الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
290 - بَابُ مَا رُوِيَ فِي الاقْتِصَارِ عَلَى مَسْحِ القَدَمَيْنِ فِي الوُضُوءِ
1827 -
حَدِيثُ عَلِيٍّ
◼ عَنِ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ:((رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه [يَتَوَضَّأُ، فَجَعَلَ] يَمْسَحُ (يَغْسِلُ) ظُهُورَ قَدَمَيْهِ، وَيَقُولُ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظُهُورِهِمَا، لَظَنَنْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ [مِنْ ظَاهِرِهِمَا])).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:((كُنْتُ أَرَى أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 3، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لكَانَ بَاطِنُ القَدَمَيْنِ أَوْلَى وَأَحَقَّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يمَسَحُ ظَاهِرَهُمَا)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 4، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ:((رَأَيْتُ عَلِيًّا دَعَا بِمَاءٍ لِيَتَوَضَّأَ، فَتَمَسَّحَ بِهِ تَمَسُّحًا، وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ((هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ))، ثُمَّ قَالَ:((لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، رَأَيْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ)). ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ:((أَيْنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا؟ ! )))).
[الحكم]:
معلولٌ بهذا اللفظِ، وأعلَّه الشافعيُّ، والأثرمُ، والبزارُ، والدارقطنيُّ،
والبيهقيُّ، وهو ظاهرُ صنيع النسائيِّ، وقال ابنُ عبدِ البرِّ:((المسحُ على القَدَمَينِ لا يصحُّ عنه صلى الله عليه وسلم بوجهٍ منَ الوجوهِ)).
[الفوائد]:
قال الحميديُّ -عقبَ الحديثِ-: ((إن كانَ على الخُفَّيْنِ فهو سنةٌ، وإن كانَ على غيرِ الخُفَّيْنِ فهو منسوخٌ)).
وقال الأثرمُ: ((إن كانَ محفوظًا فقد نُسخَ بأحاديثِ الغَسلِ)) (إعلام العالم 1/ 93 بتصرفٍ).
وقال البيهقيُّ: ((هو محمولٌ على ظهرِ قَدَمَي خُفَّيه)) (المعرفة 2083).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: ((من أهلِ العلمِ مَن يحملُ هذا على المسحِ على ظُهورِ الخُفَّيْنِ ويقولُ: معنى ذِكر القدمين هاهنا أن يكونا مُغَيَّبَيْن في الخُفَّيْنِ، فهذا هو المسحُ الذي ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم فِعْلَهُ، وأما المسحُ على القدمين فلا يصحُّ عنه بوجهٍ منَ الوُجُوهِ. ومن قال: إن هذا الحديثَ على ظَاهرِهِ، جعله منسوخًا بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» (تمهيد 11/ 149).
وقال ابنُ دَقيقٍ: ((والأحاديثُ التي تقدمتْ في المسحِ منهم مَن أوَّلها على أن ذلك تجديد للطهارة، لا عن حَدثٍ، واستدلوا بروايةِ النَّزَّالِ بنِ سَبْرةَ عن عليٍّ رضي الله عنه قال: ((هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ)).
وقال البيهقيُّ: ((وفي ذلك دلالةٌ على أنَّ مَسْحَهُ في كُلِّ حديثٍ رُوِيَ عنه مطلقًا كان على هذا الوجهِ. ومما يدلُّ على ذلك روايةُ خالدِ بنِ علقمةَ، عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ رضي الله عنه في صفةِ وُضُوءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثلاثًا، وكذلك هو في روايةِ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ وغيرِهِ عن عليٍّ رضي الله عنه) اهـ. ومنهم مَن زَعَمَ أن ذلك منسوخٌ، وقد تَقَدَّمَ قولُ هُشَيْمٍ:((كان هذا في مبدإِ الإسلامِ))، وقد
رُوي عن أبي جعفرٍ أنه قال: ((المسحُ على القَدَمَينِ هو الوُضُوءُ الأولُ))، ومنهم مَن حَمَلَ بعضَ ما ذكرناه على المسحِ على القَدَمَينِ وهما في الخُفَّيْنِ)) (الإمام 1/ 597، 598 بتصرفٍ).
[التخريج]:
تخريج الرواية الأولى: [كن 149/ عم 918، 1014، 1015/ عب 57 (والروايةُ والزيادتانِ لَهُ) / حمد 47 (واللفظُ لَهُ) / أم 3260/ شف 80/ طح (1/ 35/ 159) / طحق 33/ كجي (إمام 1/ 594) / غيل 711/ علقط (2/ 24، 25) / هر 271/ هق 1404/ هقع 670، 671، 2081/ هقخ 1000، 1001/ تمهيد (11/ 149)].
تخريج الرواية الثانية: [كن 148/ حم 737 (واللفظُ لَهُ)، 917، 1013/ بز 788، 789/ عل 346، 613/ قشيخ 94/ ناسخ 122/ هر 270/ ضيا (2/ 283/ 662، 663) / تقتب (صـ 108) / راسخ 29/ نبلا (13/ 300)].
تخريج الرواية الثالثة: [ش 183، 1907].
تخريج الرواية الرابعة: [حم 943].
[التحقيق]:
الحديثُ بهذه الرواياتِ مداره على عبدِ خَيرٍ الهمدانيِّ، وجاءَ عنه من ثلاثةِ طُرُقٍ:
أولًا: طريق المسيب بن عبد خير عن أبيه:
رواه الحميديُّ (47) -ومن طريقِهِ الهرويُّ في (ذم الكلام 271)، والبيهقيُّ في (المعرفة 671)، و (الخلافيات 1001)، وابنُ عبدِ البَرِّ في
(التمهيد 11/ 149) -.
ورواه الشافعيُّ في (الأم 8/ 391)، وهو في (مسنده 80) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة 670، 2081) -.
ورواه عبدُ اللهِ في (زوائده على المسند 1015) عن إسحاقَ بنِ إسماعيلَ الطالَقانيِّ.
ورواه أبو مسلمٍ الكَجِّيُّ في (سننه) كما في (الإمام 1/ 594) عن إبراهيمَ بنِ بشارٍ الرماديِّ.
ورواه الهرويُّ في (ذم الكلام 271) من طريقِ ابنِ أبي عمرَ العدنيِّ.
خمستُهم عن سفيانَ بنِ عيينةَ، ثنا أبو السوداءِ عمرٌو النهديُّ، عن ابنِ عبدِ خَيرٍ، عن أبيه قال:((رَأَيْتُ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ يَمْسَحُ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ، ويقولُ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظُهُورِهِمَا لَظَنَنْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ)).
ولفظُ الشافعيِّ في (الأُمِّ) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة 2081) -: ((تَوَضَّأَ عَليٌّ رضي الله عنه فَغَسَلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: ((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يمسح ظهر قدميه لظننت أن باطنهما أحق)). فجمع بين الغسل والمسح
(1)
!
وابنُ عبدِ خَيرٍ هو المسيبُ، وهذا إسنادٌ رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ، لكنْ متنُهُ معلولٌ، اختُلِفَ فيه على ابنِ عيينةَ، فقد رواه جماعةٌ آخرون عنه بلفظِ
(1)
وكذا في (مسند الشافعي/صـ 125/ط. المطبوعات العلمية)، بينما جاءَ مثل رواية الباقين بذكر المسح في الموضعين في نسخة المسند التي رتبها عابد السندي (121 ط. دار الكتب العلمية، وط. مكتبة ابن تيمية)، وكذا في النسخة التي رتبها سنجر (ط. غراس/ 80)، خِلافًا لما في طبعة البشائر (1803)!
الغسل في الموضعين:
فرواه عبدُ الرزاقِ في (المصنَّف 57).
ورواه أبو داود في (سننه) كما في (التحفة 7/ 419)
(1)
عن حامدِ بنِ يحيى.
ورواه النسائيُّ في (الكبرى 148) عن إسحاقَ بنِ راهويه،
ورواه عبدُ اللهِ في (زوائده على المسند 918، 1014) عن إسحاقَ بنِ إسماعيلَ.
ورواه الطبريُّ في (التفسير 8/ 193) عن عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ الزهريِّ.
خمستُهم عن ابنِ عيينةَ، عن أبي السوداءِ عن ابنِ عبدِ خَيرٍ، عن أبيه قال:((رأيتُ عليًّا يَتَوَضَّأُ فَجَعَلَ يَغْسِلُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، وَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، لَرَأَيْتُ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالغَسْلِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا)).
وهذا الاختلافُ من قِبَلِ ابنِ عيينةَ نفسِه، بدلالةِ روايةِ إسحاقَ بنِ إسماعيلَ للوجهينِ عنه، بل صرَّحَ إسحاقُ بذلك، فقال -بعد أن رواه بلفظ الغسل-:((حدثنا سفيانُ مرَّةً أُخرَى، قال: رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَمَسَحَ ظُهُورَهُمَا)) (المسند 1015).
والجمعُ بين الروايتين لا يتجه إلا بتكلفٍ، فإما أن نَحْكُمَ عليه بالاضطرابِ -كما فعلَ الأثرمُ مع حديثِ الأعمشِ-، وإما أن نَعْمَدَ إلى الترجيحِ بمُرَجِّحٍ من الخارجِ، وهو ما فعله الدارقطنيُّ، حيثُ قَالَ: ((والقولُ قولُ مَن قَالَ: يغسلُ قَدَمَيْهِ، كما تَقَدَّمَ ذِكرُه من روايةِ خالدِ بنِ علقمةَ، وعبدِ
(1)
ورد في المطبوع من السنن معلقًا عقب الحديث رقم (164).
الملكِ بنِ سَلْعٍ، ومَن تابعهما عن عبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ، أنه غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا، وهما أثبت ممن خالفهما)) (العلل 2/ 30).
وقد رَدَّ الشافعيُّ نفسُه روايةَ المسحِ على القدمِ، فقال:((وقد رُوي أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ على ظُهُورِ قَدَمَيْهِ، ورُوي أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَشَّ على ظُهُورِهِمَا، وأحد الحديثين من وجهٍ صالحِ الإسنادِ)).
ثم ذكرَ بعضَ الأحاديثِ الدالةِ على غَسْلِ الرجلين، وأتبعها بقوله: ((فإن قال قائلٌ: فما جَعَلَ هذه الأحاديث أَوْلى من حديثِ مسحِ ظُهُورِ القدمين ورشهما؟ !
قيل: أما أحدُ الحديثين، فليسَ مما يُثْبِتُ أهل العلم بالحديث لوِ انفردَ، وأما الحديثُ الآخرُ، فحسنُ الإسنادِ، ولو كان منفردًا ثبت، والذي يخالفه أكثر وأثبت منه، وإذا كان هكذا كان أَوْلى، ومع الذي خالفه ظاهر القرآن)) (اختلاف الحديث 1/ 160، 162).
وذكر البيهقيُّ أنه عَنَى بالحديثِ الذي هو حسنُ الإسنادِ، ولو كان منفردًا ثبت-حديثَ ابنِ عباسٍ في رَشِّ القدمين -وقد خرجناه في صفةِ الوضوءِ-، بينما عَنَى بالحديثِ الذي لا يُثبته أهلُ العلمِ بالحديثِ لو انفردَ- حديثَ ابنِ عيينةَ هذا.
ثم قال: ((وهذا حديثٌ تفرَّدَ به عبدُ خَيرٍ الهمدانيُّ عن عليٍّ، وعبدُ خَيرٍ لم يحتجَّ به صاحبا الصحيحِ، وقد اختُلِفَ عليه في متنِ هذا الحديثِ، فرُوي هكذا - (أي: بمسحِ ظاهرِ القَدَمِ) -، ورُوي عنه أن ذلك كان في المسحِ على الخُفَّينِ
…
، ورُوي من وجهٍ آخر عن عبدِ خَيرٍ أن المسحَ إنَّما كان في وضوءِ مَن لم يُحْدِثْ)) (المعرفة 1/ 289، 290).
قلنا: فأما إعلالُهُ بالاختلافِ في متنِهِ فذاك، وأما إعلالُهُ بأن عبدَ خَيرٍ لم
يحتجَّ به صاحبا الصحيحِ، فغيرُ مقبولٍ.
ولذا تعقبه ابنُ التركمانيِّ قائلًا: "وهما لم يلتزما الإخراج عن كُلِّ ثقةٍ على ما عُرِفَ، فلا يلزمُ من كونهما لم يحتجا به أن يكون ضعيفًا. وعبدُ خَيرٍ وَثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ والعجليُّ، وأخرجَ له ابنُ خُزيمةَ وابنُ حِبَّانَ في صحيحيهما)) (الجوهر النقي 1/ 73).
وقد رُوِيَ من طريقٍ آخر عن المسيبِ بنِ عبدِ خَيرٍ- بلفظِ المسحِ:
فرواه أبو بكرٍ الشافعيُّ في (الغيلانيات 711) من طريقِ أبي أميةَ الطرَسوسيِّ، ورواه الدارقطنيُّ في (العلل 2/ 27) من طريقِ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ زيادٍ الحدادِ، كلاهما عن محمدِ بنِ سَابق، عن إبراهيمَ بنِ طهمانَ، عن مطرٍ، عن الحسنِ، عن المسيبِ بنِ عبدِ خَيرٍ عن أبيه، عن عليٍّ قال:((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى [ظَاهرِ] القَدَمَيْنِ، لرَأَيْتُ أنَّ بَاطِنَهُمَا -أو: أَسْفَلَهُمَا- أَحَقُّ بِذَلِكَ))، والزيادةُ للدارقطنيِّ.
ومطرٌ هو ابنُ طهمانَ الوراقُ، متكلَّمٌ فيه، وقال ابنُ حَجرٍ:((صدوقٌ كثيرُ الخطأ)) (التقريب 6699)، والحسنُ -شيخ مطر في الإسناد- المعهودُ أنه البصريُّ، لكن قال الدارقطنيُّ في هذا الحديثِ:((رواه المسيبُ بنُ عبدِ خَيرٍ عن أبيه عن عليٍّ، واختُلِفَ عنه؛ فرواه الحسنُ بنُ عُمارةَ عنه -وهو ضعيفٌ- نحو قول شريك)) -أي: بالمسحِ على القَدَمِ- (العلل 2/ 30).
فإن كان يعني به الحسن شيخ مطر هنا، فيكون من رواية الأكابر عن الأصاغر، والحسنُ بنُ عُمارةَ متروكٌ كما في (التقريب 1264)، وهو مدلسٌ ولا نعلمُ له سماعًا منَ المسيبِ.
ثانيًا: طريقُ السُّديِّ عن عبدِ خَيرٍ:
رواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 35)، و (أحكام القرآن 33) قال:
حدثنا أبو أميةَ [محمدُ بنُ إبراهيمَ]، قال: ثنا محمدُ [بنُ سعيدِ] بنِ الأصبهانيِّ، قال: أنا شريكٌ، عن السُّديِّ، عن عبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ رضي الله عنه أنه تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ القَدَمِـ[ـينِ] وقال:((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ، لَكَانَ بَاطِنُ القَدَمِ أَحَقَّ مِنْ ظَاهِرِهِ)).
والسُّديُّ هو إسماعيلُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي كريمةَ، مختلفٌ فيه، وقد رَوى له مسلمٌ، وقال فيه ابنُ حَجرٍ:((صدوقٌ يهمُ)) (التقريب 463)، فهو حسنُ الحديثِ ما لم يخالفْ، وقد خُولِفَ ممن رواه عن عبدِ خَيرٍ وذكره بلفظ الغسل، ولكن ليس الوهم هنا من قِبله، وإنما من قِبل شَريكٍ، وهو النَّخَعيُّ، فإنه سيئُ الحفظِ كما سبقَ مرارًا.
وهذه السياقةُ مختصرةٌ، فقد رواه أحمدُ (943) عن إسحاقَ بنِ يوسفَ الأزرقِ عن شَريكٍ عن السُّديِّ، عن عبدِ خَيرٍ، قال: رَأَيْتُ عَلِيًّا دَعَا بِمَاءٍ لِيَتَوَضَّأَ، فَتَمَسَّحَ بِهِ تَمَسُّحًا، وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:((هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ))، ثُمَّ قَالَ:((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ؛ رَأَيْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ))، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ قَالَ:((أَيْنَ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْرَبَ قَائِمًا؟ ! )).
فَتَبَيَّنَ بهذا أن المسحَ على القدمِ في حديثِهِ هذا إنما هو للطاهرِ ما لم يُحدثْ، وهذا الحديثُ بهذه السياقةِ محفوظٌ عن عليٍّ رضي الله عنه من روايةِ النَّزَّالِ بنِ سَبْرَةَ دونَ قوله:((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، رَأَيْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ))، فهذه الزيادةُ من أوهامِ شَريكٍ، وقد رُوي عن الثوريِّ عن السُّديِّ عن عبدِ خيرٍ، دونَ هذه الزيادةِ، قال الدارقطنيُّ:((وقولُ الثوريِّ أصحُّ))، انظر تحقيقنا له في:(باب صفة الوضوء من غير حدث).
ثالثًا: طريق أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ عن عبدِ خَيرٍ:
رواه جماعةٌ عن أبي إسحاقَ، واختلفوا عليه في متنِهِ؛ فمنهم مَن جعلَهُ ماسحًا لقدميه، ومنهم مَن قَيَّدَهُ بالمسحِ على الخُفَّينِ، ومنهم مَن قَيَّدَهُ بالمسحِ على النَّعْلينِ، ومنهم مَن جَعلَهُ غَاسلًا لا مَاسحًا.
وإليك التفصيلُ:
1 -
رواية الأعمش عن أبي إسحاق:
وقد اختُلِفَ فيه على الأعمشِ أيضًا:
فرواه أحمدُ في (المسند 737)، وابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف 183).
ورواه عبدُ اللهِ في (زوائده على المسند 917، 1013) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 2/ 283/ 662) - عن إسحاقَ بنِ إسماعيلَ الطالَقانيِّ.
ورواه عبدُ اللهِ في (المسند 1013) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 2/ 283/ 662) -، وأبو يعلى (346، 613) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 2/ 283/ 663) - كلاهما عن أبي خَيْثَمَةَ -قرَنَهُ عبدُ اللهِ بإسحاقَ-.
أربعتهم (أحمدُ، وابنُ أبي شيبةَ، وإسحاقُ، وأبو خيثمةَ) عن وكيعٍ.
ورواه النسائيُّ في (الكبرى 148) عن إسحاقَ بنِ راهويه، ورواه ابنُ قُتيبةَ في (تأويل مختلف الحديث، صـ 108) -ومن طريقِهِ الذهبيُّ في (السير 13/ 300) - عن محمدِ بنِ زيادٍ الزياديِّ، كلاهما عن عيسى بنِ يُونسَ.
ورواه البزارُ (789)، والهرويُّ في (ذم الكلام 270)، من طريقِ مُحاضِر بنِ المُورِّع.
ثلاثتهم (وكيع، وعيسى، ومحاضر) عن الأعمشِ عن أبي إسحاقَ عن
عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ- بلفظِ الروايةِ الثانيةِ في المسحِ على القَدَمِ، إلا أن سياقةَ ابنِ أبي شيبةَ عن وكيعٍ بلفظِ الروايةِ الثالثةِ: ((لَو كَانَ الدِّينُ
…
)) إلخ.
وقد جاءَ بهذه السياقةِ عن وكيعٍ مُقيدًا بالمسحِ على الخُفَّينِ!
فرواه أبو الشيخِ في (الأقران 93) قال: حدثنا محمدُ بنُ العباسِ بنِ أيوبَ، حدثنا يعقوبُ الدورقيُّ، حدثنا وكيعٌ، حدثنا الأعمشُ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ قال:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ المسْحُ عَلَى بَاطِنِ الخُفَّينِ، فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا)).
ومحمدُ بنُ العباسِ هو الحافظُ الكبيرُ ابنُ الأخرمِ الأصبهانيُّ أبو جعفرٍ الفقيهُ، ترجمتُه في (السير 14/ 144).
ويعقوبُ الدورقيُّ ثقةٌ، وهو منَ الحفاظِ أيضًا (التقريب 7812).
ولكن ذكرَ أبو داود في (السنن 163) عقبَ روايةِ حَفْصٍ عن الأعمشِ- أن ذِكرَ الخُفَّينِ في هذا الحديثِ إنما هو من تفسيرِ وكيعٍ، فقال: ((ورواه وكيعٌ عن الأعمشِ بإسنادِهِ قال: كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ
…
إلخ، ثم قال: قال وكيعٌ: يعني الخُفَّينِ)).
فهذا يدلُّ على أن روايةَ ابنِ الأخرمِ إنما هي تصرفٌ ممن دونَ وكيعٍ، رواه أحدُهُم بالمعنى، لاسيما وأصحابُ وكيعٍ الكبار كأحمدَ، وابنِ أبي شيبةَ، وأبي خَيثمةَ، لم يقيدوه بالخُفِّ!
وقد أغربَ بعضُهم أيضًا على عيسى بنِ يُونسَ في سندِهِ ومتنِهِ:
فرواه ابنُ شَاهينَ في (ناسخ الحديث 122) -ومن طريقه ابنُ الجوزيِّ في (إعلام العالم 29) - عن أبي عبدِ اللهِ بن المُغَلِّسِ، قال: حدثنا أبو همامٍ، قال: حدثنا عيسى -يعني ابنَ يُونسَ-، قال: حدثنا الأعمشُ،
عن رجاءٍ، عن عبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ، بلفظ:((كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالغَسْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا)).
فجَمَعَ فيه بين الغَسلِ والمسحِ! وجعله من روايةِ الأعمشِ عن رجاءٍ! بدلًا من أبي إسحاقَ.
وابنُ المُغَلِّسِ هذا إمامٌ ثقةٌ كما في (السير 14/ 520).
وأبو همامٍ هو الوليدُ بنُ شُجَاعٍ السَّكونيُّ، وهو ثقةٌ أيضًا كما في (التقريب 7428)، ولكن فيه كلامٌ يسيرٌ كما في ترجمتِهِ من (التهذيب)؛ ولذا قالَ فيه الذهبيُّ:((حافظٌ يُغربُ))، فلعلَّ هذا من غرائبِهِ، ورواية ابن راهويه ومَن تابعه عن عيسى هي الصوابُ. والله أعلم.
ورواه حفصُ بنُ غِياثٍ عن الأعمشِ، واختُلِفَ عليه في متنِهِ:
فرواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف 1907) -ومِن طريقِهِ الهرويُّ في (ذم الكلام 270) -، ورواه البزارُ (788) عن عبدِ اللهِ بنِ سعيدٍ الكنديِّ.
ورواه أبو الشيخِ في (ذكر الأقران 94) من طريقِ عمرَ بنِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ.
ثلاثتهم عن حفصِ بنِ غِياثٍ، عن الأعمشِ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ، بنحوِ الروايةِ الثانيةِ في المسحِ على القَدَمِ، إلا أن سياقةَ ابنِ أبي شيبةَ بلفظ الرواية الثالثة: ((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ
…
إلخ))، مثل سياقته عن وكيع.
وجاءَ عن حفصٍ مُقيدًا بالمسحِ على الخُفَّينِ:
فرواه أبو داود (161) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبرى 1400)، و (الصغرى 136) -، والدارقطنيُّ (783) -ومن طريقه البيهقيُّ في (المعرفة
2079) - عن محمدِ بنِ القاسمِ بنِ زكريا، كلاهما (أبو داود وابن زكريا) عن أبي كُريبٍ محمدِ بنِ العَلاءِ.
ورواه الدارقطنيُّ في (السنن 769) من طريقِ أبي هشامٍ الرفاعيِّ، وإبراهيمَ بنِ زيادٍ سبلان.
ورواه البيهقيُّ في (المدخل 219)، و (المعرفة 673) من طريقِ ابنِ أبي شيبةَ.
أربعتهم عن حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي رضي الله عنه، قال:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ)).
وهو مُخَرَّجٌ بتوسعٍ في: (المسح على الخفين).
وقد رواه أبو داود (163) عن أبي كُريبٍ أيضًا عن حفصٍ، بلفظ:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ بَاطِنُ القَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، وَقَدْ مَسَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ)).
وهذا قد يقوِّي القول بأن التعبيرَ بالقَدَمِ في الرواياتِ الأُخْرَى إنما يُرادُ به الخُف، ولكن نقلَ أبو الشيخِ في (ذكر الأقران 94) عقبَ روايةِ عمرَ بنِ حفصِ بنِ غِياثٍ عن أبيه، أن عمرَ قال:((كان أبي يُحدِّثُ به حفظًا: الخُفَّين، فلمَّا نظرَ في الكتابِ وَجدَ فيه: القَدَمَين))!
فهذا لو ثبتَ كان فَاصلًا في الخلافِ على حفصٍ، ويقضي بأن روايةَ الخُفِّ غيرُ معتمدة لأنها من حفظه -والكلام في حفظه معروف- بينما رواية القدم هي المعتمدة؛ لأنها رواية كتاب، وهي مُوافقةٌ للمحفوظِ عن وكيع وعيسى ومحاضر.
ولكن رواية عمر بن حفص وكلامه هذا عند أبي الشيخ من روايتِهِ عن
شيخِهِ مِهران، ومِهْرانُ هذا سمي في بعض كتب أبي الشيخ:(مهران بن ميمون)، ولم نجدْ له ترجمةً.
وعلى أيةِ حَالٍ، فالخلافُ على حفصٍ في الروايةِ يؤيدُ هذا النقلَ، لاسيما وقد رواه ابنُ أبي شيبةَ عنه على الوجهين إن كانتْ روايتُهُ عند البيهقيِّ محفوظةً، فإسنادُهُ إلى ابنِ أبي شيبةَ حسنٌ.
ولو أعملنا الترجيحَ فروايةُ ابنِ أبي شيبةَ في (المصنف 1907) بالمسحِ على القَدَمِ أَصَحُّ.
وكأنَّ الدارقطنيَّ ذَهَلَ عن الخلافِ على حفصٍ، أو لم يبلغْه، فلم يَحْكَ عنه سوى الوجه الثاني المقيد بالمسحِ على الخُفِّ! وَرَجَّحَهُ كما في (العلل 2/ 26)، وسيأتي ما فيه.
ورواه يزيدُ بنُ عبدِ العزيزِ -وهو ثقةٌ من رجالِ الشيخينِ- عن الأعمشِ، فجَعَلَ أوَّلَهُ في غَسلِ القَدَمَينِ! وآخرَهُ في مَسحِ الخُفَّينِ! ! :
رواه أبو داود (162) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبرى 1402) - عن محمدِ بنِ رافعٍ، حدثنا يحيى بنُ آدمَ، قال: حدثنا يزيدُ بنُ عبدِ العزيزِ، عن الأعمشِ بإسنادِهِ قال:((مَا كُنْتُ أُرَى بَاطِنَ القَدَمَيْنِ إِلَّا أَحَقَّ بالغَسْلِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ)).
ولو نظرنا إلى الخلافِ بين أصحابِ الأعمشِ، لوجدنا أن وكيعًا ومَن تَابعه أحفظُ وأكثرُ، ولكن هذا الخلاف في الواقعِ إنما هو من قِبلِ الأعمشِ نفسِه، فقد قال ابنُ المدينيِّ:((الأعمشُ يضطربُ في حديثِ أبي إسحاقَ))، وقال:((حديثُ الأعمشِ عن الصغارِ كأبي إسحاقَ ليس بذاك))، وقال أيضًا: ((الأعمشُ كثيرُ الوهم في أحاديثِ هؤلاءِ الصغارِ مثل الحَكَم
…
وأبي إسحاقَ))،
وأشارَ إلى ذلك القطانُ أيضًا، (شرح علل الترمذي 2/ 647).
فهذه علةٌ في حديثِ الأعمشِ سواء كان هذا الاختلاف منه أم لا، وقد أعلَّه أبو بكرٍ الأثرمُ بالاضطرابِ، نقله عنه ابنُ الجوزيِّ في (إعلام العالم 1/ 93).
ثم إن الأعمشَ مدلسٌ، ولم نجدْهُ قد صرَّحَ بسماعِهِ لهذا الحديثِ من أبي إسحاقَ إلَّا عند أبي الشيخِ في (ذكر الأقران 94)، وهو من روايةِ شيخِهِ مِهْران، وقد علمتَ حالَهُ، وما نَراه إلَّا وَهِمَ فيه، والله أعلم.
2 -
رواية الثوريِّ عن أبي إسحاقَ:
رواه الدارقطنيُّ في (العلل 2/ 27) عن محمدِ بنِ مَخْلَدٍ، قال: حدثنا أحمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحدادُ قال: حدثنا خلفُ بنُ سَالمٍ، حدثنا إسحاقُ بنُ يوسفَ عن سفيانَ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بنحوه (أي: بنحوِ روايةِ مطر السابقة بلفظ: ((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ القَدَمَيْنِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ أَسْفَلَهُمَا -أو: بَاطِنَهُمَا- أَحَقُّ))).
وهذا إسنادٌ رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ، لكنَّه غريبٌ جدًّا، وله علةٌ.
فقد رواه عبدُ الرزاقِ في (المصنف 120) -وعنه أحمدُ (1205) -.
ورواه أحمدُ (1025) وأبو يعلى (283، 571) والترمذيُّ (44) عن ابنِ مهديٍّ.
ورواه أحمدُ (1273) عن أبي أحمدَ الزبيريِّ.
ورواه أحمدُ (971) عن عبدِ اللهِ بنِ الوليدِ العدنيِّ.
ورواه السريُّ في (حديث الثوري 29) عن قَبيصةَ.
ورواه عبدُ اللهِ في (زوائده على المسند 1354) من طريقِ يحيى بنِ سعيدٍ
الأمويِّ.
ورواه البزارُ في (المسند 734) من طريقِ مؤمَّلِ بنِ إسماعيلَ.
ورواه البزارُ في (المسند 735)، من طريقِ أبي عاصمٍ الضَّحاكِ بنِ مَخْلَدٍ.
كلُّهم عن الثوريِّ عن أبي إسحاقَ عن أبي حيةَ بنِ قيسٍ عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ شَرِبَ فَضْلَ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ:((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وُضُوءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا))، وصرَّحَ في روايةِ قُبيصةَ بغسلِ القَدَمَينِ، وغسلهما محفوظٌ في حديثِ أبي حيةَ كما سيأتي.
فهذا هو المحفوظُ عن الثوريِّ عن أبي إسحاقَ، فأما روايةُ الثوريِّ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ بلفظِ المسحِ، فلم نجدْهَا إلا من ذاكَ الطريقِ عند الدارقطنيِّ، ولو كان محفوظًا عن الثوريِّ لاشتهرَ عنه، وكأنَّه لذلك لم يرجِّحها الدارقطنيُّ، مع أن الثوريَّ في أبي إسحاقَ أثبتُ من كلِّ مَن رَواه عنه بلفظِ المسحِ!
وفي الإسنادِ علةٌ أُخرَى، وهي عنعنةُ أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، فهو مدلسٌ مشهورٌ كما في (طبقات المدلسين، صـ 42)، ولم نجدْهُ قد صرَّحَ بسماعِهِ لهذا الحديثِ من عبدِ خَيرٍ إلا في روايةِ أبي الأحوصِ عندَ البزارِ، وهي بلفظِ الغسل لا المسح! ومع ذلك فهي عند غيره بما يشكك في صيغةِ التحملِ عند البزارِ كما سيأتي في موضعه.
3 -
رواية إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق:
ذكرَ الدارقطنيُّ في (العلل 2/ 26) أن إسرائيلَ قد تابع الثوري على سياقته عن أبي إسحاقَ، ولم نجدْ مَن أخرجَ روايتَهُ هذه، ومع ذلك فالمحفوظُ عنه خلافها:
فقد رواه أحمدُ (1050) عن وكيعٍ وعبدِ الرزاقِ -وهو في (المصنَّف 121) -، كلاهما عن إسرائيلَ عن أبي إسحاقَ عن أبي حيةَ الوادعيِّ، قال:((رَأَيْتُ عَلِيًّا بَالَ فِي الرَّحَبَةِ وَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا، وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلاثًا، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلاثًا ثَلاثًا، ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَالَّذِي رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ فَأَرَدْتُ أَنْ أُرِيَكُمُوهُ)).
وبنحوه رواه الطحاويُّ في (معاني الآثار 1/ 29/ 118)، (1/ 35/ 164) من طريقِ الفريابيِّ عن إسرائيلَ.
4 -
رواية يونس بن أبي إسحاق عن أبيه أبي إسحاق:
رواه البيهقيُّ في (الكبرى 1404) عن أبي عليٍّ الروذباريِّ عن أبي محمدِ بنِ شَوْذَبٍ المقرئ عن شُعيبِ بنِ أيوبَ، حدثنا أبو نُعيمٍ عن يونسَ بنِ أبي إسحاقَ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ قال: ((رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ وَمَسَحَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ القَدَمَينِ، لَرَأَيْتُ أَنَّ أَسْفَلَهُمَا -أو: بَاطِنَهُمَا- أَحَقُّ بِذَلِكَ.
وقد رَواه في (الخلافيات 1000) بنفسِ إسنادِهِ ومتنِهِ إلا أنه وقعَ فيه من روايةِ "شعيب بن أيوب، ثنا عبيد الله بن موسى عن يونس"! وقال فيه: ((لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ، لَرَأَيْتُ أَنَّ المَسْحَ عَلَى ظَهْرِ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بالغَسْلِ)) "!
والأول هو الصوابُ، وسقطَ من سياقةِ البيهقيِّ كلمةٌ لها تأثيرٌ في المعنى.
فقد رواه أحمدُ (1264)، والدارميُّ (733)، قالا: حدثنا أبو نُعيمٍ.
ورواه البزارُ (794) عن محمدِ بنِ معمرٍ، قال: نا أبو نُعيمٍ وأبو بكرٍ الحنفيُّ.
ورواه أبو نُعيمٍ في (الحلية 8/ 190) من طريقِ عبدِ اللهِ بنِ المباركِ،
ثلاثتهم عن يونسَ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ، قال:((رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ [فَوَسَّعَ]، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ، لَرَأَيْتُ أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا)).
قال الدارميُّ: "هذا الحديثُ منسوخٌ بقولِهِ تعالى: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} ".
وقال البزارُ: "وهذا الحديثُ إنما حمله أهلُ العلمِ على أنه كان على طهارةٍ، هذا لمَن ثَبَّتَ الخبرَ، ولا يحتمل غير ذلك إذ كان الخبر عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم غَسَلَ رِجْلَيْهِ".
وقال أبو نُعيمٍ: "غريبٌ من حديثِ أبي إسحاقَ بذكرِ النَّعلينِ، لم نكتبْهُ إلَّا من حديثِ يونسَ عنه"اهـ.
قلنا: ويونسُ تكلَّمَ فيه أحمدُ، وضَعَّفَ حديثَهُ عن أبيه كما في (التهذيب 32/ 491)، ولعلَّ سببَ ذلك أن أباه كان قد اختلطَ، وقد ذكر ابنُ هانئ في (المسائل/ 2205) عن أحمدَ أن يونسَ بنَ أبي إسحاقَ سمعَ من أبيه بأَخَرَةٍ، وقال أبو زرعةَ:"سمعتُ ابنَ نُميرٍ يقولُ: سماعُ يونسَ وزكريا وزُهيرٍ من أبي إسحاقَ بعد الاختلاطِ"(تاريخ دمشق 46/ 232)، ونقله ابنُ رجبٍ في (شرح العلل 2/ 520).
وذَهَلَ عن ذلك الألبانيُّ، فصَحَّحَ سندَهُ في (الثمر 1/ 17) و (صحيح أبي داود 1/ 290)، مع أنه جَزَمَ في (الصحيحة 7/ 433)، و (الضعيفة 10/ 678)، وغيرِهِما من كتبه- بأن يونسَ سمعَ من أبيه بعد الاختلاطِ.
5 -
رواية ابن طهمان عن أبي إسحاق:
رواه البيهقيُّ في (الكبرى 1403) عن الحاكمِ، أنا أبو الطيبِ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ (الشَّعِيري)، ثنا مَحْمِشُ بنُ عِصَامٍ، ثنا حفصُ بنُ عبدِ اللهِ، حدَّثني إبراهيمُ بنُ طهمانَ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيرٍ الخيوانيِّ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، قال:((كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِمَا، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ)).
وأبو الطيبِ الشَّعِيريُّ لم نجدْ مَن ترجمَ له سوى الذهبي في (التاريخ 7/ 750)، ولم يَزدْ على قولِهِ:"محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الشَّعِيريُّ، أبو الطيبِ النيسابوريُّ، شيخُ الحاكمِ" اهـ.
وشيخُهُ مَحْمِشُ بنُ عِصَامٍ لم نجدْ مَن ترجمَ له سوى الذهبيّ أيضًا في (التاريخ 6/ 628)، ولم يَذكرْ فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وابنُ طهمانَ لم يذكروه ضمن من رَوى عن أبي إسحاقَ قبلَ الاختلاطِ، والظاهرُ أنه قد رَوى عنه بعدَ اختلاطِهِ؛ فإن الشيخين لم يخرجا له شيئًا من حديثِهِ عن أبي إسحاقَ.
6 -
رواية عمر بن مجاشع عن أبي إسحاق:
رواه محمدُ بنُ الحسنِ في (الحجة على أهل المدينة 1/ 40) عن إسماعيلَ بنِ عياشٍ قال: حدَّثني الوليدُ بنُ عبادٍ عن عمرَ بنِ مجاشعٍ عن أبي إسحاقَ به بلفظ: ((مَا كُنْتُ أَرَى إلَّا المسحَ عَلَى بَاطِنِ الخُفَّيْنِ أَفَضْلَ مِنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا ولا يَمْسَحُ عَلَى بَاطِنِهِمَا)).
والوليدُ بنُ عبَّادٍ الأزديُّ ذكره ابنُ عديٍّ في (الكامل 10/ 286) وقال: "ليسَ بمستقيمٍ"، وقال أيضًا:"لا يَروي عنه غير إسماعيل بن عياش"، وقال
الذهبيُّ: "مجهولٌ"(الميزان 4/ 340)، وقال أيضًا:"لا يُعرفُ"(الديوان 4548)، بينما ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 551)!
وعمرُ بنُ مجاشعَ قال فيه ابنُ مَعينٍ: "شيخٌ مدائنيٌّ لا بأسَ به"(اللسان 5673)، لكنه ليس معروفًا في أصحابِ أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، لا المتقدمين ولا المتأخرين.
* وبنحوِ سياقةِ ابنِ مُجاشعٍ هذه رواه حكيمُ بنُ زيدٍ عن أبي إسحاقَ، ذكره الدارقطنيُّ في (العلل 2/ 26)، ولم نقفْ على روايتِهِ مسندة، وحكيمُ بنُ زيدٍ قال فيه أبو حاتم:"صالحٌ، هو شيخٌ"(الجرح والتعديل 3/ 204).
7 -
رواية أبي الأحوص سلام بن سليم عن أبي إسحاق:
رواه الترمذيُّ (49) عن قتيبةَ وهنادٍ، قالا: حدثنا أبو الأحوصِ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيرٍ، ذكرَ عن عليٍّ مثل حديث أبي حيةَ.
قلنا: وحديثُ أبي حيةَ هذا مخرجٌ في صفةِ الوُضُوءِ، وفيه:((وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلى الكَعْبَيْنِ)). وهكذا أخرجه عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ في (زوائده على المسند)، وأبو يعلى في (مسنده)، ثم أتبعاه بحديثِ عبدِ خَيرٍ، فقالا: حدثنا خلف بن هشام [البزار] حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق قال: وذكر عبد خير عن عليٍّ، مثل حديث أبي حيةَ، إلا أن عبد خير قال:((كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ طُهُورِهِ، أَخَذَ بِكَفَّيْهِ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ فَشَرِبَ)) (مسند أحمد 1047)، و (مسند أبي يعلى 500).
وقول أبي إسحاقَ: "وذكر عبد خير"، يوحي بأنه لم يسمعْهُ منه، وهذا يُشكك فيما عندَ البزارِ حيثُ رواه في (المسند 736، 795) عن محمدِ بنِ معمرٍ، عن أبي داودَ الطيالسيِّ، قال: نا أبو الأحوصِ سلامُ بنُ سُليمٍ عن
أبي إسحاقَ عن أبي حيةَ بنِ قَيسٍ، ((أنه رَأَى عليًّا رضي الله عنه فِي الرَّحَبَةِ تَوَضَّأَ
…
إلخ))، الحديث، وفيه:((وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا)). ثم قال: قال أبو إسحاقَ: فحدَّثني عبدُ خَيرٍ عن عليٍّ بمثلِ هذا، غيرَ أَنَّهُ لما فَرَغَ أَخَذَ حَفْنَةً مِن مَاءٍ في كَفِّهِ فَشَرِبَهَا وهو قَائِمٌ.
فقوله: "فحدَّثني عبدُ خَيرٍ" الظاهرُ أنه وهم ممن دونَ أبي الأحوصِ، لاسيما وفي المتنِ خطأٌ آخر قد بَيَّنَاهُ في تحقيقنا لروايةِ أبي حيةَ في صفةِ الوضوءِ، فالذي يُخطئُ في المتنِ يُخطئُ في السندِ أيضًا، وقد رواه ثلاثةٌ منَ الثقاتِ عن أبي الأحوصِ، ولم يذكروا سماعَ أبي إسحاقَ من عبدِ خَيرٍ، بل رواية خلف تدلُّ على الانقطاعِ كما رأيتَ.
ويؤيدُهُ أن حديثَ أبي إسحاقَ هذا رواه عنه جماعةٌ آخرون، وهو منتشرٌ في الكتبِ، ومع ذلك لم نجدْ مَن ذكره بلفظِ السماعِ أو التحديثِ -رغم كثرةِ المراجعِ- سوى البزار.
ثم قال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا رواه بهذا اللفظِ عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خيرٍ وأبي حيةَ، عن عليٍّ، مجموعين إلا أبو الأحوص".
قلنا: وهذا فيه نظرٌ، فقد توبع عليه أبو الأحوص:
قال الدارقطنيُّ: "ورواه عبدُ الرحمنِ بنُ حميدٍ الرؤاسيُّ عن أبي إسحاقَ، عن أبي حيةَ وعبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ. ورواه غيلانُ بنُ جامعٍ، وعمارُ بنُ رُزيقٍ، عن أبي إسحاقَ، عن عبدِ خَيرٍ -وحده- عن عليٍّ"(العلل 2/ 122).
ثم قال: "وأصحُّها كلها قول من قال: عن أبي حيةَ، وقول عبد الرحمن بن حميد: عن أبي حيةَ وعبدِ خَيرٍ، فإنه ثقةٌ، وقد ضبطه: أبا حيةَ، وزادَ معه: عبدَ خَيرٍ، وتابعه عمار بن رزيق على عبدِ خَيرٍ"(العلل 2/ 122 - 123).
ومتابعة الرؤاسي عند ابنِ بِشْرَانَ في (الثاني من أماليه 1314) من طريقِ أبي غسانَ عنه.
فأما متابعة ابن رزيق، فلم نقفْ عليها، وإنما وقفنا على متابعة غيلان:
فقد رواه ابنُ شَاذَانَ في (حديث ابن قانع والدِّينَوَري ق 154/ أ) بسندٍ صحيحٍ عن غيلانَ بنِ جامعٍ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خيرٍ، قال:((أَتَى عليُّ بنُ أبي طَالبٍ المطْهَرةَ، وَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا، وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا، وغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقَدَمَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ)).
قَالَ أبو إسْحَاقَ: وحدَّثني أبو (حيةَ)
(1)
نحو هذا الحديث، وزاد فيه:((ثُمَّ قَامَ فَشَرِبَ فَضْلَ طَهُورِهِ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ هَذَا)).
وغيلانُ قديمٌ، من شيوخِ الثوريِّ وشعبةَ، فلا شَكَّ أنه تَحَمَّله من أبي إسحاقَ قبلَ اختلاطِهِ. وكذلك أبو الأحوصِ، فإن روايتَهُ عن أبي إسحاقَ في الصحيحين، وزَعَمَ ابنُ القطانِ في (بيان الوهم والإيهام 4/ 108). أن أبا الأحوصِ سَمِعَ من أبي إسحاقَ بعد اختلاطِهِ، وخالفَ البوصيريُّ في (الزوائد 1/ 138)، فقال:"وأبو إسحاقَ السبيعيُّ وإن اختلطَ بأَخَرَةٍ، فإن أبا الأحوصِ روى عنه قبلَ الاختلاطِ"، واحتجَّ لذلك بصنيعِ الشيخين، وهذا هو الذي اعتمدَهُ السخاويُّ في (فتح المغيث 4/ 370).
وفي الواقعِ لم نجدْ في كلامِ النُّقادِ ما يدلُّ على أحدِ الأمرين، فَهُم لم
(1)
وقع في النسخة الخطية: "وحدثني أبو محمد -يعني الأعمش-"! ! وهذا كلامٌ غيرُ مستقيمٍ، فالأعمشُ إنما يَروي الحديث عن أبي إسحاقَ وليس العكس، والذي نَراه أن كلمةَ "حية" تحرَّفت إلى "محمد"، فترتبَ على ذلك أن وَهِم أحدهم وفسَّره بالأعمشِ!
يذكروه في جملةِ مَن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ، كما قال الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 7/ 310)، ولا ذكروه في الطرفِ الآخرِ، ولكن تخريج الشيخين حديثه عن أبي إسحاق يشهدُ لصنيع البوصيري، أو على الأقل يجعلُ النفسَ تطمئنُ لروايتِهِ عنه ما لم يخالَفْ ممن هو أَوْلى منه. والله أعلم.
* وقد تابعهم شعيبُ بنُ راشدٍ الكوفيُّ، فرواه عن أبي إسحاقَ، بلفظ:((ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ))، رواه الخلديُّ في (الأول من فوائده 73) ضمن (مجموع فيه ثلاثة أجزاء/ 342) عن القاسمِ بنِ محمدٍ الدلالِ عن إبراهيمَ بنِ الحسنِ الثعلبيِّ عن شُعيبٍ به.
ورجاله منَ القاسمِ الدلالِ إلى شُعيبٍ مختلفٌ فيهم، وهناك متابعة أخرى لأبي الأحوص، لكنها واهيةٌ جدًّا، فلا فائدةَ مِن ذِكرها.
فانظرْ إن شئتَ (حديث ابن قانع والدِّينَوَري لابن شاذان ق 152/أ)، و (تاريخ بغداد 10/ 141).
فإن قيلَ: إن كان الحديثُ محفوظًا عن أبي إسحاقَ عن أبي حيةَ وعبدِ خَيرٍ معًا، أفلا يدلُّ ذلك على أنَّ روايةَ الثوريِّ وإسرائيلَ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ في المسحِ محفوظةٌ؟ !
فالجوابُ: إنه ليس شرطًا أن يكون المحفوظُ عن أبي إسحاقَ هو نفسَ المحفوظِ عن الثوريِّ وإسرائيلَ. ثم إن روايةَ أبي الأحوصِ والرؤاسي ومَن تابعهما عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ- مثل روايتهم أيضًا عن أبي إسحاقَ عن أبي حيةَ، حيثُ اتفقوا على غَسْلِ القدمينِ في كلٍّ من الوجهين، وليس كذلك في روايةِ الثوريِّ وإسرائيلَ، فإنه قد اختُلفَ عليهما سندًا ومتنًا، فأوجبَ ذلك ترجيحًا، وقد بَيَّنَّاهُ.
وخلاصةُ ما سبقَ: أن الحديثَ بلفظِ المسحِ على القَدَمَينِ رواه ثلاثةٌ عن عبدِ خَيرٍ:
أولهم: ابنُه المسيبُ، وجاءَ عنه مِن طريقين:
أحدهما: لا يصحُّ، وهو طريق مطر الوراق. والثاني: طريق أبي السوداء، وقد رواه عنه ابنُ عيينةَ مرَّةً بلفظِ المَسْحِ، ومرَّةً بلفظِ الغَسْلِ، ورجَّحَ الدارقطنيُّ الثاني بدلالةِ المحفوظِ عن عبدِ خَيرٍ من روايةِ خالدِ بنِ علقمةَ وغيره.
وثانيهم: السُّديُّ، وهو من روايةِ شَريكٍ النخعيِّ، ومع سُوءِ حفظه فقد تَبَيَّنَ أنَّ حديثَهُ إنما هو في تجديدِ الوُضُوءِ للطاهرِ، فلا حُجَّةَ فيه للمخالفِ. وقد حَمَلَ بعضُ العلماءِ سائِرَ رواياتِ مسحِ القدمِ على هذا المعنى.
وثالثهم: أبو إسحاقَ السَّبيعيُّ، وهو مدلسٌ، ولم يَثبتْ تصريحُه له بالسماعِ من عبدِ خيرٍ، فروايتُهُ ضعيفةٌ على أيةِ حَالٍ، ومع ذلك فقد اختُلفَ عليه فيه اختلافًا كثيرًا؛ ولذا لا يصحُّ أن يقالَ:"قد تابعه المسيب والسدي، فيصح" لأنا نقول: تابعاه على ماذا؟ أعلى المسح على القدم؟ أم على المسح على الخف؟ ! أم على المسح على النعل؟ أم على غسل القدم؟ !
ولو نظرنا إلى هذا الاختلافِ لوجدنا أن:
* رواية المسح على القدمين: جاءتْ من طريقِ الأعمشِ -مع اختلافٍ عليه- وحديثُهُ عن أبي إسحاقَ مضطربٌ، وقد اضطربَ فيه فعلًا، وجاءتْ أيضًا من طريقِ الثوريِّ، وهي غيرُ محفوظةٍ عنه كما بَيَّنَّاهُ، بل المحفوظُ عنه خلافه، وكذلك الشَّأْنُ مع روايةِ إسرائيلَ.
* ورواية المسح على النعلين: جاءتْ من طريقِ يُونسَ، وقد سَمِعَ من أبيه
بعدَ اختلاطِهِ.
* ورواية المسح على الخفين: جاءتْ من طريقِ ابنِ طهمانَ وابنِ مجاشعٍ، والسندُ إليهما لا يصحُّ، ولا يُعرفُ إن كانا قد تَحَمَّلا من أبي إسحاقَ قبلَ الاختلاطِ أم بعده، وكذلك الشأن في رواية حكيم بن زيد، مع أننا لم نجدْهَا مسندة، وجاءتْ أيضًا عن الأعمشِ، وقد بَيَّنَّا ما فيها.
* فأما رواية غسل القدمين: فجاءتْ من حديثِ غيلانَ، وقد بَيَّنَّا أنه سمعَ من أبي إسحاقَ قبل اختلاطه، ومن حديثِ أبي الأحوصِ، وحديثه عن أبي إسحاق في الصحيحين، ومن روايةِ ابنِ رُزيقٍ، وحديثه عن أبي إسحاق في صحيح مسلم، وهي المحفوظةُ عن الثوريِّ وإسرائيلَ كما بَيَّنَّاهُ، والثوريُّ من أثبتِ الناسِ في أبي إسحاقَ، فهذه الروايةُ هي التي تطمئنُ النفسُ لها، وهي الموافقةُ للمحفوظِ عن عبدِ خَيرٍ، ثم عن عليٍّ رضي الله عنه في صفةِ الوضوءِ.
وبها أعلَّ البزارُ روايةَ المسحِ، فقالَ:"هذا الحديثُ رواه الأعمشُ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خيرٍ عن عليٍّ، بهذا اللفظِ، ورواه أبو الأحوصِ عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَسَلَ رِجْلَيْهِ)). وهكذا رواه خالدُ بنُ علقمةَ عن عبدِ خَيرٍ عن عليٍّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثًا حيثُ تَوَضَّأَ)). والأخبارُ ثابتةٌ عن عليٍّ مِن وجوهٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه غَسَلَ رِجْلَيْهِ، فإذا ثبتَ ذلك عن عليٍّ عن النبيٍّ صلى الله عليه وسلم أنه غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا، فقد وُهِّي حديث الأعمش عن أبي إسحاقَ عن عبدِ خيرٍ، وقد ذكرنا علةَ هذا الحديث في غير هذا الموضع وفساده بأكثر من هذا الكلام، فاستغنينا عن إعادة ذكره بعد"(المسند 3/ 38).
وهذا الترجيحُ يتفقُ مع ترجيحِ الدارقطنيِّ لروايةِ غَسْلِ القَدَمَينِ في حديثِ ابنِ عيينةَ، وبها أشارَ النسائيُّ إلى إعلالِ روايةِ الأعمشِ في المسحِ، فإنه لما
أخرجَ روايةَ الأعمشِ تحتَ بابِ المسحِ على الرجلين، أتبعها برواية ابن عيينة المذكورة، (السنن الكبرى 148، 149).
ولكنِ الدارقطنيُّ رجَّحَ هنا روايةَ المسحِ على الخُفَّينِ! فقال: "واختلفوا في لفظ الحديث؛ فقال حفص بن غياث
(1)
، عن الأعمش فيه:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ، لَكَانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بِالمَسْحِ))، وقال عيسى بن يونس، ووكيع، عن الأعمش فيه: ((كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ أعلاهما"، وتابعهما يونس بن أبي إسحاق
(2)
، وإسرائيل، (و)
(3)
الثوري، عن أبي إسحاق، والصحيحُ مِن ذلك قول من قال:((كُنْتُ أُرَى أَنَّ بَاطِنَ الخُفَّيْنِ أَحَقُّ بِالمَسْحِ مِنْ أعلاهما))، وكذلك قال حكيمُ بنُ زيدٍ عن أبي إسحاقَ.
ومما يقوِّي ما ذكرناه: ما رواه خالدُ بنُ علقمةَ، وعبدُ الملكِ بنُ سَلْعٍ، والحسنُ بنُ عقبةَ أبو كيران
…
وغيرُهُم، عن عبدِ خَيرٍ:((أَنَّ عليًّا رضي الله عنه غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا، وقال: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ)) (العلل 2/ 26 - 27).
قلنا: قد خالفَ الدارقطنيُّ هنا صَنيعَهُ مع حديثِ المسيبِ بنِ عبدِ خَيرٍ، حيثُ رَجَّحَ هناك قولَ مَن قالَ:((يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ))، على قولِ مَن قالَ:((يَمْسَحُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ))، مستدلًّا أيضًا برواية خالد بن علقمة ومن تابعه عن عبدِ خَيرٍ، عن عليٍّ، ((أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا)) (العلل 2/ 30).
ولا شَكَّ أن روايتي المسيب وأبي إسحاقَ عن عبدِ خَيرٍ في المسحِ-
(1)
قد سبق أن حفصًا اختُلف عليه في متنِ حديثِه.
(2)
قد سبق أن روايةَ يونسَ مقيدةٌ بالمسحِ على النعلينِ.
(3)
في المطبوع: "عن"، وهو خطأ؛ بدلالة ما ذكره قبل في الكلام عن الإسناد (العلل 4/ 44).
روايتان لحديثٍ واحدٍ، وذلك ظاهر من سياقتيهما.
فإن قلنا: إن حديثَهما مختصرٌ من حديثِ خالدِ بنِ علقمةَ ومَن تَابَعَهُ عن عبدِ خَيرٍ في صفةِ الوُضُوءِ -وفيه غسل القدمين-، فترجح رواية أبي الأحوص ومَن تابعه على الغسلِ هنا كما رجحت رواية الغسل في حديث المسيب!
وإن قلنا: إن حديثَهما حديث آخر غير حديث خالد بن علقمة ومَن تَابَعَهُ عن عبدِ خَيرٍ في صفةِ الوضوء، فلا دخلَ لحديثِ خالدٍ في الترجيحِ بين الرواياتِ المختلفةِ في حديثِهما، وإنما نعين الوجه الثابت من جهة سند هذا الحديث.
ثم إن تعارَضَ هذا الوجه مع حديثِ خالدٍ، نُعمل الترجيح بين الحديثين حينئذٍ.
وقد نظرنا في الرواياتِ المختلفةِ من جهةِ السندِ، فَتَبَيَّنَ أنَّ الثابتَ منها هو رواية غسل القدمين، وهي موافقةٌ لحديثِ خالدٍ والحمد لله، ويبدو أن عُذْرَ الدارقطنيِّ أنه عند ذكر الخلافِ على أبي إسحاقَ في لفظِ الحديثِ، لم يتعرضْ لروايةِ الغسلِ في حديثِهِ أصلًا.
هذا ولم يفطنِ ابنُ الجوزيِّ لاتِّحَادِ مخرج هذه الروايات المختلفة، فقال: "لا شَكَّ أن حديثَ عليٍّ عليه السلام انقلبَ على الراوي، فأرادَ أن يقولَ بالمسحِ فقال بالغَسلِ، فإن عبدَ خَيرٍ روى عن عليٍّ عليه السلام أنه كان يقول:((لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ كَانَ بَاطِنُ الْخُفَّيْن أَوْلى بالمسْحِ، وَلَكِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا)) (إعلام العالم/ صـ 93).
وقال أبو بكرٍ الحميديُّ -ورواه بلفظ: ((يَمْسَحُ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ)) -: "إن كان على الخُفَّينِ فهو سُنَّةٌ، وإن كان على غيرِ الخُفَّينِ فهو منسوخٌ" (المسند عقب
رقم 47).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "مِن أهلِ العلمِ مَن يحملُ هذا على المسحِ على ظُهُورِ الخُفَّينِ ويقول: معنى ذكر القدمين هاهنا أن يكونا مغيبين في الخُفَّينِ، فهذا هو المسحُ الذي ثبتَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِعْلُهُ، وأما المسحُ على القَدَمَيْنِ فلا يصحُّ عنه بوجهٍ منَ الوُجُوهِ.
ومَن قالَ: إن هذا الحديثَ على ظاهرِهِ. جعله منسوخًا بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» .
والذي تأولتُه في حديثِ عليٍّ هذا أنه أرادَ بذكرِ القدمينِ إذا كانا في الخُفَّينِ قد جاءَ منصوصًا من طريقٍ جيد" (التمهيد 11/ 149)، ثم ساقَهُ من طريقِ أبي داودَ عن أبي كُريبٍ به.
وتعرَّض الألبانيُّ لرواياتِ هذا الحديثِ في (صحيح أبي داود 1/ 288 - 294) وصحَّحَها كلها، مع أنه لما تعرَّضَ لإحداها -وهي رواية المسح على النعلين- قال:"في إسنادِهِ عند الدارميِّ: أبو إسحاقَ، وهو السبيعيُّ، وهو مدلسٌ مع اختلاطِهِ، وقد رواه عن عبدِ خَيرٍ معنعنًا، وخالفه خالدُ بنُ علقمةَ الهمدانيُّ -وهو ثقةٌ- فرواه عن عبدِ خَيرٍ بلفظ: ((غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلَاثًا وَرِجْلَهُ الشِّمَالَ ثَلَاثًا)) "(تحقيق المسح على الجوربين والنعلين، صـ 50).
قلنا: فكان يجبُ أن يكونَ هذا هو نفسَ مصير سائر الروايات الأخرى عن أبي إسحاقَ، إلا رواية الغسل فإنها موافقةٌ لروايةِ خالدٍ كما بَيَّنَّا.
[تنبيه]:
روى البيهقيُّ في (المعرفة 2081) حديث أبي السوداء عن عبد خير بلفظ: ((تَوَضَّأَ عَلِيٌّ فَغَسَلَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، وقال: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَمْسَحُ
ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، لَظَنَنْتُ أَنَّ بَاطِنَهُمَا أَحَقُّ))، ثم قال:"وهكذا رواه إسحاقُ الحنظليُّ عنِ ابنِ عيينةَ"! (المعرفة 2082).
وعلَّقه ابنُ حَزمٍ في (المحلى 1/ 301) عن إسحاقَ بلفظ: ((كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ القَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالمَسْحِ، حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا))!
قلنا: وحديث إسحاق عند النسائي بلفظ: ((تَوَضَّأَ عَليٌّ فَغَسَلَ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ، وقال: لَوْلا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْسِلُ ظُهُورَ قَدَمَيْهِ، لَظَنَنْتُ أَنَّ بُطُونَهُمَا أَحَقُّ)). هكذا بالغسلِ في الموضعينِ، وهو المحفوظُ كما سبقَ.
* * *
1828 -
حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ
◼ عَنْ رِفَاعَةَ بنِ رَافِعٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لأَحَدٍ حَتَّى يُسْبِغَ الوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ [فَـ]ـيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ، وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ، وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ)).
[الحكم]:
في صحته نظر. وقد حَسَّنَهُ البزارُ. وَصَحَّحَهُ الحاكمُ، وابنُ عبدِ البرِّ، وابنُ حَجرٍ، والعينيُّ، والألبانيُّ. وجَوَّدَ إسنادَهُ المنذريُّ.
[فائدة]:
قال العظيم آبادي: "وقوله (رِجْلَيْهِ) في حالة النصب معطوف على (وَجْهَهُ) أي: يغسل رجليه"(عون المعبود 3/ 71).
كذا قال، وقد استشهدَ به بعضُهم، كأحدِ الأحاديثِ الواردةِ في مسحِ القَدَمَينِ في الوُضُوءِ، والخلاف فيه كالخلاف في آية الوضوء تمامًا؛ فمَن نَصَبَ قوله:(وَرِجْلَيْهِ) عطفها على غسل الوجه واليدين. ومن جرَّها عطفها على مسحِ الرَّأْسِ.
[التخريج]:
[د 850 (والزيادةُ لَهُ ولغيرِهِ) / ن 1147/ كن 811/ جه 463 (واللفظُ لَهُ) / مي 1352/ بز 3727/ جا 197/ ك 881/ تخ (3/ 320) / طح (1/ 35/ 161) / طحق 35/ طب (5/ 37/ 4525) / قط 319/ طوسي 10/ صمند (صـ 726 - 727) / هق 199، 3914/ متفق 566/ غو (2/ 582 - 583) / تحقيق 498/ حلب (8/ 3669)
(1)
/
(1)
وقد رواه من طريق الدارمي إلا أنه سقط من سنده راويان في النسخة المطبوعة.
خبر (2/ 161)].
[السند]:
أخرجه أبو داود (850) قال: حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدثنا هشامُ بنُ عبدِ الملكِ والحجاجُ بنُ مِنْهال.
وأخرجه ابنُ ماجه (463) قال: حدثنا محمدُ بنُ يحيى، حدثنا حجاجٌ.
وأخرجه النسائيُّ في (الصغرى 1147) و (الكبرى 811) قال: أخبرنا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن يزيد أبو يحيى بن المقرئ -وهو بصريٌّ-، قال: حدثنا أبي.
ثلاثتهم (هشامٌ الطيالسيُّ، والحجاجُ بنُ المنهالِ، والمقرئ): عن همامِ بنِ يحيى، عن إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي طلحةَ، عن عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّاد، عن أبيه، عن عمِّه رفاعةَ بنِ رافعٍ، به.
ومدارُه عندَ الجميعِ على همامِ بنِ يحيى، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، ظاهره الصحة إلا أن همامَ بنَ يحيى قد تفرَّدَ بذكرِ صفةِ الوضوءِ في هذا الحديثِ، دونَ كلِّ مَن رَوى الحديثَ من الرواةِ، سواء عن شيخِهِ إسحاقَ بنِ عبدِ اللهِ بن أبي طلحةَ أو عن شيخِ شيخِهِ عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّاد.
فقد رواه عن إسحاقَ أيضًا: حماد بن سلمة مقتصرًا على قوله: «إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الوُضُوءَ -يَعْنِي مَوَاضِعَهُ-، ثُمَّ يُكَبِّرُ
…
»، فلم يذكر صفة الوضوء
(1)
.
(1)
إلا أن حماد بن سلمة جعله (عن علي بن يحيى عن عمه) ولم يذكر (عن أبيه)، وتابعه محمد بن عمرو وشريك بن أبي نمر على هذا الوجه، إلا أن الصواب في الحديث بإثبات (أبيه)؛ كما رواه الجماعة عن علي بن يحيى، ورجحه عدد من الأئمة.
وسيأتي بيانُ ذلك مفصلًا عند الكلامِ على الحديثِ برواياتِهِ كلها، في موسوعة الصلاة -إن شاء الله-.
وكذا رواه عنه جَمٌّ غفيرٌ بدونها؛ كمحمدِ بنِ عجلانَ، ومحمدِ بنِ عمرٍو، ومحمدِ بنِ إسحاقَ، وداودِ بنِ قَيسٍ، ويحيى بنِ عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّاد
…
وغيرهم. رووه - جميعًا - عن عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّاد، به بقصة المسيء صلاته، وذكرَ بعضُهم فيه فقرةَ الوضُوءِ مجملة دون تفصيل.
ففي روايةِ محمدِ بنِ عجلانَ وداودِ بنِ قَيسٍ: ((فَتَوَضَّأْ فَأَحْسِنِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ فَكَبِّرْ
…
)).
وفي روايةِ يحيى بنِ عليٍّ: ((فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ، ثُمَّ تَشَهَّدْ
…
)).
فنَخْشَى أن يكونَ همام أدرجها في الحديثِ كزيادةٍ تفسيريةٍ منه لقوله: «فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ» لأنه أتى بسياقِ الآيةِ كما هي.
وفضلًا عن تفرُّدِ همامٍ بذكرِ صفةِ الوُضُوءِ، فقد اختُلِفَ على عليِّ بنِ يحيى اختلافًا كبيرًا في متنِ هذا الحديثِ في صفةِ الصلاةِ وغيرِهِا، مما يجعلُ النفسَ لا تطمئنُ لتصحيحِ الحديثِ.
وقد قال الإمامُ البيهقيُّ: "وهؤلاءُ الرواةِ يزيدُ بعضُهم على بعضٍ في حديثِ رِفاعةَ، وليس في هذا البابِ أصح من حديثِ أبي هريرةَ، فالاعتمادُ عليه"(معرفة السنن والآثار 3/ 324).
وقد صَحَّحَ الحديثَ من طريقِ همامِ بنِ يحيى بزيادةِ صفةِ الوضوءِ فيه- جماعةٌ من أهلِ العلمِ:
فقال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا رواه عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلا رفاعة بن رافع وأبو هريرة، وحديث رفاعة أتم من حديث أبي هريرة، وإسناده حسن"(المسند 9/ 179).
وقال الحاكمُ عقبه: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ بعدَ أن أقامَ همامُ بنُ يحيى إسنادَهُ فإنه حافظٌ ثقةٌ، وكلُّ مَن أفسدَ قولَهُ فالقولُ قولُ همامٍ، ولم يخرجاه بهذا السياقةِ". (المستدرك 2/ 65/ رقم 801).
وقال المنذريُّ: "رواه ابنُ ماجه بإسنادٍ جيدٍ"(الترغيب والترهيب 1/ 105).
ونقلَ في موضعٍ آخر عن ابنِ عبدِ البرِّ قال: "هذا حديثٌ ثابتٌ
(1)
" (الترغيب والترهيب 1/ 201).
وقال ابنُ حَجرٍ: "هذا حديثٌ صحيحٌ"(موافقة الخبر الخبر 2/ 162).
وقال العينيُّ: "إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ"(نخب الأفكار 1/ 309).
وَصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح أبي داود 804).
وقد صَحَّحَ أصلَ الحديثِ جماعةٌ آخرون، ولكن ليس في روايتِهِم صفةُ الوُضُوءِ، وهو محلُّ الشاهدِ هنا، ولذا لم نذكرْهُم.
(1)
ولم نقف على كلامِ ابنِ عبدِ البرِّ هذا، وقد ذكرَ الحديثَ في (التمهيد 9/ 182) من روايةِ ابنِ عجلانَ مستشهدًا به على وجوبِ تكبيرةِ الإحرامِ دون غيرها من التكبيرِ، وقال:"هذا أثبتُ شيءٍ في ذلك عندي". ولم يذكر رواية همام هذه التي فيها صفة الوضوء. فالله أعلم.
وسيأتي الكلامُ على هذا الحديثِ -مُفصَّلًا- برواياتِهِ كاملة مع تتمةِ أقوالِ أهلِ العلمِ في موسوعةِ الصلاةِ -إن شاء الله-.
[تنبيهان]:
التنبيه الأول:
وقعَ في بعضِ نُسخِ أبي داودَ روايةَ الحديثِ عن عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّادٍ عن عمِّه: أن رجلًا
…
وذكره كذلك المنذري في (مختصر السنن 1/ 406) وقال: "المحفوظُ في هذا: علي بن يحيى بن خَلَّاد، عن أبيه، عن عمِّه رفاعة بن رافع".
قال العينيُّ: "وإنما قال ذلك كذلك لأن
(1)
رفاعةَ هذا ليسَ بعمِّ عليِّ بنِ يحيى وإنما هو عمُّ أبيه؛ لأن خلادًا ورفاعةَ أخوان ابنا رافع، ويحيى هو ابنُ خَلَّادٍ فيكون رفاعة عم يحيى، وعلي هو ابن يحيى، فيكون رفاعة عم أبيه. فافهم" (نخب الأفكار 4/ 234).
التنبيه الثاني:
ذكر الرافعيُّ في (الشرح الكبير) فقال: "رُوي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لَا يَقْبَلُ اللهُ صَلَاةَ امْرِئٍ حَتَّى يَضَعَ الطُّهُورَ مَوَاضِعَهُ، فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ يَغْسِلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ))، وهذا ونحوه ظاهر في اعتبار الترتيب"(العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير 1/ 117).
قلنا: كذا ذكره بلفظ (ثم) بين كل موضع، وفيه أيضًا:(ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ). ولم نقفْ عليه بهذا اللفظِ في شيءٍ من المصادرِ.
(1)
في المطبوع: لأنه.
ولذا قال النوويُّ: "واحتجوا -يعني أصحابَهُ منَ الشافعيةِ- بحديثٍ فيه ذِكرُ الترتيبِ صريحًا بحرف (ثم)، لكنه ضعيفٌ غيرُ معروفٍ"(المجموع شرح المهذب 1/ 446).
وقال ابنُ الملقنِ: "هذا الحديثُ غريبٌ بهذا اللفظِ لا أعلمُ مَن خرَّجه كذلك. وقال النوويُّ في (شرح المهذب): إنه ضعيفٌ غيرُ معروفٍ. قلتُ: لكن روى أبو داود، والترمذيُّ، والنسائيُّ عن رفاعةَ بنِ رافعٍ،
…
" فذكره باللفظِ المشهورِ، ثم قال: "وأوردَ هذا الحديثَ أبو محمدٍ بنُ حزمٍ في كتابه (المحلى)
(1)
بلفظِ: ((ثُمَّ يَغْسِل وَجْهَهُ))، ولا يُعرفُ ذلك. والمعروف:«فيغسل» بالفاءِ، كما ذكرناه. وهو أحدُ المواضعِ التي انتقدها عليه ابنُ مفوزٍ الحافظُ" (البدر المنير 1/ 683 - 684).
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "لم أجدْهُ بهذا اللفظِ، وقد سبقَ الرافعيَّ إلى ذكره هكذا ابنُ السمعاني في (الاصطلام). وقال النوويُّ: إنه ضعيفٌ غيرُ معروفٍ.
وقال الدارميُّ في (جمع الجوامع): ليس بمعروفٍ ولا يصحُّ. نعم، لأصحابِ السننِ من حديثِ رفاعةَ بنِ رافعٍ، في قصةِ المسيءِ صلاته فيه:((إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللهُ))، وفي روايةٍ لأبي داودَ والدارقطنيِّ:((لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الوُضُوءَ كَمَا أَمَرَ اللهُ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهُ إِلَى المِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ، وَرِجْلَيْهِ إِلَى الكَعْبَيْنِ))، وعلى هذا فالسياق بـ (ثُمَّ) لا أصلَ له" (التلخيص الحبير 1/ 97).
وقد ذكرَ الجصاصُ عن بعضِهم أنه حكاه بلفظ (ثُمَّ) بين كلِّ الأعضاءِ، ثُمَّ قال: "هذا إنما هو حديثُ عليِّ بنِ يحيى بنِ خَلَّادٍ عن أبيه عن عمِّه رفاعةَ بنِ
(1)
المحلى (2/ 56).
رَافعٍ، وقد رُوي من طرقٍ كثيرةٍ وليس في شيءٍ منها ما ذُكِرَ منَ الترتيبِ وعطفِ الأعضاءِ بعضها على بعضٍ بـ (ثُمَّ) وإنما أكثر ما فيه يغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين، وقال في بعضها:((حَتَّى يَضَعَ الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ)) وذلك يقتضي جواز ترك الترتيب. وأما عطفه بـ (ثُمَّ) فما رواه أحدٌ ولا ذكره بإسنادٍ ضعيفٍ ولا قويٍّ" (أحكام القرآن 3/ 374).
* * *
1829 -
حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ
◼ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: ((اجْتَمِعُوا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ:((هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ )) قَالُوا: لَا، إِلَّا ابنُ أُخْتٍ لَنَا. قَالَ:((ابْنُ أُخْتِ القَوْمِ مِنْهُمْ)). ((فَدَعَا بِجَفْنَةٍ فِيهَا مَاءٌ، فَتَوَضَّأَ [وَهُمْ شُهُودٌ] [فَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا] وَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ [ثَلَاثًا]، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ [وَأُذُنَيْهِ]، وَ [مَسَحَ] ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ صَلَّى بِهِمُ [الظُّهْرَ]، فَكَبَّرَ بِهِمْ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً، يُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ، وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ [الأُولَيَيْنِ] بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ وَأَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ معلولٌ. وأعلَّه ابنُ رَجبٍ. وضَعَّفَهُ الألبانيُّ.
[فائدة]:
لم يَردْ في المتنِ تصريحٌ برفعِ صفةِ الوضوءِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فهي موقوفةٌ على أبي مالكٍ رضي الله عنه، لكنه لما قال لقومه:((اجْتَمِعُوا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم)، ثم أَراهم الوضوء والصلاة معًا، احتمل ذلك أنه يعني صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووضوءه أيضًا. ولأجل هذا الاحتمال خرجناه هنا.
[التخريج]:
[حم 22898 (واللفظُ لَهُ) / طب (3/ 280/ 3412) (ومنَ الزيادةِ الثانيةِ إلى السادسةِ لَهُ)، (3/ 280/ 3413) (والزيادةُ الأُولى والسادسةُ لَهُ ولغيرِهِ) (3/ 281/ 3414) / أكابر 13].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ مدارُه على شهرِ بنِ حوشبٍ، وقد رواه عنه جماعةٌ من
أصحابِهِ واقتصروا على ذكر صفة الصلاة، منهم عبد الحميد بن بهرام
(1)
، وداود بن أبي هند
(2)
وبديل بن ميسرة
(3)
، فلم يذكر أحدٌ منهم صفة الوضوء في متن الحديث، وإنما انفردَ بذلك قتادةُ عن شهرٍ.
وقد اختُلِفَ على قتادةَ في متنِهِ أيضًا:
فرواه أحمدُ (22898) عن محمدِ بنِ جعفرٍ.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 3413) والباغنديُّ في (الأول مما رواه الأكابر عن الأصاغر 13) من طريقِ يزيدَ بنِ زُريعٍ.
كلاهما عن سعيدِ بنِ أبي عروبةَ، عن قتادةَ، عن شهرِ بنِ حوشبٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غنمٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريِّ به، وذكر في الحديثِ أنه:((مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَظَهْرِ قَدَمَيْهِ))، وأنه أسمع من يليه قراءته.
وسعيدٌ وإن كان قدِ اختلطَ، فروايةُ ابن زريع عنه قبل الاختلاطِ، وقد توبع عليه سعيد:
فرواه الطبرانيُّ في (الكبير 3414) من طريقِ القاسمِ بنِ عيسى الطائيِّ، حدثنا طلحةُ بنُ عبدِ الرحمنِ، عن قتادةَ، عن شهرِ بنِ حوشبٍ، به مثله.
ورواه الطبرانيُّ في (الكبير 3412) قال: حدثنا عليُّ بنُ عبدِ العزيزِ، ثنا عفانُ بنُ مسلمٍ، ثنا أبانُ بنُ يزيدَ، ثنا قتادةُ، ثنا شهرُ بنُ حَوشبٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنمٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريِّ به، وفيه:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَمَسَحَ قَدَمَيْهِ))، ولم يذكرِ الجهرَ بالقراءةِ.
(1)
حديثه عند أحمد (22896)، وغيره.
(2)
حديثه عند أحمد (22913)، وغيره.
(3)
حديثه عند أحمد (22918)، وأبي داود (673)، وغيرهما.
وذِكْرُ مسحِ القدمِ في حديثِ عفانَ وهمٌ من الطبرانيِّ أو شيخِهِ.
فقد رواه أحمدُ (22893)، وابنُ سعدٍ في (الطبقات 5/ 275 - 276) عن عفانَ، حدثنا أبانُ العطارُ، حدثنا قتادةُ، عن شهرِ بنِ حَوشبٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غنمٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريِّ به، وقال فيه:((وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ)).
فهذا هو المحفوظُ عن عفانَ، وعليه فأبان مخالفٌ لسعيدٍ في هذه اللفظةِ، حيثُ ذكرَ سعيدٌ أنه مَسَحَ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، بينما ذكرَ أبان أنه غَسَلَ قَدَمَيْهِ.
وقد توبع أبان على ذلك:
فرواه عبدُ الرزاقِ في (المصنف 2519) -ومن طريقه أحمدُ (22901)، والطبرانيُّ في (الكبير 3411) -، عن معمرٍ، عن قتادةَ، عن شهرِ بنِ حوشبٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غنمٍ، أن أبا مالكٍ الأشعريَّ قال لقومِهِ
…
فذكرَ مثلَ حديثِ سعيدٍ إلا أنه قال: ((وَغَسَلَ قَدَمَيْهِ)) وقال أيضًا: ((وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، وَيُسْمِعُ مَنْ يَلِيهِ)).
قال ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: "وقد رواه عبدُ الحميدِ بنُ بهرامٍ عن شهرِ بنِ حَوشبٍ، وذكرَ في حديثِهِ أنَّه أسرَّ القراءةَ. خرَّجه الإمامُ أحمدُ من طريقِهِ. وهو أصحُّ، وعبدُ الحميدِ أحفظُ لحديثِ شهرِ بنِ حوشبٍ بخصوصه من غيرِهِ"(فتح الباري لابن رجب 7/ 83).
قلنا: وهو كما قال، فقد قال يحيى القطانُ:"مَن أرادَ حديث شَهْرٍ، فعليه بعبدِ الحميدِ بنِ بهرام"، وقال أحمدُ:"حديثُهُ عن شَهْرٍ مقاربٌ، كان يحفظها كأنه يقرأُ سورةً منَ القرآنِ"، وقال أبو حاتم:"هو في شَهْرٍ مثل الليث في سعيدٍ المقبريِّ"(التهذيب 16/ 411، 412).
وهذا بخصوصِ مسألةِ الجهرِ بالقراءةِ، فأما مسألةُ المسحِ على القدمِ فالخلاف فيها قائم بين ابن أبي عروبة -ومعه طلحةُ بنُ عبدِ الرحمنِ- من جهةٍ، وبين أبان العطار ومعمرٍ من جهةٍ أُخرَى. ولا شَكَّ أن ابنَ أبي عروبةَ أثبتُ الناسِ في قتادةَ، بخلافِ معمرٍ، فإن روايتَهُ عن قتادةَ ليستْ بالقويةِ، وهو القائلُ:"جلستُ إلى قتادةَ وأنا صغيرٌ، فلم أحفظْ أسانيدَهُ"(تاريخ ابن أبي خيثمة/ السِّفر الثالث 1203)، ولذا قال الدارقطنيُّ:"معمرٌ سيئُ الحفظِ لحديثِ قتادةَ"(العلل 6/ 220).
والخلافُ هنا ليسَ في الإسنادِ، وإنما في المتنِ، وقد قال معمرٌ:"جلستُ إلى قتادةَ وأنا ابنُ أربع عشرة سنة، فما سمعتُ منه حديثًا إلا كأنه منقش في صدري"(التهذيب 28/ 306).
فإذا كانتْ هذه حاله مع متونِ قتادةَ، وتابعه على قولِهِ مثل أبان بن يزيد العطار، وهو ثبتٌ في كلِّ المشايخِ كما قال أحمدُ، فإن روايتَهما تُعِلُّ روايةَ ابنِ أبي عروبةَ، لاسيما والمحفوظُ من فعلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يوافقُ قولهما، ومتابعة طلحة بن عبدِ الرحمنِ الواسطي لسعيد- ليستْ بشيءٍ، فإنه معدودٌ في الضعفاءِ، له مناكيرُ، ويَروي عن قتادةَ ما لا يتابع عليه (الكامل 6/ 336)، (الميزان 2/ 340).
وعلى فرضِ رُجحان رواية سعيد بن أبي عروبة بالمسحِ، فهي لا تصحُّ أيضًا؛ لأن قتادةَ مدلسٌ مشهورٌ كما في (طبقات المدلسين/ صـ 43)، وقد عنعنه.
فإن قيل: قد رواه ابنُ عبد البر في (التمهيد 9/ 176) من طريقِ أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا شعبة عن قتادة به مقتصرًا على صفة الصلاة فقط، فقد أَمِنا تدليسَ قتادةَ بروايةِ شعبةَ هذه، فكيف تعله
بعنعنة قتادة؟ !
فالجواب: إن هذا سندٌ به تحريفٌ في موضعين، إذ هو من روايةِ محمدِ بنِ بشرٍ عن سعيدٍ، وهكذا نقله مغلطايُ في (الإعلام 1/ 380) من مسندِ ابنِ أبي شيبةَ، فهذا هو الصوابُ، وإن كانتْ طبعةُ (الإعلام) أكثر تحريفًا وأخطاء من طبعة (التمهيد).
وإنما جَزَمْنَا بصحةِ ما في (الإعلام)، وخطأ ما في (التمهيد) لأن ابنَ أبي شيبةَ لا يَروي عن محمدِ بنِ كثيرٍ، وإنما يَروي عن محمدِ بنِ بشرٍ كما تَرَاهُ في ترجمة المحمدين وكُتُب ابن أبي شيبة
(1)
، ومَن اشتبه عليه "بشر"، بـ"كثير" فلا غرابةَ أن يحرِّفَ كلمةَ "سعيد" إلى "شعبة"، والحديثُ معروفٌ من روايةِ سعيدٍ لا من روايةِ شعبةَ، وشعبةُ ينفر من أحاديث شهر، فقد تركه، ولم يُحَدِّثْ عنه، مع أنه لقيه، وروى عنه بالواسطة أحاديث قليلة جدًّا، فلو كان الحديث عنده لاشتهر.
وقد اختُلِفَ على شهرٍ في إسنادِهِ أيضًا، فرواه عنه أبو المنهالِ الرياحيُّ -كما عند أبي يعلى (6842) -، وليثُ بنُ أبي سُليمٍ كما عند أحمدَ (22911)
(2)
-، فأسقطا من سندِهِ ابن غنم! ورُوي هكذا عن داودَ بنِ أبي هندٍ أيضًا. انظر
(1)
هناك موضع واحد في (المصنف 25036) من روايته عن محمد بن كثير عن محمد بن عمرو، وهذا خطأ لا شَكَّ فيه، فإن محمدَ بنَ كثيرٍ وُلِدَ (133 هـ)، وماتَ محمدُ بنُ عمرٍو (145 هـ)، أي: وعمر محمد بن كثير اثنتا عشرة سنة! !
(2)
قرن فيه ليث بشيبان! وكذا في (الأطراف 8811) و (الإتحاف 17828)! وشيبان إنما يرويه عن ليث كما في (مسند الحارث 151)، وهو في (إتحاف الخيرة 1225)، وقد جاء عندهما بذكر ابن غنم في الإسناد! والمحفوظ عن ليث إسقاطه كما عند ابن ماجه (417) والطبراني (3436، 3437) والبيهقي (3/ 97).
(علل الدارقطني 3/ 244، 245).
هذا فضلًا عن الخلافِ في شهرِ بنِ حوشبٍ، وقد ذكرناه في غير هذا الموضع، ورجَّحنا أنه حسنُ الحديثِ، وهذا ما لم يأتِ بمنكرٍ.
وقد أعلَّ الألبانيُّ الحديثَ به، حيث قال عن روايةِ بُدَيْلٍ المختصرةِ عند أبي داودَ وغيرِهِ:"إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لأن شهرَ بنَ حوشبٍ ضعيفٌ؛ لسوءِ حفظه وكثرةِ أوهامِهِ"(ضعيف أبي داود 1/ 234).
وقال أيضًا متعقبًا المنذريَّ -حيثُ حَسَّنَ بعض روايات الحديث-: "ولا نَرى تحسينه صوابًا؛ لأن مدارَ الإسنادِ على شهرِ بنِ حوشبٍ، وهو ضعيفٌ لسُوءِ حفظه واضطرابه في رواياته
…
لذلك أوردتُ قطعةَ الصف منه -وهي عند أبي داود- في (ضعيف سنن أبي داود) " (تمام المنة، صـ 166، 167).
[تنبيه]:
قَرَنَ الباغنديُّ في (الأول مما رواه الأكابر عن الأصاغر 12، 13) بين طريقِ بُدَيْلِ بنِ ميسرةَ عن شهرِ بنِ حوشبٍ، وبين طريقِ سعيدٍ عن قتادةَ عن شهرٍ، وساقَ المتنَ بلفظِ روايةِ سعيدٍ، فأوهم أن بُدَيْلَ بنَ ميسرةَ قد تابعَ قتادةَ على لفظِ المسحِ الذي رواه عنه سعيدٌ! وليس كذلك، فحديثُ بُدَيْلٍ عند أحمدَ (22918)، وأبي داودَ (673)، والطحاويِّ (1/ 269/ 1610)، والطبرانيِّ في (الكبير 3416)، و (الأوسط 4233)، والبيهقيِّ في (الكبرى 5231)، وليس فيه عندَ واحدٍ منهم ذكر صفة الوضوء كما ذكرناه أولًا.
1830 -
حَدِيثُ ابْنِ أَبِي قُرَادٍ
◼ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي قُرَادٍ، قَالَ: ((خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاجًّا.
قَالَ: [فَنَزَلَ مَنْزِلًا] 1 فَرَأَيْتُهُ خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ، فَاتَّبَعْتُهُ بِالإِدَاوَةِ -أَوِ: القَدَحِ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أَبْعَدَ، فَجَلَسْتُ لَهُ بِالطَّرِيقِ حَتَّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الوَضُوءَ. قَالَ: فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَيَّ فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا، [ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي المَاءِ (فِي الإِنَاءِ) [فَكَنَفَهَا] 3 وَضَرَبَ بِالمَاءِ وَجْهَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً
(1)
] 2 ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ، فَكَفَّهَا
(2)
، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ قَبَضَ المَاءَ قَبْضًا بِيَدِهِ، فَضَرَبَ بِهِ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى قَدَمِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ؛ لاضطرابِ راويه فيه.
[الفوائد]:
قال السنديُّ: قوله: ((فَمَسَحَ بِيَدِهِ))، أي: أمرَّ الماءَ بيدِهِ ليعم القدم كله، والظاهر أنه غسل، إذ المسح لا يحتاج إلى قبض الماء" اهـ.
قلنا: وهذا ظاهر من قوله: ((قَبَضَ المَاءَ قَبْضًا بِيَدِهِ، فَضَرَبَ بِهِ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ))، فهو مثل قوله:((وَضَرَبَ بِالمَاءِ وَجْهَهُ)).
(1)
لا يستقيم السياق دون هذه الزيادة، فسقوطها من المسند إن لم يكن من النساخ فهو خطأ في الرواية.
(2)
كذا في المطبوع، وفي بعض النسخ:"بكفها"، وسبق من عند الخطابي بلفظ:"فكنفها"، ولعله أصح.
وعليه فلا حُجَّةَ في هذا الحديثِ على الاقتصارِ على المسحِ، وإنما خرَّجناه هنا لبيان بطلان استدلال من استدلَّ به على ذلك.
[اللغة]:
قال الخطابيُّ: "قوله: ((كَنَفَهَا)) معناه: جمع كَفَّهُ ليصيرَ كَنَفًا للماءِ، والكَنَفُ: الوعاءُ، -ومنه قوله عليه السلام في عبدِ اللهِ: ((كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا)) -، المعنى أنه أسبغَ الوضوءَ، وأخذَ الماءَ له غرفًا بملءِ كَفِّهِ"(غريب الحديث 1/ 263).
وقال السنديُّ: قوله: "فَكفَّهَا" لعلَّ المرادَ: ضم الأصابع حتى لا يسقط الماء.
[التخريج]:
[حم 15661 (والزيادةُ الأُولى لَهُ)، 18075 (واللفظُ لَهُ) / تخث (السفر الثاني 2547) (والزيادةُ الثانيةُ لَهُ) / غخطا (1/ 263) (معلقًا مختصرًا جدًّا، والروايةُ والزيادةُ الثالثةُ لَهُ)].
[السند]:
رواه أحمدُ في (المسند 15661، 18075) قال: حدثنا عفانُ، حدثنا يحيى بنُ سعيدٍ، قال: حدثني أبو جعفرٍ عميرُ بنُ يزيدَ، حدثني الحارثُ بنُ فُضَيْلٍ، وعمارةُ بنُ خُزيمةَ بنِ ثابتٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي قُرَادٍ، به.
وابنُ أبي خَيثمةَ في (التاريخ الكبير/ السِّفر الثاني 2547) قال: حدثنا عفانُ بنُ مسلم، به.
وعلَّقه الخطابيُّ في (غريب الحديث 1/ 263) عن محمدِ بنِ يحيى الذُّهْليِّ عن عليِّ بنِ المدينيِّ، نا يحيى بنُ سعيدٍ، نا أبو جعفرٍ الخطميُّ، نا عمارةُ بنُ خُزيمةَ عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي قُرَادٍ مقتصرًا على قوله:((أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ في الإنَاءِ فَكَنَفَهَا فَضَرَبَ بِالمَاءِ وَجْهَهُ)).
والظاهرُ أنَّ هذه الروايةَ هي التي أشارَ إليها ابنُ حَجرٍ بقوله: "وذكرَ ابنُ منده أنَّ عليَّ بنَ المدينيِّ أخرجَ له مِن هذا الوجه حديثًا آخر، قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ فأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ
…
الحديث" (الإصابة 4/ 353/ 5189).
[التحقيق]:
إسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ، وكذا قال الهيثميُّ في (المجمع 1/ 230)، ولذا صَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الإرواء 1/ 67) و (الصحيحة 3/ 149).
قلنا: ولكن قد اختُلِفَ فيه على أبي جعفرٍ الخطميِّ على عدَّةِ أوجهٍ:
الأول: رواية عفانُ عن يحيى بنِ سعيدٍ عن أبي جعفرٍ، حدثني الحارثُ بنُ فُضَيْلٍ، وعمارةُ بنُ خزيمةَ بنِ ثابتٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي قُرَادٍ، به، هكذا طَوَّله عفانُ.
وقد خالفه جماعةٌ منَ الحفاظِ؛
فرواه أحمدُ في (المسند 17971).
وابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف 1135).
وبندارٌ -عندَ ابنِ ماجه (336) -.
والفلاسُ -عندَ النسائيِّ في (الصغرى 16) و (الكبرى 17) -.
وابنُ معينٍ ومحمدُ بنُ يحيى بنِ سعيدٍ -عند عبدِ اللهِ في (زياداته على المسند 17971) -،
ستتهم عن يحيى بنِ سعيدٍ بسندِهِ، ولكن مع اختصارِ مَتْنِهِ، حيث وقفوا بالمتنِ إلى قولِهِ:((وَكَانَ إِذَا أَرَادَ حَاجَةً أَبْعَدَ))، وهو مخرج في: (باب
الإبعاد عند قضاء الحاجة)، فتَفَرُّدُ عفان بهذه السياقة من بين هؤلاء الأئمة غريبٌ، ولكن متابعة ابن المديني التي علَّقها الخطابيُّ تدلُّ على أنَّ الحديثَ عندَ القطانِ مطولٌ، وفيه صفة الوضوء. وكذلك رواية خليفة بن خياط عند ابنِ أبي عاصمٍ، حيث رواه -عقب سياقة ابن أبي شيبة المختصرة - في (الآحاد والمثاني 2723) عن خليفةَ بنِ خَياطٍ، نا يحيى بنُ سعيدٍ، به قال:"بطوله"، ولم يَسُقْ مَتْنَهُ.
الوجه الثاني:
رواه أبو مسلمٍ الكَجِّيُّ في (سننه) -كما في (شرح ابن ماجه 1/ 480)، و (عمدة القاري 2/ 240) -: عن حجاجِ بنِ المنهالِ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن أبي جعفرٍ الخطميِّ، [عن عمارة بن خزيمة بن ثابت]
(1)
، عن رجلٍ من (قيسٍ)
(2)
به، بنحو رواية عفان عن يحيى.
ورواه البغويُّ في (الصحابة 2691) -عقب رواية الجماعة عن يحيى، المقتصرة على فقرة الإبعاد عند قضاء الحاجة-: عن عَمِّهِ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ، عن حجاجِ بنِ المنهالِ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، به
(3)
. وقال: "نحوه".
ورواه أبو مسلمٍ الكَجِّيِّ -أيضًا- في (سننه) -كما في (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 50) -: عن أبي عمرَ الضريرِ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن أبي جعفرٍ
(1)
هذه الزيادة ساقطة من (شرح ابن ماجه)، وهي ثابتةٌ في (عمدة القاري).
(2)
تصحف في المطبوع من (شرح ابن ماجه) إلى: "قريش"، وذُكر في (عمدة القاري) ثلاث مرات، في الأولى والثالثة:"قيس" على الصواب، وتصحف في الثانية:"قريش"!
(3)
إلا أن موضع (عمارة بن خزيمة) طُمس بأصل كتاب "معجم الصحابة"، كما ذكر محققه.
الخطميِّ، عن عمارةَ بنِ خزيمةَ بنِ ثابتٍ، عن رجلٍ من قَيسٍ، مقتصرًا على قوله:((صَبَبْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأْ)).
الوجه الثالث:
رواه أحمدُ (23118)، والنسائيُّ (142) وغيرهما، من طريقِ شعبةَ، عن أبي جعفرٍ قال: سَمِعْتُ عُمَارَةَ بنَ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ، حدثني القَيْسِيُّ، ((أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَبَالَ، فأَتَى بمَاءٍ فَهَالَ عَلَى يَدِهِ مِنَ الإِنَاءِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً، وَعَلَى وَجْهِهِ مَرَّةً، وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا)).
فهذه مخالفةٌ في الإسنادِ والمتنِ معًا!
إذن، فهناك اختلافٌ بينَ حمادِ بنِ سلمةَ، وشعبةَ، ويحيى بنِ سعيدٍ القطانِ- على أبي جعفرٍ!
فحمادٌ جَعَلَهُ من روايةِ عمارةَ بنِ خُزيمةَ عن رجلٍ من قيسٍ. وفيه مسح القدم.
ويحيى جَعَلَهُ من روايةِ عمارةَ والحارثِ بنِ فُضيلٍ عن ابنِ أبي قُرَادٍ -وهو أنصاري! -. وفيه مسح القدم أيضًا.
وشعبةُ جَعَلَهُ من روايةِ عُمَارَةَ بنَ عُثْمَانَ بنِ حُنَيْفٍ! عن القيسيِّ -غير مسمى-. وفيه غسل القدم!
(1)
.
(1)
وهناك اختلاف رابع، فقد رواه عدي بن الفضل، عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة، عن ابن الفاكه، قال:((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً))، ولكن عَدي هذا متروكٌ.
وقد ذكرَ البخاريُّ هذه الوجوه دون رواية حماد في (التاريخ الكبير 5/ 244)، ولم يرجح.
فقدِ اتَّفَقَ حمادٌ ويحيى على شيخِ أبي جعفرٍ، فسمَّيَاه عمارة بن خزيمة، وهو ثقةٌ. وخالفهما شعبةُ فسمَّاه عمارة بن عثمان بن حنيف. وهو لا يُعرفُ كما في (الميزان 3/ 177).
واختُلِفَ في تعيينِ صحابيِّ الحديثِ، فقال حمادٌ: إنه (رجلٌ من قيسٍ)، وهو بمعنى قول شعبة فيه:(القيسي)، فيكونان قد اتَّفَقَا على الصحابيِّ، وخالفهما يحيى، حيث سمَّاه (عبد الرحمن بن أبي قراد)، وهو أنصاريٌّ سُلَميٌّ، ولم يقلْ أحدٌ: إنه قيسيٌّ.
وقد ذكرَ ابنُ أبي حاتمٍ في (العلل 147) أن أبا زرعةَ سُئِلَ عن الخلافِ بين يحيى وشعبةَ، فقال:"الصحيح: حديث يحيى بن سعيد القطان".
قلنا: وشعبةُ ليسَ بأقل من يحيى القطانِ، ومع ذلك فترجيحُ رواية القطانِ له وجهٌ لو كان الاختلاف مقصورًا على شعبةَ والقطانِ في تسميةِ شيخِ أبي جعفرٍ الخطميِّ،
فيكون توهيم شعبة -مع جلالته- أمرًا مقبولًا حينئذٍ؛ حيث يمكنُ أن يقالَ: إنَّ شعبةَ كان يخطئُ في الأسماءِ كما هو معلومٌ
(1)
.
ولكن هذا اختلافٌ بين ثلاثةٍ من الأئمةِ الثقاتِ -وإن كان ثمةَ تفاوتٌ في قوةِ الضبطِ- فترجيحُ روايةِ القطانِ يقتضي توهيم شعبة وحماد أيضًا! وكذا ترجيحُ روايةِ حمادٍ أو شعبةَ يقتضي توهيم إمامين ثقتين أيضًا، وكل منهما
(1)
وإن كان الأمر هنا مختلفًا؛ لأن شعبة لم يخطئ في اسم عمارة بن خزيمة -كما أخطأ في اسم خالد بن علقمة، وسمَّاه مالك بن عرفطة-، وإنما جعل مكانه عمارة بن عثمان بن حنيف، وهذا رجل آخر، فأما ابن خزيمة فشعبة يعرفه جيدًا، وقد روى عن أبي جعفر عنه كما تراه في بقية التحقيق.
بمفرده أوثق من أبي جعفرٍ الخطميِّ، فكيفَ يُنسبُ الخطأُ لإمامٍ كبيرٍ كشعبةَ، ولا يُحملُ فيه على أبي جعفرٍ.
فالحكمُ باضطرَابِهِ فيه أَوْلى من تخطئة إمامين ثقتين معًا، لاسيما وأبو جعفرٍ يختلفُ عليه الثقاتُ كثيرًا، ولعلَّ هذا هو سببُ إعراضِ الشيخين عن التخريجِ له. وإليك بعض الأمثلة التي تؤيد ما قلناه:
1 -
فقد روى شعبةُ عن أبي جعفرٍ الخطميِّ، قال: سمعتُ عمارةَ بنَ عثمانَ بنِ حنيفٍ يُحَدِّثُ عن خُزَيمةَ بنِ ثابتٍ: ((أَنَّهُ رَأَى فِي المَنَامِ أَنَّهُ يُقَبِّلُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَنَاوَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلَ جَبْهَتَهُ)).
بينما رواه حمادُ بنُ سلمةَ عن أبي جعفرٍ، عن عمارةَ بنِ خزيمةَ بنِ ثابتٍ، أن أباه قال:((رَأَيْتُ فِي المَنَامِ كَأَنِّي أَسْجُدُ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الحديث، وفيه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ يَسْجُدُ على جَبْهَتِهِ! )).
أخرجه أحمدُ من الوجهينِ في (المسند 21863، 21864)، وأعلَّه محققوه بالاضطرابِ.
ويلاحظُ أنَّ هذا اختلافٌ في المتنِ! وفي السندِ! وعلى نفسِ الرجلِ الذي اختلفا عليه في حديثِ الوضوءِ! ولو رجَّحت روايةَ شعبةَ هنا لكونِهِ أحفظ وأثبت من حمادٍ، فيكون في هذا إبطالٌ للعلةِ التي يمكنُ التَّمَسُّكُ بِهَا في تخطئةِ شعبةَ في حديثِ القيسيِّ!
2 -
في حديثِ الرجلِ الضريرِ الذي سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعَافيه، فَعَلَّمَهُ أَنْ يَقُولَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ
…
)) الحديث، نجد أنه: قد رواه شعبةُ وحمادُ بنُ سلمةَ، عن أبي جعفرٍ، عن عمارةَ بنِ خُزيمةَ بنِ ثابتٍ، عن عثمانَ بنِ حنيفٍ به.
بينما رواه هشامٌ الدستوائيُّ، ورَوْحُ بنُ القاسمِ عن أبي جعفرٍ، عن أبي أمامةَ بنِ سهلٍ، عن عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، نحوه مطولًا.
وفي مَتْنِهِ اختلافٌ أيضًا! وقد رجَّحَ أبو زرعةَ روايةَ شعبةَ، بينما رَجَّحَ ابنُ المدينيِّ وابنُ أبي حاتمٍ روايةَ رَوْحٍ، (العلل لابن أبي حاتم 2064)، و (الدعاء للطبراني 1050 - 1052).
ورَأْي أبي زرعةَ يقتضي توهيم هشام وروح، والأولُ ثقةٌ ثبتٌ! والثاني ثقةٌ حافظٌ! ورَأْي ابنِ المدينيِّ يقتضي توهيم شعبة وحماد بن سلمة، والأولُ ثقةٌ حافظٌ متقنٌ! والثاني إمامٌ ثقةٌ أيضًا وأَوْلى من ذلك أن يكون هذا الاختلافُ من قِبلِ أبي جعفرٍ الخطميِّ، وأنه اضطربَ فيه! وليس هو بالحافظِ الواسعِ الروايةِ حتى يحمَّلَ ذلك منه على أنه عنده من الوجهينِ، أو أن له فيه شيخين، كما قال ابنُ كَثيرٍ في (البداية 6/ 161)، وابنُ حجرٍ في (النتائج 5/ 153)، لاسيما وقد انفردَ به الخطميُّ، فلو كان الحديثُ عند الرجلين فعلًا لرواه غيرُهُ، إذ كيف يُتصورُ وجود حديث كهذا الحديثِ عند ثقتين مشهورين، أحدهما من رجالِ الصحيحين، ثم ينفردُ به عنهما رجلٌ واحدٌ، وليس هو منَ الحفاظِ؟ !
وكذلك الضعفاءُ يختلفونَ على أبي جعفرٍ الخطميىِّ (عمير بن يزيد)، فانظر (الأوسط للطبراني 6517)، و (الآحاد والمثاني 1397)، و (المعرفة لأبي نعيم 4640، 6963) وقارِنه بما في (المعرفة أيضًا 4639)، و (شعب الإيمان للبيهقي 1440)، تجد اختلافًا عليه في السند، وبعض المتن أيضًا!
فإذا كان الأمرُ هكذا، فليسَ من الصوابِ أن نوهم أحدًا منَ الأئمةِ الثقاتِ الذين اختلفوا على أبي جعفرٍ فيما ذكرناه من أحاديثَ، لاسيما إن كان إمامًا كبيرًا مثل شعبة. فأبو جعفرٍ أَوْلى بأن يتحمل سبب ذلك الاختلاف والله
أعلم.
وبناءً على ذلك فحديثُنَا ضعيفٌ لاضطرابِ سندِهِ، ولاحتمالِ أن يكونَ الصوابُ ما ذكره شعبةُ، فراويه حينئذٍ غير معروف كما سبقَ، والله أعلم.
هذا وقد قالَ أبو موسى المدينيُّ -عقب حديث القيسي-: "هذا حديثٌ حسنٌ، مختَلفٌ في إسنادِهِ"! (أسد الغابة 4/ 430).
وذكرَ مغلطايُ أن البزارَ أخرجَ حديثَ ابنِ أبي قُرَادٍ المختصر عن الفَلَّاسِ عن يحيى، ثم أشارَ إلى الاختلافِ على الخطميِّ في متنِ الحديثِ، حيث قال:"وقد زادَ فيه غير يحيى كلامًا"(الإعلام 1/ 204).
* * *
1831 -
حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ
◼ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ قَالَ: ((تَبِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ
…
)) [الحَدِيثَ، وَ]
(1)
قَالَ فِيهِ: ((ثُمَّ مَسَحَ عَلَى قَدَمِهِ اليُمْنَى، ثُمَّ قَبَضَ أُخْرَى فَمَسَحَ بِقَدَمِهِ اليُسْرَى)).
[الحكم]:
ضعيفٌ لاضطرابِ راويه فيه، كما بَيَّنَّاهُ في الحديثِ السابقِ.
[الفوائد]:
قال العينيُّ: "المسحُ فيه محمولٌ على الغَسلِ الخفيفِ"(عمدة القاري 2/ 240).
قلنا: ويُؤيدُهُ ذكر قبض الماء في متنه، كما بَيَّنَّاهُ في الحديثِ السابقِ.
[التخريج]:
[كجي (مغلطاي 1/ 480)، (قاري 2/ 240)].
[السند]:
رواه أبو مسلمٍ الكَجِّيُّ في (سننه) -كما في (الإعلام لمغلطاي 1/ 480)، و (عمدة القاري للعيني 2/ 240) -: عن حجاجِ بنِ المنهالِ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن أبي جعفرٍ الخطميِّ عميرِ بنِ يزيدَ، [عن عمارةَ بنِ خُزيمةَ بنِ ثابتٍ]
(2)
، عن رجلٍ من (قيسٍ)
(3)
، به.
(1)
زيادة منا للتوضيح، فإنهما لم يذكرا تمام الحديث.
(2)
هذه الزيادة ساقطة من (شرح ابن ماجه)، وهي ثابتة في (عمدة القاري).
(3)
تصحف في المطبوع من (شرح ابن ماجه) إلى: "قريش"، وذُكر في (عمدة القاري) ثلاث مرات، في الأولى والثالثة:"قيس" على الصواب، وتصحف في الثانية:"قريش"!
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ظاهرُهُ الصحةَ، فرجالُهُ ثقاتٌ؛ ولذا صَحَّحَهُ مغلطايُ في (شرح ابن ماجه 1/ 480)، ولكن فاتَهُ أنه معلولٌ بالاضطرابِ، فقدِ اختُلِفَ فيه على أبي جعفرٍ الخطميِّ على عدةِ أوجهٍ، والحملُ فيها عليه كما بَيَّنَّاهُ في الكلامِ على حديثِ ابنِ أبي قراد آنفًا.
1832 -
حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ عَلِيٍّ
◼ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ:((رَأَيْتُ عَلِيًّا تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَاسْتَنْشَقَ، وَاسْتَنْثَرَ -يَعْنِي: امْتَخَطَ- ثُمَّ غَسَلَ سَاعِدَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ مَسَحَ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ تالفٌ. وقال الجورقانيُّ: "هذا حديثٌ منكرٌ"، وقال ابنُ الجوزيِّ:"لا يصحُّ".
[التخريج]:
[طيل 322 (واللفظُ لَهُ) / علج 574 (معلقًا)].
[السند]:
رواه الجورقانيُّ في (الأباطيل 322) قال: أخبرنا بندارُ بنُ موسى بنِ بندارٍ الفارسيُّ، أخبرنا الحسنُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عليٍّ الشيرازيُّ بها، أخبرنا محمدُ بنُ الحسنِ بنِ يوسفَ، قراءةً عليه سنةَ خمس وثمانين وثلاث مائة، قال: حدثنا أبو بكر محمدُ بنُ عليِّ بنِ الجارودِ قال: حدثنا أبو بشرٍ إسماعيلُ بنُ عبدِ اللهِ قال: حدثنا سعدُ بنُ يحيى، قال: حدثنا عبدُ الرحمنِ بنُ مالكِ بنِ مِغْولٍ عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، به.
وعلَّقه ابنُ الجوزيِّ في (العلل 574) عن عبدِ الرحمنِ بنِ مالكٍ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ساقطٌ، فيه: عبدُ الرحمنِ بنُ مالكِ بنِ مِغْوَلٍ، كذابٌ، كذَّبه ابنُ مَعينٍ كما في (سؤالات ابن الجنيد 724 = 680)، و (معرفة الرجال/
رواية ابن محرز 96)، وكذَّبه ابنُ عمَّارٍ كما في (تاريخ الضعفاء لابن شاهين 389)، وكذَّبه أبو داودَ، وقال مرَّة:"يضعُ الحديثِ"، وقال أحمدُ والدارقطنيُّ:"متروكٌ"، وقال النسائيُّ وغيرُهُ:"ليسَ بثقةٍ"(الميزان 2/ 584)، وذكره الذهبيُّ في (الديوان 2478)، وقال:"يأتي بالطاماتِ".
وبه أعلَّه الجورقانيُّ، فقال:"هذا حديثٌ منكرٌ، مدارُهُ على عبدِ الرحمنِ بنِ مالكِ بنِ مِغْوَلٍ"، ثُمَّ نَقَلَ عن أحمدَ أنه قال فيه:"ليسَ بشيءٍ، (خرقنا) حديثَه منذُ دَهْرٍ"، وعنِ ابنِ مَعينٍ، قوله:"قد رأيتُه، وليس هو بثقةٍ"، وعن أبي حاتم قوله:"ضعيفٌ، كأنَّ حديثَهُ موضوعٌ".
وبه أعلَّهُ ابنُ الجوزيِّ أيضًا في (العلل 1/ 349)، وذكر أنه لا يصحُّ.
وذكره الذهبيُّ في (الميزان 2/ 585) ضمنَ مناكيرِ عبدِ الرحمنِ.
قلنا: وشيخُهُ يزيدُ بنُ أبي زيادٍ القرشيُّ الهاشميُّ، قال فيه ابنُ حَجرٍ:"ضعيفٌ، كبر فتغيَّرَ وصارَ يتلقن، وكان شيعيًّا"(التقريب 7717).
وسعدُ بنُ يحيى -شيخُ الحافظِ سمويه أبو بشرٍ- لم نجدْهُ، ويحتملُ أنه محرَّفٌ من (سعيد بن الحكم).
1833 -
حَدِيثُ تَمِيمٍ المَازِنِيِّ
◼ عَنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ المَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ بِالمَاءِ عَلَى رِجْلَيْهِ)).
[الحكم]:
رجالُهُ ثقاتٌ، ولكن مَتْنُهُ غريبٌ مشكلٌ، فإن أمكنَ تأويل متنه بالدلك أو الغسل ونحو ذلك، وإلا فهو شاذٌّ؛ لمخالفته عامة الأحاديث الصحيحة.
وقد استغربه ابنُ منده. وَضَعَّفَهُ ابنُ عبدِ البرِّ -وأقرَّهُ الشوكانيُّ-، وعبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ.
بينما صَحَّحَهُ ابنُ خُزيمةَ، وهو ظاهرُ كلامِ ابنِ دَقيقِ العيدِ، ومغلطاي، وابنِ حَجرٍ، حيثُ وَثَّقُوا رُوَاته متعقبين ابن عبد البر في تضعيفه.
[الفوائد]:
قد ذَهَبَ ابنُ خزيمةَ إلى أن ذلك كان منَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو طاهرٌ لا محدثٌ.
بينما ذهبَ الطحاويُّ وابنُ شاهينَ إلى أن أحاديثَ المسحِ منسوخةٌ.
وذهبَ الألبانيُّ إلى تأويلِهِ بالمسحِ على نَعْليه ورجليه.
قلنا: ويحتملُ أنه أرادَ بالمسحِ على الرجلِ بالماءِ دَلْكها به. أو يقال: المسحُ منَ الألفاظِ المشتركةِ، يرادُ به ظاهره، ويرادُ به الغسل، وهو المرادُ هنا. وبهذا فسَّره السنديُّ في (حاشيته على المسند).
وعلى هذا فلا يتعارضُ هذا الحديثُ مع الأحاديثِ الصحيحةِ الواردةِ في غَسلِ القَدَمَينِ، وتشديد العقوبة على من ترك ذلك.
[التخريج]:
[خز 213/ حم 16454 (واللفظُ لَهُ) / طس 9332/ طب (2/ 60/
1286) / مش (خيرة 555/ 1، 555/ 2) / عدني (خيرة 555) / مث 2192/ قا (1/ 115) / صحا 1298/ علج 575].
[السند]:
قال أحمد: حدثنا عبدُ اللهِ بنُ يزيدَ أبو عبدِ الرحمنِ المقرئُ قال: حدثنا سعيدٌ -يعني ابنَ أبي أيوبَ- قال: حدثني أبو الأسودِ عن عبادِ بنِ تميمٍ المازنيِّ عن أبيه به.
ومدارُه عندهم على أبي عبدِ الرحمنِ المقرئ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، غير صحابيِّ الحديث تميم المازني رضي الله عنه، قال ابنُ حِبَّانَ:"له صحبةٌ، وحديثُهُ عند ولده"(الثقات 3/ 41).
وجزم بصحبته أيضًا: أبو نعيم في (المعرفة 1/ 452)، وابنُ البرقي -نقله عنه ابن ناصر وأقرَّه في (التوضيح 8/ 11) -، والمزيُّ في (التهذيب 14/ 108)، والسبكيُّ في (طبقات الشافعية 10/ 109)، والذهبيُّ في (التجريد 557)، ونقلَهُ عنه أبو تُرابٍ السنديُّ وأقرَّه في (مختصر المغاني 71)، وصفيُّ الدينِ الخزرجيُّ في (الخلاصة صـ 55)، والعينيُّ في (المغاني 1167)، والسيوطيُّ في (الإسعاف، صـ 329).
وهو ظاهر صنيع ابن خزيمة حيث خرَّجه في صحيحه.
وخالفَ في ذلك ابنُ عبدِ البرِّ؛ فقال: "ولا أعرفُ لتميمٍ هذا غير هذا الحديث، وفي صحبته نظر"(الاستيعاب 1/ 195).
قلنا: بِغَضِّ النظرِ عن اتِّفاقِ مَن سبقَ إلى القول بصحبته، فتميمٌ هذا أُمُّه هي الصحابيةُ الجليلةُ أُمُّ عمارة نُسيبةُ بنتُ كعبٍ، وأبوه هو غزية بن عمرو
الذي شهدت معه أم عمارة العقبة وأُحدًا، وابنه عباد وُلِدَ في حياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما نصَّ عليه غيرُ واحدٍ منَ الأئمةِ؛ ولذا قال ابنُ حَجرٍ: قيل: "إن له رؤية".
فرجلٌ أبواه صحابيان، ووُلدِ في حياةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أو على الأقلِ يروي عن جماعةٍ منَ الصحابةِ منهم جدته وعمه، فماذا عساه أن يكون؟ !
نعم، في سندِهِ غرابةٌ، وهي رواية عباد عن أبيه، إذ هو معروف بالرواية عن عمِّه.
ولذا قال ابنُ منده عقبه: "هذا حديثٌ غريبٌ بهذا الإسنادِ، لا يُعرفُ إلا من هذا الوجه".
وقال البغويُّ أيضًا: "لا أعلمُ روى عبادُ بنُ تميمٍ عن أبيه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم غير هذا، وإنما يُحدِّثُ عبادُ بنُ تميمٍ عن عمِّه عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(معجم الصحابة 1/ 416).
ويؤيدُ ما قاله أبو القاسمِ عدم وجود أحاديث لتميمٍ في الكتبِ الستةِ، إلا ما وقعَ خطأ في بعضِ النُّسخِ المتأخرةِ من (سنن ابن ماجه) في حديثِ عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ: سمعتُ عبَّادَ بنَ تميمٍ يُحَدِّثُ عن أبيه، عن عمِّه:((أنَّه شَهِدَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إلى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ)).
قال المزيُّ: "هكذا ذكره أبو القاسمِ في (الأطراف)، وهو وهمٌ قبيحٌ، وتخليطٌ فاحشٌ، ووقعَ في عدةِ نُسَخٍ عن عبدِ اللهِ بنِ أبي بكرٍ قال: سمعتُ عبادَ بنَ تميمٍ يحدثُ عن أبيه عن عمِّه، وهو الصوابُ"(تهذيب الكمال 4/ 330).
إلَّا أنَّ ابنَ حَجرٍ تَعَقَّبَ البغويَّ بقولِهِ: "وفيه نظر، فقد أخرجَ لَهُ ابنُ منده حديثين آخرين: أحدهما في الشَّكِّ في الحَدثِ"(الإصابة 2/ 14 - 15)
قلنا: الحديثُ الأولُ الذي عَنَاهُ حديث الشَّكِّ في الصلاةِ. أخرجه ابنُ منده من طريقِ ابنِ لهيعةَ (معرفة الصحابة 1/ 323)، ولا شَكَّ أن هذا وهمٌ من ابنِ لهيعةَ كما أقرَّ بذلك الحافظُ نفسُه في (الإصابة 2/ 15).
الحديثُ الثاني أخرجه ابنُ منده في (معرفة الصحابة، صـ 323) من طريقِ ابنِ شهابٍ، عن عبادِ بنِ تميمٍ، عن أبيه وعمِّه:((أنَّهما رَأَيَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا على ظَهْرِهِ، رَافِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى)).
وهذا الخبرُ معروفٌ من روايةِ عبادٍ عن عمِّه أيضًا، قاله الحافظُ، ثم أتبعه بقوله:"لكن لا مانعَ أن يرويه عبادٌ عنهما معًا، وقد أخرجه الباوَرْديُّ من طريقِ أبي بكرٍ الهذليِّ عنِ الزهريِّ، فقال: عن عبادٍ، عن أبيه، أو عمِّه -على الشَّكِّ- والله أعلم"(الإصابة 2/ 15).
قلنا: والهذليُّ هذا متروكٌ، فلا عبرةَ بروايته، والمعتمدُ روايته عن عمِّه.
فبقيتْ غرابةُ السندِ، بالإضافةِ إلى مخالفةِ ظاهرِ المتنِ لما هو محفوظٌ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ بلغتْ مبلغَ التواترِ، من أنَّه كانَ يغسلُ قَدَمَيهِ في الوضوءِ، وعليه إجماعُ المسلمينَ.
ولذا فقد رَدَّهُ عبدُ الحَقِّ الإشبيليُّ بقوله: "وقد وَرَدَ من الطرقِ الصحاحِ عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ وغيرِهِ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ"(الأحكام الوسطى 1/ 176).
ثُمَّ ذَكَرَ رَدَّ ابنِ عبدِ البرِّ حديث عبادٍ عن أبيه بقوله: "هو حديثٌ ضعيفُ الإسنادِ لا تقومُ به حجةٌ"(الاستيعاب 1/ 195).
وأقرَّهُ عبدُ الحَقِّ، والشوكانيُّ في (النيل 1/ 213).
بينما تعقبه جماعةٌ، منهم ابنُ دَقيقٍ؛ حيثُ قَالَ:"وفيما قال نظر، فعليك بتتبعِ رواته من لدن المقرئ إلى تميمٍ، فإنه ليس منهم إلا مَن وُثِّقَ"(الإمام 1/ 594).
وكذا قال مغلطايُ عقب كلام ابنِ عبدِ البرِّ (شرح ابن ماجه 1/ 480).
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "رجالُهُ ثقاتٌ، وأغربَ أبو عمرَ فقال: إنه ضعيفٌ"(الإصابة 2/ 14).
وقال في موضعٍ آخرَ: "وزعمَ ابنُ عبدِ البرِّ أنه لا يقومُ به حجةٌ، وهو طعنٌ مردودٌ؛ فقد رواه أحمدُ في (مسنده)
…
ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ" (إتحاف المهرة 6/ 644).
قلنا: نعم، سوى صحابيه تميم فليس من رجال الصحيح، ولكن هذا بمفرده لا يضر.
وقد ردَّهُ عبدُ الحَقِّ بعلةٍ أُخرَى، فقال:"وأبو الأسودِ هذا لا أدري مَن هو"(الأحكام الوسطى 1/ 176).
وبمثله قال مغلطايُ في (شرح ابن ماجه 1/ 479)! مع أنه نقلَ بعده بصفحة كلامَ عبدِ الحَقِّ، وأتبعه بقولِ ابنِ الحَصَّارِ:"هو يتيمُ عروةَ"(شرح ابن ماجه 1/ 480)! !
وبهذا تعقب العراقي عبد الحق في (الذيل صـ 213).
ولذا قال ابنُ حَجرٍ -عقبَ كلامِ عبدِ الحَقِّ-: "وتُعقبَ بأن رجالَهُ رجالُ الصحيحِ، وأبو الأسودِ ثقةٌ معروفٌ وهو يتيمُ عروةَ، واسمه: محمدُ بنُ
عبدِ الرحمنِ" (اللسان 8746).
والحديثُ قال فيه الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ في (الأوسط)، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني"(المجمع 1192).
قلنا: هو متابع، ومثل قوله قول الألباني: "أخرجه ابنُ خزيمةَ
…
ورجالُهُ ثقاتٌ غير شيخ ابن خزيمة أبي زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري، فإني لم أجدْ له ترجمةً كما قلتُ في تعليقي عليه. وأقولُ الآن: لعلَّ الطبرانيَّ رواه من غير طريقه، ولا أَطولُ الآنَ (معجمه) حتى أُرَاجعَ إسنادَهُ فيه. وتأويل الحديث كالذي قبله: أي: مسح على نعليه ورجليه" (تحقيق كتاب المسح على الجوربين والنعلين صـ 48).
قلنا: قد رواه أحمدُ عن المقرئ، فلا حاجةَ إلى معرفةِ حالِ أبي زُهيرٍ.
فأما تأويله للحديثِ، فهذا أحدُ التأويلاتِ الواردةِ فيه كما سبقَ.
[تنبيهان]:
الأول:
جاء في (أطراف المسند 3/ 19): "عن عباد بن تميم عن أبيه أو عمه"، قال محققو (المسند، ط/ الرسالة): وهذا خطأ فلم يذكر "أو عمه" في النسخ الخطية، ولا ذكره الحافظ في (إتحاف المهرة 6/ 644) ولا ذكره كذلك مَن أخرجَ الحديثَ من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ" (مسند أحمد 26/ 380).
الثاني:
عزا مغلطايُ وغيرُهُ روايةَ هذا الحديثِ لـ (مسند ابن أبي شيبة) على أنه من
حديثِ عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ عمِّ عبَّادٍ، وذكرَ مغلطايُ عن الجورقانيِّ أنه قال فيه:"هذا حديثٌ منكرٌ"(شرح ابن ماجه 1/ 479).
والجورقانيُّ إنما قال ذلك في الحديثِ الذي رواه ابنُ لهيعةَ عن أبي الأسودِ عن عبَّادٍ عن عمِّه، وهو عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ فعلًا، ولكنِ ابنُ أبي شيبةَ إنما رواه من حديثِ المقرئ عن سعيدٍ عن أبي الأسودِ عن عبادِ بنِ تميمٍ عن أبيه به كما في (الإتحاف) وغيره، وكذا نقله ابن دقيق وغيره عن (مسند ابن أبي شيبة)، وكذا رواه البغويُّ وغيرُهُ عن ابنِ أبي شيبةَ.
* * *
رِوَايَةُ زَادَ: وَلِحْيَتِهِ
• وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةٌ، قَالَ: ((
…
وَمَسَحَ بِالمَاءِ عَلَى لِحْيَتِهِ، وَرِجْلَيْهِ)).
[الحكم]:
شاذٌّ بذكرِ اللحيةِ.
[التخريج]:
[طب (2/ 60/ 1286) / صحا 1298، 1299].
[السند]:
أخرجه الطبراني -وعنه أبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ في (الصحابة 1298) - قال: حدثنا هَارُونُ بْنُ مَلُولٍ المصريُّ، ثنا أبو عبدِ الرحمنِ المقرئُ، ثنا سعيدُ بنُ أبي أيوبَ، حدثني أبو الأسودِ عن عبادِ بنِ تميمٍ عن أبيه، به.
ثم أخرجه أبو نُعيمٍ (1299) من طريقِ محمدِ بنِ محمدٍ قال: ثنا الحضرميُّ، ثنا أبو بكرٍ، ثنا المقرئُ، إلا أنه قال بنحوه ولم يذكرْ مَتْنَهُ.
[التحقيق]:
إسنادُهُ صحيحٌ؛ وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه تحت تحقيق الرواية الأولى.
وشيخُ الطبرانيِّ هارونُ بنُ مَلُولٍ المصريُّ؛ قال فيه ابنُ يُونسَ: "كان من عقلاءِ الناسِ، ثقةٌ في الحديثِ، مصريًّا، وكان آخرَ مَن حَدَّثَ عن المقرئ بمصرَ"(إتحاف الخيرة 6/ 390).
وقال الألبانيُّ: "هارونُ هذا لم أجدْ من وَثَّقَهُ منَ المتقدمين؛ مثل الدارقطني وأمثاله، وإنما وَثَّقَهُ ابنُ الجوزيِّ فقال: كان من عقلاءِ الناسِ، ثِقَةٌ في الحديثِ. كما نقله الأنصاريُّ في (بلغة القاصي والداني صـ 336) "، (الضعيفة 14/ 630).
قلنا: ولكن قد خالفه غيرُهُ من الحفاظِ كأحمدَ بنِ حنبلٍ، وأبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ، وبكرِ بنِ خلفٍ البصريِّ، فلم يذكروا فيه اللحيةَ، فروايتُه شاذَّةٌ. والله أعلم.
بل هو عند الطبرانيِّ في (المعجم الأوسط 9332) بنفسِ إسنادِ (الكبير) دون ذكر اللحية! ! فنخشى أن يكون ذِكرُها في (الكبير) مقحمًا من قِبل النُّساخِ، والطبعة مليئة بالتحريفات! ولكن يبعد ذلك لأن أبا نُعيمٍ رواه عن الطبرانيِّ بإثباتها. والله أعلم.
1834 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ
◼ عَنِ أَبِي الأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ عَنْ عَبَّادِ بنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللهِ بنِ زَيْدٍ، ((أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى القَدَمَيْنِ»، وَأَنَّ عُرْوَةَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ [حَتَّى اسْوَدَّ ظَاهِرُ قَدَمَيْهِ].
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وضَعَّفهُ الجورقانيُّ وقال:"منكرٌ"، وَضَعَّفه ابنُ الجوزيِّ، وأقرَّه الذهبيُّ.
[التخريج]:
[طح (1/ 35/ 162) (واللفظُ لَهُ) / ناسخ 123 (والزيادةُ لَهُ ولغيرِهِ) / طيل 323/ علج 575/ جوزي (ناسخ 30)].
[السند]:
رواه الطحاويُّ في (المعاني)، قال: حدثنا رَوْحُ بنُ الفرجِ، قال: ثنا عمرُو بنُ خالدٍ، قال: ثنا ابنُ لهيعةَ، عن أبي الأسودِ، عن عبادِ بنِ تميمٍ، عن عمِّه، به.
ورواه ابنُ شاهينَ -ومن طريقه الجورقانيُّ وابنُ الجوزيِّ- من طريقِ عبدِ الغفارِ بنِ داودَ، قال: حدثنا ابنُ لهيعةَ، عن أبي الأسودِ
(1)
، به.
[التحقيق]:
إسنادُهُ ضعيفٌ؛ لأجلِ ابنِ لهيعةَ.
وبه أعلَّه الجورقانيُّ فقال: "هذا حديثٌ منكرٌ، وابنُ لهيعةَ ضعيفُ الحديثِ"(الأباطيل 1/ 514).
(1)
وقع في مطبوعة الأباطيل" "الأسود" وهو خطأ.
وقال ابنُ الجوزيِّ: "فإن ابنَ لهيعةَ ليسَ بشيءٍ"(العلل 1/ 349).
وأقرَّه الذهبيُّ في (التلخيص 306).
قلنا: وقد خالفه سعيدُ بنُ أبي أيوبَ، فرواه عن أبي الأسودِ عن عبادٍ عن أبيه به، كما سبقَ.
[تنبيه]:
ذكر العينيُّ ضمنَ أحاديث المسح: "حديث جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أخرجه الطبرانيُّ في (الأوسط)، و"حديث عمرَ رضي الله عنه، أخرجه ابنُ شاهينَ في (الناسخ والمنسوخ)"، ثم قال: "وأما حديث جابر وعمر ففي إسنادهما عبد الله بن لهيعة" (العمدة 2/ 240).
قلنا: هذا إنما أخذه العينيُّ من (الإعلام لمغلطاي 1/ 480)، فأما حديثُ جابرٍ فهو في (الأوسط 357) بلفظ:((وَتَنَاوَلَ المَاءَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَرَشَّ عَلَى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا))! وهكذا ساقَهُ مغلطايُ! فهو إذن صريحٌ في الغَسلِ؛ ولذا خرَّجناه في غير هذا الباب.
وأما حديثُ عمرَ فنَصُّ عبارةِ مغلطاي: "وحديثُ عمرَ: "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ على القَدَمَينِ"، ذكره ابنُ شاهينَ من حديثِ ابنِ لهيعةَ عن أبي الأسودِ عن عبادِ بنِ تميمٍ عنه".
قلنا: هو في (الناسخ والمنسوخ لابن شاهين 123) من هذا الطريقِ، ولكن عن عبادِ بنِ تميمٍ عن عمِّه، إذن فقد تحرفتْ لفظة:"عمِّه" على مغلطاي إلى: "عمرَ"! !
1835 -
حَدِيثُ أَوْسِ بنِ أَبِي أَوْسٍ
◼ عَنْ أَوْسِ بنِ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ -يَعْنِي المِيضَأَةَ-، فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ [بِالطَّائِفِ] 1، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ (رِجْلَيْهِ)))، [قَالَ هُشَيْمٌ: كَانَ هَذَا فِي أولِ الإِسْلَامِ] 2. وَلَمْ يَذْكُرِ النَّعْلَيْنِ.
• وَفِي رِوَايَةٍ 3 قَالَ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ)). وَلَمْ يَذْكُرِ القَدَمَيْنِ.
• وَفِي رِوَايَةٍ 4 اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: ((رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ، فَتَوَضَّأَ [مِنْهَا])).
[الحكم]:
ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ البيهقيُّ، وابنُ عبدِ البرِّ، والحازميُّ، وابنُ القطانِ، والعظيم آبادي. وأَعلَّ الإمامُ أحمدُ ذكرَ القَدَمَيْنِ. وَتَبِعَهُ ابنُ الجوزيِّ. وقال الجورقانيُّ:"منكرٌ".
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [د 159 (واللفظُ لَهُ) / سط (صـ 54) / هق 1374].
تخريج السياق الثاني: [طهور 388 (واللفظُ لَهُ) / هروي (1/ 339) / ص (كبير 19/ 329)
(1)
(والزيادتان له) / طب (1/ 221/ 603) / ناسخ
(1)
ولكن تصحف في مطبوع (جمع الجوامع) إلى: "ض"، وهذا رمز الضياء، وهو خطأ، فقد ذكره السيوطيُّ بسنده فقال: "ص: ثنا هشيم، حدثنا يعلى بن عطاء
…
الحديث"، وسقط الرمزُ كلية من مطبوعة (كنز العمال 27042)، وقد رواه غيرُ واحدٍ عن سعيدِ بنِ منصورٍ عن هُشيمٍ.
124 (والروايةُ لَهُ ولغيرِهِ) / طيل 324/ عتب (صـ 61) / مغلطاي (2/ 286)].
تخريج السياق الثالث: [حم 16156 (مقتصرًا على أولِهِ والزيادةُ لَهُ)، 16158 (واللفظُ لَهُ) / طي 1209/ عدني (كبير 19/ 329) / طب (1/ 222/ 607، 608) / طبر (8/ 208) / مكخ (إمام 1/ 591) / اعتلال (مغلطاي 2/ 285) / صحا 991/ هق 1375/ عتب (صـ 61) / تحقيق 151].
تخريج السياق الرابع: [حم 16156 (واللفظُ لَهُ) / غحر (3/ 1212) (والزيادةُ لَهُ) / لي (رواية ابن يحيى البيع 332) / كما (20/ 134)].
[السند]:
أخرجه أبو داود -ومن طريقه البيهقيُّ في (السنن 1374) - قال: حدثنا مسددٌ وعبادُ بنُ موسى قالا: حدثنا هشيمٌ، عن يعلى بنِ عطاءٍ، عن أبيه، قال: أخبرني أوسُ بنُ أبي أوسٍ الثقفيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
…
فذكره بلفظِ السياقِ الأولِ.
ورواه أحمدُ (16158) وغيرُ واحدٍ: عن يحيى القطانِ، عن شعبةَ، عن يعلى بنِ عطاءٍ، به. ولم يذكروا المسحَ على القَدَمَينِ مطلقًا.
ومدارُ إسنادِهِ عندهم على يعلى بنِ عطاءٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأُولى: جهالةُ حالِ عطاءٍ والد يعلى.
فقد ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ 6/ 463)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 6/ 339)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) على عادتِهِ في توثيقِ المجاهيلِ، وبِناءً عليه صَحَّحَ حديثَهُ هذا، حيثُ أخرجه في (صحيحه) كما سيأتي.
ولكنِ ابنُ حِبَّانَ متساهلٌ في هذا البابِ، وعطاءٌ هذا لم يَرْوِ عنه غيرُ ابنه يعلى.
ولذا قال ابنُ القطانِ -مضعفًا الحديثَ-: "وعطاءٌ العامريُّ والدُ يعلى بنِ عطاءٍ: مجهولُ الحالِ، لا تُعرفُ له روايةٌ إلا هذه، وأُخرَى عن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العَاصِ، ولا يُعرفُ رَوى عنه غير ابنه يعلى، [وهو] وإن كان ثقةً فإن روايتَه عنه غيرُ كافيةٍ في المبتغى من ثقته"(بيان الوهم والإيهام 4/ 120).
قال ابنُ سيدِ الناسِ -شارحًا كلامَ ابنِ القطانِ-: "ولا ترتفعُ الجهالةُ براوٍ واحدٍ"، وتعقبه بتوثيقِ ابنِ حِبَّانَ له (النفح الشذي 1/ 391). ولا يخفى ما فيه.
وقال الذهبيُّ: "لا يُعرفُ إلا بابنه"(الميزان 5/ 99).
وقال الحافظُ: "مقبولٌ"(التقريب 4609). أي: حيثُ يُتَابِعُ وإلا فَلَيِّنٌ، ولم يُتَابعْ على هذا الحديثِ.
ولهذا قال البيهقيُّ: "وهذا الإسنادُ غيرُ قويٍّ، وهو يحتمل ما احتمل الحديث
الأول"، يعني أن المرادَ به غَسلُ الرجلينِ في النَّعلينِ. انظر (السنن عقب رقم 1375).
وقال ابنُ عبدِ البرِّ: "في إسنادِهِ ضعفٌ"(الاستيعاب 1/ 120).
الثانية: الاختلافُ في سندِهِ على يعلى:
فقد أخرجه أحمدُ (16165) عن بهزِ بنِ أَسدٍ. وابنُ حِبَّانَ (1339) من طريقِ هُدْبَةَ بنِ خالدٍ، كلاهما عن حمادِ بنِ سلمةَ.
وأخرجه أحمدُ (16181) عن الفضلِ بنِ دُكينٍ، عن شريكٍ النخعيِّ.
كلاهما (حماد وشريك) عن يعلى بنِ عطاءٍ، عَنْ أَوْسِ بنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ:((رَأَيْتُ أَبِي يَوْمًا تَوَضَّأَ فَمَسَحَ النَّعْلَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: أَتَمْسَحُ عَلَيْهِمَا؟ ! فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ)). هكذا بذكرِ المسحِ على النَّعْلَيْنِ فقط.
فخالفَ حمادٌ وشريكٌ كلًّا من هشيمٍ وشعبةَ؛ فجعلاه من مسندِ أبي أَوْسٍ والِدِ أَوْسٍ، وأسقطا من سندِهِ عطاءً والِدَ يعلى.
وقد أشارَ لهذا الاختلافِ أبو عبيدٍ القاسمُ بنُ سلامٍ، فقال -عقبَ روايةِ هُشيمٍ-:"وقد خُولِفَ هشيم في هذا الإسنادِ، وكان شريكٌ -فيما بلغني- يُحَدِّثُ بهذا الحديثِ عن يعلى بنِ عطاءٍ، عن أَوْسِ بنِ أبي أَوْسٍ، عن أبيه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم"(غريب الحديث 1/ 339 - 340).
وفيه اختلافٌ آخرُ على حمادٍ:
فأخرجه الطيالسيُّ (1209) -ومن طريقه البيهقيُّ (1374) - قال: حدثنا حمادُ بنُ سلمةَ عن يعلى بنِ عطاءٍ عن أَوْسٍ، به.
فوافقَ شعبةَ وهشيمًا في جعله من مسندِ أَوْسٍ، وخالفهما في ذكرهما
عطاء العامري، حيث أسقطه.
ولهذا قال البيهقيُّ عقبه: "وهذا منقطعٌ".
ولكن لعلَّ هذا من أوهامِ الطيالسيِّ المعروفة في (مسنده)، فقد رواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 96/ 612) عن أبي بكرةَ وإبراهيمَ بنِ مرزوقٍ، كلاهما عن أبي داودَ الطيالسيِّ عن حمادِ بنِ سلمةَ به، كروايةِ الجماعةِ عن حمادٍ.
وفيه اختلافٌ آخرُ على هُشيمٍ:
أخرجه إبراهيمُ الحربيُّ في (غريب الحديث 3/ 1212): عن شُجاعِ بنِ مَخْلَدٍ، عن هُشيمٍ، عن يعلى بنِ عطاءٍ، عن أوسِ بنِ شدادِ بنِ أَوْسٍ، به، مقتصرًا على الوضوءِ من الكظامة. فأسقطَ عطاءً والدَ يعلى، وسمَّى الصاحبيَّ: أَوْسَ بنَ شَدَّادٍ.
وشُجَاعُ بنُ مَخْلَدٍ وَثَّقَهُ جمهورُ الأئمةِ، كما في (تهذيب التهذيب 4/ 312). ولكن خالفه جماعةٌ منَ الثقاتِ الأثباتِ عن هُشيمٍ؛ كأحمدَ، وسعيدِ بنِ منصورٍ، ومسددٍ
…
وغيرِهِم.
وعليه: فروايتُهُ هذه خطأٌ، والصوابُ روايةُ الجماعةِ.
ورجَّحَ أبو الحسنِ أسلمُ بنُ سَهْلٍ الواسطيُّ حديثَ هُشيمٍ؛ فقال -بعدَ أن ذكرَ الوجهَ الثاني من روايةِ شَريكٍ-: "هذا غلطٌ، وحديثُ هُشيمٍ أصحُّهما"(تاريخ واسط 1/ 54).
وقال الحازميُّ: "لا يُعْرفُ هذا الحديثُ مُجودًا مُتَّصِلًا إلا من حديثِ يعلى بنِ عطاءٍ، وفيه اختلافٌ أيضًا، وعلى تقديرِ ثُبُوتِهِ ذَهَبَ بعضُهم إلى نَسْخِهِ"(الاعتبار صـ 61).
وقال أيضًا: "الأحاديثُ الواردةُ في غسلِ الرجلينِ كثيرةٌ جدًّا مع صِحَّتِهَا، ولا يُعارضُهَا مثل حديث يعلى بن عطاء لما فيه من التزلزلِ؛ لأن بعضَهم رواه عن يعلى عن أَوْسٍ، ولم يقلْ عن أبيه. وقال بعضُهم: عن رجلٍ. ومع هذا الاضطرابِ لا يمكنُ المصيرُ إليه، ولو ثبتَ كان مَنْسُوخًا، كما قاله هشيمٌ"(الاعتبار صـ 62).
وكذلك رَجَّحَ الألبانيُّ روايةَ هُشيمٍ وشُعْبةَ، فقال:"وهي عندِي أصحُّ وأَوْلَى؛ لأنهما أَوْثَقُ وأحفظُ من حمادٍ وشَريكٍ"(صحيح أبي داود 159).
وعليه: فالإسنادُ ضعيفٌ؛ لكونِهِ من روايةِ عطاءٍ العامريِّ، ولا تُعْرَفُ حالُهُ كما سبقَ.
الثالثة: الاضطراب في متنه:
فمرة يقول: ((ومَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ)).
ومرة يقول: ((مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ))، ولا يذكرِ القَدَمَينِ.
ومرة يقول: ((مَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ))، ولا يذكرِ النَّعْلينِ.
ومرة بدون ذكر المسح مطلقًا.
وقال صاحبُ (عون المعبود 1/ 191): "وحديثُ أوسِ بنِ أبي أوسٍ فيه اضطرابٌ سندًا ومتنًا".
ثم إن زيادةَ المسحِ على القَدَمَينِ إنما جاءتْ من روايةِ هُشيمٍ -وحده-، وقد قال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ حَنبلٍ:"سألتُ أَبي عن حديثِ هُشيمٍ، عن يعلى بنِ عطاءٍ، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى كِظَامَةَ قَوْمٍ بِالطَّائِفِ، فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى رِجْلَيْهِ))، فقال: "لم يسمعْهُ هشيمٌ من يعلى بنِ عطاءٍ"، نقله الجورقانيُّ في
(الأباطيل 1/ 516) بعدما حكمَ على الحديثِ بقولِهِ: "هذا حديثٌ منكرٌ".
وقال ابنُ الجوزيِّ في الجوابِ عن الاحتجاجِ بهذا الحديثِ:
"وجوابُ هذا منْ وَجْهَينِ:
أحدهما: أن أحمدَ قال: (لم يسمعْ هُشيمٌ)
(1)
هذا من يعلى.
قلتُ: وقد كان (هشيمٌ)
(2)
يدلسُ، فلعلَّه سمِعَهُ من بعضِ الضعفاءِ ثم أسقطه.
والثاني: أن يكون المعنى: مَسَحَ على رِجْلَيْهِ وهما في الخُفَّينِ" (التحقيق في مسائل الخلاف 1/ 161).
قلنا: ولكن وَرَدَ التصريحُ بسماعِ هُشيمٍ له من يعلى، من طُرقٍ صحاحٍ عنه:
فقد رواه أبو عُبيدٍ في (الطهور 388) و (غريب الحديث 1/ 339).
وسعيدُ بنُ منصورٍ في (سننه) -ومن طريقِهِ ابنُ شَاهينَ في (الناسخ 124)، والحازميُّ في (الاعتبار صـ 61)، والجورقانيُّ في (الأباطيل 1/ 516)، وغيرُهُم-.
ويعقوبُ بنُ إبراهيمَ الدورقيُّ، كما في (أمالي المحاملي/ رواية ابن يحيى البيع 332).
ثلاثتهم (أبو عبيد، وسعيد، والدورقي): عن هُشيمٍ، قال: أخبرنا (وفي
(1)
في طبعة دار الكتب العلمية: "سمع من هشام"، والتصويب من طبعة دار الوعي (1/ 174)، وكذا جاء على الصواب في (التنقيح لابن عبد الهادي 1/ 125)، و (التنقيح للذهبي 1/ 54)، وكذا في (الإمام لابن دقيق 1/ 592).
(2)
في طبعة دار الكتب العلمية: " هشام"، والتصويب من طبعة دار الوعي (1/ 174).
رواية عن سعيد: حدثنا) يعلى
…
به.
قال ابنُ سيدِ النَّاسِ: "فأزالَ إشكال عنعنة هُشيمٍ"(النفح الشذي 1/ 392).
قلنا: ولكن تبقى علةُ الحديثِ في جهالةِ حالِ عطاءٍ والد يعلى، والاضطراب في سندِهِ ومتنِهِ.
ومع هذا قال ابنُ التركمانيِّ: "أخرجه أيضًا ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه)؛ فالاحتجاجُ به كافٍ"(الجوهر النقي 1/ 287).
وتعقبَ الألبانيُّ كلامَ ابنِ التركمانيِّ، فقال:"الإنصافُ أن تقولَ: إن الاحتجاجَ به وحده لا يكفي؛ لأنه -وإن سَلِمَ من الاضطرابِ المخلِّ- فإنه من روايةِ عطاءٍ أبي يعلى، وقد عرفتَ أنه مجهولُ الحالِ، وقد اشتهرَ ابنُ حِبَّانَ بتوثيقِ أمثاله من المجهولين"(صحيح أبي داود 1/ 284).
لكنِ الألبانيُّ قد صَحَّحَ متنَ الحديثِ بشواهدَ أُخرَى في المسحِ على النَّعْلينِ، وذَكَرَ منها حديثَ ابنِ عُمرَ في المسحِ على النَّعْلينِ. انظر (صحيح أبي داود 159).
قلنا: وحديثُ ابنِ عُمرَ هذا لا يَصِحُّ، كما سيأتي الكلامُ عليه وعلى بقيةِ الشواهدِ المشارِ إليها في موضعه. انظر بابي:(المسح على الخفين)، و (المسح على النعلين).
وأما العينيُّ، فقال عن سندِ شَريكٍ:"إسنادُهُ جيدٌ"(نخب الأفكار 2/ 294).
قلنا: وبِغَضِّ النظرِ عن العللِ المقررةِ في هذا الحديثِ، فإن شَريكًا سيئُ الحفظِ، لا يُحتجُّ به عند جُمهورِ النُّقادِ، فكيفَ يكونُ سندُهُ جيدًا؟!
* * *
1836 -
حَدِيثُ ابنِ عُمَرَ
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالمَسْحِ، وَسَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَسْلَ القَدَمَيْنِ)).
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ((نَزَلَ القُرآنُ بِالمَسْحِ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالغَسْلِ، فغَسَلْنَا)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ ابنُ دَقيقِ العِيدِ، وابنُ سيدِ النَّاسِ، والهيثميُّ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [منذ 419 (واللفظُ لَهُ) / عتب (صـ 61)].
تخريج السياق الثاني: [طب (13/ 330/ 14134)].
[السند]:
قال ابنُ المنذرِ في (الأوسط): حدَّثُونَا عنِ ابنِ النَّجارِ، ثنا سلمةُ بنُ سليمانَ، عنِ ابنِ المباركِ، عن محمدِ بنِ جابرٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ بدرٍ، قال: سمعتُ ابنَ عمرَ يقول:
…
فذكره بلفظِ السياقِ الثاني.
وكذا رواه الحازميُّ في (الاعتبار) من طريقِ معاويةَ بنِ هشامٍ، عن محمدِ بنِ جابرٍ، به.
ورواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 13/ 330/ 14134) قال: حدثنا أبو يزيدَ القراطيسيُّ، حدثنا حجاجُ بنُ إبراهيمَ الأزرقُ، حدثنا محمدُ بنُ جابرٍ اليماميُّ، به. بلفظِ السياقِ الثاني.
فمدارُهُ عندهم على محمدِ بنِ جابرٍ -وهو ابنُ سَيَّارٍ اليماميُّ-، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه: محمدُ بنُ جابرِ بنِ سَيَّارٍ، والجمهورُ على تضعيفِهِ، بل منهم مَن تَركه. انظر (تهذيب التهذيب 9/ 89). وقال ابنُ حَجرٍ:"صدوقٌ، ذهبتْ كتبُهُ فساءَ حفظُهُ وخلط كثيرًا، وعَمِيَ فَصَارَ يُلَقَّنُ"(التقريب 5777).
وبه ضَعَّفَ الحديثَ ابنُ دَقيقٍ العيدِ، فقال بإثره:"محمدُ بنُ جابرٍ تُكلِّمَ فيه"(الإمام 1/ 598).
وقال ابنُ سيدِ النَّاسِ: "محمدُ بنُ جَابِرٍ ضَعَّفَهُ أحمدُ، ويحيى، والنَّسائيُّ، وغيرُهُم"(النفح الشذي 1/ 395).
ومع هذا قال ابنُ كَثيرٍ: "وهذا إسنادٌ صحيحٌ"! (التفسير 3/ 52).
[تنبيه]:
ذكره الهيثميُّ عن عبدِ اللهِ بنِ بدرٍ بإسقاطِ (ابن عمر)، وقال:"رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وعبدُ اللهِ بنُ بدرٍ تابعيٌّ فلا أدري سقطَ الصحابيُّ من خَطِّي أو هو هكذا، وفيه: محمدُ بنُ جَابرٍ وهو ضعيفٌ"(المجمع 1193).
قلنا: والصوابُ أن الصحابيَّ قد سقطَ منه، فقد جاءَ في (معجم الطبراني 14134) على الصوابِ بإثباتِ (ابن عمر)، وكذا نقله ابنُ كَثيرٍ في (جامع المسانيد) من معجم الطبراني.
* * *
1837 -
حَدِيثُ أَنَسٍ
◼ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: ((نَزَلَ القُرْآنُ بِالمَسْحِ [عَلَى القَدَمَيْنِ]، وَ [جَرَتِ] السُّنَّةُ [بِـ] الغَسْلِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ معلولٌ.
[التخريج]:
[طبر (8/ 195) (واللفظُ لَهُ) / عتب 54 (والزياداتُ لَهُ)].
[السند]:
رواه الطبريُّ في (التفسير): عن عليِّ بنِ سَهْلٍ، قال: حدثنا مُؤَمَّلٌ، قال: حدثنا حمادٌ، قال: حدثنا عاصمٌ الأحولُ، عن أنسٍ، به.
وأخرجه الحازميُّ في (الاعتبار): من طريقِ القاسمِ بنِ فُوركَ عن عليِّ بنِ سهلٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأُولى: مؤملُ بنُ إسماعيلَ العدويُّ، ضَعَّفَهُ كثيرٌ من أهلِ العلمِ، وقال الحافظُ:"صدوقٌ سيئُ الحفظِ"(التقريب 7029).
الثانية: المخالفةُ؛ فقد رواه الطحاويُّ في (شرح معاني الآثار 1/ 40/ 210) وفي (أحكام القرآن 31) -وعنه ابنُ النحاسِ في (الناسخ والمنسوخ، صـ 375) -: عن إبراهيمَ بنِ مرزوقٍ، عن يعقوبَ بنِ إسحاقَ الحضرميِّ، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن عاصمٍ الأحولِ، عن الشعبيِّ قال:((نَزَلَ القُرْآنُ بِالمَسْحِ، وَالسُّنَّةُ بِالغَسْلِ)).
فجعله يعقوبُ من قولِ الشعبيِّ، وليس من قولِ أنسٍ رضي الله عنه.
ويعقوبُ هذا من رجالِ مسلمٍ، قال عنه أحمدُ وأبو حاتمٍ:"صدوقٌ"، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، انظر (تهذيب التهذيب 11/ 382). وقال الحافظُ:"صدوقٌ"(التقريب 7813). وقال الذهبيُّ: "ثقةٌ"(الكاشف 6386).
فهو على أيةِ حَالٍ أحسنُ حالًا من مُؤَمَّلٍ، وروايتُهُ مقدمةٌ عليه.
وهذا الأثرُ مرويٌّ عن الشعبيِّ مِن أكثرَ مِن وجهٍ:
منها: ما رواه عبدُ الرزاقِ (56) عن ابنِ عُيينةَ، عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، عن الشعبيِّ، به.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ (184): عن ابنِ عُليَّةَ، عن مالكِ بنِ مِغْوَلٍ، عن زُبيدٍ الياميِّ، عن الشعبيِّ، به.
وقد صَحَّحَ إسنادَ هذا الأثرِ: ابنُ كَثيرٍ في (التفسير 3/ 52)، والعينيُّ في (نخب الأفكار 1/ 356).
* * *
1838 -
حَدِيثٌ ثَالِثٌ عَنْ عَلِيٍّ
◼ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ:((نَزَلَ الكِتَابُ بِالمَسْحِ، وَالسُنَّةُ الغَسْلُ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[معاني (1/ 302)].
[السند]:
قال الفراءُ في (معاني القرآن): وحدَّثني محمدُ بنُ أبانَ (القُرشيِّ)
(1)
، عن أبي إسحاقَ الهمدانيِّ، عن رجلٍ، عن عليٍّ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: إبهامُ الرجلِ (الراوي عن عليٍّ).
الثاني: محمدُ بنُ أبانَ، وهو ابنُ صالحٍ القرشيُّ، ويقال له: الجُعْفيُّ الكوفيُّ.
ضَعَّفَهُ أبو داودَ، وابنُ مَعينٍ. وقال أحمدُ:"أما إنه لم يكن ممن يكذبُ"، وقال البخاريُّ:"ليسَ بالقويِّ"، وقال النسائيُّ:"ليسَ بثقةٍ"، وقال ابنُ حِبَّانَ:"ضعيفٌ"، وقال أبو حاتمٍ:"ليسَ هو بقويٍّ في الحديثِ، يُكتبُ حديثُه على المجازِ، ولا يُحتجُّ به، بابةُ حمادِ بنِ شُعيبٍ"(لسان الميزان 6354).
* * *
(1)
تحرَّفتْ في المطبوع إلى: "القريشي".
1839 -
حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ
◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَقِيلٍ قَالَ: ((دَخَلْتُ عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بنِ عَفْرَاءَ .... )) الحَدِيثَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَفِيهِ:((قَالَتْ: أَمَّا ابنُ عَبَّاسٍ فَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ فَسَأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: يَأْبَى النَّاسُ إِلَّا الغَسْلَ، وَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ المَسْحَ عَلَى القَدَمَيْنِ (مَا عَلِمْنَا فِي كِتَابِ اللهِ إِلَّا غَسْلَتَيْنِ وَمَسْحَتَيْنِ))).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ، واضطربَ ابنُ عَقيلٍ في مَتْنِهِ كما سبقَ بيانُهُ. وقصةُ ابنِ عباسٍ المذكورة في آخره حَكَمَ عليها الألبانيُّ بالنكارةِ.
[التخريج]:
[جه 461 (مختصرًا متقصرًا على قصة ابن عباس) / حم 27015/ ...... ].
سبقَ تخريجُهُ وتحقيقُهُ وتفصيلُ الكلامِ عليه مرفوعًا وموقوفًا في: (باب جامع في صفة الوضوء)، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).
* * *