الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
286 - بَابُ مَا وَرَدَ فِي مَسْحِ الرَّقَبَةِ
1809 -
حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ:
◼ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه، قَالَ: حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، فَأَكْفَأَ عَلَى يَمِينِهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَأَفَاضَ بِهَا عَلَى اليُسْرَى ثَلَاثًا، ثُمَّ غَمَسَ اليُمْنَى فِي المَاءِ فَحَفَنَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَدْخَلَ كَفَّيْهِ فِي الإِنَاءِ فَحَمَلَ بِهِمَا مَاءً فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَمَسَحَ (وَغَسَلَ) بَاطِنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَدْخَلَ خِنْصَرَهُ (أُصْبُعَيْهِ) فِي دَاخِلِ أُذُنِهِ لِيُبَلِّغَ المَاءَ، ثُمَّ مَسَحَ [ظَاهِرَ] رَقَبَتِهِ وَبَاطِنَ لِحْيَتِهِ [ثَلَاثًا] مِنْ فَضْلِ مَاءِ الوَجْهِ، [ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي المَاءِ] وَغَسَلَ ذِرَاعَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا حَتَّى مَا وَرَاءَ المِرْفَقِ (حَتَّى جَاوَزَ المِرْفَقَ)، وَغَسَلَ اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ بِاليُمْنَى حَتَّى جَاوَزَ المِرْفَقَ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ ظَاهَرَ أُذُنَيْهِ [ثَلَاثًا]، وَمَسَحَ [ظَاهِرَ] رَقَبَتِهِ وَبَاطِنَ لِحْيَتِهِ (وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَظَاهِرَ لِحْيَتِهِ ثَلَاثًا) بِفَضْلِ مَاءِ الرَّأْسِ، ثُمَّ غَسَلَ [بِيَمِينِهِ] قَدَمَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا، وَخَلَّلَ أَصَابِعَهَا، وَجَاوَزَ بِالمَاءِ الْكَعْبَ، وَرَفَعَ فِي السَّاقِ المَاءَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي اليُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ بِيَدِهِ اليُمْنَى [فَمَلَأَ بِهَا يَدَهُ] فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى تَحَدَّرَ [المَاءُ] مِنْ جَوَانِبِ رَأْسِهِ، وَقَالَ: هَذَا تَمَامُ الوُضُوءِ، [وَلَمْ أَرَهُ تَنَشَّفَ بِثَوْبٍ]
…
الحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ بِطُولِهِ.
[الحكم]:
منكَر بهذه السِّياقة، وأنكره ابنُ القَطَّانِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا. وَضَعَّفَهُ: عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ، وابنُ القَطَّانِ، وابنُ دقيق، والهيثميُّ، والزَّيْلَعيُّ.
[التخريج]:
[بز 4488 "والروايات والزيادة كلُّها له"/ طب (22/ 49/ 118) "واللفظُ له"/ ..... ]
سَبَق تخريجه وتحقيقُه في باب: "جامع في صفة الوُضوء".
1810 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ عُنُقَهُ، وَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ [يَدَيْهِ عَلَى] عُنُقِهِ، لَمْ يُغَلَّ بِالْأَغْلَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
[الحكم]:
باطل موضوع، قال الذَّهَبيُّ:"كذِبٌ"، وقال ابنُ القَيِّم:"باطل". وقال ابنُ تيميَّةَ وابنُ القَيِّم وغيرُهُما: "لا يَصِحُّ في مسْحِ العُنُقِ حديثٌ"، وهو ظاهر صَنِيع ابنِ الصَّلاحِ والنَّوَويُّ وغيرِهما. وَضَعَّفَهُ العِراقيُّ وغيرُه، وقال الألبانيُّ:"موضوع".
[التخريج]:
[أصبهان (2/ 78) واللفظُ له/ من حديث المنسجر بن الصلت (إمام 1/ 585) والزيادة له ولغيرِهِ/ جزء من تصنيف ابن فارس (بحر المذهب 1/ 119) / فر (الأسرار المرفوعة 434)]
[التحقيق]:
هذا الحديثُ له طريقان واهيان جدًّا:
الأول:
رواه أبو نُعَيمٍ في (أخبار أصبهان 2/ 78) قال: حدثنا محمدُ بن أحمدَ بن محمد، ثنا عبدُ الرحمنِ بنُ داودَ، ثنا عُثْمَانُ بن خُرَّزَاذَ، ثنا عَمرو بن محمد بن الحسن المُكْتِب، ثنا محمد بن عَمرو بن عُبَيد الأنصاري، عن أنس بن سيرين، عنِ ابنِ عُمرَ، به.
وهذا سند تالف؛ فيه ثلاثُ عِلَلٍ:
الأولى: محمد بن أحمدَ بن محمد، هو أبو بكر الجَرْجَرائيُّ المفيد، روَى
مناكيرَ عن مجاهيلَ، وأُنكِرَتْ عليه أسانيدُ ادَّعاها، قال الذَّهَبيُّ:"وهو متَّهَم"(الميزان 3/ 461)، وأقَرَّه ابن حَجَر في (اللسان 6394).
وبه أَعَلَّه الحافظ العِراقيُّ، فقال:"وفيه أبو بكر المفيد شيخ أبي نُعَيمٍ، وهو آفتُه"، نقله ابن عِرَاقَ، وأقَرَّه (تنزيه الشريعة 2/ 75).
الثانية: عَمرو بن محمد بن الحسن البصري الأعسَم، قال فيه الدَّارَقُطنيّ:"منكَرُ الحديثِ"، وقال أيضا:"كان ضعيفًا كثيرَ الوهَمِ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"رَوَى عن الثِّقات المناكيرَ، ويضع أسامي المحدِّثين"، وقال الحاكمُ وأبو نُعَيمٍ:"ساقط"، زاد الحاكمُ:"رَوَى أحاديثَ موضوعةً" وكذا قال النَّقَّاش، (المدخل 108)، (الضُّعفاء لأبي نُعَيمٍ 171)، (اللسان 5837).
الثالثة: محمد بن عَمرو بن عُبَيد الأنصاريُّ أبو سهل الواقفي؛ كان يحيى بن سعيد يُضَعِّفُه جدًّا، وقال:"رَوَى عن الحسن أَوابِدَ"، وَضَعَّفَهُ ابن مَعِينٍ وغيرُه، وقال ابنُ نُمَير:"ليس يسوي شيئًا"، واضطرب فيه ابن حِبَّانَ: فذكره في (الثِّقات 7/ 439)، ثُمَّ أعاده في (المجروحين 2/ 285)، وقال:"ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، يُعتبَر حديثُه من غير احتجاج به"! (الجرح والتعديل 8/ 32)، (تهذيب التهذيب 9/ 379).
وبه أَعَلَّه الشَّوْكانيُّ، فقال:"والأنصاري هذا واهٍ"(النيل 1/ 206).
والحديثُ ذكره الألبانيُّ في (الضعيفة 744)، وقال:"موضوع"، ثُمَّ أَعَلَّه بما سبقَ، وذكر أن تعصيب التهمة بالأعسَم أَوْلى من تعصيبها بشيخ أبي نُعَيمٍ.
فأما عبد الرحمن بن داودَ، فهو الفارسي، وَثَّقَهُ أبو الشيخ في (الطبقات 564).
وعثمان بن خُرَّزَاذ، هو الأَنْطاكي، ثقةٌ حافظٌ.
الطريق الثاني:
ذكر طرَفَه أبو المحاسن الرُّويانيُّ، فقال: "رَأَيتُه في تصنيف الشيخ أبي (الحسين) أحمد بن فارس بن زكريا بإسنادِهِ عن فُلَيْح بنِ سُلَيمانَ، عن نافع، عنِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ يَدَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ، وُقِيَ الْغَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قال الرُّوياني: "وهذا صحيحٌ إن شاء الله [تعالى] "! ! (بحر المذهب 1/ 119).
قال ابنُ المُلَقِّنِ: "وفُلَيْحٌ هذا أخرجَ لَهُ الشيخان، وتَكَلَّم فيه النَّسائيُّ وغيرُه، وليت الرُّويانيَّ رحمه الله ذكر لنا باقيَ إسناده؛ لننظرَ في حاله"(البدر 2/ 223).
وقال ابنُ حَجَرٍ: "بيْن ابن فارسَ وفُلَيحٍ مفازةٌ، فيُنظَر فيها"(التلخيص 1/ 163).
قلنا: وهذا عجيبٌ، فطريق فُلَيْحٍ هذا ساقه ابن دقيق كاملًا، وكتابُه بيْن يديْهِما، فقال:"وقد وقع من حديث المنسجر بن الصلت أبي الضَّحَّاك، حدثنا مسلم بن زياد الحَنَفي، ثنا فُلَيح - يعني: ابنَ سُلَيمانَ المَدِينيَّ -، عن نافع، عنِ ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ يَدَيْهِ عَلَى عُنُقِهِ؛ أَمِنَ مِنَ الْغَلِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وهذا من جهةِ أبي الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عَبْدةَ السَّلِيطيِّ، عن أبي العبَّاسِ عيسى بن محمد بن عيسى المَرْوَزيِّ، عن المنسجر" (الإمام 1/ 585).
ثُمَّ قال ابنُ دقيق: "والمنسجر قَزْوِينيٌّ، ذكره أبو يَعْلَى الخليليُّ الحافظ، فقال: "صدوقٌ ثقة"، وقال: "وتقع في أحاديثه غرائبُ ينفرد بها"، ومسلم بن زياد الحَنَفيُّ لم أره في كتاب ابن أبي حاتم"(الإمام 1/ 586).
قلنا: فأما كلام الخليلي عن المنسجر، ففي (الإرشاد 2/ 712).
وأما مسلم بن زياد الحنفي، فقد ترجم له الذَّهَبيُّ في (الميزان 4/ 103)، وقال:"أتى بخبرٍ كَذِب في مسح الرقبة"، وأقَرَّه ابن حَجَر في (اللسان 7704).
وبهذا تعلم أن تصحيح الرُّويانيِّ له غيرُ صحيح، ومردودٌ عليه.
وقد عزاه القاري في (الأسرار 434) - وتَبِعَه العَجْلونيُّ في (كشف الخفاء 2300) -، والزَّبِيديُّ في (الإتحاف 2/ 365) إلى مسند الدَّيْلَميِّ بمثل لفظ حديث فُلَيح، وضعَّفوا سندَه، ولم نقف عليه، والأقرب أنه من طريقِ المُنْسَجِرِ نفْسِه، والله أعلم.
هذا، وقد قال ابنُ تيميَّةَ:"لم يَصِحَّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه مسح على عُنُقه في الوُضوء، بل ولا رُوِي عنه ذلك في حديثِ صحيح، بل الأحاديث الصحيحة التي فيها صفة وُضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فيها أنه كان يمسح عنقه؛ ولهذا لم يَستحِبَّ ذلك جمهورُ العلماء"(الفتاوى 21/ 127).
وقال ابنُ القَيِّم: "حديث مسح الرقبة في الوُضوء باطل"(المنار المنيف 269).
وقال أيضا: "ولم يَصِحَّ عنه في مسح العنق حديثٌ الْبَتَّةَ"، (الزاد 1/ 195).
وقال الفيروز آبادي: "باب مسح الرقبة لم يَصِحَّ فيه شيءٌ"(رسالة في بيان ما لم يثبت فيه حديث من الأبواب/ص 19 - بتصرف).
وقال شرف الحق آبادي: "ما رُوِيَ في مسح الرقبة كلُّها ضِعافٌ، كما صرَّح به غيرُ وَاحدٍ منَ العلماءِ؛ فلا يجوز الاحتجاج بها"(عون المعبود 1/ 222 = 1/ 152).
تتمة:
ذكر الغزاليُّ في (الإحياء 1/ 133)، و (الوسيط 1/ 288) حديثا مرفوعًا بلفظ:«مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنَ الْغَلِّ» ، فقال العِراقيُّ:"أخرجه أبو منصور الدَّيْلَميُّ في مسند الفردوس من حديث عمر وهو ضعيفٌ"! .
كذا وقع فيه: "من حديث عُمرَ"، وقد ذكر الزَّبِيديُّ في (الإتحاف 2/ 365) أن العِراقيُّ عزاه إلى ابن عُمرَ، فلعل كلمة "ابن" سقطت من ناسخ (المغني 1/ 158 = 308)، وحينئذ فيحتمل أنه يشير إلى حديث فُلَيحٍ السابق، وأن الغزالي ذكره بالمعنى، فعزا العِراقيُّ أصْلَه، وإلا فهو بهذا اللفظِ لم نجدْه مُسْنَدًا، وكذا قال ابنُ المُلَقِّنِ:"هذا الحديثُ غريب جدًّا، لا أعلم مَن خرَّجه بعد البحث عنه"(البدر 2/ 221).
ولكن أورده الجُوَينيُّ، وقال:"لم يرتَضِ أئمةُ الحديث إسنادَه"(التلخيص 1/ 162).
وقال ابنُ الصَّلاحِ: "هذا غير صحيح عند أهل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من قول بعض السلف"(المشكل وهو بحاشية الوسيط 1/ 288).
ونقل ابن المُلَقِّنِ في (البدر 2/ 222)، وابنُ حَجَرٍ في (التلخيص 1/ 162)، عبارة ابن الصَّلاحِ بلفظ: "هذا الحديثُ غير معروف
…
الخ"، وبين العبارتين فرقٌ واضح.
وقال النَّوَويُّ: "وأمَّا قولُ الغزاليِّ: إن مسح الرقبة سُنَّةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنَ الْغَلِّ»، فغلَطٌ؛ لأن هذا موضوع، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وعَجَبٌ قولُه: "لقوله" بصيغة الجزم! "، (المجموع 1/ 465).
وأقَرَّه السُّيوطيُّ في (الذيل 1011)، وابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ في (تحفة المحتاج
1/ 241)، وقال:" (و) بتقدير سلامته من الوضع، هو شديد الضعف، فلا يُعمَل به".
وقال النَّوَويُّ أيضًا: "هذا الحديثُ باطل، بل موضوع، إنما هو كلام بعض السلف، ولم يَصِحَّ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في مسح الرقبة شيْءٌ، وليس هو سُنَّةً، بل هو بدعة، ولم يذكره الشافعي ولا جمهورُ الأصحاب"(التنقيح/ بحاشية الوسيط 1/ 289).
قال ابنُ حَجَرٍ: "وتَعقَّبَه ابن الرِّفْعةِ بأن البَغَويُّ مِن أئمة الحديث، وقد قال باستحبابه. ولا مأخذَ لاستحبابه إلا خبرٌ أو أَثَر؛ لأن هذا لا مجالَ للقياس فيه. انتهى كلامه. ولعل مستندَ البَغَويُّ في استحباب مسح القفا، ما رواه أحمدُ وأبو داودَ من حديث طلحة بن مُصَرِّف، عن أبيه عن جده، أنه «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ رَأْسَهُ، حَتَّى بَلَغَ القَذَالَ وَمَا يَلِيهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْعُنُقِ»، وإسنادُهُ ضعيفٌ". ثُمَّ قال: "وكلام بعض السلف الذي ذكره ابنُ الصَّلاحِ يحتمل أن يريد به ما رواه أبو عُبَيدٍ في كتاب الطَّهور، عن عبدِ الرحمنِ بنِ مَهْديٍّ، عن المَسْعُوديِّ، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن موسى بن طلحةَ قال: «مَنْ مَسَحَ قَفَاهُ مَعَ رَأْسِهِ، وُقِيَ الْغَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». قلت: فيحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفًا فله حُكْمُ الرفع؛ لأن هذا لا يقال مِن قِبَلِ الرأي، فهو على هذا مرسل"(التلخيص 1/ 162، 163). وقد اغتَرَّ بصنيع ابن حَجَرٍ هذا جماعةٌ منَ العلماءِ بعدَه، كالقاري في (الأسرار 434)، والزَّبِيديِّ في (الإتحاف 2/ 365)، والشَّوْكانيُّ في (النيل 1/ 207)، وفي (الفوائد 29) حيث قال:"حديث «مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنَ الْغَلِّ»، قال النَّوَويُّ: "موضوع"، وقد تَكَلَّم عليه ابنُ حَجَرٍ في التلخيص بما يفيد أنه ليس بموضوع"! .
وسبَقَه إلى نحو هذا الفَتَّنيُّ، حيث قال عن هذا الحديثِ: "ضعيف! ،
وفي الذيل: قال النَّوَويُّ: موضوع، ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم"! (التذكرة/ص 31).
وقال الشَّوْكانيُّ أيضًا: "لم يثبُت في ذلك شيءٌ يوصف بالصحةِ أو الحُسن، وقد ذكر ابن حَجَر في التلخيص أحاديثَ، وهي وإن لم تبلغ درجةَ الاحتجاج بها، فقد أفادت أن لذلك أصلًا، لا كما قال النَّوَويُّ
…
وقال ابنُ القَيِّم في الهَدْي: "لم يَصِحَّ عنه في مسح العنق حديث الْبَتَّةَ"، وهذا مُسَلَّمٌ، ولكن لا تُشترَط الصحة في كل ما يصلُح للحُجِّيَّةِ؛ فإن الحَسن مما يَصلُح للحُجِّيَّة، وكذلك الأحاديث التي كلُّ حديث فيها ضعيف، وكثرة طُرُقِها يوجب لها القوة، فتكون مِن قسم الحَسن لغيرِهِ"! (السيل 1/ 90).
وأعجب من هذا ما ذكره عبد الحميد الشرْواني مُتَعقِّبًا الهيتميُّ بأن الخبر ليس بموضوع، وأن المتأخرين من أئمتهم قد قلَّدوا النَّوَويُّ في كون الحديث لا أصل له، مع أن كلام المُحَدِّثين يشير إلى أن الحديث له طرقٌ وشواهدُ يرتقي بها إلى درجة الحسن! (حاشية الشرواني 1/ 241).
والجواب: بدايةً يجب أن نُفرِّق بين حديثَيْ وائل بن حُجْرٍ، وطلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ، اللَّذَيْنِ لم يَرِد فيهما سوى مُجَرَّدِ مسحِ الرقبة في الوُضوء، وبين لفظ حديث ابنِ عمر:«مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عُنُقَهُ، لَمْ يُغَلَّ بِالْأَغْلَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وبمعناه اللفظ الذي ساقه الغزالي:«مَسْحُ الرَّقَبَةِ أَمَانٌ مِنَ الْغَلِّ» ، وهذا هو الذي حَكَم عليه النَّوَويُّ وغيرُه بالوضع، ولم نجدْه مسنَدًا.
فأما حديث وائلٍ فسبق أنه منكَرٌ جدًّا سندًا ومتنًا، ومِثْلُه حديثُ طَلْحَةَ بنِ مُصَرِّف، كما بيَّنَّاه في باب مسح الرأس وصفته، ومع ذلك فالاستدلال به على مسح الرقبة فيه نظرٌ كما ذكره العَيْنيُّ في (البناية 1/ 220).
وأمَّا حديثُ ابنِ عُمرَ، فقد سبقَ أن طريقيه ساقطان، لا يُعتدُّ بهما، ولم يذكروا له بنحو هذا اللفظ سوى شاهدين:
الأول: ما نقله الشَّوْكانيُّ في (النيل 1/ 207) من أمالي أحمد بن عيسى وغيرِها بلفظ: «مَنْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ سَالِفَتَيْهِ وَقَفَاهُ، أَمِنَ مِنَ الْغَلِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وفي سندِهِ كما ذكر الشَّوْكانيُّ نفْسُه: الحُسين بن عُلْوان، عن أبي خالد الواسطي، وسكت عنهما، وكلٌّ منهما كذَّابٌ وضَّاعٌ! ! ! .
ثُمَّ ذكره الشَّوْكانيُّ من طريقٍ آخَرَ موقوفٍ على عليٍّ رضي الله عنه، وفي سندِهِ كذابٌ أيضًا كما في (البدر المنير 2/ 275)، ومع ذلك قال الشَّوْكانيُّ محتجًّا بروايات الكذابين:"وبجميع هذا تعلم أن قول النَّوَويُّ: (مسْحُ الرقبةِ بدعةٌ، وأن حديثَهُ موضوعٌ)، مجازفةٌ"! ! .
والثاني: أثر موسى بنِ طلحةَ الذي رواه أبو عُبَيدٍ في (الطهور 368) عن عليِّ بن ثابت وعبد الرحمن بن مَهْديٍّ، عن المَسْعوديِّ، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن موسى بن طلحة قال:«مَنْ مَسَحَ قَفَاهُ مَعَ رَأْسِهِ، وُقِيَ الْغَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
ثُمَّ رواه (369) عن حَجَّاج الأعور، عن المَسْعوديِّ، عن القاسم بن عبد الرحمن، أنه قال مِثْلَ ذلك، قال حَجَّاج:"ولا أحفظ عنه موسى بن طلحة".
وهذا الاختلاف من المَسْعُوديِّ؛ فإنه كان قد اختلط، وابنُ مَهْديٍّ وحَجَّاجٌ سمِعَا منه بعد الاختلاط، والظاهر أنَّ عليًّا مِثْلُهما؛ إذ بل لا يُعرَفُ في أصحاب المسعودي أصلًا.
وعليه؛ فهو أثر ضعيف، وليس في متنِهِ ذِكْرٌ لمسح العنق أو الرقبة، وإنما مسح القفا مع الرأس! ! ، ثُمَّ هو مع ذلك كلِّه من قول القاسم أو موسى! ! .
ولم يتعرَّضِ ابنُ حَجَرٍ لِما فيه مِن ضعف في السند! ، وضعفٍ في دلالة المتن! ، وإنما اقتصر على قولِه:"يحتمل أن يقال: هذا وإن كان موقوفًا، فله حُكْمُ الرفع؛ لأن هذا لا يقال من قِبَل الرأي، فهو على هذا مرسل"(التلخيص 1/ 162).
وبنحو هذا قال العَيْنيُّ في (البناية 1/ 220)، والقاري في (الأسرار 434)، والزَّبِيديُّ في (الإتحاف 2/ 365)، والشَّوْكانيُّ في (النيل 1/ 207).
وإنما قال ابنُ حَجَرٍ: "فهو على هذا مرسل"، لكون موسى تابعيًّا، وعلى هذا فيحتمل أيضًا أن يكون معضَلًا حسَب رواية حَجَّاج! وإن كنا لا نُسَلِّمُ أصلًا بأن هذا الأثر له حُكْمُ الرفع؛ إذ للاجتهاد فيه مجال، ولذا لم يجزم الحافظ برفْعِه، وإنما قال:"يحتمل أن يقال"، ونقول: ويحتمل - إنْ صَحَّ - أن قائله ممن يرى أنه لا سبيل للنار على مواضعِ الوُضوء من العبد، فرأى إلحاقَ موضعِ الأغلال بالوُضوء؛ كي يَنْجُوَ منها، كما نَجَتْ مواضعُ السجود من النار؛ لحديث أبي هريرةَ عند البُخاريِّ (806)، ومسلمٍ (182)، بلفظ:"حَرَّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ أَثَرَ السُّجُودِ"، وعامَّةُ مواضعِ السجود داخلةٌ في الوُضوء.
بل إن القُرْطُبيَّ قد استَدَلَّ بهذا الحديثِ ونحوِه "على أن أهل الكبائر من أُمَّةِ محمد صلى الله عليه وسلم لا تَسْوَدُ لهم وجوهٌ، ولا تزرقُّ لهم أعينٌ، ولا يُغَلُّون"(التذكرة 792).
ثُمَّ إن هذا الأثر لم يَخْفَ على ابنِ الصَّلاحِ كما يُوحيه كلامُ ابن حَجَر، بل ذكره مباشرة عَقِبَ قوله السابق في (المُشْكِل/ بحاشية الوسيط 1/ 288)، ولم يُثْنِيه ذلك عن جزْمِه بأن الحديث لا يَثبُتُ مرفوعًا عند أهل الحديث، وأنه من قول بعض السلف، مما يدل على أنه لم يَرَ في هذا الأثر ما رآه
الحافظ مِن الحُكْم برفعه.
وبهذا يَسْلَمُ حُكْمُ النَّوَويُّ وغيرِه على حديث مسح الرقبة بالوضع، حتى لو فرضنا صحة ما ادَّعَوْه في أثر موسى؛ لأنه في مسألة أخرى، وهي مسْحُ القفا مع الرأس!.
* * *