الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
294 - بَابُ مَشْرُوعِيَّةِ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً
1853 -
حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ:((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً)).
[الحكم]:
صحيح (خ).
[الفوائد]:
قال الطحاويُّ -وذَكَرَ الأحاديثَ التي فيها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مرَّةً ومرَّتينِ وثَلاثًا-: "ففي هذه الأحاديث المروية عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة مرَّة مرَّة، ووضوءه للصلاة مرَّتين مرَّتين، ووضوءه للصلاة ثلاثًا ثلاثًا، فدلَّ ذلك على المفترضِ في الآيةِ التي تلوناها الوضوء، وأن العددَ الذي في هذه الآثارِ على الإباحةِ، فمن شاءَ تَوَضَّأَ مرَّة مرَّة، ومن شاءَ تَوَضَّأَ مرَّتين مرَّتين، ومن شاءَ تَوَضَّأَ ثلاثًا ثلاثًا. وهذا قولُ أهلِ العلمِ جميعًا، لا نعلمُ بينهم في ذلك اختلافًا"(أحكام القرآن 1/ 75).
[التخريج]:
[خ 157 (واللفظُ لَهُ) / د 137/ ت 42/ ن 82/ كن 100/ حم 1889، 2072، 3073، 3526، 4818، 4966/ مي 714/ خز 181/ حب 1090/ طي 2883/ عب 127/ عل 5777/ بز 5275، 5276، 5277/ حميد 702/ جا 68/ طهور 102، 103/ مدونة (1/
114) / طب (11/ 170/ 11394) / طس 9429/ خشف 29/ سا 452/ منذ 404/ طح (1/ 29/ 124) / طحق 21/ نبغ 483/ عد (6/ 512)، (7/ 81)، (7/ 115) / خط (7/ 499) / طوسي 37/ قشيخ 218/ حنف (نعيم صـ 123) / شيو 514/ معكر 86/ كر (58/ 357) / عروبة (الحاكم 51) / بغ 226/ مديني (لطائف 226) / محلى (2/ 33) / متشابه (2/ 812) / معيل (1/ 258)].
[السند]:
قال البخاريُّ (157): حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، به.
ورواه أحمدُ (2072) عن وكيعٍ.
ورواه أبو داود عن مسددٍ. والنسائيُّ في (الصغرى 82) و (الكبرى 100) عن محمدِ بنِ المثنى، كلاهما عن يحيى القطانِ.
كلهم: عن سفيانَ الثوريِّ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، به. ولفظ أبي داود والنسائي: عن ابنِ عباسٍ قال: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
وقد توبع الثوري عليه:
فرواه عبدُ الرزاقِ (127) -وعنه أحمدُ (3073) - عن داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، به.
وداودُ ثقةٌ فاضلٌ من رجالِ مسلمٍ.
وقد تقدَّمتْ رواياتُ هذا الحديثِ المفصلة في: (باب جامع في صفة الوضوء)، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).
[تنبيهان]:
الأول:
سَأَلَ مهنا الإمامَ أحمدَ: عن (الوضوء مرَّة مرَّة) قال: "الأحاديثُ فيه ضعيفةٌ"(شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي 1/ 366).
وهذا الحديثُ حجةٌ عليه، فإنه إسنادٌ صحيحٌ لا علةَ فيه، وقد أخرجه أحمدُ بسندِهِ الصحيحِ في ستة مواضع من (مسنده).
لا جرمَ قد صَحَّحَهُ الإمامُ البخاريُّ، وابنُ خُزيمةَ، وابنُ حِبَّانَ وغيرُهُم.
وقال الترمذيُّ عقبه: "وحديثُ ابنِ عباسٍ أحسنُ شيءٍ في هذا البابِ وأصحُّ".
ولذا قال ابنُ الملقنِ -معقبًا على قولِ أحمدَ-: "وفيما قاله نظر، فقد صَحَّ من حديثِ ابنِ عباسٍ كما أسلفناه"(التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 11).
قلنا: ونخشى أن يكون النقلُ عن الإمامِ أحمدَ فيه وهمٌ، أو لعلَّ مراد أحمد الأحاديث القولية بذلك، فلم يصحَّ هذا الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم، وإنما المحفوظُ من فعله فحسب. والله أعلم.
الثاني:
قال ابنُ النجارِ -كما في (كنز العمال 9/ 431/ 26833) -: أنبأنا أبو أحمد الأشقر في كتابه أن أبا الفضل الأشيب أخبره قال: كتبَ إليَّ أبو قاسم الزمن، أنبأنا والدي أبو عبد الله المقعد قال: حدثني محمد بن أبي خراسان المفلوج، حدثنا الأثرم ببغداد، حدثنا الحسن بن مِهران بن الوليد أبو سعيد الأصبهاني، حدثنا الأحدب، حدثنا الأصم، حدثنا الضرير،
عن الأعمش، عن الأعور، عن الأعرج، عن الأعمى:((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
وقال عقبه: "الأحدب عبد الله بن الحسن قاضي المِصيصة، والأصم عبد الله بن نصر الأنطاكي، والضرير أبو معاوية، والأعمش سليمان بن مِهران، والأعور إبراهيم النخعي، والأعرج الحكم، والأعمى عبد الله بن عباس".
* * *
رِوَايَةٌ: ((الوُضُوءُ مَرَّةً مَرَّةً))
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((الوُضُوءُ مَرَّةٌ مَرَّةٌ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، والمحفوظُ من فعله صلى الله عليه وسلم وليس من قوله. وقد أعلَّ الدارقطنيُّ أحدَ طريقيه، واستنكرَ الألبانيُّ الآخر.
[التخريج]:
[طب (10/ 332/ 10821) / فقط (أطراف 2770)].
[التحقيق]:
له طريقان عن ابن عباس:
الطريق الأول:
أخرجه الطبرانيُّ في (الكبير) قال: حدثنا أبو الزنباعِ رَوْحُ بنُ الفرجِ المصريُّ، ثنا عمرُو بنُ خالدٍ الحرانيُّ، ثنا ابنُ لهيعةَ، عن يزيدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الهادِ، عن إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، عن يعقوبَ بنِ خالدٍ، عن ابنِ عباسٍ، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
الأولى والثانية: يعقوبُ بنُ خالدٍ هو ابنُ المسيبِ المخزوميُّ، لم يدركِ ابنَ عباسٍ، فقد ذكره الذهبيُّ في وفيات (111 - 120 هـ) وقال:"ماتَ شابًّا"(تاريخ الإسلام 3/ 341). فأنَّى له أن يدركَ ابنَ عباسٍ؟ ! لا جرمَ قد ذكره ابنُ حِبانَ في طبقة (أتباع التابعين الذين رووا عن التابعين) من (الثقات 7/ 642) وقال: "يَروي المقاطيع".
ولم يُوثِّقْهُ غير ابن حبان، وهو معروفٌ بالتساهلِ في توثيقِ المجاهيلِ.
الثالثة: ابن لهيعة ضعيف، لاسيما في رواية غير العبادلة عنه، فهي واهيةٌ، وهذا منها.
ولذا قال الألبانيُّ: "منكرٌ، تَفَرَّدَ به ابنُ لهيعةَ بهذا السندِ، وهو ضعيفٌ سيئُ الحفظِ. ويعقوبُ بنُ خالدٍ؛ الظاهرُ أنه ابنُ المسيبِ، لكنهم لم يذكروا له رواية عن الصحابة"(صحيح أبي داود 1/ 238). وضَعَّفَهُ في (ضعيف الجامع 6161).
بينما رَمَزَ السيوطيُّ له بالحسنِ في (الجامع الصغير 9677)، ولعلَّه يعني لشواهده.
وأبعدَ النُّجْعَةَ المُناويُّ فقال: "إسنادُهُ صحيحٌ، فرَمْزُ المؤلفِ لحُسْنِهِ تقصيرٌ"(التيسير 2/ 486). وقال في (فيض القدير 6/ 375): "بل حَقُّه الرمز لصحته؛ فقد قال الهيثميُّ: رجاله رجال الصحيح"! !
قلنا: ولم نقفْ على كلامِ الهيثميِّ في مظانه من (مجمع الزوائد).
وعلى كلٍّ هو خطأ؛ فابنُ لهيعةَ ليس من رجالِ الصحيحِ، وإنما روى له مسلمٌ مقرونًا بالثقةِ الثبتِ عمرِو بنِ الحارثِ.
وهنا ينبغي التنبيه على أن قولهم: (رجاله رجال الصحيح) لا يلزمُ منه صحة الإسناد فضلًا عن صحةِ الحديثِ.
فربما يكون رجاله رجال الصحيح (كلٌّ بمفرده)، لكن رواية هذا الراوي عن شيخه هذا ضعيفة؛ كمعمرٍ في قتادةَ وثابتٍ، وسفيان بن حسينٍ وجعفر بن برقانَ في الزهريِّ
…
وغيرهم كثير.
أو يكون الراوي لم يسمعْ من شيخِهِ، كما هو الحالُ هنا في روايةِ يعقوبَ بنِ خالدٍ عن ابنِ عباسٍ.
فالاعتمادُ على نحو قولِ الهيثميِّ هذا في تصحيح الأحاديث خطأ كبير، يجبُ الحذر منه، وإن كان -للأسف الشديد- هذا صنيع كثير من المعاصرين في هذه الأيام، لاسيما بعض دكاترة الجامعات. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الطريق الثاني: عطاء بن يسار، عن ابن عباس:
أخرجه الدارقطنيُّ في (الأفراد) -كما في (الأطراف 2770) -: من طريقِ الحسينِ بنِ مهديٍّ، عن حجاجِ بنِ نُصَيْر، عن ورقاءَ، عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، به.
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: حجاجُ بنُ نُصَيْر، وهو:"ضعيفٌ، كان يَقبلُ التلقين"(التقريب 1139).
وقد أخطأَ في سندِهِ؛ ولذا قال الدارقطنيُّ عقبه: "تَفَرَّدَ به الحسينُ بنُ مهديٍّ عن حجاجِ بنِ نُصَيْر عن ورقاء عن عمرو بن دينار، عنه. والمحفوظ عن ورقاء عن زيد بن أسلم، عنه".
* * *
رِوَايَةُ: يُجْزِئُ مِنَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً
• وَفِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: ((يُجْزِئُ مِنَ الوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وأنكره ابنُ عديٍّ، وتبعه ابنُ طاهرٍ.
[التخريج]:
[عد (3/ 534)].
[السند]:
قال ابنُ عَديٍّ: حدثنا أحمد بن علي بن الحسين بن زياد الكوفي، حدثنا حسين بن حرب بن الحسين الطحان، حدثنا حسن بن حسين، حدثنا صدقة بن ميمون الخراساني، عن أبي هاشم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: الحسنُ بنُ الحسينِ العُرَنيُّ.
قال أبو حاتم: "لم يكن بصدوقٍ عندهم، كان من رؤساءِ الشيعةِ"(الجرح والتعديل 3/ 6).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "يَروي عن جريرِ بنِ عبدِ الحميدِ والكوفيين المقلوبات، ويأتي عن الأثبات بالملزقات"(المجروحين 1/ 289).
وقال ابنُ عَديٍّ: "روى أحاديثَ مناكيرَ"، ثم ذكرَ له هذا الحديث وآخر، وقال:"وهذان الحديثان ليسا بمحفوظين، يرويهما حسنُ بنُ الحسينِ. وللحسن بن الحسين أحاديث كثيرة، ولا يشبه حديثه حديث الثقات"(الكامل 3/ 533، 534).
وتبعه ابنُ طاهرٍ المقدسيُّ في (ذخيرة الحفاظ 6493).
* * *
رِوَايَةُ يُجْزِئُ لِكُلِّ عُضْوٍ غَسْلَةً
• وَفِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: ((يُجْزِئُ لِكُلِّ عُضْوٍ غَسْلَةً إِذَا بَلَغَ مَوَاضِعَ الوُضُوءِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[بز 5282].
[السند]:
قال البزارُ: حدثنا محمدُ بنُ مرزوقِ بنِ بُكيرٍ، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ رجاء، قال: حدثنا أبو عمرٍو العسقلانيُّ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: أبو عمرٍو العسقلانيُّ، وهو مجهولٌ.
قال البزارُ: "وأما حديثُ أبي عمرٍو العسقلانيِّ، فأخطأَ عندي فيه محمدُ بنُ مرزوقٍ؛ لأنَّ ابنَ رجاءٍ يحدِّثُ عن أبي عمرٍو سعيدِ بنِ سلمةَ بأحاديثَ كثيرةٍ، وأبو عمرٍو العسقلانيُّ فلا نعرفْه، والحديثُ هو معنى الأحاديث، وإن كان اللفظ خلاف ذلك"(المسند 11/ 426).
* * *
1854 -
حَدِيثُ عُمَرَ
◼ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً (وَاحِدَةً وَاحِدَةً))).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2، زَادَ:((أَنَّهُ تَوَضَّأَ عَامَ (في غَزْوَةِ) تَبُوكَ
…
)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 3: ((عَامَ الحُدَيْبِيَةِ
…
)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ معلولٌ، والصوابُ أنه من حديثِ ابنِ عباسٍ. وبهذا أعلَّه الترمذيُّ، وأبو حاتمٍ، والبزارُ، والعقيليُّ، وابنُ عَديٍّ، والدارقطنيُّ، والبوصيريُّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حم 149 (واللفظُ لَهُ) / حميد 12/ طهور 104/ بز 292/ طح (1/ 29/ 123) / عد (5/ 310) (والروايةُ لَهُ)].
تخريج السياق الثاني: [جه 416 (والروايةُ لَهُ ولغيرِهِ) / حم 151 (واللفظُ لَهُ) / عروبة (الحاكم 53) / مقرئ (شيوخه 2) / كما (13/ 268)].
تخريج السياق الثالث: [علحا 72].
[السند]:
رواه أحمدُ (149)، وعبيدُ بنُ حُميدٍ: عن حسنِ بنِ موسى. وأبو عبيدٍ في (الطهور) عن أبي الأسودِ. والطحاويُّ في (شرح معاني الآثار) من طريقِ أسدِ بنِ موسى. ثلاثتهم: عن ابنِ لهيعةَ، حدثنا الضحاكُ بنُ شرحبيل، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن عمرَ بنِ الخطابِ، به. بلفظ السياق الأول بدون
ذكر الغزوة.
وكذا رواه البزارُ، وابنُ عديٍّ: من طريقِ رشدين بنِ سعدٍ، عن الضحاك بن شرحبيل، به.
ولكن رواه أحمدُ (151): عن يحيى بنِ غيلانَ. ورواه ابنُ ماجه وجماعةٌ عن أبي كُريبٍ محمدِ بنِ العلاءِ. كلاهما عن رشدينَ بنِ سعدٍ، أنا الضحاكُ بنُ شرحبيل، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن عمرَ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((أَنَّهُ تَوَضَّأَ عَامَ تَبُوكَ .. )). والسياقُ لأحمدَ وغيرِهِ، وعند ابنِ مَاجهْ:((في غزوة)) مبهمة دون تعيين، وهي معينة في بقية المصادر المذكورة في تخريج السياق الثالث، عن نفس شيخ ابن ماجه.
ورواه ابنُ أبي حاتمٍ في (العلل) قال: وسمعتُ أبي وحدثنا عن حرملةَ، عن ابنِ وهبٍ، عن ابنِ لهيعةَ، عن الضحاكِ بنِ شُرَحْبِيلَ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن عمرَ بنِ الخطابِ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الحُدَيْبِيَةِ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
فمدارُهُ عند الجميعِ برواياتِهِ الثلاث على الضحاك بن شرحبيل به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ معلولٌ؛ فيه الضحاكُ بنُ شُرحبيلَ، وهو مختَلفٌ فيه:
فقال أحمدُ: "ضعيفٌ"(تهذيب التهذيب 4/ 445).
بينما قال أبو زرعةَ: "لا بأسَ به، صدوقٌ"(الجرح والتعديل 4/ 459)، ووَثَّقَهُ العجليُّ (771)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 388).
ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ بقوله: "صدوقٌ يهمُ"(التقريب 2969)
(1)
.
(1)
وقد فرَّقَ الذهبيُّ في (الميزان 2/ 324) بين الضحاك بن شرحبيل الذي يروي عن زيد بن أسلم، وبين من يَروي عن أبي هريرة. فترجم برقم (3932) للضحاك بن شرحبيل عن زيد بن أسلم. وقال:"ضَعَّفه أحمدُ بنُ حَنبلٍ". ثم قال: "وأما الضحاك بن شرحبيل المصري الغافقي عن أبي هريرة، فصدوق". وتعقبه الحافظ فقال: "كذا أورده المؤلف في المغني ثم قال: الضحاك بن شرحبيل الغافقي مصري، عن أبي هريرة - صدوق مقل. قلت: وهما واحد، والغافقي مترجم له في التهذيب وأوردته لئلا يستدرك"(اللسان 3955).
قلنا: وقد جمع بينهما الذهبي نفسه في (تاريخ الإسلام 3/ 250).
وقد وَهِمَ في هذا الحديثِ على زيدِ بنِ أسلمَ، فرواه عنه عن أبيه عن عمرَ.
وخالفه جماعةٌ من أصحابِ زيدٍ (كالثوريِّ، وداود بن قيس، والدراوردي، وهشام بن سعد، وحفص بن ميسرة، وورقاء بن عمر
…
وغيرهم) فرووه جميعًا: عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن ابنِ عباسٍ، به. وقد تقدَّمَ في أولِ البابِ، وهو في الصحيحِ.
وقد نصَّ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ على خطأ هذا الحديثِ بهذا الإسنادِ:
* فقال الترمذيُّ: "وروى رشدينُ بنُ سعدٍ وغيرُهُ هذا الحديثَ عن الضحاكِ بنِ شرحبيلَ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ بنِ الخطابِ: ((أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، وليس هذا بشيءٍ، والصحيحُ ما روى ابنُ عجلانَ، وهشامُ بنُ سعدٍ، وسفيانُ الثوريُّ، وعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يَسارٍ عن ابنِ عباسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(الجامع 1/ 305/ عقب رقم 42).
* وقال أبو حاتم: "هذا خطأٌ، إنما هو زيدٌ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(علل الحديث 72).
* وقال البزارُ: "وهذا الحديثُ خطأٌ، وأحسبُ أن خطأه أَتَى من قِبلِ الضحاكِ بنِ شرحبيلَ، فرواه عنه رشدينُ بنُ سعدٍ، وعبدُ اللهِ بنُ لهيعةَ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ. والصوابُ: ما رواه الثقاتُ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ عن ابنِ عباسٍ"(المسند 292).
وانظر أيضًا (الإمام لابن دقيق 2/ 36)، و (النفح الشذي لابن سيد الناس 1/ 399)، و (شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي 1/ 367)
(1)
.
* وقال العقيليُّ: "وقال ابنُ لهيعةَ: عن الضحاكِ بنِ شرحبيلَ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن عمرَ.
ورواه سفيانُ الثوريُّ ومعمرٌ وداودُ بنُ قيسٍ الفراءُ وعبدُ العزيزِ الدراورديُّ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذه الروايةُ أَوْلى" (الضعفاء 2/ 349 - 350).
* وقال ابنُ عَدِيٍّ: "هكذا قال رشدينُ في هذا الإسنادِ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ. وقال عبد الله بن سنان الزهريُّ: عن زيدِ بنِ أسلمَ عن ابن عمر وجميعًا خطأ، والصوابُ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ عن ابنِ عباسٍ"(الكامل 4/ 575).
* وقال الدارقطنيُّ: "هو حديثٌ يرويه ابنُ لهيعةَ، ورشدينُ بنُ سعدٍ عن الضحاكِ بنِ شُرحبيلَ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ. وخالفه عبدُ اللهِ بنُ سنان فرواه زيدُ بنُ أسلمَ عن ابنِ عمرَ عنِ النبي صلى الله عليه وسلم. وكلاهما وهم. والصوابُ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ عن ابنِ عباسٍ. كذا رواه
(1)
فقد نقلوا عن البزار كلامًا طويلًا على حديثِ عمرَ، قاله عقب حديث ابن عباس، ولم نقفْ عليه في موضعه، ومفاده مثل ما نقلناه عنه، ولعلَّ في النُّسخِ اختلافًا.
الحفاظُ عن زيدِ بنِ أسلمَ" (العلل 1/ 179).
وقال البوصيريُّ -معلقًا على سندِ ابنِ مَاجهْ-: "هو إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ رشدين بنِ سعدٍ"، ثم ذكر إعلال الترمذي للحديث وأقرَّه (مصباح الزجاجة 1/ 60).
ومع هذا كله، قال ابنُ كَثيرٍ:"وهذا إسنادٌ حسن"! (مسند الفاروق 1/ 100).
* * *
1855 -
حَدِيثُ جَابِرٍ
◼ عَنْ ثَابِتِ بنِ أَبِي صَفِيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ: حَدَّثَكَ جَابِرٌ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً؟ )) قَالَ: نَعَمْ.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
وضَعَّفَهُ: ابنُ طاهرٍ، وابنُ دقيقِ العيدِ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[ت 45 (واللفظُ لَهُ) / ش 66/ بز (إمام 2/ 37)، (مغلطاي 1/ 366) / طس 6542/ عد (2/ 568)، (3/ 209) / عيل (1/ 456) / حل (7/ 232) / ضح (2/ 12) / مخلدي (ق 222/ ب) / خراز 7، 20/ ك (تاريخ - مغلطاي 1/ 366) / مغلطاي (1/ 366)].
[التحقيق]:
رُوي من طريقين عن أبي جعفرٍ:
الأول:
أخرجه الترمذيُّ في (السنن) قال: حدثنا هنادٌ وقتيبةُ قالا: حدثنا وكيعٌ عن ثابتِ بنِ أبي صفيةَ قال: قلتُ لأبي جعفرٍ: حدَّثك جابرٌ رضي الله عنه
…
به.
وأخرجه ابنُ أبي شيبةَ، والبزارُ، وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 2/ 568)، وأبو نُعيمٍ في (الحلية) وغيرهم: من طرقٍ عن ثابتِ بنِ أبي صفيةَ، به.
قال البزارُ عقبه: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يُروى عن جابرٍ إلا بهذا الإسناد، ولا رواه عن محمد بن علي إلا أبو حمزة الثُّماليُّ".
وقال أبو نعيم -عقبه-: "غريبٌ من حديثِ مِسعرٍ عن أبي حمزةَ".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لضعفِ ثابتِ بنِ أبي صفيةَ، أبي حمزةَ الثُّمالي:"ضعيفٌ رافضيٌّ" كما في (التقريب 818).
وبه ضَعَّفَهُ ابنُ طاهرٍ فقال: "وأبو حمزةَ ضعيفٌ"(ذخيرة الحفاظ 1310).
وقال ابنُ دَقيقِ العيدِ بإثره: "وقال النسائيُّ: ثابتُ بنُ أبي صفيةَ ليسَ بثقةٍ"(الإمام 2/ 35).
وقال في موضعٍ آخر: "ثابتُ بنُ أبي صفيةَ دينار تُكلِّم فيه"(الإمام 2/ 37).
الطريق الثاني:
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط 6542) قال: حدثنا محمد بن رُزَيق، حدثنا عبدة بن عبد الرحيم، حدثنا الحارث بن عمران الجعفري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر، به.
وأخرجه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 3/ 209)، والإسماعيليُّ في (المعجم 1/ 456)، والمَخْلَديُّ، كما في (الفوائد المنتخبة من أصوله ق 222/ ب)، وغيرهم: من طريق الحارث بن عمران به.
وقال الطبرانيُّ عقبه: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن جعفرٍ إلا الحارث بن عمران".
وقال ابنُ عَدِيٍّ عقبه: "وهذا الحديثُ لا أعلمُ رواه عن جعفرٍ غير الحارث هذا، وللحارثِ عن جعفرٍ بهذا الإسناد غير حديث، لا يُتَابِعُ عليه الثقات".
قلنا: وهذا إسنادٌ وَاهٍ؛ الحارث بن عمران، قال فيه أبو زرعة:"ضعيفُ الحديثِ، واهي الحديث"، وقال الدارقطنيُّ:"متروكٌ"، وقال ابنُ عَديٍّ:"الضعفُ على رواياتِهِ بَيِّنٌ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كان يضعُ الحديثِ على الثقاتِ"، انظر (تهذيب التهذيب 2/ 152)، ولذا قال الذهبيُّ:"ضعَّفوه" (الكاشف
867). وقال الحافظُ: "ضعيفٌ، رَمَاه ابنُ حِبَّانَ بالوضعِ"(التقريب 1040).
* * *
رِوَايَةُ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ ثَابِتِ بنِ أَبِي صَفِيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ: حَدَّثَكَ جَابِرٌ: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا؟))، قَالَ: نَعَمْ.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ مفرقًا، وإسنادُهُ ضعيفٌ.
وضَعَّفَهُ: أحمدُ، والبخاريُّ، والترمذيُّ، والدارقطنيُّ -وتبعه الغسانيُّ-، والمباركفوريُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[ت 45 (واللفظُ لَهُ) / جه 414/ علت 26/ قط 265/ عروبة (الحاكم 61)].
[السند]:
قال الترمذي: حدثنا إسماعيلُ بنُ موسى الفَزَاريُّ، قال: حدثنا شَريكٌ، عن ثابتِ بنِ أبي صفيةَ، قال: قلتُ لأبي جعفرٍ:
…
فذكره.
ومداره عندهم على شَريكٍ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: ثابتُ بنُ أبي صفيةَ، أبو حمزةَ الثُّماليُّ:"ضعيفٌ رافضيٌّ" كما في
(التقريب 818).
الثانية: شَريكُ بنُ عبدِ اللهِ القاضي النَّخَعيُّ؛ "صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا، تغيَّر حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة" كما في (التقريب 2787).
وقد خالفه وكيعٌ وغيرُهُ في متنه، فاقتصروا فيه على:"مرَّة مرَّة" فقط.
وبهذا أعلَّه جماعةٌ من الأئمةِ:
فقال الترمذيُّ في (العلل): "سألت محمدًا -يعني البخاريَّ- عن هذا الحديثِ فقال: "الصحيحُ ما رواه وكيعٌ عن أبي حمزةَ، وحديثُ شريكٍ ليس بصحيحٍ" (علل الترمذي الكبير 26).
وقال الترمذيُّ عقبه: "وروى وكيعٌ هذا الحديث، عن ثابت بن أبي صفية، قال: قلتُ لأبي جعفرٍ: حدَّثكَ جابرٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً؟ قال: نعم"، ثم قال: " [وهذا أصح من حديث شريك؛ لأنه قد رُوي من غير وجهٍ هذا عن ثابت، نحو رواية وكيع]
(1)
، وشريكٌ كثيرُ الغلطِ".
وقال الدارقطنيُّ عقب هذا الحديث: "الثُّماليُّ ليس بالقويِّ"(السنن 265).
وتبعه الغسانيُّ فذكره في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني، صـ 20).
وقد قال مُهَنَّا: سألتُ أبا عبد الله -يعني: أحمد بن حنبل- عن الوضوء مرَّة مرَّة، فقال:"الأحاديثُ فيه ضعيفةٌ"، ثم ذكرَ حديثَ جابرٍ في وضوئِهِ مرَّة ومرَّتين وثلاث مرات [في الأحاديث الضعاف]. (شرح ابن ماجه لمغلطاي
(1)
ما بين المعقوفين لم يثبتْهُ محققو طبعة التأصيل في الأصل، وإنما أشاروا إليه في الحاشية، وهو مثبتٌ في كلِّ طبعاتِ الترمذيِّ، والسياق من غيره مختل.
1/ 366)، و (التوضيح لابن الملقن 4/ 11).
وقال الألبانيُّ: "ضعيفٌ"(المشكاة 422).
ومع هاتين العلتين، قال علي القاري:"سندُهُ حسنٌ"!! (المرقاة).
وتعقبه المباركفوريُّ، فقال:"قلتُ: في سندِهِ شريكٌ، وقد عرفت حاله. وأيضًا في سندِهِ ثابتُ بنُ أبي صفيةَ، وهو ضعيفٌ"(تحفة الأحوذي 1/ 133).
قلنا: والمتنُ صحيحٌ مُفرَّقًا؛ فقد صَحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ومرَّتين مرَّتين وثلاثًا ثلاثًا، كما تقدَّم في:(باب جامع في صفة الوضوء).
* * *
1856 -
حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:((تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ من حديثِ ابنِ عباسٍ، وأسانيدُهُ ضعيفةٌ.
[التخريج]:
[طح (1/ 29/ 125، 126) (واللفظُ لَهُ) / عق (2/ 249) / عد (7/ 60) / كر (41/ 344) / تمام 110، 1166].
[التحقيق]:
رُوي من عدةِ طرقٍ، لا يخلو طريقٌ منها من مَقالٍ، وإليك بيانها:
أولها: عن مجاهدٍ عن ابنِ عمرَ:
أخرجه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 125) قال: حدثنا ابنُ أبي داودَ، قال: ثنا يحيى بنُ صالحٍ الوحاظيُّ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ بنُ عمرٍو، عنِ ابنِ أبي نَجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، به.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عدا يحيى بن صالح الوحاظي، وهو صدوقٌ (التقريب 7568).
ولكن لهذا الطريق علة:
فقد رواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 126) قال: حدثنا ابنُ أبي داودَ، قال: ثنا عليُّ بنُ معبدٍ، قال: ثنا عبيدُ اللهِ، عن الحسنِ بنِ عمارةَ، عنِ ابنِ أبي نجيحٍ
…
ثم ذكرَ بإسنادِهِ مثله.
فجعلَه عليُّ بنُ معبدٍ من روايةِ عُبيدِ اللهِ بنِ عمرٍو عن الحسنِ بنِ عمارةَ عن ابنِ أبي نَجيحٍ به.
والحسنُ بنُ عمارةَ هذا متروكٌ كما في (التقريب 1264).
وعليُّ بنُ معبدٍ ثقةٌ (التقريب 4801)، فروايتُه أَوْلى من روايةِ الوحاظيِّ، لاسيما وعبيدُ اللهِ الرقيُّ لا يُعرفُ له رواية عنِ ابنِ أبي نجيحٍ سوى هذه.
الطريق الثاني: عن زيدِ بنِ أسلمَ عنِ ابنِ عمرَ:
أخرجه العقيليُّ في (الضعفاء 2/ 349)، حدثني عليُّ بنُ عبدِ اللهِ الفرغانيُّ، قال: حدثنا صباحُ بنُ مروانَ السِّيبيُّ، قال: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ سنان الزهريُّ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن ابنِ عمرَ، به.
وكذا رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 7/ 60)، والدارقطنيُّ في (الأفراد) -كما في (الأطراف 2946) - من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ سنان، به.
وقال بإثره: "ولم يقل: (عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر) غير عبد الله بن سنان، وقد رُوِي هذا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس، ورُوِي عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر".
وقال الدارقطنيُّ: "تفرَّدَ به عبدُ اللهِ بن سنان عن زيدِ بنِ أسلمَ".
قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ معلولٌ؛ فيه: عبد الله بن سنان الزهري؛ نقلَ العقيليُّ عن ابنِ مَعينٍ أنه قال: "ليس حديثُه بشيءٍ"، ثم ذكر العقيليُّ هذا الحديثَ، وقال عقبه: "وقال ابنُ لهيعةَ: عن الضحاك بن شرحبيل، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، عن عمرَ.
ورواه سفيانُ الثوريُّ، ومعمرٌ، وداودُ بنُ قَيسٍ الفراءُ، وعبدُ العزيزِ الدراورديُّ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عنِ ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وهذه الروايةُ أَوْلى" (الضعفاء 2/ 350).
وقال ابنُ عَدِيٍّ -عقب حديث عمر السابق-: "قال رشدينُ في هذا الإسنادِ: عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ. وقال عبدُ اللهِ بنُ سنان الزهريُّ: عن زيدِ بنِ أسلمَ عن ابنِ عمرَ. وجميعًا خطأ، والصوابُ: عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ عن ابنِ عباسٍ"(الكامل 5/ 310).
وقال الدارقطنيُّ: "هو حديثٌ يرويه ابنُ لهيعةَ ورشدينُ بنُ سعدٍ عن الضحاكِ بنِ شرحبيل عن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيه عن عمرَ، وخالفه عبد الله بن سنان، فرواه عن زيدِ بنِ أسلمَ عن ابنِ عمرَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكلاهما وهمٌ، والصوابُ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءِ بنِ يسارٍ عن ابنِ عباسٍ، كذا رواه الحفاظُ عن زيدِ بنِ أسلمَ"(العلل 170).
وقد سبقَ حديثُ ابنِ عباسٍ أول الباب.
الطريق الثالث: عن نافع عن ابن عمر:
أخرجه تمامٌ في (الفوائد 1166)، وابنُ عساكر في (تاريخه 41/ 344) من طريق سعيد بن عبد الملك الحراني، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: سعيدُ بنُ عبدِ الملكِ أبو عثمانَ الحرانيُّ، قال عنه أبو حاتم:"يتكلمونَ فيه، روى أحاديثَ كذب"، وقال الدارقطنيُّ:"ضعيفٌ لا يُحْتجُّ به"، وذكر له الذهبيُّ في (الميزان) حديثًا وقال:"فهذا موضوعٌ". (لسان الميزان 4/ 65). وذكره سبط ابن العجمي في (الكشف الحثيث عمن رُمي بوضع الحديث 310).
ورُوي من طريقٍ آخر عن نافعٍ:
أخرجه تمامٌ في (الفوائد 110)، من طريقِ عُبيدِ بنِ هشامٍ الحلبيِّ عن
عبدِ العزيزِ الدراورديِّ عن عبيدِ اللهِ بنِ عمرَ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، به.
وهذا إسنادٌ منكرٌ؛ عبيدُ بنُ هشامٍ الحلبيُّ ضَعَّفَهُ النسائيُّ وغيرُهُ، وقال أبو داود:"ثقةٌ، إلا أنه تغيَّر في آخرِ أمره، لُقنَ أحاديث ليس لها أصل"(تهذيب التهذيب 7/ 77). وقال ابنُ حَجرٍ: "صدوقٌ، تغيَّر في آخرِ عُمره فتلقن"(التقريب 4398).
وقد خالفه جماعةٌ منَ الثقاتِ فرووه عن الدراورديِّ عن زيدِ بنِ أسلمَ عن عطاءٍ عن ابنِ عباسٍ، به. وقد سبقَ حديثُه أول الباب.
ورُوي من طريقٍ آخرَ عن عُبيدِ اللهِ عن نافعٍ:
رواه الدارقطنيُّ في (الأفراد) -كما في (الأطراف 3381) -: من طريق الحسين بن بِيهَان عن أبي الربيع الحارثي عبيد الله بن محمد، عن يحيى القطانِ، عن عبيد الله بن عمر، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، به.
وقال عقبه: "تفرَّدَ به الحسينُ بن بِيهَان
…
".
وسُئِلَ عنه في (العلل) فقال: "يرويه عبيد الله بن عمر، واختُلف عنه:
فروي، عَن أبي الربيع عبيد الله بن محمد الحارثي، عن يحيى القطان، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم
…
وهذا وهم، والصواب موقوفًا
(1)
" (العلل 2894).
* * *
(1)
كذا في المطبوع، دون ذكر الوجه الموقوف، فيبدو أن في الكلام سقطًا.
1857 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما: ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، [ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى])).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بشواهدِهِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ. وضَعَّفه الهيثميُّ والعينيُّ.
[التخريج]:
[بز 2385 (واللفظُ لَهُ) / طس 7346 (والروايةُ لَهُ)].
[السند]:
قال البزارُ: حدثنا الجَرَّاحُ بنُ مَخْلدٍ، قال: أخبرنا بكر بن يحيى بن زَبَّان العَنَزي، قال: أخبرنا مندل بن علي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، به.
ثم قال: "هذا الحديثُ لا نعلمُ رواه عن عبد الله بن عمرو إلا مجاهد، ولا عن مجاهد إلا ابن أبي نجيح".
ورواه الطبرانيُّ في (الأوسط) من طريق محمدِ بنِ الليثِ الهَدَادِيُّ، حدثنا بكرُ بنُ يحيى بنِ زَبَّان، به.
ثم قال: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن ابنِ أبي نجيحٍ إلا مندل، تفرَّد به بكر بن يحيى".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: مندل بن علي؛ "ضعيف"(التقريب 6883).
وبه ضَعَّفه الهيثميُّ، فقال: "فيه مندلُ بنُ عليٍّ، ضَعَّفَهُ أحمدُ، وابنُ المدينيِّ،
وابنُ مَعينٍ في رواية، ووَثَّقَهُ في أُخْرَى" (مجمع الزوائد 1179).
وقلَّدَهُ في هذا القولِ العينيُّ في (نخب الأفكار 1/ 247).
الثانية: بكر بن يحيى بن زَبَّان البصري؛ قال عنه أبو حاتم: "شيخ"(الجرح والتعديل 2/ 394)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) -كما في (تهذيب الكمال 4/ 232)، و (تاريخ الإسلام 5/ 42)، وغيرهما
(1)
-، ولذا لَيَّنَ توثيقه الذهبيُّ؛ بقوله:"وُثِّقَ"(الكاشف 638)، وقال الهيثميُّ:"ضعيفٌ"(مجمع الزوائد 14976)، وقال ابنُ حَجرٍ:"مقبولٌ"(التقريب 753) أي: حيثُ يُتابَع وإلا فلَيِّن، ولم يتابعْ هنا.
* * *
(1)
ولم نجده في المطبوع من (الثقات).
1858 -
حَدِيثُ ابْنِ الفَاكِهِ
◼ عَنِ ابنِ الفَاكِهِ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وسندُهُ ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ جدًّا ابنُ أبي حاتمٍ، وابنُ عَدِيٍّ، وابنُ القيسرانيِّ، والشوكانيُّ، والمباركفوريُّ.
[التخريج]:
[تخ (5/ 244) / تخث (السفر الثاني 2546) / جعد 3447 (واللفظُ لَهُ) / صبغ 2667/ طهور 100/ عد (8/ 537) / مغلطاي (1/ 370)].
[السند]:
أخرجه أبو القاسمِ البغويُّ في (الجعديات) و (معجم الصحابة) -ومن طريقه مغلطايُ في (شرح سنن ابن ماجه) - والمروزيُّ في (زوائده على كتاب الطهور لأبي عبيد). وابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) عن أحمدَ بنِ الحسينِ الصُّوفيِّ. ثلاثتهم: عن عليِّ بنِ الجعدِ، قال: أنا عديُّ بنُ الفضلِ، عن أبي جعفرٍ، عن عمارةَ بنِ خزيمةَ بنِ ثابتٍ، عن ابنِ الفاكه، به.
وعلَّقه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 244) عن عليِّ بنِ الجعدِ.
ورواه ابنُ أبي خيثمةَ في (تاريخه)، وأبو القاسم البغويُّ في (معجم الصحابة)، عن محمدِ بنِ بكَّارٍ، عن عديِّ بنِ الفضلِ، به.
فمداره عندهم على: عدي بن الفضل، عن أبي جعفر -هو عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري الخطمي-، به.
قال ابنُ عَدِيٍّ عقبه: "وهذا لا أعلمُ رواه عن أبي جعفرٍ الخطميِّ غير عدي بن الفضل".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ؛ فيه عديُّ بنُ الفضلِ، وهو "متروكٌ"(التقريب 4545).
وبه أعلَّه ابنُ أبي حاتمٍ؛ حيثُ ذكرَ الحديثَ في ترجمة ابن الفاكه من (الجرح والتعديل 9/ 326)، ثم قال عقبه:"عديُّ بنُ الفضلِ متروكُ الحديثِ".
وذكره ابنُ عَديٍّ في ترجمةِ عديٍّ؛ ثم قال: "وهذا لا أعلمُ رواه عن أبي جعفرٍ الخطميِّ غير عديِّ بنِ الفضلِ".
ثم قال: "ولعديِّ بنِ الفضلِ أحاديث صالحة عن شيوخِ البصرةِ؛ مثل أيوب السختياني ويونس بن عبيد، وغيرهما مناكير، مما لا يحدثُ به عنهم غيره".
وقال ابنُ القيسرانيِّ: "رواه عديُّ بنُ الفضلِ عن أبي الخطميِّ،
…
وعديٌّ هذا متروكُ الحديثِ" (ذخيرة الحفاظ 2973).
وقال الشوكانيُّ: "وحديثُ ابنِ الفاكه عند البغويِّ في (معجمه)، وفيه: عديُّ بنُ الفضلِ، وهو متروكٌ"(نيل الأوطار 1/ 217).
وتبعه المباركفوريُّ في (تحفة الأحوذي 1/ 128).
قلنا: وقد خُولف فيه؛ فإن هذه الروايةَ بذكرِ (ابنِ الفاكه) أحدُ أوجهِ الاختلافِ على أبي جعفرٍ الخطميِّ في هذا الحديثِ، التي تقدَّم الكلامُ عليها في:(باب ما رُوي في مسح القدمين في الوضوء)، فقدِ اختُلفَ في تعيينِ صحابيِّ الحديثِ على وجوهٍ، أشهرها: عبد الرحمن بن أبي قُرَاد، وقيل: القيسي، وقيل: ابن الفاكه، وهو أضعف الوجوه لتفرد عدي بن الفضل بذلك، ولكن في المتن اضطرابٌ كبيرٌ؛ ولذا حكمنا عليها بالاضطرابِ هناك.
ولم يأتِ التنصيصُ على ذكر اسم ابن الفاكه في شيءٍ من الرواياتِ، ولا يُعرفُ في غير هذا الحديث؛ ولذا قال البغويُّ: "ابن الفاكه بلغني اسمه:
عبد الرحمن
…
"، وذكر الحديثَ ثم قال: "وليس له غيره فيما أعلم" (معجم الصحابة 4/ 142).
وقد ذكر البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 244) تحت ترجمة عبد الرحمن بن أبي قراد - الوجوه الثلاثة، وفي ذلك إشارة للاضطراب.
وانظر تحقيقنا لحديث ابن أبي قراد في: (باب ما ورد في مسح القدم).
[تنبيه]:
عزاه السيوطيُّ في (جمع الجوامع 23/ 172) لابنِ النجارِ، ولم نقفْ عليه.
* * *
1859 -
حَدِيثُ القَيْسِيِّ
◼ عَنِ القَيْسِيِّ: ((أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَبَالَ، فَأَتَى بِمَاءٍ، فَهَالَ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِنَاءِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً، وَعَلَى وَجْهِهِ (وَغَسَلَ وَجْهَهُ) مَرَّةً، وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا)). وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: التَفَّ إِصْبَعُهُ الإِبْهَامُ.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ. وضَعَّفَهُ الألبانيُّ.
[التخريج]:
[ن 118/ كن 142/ حم 23118 (واللفظُ لَهُ) / تخ (5/ 244) / منذ 348 (مختصرًا) / علحا 147].
[السند]:
قال أحمدُ: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي جعفر المديني قال: سمعت عمارة بن عثمان بن حنيف، حدثني القيسي، به.
ومداره على محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، به
(1)
.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه عمارةُ بنُ عثمانَ بنِ حُنَيْفٍ؛ قال عنه الذهبيُّ: "لا يُعرفُ"(الميزان 3/ 177). وقال ابنُ حَجرٍ: "معروفُ النسبِ لكن لم أرَ فيه توثيقًا"(التهذيب 7/ 420). وقال في (التقريب 4854): "مقبولٌ".
وقد رَوى هذا الحديثَ يحيى القطانُ عن أبي جعفرٍ عن عمارةَ بنِ خزيمةَ
(1)
إلا أنه وقع في مطبوع (التاريخ الكبير) للبخاري: "محمد بن جعفر، سمع عمارة بن عثمان بن حنيف"، فسقط منه "شعبة" و"أبو جعفر"، وهو سقط ظاهر.
عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي قراد- بسياقٍ آخر. أخرجه أحمدُ وغيرُه.
وقد خرَّجناه في: (باب ما رُوي في مسح القدمين)، وذكرنا هناك قول أبي زرعة:"حديث يحيى القطان هو الصحيح"، وبَيَّنَّا أن الأَوْلى والأقربَ إلى الصوابِ أن الحديثَ مضطربٌ، والله أعلم.
هذا وقد قال أبو موسى المدينيُّ -عقب حديث القيسي-: "هذا حديثٌ حسنٌ، مختلفٌ في إسنادِهِ"! (أسد الغابة 4/ 430).
* * *
1860 -
حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ
◼ عَنْ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، وَرَأَيْتُهُ مَرَّةً أُخْرَى تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
• وَفِي رِوَايَةٍ مختصرًا بلفظ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَرَّتَيْنِ وَمَرَّةً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ مضطربٌ، وأعلَّه البخاريُّ بالاضطرابِ.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [طس 907 (واللفظُ لَهُ) / ني 727/ طهور (زوائد المروزي 101)].
تخريج السياقة الثانية: [طهور 98/ ني 721/ بز 3864 (مقتصرًا على ذكر المرة) / طب (1/ 317/ 937) (واللفظُ لَهُ) / تخ (5/ 138) / علحا 171/ طح (1/ 29/ 127) / قط 264/ علقط (3/ 234)].
[السند]:
أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط): عن أحمد بن يحيى الحلواني قال: حدثنا سعيد -يعني ابنَ سليمان-، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، قال: حدثنا (عمرو بن أبي عمرو)
(1)
عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع،
(1)
وقع في المطبوع من الأوسط: "عمر بن أبي عمر"، وهو خطأ، والصواب المثبت كما في بقية المصادر، وجاء على الصواب في (مجمع البحرين 404)، ومنه الزيادات المذكورة في السند.
[عن أبيه]، عن أبي رافع، به. والزيادات من (مجمع البحرين 404).
وأخرجه الرويانيُّ (727) قال: نا ابنُ إسحاقَ، نا سعيدُ بنُ سليمانَ، نا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عبدِ اللهِ بنِ عُبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ عن أبي رافعٍ به.
كذا جاءَ في المطبوعِ، سقط منه قوله:"عن أبيه"، وجزمَ محققه بسقوطها منَ السندِ؛ لأن ابنَ أبي حاتمٍ، والدارقطنيَّ جَزَمَا -كما سيأتي- بأن سعيدَ بنَ سليمانَ الواسطيَّ رواه عن الدراورديِّ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ عن أبيه عن أبي رافعٍ به.
وقد رواه أبو عبيدٍ في (الطهور) قال: ثنا نعيمُ بنُ حمادٍ عن عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن رجلٍ -قال: قال عبدُ العزيزِ: نسيتُ اسمه- عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي (رافعٍ) عن أبيه به.
قال أبو عبيدٍ: "وفي غير حديث نُعيمٍ تسمية هذا الرجل أنه عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
ورواه الطحاويُّ عن محمدِ بنِ خزيمةَ وابنِ أبي داودَ قالا: ثنا سعيدُ بنُ سليمانَ الواسطيُّ قال: ثنا عبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عبدِ اللهِ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ عن أبيه عن جده به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ يحتملُ التحسينَ:
فعبدُ العزيزِ بنُ محمدٍ الدراورديُّ في حفظه شيء، وهو حسنُ الحديثِ ما لم يخالفْ. وقال فيه ابنُ حَجرٍ:"صدوقٌ، كان يُحَدِّثُ من كتبِ غيرِهِ فيخطئُ"(التقريب 4119).
وعبدُ اللهِ بنُ عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ 5/ 138)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 100)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الحافظُ:"مقبولٌ"(التقريب 3451).
قلنا: قد رَوى عنه جمعٌ، وأخرجَ له مسلمٌ في صحيحه، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 32).
وبقيةُ رجالِهِ ثقات، لكن قد اختُلفَ فيه على الدراورديِّ:
فرواه الطبرانيُّ من طريقِ القَعْنَبيِّ، وأبي الوليدِ الطيالسيِّ.
ورواه الدارقطنيُّ من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ الخطابيِّ.
جميعًا عن الدراورديِّ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ عن أبيه (أبي رافع) به.
ورواه البزارُ عن أحمدَ بنِ أبانَ قال: نا عبدُ العزيزِ قال: أنا عمرُو بنُ أبي عمرٍو عن ابنِ أبي رافعٍ عن أبيه به.
فأسقطوا منه عبدُ اللهِ بنُ عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ.
وأعلَّه بالاضطرابِ البخاريُّ، فقال:"وحديثُ أبي رافعٍ في هذا البابِ فيه اضطراب"(علل الترمذي الكبير 26).
وذكر أوجهَ هذا الاختلاف في (التاريخ 5/ 138)، ثم قال:"أما حديثُ الوضوءِ فإنه مضطربٌ لا يُعرفُ له أصلٌ، والدراورديُّ كان يتوهمه من حفظه"(إكمال تهذيب الكمال 8/ 45)
(1)
.
(1)
وهذه الفقرة الأخيرة ساقطة من مطبوع (التاريخ الكبير).
بينما رجَّحَ أبو زرعةَ الوجهَ الثاني؛ قال ابنُ أبي حاتمٍ: "سُئِلَ أبو زرعةَ عن حديثٍ رواه سعيدُ بنُ سليمانَ الواسطيُّ، عن عبدِ العزيزِ الدراورديِّ، عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو، عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ، عن أبيه، عن أبي رافعٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَمَرَّةً وَمَرَّة".
فقال أبو زرعةَ: "هذا خطأٌ؛ ليس فيه: عن أبيه، حدثنا أبو الوليدِ الطيالسيُّ، عن عبدِ العزيزِ بنِ محمدٍ عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رَافعٍ عن أبي رافعٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(علل الحديث 171).
وخالفَ الدارقطنيُّ فرجَّحَ الوجهَ الأَولَ، حيثُ قال: "يرويه الدراورديُّ، واختُلفَ عنه:
فرواه سعيدُ بنُ سليمانَ، وسليمٌ الشاذكونيُّ، ونعيمُ بنُ حمادٍ، عن الدراورديِّ، عن عمرِو بنِ أبي عمرٍو، عن عبدِ اللهِ بنِ عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ، عن أبيه، عن جده
…
".
ثم قال -بعد أن ذكرَ الخلافَ فيه-: "وأشبههما بالصوابِ حديث عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبيد الله -هو عَبَادل- عن أبيه عن جده"(العلل 3/ 234).
ورُوي من وجهٍ آخرَ:
فرواه الرويانيُّ (721): عن العباسِ الدوريِّ، نا عثمانُ بنُ محمدٍ، نا يعقوبُ بنُ عبدِ اللهِ المخزوميُّ عن عبيدِ اللهِ بنِ أبي رافعٍ، عن أبيه، عن جده، به.
وهذا الطريقُ غريبٌ، ويعقوبُ المخزوميُّ إن كان هو ابنُ الأشج ففي السندِ انقطاع؛ عثمان بن محمد الظاهر أنه ابنُ أبي شيبةَ، وهو لم يدركِ
ابنَ الأشجِّ؛ ماتَ ابنُ الأشَجِّ سنة (122 هـ)، ووُلدَ ابنُ أبي شيبةَ سنة (156 هـ)، والله أعلم.
والحديثُ قال عنه الهيثميُّ: "رواه البزارُ والطبرانيُّ في (الأوسط)، وله في (الكبير)
…
ورجالهما رجال الصحيح" (المجمع 1175).
ومن الوجه الثاني صَحَّحَهُ الألبانيُّ، فقال:"إسنادُهُ صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثميُّ"(الصحيحة 2122).
* * *
1861 -
حَدِيثُ بُرَيْدَةَ
◼ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه:((أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
• وَفِي رِوَايَةٍ زِيادَةُ: قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ، وَصَلَّى الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوَضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ؟ ! فَقَالَ: ((عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ)))).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، ولكن زيادة:((تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، لا تصحُّ من هذا الوجهِ، فأصلُ الحديثِ في صحيح مسلم بدونها.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [بز 4372 (واللفظُ لَهُ) / ني 9، 10 (مختصرًا) / عد (9/ 302) / عروبة (الحاكم 52) / معقر 287/ تمام 1327، 1328/ نعا (ق 123/ ب) / حنف (حارثي 1096)].
تخريج السياق الثاني: [ت (عقب رقم 62) (معلقًا) / هق 1295 (واللفظُ لَهُ)].
[التحقيق]:
له طريقان عن ابن بريدة:
الأول:
أخرجه البزارُ في (مسنده)، والرويانيُّ في (مسنده 9) كلاهما: عن أبي كريبٍ محمدِ بنِ العلاءِ، قال: حدثنا عليُّ بنُ قَادم، قال: حدثنا سفيانُ، عن علقمةَ بنِ مَرثدٍ، عن سليمانَ بنِ بُريدةَ، عن أبيه، به.
وأخرجه ابنُ المقرئ في (معجمه)، وأبو عروبةَ في (جزء له برواية أبي أحمد الحاكم)، وتمامٌ الرازيُّ في (فوائده)، والنعاليُّ في (جزء له): من طرقٍ عن عليِّ بنِ قادم به. بالروايةِ المختصرةِ.
ورواه البيهقيُّ في (الكبرى 1295) من طريقِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأصفهانيِّ، عن أحمدَ بنِ مِهرانَ الأصفهانيِّ، عن عليِّ بنِ قَادم، به بالمتنِ المطوَّلِ.
وكذا علَّقه الترمذيُّ في (السنن عقب رقم 62) عن علي بن قادم.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عدا علي بن قادم، فمختَلفٌ فيه:
قال أبو حاتم: "محله الصدق"(الجرح والتعديل 6/ 201)، وقال الحاكمُ:"ثقةٌ مامونٌ"(سؤالات السجزي للحاكم 172، 329)، ووَثَّقَهُ العجليُّ (معرفة الثقات وغيرهم 1308)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 459)، وقال ابنُ قانعٍ:"كوفيٌّ صالحٌ"(إكمال تهذيب الكمال 9/ 371).
بينما ضَعَّفَهُ ابنُ مَعينٍ، كما في (الضعفاء للعقيلي 3/ 116) و (الكامل 8/ 125)، وكذا العقيليُّ حيثُ ذكرَه في (الضعفاء) له، وقال الساجيُّ:"صدوقٌ، وفيه ضَعْفٌ"(إكمال تهذيب الكمال 9/ 371)، وشدَّدَ فيه ابنُ سعدٍ فقال:"وكان مُمتَنِعًا منكر الحديث، شديد التشيع"(الطبقات الكبرى 8/ 528)، وذكره ابنُ عديٍّ في (الكامل) وقال:"ونُقِمَ على عليِّ بنِ قادم أحاديثَ رواها عن الثوريِّ غير محفوظة وهو ممن يُكتبُ حديثُه"(الكامل 8/ 125)، وقال ابنُ القطانِ الفاسيُّ:"وعليُّ بنُ قادم وإن كان صدوقًا فإنه يُستضعفُ"(بيان الوهم والإيهام 3/ 203). وذكره الذهبيُّ في (المغني في الضعفاء 4316)، وكذا في (ديوان الضعفاء 2954)، وصرَّح بضعفه في (المهذب في اختصار السنن الكبير للبيهقي 4/ 1805).
ولخص حالَه ابنُ حَجرٍ في (التقريب 4785) فقال: "صدوقٌ يتشيعُ".
قلنا: كذا قال الحافظُ، والذي يبدو أن حالَه لا يرتقي للتحسين استقلالًا؛ فإن أغلبَ الموثقين له معروفون بالتساهلِ، وكلمة أبي حاتم لا تجعله في مرتبة الاحتجاج.
فتَفَرُّدُ عليِّ بنِ قادم عن الثوريِّ لا يُقبلُ، فكيفَ إذا خُولِفَ؟ !
فقد روى أصلَ الحديثِ عن الثوريِّ جماعةٌ منَ الثقاتِ؛ كابنِ مهديٍّ، ويحيى بنِ سعيدٍ القطانِ، وعبدِ اللهِ بنِ نُميرٍ، ووكيعٍ، وعُبيدِ اللهِ بنِ موسى، وعبدِ الرَّزاقِ، وعُبيدِ اللهِ بنِ سعيدٍ، وأبي عامرٍ العقديِّ
…
وغيرِهم، كلهم عن الثوريِّ به بأصلِ الحديثِ في صلاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح الصلوات كلها بوُضُوءٍ واحدٍ.
فخالفهم عليُّ بنُ قادم فزادَ: فيه أنَّه صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً.
وأشارَ لشذوذِ هذه الزيادةِ الترمذيُّ -عقب رواية ابنِ مهدي-: "وروى هذا الحديثَ عليُّ بنُ قادِمٍ، عن سفيانَ الثوريِّ، وزادَ فيه: تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً"(السنن 1/ 315).
فإن قيلَ: قد توبع علي بن قادم على هذه الزيادةِ:
فقد أخرجه ابنُ عَديٍّ في (الكامل 9/ 302) قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم، حدثنا محمد بن عوف، حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، به.
ومحمد بن يوسف الفريابيُّ ثقةٌ، قال فيه الحافظُ:" ثقةٌ فاضلٌ، يقال: أخطأَ في شيءٍ من حديثِ سفيانَ، وهو مقدَّمٌ فيه مع ذلك عندهم على عبدِ الرَّزاقِ"(التقريب 6415).
قلنا: هذه الزيادةُ غيرُ محفوظةٍ عن الفريابيِّ، فقد رَوى أصلَ الحديثِ عن الفريابيِّ:
1) عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ الجَرَّاحِ أبو العباسِ الغَزِّيُّ، كما عندَ أبي عَوَانةَ في (المستخرج 716).
2) وعبيدُ اللهِ بنُ فَضَالةَ، كما عندَ ابنِ حِبَّانَ (1704).
3) وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ سعيدِ بنِ أبي مريمَ، كما عند البيهقيِّ في (الكبرى 577).
ثلاثتُهم: عن الفريابيِّ به، ولم يذكروا هذه الزيادةَ.
ولذا قال ابنُ عَديٍّ -عقب روايته هذه-: "وهذا يُعرفُ بعليِّ بنِ قادمٍ عن الثوريِّ بهذا الإسنادِ، وقد رواه الفريابيُّ، والفريابيُّ له عن الثوريِّ إفرادات"(الكامل 9/ 303).
قلنا: وقد وقفنا على متابعةٍ للثوريِّ بهذه الزيادةِ، ولكنها متابعةٌ واهيةٌ:
فقد أخرجه الحارثيُّ في (مسند أبي حنيفة 1096) قال: أخبرنا صالحُ بنُ أحمدَ، ثنا شعيبُ بنُ أيوبَ، ثنا الحِمَّانيُّ، ثنا أبو حنيفةَ، عن علقمةَ بنِ مرثدٍ، عن ابنِ بريدةَ، عن أبيه، به.
ولكن هذا إسنادٌ ساقطٌ، وآفتُه صالح بن أحمد، وهو ابنُ أبي مقاتل الهروي، ويُعرفُ بالقيراطيِّ البزاز. قال الدارقطنيُّ:"متروكٌ كذابٌ دجالٌ، أدركنَاه ولم نكتبْ عنه، يحدِّثُ بما لم يسمعْ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"كتبنا عنه ببغدادَ، يسرقُ الحديثَ ويقلبه، لعلَّه قد قلبَ أكثرَ من عشرةِ آلافِ حديثٍ فيما خرج من الشيوخِ والأبوابِ، لا يجوزُ الاحتجاجُ به بحالٍ"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"كان يسرقُ الحديثَ"، وقال البرقانيُّ:"ذاهبُ الحديثِ"، وقال
الخطيبُ: "كان يُذكرُ بالحفظِ غير أنَّ حديثَه كثيرَ المناكير". انظر (لسان الميزان 3846).
والحِمَّانيُّ، هو أبو يحيى عبدُ الحميدِ بنُ عبدِ الرحمنِ:((صدوقٌ يُخطئُ)) (التقريب 3771).
وأبو حنيفةَ وإن كان إمامًا ورعًا، إلا أنه كان ضعيفًا في الحديثِ.
الطريق الثاني:
أخرجه الرويانيُّ في (مسنده 10) قال: نا ابنُ حُميدٍ، نا جريرٌ، عن ليثٍ، عن عثمانَ بنِ عُميرٍ، عن سليمانَ بنِ بريدةَ، عن أبيه، به.
وهذا الطريقُ شديدُ الضعفِ؛ فيه ثلاثُ عللٍ:
العلةُ الأولى: ضَعْفُ الليثِ بنِ أبي سليمٍ؛ قال ابنُ حجرٍ: "صدوقٌ اختلطَ جدًّا، ولم يتميزْ حديثُه فتُرِكَ"(التقريب 5685).
العلةُ الثانيةُ: ضَعْفُ عثمانَ بنِ عُميرٍ، قال ابنُ حَجرٍ:"ضعيفٌ واختلطَ، وكان يدلسُ ويغلو في التشيعِ"(التقريب 4507).
العلةُ الثالثةُ: ابنُ حُميدٍ، هو محمدُ بنُ حُميدٍ الرازيُّ، متهمٌ وَاهٍ، قال البخاريُّ:"فيه نظر"(التاريخ الكبير 1/ 69)، وقال النسائيُّ:"ليس بثقةٍ"(الكاشف 2/ 166).
فالحديثُ من هذا الوجهِ لا يثبتُ، وإنما يصحُّ متنه من حديثِ ابنِ عباسٍ، والله أعلم.
* * *
1862 -
حَدِيثُ عُثْمَانَ
◼ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه أنَّه تَوَضَّأَ، فَقَالَ:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ من حديثِ ابنِ عباسٍ، وإسنادُهُ معلولٌ.
[التخريج]:
[كر (62/ 30)].
[السند]:
أخرجه ابنُ عساكر في (تاريخ دمشق 62/ 30) قال: .......
(1)
أنا ناصر بن الحسن بن القاسم البالَسي أبو القاسم الجزري بدمشق في أيام اليزيد، أنا عبد الرحمن بن أبي نصر العفيف، أنا إبراهيم بن محمد العطار، حدثنا يحيى بن جعفر، أنا أبو المنذر، نا داود بن قيس، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن حمران، به.
قال ابنُ عساكر: "كذا قال، وهو نصرُ بنُ الحسنِ".
ثم قال: أخبرنا بالحديثِ عاليًا أبو الحسن الفَرَضيُّ، نا عبد العزيز بن أحمد لفظًا، وعلي بن محمد بن أبي العلاء، وغنائم بن أحمد الخياط، وعلي بن الخضر بن عبدان، وأبو نصر بن طلاب، قالوا: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي نصر
…
فذكر بإسناده مثله.
(1)
سقط من المطبوع تبعًا لأصوله أول السند، يؤكده تعليق ابن عساكر عقب الحديث، ثم إن نصر بن الحسن هذا تُوفي (سنة 464 هـ)، يعني قبل أن يولد ابن عساكر بزمن.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عدا يحيى بن جعفر، وهو ابنُ الزبرقان أبو بكرِ بنُ أبي طالبٍ البغداديُّ، وهو مختلَفٌ فيه؛ فقال عنه أبو حاتمٍ:"محله الصدق"(الجرح والتعديل 9/ 134)، وذكره ابنُ حبانَ في (الثقات 9/ 270)، وقال الدارقطنيُّ:"لا بأسَ به، ولم يطعنْ فيه أحدٌ بحجة"(سؤالات الحاكم 239)، وقال البرقانيُّ:"أمرني الدارقطنيُّ أن أخرجَ ليحيى بنِ أبي طالبٍ في الصحيحِ". وقال مسلمةُ بنُ قاسمٍ: "ليس به بأس، تكلَّم الناسُ فيه"(لسان الميزان 8475).
بينما قال أبو عبيدٍ الآجريُّ: "خَطَّ أبو داودَ على حديثِ يحيى بنِ أبي طالبٍ"(سؤالات الآجري لأبي داود 1969)، وقال أبو أحمدَ الحاكمُ:"ليس بالمتينِ عندهم"(الكنى 2/ 195)، وقال موسى بنُ هارون:"أشهدُ عليه أنه يكذبُ"، قال الذهبيُّ:"يريدُ في كلامهِ لا في الروايةِ، نسألُ اللهَ لسانًا صادقًا"(سير أعلام النبلاء 12/ 620). وقال في (الميزان 4/ 387): "عَنَى في كلامِهِ، ولم يعنِ في الحديثِ. فالله أعلم. والدارقطنيُّ مِن أخبرِ الناسِ به".
وقد أخطأَ في سندِ هذا الحديثِ؛ فإن المحفوظَ عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ، عن ابنِ عباسٍ، قال:((تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً)). كما في (صحيح البخاري 157) من طريقِ الثوريِّ عن زيدٍ، وكذا رواه جماعةٌ عن زيدِ بنِ أسلمَ.
والمحفوظُ عن عثمانَ -من طرقٍ عنه-: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا، منها ما رواه الشيخان من طريق عطاء بن يزيد عن حمران عن عثمان. كما تقدم في:(باب صفة الوضوء).
ورواه مسلمٌ من طريقِ أبي أنسٍ -مالك بن أبي عامر-: ((أَنَّ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ بِالْمَقَاعِدِ، فَقَالَ: أَلَا أُرِيكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)). وسيأتي تخريجُه قريبًا في: (باب الوضوء ثلاثًا).
ثم إن في سماعِ زيدِ بنِ أسلمَ من حمرانَ نظرًا -وإن أخرجَ مسلمٌ روايتَه عن حمرانَ متابعة-، فلم يُعرفْ له سماعٌ من حمرانَ، وبين وفاتيهما أكثر من ستين عامًا، وقد غمزَ البخاريُّ في سماعه من حمرانَ؛ فذكره فيمن روى عن حمران فلم يذكرْ سماعًا. (التاريخ الكبير 3/ 80).
* * *
1863 -
حَدِيثُ عِكْرَاشِ بنِ ذُؤَيْبٍ
◼ عَنْ عِكْرَاشِ بنِ ذُؤَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً، وَقَالَ:«هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» . وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَقَالَ:«هَذَا وَسَطٌ مِنَ الوُضُوءِ» .
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ ابنُ عَدِيٍّ -وتبعه ابنُ القيسرانيِّ-.
[التخريج]:
[معقر 1098 (واللفظُ لَهُ) / عد (10/ 166) / خط (12/ 86)].
[السند]:
رواه ابنُ المقرئ في (معجمه) -ومن طريقه الخطيبُ في (تاريخه) - قال: حدثنا أبو صالح عبد الوهاب بن أبي عصمة بن الحكم العكبري، بعكبرا سنة خمس وثلاثمائة، حدثنا النضر بن طاهر، حدثنا عبيد الله بن عِكْرَاش
(1)
، حدثني أبي،
…
فذكره.
ورواه ابنُ عدِيٍّ في (الكامل) عن محمد بن الحسين بن شهريار، وعبد الوهاب بن أبي عصمة، كلاهما عن النضر بن طاهر، عن عبيد الله بن عكراش، عن أبيه، به.
فمداره عندهم على النضر بن طاهر، به.
(1)
كذا ضبطه الحافظ في (التقريب 4666) فقال: "عِكْراش، بكسر أوله وسكون الكاف، وآخره معجمة".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
العلةُ الأُولى: النضرُ بنُ طاهرٍ؛ قال عنه ابنُ عَدِيٍّ: "ضعيفٌ جدًّا، يسرقُ الحديثَ، ويحدِّثُ عمن لم يرهم، ولا يحتمل سِنَّه أن يَراهم"، ثم ذكر له عدة أحاديث، منها هذا الحديث. وقال:"والنضر بن طاهر معروف بأنه يثب على حديث الناس ويسرقه، ويَروي عمن لم يلحقهم، والضعف على حديثه بَيِّن"(الكامل 10/ 166). وتبعه ابنُ القيسرانيِّ في (ذخيرة الحفاظ 3/ 1372).
العلة الثانية: جهالة عبيد الله بن عِكْرَاش، قال عنه أبو حاتم:"شيخٌ مجهولٌ"(الجرح والتعديل 5/ 329). وتبع أبا حاتم في الحكم عليه بالجهالة: ابنُ القطانِ في (بيان الوهم والإيهام 3/ 584)، والذهبيُّ في (ديوان الضعفاء 2703). وترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 394) وقال:"عن أبيه. رَوَى عنه العلاء بن الفضل، لا يَثبُت"، ومثله في (الضعفاء الصغير 222). وقال في ترجمةِ أبيه (عِكْرَاش):"رَوَى عنه ابنُه عُبَيدِ اللهِ. ولم يصحَّ إسنادُهُ"(التاريخ الكبير 7/ 89).
ونحوه ابن حبان؛ حيثُ ذَكَرَ عِكْراشًا في فصل الصحابة من كتابه (الثقات 3/ 322).
وقال: "له صحبةٌ غير أنَّي لستُ بالمعتمدِ على إسنادِ خَبرِهِ". يعني لضَعْفِهِ.
وأبانَ عن وجهِ ضعفهِ، فذكرَ ابنَه (عبيد الله) في (المجروحين) وقال:"منكرُ الحديثِ جدًّا، ولا أدري المناكير في حديثه وقع من جهته، أو من العلاء بن الفضل، ومن أيهما كان فهو غير محتج به على الأحوال"(المجروحين 2/ 28).
* وأما عِكْرَاش فهو ابن ذؤيب السعدي أبو الصهباء، صحابي قليل الحديث، كما في (التقريب 4666).
* * *
1864 -
حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ زَيْدٍ الكِنْدِيِّ
◼ عَنْ حَبِيبِ بنِ زَيْدٍ الكِنْدِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الوُضُوءُ وَاحِدَةٌ وَثْنَتَانِ وَثَلَاثَةٌ، لَا تَحِلُّ زِيَادَتُهُ، وَلَا يَنْقُصُ عَنْ وَاحِدَةٍ)).
[الحكم]:
إسناده ساقط. وضَعَّفه جدًّا ابن حجر، وهو مقتضى صنيع مغلطاي.
[التخريج]:
[مديني (صحابة- مغلطاي 1/ 389 "واللفظُ لَهُ"، إصا 2/ 458)].
[السند]:
رواه أبو موسى المدينيُّ في (الذيل) -كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي)، و (الإصابة) -: من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، عن الحسين بن زيد الكندي، سمعت عبد الله بن حبيب الكندي، عن أبيه حبيب، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن الوُضُوءِ
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ، فيه: عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، قال أبو حاتم:"كتبتُ عنه بالبصرةِ، وكان يكذبُ فضربتُ على حديثِهِ"(الجرح والتعديل 5/ 267).
وقال الدارقطنيُّ: "متروكٌ يضعُ الحديثِ"(السنن عقب رقم 603).
وقال الذهبيُّ: "كذابٌ"(ديوان الضعفاء 2472).
وشيخُه الحسين بن زيد الكندي، لم نجدْ له ترجمةً.
وشيخُه عبدُ اللهِ بنُ حَبيبِ بنِ زيدٍ الكنديُّ، ترجمَ له الخطيبُ في (تلخيص المتشابه 1/ 199) وقال:"حَدَّثَ عن أبيه، روى عنه الحسينُ بنُ زيدٍ الكنديُّ. وإسنادُ حديثِهِ فيه نظر".
والحديثُ قد بَيَّنَ ابنُ حجرٍ شدةَ ضَعْفِهِ بقولِهِ: "وروى -يعني: أبا موسى- من طريق عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة -أحد المتروكين- عن الحسين بن زيد بهذا الإسناد أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عن الوضوء
…
الحديث" (الإصابة 2/ 458).
بينما اقتصرَ مغلطايُ في (الإعلام 1/ 389) على إبراز سنده، مشيرًا إلى ضعفه والله أعلم.
* * *
1865 -
حَدِيثُ المُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ
◼ عَنِ المُطَّلِبِ بنِ حَنْطَبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((الوُضُوءُ مَرَّةٌ وَمَرَّتَانِ وَثَلاثٌ، فَإِنْ نَقَصَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ زَادَ عَلَى ثَلاثٍ فَقَدْ أَخْطَأَ)).
[الحكم]:
مرسلٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[نسخة نعيم بن حماد (فتح الباري 1/ 233) / غلق (2/ 97، 98) (واللفظُ لَهُ)].
[السند]:
رواه الجوهريُّ في (نسخة نعيم بن حماد) -ومن طريقه ابنُ حجرٍ في (التغليق) - قال: أنا أبو الحسن بن لؤلؤ، ثنا حمزة بن محمد الكاتب، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عبد العزيز بن محمد -هو الدراوردي-، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن حنطب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإرسالِهِ، والاختلاف في حالِ غير واحدٍ من رجالِهِ:
فنعيمُ بنُ حمَّادٍ مختلفٌ فيه، وكان كثيرَ الخطأ والوهمِ.
والدراورديُّ متكلمٌ فيه من قِبلِ حِفْظِهِ أيضًا.
ومع هذا قال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "وهو مرسلٌ، رجالُهُ ثقاتٌ"! (الفتح 1/ 233).
وتبعه العينيُّ في (العمدة 2/ 242)، والقسطلانيُّ في (المواهب 3/ 165)، والصالحيُّ في (سبل الهدى 8/ 51)، وصاحبُ (عون المعبود 1/ 157).
[تنبيه]:
في البابِ أحاديثُ أُخرُ، انظرها في:(باب مشروعية الوضوء مرة ومرتين وثلاثًا وفضله).
* * *