره الكفر والفسوق والعصيان، فلا يميل إلى الأفكار الهدامة ولا تستهويه، ولو تولد في قلبه شيء منها -مما يلقيه الشيطان- أو عرضها عليه شياطين الإنس، لكان فيه من النور ودواعي الخير ما يكشفها ويحرقها وينفر القلب منها. والله أعلم.