الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
253 - بَابُ الوُضُوء مِنْ حَمْلِ المَيِّتِ
1586 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
◼ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»
• وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ، وَمِنْ حَمْلِهِ الوُضُوءُ - يَعْنِي المَيِّتَ -» .
[الحكم]:
مختلفٌ فيه:
فضَعَّفَهُ: الشافعيُّ، وأحمدُ، وابنُ المدينيِّ، والبخاريُّ، والذهليُّ، وأبو حاتم الرازيُّ، والدارقطنيُّ، وابنُ المنذرِ، والجصاصُ، والحاكمُ، والبيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، وأبو الوليدِ الباجيُّ، وابنُ الصباغِ، وابنُ الجوزيِّ، وابنُ رُشْدٍ، والرافعيُّ، والنوويُّ، والمنذريُّ، والزركشيُّ، وأبو حفصٍ الموصليُّ.
بينما حَسَّنَهُ: الترمذيُّ، والبغويُّ، والسيوطيُّ.
وَصَحَّحَهُ: ابنُ حِبَّانَ، وابنُ السكنِ، وابنُ حَزمٍ، والذهبيُّ، وابنُ القيمِ، وابنُ حَجرٍ في أحدِ قوليه، وابنُ الملقنِ، والسيوطيُّ، والشوكانيُّ، والألبانيُّ.
[الفوائد]:
اختُلِفَ في الأَمرِ بذلك، هل هو للوجوبِ أم على جهةِ الندبِ والاستحبابِ، قال
الحافظُ: "ويُؤيدُ أن الأمرَ فيه للندبِ ما روى الخطيبُ في ترجمة (محمد بن عبد الله المخرمي) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: قال لي أبي: كتبتَ حديثَ عبيد الله عن نافع عن ابن عمر: «كُنَّا نُغَسِّلُ المَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ»؟ قال: قلتُ: لا. قال: في ذلك الجانبِ شابٌّ يقال له: محمد بن عبد الله يُحَدِّثُ به عن أبي هشام المخزومي عن وهيب فاكتبْهُ عنه. قلتُ: وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وهو أحسنُ ما جُمِع به بين مختلف هذه الأحاديث. والله أعلم"(التلخيص 182).
قال الخطابيُّ: "لا أعلمُ أحدًا منَ الفقهاءِ يوجبُ الاغتسال من غسل الميت ولا الوضوء من حمله، ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب، وقد يحتمل أن يكونَ المعنى فيه أن غاسل الميت لا يكادُ يأمن أن يصيبه نضح من رشاشِ الغسول وربما كان على بدنِ الميتِ نجاسةٌ فإذا أصابه نضحه وهو لا يعلمُ مكانه، كان عليه غسل جميع البدن ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه. وقد قيل: معنى قوله: (فليتوضأ) أي: ليكن على وضوء ليتهيأ له الصلاة على الميت. والله أعلم. وفي إسنادِ الحديثِ مقالٌ"(معالم السنن 1/ 307).
وقال ابنُ المنذرِ: "قد أجمعَ أهلُ العلمِ على أن رجلًا لو مَسَّ جيفة، أو دمًا، أو خنزيرًا ميتًا- أن الوضوءَ غيرُ واجبٍ عليه، فالمسلمُ الميت أحرى أن لا يكون على من مَسَّهُ طهارة، والله أعلم"(الأوسط 5/ 375).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "لا تجبُ طهارة على مَن لم يوجبها الله عليه في كتابه ولا أوجبها رسوله من وجه يشهد به عليه ولا اتفق العلماء على إيجابها، والوضوء المجتمع عليه لا يجب أن يقضى إلا من هذه الوجوه أو أحدها"(الاستذكار 8/ 202)
[التخريج]:
[د 3147، 3148/ ت 1009 "والرواية له ولغيره"/ جه 1445/ حم 7689، 7770، 7771، 9601، 9862 "واللفظ له"، 10108/ حب 1157/ بز 7993، 8171، 8261، 8568، 8333/ طس 985، 986/ عب 6200، 6201/ ش 11265، 12125/ طي 2433/ جعد 2754/ بغ 339/ هق 1447 - 1451، 1453 - 1461، 1464، 1466/ هقع 2115/ هقخ 1004، 1005/ ناسخ 31، 32، 33، 34، 36، 298 - 301، 303/ محلى (1/ 250)، (2/ 23) / تخ (1/ 396 - 397) / نبلا (18/ 356) / حل (9/ 158) / ضح (2/ 178) / أصبهان (2/ 250) / علج 622 - 627/ عد (6/ 217)، (9/ 273) / طوسي 908/ ميمي 244/ بقي (تنقيح 1/ 320) / غلق (2/ 462)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ له طرقٌ عن أبي هريرةَ:
الطريق الأول: سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، به.
واختلف فيه على سُهيلٍ على أكثر من وجهٍ:
الوجه الأول:
أخرجه أحمد (7675)، وغيره عن عبد الرزاق.
ورواه بقي بن مَخْلَد في (مسنده) كما في (تنقيح التحقيق 1/ 320) من طريق روح.
كلاهما (عبد الرزاق، وروح) عن ابن جريج.
وأخرجه الترمذي (1009)، وابن ماجه (1445)، وغيرهما من طريق عبد العزيز بن المختار.
وأخرجه ابن حبان (1157) من طريق حماد بن سلمة.
وأخرجه الطبراني في (الأوسط 985) من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمد.
ورواه أبو بكر ابن المقرئ في (الثالث عشر من فوائده 121) من طريق ابن عيينة.
خمستهم (ابن جريج، وعبد العزيز، وحماد، وزهير، وابن عيينة) عن سهيل بن أبي صالح، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، به.
وكذلك رواه ابن أبي فُدَيْك عن ابن أبي ذئب عن سهيل به. ذكره ابن عبد الهادي في (التنقيح 1/ 318)، والدارقطني في (العلل 2064)، واستغربه. وسيأتي عن ابن أبي فديك على وجه آخر غريب.
واختلف فيه على ابن جريج:
فرواه ابن شاهين في (ناسخ الحديث 300)، وأبو نعيم في (تاريخ أصبهان 2/ 250)، من طريق هشام بن سليمان عن ابن جريج، عن ابن أبي ذئب، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة، به.
فأدخل بين ابن جريج وسهيل- ابنَ أبي ذِئبٍ، وقد أخطأ فيه هشام أو مَن دونه، وهشام قال فيه أبو حاتم الرازي:"مضطرب الحديث، ومحله الصدق، ما أرى به بأسًا"(الجرح والتعديل 9/ 62).
والمحفوظ عن ابن جريج ما رواه عبد الرزاق وروح كما سبق، وهو عند
عبد الرزاق في (مصنفه 6111) قال: عن غيره [أي: غير معمر]، عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، به.
ويقصد بغيره ابن جريج، كما جاء عند أحمد وغيره.
وتوبع سهيل على هذا الوجه:
تابعه القعقاع بن حكيم، كما عند البخاري في (التاريخ الكبير 1/ 397)، والبيهقي في (السنن الكبرى 1447)، من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة، به.
وهذا الوجه ظاهره الحسن؛ ولذا قال الترمذي عقب طريق سهيل: "حديثُ أبي هريرةَ حديثٌ حسنٌ".
وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ من هذا الوجهِ؛ ولذا قال ابنُ الملقنِ: "رواه الترمذيُّ، وقال: حسنٌ. وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وابنُ السَّكنِ"(تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج 647).
وقال الألبانيُّ: "إسنادُهُ صحيحٌ"(الإرواء 144).
قلنا: ولكنه منقطعٌ، فأبو صالح لم يسمعه من أبي هريرةَ، فقد أدخلَ بعضُهم بينه وبين أبي هريرة إسحاقَ مولى زائدةَ، كما سيأتي في الوجه الثاني.
وأشارَ إلى هذه العلةِ أبو داود السجستانيُّ فقال:
"سمعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ، وسُئِلَ عن الغُسلِ مِن غَسْلِ الميتِ، فَقَالَ: يُجْزِيهِ الوُضُوءُ.
قال أبو داود: أدخلَ أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا. يعني:
إسحاقَ مولى زائدة" (السنن 3/ 287).
وقال الشافعي: "وإنما لم يقو عندي أن يروى عن سهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ويُدخلُ بعضُ الحفاظِ بين أبي صالح وبين أبي هريرة: إسحاقَ مولى زائدة، فدلَّ أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة"(معرفة السنن للبيهقي 2112).
وقال ابنُ دقيقِ العيدِ: "أحسنها رواية سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، وهي معلولةٌ وإن صححها ابن حبان وابن حزم، فقد رواه سفيان عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة".
وقال الحافظ ابن حجر: "وهو معلولٌ؛ لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه"(فتح الباري 3/ 127). وهو كذلك كما في
الوجه الثاني:
أخرجه أبو داود 3148 - ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1449) -، عن حامد بن يحيى عن ابن عيينة، عن سهيل عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة به.
وكذا رواه الحميدي وابن أبي عمر، عن ابن عيينة، ذكره الدارقطني في (العلل 1954).
وأخرجه بقي بن مخلد في (مسنده) كما في (تنقيح التحقيق 1/ 320) من طريق يحيى الحماني عن خالد بن عبد الله عن سهيل، به.
وإسناد أبي داود رجاله ثقات رجال مسلم، وإسحاقُ مولى زائدةَ احتجَّ به مسلمٌ، ووَثَّقَهُ ابن معين والعجلي، وذكره ابن حبان في (الثقات) كما في (تهذيب التهذيب 1/ 258).
ولكن اختلف فيه على ابن عيينة كما سيأتي.
وقال الشافعيُّ: "وليستْ معرفتي بإسحاقَ مثل معرفتي بأبي صالح، ولعلَّه أن يكون ثقة"(معرفة السنن والآثار 2112).
قلنا: نعم، هو ثقةٌ؛ ولذا قال ابن الملقن:"وإذا كان ثقة، فكيفما كان الحديث عنه أو عن أبي صالح، عن أبي هريرة، لم يخرج عن ثقة"(البدر المنير 2/ 533).
وقال الحافظ -عقب كلام ابن دقيق السابق-: "قلت: إسحاق مولى زائدة أخرجَ له مسلمٌ، فينبغي أن يُصحح الحديثُ"(التلخيص 1/ 371).
قلنا: ولكنه معلٌّ بالاختلافِ على سهيلٍ في سندِهِ وفي رفعه ووقفه، وقد رَجَّحَ البخاريُّ وغيرُهُ وَقْفَهُ كما سيأتي.
الوجه الثالث:
أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير 1/ 396)، والمخلص في (المخلصيات 1717) من طريق ابن علية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق
(1)
مولى زائدة عن أبي هريرة موقوفًا في الغسل فقط.
قال البخاريُّ: "وتابعه ابن عيينة، عن سهيل".
قلنا: وهذا وجهٌ ثانٍ عن ابنِ عيينةَ.
وتابعه على وقفه أيضًا إسماعيل بن جعفر، كما عند الدارقطني في (العلل 1954).
(1)
وقع في المخلصيات: "أبي إسحاق"، وهو خطأ من الناسخ أو الطابع.
وخالفهم وهيب بن خالد، كما في
الوجه الرابع:
أخرجه البيهقي في (الكبرى 1450) من طريق عفان بن مسلم، ثنا وهيب بن خالد، ثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة مرفوعًا، به.
زادَ في إسنادِهِ: الحارثَ بنَ مخلدٍ بين أبي صالح وأبي هريرة!
والحارثُ بنُ مخلدٍ قال عنه الحافظ ابن حجر: "مجهول الحال"(التقريب 1047).
ولذا قال البيهقيُّ -بعد أن أسنده-: "كذا رواه، ولا أُراه حفظه"(السنن الكبرى 1450).
وقد خولف فيه عفان.
خالفه المغيرة بن سلمة المخزومي (ثقة ثبت) كما عند البزار في (مسنده 8261).
وموسي بن إسماعيل التبوذكي، كما عند البيهقي في (السنن 1454)، وسمويه في (فوائده) كما في (تغليق التعليق 2/ 462).
فروياه (المغيرة، وموسى) عن وهيب عن أبي واقد عن إسحاق مولى زائد ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه: أبو واقدٍ الليثيُّ، وهو صالح بن محمد بن زائدة المدني، قال ابن حجر:"ضعيف"(التقريب 2885).
الوجه الخامس:
أخرجه أبو نعيم في (الحلية 9/ 158) عن محمد بن المظفر، ثنا محمد بن زبان ثنا حرملة، ثنا الشافعي، ثنا ابن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين، ثنا (سهيل) بن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا، به.
وهذا منقطعٌ بين سهيل وأبي هريرة.
وقد رواه أبو بكر ابن المقرئ في (الثالث عشر من فوائده 121) من طريق حرملة عن الشافعي عن ابن عيينة، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.
وكذا نقله الدارقطني عن حرملة (العلل 1954).
وهذا وجه ثالث عن ابن عيينة.
وقال الدارقطني -بعد أن ذكر الاختلاف فيه على سهيل-: "ويشبه أن يكون سهيلٌ كان يضطربُ فيه"(العلل للدارقطني 1954).
الطريق الثاني:
أخرجه البزار في (مسنده 8261) عن أحمد بن ثابت الجَحْدري قال: حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي.
وأخرجه البيهقي في (الكبرى 1451) من طريق موسى بن إسماعيل.
كلاهما عن وهيب عن أبي واقد عن إسحاق مولى زائدة، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ كما تقدَّمَ قريبًا.
وقد رواه البخاري في (التاريخ الكبير 1/ 397) -ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1452) -، عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن أسامة عن
سعيد بن أبي سعيد مولى المهري عن إسحاق مولى زائدة عن أبي سعيد مثله.
فجعله من مسندِ أبي سعيدٍ! وسيأتي الكلامُ عليه عقب هذا الحديث.
الطريق الثالث:
أخرجه الطيالسيُّ في (مسنده 2314) -ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1461) -، عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة، به.
وأخرجه أحمد في (مسنده 9601، 10108، 9862) -ومن طريقه ابن الجوزي في (العلل المتناهية 622، 623)، و (إعلام العالم بناسخ الحديث 85، 86) -، والبزار في (مسنده 8171)، وابن أبي شيبة في (مصنفه 11265، 12125)، وأبو القاسم البغوي في (الجعديات 2754)، والخطيب في (الموضح 2/ 178)، والبغوي في (شرح السنة 339) كلهم من طريق ابن أبي ذئب، به.
وهذا رَدَّهُ البيهقي بصالحٍ، فقال:"وصالح مولى التوأمة- ليس بالقويِّ".
وقال الحافظ: "وصالحٌ ضعيفٌ"(التلخيص الحبير 182).
وكأن البزارَ يشيرُ إلى ضعفِ هذا الطريقِ، حيث قال -بعد أن أسنده من طريق أبي واقد عن إسحاق مولى زائدة-:"سمعتُ أبا موسى محمد بن المثنى يقول: سمعت بشر بن عمر يقول: سألتُ مالك بن أنس عن صالح مولى التوأمة فقال: ليس بثقةٍ"(مسند البزار 15/ 48).
بينما قال ابنُ التركماني: "رواه عن صالحٍ: ابنُ أبي ذِئْبٍ، وقد قال ابن معين: "صالحٌ ثقةٌ حجةٌ، ومالكٌ والثوريُّ أدركاه بعدما تغيَّرَ، وابنُ أبي ذِئبٍ سمع منه قبل ذلك. وقال السعديُّ: حديثُ ابنِ أبي ذئبٍ عنه
مقبولٌ لتثبته وسماعه القديم منه. وقال ابنُ عَدِيٍّ: لا أعرف لصالح حديثًا منكرًا قبل الاختلاط" (الجوهر النقي 1/ 302).
وقال البغويُّ: "هذا حديثٌ حسنٌ"(شرح السنة 339).
وقال الألبانيُّ: "وهذا إسنادٌ جيدٌ"(الإرواء 144).
قلنا: حكى ابنُ القطانِ عن الترمذيِّ عن البخاريِّ عن أحمد بن حنبل قال: "سمع ابن أبي ذئب من صالح أخيرًا، وروى عنه منكرًا"(بيان الوهم والإيهام 4/ 157).
هذا، وقد ذكر الدارقطنيُّ أن حبان بن علي رواه عن ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة، ثم قال:"وحديث المقبري أصح"(العلل 5/ 251/ 2064).
قلنا: ورواية الجماعة عن ابن أبي ذئب أَوْلى من رواية حبان بن علي، فحبان العَنَزي ضعيف، هذا فضلًا عن كثرة مخالفيه وثقتهم.
وكذلك رواه ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب على وجه آخر كما في
الطريق الرابع:
أخرجه أبو داود في (السنن 3147) -ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 1460)، وابن حزم في (المحلى 2/ 23) -: عن أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، حدثني ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس، عن عمرو بن عمير، عن أبي هريرة، به.
وذكر الدارقطنيُّ أن ابن أبي فديك أغربَ بهذا الوجه (العلل 2064).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لجهالةِ حالِ عمرِو بنِ عُميرٍ.
قال ابنُ القطانِ: "وعمرو بن عمير هذا مجهولُ الحالِ، لا يُعرفُ بغير هذا، وبهذا الحديث من غير مزيد، ذكره ابن أبي حاتم، فهذه علة هذا الخبر"(بيان الوهم 1032).
وقال البيهقيُّ: "هذا عمرو بن عمير إنما يُعرفُ بهذا الحديث، وليس بالمشهور".
وقال الحافظُ: "رواته ثقات إلا عمرو بن عمير فليس بمعروفٍ"(الفتح 3/ 127).
الطريق الخامس:
أخرجه البيهقيُّ في (الكبرى 1463) عن علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد، ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد حدثني ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: فيه: ابن لهيعة، وهو ضعيفٌ لسوءِ حِفْظِهِ.
الثانية: فيه: الوليد بن مسلم، وهو مدلسٌ تدليس التسوية؛ فهو وإن صرَّحَ بالسماع من شيخه إلا أنه لم يصرحْ بالسماع فيما فوقه، وهو موضع التسوية.
وقد خولف، خالفه: يحيى بن بكير وعبد الله بن يوسف.
روياه عن ابن لهيعة عن حُنَيْن بن أبي حكيم عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به.
رواه البزار في (مسنده 8568)، وابن عدي في (الكامل 4/ 225)،
والبيهقي في (الكبرى 1457).
قال ابن عدي -بعد أن ذكر هذا الحديثَ وغيرَهُ في ترجمة حنين بن أبي حكيم-: "ولحنين بن أبي حكيم غير ما ذكرتُ من الحديثِ قليل، ولا أعلمُ يَرْوِي عنه غير ابن لهيعة، ولا أدري البلاء منه أو من ابن لهيعة، إلا أن أحاديث ابن لهيعة عن حنين غير محفوظة"(الكامل 4/ 226).
وقال البيهقيُّ: "ابن لهيعة وحنين بن أبي حكيم لا يُحتج بهما، والمحفوظُ من حديث أبي سلمة ما أشارَ إليه البخاريُّ موقوف من قول أبي هريرة".
الطريق السادس:
أخرجه الطبراني في (الأوسط 986)، والبيهقي في (السنن الكبرى 1459)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث 31، 298)، والبزار في (مسنده 8333) كلهم من طريق عمرو بن أبي سلمة، ثنا زهير عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسيُّ؛ قال عنه أحمد: "روى عن زهير أحاديث بواطيل، كأنه سمعها من صدقة بن عبد الله، فغلط فقلبها عن زهير"(تهذيب التهذيب 70).
وصدقة بن عبد الله "ضعيف"(التقريب 2913).
ولذا قال الدارقطنيُّ: "ورُوي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. قاله زهير بن محمد عنه، وليس بمحفوظٍ"(العلل للدارقطني 4/ 476/ 1770).
وقال البيهقيُّ -عقب الحديث-: "زهير بن محمد، قال البخاري: روى عنه أهل الشام أحاديث مناكير. وقال أبو عبد الرحمن النسائي: زهير ليس
بالقوي".
الطريق السابع:
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 6200) -وعنه أحمد (7770)، ومن طريقه ابن الجوزي في العلل المتناهية 627)، و (إعلام العالم بناسخ الحديث 84) -: عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن رَجُلٍ يقالُ له: أبو إسحاق، عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة أبي إسحاق هذا؛ قال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي: مَن أبو اسحاق هذا، وهل يسمَّى؟ قال: "لا يُسمَّى" (العلل لابن أبي حاتم 1094).
الثانية: مخالفة معمر لأصحاب يحيى بن أبي كثير:
فقد رواه أبان بن يزيد العطار، عند أحمد (7771)، والبخاري في (التاريخ الكبير 1/ 397)، والبيهقي في (السنن الكبرى 1452).
وعلي بن المبارك ومعاوية بن سلام، عند بقي بن مخلد في (مسنده) كما في
(تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 320).
وهشام الدَّسْتُوائي كما في (العلل للدارقطنى 2245).
كلهم: عن يحيى بن أبي كثير عن رَجُلٍ من بني ليثٍ عن أبي إسحاقَ (الدوسي)، عن أبي هريرة، به.
فزادوا في إسناده: رجلًا من بني ليث بين يحيى بن أبي كثير وأبي إسحاق.
ورواه محمد بن كثير عن همام عن يحيى، وقال: عن رَجُلٍ من أهلِ المدينةِ عن مولى لهم، عن أبي هريرة.
وخالفه هدبة بن خالد، فرواه عن همام عن يحيى عن أبي إسحاق به، كما رواه معمر. (العلل للدارقطني 2245).
ولا ريبَ أن روايةَ الجماعةِ عن يحيى أصح، لاسيما وفيهم هشام الدستوائي.
قال الأثرم: "سمعتُ أبا عبد الله يقول: "هشام -يعني الدستوائي- أثبتُ في حديث يحيى، من معمرٍ" (سؤالات الأثرم 30).
وقال الآجري: "سألتُ أبا داود عن أصحاب يحيى بن أبي كثير، أعني مَن أعلاهم مِن يحيى؟ فقال: هشام الدستوائي، والأوزاعي. قلتُ: ومعمر؟ قال: لا"(سؤالات الآجري 1043).
ثم إن معمرًا سمعَ من يحيى بالبصرةِ، كما قال أحمد في (سؤالات أبي داود له، صـ 241).
ورواية معمر عن البصريين فيها كلام، قال يحيى بن معين:"إذا حَدَّثَكَ معمرٌ عن العراقيين فخفه إلا عن الزهري وابن طاووس؛ فإن حديثَهُ عنهما مستقيم، فأما أهل الكوفة والبصرة فلا"(تاريخ ابن أبي خيثمة- السفر الثالث 1194)، وبنحوه في رقم (2760).
وقال أبو حاتم: "معمر بن راشد ما حَدَّثَ بالبصرةِ ففيه أغاليط"(الجرح والتعديل 8/ 257).
وقال البخاريُّ: "ما أعجبُ حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكادُ يوجدُ فيه حديث صحيح"(شعب الإيمان للبيهقي 6/ 458).
ولذا قال الدارقطنيُّ: "والصحيحُ قول أبان ومن تابعه"(العلل 2245).
الطريق الثامن: عن أبي سلمة عن أبي هريرة:
ورُوي عنه من وجهين:
الأول:
أخرجه البزار في (مسنده 8568)، والبيهقي في (الكبرى 1457)، وابن عدي في (الكامل 4/ 225) من طريق ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم عن صفوان بن أبي سليم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ كما سبقَ آنفًا.
الثاني: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
واختُلفَ فيه على محمد بن عمرو في رفعه ووقفه على النحو الآتي:
فرواه عنه حماد بن سلمة كما عند البخاري في (التاريخ الكبير 1/ 397)، ومن طريقه: البيهقي في (الكبرى 1452)، وابن حزم في (المحلى 1/ 250)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث 36، 303).
وأبو بحر البكراوي كما عند البزار في (مسنده 7993)، وابن شاهين في (ناسخ الحديث 34، 301).
ومحمد بن شجاع كما عند ابن عدي في (الكامل 9/ 273)، ومن طريقه: ابن الجوزي في (العلل المتناهية 624).
وأنس بن عياض كما في (البيان والتحصيل 2/ 206).
رووه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا به.
وخالفهم:
عبدة بن سليمان كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 11264).
والمعتمر بن سليمان كما عند ابن شاهين في (ناسخ الحديث 35، 302).
ويزيد بن هارون كما عند ابن أبي شيبة (12124).
وإسماعيل بن علية كما في (الأوسط لابن المنذر 2945).
وعبد الوهاب بن عطاء كما عند البزار في (مسنده 7992)، والبيهقي في (الكبرى 1458).
والدراوردي كما عند البخاري في (التاريخ الكبير 1/ 397)، ومن طريقه: البيهقي في (الكبرى 1452).
رووه عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة موقوفًا به.
وهذا هو الصحيحُ، موقوف على أبي هريرة، فعامة رواته ثقات، بخلاف من رفعه.
فأبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي "ضعيفٌ"(التقريب 3943)
ومحمد بن شجاع بن نبهان المروزيُّ واهٍ جدًّا، قال ابن المبارك:"ليس بشيءٍ"، وقال البخاري وغيره:"سكتوا عنه".
ولذا قال البخاريُّ -بعد أن أسند طريق الرفع-: "ولا يصحُّ"، وقال -بعد أن أسند طريق الوقف-:"وهذا أشبه"(التاريخ الكبير 1/ 379).
وقال أبو حاتم: "هذا خطأٌ، إنما هو موقوفٌ عن أبي هريرة، لا يرفعه الثقات"(العلل لابن أبي حاتم 1035).
وقال البيهقيُّ -عقبه-: "هذا هو الصحيح موقوفًا على أبي هريرة كما أشارَ إليه البخاريُّ"(السنن الكبرى عقب حديث 1458).
الطريق التاسع:
أخرجه البيهقي في (الكبرى 1464) عن أبي عبد الله الحافظ وأبي بكر بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني يحيى بن أيوب عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: عبد الله بن صالح -كاتب الليث- قال عنه الحافظُ: "صدوقٌ، كثيرُ الغلطِ، ثَبْتٌ في كتابه، وكانت فيه غفلة"(التقريب 3388).
وقد تفرَّدَ به.
ولذا قال الدارقطني: "وفي ذلك نظر"(العلل للدارقطني 1770).
قال ابن القطان: "وليس ذلك بمعروفٍ"(بيان الوهم 1032).
وقد رواه شعيب بن أبي حمزة كما عند البيهقي في (الكبرى 1465).
ومعمر كما عند عبد الرزاق في (المصنف 6202)، وابن أبي شيبة (11262).
فروياه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من قوله.
وقال معمرٌ في حديثه عند ابن أبي شيبة عن ابن شهاب: عن سعيد بن المسيب أن من السُّنةِ أن يغتسلَ مَن غَسَّل ميتًا، ويتوضأ من نزل في حفرته حين يُدفن، ولا وضوء على أحدٍ من غير ذلك ممن صلَّى عليه ولا ممن حمل
جنازته ولا ممن مشى معها.
وكذلك قال شعيب عن ابن شهاب عن سعيد.
* وقد اختلفتْ أقوالُ العلماءِ في الحُكْمِ على هذا الحديثِ: فمنهم مَن رَدَّهُ، ومنهم مَن حَسَّنَهُ أو صَحَّحَهُ:
أولًا: المضعفون، وهم جمهورُ المحدثين:
- الشافعي؛ قال: "وإنما منعني عن إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلًا لم أقنعْ عن معرفةٍ مِن ثَبْتِ حديثِهِ إلى يومي على ما يقنعني، فإن وجدتُ من يقنعني أوجبته وأوجبتُ الوضوءَ مِن مَسِّ الميتِ مفضيًا إليه فإنهما في حديثٍ واحدٍ"(السنن الكبرى للبيهقي عقب حديث 1456)، ونحوه في (الأم 2/ 83).
وقال أيضًا: "وأَوْلى الغسل أن يجبَ عندي بعد غُسْلِ الجنابةِ الغسل من غسل الميت والوضوء من مَسّه مفضيًا إليه، ولو ثَبَتَ الحديثُ بذلك عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قلتُ به"(مختصر المزني، صـ 20). وانظر أيضًا (المهذب، صـ 241).
- أحمد بن حنبل، قال أبو داود:"سمعت أحمد ذكر في «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ» فقال: "ليس يثبتُ فيه حديثٌ" (مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود صـ 422).
- علي بن المديني؛ إذ قال الترمذي: "سألتُ محمدًا -يعني: البخاريَّ- عن هذا الحديث
…
فقال:
…
إن أحمد بن حنبل وعلي بن عبد الله قالا: "لا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ"(العلل الكبير للترمذي 245).
وقد نقل قولَهُ كذلك البيهقيُّ، بلفظ:"لا يَثْبُتُ فيه حديثٌ" (السنن
الكبرى عقب حديث 1466).
- البخاري؛ حيثُ رجَّحَ وَقْفَهُ، فقال -بعد أن ذكر الخلاف وأسند الموقوف-:"وهذا أشبه"(التاريخ الكبير 1/ 396)، وقد تقدَّم أنه نقلَ تضعيف أحمد وابن المديني له، وأقرَّهما.
- محمد بن يحيى الذهلي. قال: "لا أعلمُ في: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا، فَلْيَغْتَسِلْ» حديثًا ثابتًا، ولو ثبتَ لزمنا استعماله"(السنن الكبرى للبيهقي عقب حديث 1456).
- أبو حاتم الرازي؛ حيثُ رجَّحَ وَقْفَهُ؛ قال ابن أبي حاتم: "وسُئِلَ أبي عن حديثٍ رواه هدبة، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ؟ » قال أبي: "هذا خطأٌ؛ إنما هو موقوفٌ على أبي هريرة، لا يرفعه الثقات" (علل الحديث 3/ 501).
- الدارقطني؛ قال -بعد ذكر الخلاف على سهيل ابن أبي صالح-: "ويشبه أن يكون سهيل كان يضطربُ فيه"(العلل).
- ابن المنذر؛ حيثُ قال: "الاغتسال من غسل الميت لا يجبُ، وليس فيه خبرٌ يثبتُ"(الأوسط 5/ 375).
- الحاكم، قال -عقب حديث ابن عباس:«لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غَسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ» -: "وفيه رَفْضٌ لحديثٍ مختلف فيه على محمد بن عمرو بأسانيد: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ» "(المستدرك عقب رقم 1426).
- الجصاص؛ قال: "وإسحاقُ هذا غيرُ معروفٍ"(مختصر اختلاف العلماء 1/ 183).
- ابن عبد البر؛ قال: "وإنما أدخل مالكٌ هذا الحديث إنكارًا لما رُوي عن النبيِّ عليه السلام أنه قال: «مَن غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» (الاستذكار 2/ 138).
- البيهقي، قال:"الرواياتُ المرفوعةُ في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية؛ لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم. والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفًا غير مرفوع"(السنن الكبرى 1/ 452).
- أبو الوليد الباجي قال: "وما رُوي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ليس بثابتٍ، وقد رُوي موقوفًا عن أبي هريرة"(المنتقى شرح الموطأ 2/ 5).
- ابن الصباغ
(1)
قال: "حديثُ أبي هريرةَ لم يثبتْ"(جامع الأصول لابن الأثير 7/ 335).
- ابن الجوزي؛ إذ قال: "هذا حديثٌ لا يصحُّ"، وساقَ طُرُقَهُ، ثم قال:"هذه الأحاديث كلها لا يصح"(العلل المتناهية 1/ 377).
وقال في (إعلام العالم بعد رسوخه بناسخ الحديث ومنسوخه 1/ 151): "والذي أراه أن أحاديث الغسل من غسل الميت، لا تثبتُ، ويدلُّ عليه قوله: «وَمَنْ حَمَلَهُ فَليَتَوَضَّأْ» وذلك متروكٌ بالإجماعِ، وكذلك الغسل".
- ابن رشد؛ حيث قال: "المسألةُ السابعةُ: وقد شَذَّ قومٌ فأوجبوا الوضوءَ مِن حَمْلِ الميتِ، وفيه أثرٌ ضعيفٌ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ
(1)
وهو أبو نصر البغدادي الفقيه الشافعي، المتوفى (سنة: 477 هـ) قال الذهبي: "فقيه العراق، ومصنف كتاب الشامل، كان يُقَدَّم على الشيخ أبي إسحاق في معرفة المذهب"(تاريخ الإسلام 10/ 409).
فَلْيَتَوَضَّأْ» " (بداية المجتهد 1/ 46).
وقال في موضعٍ آخرَ: "والذي رُوي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال «مَنْ غَمَّضَ مَيِّتًا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَ جِنَازَةً فَلْيَتَوَضَّأْ» ضعيفٌ"(بداية المجتهد 1/ 242).
- الرافعي، قال:"علماءُ الحديثِ لم يصححوا في البابِ شيئًا عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(شرح مسند الشافعي 4/ 345).
- النوويُّ، قال:"لم يصحَّ فيه حديثٌ"(المجموع 2/ 203).
وقال في (شرح مسلم 7/ 6): "والحديثُ المرويُّ فيه من رواية أبي هريرة: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ مَسَّهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ضعيفٌ بالاتفاقِ"اهـ.
وفي حكاية هذا الاتفاق نظر؛ لما سيأتي ذكره عن عددٍ من أهلِ العلمِ ممن صَحَّحَهُ أو حَسَّنَهُ.
- المنذري؛ قال: "وقد اختُلفَ في إسنادِ هذا الحديثِ اختلافًا كثيرًا"(مختصر السنن 4/ 307).
- الزركشي؛ قال: "وقال الحافظُ أبو موسى المدينيُّ في كتاب (الحياء): كم من حديثٍ له طرقٌ تُجمعُ في جُزءٍ، لا يصحُّ منها حديثٌ واحدٌ؛ كحديثِ الطير، يُروى عن قريبٍ من أربعين رجلًا من أصحابِ أنسٍ، ويُروى عن جماعةٍ من الصحابةِ غيره، وقد جمعَ غيرُ واحدٍ من الحفاظِ طرقه للاعتبار والمعرفة؛ كالحاكم أبي عبد الله، وأبي بكر بن مردويه، وأبي نعيم. قلتُ: وكذا حديث: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ»، قال الماورديُّ: جمعَ بعضُ المحدثين طرقه فكانت مائةً وعشرين طريقًا"(النكت على مقدمة ابن الصلاح 1/ 328).
- أبو حفص الموصلي؛ قال: "المحفوظُ منها أنه موقوفٌ"(الوقوف على الموقوف رقم 78).
- الفيروز آبادي، قال:"بابُ أَمْرِ مَن غَسَّل ميتًا بالاغتسالِ لم يصحَّ فيه حديثٌ"(ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب، صـ 21).
- وذهب أبو داود وابن شاهين إلى أنه منسوخٌ (سنن أبي داود 3162)، و (الناسخ لابن شاهين 1/ 52).
ثانيا: المصححون والمحسنون:
1 -
الترمذي؛ حَسَّنَهُ كما سبقَ.
2 -
البغوي؛ قال: "هذا حديثٌ حسنٌ، ويُروى هذا عن أبي هريرة موقوفًا"(شرح السنة 2/ 168).
3 -
ابن حبان؛ خرَّجه في (صحيحه 1161).
4 -
ابن السكن؛ قال ابن الملقن: "رواه الترمذيُّ، وقال: حسنٌ. وابن ماجه، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وابنُ السكنِ"(تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج 1/ 516).
5 -
ابن حزم؛ قال الذهبيُّ: "صَحَّحَ هذا الحديثَ ابنُ حزمٍ وقال به"(المهذب في اختصار السنن الكبرى 1/ 300).
وقال ابن الملقن: "وقد جَنَحَ ابنُ حزمٍ الظاهريُّ (إلى تصحيحه) فإنه احتجَّ به في المسألة وقال: إسحاق مولى زائدة ثقةٌ مدنيٌّ، وَثَّقَهُ أحمد بن صالح الكوفي وغيره"(البدر المنير 2/ 528).
6 -
الذهبيُّ؛ قال: "إسنادُهُ صالحٌ"(سير أعلام النبلاء 18/ 356)، وقال
في (المهذب في اختصار السنن الكبرى 1/ 301): "بل هي غير بعيدة من القوة إذا ضُم بعضها إلى بعض، وهي أقوى من حديثِ القلتين وأقوى من أحاديث: «الأَرْضُ مَسْجِدٌ إِلَّا المَقْبَرَةَ وَالحَمَّامَ»، إلى غير ذلك مما احتجَّ بأشباهه فقهاءُ الحديثِ".
7 -
ابن القيم؛ قال -بعد أن ساقَ له أحد عشر طريقًا-: "وهذه الطرقُ تدلُّ على أن الحديثَ محفوظٌ"(تهذيب السنن صـ 1501).
8 -
ابن الملقن، قال:"فقد ظهرَ صحة بعض طرقه وحسن بعضها ومتابعة الباقي لها، فلا يخفى إذًا ما في إطلاق الضعف عليها، وإن الأصح الوقف، وقد عُلم أيضًا ما يعمل عند اجتماع الرفع والوقف وشهرة الخلاف فيه، وقد نقل الإمام أبو الحسن الماوردي من أئمة أصحابنا في (حاويه) عن بعض أصحاب الحديث أنه خَرَّج لصحة هذا الحديث مائة وعشرين طريقًا، فأقل أحواله إذًا أن يكون حسنًا"(البدر المنير 2/ 536)
9 -
ابن حجر، قال:"وفي الجملة هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا"(التلخيص الحبير 1/ 371)، وقال في (فتح الباري 3/ 127):"وهو معلولٌ؛ لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة رضي الله عنه، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: الصواب عن أبي هريرة موقوف. وقال أبو داود -بعد تخريجه-: هذا منسوخ. ولم يبين ناسخه، وقال الذهليُّ -فيما حكاه الحاكم في تاريخه-: ليس فيمن غسل ميتًا فليغتسل حديث ثابت".
10 -
السيوطي، حيث رمز لحسنه في (جامعه 8876).
11 -
الشوكاني، قال: "والحاصلُ أن الحديثَ كما قال الحافظ: هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنًا، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه
معترض. قال الذهبي: هو أقوى من عدة أحاديث احتجَّ بها الفقهاءُ" (نيل الأوطار 1/ 297).
12 -
الألباني، قال:"صحيح"(الإرواء 144).
[تنبيه]:
قال ابن الملقن: "اعلم أن الرافعيَّ أورد هذا الحديث بلفظ: «المس» دون «الحمل» فقال: رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ مَسَّهُ فَلْيَتَوَضَّأْ». ولم أقفْ على لفظِ «المسِّ» في روايةٍ بعد الفحص عنه، وإنما هو بلفظ «الحمل» بدله، وكذا أورده هو -أعني: الرافعي- في كتابه: (الأمالي الشارحة لمفردات الفاتحة) نعم، كلام الشافعي السالف دالٌّ على وروده فيه؛ إذ قال: فإن وجدتُ ما يقنعني أوجبته وأوجبتُ الوضوءَ من مَسِّ الميتِ؛ فإنهما في حديثٍ واحدٍ. وكذا قول المزني أيضًا: الغسل من غسل الميت غير مشروع، وكذا الوضوء من مَسِّ الميتِ وحمله؛ لأنه لم يصح فيها شيء دالٌّ على ذلك"(البدر المنير 2/ 536).
* * *
الرِّوَايَةُ المُوْقُوفَةُ
• وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ موقوفٌ صحيحٌ، وَصَحَّحَهُ الأئمةُ.
[التخريج]:
[بز 7992/ ش 11264 "واللفظ له"، 12124/ تخ (1/ 397) / منذ 2945/ ناسخ 35، 302/ هق 1448، 1464].
وقد تقدَّم الكلامُ عليه ضمن تحقيق الرواية السابقة.
[تنبيه]:
وقعَ الحديثُ في مطبوع (الناسخ والنسوخ) لابن شاهين في موضعين، ووقع سقطٌ في الموضعِ الأولِ، حيثُ جاءَ هكذا:"عن حماد بن سلمة، عن أبي هريرة"، بينما وصله في الموضع الثاني هكذا:"عن حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة"، فيُتدارك السقط في الموضع الأول من الموضع الثاني.
والعجيبُ أن محققَ المطبوعةِ قَدَّر السقط هكذا: "عن حماد عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة"، مع أنه لما جاء إلى الموضع الثاني الذي لم يقع فيه السقط قال: مكرر. فكان عليه أن يصوب ما قاله في الموضع الأول. والله أعلم.
1587 -
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ
◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[تخ (1/ 397) / هق 1452 "واللفظ له"].
[السند]:
أخرجه البخاريُّ في (التاريخ الكبير) -ومن طريقه البيهقي في (السنن) -: عن يحيى بن سليمان عن ابن وهب عن أسامة عن سعيد بن أبي سعيد مولى المهري، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي سعيد، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: سعيد بن أبي سعيد -مولى المهري- ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 474)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 32)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وترجم له ابن حبان في (الثقات 6/ 363)، فقال:"يَروي عن أبيه، وإسحاق مولى زائدة روى عنه أسامة بن زيد وحرملة بن عمران".
وأسامه بن زيد هو الليثي، فيه كلام.
ويحيى بن سليمان شيخ البخاري، قال ابن حجر:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 7564)
وقد رواه ذكوان أبو صالح السمان عن إسحاق -مولى زائدة- عن أبي هريرة، وتقدم الكلام عليه.