الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
516 - بَابٌ: التَّيَمُّمُ فَضْلٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً
3041 -
حَدِيثُ جَابِرٍ
◼ عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ [مِنَ الأَنْبِيَاءِ] قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطهورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَليُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)).
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م)، والزيادة للبخاري.
[التخريج]:
[خ 335 (واللفظ له)، 438 (والزيادة له)، 3122 (مقتصرًا على الغنائم) / م (521/ 3)(لم يَسُقْ متنه) / ن 437، 748 (مقتصرًا على الشاهد) / كن 903 (مقتصرًا على الشاهد) / حم 14264/ حب 6398/ عه 1218/ ش 7832 (مقتصرًا على الشاهد)، 32299، 33995 (مقتصرًا على الغنائم) / حميد 1154/ سرج 300/ سراج 503/ مسن 1150، 1151/ لك 1438، 1439/ حل (8/ 316) / نبص (المجلد الأول 144 ط. أم القرى) / نعيم (صواف 10) / محلى (1/ 65) / حزم (5/ 179 - 180) / هق 1031، 4321، 17774/ هقع 5079/ شعب
300/ تمهيد (5/ 221 - 222) / بغ 3616/ نبغ 7/ بغت (1/ 309) / حداد 2982/ معكر 919/ جوزي (تبصرة صـ 393) / تحقيق 1/ طبش (5/ 141) / قند 876].
[السند]:
قال البخاري (335): حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا هشيم، (ح)
قال: وحدثني سعيد بن النضر، قال: أخبرنا هُشَيم، قال: أخبرنا سَيَّار، قال: وحدثنا يزيد -هو ابنُ صُهيبٍ الفقيرُ-، قال: أخبرنا جابر بن عبد الله، به.
ورواه (438) فقال: حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا هشيم بسنده، وفيه الزيادة.
وقال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا هشيم، أخبرنا سيار، حدثنا يزيد الفقير، أخبرنا جابر بن عبد الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
…
فذكر نحوه. وأحالَ على متنِ الروايةِ الآتيةِ.
رِوَايَةُ: طَيِّبَةً طَهُورًا
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((
…
كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ
(1)
لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ،
…
)).
[الحكم]:
صحيح (م).
[التخريج]:
[م (521/ 3) / مي 1413/ هق 1032، 12835].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن سيار، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله به.
[تنبيه]:
روى مسلمٌ هذا الحديثَ بزيادة "طَيِّبَة" عن شيخه يحيى بن يحيى عن هشيم به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُهُ ثقاتٌ، ويحيى بن يحيى هو النيسابوريُّ وكان ثقةً ثبتًا إمامًا، وتابعه على هذا الوجه يحيى بن حسان -وهو ثقة- عند الدارمي (1389).
غير أنهما قد خُولِفا، فرواه جمعٌ عن هشيمٍ فلم يذكروها، وهم:
(1)
أشار محققوا طبعة التأصيل في الحاشية (8) أن هذه الكلمة ضُبطتْ هكذا في بعض النسخ، وفي نسخة ضُبطتْ: تَحِلَّ.
1، 2 - محمد بن سنان، وسعيد بن النضر كما عند البخاري (335، 438، 3122)، وغيره.
3 -
أبو بكر بن أبي شيبة كما عند مسلم (521/ 3)، وغيره.
4 -
الإمام أحمد كما في (مسنده 14264)، ومن طريقه: أبو نعيم في (الحلية 8/ 316).
5 -
الحسن بن إسماعيل كما عند النسائي في (الصغرى 437، 748)، و (الكبرى 903).
6 -
عليّ بن معبد عند ابنِ حِبَّانَ في (صحيحه 6438).
7، 8 - سريج بن النعمان، والعلاء بن هلال الرقي، كما عند أبي عوانة في (المستخرج 1218).
9 -
أحمد بن منيع كما عند السراج في (حديثه 300، ومسنده 503)، وغيره.
10 -
أبو الربيع الزهراني كما عند أبي نعيم في (المستخرج 1151)، والبيهقي في (الكبير 4321).
11 -
شريح بن يونس كما عند أبي نعيم في (المستخرج 1151)، والحلية (8/ 316).
12، 13 - عليّ بن مسلم الطوسي، وزكريا بن يحيى بن زحمويه، كما عند أبي نعيم في (الحلية 8/ 316).
كلهم: عن هشيمٍ به، ولم يذكرْ أحدٌ منهم في حديثه زيادة:"طيبة".
إلا ما جاء عند البيهقيِّ في (الشعب 1403) قال: أخبرنا أبو عبد الله
الحافظ، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا هشيم به فقال: ((
…
وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً وَطَهُورًا وَمَسْجِدًا))، وستأتي.
وهذه الرواية نراها وهمًا، والذي في (المسند) يخالفها، وكذا رواها أبو نعيم في (الحلية 8/ 316) عن أحمد بن جعفر القَطيعي به بدون هذه الزيادة.
قلنا: فالراجحُ أنها زيادةٌ شاذَّةٌ في حديثِ جابرٍ هذا؛ وذلك لرواية الجمع الغفير عن هشيم بدونها، وكذا إعراض البخاري عن إيرادها، وقد روى الحديثَ -أيضًا- يحيى بن يحيى النيسابوري بدونها كما عند البيهقيِّ في (الكبير 1031)، وإسناده صحيح إلى يحيى.
رِوَايَةُ طَيِّبَةً وَطَهُورًا (بالعطف)
• وَفِي رِوَايَةٍ بِالعَطْفِ قَالَ: ((
…
وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً وَطَهُورًا وَمَسْجِدًا
…
)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون زيادة: "طَيِّبَة" فشَاذَّةٌ.
[التخريج]:
[هق 3850 (واللفظ له) / شعب 1403/ هقل (5/ 472 - 473) / سمعانش (2/ 683) / طبش (5/ 141)].
[السند]:
قال البيهقيُّ في (الكبير 3850): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين (ح) وأخبرنا أبو الحسن العلاء بن محمد بن أبي سعيد المُهرجاني بها، أخبرنا أبو سهل بن بشر بن أحمد بن بشر، حدثنا إبراهيم بن علي الذُّهْلي، قالا: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا هشيم، عن سيار، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله.
ورواه السمعانيُّ في (المنتخب 2/ 683)، والسبكيُّ في (طبقاته 5/ 141) من طريقِ إبراهيمَ بنِ عليٍّ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، غير أن يحيى بنَ يحيى قد خُولِفَ فيه:
فرواه ثلاثةُ عَشَرَ راويًا عن هُشيمٍ به، فلم يذكروها، كما قدَّمْنَا في الروايةِ
السابقةِ.
نعم، قد توبع يحيى كما عند البيهقيِّ في (الشعب 1403) فقال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرنا أحمد بن جعفر، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا هشيم، به، وفيه الزيادة.
ولكنها متابعةٌ لا تصحُّ، فقد روى الحديثَ أحمدُ في (المسند) وليس فيه هذه الزيادة، وكذا رواه أبو نعيم في (الحلية 8/ 316) عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد عن أبيه بنحو رواية (المسند)، وليستْ فيه الزيادةُ، فلعلَّ ذكرها وهم من أوهامِ الحاكمِ رحمه الله.
[تنبيه]:
وقع سقطٌ من المطبوعِ من المنتخب للسمعاني، حيثُ جاء فيه السند هكذا: ثنا أبو عبد الله الحسن بن أبي أسعد الخطيب من لفظه بنيسابور، أبنا أبو بكر عبد الغفار بن محمد الجَنَابذي، أبنا الأستاذ الإمام عبد القاهر بن طاهر التميمي، أبنا هشيم بن بشير، عن سيار، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله،
…
به.
فوقعَ سقطٌ بين عبد القاهر بن طاهر وهشيم، قال المحقق في (الحاشية 1): وهنالك سقطٌ منَ الإسنادِ، إذ لا يمكنُ أن يكون عبد القاهر بن طاهر المتوفى سنة (429 هـ) قد سمع من هشيم بن بشير المولود سنة (104 هـ) وقيل: سنة (105 هـ)
…
قال: وجاء في الحاشية في الأصل: "سقط ما بين التميمي وهشيم غير واحد".
رِوَايَةُ: وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ.
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((فُضِّلْتُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي بِخَمْسِ خِصَالٍ: أُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ، فَأَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ، فَأَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)) فلا تثبتُ في حديثِ جابرٍ، وقد صحَّتْ من وجوهٍ أُخر، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طس 4586].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا عبدان بن أحمد، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبيد الله، عن محمد بن المنكدر، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر به.
قال الطبرانيُّ -عقبه-: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن أبي سلمة إلا محمد بن المنكدر، ولا عن ابن المنكدر إلا عبد العزيز بن عبيد الله، تفرَّدَ به: إسماعيل بن عياش".
[التحقيق]:
هذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا، عِلَّتُهُ: عبد العزيز بن عبيد الله، وهو ابنُ حمزة بن صهيب الشامي الحمصي؛ قال أبو حاتم: "يَروى عن أهل الكوفة وأهل المدينة، ولم يَرْوِ عنه غير إسماعيل بن عياش، وهو عندي عجيبٌ ضعيفُ
الحديثِ منكرُ الحديثِ، يُكتبُ حديثُه، يَروى أحاديثَ مناكيرَ، ويَروى أحاديثَ حِسانًا". وقال أبو زرعةَ:"مضطربُ الحديثِ واهي الحديث"(الجرح والتعديل 5/ 388). وقال الذهبيُّ: "واهٍ، ضَعَّفه أبو حاتم، وابنُ معينٍ، وابنُ المدينيِّ، وما روى عنه سوى إسماعيل بن عياش"(الميزان 2/ 632). وقال الحافظ: "ضعيفٌ، لم يَرْوِ عنه غير إسماعيل"(التقريب 4111).
قلنا: ومع ضَعْفِهِ، فقدِ انفردَ بزيادةٍ في آخره، وهي قوله:((وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ، فَأَخَّرْتُ شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
وهذه الزيادةُ قد ثبتتْ من وجهٍ آخرَ كما في (الصحيحين)
(1)
أن أبا هريرة قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ، فَأُرِيدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَخْتَبِيَ
(2)
دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
(1)
البخاري رقم (7474)، ومسلم رقم (198).
(2)
قال محققوا الطبعة السلطانية في الحاشية (1): أَخْتَبِيَ. كذا هو في (اليونينية) من غير همز.
3042 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ)).
[الحكم]:
صحيح (م).
[الفوائد]:
1 -
قال البغويُّ: "قوله: ((أُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ)) قيل: يعني: القرآنَ، جَمَعَ اللهُ سبحانه وتعالى بلطفه معاني كثيرة في ألفاظٍ يسيرةٍ. وقيل: معناه: إيجاز الكلام في إشباع من المعنى، فالكلمةُ القليلةُ الحروفِ منها يتضمن كثيرًا من المعاني، وأنواعًا منَ الأحكامِ"(شرح السنة 13/ 198).
2 -
جاء هنا في حديث أبي هريرة: ((فُضِّلْتُ عَلَى الأَنبِياءِ بِسِتٍّ))، وسبق في حديث جابر:((أُعْطِيتُ خَمْسًا))، وسيأتي في حديث حذيفة عند مسلم:((فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ))، وفي حديث أنس -وسندُهُ صحيحٌ-:((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا)).
قال العراقيُّ: "فجعلها في حديث (ستًّا) وفي آخر (خمسًا) وفي آخر (ثلاثًا) وأطلق في آخر وسمَّى فيه ما ليس مُسمّى فيما ذكر أعداده.
وأجابَ عن ذلك القرطبيُّ بأنَّ ذِكرَ الأعدادِ لا يدلُّ على الحصرِ. قال: ويجوزُ أن يكونَ أُعْلِمَ في وقتٍ بالثلاثِ، وفي وقتٍ بالخمسِ، وفي وقتٍ بالستِّ، والله أعلم" (طرح التثريب 2/ 111).
وقال ابنُ حجرٍ: "ففي رواية ((أُوتِيتُ خَمْسًا)) وقد رُوِي (سِتًّا) وروى فيه (ثَلاثًا) و (أَرْبعًا) وهي تنتهي إلى أكثر من سبعٍ"(فتح الباري 1/ 436).
"وقد ذَكَرَ أبو سعيدٍ النيسابوريُّ في كتاب (شرف المصطفى) أن عددَ الذي اختصَّ به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياءِ ستون خصلة"(فتح الباري 1/ 439).
قال ابنُ حجرٍ: "وطريقُ الجمعِ أن يقالَ: لعلَّه اطلعَ أولًا على بعضِ ما اختُص به، ثم اطلعَ على الباقي. ومَن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الإشكال من أصله، وظاهر الحديث يقتضي أن كلَّ واحدة من الخمس المذكورات لم تكن لأحدٍ قبله، وهو كذلك، ولا يُعترضُ بأن نوحًا عليه السلام كان مبعوثًا إلى أهلِ الأرضِ بعد الطوفان؛ لأنه لم يَبْقَ إلا من كان مُؤمنًا معه وقد كان مرسلًا إليهم؛ لأن هذا العموم لم يكن في أصل بعثته وإنما اتَّفَقَ بالحادثِ الذي وقعَ وهو انحصارُ الخلقِ في الموجودين بعد هلاكِ سائرِ الناسِ. وأما نبينا صلى الله عليه وسلم فعموم رسالته من أصلِ البعثةِ، فثبت اختصاصه بذلك"(فتح الباري 1/ 436).
[التخريج]:
[م (523/ 5)(واللفظ له) / ت (تحت رقم 1637) / جه 567 (دار إحياء الكتب العربية
(1)
مقتصرًا على الطهور) / حم 9337/ حب 2312، 6441، 6443/ عل 6491/ جع 249/ منذ 503/ سراج 506/ سرج 303/ عه 1214/ مسن 1153/ مشكل 1025/ جر 1047/ حزم (5/ 180) / محلى (1/ 97)(مختصرًا)، (2/ 117) / هق 4322، 17777/ هقل (5/ 472) / هقع (3/ 401/ 5080) / بغ 3617/ بغت (1/ 309) / نبغ 8/ نبق 256، 289/ لك 1440، 1441/ حديث أبي محمد
(1)
سقط هذا الحديثُ من ط. التأصيل، وهو مثبتٌ في غيرها، كطبعة الصديق (567)، ودار الجيل (567)، والرسالة (567)، وغيرهما.
عبد الله بن أحمد بن إسحاق المصري (تد 1/ 178) / مصطفى 1512/ جرجاني (ق 138/ ب) / مردويه (در 7/ 206)].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا يحيى بن أيوب، وقتيبة بن سعيد، وعليّ بن حُجْر، قالوا: حدثنا إسماعيل -وهو ابن جعفر- عن العلاء عن أبيه عن أبى هريرة، به.
والعلاء هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب.
* * *
رِوَايَةُ: غُفرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((فُضِّلْتُ بِخِصَالٍ سِتٍّ [لَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا] لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: غُفرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الكَوْثَرَ، وَنُصِرْتُ بالرُّعْبِ، وَالذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّ صَاحِبَكُمْ لَصَاحِبُ لِواءِ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ، تَحْتَهُ آدَمُ فمَنْ دُونَهُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ، وقد صَحَّتْ بعضُ فقراتِهِ كما تقدَّم.
[التخريج]:
[بز 8133 (واللفظ له) / سراج 490، 514 (والرواية والزيادة له) / سرج 289/ لك 1442، 1443/ بقي (إمتاع الأسماع 3/ 224) / نبص (المجلد الأول 118 ط. أم القرى) (مقتصرًا على لواء الحمد)].
[السند]:
قال البزارُ: كَتَبَ إليَّ حمزةُ بنُ مالكٍ يخبرُ أنَّ عمَّه سفيان بن حمزة حدَّثَه عن كَثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة به.
ورواه أبو نعيم في (الدلائل)، واللالكائي في (أصول الاعتقاد 1442) من طريق عبد الله بن محمد البغوي، قال: ثنا حمزة بن مالك الأسلمي، قال: ثنا عمي سفيان بن حمزة به.
ورواه اللالكائي (1443) -أيضًا- من طريق الحسين بن إسماعيل، قال: ثنا حمزة بن مالك، به.
ورواه السراج في (حديثه، ومسنده) قال: ثنا محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أخي، عن سليمان، عن كثير بن زيد، به.
ومداره عندهم على كثير بن زيد
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ فيه لينٌ؛ لأجلِ كثيرِ بنِ زيدٍ الأسلميِّ، سبقَ الكلامُ عليه من قبل، ولخَّصَ الحُكْمَ فيه ابنُ حجرٍ فقال:"صدوقٌ يُخطئُ"(التقريب 5611).
وعليه فالإسنادُ فيه لين لأجله، والحديثُ أصله في (الصحيحين)، ولكن بغيرِ هذا اللفظِ.
ولذا قال الهيثميُّ: "أصله في الصحيح، ولم أره بتمامه"(كشف الأستار 3/ 147).
ومع ذلك قال في (المجمع): "رواه البزارُ، وإسنادُهُ جيدٌ" (المجمع
14005)، وكذا قال السيوطيُّ في (الخصائص 2/ 336).
وهذا منهما ليس بجيدٍ لما بَيَّنَّاهُ من حالِ كثيرٍ وحمزةَ بنِ مالكٍ. والله أعلم.
رِوَايَةُ بالشَّكِّ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ سِتًّا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ كَانَ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُحِلَتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَخُتَمَ بِيَ النَّبِيُّونَ، وَأرَاهُ: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
رِوَايَةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَةٍ قَالَ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ -أَحْسَبُهُ قَالَ- وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[نبص (المجلد الأول 156 ط. جامعة أم القرى) (بلفظ الرواية الأولى) / بز 9356 (بلفظ الرواية الثانية)].
[السند]:
قال أبو نعيم: حدثنا إبراهيم بن السندي، حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا أبي، حدثنا المسعودي، عن مزاحم بن زُفَر، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه به.
ورواه البزار في (مسنده) قال: حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو داود حدثنا المسعودي، بسنده بلفظ الرواية الثانية.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأولى: المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، قال ابنُ حجرٍ:"صدوقٌ اختلطَ قبل موته، وضابطه أن مَن سَمِعَ منه ببغدادَ فبعدَ الاختلاطِ"(التقريب 3919).
بل شَدَّدَ ابنُ حِبَّانَ في حديثه فقال: "كان المسعوديُّ صدوقًا إلا أنه اختلطَ في آخرِ عمره اختلاطًا شديدًا حتَّى ذَهَبَ عَقْلُهُ، وكان يحدثُ بما يجيئه فحمل، فاختلطَ حديثُه القديمُ بحديثِهِ الأخيرِ ولم يتميزْ، فاستحق الترك"(المجروحين 2/ 12).
قلنا: هذا القول من ابنِ حِبَّانَ فيه تشدد، والصحيح أن مَن روى عنه قبل الاختلاط فحديثه صحيح، بخلافِ مَن رَوى عنه بعد الاختلاطِ، وأبو داود الطيالسيُّ سَمِعَ منه بعد الاختلاطِ، قال ابنُ حِبَّانَ:"سماعُ أبي داود من المسعوديِّ كان بعد أن اختلطَ"(الثقات 7/ 568)، ولذا لا تُقبلُ روايتُه عنه.
وأما عبد الله بن يزيد المقرئ، فلا يُدرى هل سَمِعَ منه قبل الاختلاط أم بعده، غير أن الظَّاهرَ أن سماعه منه قبل الاختلاط، وذلك أن أحمدَ نصَّ على
أن المسعوديَّ اختلطَ ببغدادَ. ومَن سمع منه بالكوفةِ والبصرةِ، فسماعُهُ جيدٌ (العلل رواية ابنه عبد الله 575)، وعبد الله بن يزيد المقرئ بصري، وأقرأ فيها ستًّا وثلاثين سنة، بل قال أحمد رحمه الله:"حدثنا أبو عبد الرحمن قال: سمعتُ من المسعوديِّ إما ثماني وإما سبعًا وأربعين، ولا أعلم أني رأيته بعد سنة ثنتين وخمسين"(العلل 6024)، وهذا نصٌّ قاطعٌ في سماع المقرئ من المسعودي قبل الاختلاطِ، فقد نصَّ أبو حاتم أنه تغيَّرَ بأَخَرَةٍ قبل موته بسنة أو سنتين (الجرح والتعديل 5/ 251 - 252).
قلنا: وثَمَّ شيءٌ آخر يُعَلُّ به حديث المسعودي، وذلك أنه كان يغلطُ فيما يَروي عن عاصمٍ، وسلمة، والأعمش، والصغار، يُخطئُ في ذلك. ويصحح له ما روى عن القاسم، ومعن، وشيوخه الكبار. قاله ابنُ معينٍ، وغيرُهُ. انظر (تهذيب الكمال 17/ 223 - 225).
العلة الثانية: أن الحديثَ قد اختُلِفَ فيه على مجاهدٍ اختلافًا كبيرًا. انظر (العلل للدارقطني 1115، 1541).
والمحفوظُ هو ما رواه الأعمشُ عن مجاهدٍ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذر، كما أخرجه أحمدُ في (مسنده 21314) -وعنه الخلالُ في (السنة 1178) -، وابنُ أبي شيبةَ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة المهرة 6356/ 5)، والدارميُّ في (مسنده 2510)، والسراجُ في (حديثه ومسنده)، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 6462)، وابنُ عبدِ البرِّ في (تمهيده)، وغيرهم، من طريق أبي عوانة.
ورواه أبو داود في (سننه 489)، وإسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده 868) -ومن طريقه: أبو نعيم في (الحلية 3/ 277) -، ويحيى بنُ صاعدٍ في (زوائده على الزهد لابن المبارك 1069)، وغيرهم، من طريق جرير بن
عبد الحميد.
ورواه أحمدُ في (المسند 21299) من طريق محمد بن إسحاق.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنَّفه 7839، 32307) من طريقِ مِنْدَل بن علي.
ورواه الحاكمُ في (المستدرك 3633) من طريقِ أبي أسامةَ.
وكذا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عبد الملك بن معن، كما ذكر اللالكائيُّ في (أصول الاعتقاد 1450).
ستتهم: (أبو عوانة، وجرير، وابن إسحاق، ومندل، وأبو أسامة، وأبو عبيدة عبد الملك بن معن) عن الأعمشِ عن مجاهدِ بنِ جبرٍ عن عُبيدِ بنِ عميرٍ عن أبي ذر به.
وسيأتي تخريجه وتحقيقه بتوسعٍ قريبًا، قال الدارقطنيُّ رحمه الله: "والمحفوظُ قولُ مَن قالَ: عن مجاهدٍ، عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ (العلل 3/ 185).
رِوَايَةُ فيها أوتيت خزائن الأرض
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَتُلَّتْ فِي يَدِي)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وأصله في (الصحيحين)، وصَحَّحَهُ: البغويُّ، وابنُ كَثيرٍ.
[الفوائد]:
قال البغويُّ: "قوله: ((أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ فَتُلَّتْ فِى يَدَيَّ)): يحتمل أن يكون هذا إشارةٌ إلى ما فُتِحَ لأُمَّتِهِ وجنودِهِ من الخزائنِ، كخزائن كسرى وقيصر. ويحتمل أن يكون المراد منه معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة وأنواع الفلز، أي: ستُفتح البلدان التي فيها هذه المعادن والخزائن، فتكون لأُمَّتِهِ. قال أبو هريرة:((ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا)) أي: تستخرجونها.
وقوله: ((تُلَّتْ فِي يَدِي)) أي: أُلقيتْ في يَدِي" (شرح السنة 13/ 199).
[التخريج]:
[حم 7403، 9705، 10517 (واللفظ له) / جا 123 (مقتصرًا على الطهور) / سراج 491/ سرج 290، 291، 1901/ بغ 3618/ مشكل 4486/ تمهيد (5/ 222) (مقتصرًا على الطهور) / خطك (1/ 179) / نبغ 9/ آجر (فوائد/ مخطوط ق 105 أ)].
[السند]:
قال أحمدُ: حدثنا يزيد، أخبرنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن
أبي هريرة به.
ورواه السراجُ في (حديثه، ومسنده)، وابنُ عبدِ البرِّ في (التمهيد) من طريقِ يزيدَ بنِ هارونَ به.
ومداره عند الجميع على محمد بن عمرو
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ؛ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ غير محمد بن عمرو بن علقمة؛ فهو: "صدوقٌ له أوهامٌ" كما في (التقريب 6188).
قال البغويُّ: "هذا حديثٌ صحيحٌ"(شرح السنة 13/ 198).
وقال ابنُ كَثيرٍ: "وهذا إسنادٌ جيدٌ قويٌّ على شرطِ مسلم ولم يخرجوه"(البداية والنهاية 6/ 33).
وقال في موضعٍ آخرَ: "تفَرَّدَ به: أحمدُ من هذا الوجه، وهو على شرط مسلم"(البداية والنهاية 8/ 475).
رِوَايَةُ: وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيدِ
• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:((وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا أَيْنَمَا كُنْتُ، وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّيْتُ وَكَانَتْ لِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ بِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيدِ))، فإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[بشران 574 (واللفظ له) / إمام (1/ 94) / نبلا (6/ 389 - 390)].
[السند]:
رواه ابنُ بِشْرَانَ -ومن طريقه: ابنُ دقيق العيد، والذهبيُّ-، قال: أخبرنا علي بن محمد بن أحمد المصري، حدثنا سليمان بن شعيب، حدثنا خالد بن عبد الرحمن، حدثنا عمر بن ذر، أخبرني مجاهد، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأولى: خالد بن عبد الرحمن، هو المخزوميُّ، وقد جاءَ مصرحًا به كما عند ابن المظفر (جزئه الأول والثاني ق 260/ ب) قال: أخبرنا حاجب، ثنا سليمان بن شعيب، ثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني، ثنا عمر بن ذر، قال: أخبرني مجاهد، أن أبا هريرة كَانَ إذَا حَدَّثَ عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قالَ: فَعَلَ خَلِيْلِي، وقالَ خَلِيْلِي، وقال: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيرًا، فقال: ((إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي: أَرْسَلَ كَلَّ نَبِيٍّ إِلَى أُمَّتِهِ بِلِسَانِهَا، وَأَرْسَلَنِي إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ مِنْ خَلْقِهِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، ولم يُنْصَرْ بِهِ أَحَدٌ كَانَ
قَبْلِي، وَجَعَلَ لِي الأَرْضَ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، ولم يَفْعَلْ ذَلكَ بأَحَدٍ قَبْلِي، وَأَرْسَلَ كُلَّ نَبِيٍّ يَعْرِضُ عليه المسْأَلَةَ يسألها إيَّاهُ، فيُعجل لكُلِّ نَبِيٍّ مسألته فأعطيها فِي الدُّنْيَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُؤَخِّرَ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)).
ومع تعيينة فقد قال الذهبيُّ: "خالد بن عبد الرحمن المخزومي: وَاهٍ"(سير أعلام النبلاء 6/ 390). فعَيَّن خالدًا هذا بالمخزومي "المتروك"، والذي في (التهذيب) في تلاميذ عمر بن ذر هو خالد بن عبد الرحمن الخراساني، ووجدنا في تلاميذه سليمان بن شعيب الكيساني، مما يرجح أنه الخراساني لا المخزومي. والله أعلم.
وخالد بن عبد الرحمن الخراساني وَثَّقَهُ يحيى بنُ مَعينٍ وغيرُهُ، ولكن قال العقيليُّ:"في حفظه شيء"، وقال ابنُ عَدِيٍّ:"ليس بذاك"(تهذيب التهذيب 191). ولذا قال الحافظُ: "صدوقٌ له أوهام"(التقريب 1651).
وقد خَالفَهُ مَن هو أوثقُ منه، وهي العلة الثانية:
فقد رواه وكيع بن الجراح، كما عند ابن أبي شيبة في (مصنفه 7836) عن عمر بن ذر عن مجاهد عن أبي ذر به.
فجعله من مسند أبي ذر.
وقد توبع عليه وكيع متابعتين: تامة، وقاصرة:
فأما المتابعة التامة فمن أبي نعيم النخعي كما عند الشهاب في (مسنده 1112).
وأما المتابعة القاصرة فمن واصل الأحدب عن مجاهد به، كما عند أحمد في (مسنده 21435)، وغيره.
قلنا: ورواية وكيع ومَن تابعه أولى بالصواب، وقدِ اختُلِفَ على حديثِ مجاهدٍ اختلافات غير هذه. انظر (الضعفاء الكبير للعقيلي 2/ 26، 4/ 124)، و (علل الدارقطني 4/ 182).
رِوَايَةُ: أُعطيت خمسًا
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى العَدُوِّ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ وَلَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَّا إِلَى قَوْمِهِ، وَلَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ عَطِيَّةً فَتَنَجَّزَهَا، وِإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي)).
• وَفِي رِوَايَةٍ ثَانِيَة: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَبْيَضِ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ)).
[الحكم]:
الحديثُ في الصحيحِ بغيرِ هذا السياقِ، وهذا إسنادٌ ضَعيفٌ.
[التخريج]:
[حم 7266 (مقتصرًا على الطهور) / بز 7693 م (مقتصرًا على الطهور)، 9309 (بلفظ السياقة الأولى) / ثو 185 (بلفظ السياقة الثانية) / سرج 304، 306 (مقتصرًا على الطهور) / سراج 507، 508 (مقتصرًا على الطهور) / مشكل 1023، 3532، 3969/ حرملة (هقع 2/ 26/
1621) / هقع (2/ 26/ 1620)(مقتصرًا على الطهور)، (3/ 399/ 5075) / مخلص 474/ شاهين (جزء/ رواية المحلي 44) / غافل 806].
[التحقيق]:
له ثلاثٌ طرقٍ:
الأول: رواه الشافعيُّ في (سنن حرملة) كما (معرفة السنن والآثار 1621) -ومن طريقه: الطحاويُّ في أكثر من موضع من (مشكل الآثار) - عن سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، به، ثم قال الشافعيُّ: ثم جلستُ إلى سفيانَ فذكرَ هذا الحديثَ، فقال الزهريُّ: عن أبي سلمةَ، أو عن سعيدٍ، عن أبي هريرةَ، نحوه.
وتابع الشافعي على رواية الجزم بسعيد بن المسيب، عليّ بن الفضل الكرابيسي كما عند البزار (7693 م)، وسَوَّار بن عبد الله كما عند السراج في (حديثه 306، ومسنده 508) ومحمد بن يعقوب بن عبد الوهاب عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق 6/ 272).
بينما رواه على الشَّك الإمامُ أحمدُ في (مسنده 7266) حدثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي هريرة، يبلغُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم:((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
قال سفيانُ: أُراه عن سعيدٍ، عن أبي هريرةَ.
وكذا رواه الحميديُّ في (مسنده 975) عن سفيانَ فقال: إما سعيد وإما أبو سلمة.
ورواه عن سفيانَ جماعةٌ، فرووه على الشَّك كما رواه أحمدُ والحميديُّ،
وهم:
عَتيق بن محمد كما عند البيهقيِّ في (معرفة السنن 1620) وقال فيه: "لا أعلمه إلا عن سعيد".
وعبد الجبار بن العلاء عند السراج في (حديثه 304، ومسنده 507) وقال فيه: "لعلَّه يُذكر عن سعيد".
ومحمد بن عباد المكي كما عند ابن شاهين في (جزئه رواية ابن المهتدي 44)، وقال فيه:"عمَّن سمع أبا هريرة أو أبا سلمة".
قلنا: ومدارُ الطرقِ -كما سبقَ- على سفيانَ بنِ عُيينةَ، وهو إمامٌ حافظٌ، غير أنه كان يشكُّ فيمن حَدَّثَ الزهري بالحديثِ، وهذا الشَّكُّ قد يكون غير مؤثر، فقد رواه جماعةٌ عن الزهريِّ، فمنهم مَن قال عن سعيد بن المسيب، ومنهم من كان يجمع بين سعيد وأبي سلمة؛ ولذا كان سفيانُ أولًا يُحدِّثُ به على الجزم عن سعيد بن المسيب كما رواه الشافعيُّ ومَن تابعه، ثم سمعه مرة ثانية من الزهري عن سعيد وأبي سلمة، فشكَّ سفيانُ فيمن حَدَّثَ الزهري بعد، وعليه تحمل رواية أحمد، والحميدي، ومَن تابعه، وقد بَيَّنَتْ روايةُ الشافعيِّ كلَّ ذلك.
وممن تابع سفيان على سعيد بن المسيب منفردًا:
يونس بن يزيد كما عند مسلم في (صحيحه 523/ 6)، وغيره.
إبراهيم بن سعد كما عند البخاري في (صحيحه 7273)، وغيره.
عقيل كما عند البخاري (7013، 2977)، وغيره.
ابن أخي الزهري كما عند أبي عوانة في (المستخرج 1215).
ورواه معمرٌ مرة عن سعيد وحده كما عند النسائي في (الصغرى 3110)، و (الكبرى 4489)، وغيره.
بينما رواه -أيضًا- كما عند مسلم (523)، وغيره، فقَرَنَ بين سعيدٍ وأبي سلمةَ.
وتابعه على الوجهِ الأخيرِ الزبيدي كما عند مسلم (523/ 6)، وغيره.
ففي رواية هؤلاء أن الزهريَّ كان يرويه عن أبي سعيد وأبي سلمة، وذلك يزيلُ الشَّكَّ الذي في روايةِ ابن عيينة المتقدمة.
وقد ذَكَرَ الدارقطنيُّ الخلافَ المتقدم هل عن سعيد أم عنه وأبي سلمة، ثم قال:"والقولان محفوظان عن الزهري"(العلل 1425).
فإذا تبين أن الحديثَ عند الزهريِّ عن سعيد وأبي سلمة، زالَ الشَّكَّ الذي في روايةِ ابنِ عُيينةَ، وصَحَّ السندَ، ولكن يعكر عليه شيء آخر في المتن، أنه ليس في رواية أحد ممن تقدم بعض الألفاظ الموجودة في حديث سفيان، بل اجتمعوا على لفظ واحد وهو:((بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي)) قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ((وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا)).
وهذا لفظُ البخاري (2977) من طريق عقيل. فليس فيه: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا))، ولا أغلب الفقرات التي أَتَى بها سفيانُ منَ الشفاعةِ وغيرِهِا.
والظاهرُ أن ذِكْرَها وهمٌ من سفيانَ، أو لعلَّه أدخل عليه حديث في حديثًا، والله أعلم.
الطريق الثاني: أخرجه البزارُ في (مسنده 9309) فقال: حدثنا يوسف بن
موسى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا الحجاج بن أرطاة، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ السياقة الأولى.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، علته: الحجاجُ بنُ أرطاةَ، قال الحافظُ:"صدوقٌ كثير الخطأ والتدليس"(التقريب 1119)، وقد عنعنَ عن عطاءٍ.
والراوي عنه سلمة بن الفضل الأبرش، "صدوق كثير الخطأ"(التقريب 2505).
الطريق الثالث: رواه أبو الليث السمرقنديُّ في (تنبيه الغافلين) قال: حدثنا الحاكم أبو الحسن السردري، حدثنا بكر بن منير، حدثنا هانئ بن النضر، حدثنا أحمد بن خالد، عن المسعودي، عن مزاحم بن زفر، عن مجاهد، عن أبي هريرة به.
وإسنادُهُ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأولى: المسعوديُّ، هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، تقدَّمَ أنه اختلطَ في آخرِ عمره، ولا يُدري متى سمعَ منه أحمد بن خالد الوَهْبي، والظاهرُ أنه لم يسمعْ منه إلا في آخره، فليس من أصحاب المسعودي القُدَامَى، والله أعلم.
العلة الثانية: الاختلاف على مجاهدٍ رحمه الله في هذا الحديثِ، والمحفوظُ عنه ما رواه الأعمشُ عن مجاهدٍ عن عبيد بن عمير عن أبي ذر كما سيأتي. وانظر (الضعفاء 1/ 598 - 600) للعقيلي، و (العلل 1115، 1541) للدارقطني.
رِوَايَةُ: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحُلِّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ (وَالأَبْيَضِ)، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ [فَادَّخَرْتُهَا لِأُمَّتِي])).
[الحكم]:
صحيحٌ.
[التخريج]:
[حمد 975 (واللفظ له) / مشكل 4487 (والرواية له) / طحق 100/ كر (6/ 272) (مقتصرًا على الشاهد)].
[السند]:
قال الحميديُّ: حدثنا سفيانُ قال: حدثنا الزهريُّ عمَّن سمع أبا هريرة -إما سعيد وإما أبو سلمة-، وأكثر ذلك يقوله عن سعيد عن أبي هريرة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخين. وأما شَكُّ الزهريِّ فيمن رواه عن أبي هريرة، هل هو سعيد بن المسيب، أم أبو سلمة بن عبد الرحمن؟
فلا يضرُّ فكلاهما ثقة، بل قال الدارقطنيُّ -بعد أن ذكرَ الخلافَ على الزهريِّ-:"والقولان محفوظان عن الزهري"(العلل 1425).
رِوَايَةُ: سل تعطه
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبيٌّ قَبْلِي: أُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحَلَّ لِنَبيٍّ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، [فَأَيْنَمَا تَوَجَّهْتُ مِنَ الأَرْضِ فَهُوَ لِي مَسْجِدٌ]، وَكَانَ مَنْ قَبْلَنَا يُصَلُّونَ فِي المَحَارِيبِ، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَسْوَدَ وَأَحْمَرَ، وَكَانَ الرَّجُلُ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ بَيْنَ يَدَيَّ، يَسْمَعُ بِي القَوْمُ -بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ- فَيُرْعَبُونَ مِنِّي، وَجُعِلَ لِي الرُّعْبُ نَصْرًا، وَقِيلَ لِي: سَلْ تَعْطَهْ. فَجَعَلْتُهَا شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَهِيَ نَائِلَةٌ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طس 7471 (واللفظ له) / نبص (المجلد الأول 159 جامعة أم القرى والزيادة له)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا محمد بن شعيب، ثنا عبد الرحمن بن سلمة، ثنا حماد بن قيراط، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة به.
وقال -عقبه-: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا حماد بن قيراط".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه: حماد بن قيراط، وهو ضعيفٌ، قال أبو حاتم:
"مضطربُ الحديثِ، يُكتبُ حديثُه ولا يُحتجُّ به" وقال أبو زرعة: "صدوقٌ"(الجرح والتعديل 3/ 145)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 206) وقال:"يُخطئُ"، ثم ذكره في (المجروحين 1/ 309) وقال:"يقلبُ الأخبارَ على الثقاتِ، ويجيءُ عن الأثباتِ بالطاماتِ، لا يجوزُ الاحتجاجُ به ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار، وكان أبو زرعة الرازيُّ يُمَرِّضُ القول فيه". وقال ابنُ عَدِيٍّ: "عامة ما يرويه فيه نظر"(الكامل في الضعفاء 4540).
والراوي عنه عبد الرحمن بن سلمة الرازي، كاتب سلمة بن الفضل، ذكره ابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 241) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
والظاهرُ أنه مجهولٌ، فقد قال الذهبيُّ -في ترجمة محمد بن شعيب-:"روى عن عبد الرحمن بن سلمة، وعبّاس بن إسماعيل، وأحمد بن إبراهيم الزمعي، والثلاثة لا أعرفهم"(تاريخ الإسلام 6/ 1029).
ومحمد بن شعيب هو التاجرُ الأصبهانيُّ، قال أبو الشيخِ:"حَدَّثَ عن الرازيين بما لم نجدْهُ بالريِّ ولم نكتبْه إلا عنه"(طبقات المحدثين 4/ 43).
وقال أبو نعيم: "يروي عن الرازيين بغرائبَ
(1)
" (تاريخ أصبهان 2/ 222).
قلنا: وقد روى الحديث أبو نعيم في (الدلائل) عن شيخه أبي الشيخ عبد الله بن جعفر عن محمد بن شعيب هذا، ولكن سمَّى شيخَ شيخه: بشار بن قيراط، فلعلَّه من غرائبه، أو يكون ما في (الأوسط) للطبرانيِّ مصحفًا، والله أعلم.
(1)
كذا في المطبوع من (تاريخ أصبهان).
وبشارُ بنُ قيراطٍ هو أخو حماد بن قيراط المذكور، وحاله قريب من حال أخيه بل أسوأ منه، قال أبو حاتم:"هو نيسابوريٌّ، قَدِمَ الريَّ، مضطربُ الحديثِ، يُكتبُ حديثُه ولا يُحتجُّ به"(الجرح والتعديل 2/ 218). وقال أبو زرعة الرازيُّ: "بشار يكذب"(المجروحين 1/ 218).
قال ابنُ عَدِيٍّ: "وبشار بن قيراط هذا الذي روى أحاديثَ غيرَ محفوظةٍ، وله أحاديثُ مناكيرُ عمَّن يحدثُ عنه، وهو إلى الضعفِ أقربُ منه إلى الصدقِ، وبشارُ بنُ الحكمِ خيرٌ منه"(الكامل 2/ 428). وقال الحاكمُ: "صاحب مناكير"(سؤالات السجزي 209). وقال الدارقطنيُّ: "لا شيء"(سؤالات السلمي 74).
رِوَايَةُ نُصِرْتُ عَلَى عَدُوِّي بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامِي وَشَهْرٍ خَلْفِي
• وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ المَكِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نَحْرُسُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ
…
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي أُعْطِيتُ فِيهَا خَمْسًا لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي: إنِّي بُعِثْتُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً أَحْمَرِهِمْ وَأَسْوَدِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ قَبْلِي يُبْعَثُ إلَى أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ إلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى عَدُوِّي بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامِي وَشَهْرٍ خَلْفِي، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ وَالأَخْمَاسُ وَلَمْ تَحِلَّ لِنَبِيٍّ قَبْلِي، إنَّمَا تُؤْخَذُ فَتُوضَعُ فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا نَارٌ مِنَ السَّمَاءِ بَيْضَاءُ فَتَحْرِقُهَا، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أُصَلِّي فِيهَا حَيْثُ أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ، وَأُعْطِيتُ حِينَئِذٍ دَعْوَةً فَذَخَرْتُهَا (أَخَّرْتُهَا) شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَالَ لِي صَاحِبِي، وَكَانَ أَفْضَلَ مِنِّي: نَسِيتَ أَفْضَلَهَا أَوْ أَخْيَرَهَا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَنَالَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شيئًا))، وَذَكَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ صَاحِبَهُ ذَلِكَ كَانَ أَبَا ذَرٍّ الغِفَارِيَّ رضي الله عنه.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ: العُقيليُّ، والألبانيُّ.
ولفظةُ: ((نُصِرْتُ عَلَى عَدُوِّي بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامِي وَشَهْرٍ خَلْفِي)) منكرةٌ، وقال الشيخُ الألبانيُّ:"زيادةٌ منكرةٌ بل باطلةٌ".
[التخريج]:
[مشكل 1662 (واللفظ له)، 4488/ عق (1/ 598 - 599)(والرواية له) / تصحيف (2/ 547 - 548) / نبص (المجلد الأول 155 ط. جامعة أم القرى) / مظفر (حاجب ق 260/ ب) مختصرًا/ متفق
(2/ 859 - 860)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الأول: أخرجه الطحاويُّ في (مشكل الآثار 1662، 4488) قال: حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري.
والعقيليُّ في (الضعفاء 1/ 599) من طريق محمد بن عبد اللَّه بن يزيد المقرئ.
وأبو نعيمٍ في (الدلائل 155) من طريق سلمة بن شبيب.
والعسكريُّ في (التصحيفات) من طريق أحمد بن الوليد الكرخي.
أربعتهم: (صالح، ومحمد بن عبد الله، وسلمة، والكرخي) رووه عن عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر عن خازم بن خزيمة البصري من تيم الرباب عن مجاهدٍ المكيِّ عن أبي هريرةَ به.
وخالفهم: محمد بن إسماعيل الصائغ كما عند العقيلي في (الضعفاء) -ومن طريقه: الخطيبُ في (المتفق) - فقال: حدثنا المقرئ قال: حدثنا عبد الجبار بن عمر الأيلي قال: حدثنا خازم بن خزيمة البصري، من تيم الرباب، عن مجاهد، عن أبي هريرة به.
فجعل شيخ المقرئ عبد الجبار، وهذا وهم بلا شَكٍّ، فإن روايةَ الجماعةِ أَوْلى، والصائغُ وإن كان صدوقًا فرواية الثقات عن أبي عبد الرحمن المقرئ أولى منه، وفيهم ابنه محمد، وهو أعلم بأبيه؛ ولذا قال العقيليُّ: "هكذا أخبرنا به الصائغ، عن المقرئ، عن أبي عمر عبد الجبار بن عمر الأيلي،
عن خازم بن خزيمة، في وسط أحاديث عبد الجبار بن عمر، وحدثنيه محمد بن زكريا البلخي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ قال: حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: حدثني خازم بن خزيمة البصري من تيم الرباب، عن مجاهد المكي، عن أبي هريرة
…
فذكر مثله سواء إلى آخره".
قلنا: كأنَّه يُشيرُ إلى وهمِ الصائغِ فيه.
وقال الخطيبُ: "ورواه محمد بن أبي عبد الرحمن المقرئ عن أبيه عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن خازم بن خزيمة رحمه الله، وذكر أبو الحسن الدارقطني أن أبا عبد الرحمن كذا حَدَّثَ به عن يحيى عن خازم بن خزيمة".
قلنا: وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ من أجل خازم بن خزيمة؛ قال العقيليُّ: "يُخالفُ في حديثِهِ"(الضعفاء 1/ 598)، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 232) وقال:"ربما أخطأ".
وقد أشارَ الذهبيُّ إلى تضعيف روايته هذه، فقال -بعد أن نقلَ كلامَ العقيليِّ-:"قلتُ: له حديث في الشفاعة عند أبي عبد الرحمن المقري، عن عبد الجبار"(ميزان الاعتدال 1/ 626).
قلنا: وقد توبع خازم بن خزيمة، ولكنها متابعة ضعيفة، وهي الطريق الثاني:
أخرجها ابنُ المظفرِ في (جزئه الأول والثاني) فقال: أخبرنا حاجب، ثنا سليمان بن شعيب، ثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني، ثنا عمر بن ذر، قال: أخبرني مجاهد، أن أبا هريرة
…
فذكره بلفظٍ قريبٍ منه، وليس فيه:((مَسِيرَة شَهْرٍ أَمَامِي وَشَهْرٍ خَلْفِي)).
وإسنادُهُ ضعيفٌ؛ من أجل خالد بن عبد الرحمن الخراساني، وهو ضعيفٌ،
وقد خُولِفَ، وتقدَّمَ الكلامُ عليه قريبًا.
قلنا: وفي الحديثِ علةٌ أُخْرَى، وهي الخلافُ الكبيرُ على مجاهدٍ في سندِ هذا الحديثِ؛ ولذا بدأ العقيليُّ ترجمةَ خازمٍ بقوله:"يخالف في حديثه"، ثم ذكرَ خِلافًا طويلًا على مجاهدٍ ثم قال:"هذه الأحاديثُ مضطربةٌ كلُّها، والحديثُ ثابتٌ من غيرِ هذا الوجهِ في قوله: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) "(الضعفاء 1/ 598 - 600).
وذَكَرَ الدارقطنيُّ الحديثَ في موضعين من (العلل)، ورجَّحَ في أحدهما ما رواه الأعمشُ عن مجاهدٍ فقال:"والمحفوظُ قولُ مَن قالَ: عن مجاهدٍ، عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ" انظر (العلل 1115، 1541).
وقد رَوى الثقاتُ متنَ هذا الحديثِ، وليس فيه هذا السياق الطويل، وقد سبقَ الحديثُ عن غيرِ واحدٍ منَ الثقاتِ عن أبي هريرة، بدونه.
وفي حديثِ خازمِ بنِ خزيمةَ زيادةٌ منكرةٌ، وليستْ في حديثِ عمرَ بنِ ذَرٍّ، وهي قوله:((نُصِرْتُ عَلَى عَدُوِّي بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامِي وَشَهْرٍ خَلْفِي)). والثابتُ المتواترُ أنه شهرٌ واحدٌ. ولذا استنكرها الألبانيُّ لمخالفتها الثابت عن أبي هريرة من خمسةِ طرقٍ عنه، والمتواترُ عن غيره من الصحابة، بأنها شهرٌ واحدٌ، فقال:"زيادةٌ منكرةٌ بل باطلةٌ"(الضعيفة 12/ 891 - 893).
رِوَايَةُ مطولة في الإسراء
• وَفِي رِوَايَةٍ:
…
((فَضَّلَنِي رَبِّي بِسِتٍّ: أَعْطَانِي فَوَاتِحَ الكَلِمِ وَخَوَاتِيمَهُ، وَجَوَامِعَ الحَدِيثِ، وَأَرْسَلَنِي إِلَى النَّاسِ كَافَّةً بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِ عَدُوِّي الرُّعْبَ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا)) قَالَ: ((وَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً
…
)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وأَنْكَرَهُ: ابنُ كَثيرٍ، والذهبيُّ، والمقريزيُّ، وَضَعَّفَهُ: الهيثميُّ.
[التخريج]:
[طبر (10/ 314) (مختصرًا جدًّا)، (14/ 424 - 435) (واللفظ له)، (15/ 564)، (22/ 35، 37، 43)، (23/ 570) / تطبر (مسند ابن عباس 727) / بز 9518/ حا (كثير 5/ 38) / إبا (جهم 177) / نبص (المجلد الثاني 17 ط. أم القرى) مختصرًا، ليس فيه موضع الشاهد/ هقل (2/ 397 - 403) / كر (مختصر تاريخ دمشق 2/ 124 - 129)].
[التحقيق]:
رَوى هذا الحديثَ أبو جعفر الرازيُّ عيسي بن ماهان، واضطربَ في سندِهِ على النحوِ التالي:
فرواه الطبريُّ في (تفسيره 10/ 314) قال: حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي هريرة أو غيره، به.
قال الطبريُّ رحمه الله: "شَكَّ أبو جعفرٍ الرازيُّ".
ورواه البيهقيُّ في (الدلائل) من طريق علي بن سهل فذكر مثل ما رواه ابنُ جريرٍ عنه. وفيه الشك على الصحابي.
بينما رواه الطبريُّ في موضع آخر (14/ 435) فقال: حدثني محمد بن عبيد الله، قال: أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية أو غيره -شَكَّ أبو جعفرٍ- عن أبي هريرة بنحو الطريق الأول.
فجعل الشَّك فيمن دون الصحابي وليس في الصحابي.
وأخرجه من طريقِ أبي النضرِ، البزارُ في (مسنده 9518)، وقال:"وهذا لا نعلمه يُروى إلا بهذا الإسناد من هذا الوجه".
وكذا رواه ابنُ بطةَ في (الإبانة كتاب الجهمية 177).
وتابع أبا النضر على هذا الوجه: يونسُ بنُ بُكَيْر، واختُلفَ عليه: فرواه ابنُ أبي حاتمٍ في (التفسير) قال: ذكر أبو زرعة، حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا يونس بن بكير، حدثنا عيسى بن عبد الله التميمي -يعني: أبا جعفر الرازيَّ- عن الربيع بن أنس البكري، عن أبي العالية أو غيره -شَكَّ عيسى-، عن أبي هريرة به.
وخالفَ ابن نُميرٍ يحيى بن سليمان كما عند أبي نعيم في (الدلائل) فرواه عن يونس عن أبي جعفر بسنده، ولم يشك فيه.
وتابع يونس على الوجه الثاني حاتم بن إسماعيل كما عند البيهقيِّ في (الدلائل) فرواه عن أبي جعفر الرازي بنحو رواية يونس المتقدمة بغيرِ شَكٍّ.
وقد خالفَ الجميعَ أحمد بنُ بشير القرشيُّ كما عند أبي نعيم في (الدلائل
17) فرواه عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عمَّن ذكر عن أبي هريرة بنحوه.
فأبهم الواسطة عن أبي هريرة.
قلنا: فمدارُ الطرقِ -كما سبقَ- على أبي جعفرٍ الرازيِّ، وقدِ اضطربَ فيه على أكثر من وجهٍ، وكان يَشكُّ فيه، أحيانًا كان يشكُّ في صحابي الحديث، وأحيانًا في تابعيه، بل جاءتْ عنه روايةٌ في إبهامِ التابعيِّ كما عند أبي نعيم في (الدلائل 17).
وكلُّ هذا مما يُعَلُّ به حديثه هذا فضلًا عن حاله، فقد تكلَّمَ العلماءُ فيه:
فقال أحمدُ رحمه الله: "مضطربُ الحديثِ"(المجروحين 2/ 101)، وقال -أيضًا- "ليس بقويٍّ في الحديثِ"(العلل لابنه عبد الله 4578).
وقال أَحمدُ بنُ سعدِ بنِ أَبي مريم: "سألتُ يحيى بنَ معين، عن أبي جعفرٍ الرازيِّ، فقال: يُكتبُ حديثُه، إِلا أنه يُخطئُ"(تاريخ بغداد 12/ 465).
وقال أبو زرعةَ: "شيخٌ يهمُ كثيرًا"(سؤالات البرذعي لأبي زرعة 268).
وقال النسائيُّ: "ليس بالقويِّ في الحديثِ"(المجتبى 3/ 501).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن ينفردُ بالمناكيرِ عن المشاهيرِ، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إلا فيما وافق الثقات، ولا يجوزُ الاعتبار بروايته إلا فيما لم يخالف الأثبات"(المجروحين 2/ 101).
وقال الحافظُ: "صدوقٌ سيئُ الحفظِ خُصوصًا عن مُغيرةَ"(التقريب 8019).
قلنا: وقد أَعلَّ الحديثَ به: غيرُ واحدٍ منَ العلماءِ، بل منهم مَنْ أنكره إنكارًا شديدًا:
فقال ابنُ كثيرٍ: "روايةُ أبي هريرةَ رضي الله عنه: وهي مطولةٌ جدًّا وفيها غرابة،
…
إلى أن قال: أبو جعفر الرازي، قال فيه الحافظُ أبو زرعةَ:"الرازيُّ يهمُ في الحديثِ كثيرًا"، وقد ضَعَّفَهُ غيرُهُ أيضًا، ووَثَّقَهُ بعضُهم، والأظهرُ أنه سيئُ الحفظِ ففيما تفرَّدَ به نظر. وهذا الحديثُ في بعضِ ألفاظِهِ غرابةٌ ونكارةٌ شديدةٌ، وفيه شيءٌ من حديثِ المنامِ من روايةِ سمرةَ بنِ جُندبٍ في المنامِ الطويلِ عند البخاريِّ، ويشبه أن يكونَ مجموعًا من أحاديثَ شَتَّى، أو منام أو قصة أخرى غير الإسراء، والله أعلم" (تفسير ابن كثير 5/ 32 - 38).
وقال الذهبيُّ -وذَكَرَ حديثًا طويلًا في ثلاثِ ورقاتٍ كِبارٍ-: "تفرَّدَ به: أبو جعفرٍ الرازيُّ، وليس هو بالقويِّ، والحديثُ منكرٌ يُشْبِهُ كلامَ القُصاصِ، إنما أوردتُه للمعرفةِ لا للحجةِ"(تاريخ الإسلام 1/ 642).
وقال المقريزيُّ: "هكذا ساقَ البيهقيُّ هذا الحديثَ كما أوردتُه، وإنَّ الوضعَ لائحٌ عليه، ولولا أنَّ الأئمةَ رَوتْهُ لما ذكرتُهُ"(إمتاع الأسماع 8/ 275).
والعجبُ لا ينقضي حيثُ ضَعَّفه الهيثميُّ بعلةٍ أُخرى فقال: "رواه البزارُ، ورجالُهُ مُوَثَّقُونَ إلا أن الربيعَ بنَ أنسٍ قال: عن أبي العالية أو غيره، فتابعيه مجهول"(المجمع 1/ 436).
[تنبيه]:
عزا السيوطيُّ الحديثَ في (الدر المنثور 9/ 171) لأبي يعلى، ومحمد بن نصر المروزي في (كتاب الصلاة)، وابن عَدِيٍّ، وابن مردويه، ولم نقفْ عليه.
3043 -
حَدِيثُ حُذَيفَةَ
◼ عَنْ حُذَيفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ المَلَائِكَةِ، وجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ المَاءَ)) وَذَكرَ خَصْلَةً أُخْرَى.
[الحكم]:
صحيح (م).
[فائدة]:
قال القرطبيُّ: "قوله: ((وَذَكرَ خَصْلَةً أُخْرَى))؛ ظاهره أنه ذكرَ ثلاثَ خصالٍ، وإنما هما ثنتان كما ذكر؛ لأن قضيةَ الأرضِ كلها خَصْلةٌ واحدةٌ، والثالثة التي لم يذكرها بَيَّنها النسائيُّ من رواية أبي مالكٍ بسندِهِ، فقال: ((وأُوتِيتُ هذه الآيات: خَوَاتِمَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، ولا يعطاهن أحدٌ بَعْدِي)) "(المفهم 2/ 119).
[التخريج]:
[م (522/ 4) (واللفظ له) / ش 1674، 7831 (مقتصرًا على الشاهد) / منذ 750/ بز 2836 (مقتصرًا على الشاهد) / قط 669، 670 (مقتصرًا على الشاهد) / ثعلب 1136/ هق 1036/ هقغ 246، 247/ محلى (1/ 105)، (2/ 117) / إيصال (بدر 2/ 622) / خطابي (1/ 146) / تمهيد (5/ 221)، (19/ 290) / خطك (1/ 428) / فق 306/ تحقيق 2].
[السند]:
قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل عن
أبي مالك الأشجعي عن رِبْعِيٍّ عن حذيفةَ به.
[تنبيه]:
ذَكَرَ الخطيبُ البغداديُّ، وابنُ الصَّلاحِ حديثَ أبي مالكٍ الأشجعيِّ هذا في باب:(زيادة الثقة)، فقال الخطيبُ: "ومنَ الأحاديثِ التي تفرَّدَ بعضُ رواتها بزيادةٍ فيها توجبُ زيادةَ حُكمٍ
…
، ثم أسندَ الحديثَ وقال:"قوله: ((وجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا)) زيادةٌ لم يروها -فيما أعلم- غير سعدِ بنِ طارقٍ عن رِبْعيِّ بنِ حِرَاشٍ، فكُلُّ الأحاديثِ لفظها: ((جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) "(الكفاية صـ 428).
وقال ابنُ الصَّلاحِ -تحت باب (معرفة زيادات الثقات وحكمها) -: "ومِن أمثلةِ ذلك حديث: ((جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا)).
فهذه الزيادةُ تفرَّدَ بها: أبو مالك سعدُ بنُ طارقٍ الأشجعيُّ، وسائرُ الروايات لفظها:((وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
فهذا، وما أشبهه يشبه القِسم الأول من حيث إن ما رواه الجماعةُ عامٌّ، وما رواه المنفردُ بالزيادةِ مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع منَ المخالفةِ يختلفُ به الحُكْمُ. ويشبه أيضًا القسم الثاني من حيث إنه لا منافاةَ بينهما" (مقدمة ابن الصلاح صـ 87).
وقد تَبِعَ ابنَ الصَّلاحَ على ذلك جماعةٌ ممن أَلَّفُوا في علمِ المصطلحِ تقليدًا بغيرِ تحقيقٍ، انظر على سبيلِ المثالِ (اختصار علوم الحديث، مع شرحه: الباعث الحثيث صـ 62)، و (فتح المغيث للسخاوي 1/ 265)، و (تدريب الراوي للسيوطي 1/ 288)، وغيرهما.
وكذا قال الأصيليُّ: "انْفَرَدَ أبو مالكٍ الأشجعيُّ بذكرِ التُّرَابِ في هذا الحديثِ،
ولا اعتداد بمن خالفه الناس" (شرح صحيح البخارى لابن بطال 1/ 467).
فتعقب جماعةٌ من أهلِ العلمِ التمثيلَ بذلك لعدم استقامته، فقال الزركشيُّ:"روايةُ أبي مالكٍ أخرجها مسلم في (صحيحه) عنه عن رِبْعيٍّ عن حُذيفةَ فإن أرادَ المصنِّفُ تفرد سعدِ بنِ طارقٍ من جهةِ حذيفةَ، فليس كذلك؛ فقد رَوى أحمدُ في (مسنده) من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عَقيلٍ عن محمدِ بنِ عليٍّ، أنه سمعَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه يقولُ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((جُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا))، وعبدُ اللهِ مختلفٌ فِيه في تعارض الإرسالِ والوصلِ أن الزيادةَ مع مَن وَصَلَ غير مُسَلَّمٍ لما سبقَ قريبًا"(النكت على ابن الصلاح للزركشي 2/ 195).
وقال الحافظُ رحمه الله: "وهذا التمثيلُ ليس بمستقيمٍ -أيضًا-؛ لأن أبا مالكٍ قد تفرَّدَ بجملةِ الحديثِ عن رِبْعيِّ بنِ حِراشٍ رضي الله عنه، كما تفرَّدَ برواية جملته ربعي عن حذيفة رضي الله عنه.
فإن أرادَ أن لفظةَ ((تُرْبَتُهَا)) زائدةٌ في هذا الحديثِ على باقي الأحاديثِ في الجملةِ، فإنه يردُ عليه أنها في حديثِ عليٍّ رضي الله تعالى عنه -أيضًا- كما نبَّه عليه شيخُنَا. وإن أرادَ أنَّ أبا مالكٍ تفرَّدَ بها، وأن رفقته، عن ربعي رضي الله عنه لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه، فليس بصحيحٍ" (النكت 2/ 700 - 701).
قلنا: قد أحسنَ الحافظُ في الرد، غير أنه رحمه الله عليه مؤاخذتان:
الأولى: قوله: "لأنَّ أبا مالكٍ قد تفرَّدَ بجملةِ الحديثِ عن ربعيٍّ" فهذا غيرُ صحيحٍ، فقد رَوى الحديثَ عن ربعيٍّ -غير أبي مالك- اثنان:
الأول: نُعيمُ بنُ أبي هندٍ كما عند البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 399) ولكن
معلقًا، وقد وصله: الطبرانيُّ في (الأوسط 7493)، وأبو بكرٍ النيسابوريُّ في (فوائده ق 149/ ب) من طريقين عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد عن نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة به مرفوعًا، ولفظه:((أُعْطِيتُ آيَاتٍ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بَعْدِي، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا عَلَى مِثْلِ صُفُوفِ المَلَائِكَةِ، وأُيِّدْتُ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ))، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ مِنْ آخِرِ البَقَرَةِ:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ غير الحسن بن سالم هذا، قال ابنُ مَعينٍ:"صالح"(الجرح والتعديل 3/ 15)، وترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 259) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 6/ 164)، وقال الحاكمُ:"لم يسند تمام العشرة"(سؤالات السجزي 99)، وقد ذكره في (معرفة علوم الحديث صـ 328) ضمن باب معرفة الأئمة الثقات المشهورين من التابعين.
فهذه رواية نعيم بن أبي هند ليس فيها زيادة: "وتربتها" ولكن الطريق إليه فيها الحسن بن سالم، ولا يتحمل مخالفة أبي مالك الأشجعي في إثباتها، كما أن في روايته بعض الزيادات التي تختلف عن رواية أبي مالك المتقدمة.
والثاني: سعيدُ بنُ أبي بردةَ كما عند الطبرانيِّ في (الكبير 3/ 169/ 3025)، و (الأوسط 4145)، وابن الأعرابي (1300) فرواه عن رِبْعيٍّ بسندِهِ ولكن مقتصرًا على آخره فيما يتعلق بسورة البقرة، كما أن السندَ ضعيفٌ، فيه أبو خالد الدالاني، قال الحافظ:"اسمه يزيد بن عبد الرحمن، صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا، وكان يدلسُ"(التقريب 8072).
أما المؤاخذة الثانية، وهي قوله:"فإنْ أرادَ أن لفظةَ "تربتها" زائدةٌ في هذا
الحديثِ على باقي الأحاديث في الجملة، فإنه يرد عليه أنها في حديثِ عليٍّ رضي الله عنه أيضًا كما نبَّه عليه شيخُنَا". فحديثُ عليٍّ رضي الله عنه المستشهدُ به ضعيفٌ كما سيأتي.
رِوَايَةُ آخِرَ سُورَةِ البَقَرَةِ
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ بَدَلَ ((خَصْلَةً أُخْرَى)): ((وَأُوتِيتُ هَؤُلَاءِ الآيَاتِ آخِرَ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْهُ قَبْلِي، وَلَا يُعْطَى مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدِي)).
[الحكم]:
إسنادُهُ صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: ابنُ حِبَّانَ، والذهبيُّ، والسيوطيُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[كن 8165 (واللفظ له) / حم 23251/ حب 1693/ ش 32306/ بز 2845/ طب (3/ 169/ 3025) (مقتصرًا على آخره) / طس 4145 (مقتصرًا على آخره) / سراج 504، 505/ سرج 301، 302/ مسن 1152/ منذ 502/ مشكل 4490/ معر 1300 (مقتصرًا على آخره) / هقل (5/ 474 - 475) / شعب 2178/ طيل 366/ جر 1044/ لك 1444/ فضلق 53، 54، 55 (مقتصرًا على آخره) / علوم (1/ 216) / حداد 615/ فضائل القرآن لأبي الحسن بن صخر الأزدي (لمحات الأنوار للغافقي 846)].
[السند]:
قال ابنُ أبي شيبةَ: حدثنا محمد بن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن رِبْعيٍّ، عن حذيفة به، مقتصرًا على آخره.
وقال النسائيُّ: أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، به.
ورواه الإمام أحمد عن أبي معاوية عن أبي مالك بنحوه.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ، رجالُهُ كلُّهم ثقات.
ولذا صَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، والذهبيُّ في (تاريخ الإسلام 1/ 805).
ورمز لصحته السيوطيُّ في (الجامع الصغير 1172). وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (صحيح الجامع 4223).
رِوَايَةُ ترابها
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((
…
وَجُعِلَ تُرَابُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ المَاءَ
…
)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((تُرَابُهَا)) مُختلفٌ فيها، والمحفوظُ ((تُرْبَتُهَا)) كما في صحيح مسلم.
[التخريج]:
[خز 281 (واللفظ له) / حب 6440/ طي 418/ مشكل 1024/ عه 931/ هق 1037، 1074/ هقع (2/ 27/ 1622، 1623) / هقخ 813/ مخلدي (ق 226/ ب-227/ أ) / تحقيق 267/ جر 1045/ لك 1445].
[التحقيق]:
رُوِيتْ هذه اللفظةُ من طرقٍ عن أبي مالكٍ الأشجعيِّ عن رِبْعِيٍّ عن حذيفةَ:
الطريق الأول: رواه محمد بن فضيل، واختُلِفَ عليه،
فرواه ابنُ خزيمةَ في (صحيحة 281) -وعنه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 6440)، ومن طريقه البيهقيُّ في (الكبير 1074) - فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، قال: حدثنا ابن فضيل، عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة بن اليمان به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ رجالُهُ ثقاتٌ؛ ولذا أورده ابنُ خزيمةَ وابنُ حِبَّانَ في (صَحِيحَيْهِمَا).
وتابع ابن الشهيد عليه محمد بن سعيد الأصبهاني كما عند الطحاوي في (شرح مشكل الآثار 301)، وسندُهُ صحيحٌ.
وكذا تابعهما هارون بن إسحاق كما عند الآجري في (الشريعة 1045) غير أن يحيى بن صاعد قد جمع بين ابن الشهيد وهارون بن إسحاق في ذِكْرها، والظاهرُ أنَّ هذا لفظُ ابنِ الشهيدِ.
وخالفهم جماعةٌ، وهم:
1 -
أبو بكر بنُ أبي شيبةَ كما في (مصنفه 7831) -وعنه الإمام مسلم في (صحيحه 522)، وغيره-.
2 -
عبد الله بن عمر بن أبان وكان ثقةً كما عند السراج في (حديثه 301، ومسنده 504)، وغيره.
3 -
علي بن المنذر كما عند اللالكائي في (شرح أصول الاعتقاد 1444).
4 -
الهيثم بن سهل عند ابن الحداد في (جامع الصحيحين 615).
5 -
يحيى بن عبد الحميد كما عند أبي نعيم في (المسند المستخرج 1152).
الثاني: أبو عوانة، واختُلِفَ عليه:
فرواه أبو داود الطيالسيُّ كما في (مسنده 418) -ومن طريقه: أبو عوانة في (المستخرج 874)، ولكن قَرَنَ بينه وبين حجاج بن المنهال، والذي نَرَاهُ أنها لفظ أبي داود كما هو في السنن، وكذا البيهقي في (الخلافيات 813) -.
وتابعه عفان وأبو كامل كما عند البيهقيِّ في (الكبير 1037).
وكذا تابعهم محمد بن موسى بن أبي نعيم
(1)
كما عند اللالكائي في
(1)
تصحَّفَ في المطبوع من (شرح أصول الاعتقاد) إلى: محمد أبي نعيم، قال المحقق في (الحاشية 2): في (ز) ابن أبي نعيم. قلنا: وهو الصوابُ فلا يُعرفُ في التراجم من اسمه: محمد أبي نعيم.
(شرح أصول الاعتقاد 1445).
فرواه خمستُهم: (أبو داود، وعفان، وأبو كامل، وحجاج، وابن أبي نعيم) عن أبي عوانة عن أبي مالك بسنده، وفيه هذه اللفظة.
بينما خالفهم جماعةٌ، وهم:
1 -
مسدد كما عند ابنِ حِبَّانَ في (صحيحه 1697)، والبيهقي في (الشعب 2178)، وغيرهما.
2 -
آدم بن أبي إياس كما عند النسائي في (الكبرى 8165).
3 -
سهل بن بكار كما عند السراج في (حديثه 302).
4 -
يعقوب بن إسحاق كما عند الطحاوي في (شرح مشكل الآثار 4490).
5 -
خلف بن هشام كما عند الدارقطني في (السنن 669)، وغيره.
الطريق الثالث: سعيد بن مسلمة، كما عند ابن الجوزي في (التحقيق 267) فرواه من طريق الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن غيلان، نا الحسين بن الجنيد، نا سعيد بن مسلمة، حدثني أبو مالك الأشجعي بسنده، وفيه:"وتُرَابُهَا" ولكن المثبت من (السنن للدارقطني 670): "وتُرْبَتُهَا" فلا نَدْرِي أين الخطأ، بيد أن ابنَ دقيق العيد في (الإمام 3/ 129)، وابنَ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 621)، والذهبيَّ في (تنقيح التحقيق 1/ 78)، وابنَ حَجرٍ في (التلخيص الحبير 1/ 263)، وغيرَهم- قد عزوا جميعًا الحديثَ للدارقطنيِّ في (السنن) بلفظ:"وتُرَابُهَا"، فلعلَّ ما في المطبوع من (السنن)
تصحيف، والله أعلم.
وقد رواه -أيضًا- المَخْلَديُّ كما في (الفوائد المنتخبة) من طريق محمد بن غالب الأنطاكي ثنا سعيد بن مسلمة، عن أبي مالك سعد بن طارق به.
وهذا يُرَجِّحُ أن ما بـ (السنن) تصحيف، والله أعلم.
وعمومًا هذا الطريق ضعيفٌ، مدارُهُ على سعيد بن مسلمة، وهو ضعيفٌ (التقريب 2395).
قلنا: الرَّاجحُ مما ذُكر أن المحفوظَ عن محمد بن فضيل بلفظ: "وتُرْبَتُهَا" وقد تابعه على هذا اللفظ: ابنُ أبي زائدةَ كما في (صحيح مسلم 522).
أما الخلافُ على أبي عوانة فهو خلافٌ قويٌّ، إلا أن يرجحه الوجه الأقوى عن ابن فضيل ومتابعة ابن أبي زائدة، والله أعلم.
وقد أشارَ فريقٌ من أهلِ العلمِ لهذا الخلافِ:
قال ابنُ دقيقِ العيدِ: "وفي لفظٍ للدارقطنيِّ من رواية سعيد بن مسلمة، عن أبي مالك:((جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَتُرَابُهَا طَهُورًا))
…
وهذه اللفظةُ معروفةٌ بروايةِ أبي مالكٍ الأشجعيِّ، وقدِ اختُلِفَ فيها، فقيل:"تُرْبَتُهَا"، وهو الذي ذكره مسلم كما قدمناه. وقيل:"تُرَابُهَا"، قاله أبو عوانة عن أبي مالك، ولفظه:((وَجُعِلَ تُرَابُهَا طَهُورًا)). وزاد: ((وَأُعْطِيتُ هَذِهِ [الْآيَاتِ] مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْهُ قَبْلِي، ولا يُعْطَى مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدِي)). أخرجه البيهقيُّ.
وكذلك رواية إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، عن محمد بن فضيل:"تُرَابُهَا"، وهو خِلافُ ما رواه مسلمٌ من حديثِ ابنِ فُضيلٍ، عن أبي بكر بن أبي شيبة عنه، فإن فيه:"تُرْبَتُهَا"(الإمام 3/ 129 - 130).
وقال ابنُ عبدِ الهادِي: "
…
حديثُ حذيفةَ هذا قد تقدَّمَ أن مسلمًا رواه، لكن لفظه:((وَجَعَلَ تُرْبَتَهَا لنا طَهُورًا)) (تنقيح التحقيق 1/ 368)، وانظر (البدر المنير لابن الملقن 2/ 620 - 621)، وقال في (خلاصته 1/ 68): "رواه بهذا اللفظِ: الدارقطنيُّ، وأبو عوانةَ في (صحيحه)، ورواه مسلمٌ -أيضًا- لكن لفظه:((وجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا)). وانظر كذلك (التلخيص الحبير 1/ 262 - 263).
رِوَايَةُ: زاد: وأُيِّدْتُ بِالرُّعْبِ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ آيَاتٍ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلَا يُعْطَاهَا أَحَدٌ بَعْدِي، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا عَلَى مِثْلِ صُفُوفِ المَلَائِكَةِ، وأُيِّدْتُ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ))، ثُمَّ قَرَأَ الآيَاتِ مِنْ آخِرِ البَقَرَةِ:{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بغيرِ هذا السياقِ كما عند مسلم، وهذا إسنادٌ حسنٌ.
[التخريج]:
[تخ معلقًا (3/ 399) / طس 7493/ زياد (ق 149/ ب)].
[السند]:
علَّقه البخاريُّ عن شيخه إبراهيم بن موسى الفراء قال: أخبرنا عيسى بن يونس سمع الحسن بن سالم بن أبي الجعد، سمع نعيم بن أبي هند عن رِبْعي
عن حذيفة
(1)
سمع النبي صلى الله عليه وسلم.
ووصله أبو بكر النيسابوريُّ في (فوائده) قال: حدثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا عيسى -يعني ابنَ يونس-، ثنا الحسن بن سالم به.
ورواه الطبرانيُّ من طريق الحسن بن سالم بن أبي الجعد به.
ومداره على الحسن بن سالم به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ من أجل الحسن بن سالم بن أبي الجعد، قد تقدَّم قولُ ابنِ مَعينٍ فيه أنه:"صالح"(الجرح والتعديل 3/ 15)، غير أنه قد خُولِفَ من أبي مالكٍ الأشجعيِّ بغيرِ هذا السياقِ كما عند الإمام مسلم في (صحيحه) كما بَيَّنَّا مِن قبل.
(1)
سقطُ لفظُ: حذيفة رضي الله عنه من المطبوع ولا يستقيم السياق، فإن رِبْعيًا لم يسمعْ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالاتفاقِ، وقد جاء السندُ على الصوابِ عند أبي بكر النيسابوريِّ في (فوائده) كما هو مذكور.
3044 -
حَدِيثُ أَنَسٍ
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهَا مَنْ قَبْلِي: أُرْسِلْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ شَهْرٍ، وَأُطْعِمَتْ (أُعْطِيَتْ) أُمَّتِي الغَنَائِمَ، وَلَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
[الحكم]:
صحيحٌ، وصَحَّحَهُ: ابنُ المنذرِ، والجورقانيُّ، والضياءُ، وابنُ تيميةَ، وابنُ حَجرٍ، والسيوطيُّ، والمُناويُّ، والزرقانيُّ، والألبانيُّ.
[الفوائد]:
قال ابنُ المنذرِ: "في هذا الحديثِ دليلٌ على أن الذي يجوزُ أن يُتيمم به منَ الأرضِ الطيب، دون ما هو منها نجس"(الأوسط 2/ 12).
[التخريج]:
[جا 124 (مقتصرًا على فقرة الأرض) / سرج 312، 313 (واللفظ له) / سراج 513 (والرواية له) / منذ 504، 751/ نبص (160 - 162 المجلد الأول ط. جامعة أم القرى) / خطابي (1/ 147) / ضيا 1653، 1654، 1655/ شيو 71/ طيل 382/ السنن لأبي بكر بن أبي زكريا الهمذاني (طيل 2/ 10)].
[السند]:
قال ابنُ الجارودِ: حدثنا محمد، قال: ثنا حجاج الأنماطي، قال: ثنا حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس، رضي الله عنه به مقتصرًا على فقرة الأرض.
ومحمد هو ابنُ يحيى الذهليُّ.
ورواه قاضي المارستان في (مشيخته) -ومن طريقه الضياء في (المختارة 1653) - من طريق محمد بن يحيى به.
ورواه الجورقانيُّ في (الأباطيل) من طريق يوسف بن المثنى، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني.
وابنُ المنذر في (الأوسط) عن علي بن عبد العزيز.
ثلاثتُهم عن حجاج بن منهال الأنماطي به.
ورواه مطولًا: السراج في (حديثه ومسنده) -ومن طريقه: الضياءُ في (المختارة) - فقال: حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش ثنا حجاج بن منهال.
وأخبرني أبو يحيى أنا حجاج بن منهال ثنا حماد بن سلمة عن ثابت، وحميد، عن أنس، به.
ورواه أبو نعيم في (الدلائل) من طريقين عن محمد بن يحيى بن المنذر وعبيد الله بن الحجاج بن المنهال عن الحجاج بن المنهال بنحوه.
فمداره عند الجميع -خلا أبا نعيم في (الدلائل 162) - على حجاج بن المنهال الأنماطي عن حماد عن ثابت وحميد عن أنس به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم، وأخرج له البخاري تعليقًا.
ولذا قال ابنُ المنذرِ: "ثَبَتَ أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ((جُعِلَتْ لِي كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) " نقلناه عنه بواسطة: (شرح الزركشي على مختصر الخرقي 1/ 352)، و (شرح عمدة الفقه لابن تيمية - من كتاب الصلاة صـ 403).
وقال الجورقانيُّ: "هذا حديثٌ صحيحٌ"(الأباطيل 2/ 10).
وصَحَّحَهُ الضياءُ، بإخراجه في (المختارة)، وشرطه فيها معروف.
وصَحَّحَ إسنادَهُ ابنُ تيميةَ في (شرح عمدة الفقه - كتاب الصلاة صـ 403).
وقال الحافظُ: "روى ابنُ المنذرِ وابنُ الجارودِ بإسنادٍ صحيحِ عن أنسٍ"، وذكره. (الفتح 1/ 438).
ورمز لصحته السيوطيُّ في (الجامع الصغير 3595). وتبعه المُناويُّ في (التيسير 1/ 988). وكذا صَحَّحَ إسنادَهُ: الزرقانيُّ في (شرح المواهب اللدنية 7/ 105)، والألبانيُّ في (صحيح الجامع 3100)، وقال في (الثمر المستطاب ص 355):"زيادة ثابتة". يعني زيادة: ((كُلُّ أَرضٍ طَيِّبَةٍ)).
قلنا: وقد رُوي الحديثُ من طريقٍ أُخرَى واهية، وهي ما رواه أبو نعيم في (دلائل النبوة 162) فقال: حدثنا محمد بن حميد، وأبو محمد بن حيان، قالا: حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعيد الدَّسْتُوائي، حدثنا إبراهيم بن سليمان، حدثنا الهيثم بن عبيد
(1)
الله الفقيه، حدثنا يزيد بن إبراهيم التستري، عن يونس بن عبيد، عن أنس بن مالك، بنحوه، وليس في روايته لفظة:"طيبة".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه علتان:
(1)
تصحَّف في المطبوع إلى: عبد الله، والمثبت هو الصواب، كذا ترجم له ابنُ أبي حاتم فقال:"الهيثم بن عبيد الله القرشي، كوفي، روى عن: الحسن بن صالح، وحماد بن زيد، وشريك، وقيس بن الربيع، ويزيد بن إبراهيم التُّسْتَري، ومبارك بن فَضَالة. روى عنه: محمد بن إسماعيل الأحمسي، وأبي. ثنا عبد الرحمن، قال: سُئِلَ أبي عنه، فقال: صدوق"(الجرح والتعديل 9/ 85).
الأولى: الانقطاع بين يونسَ بنِ عبيدٍ وأنسٍ رضي الله عنه، فيونسُ لم يسمعْ من أنسٍ شيئًا (الثقات لابنِ حِبَّانَ 7/ 647).
الثانية: إبراهيم بن سليمان وهو النَّهْميُّ، ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 8/ 86)، ولكن قال الدارقطنيُّ:"متروك"(سؤالات الحاكم 40)، واتَّهمه الذهبيُّ بالوضعِ، انظر (لسان الميزان 156).
[تنبيه]:
عزا الحافظُ ابنُ حجرٍ الحديثَ في (إتحاف المهرة 482) إلى أحمدَ، وكذا السيوطيُّ في (الجامع الصغير 3595)، و (جمع الجوامع 4/ 563)، وتبعه المتقي الهندي في (كنز العمال 31902)، والمُناويُّ في (التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 486)، وفيض القدير (3/ 349).
ولم نجدْهُ في (المسند)، ولا في (أطرافه) لابنِ حَجرٍ، ولا في (زوائده) للهيثميِّ، فلعلَّه سبقُ قلمٍ منَ الحافظِ رحمه الله، أو لعلَّ نظرَ الناسخِ انتقلَ منَ الحديثِ الذي قبله إلى هذا، أو لعلَّه من الحافظِ نَفْسِهِ كما قال محققو كتاب (إتحاف المهرة 1/ 471)، والله أعلم.
3045 -
حديث عبد الله بن عمرو
• عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ- قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ، حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ، فَقالَ لَهُمْ:((لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي: أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ عَلَى العَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنائِمُ آكُلُهَا، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا، كَانُوا يُحْرِقُونَهَا، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْاجِدَ وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ، وَالخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ! قِيلَ لِي: سَلْ؛ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ. فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)).
[الحكم]:
صحيحُ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ.
وصَحَّحَ إسنادَهُ: المنذريُّ، والبوصيريُّ، وابنُ حَجرٍ الهيتميُّ.
وجَوَّدَهُ: ابنُ تيميةَ، وابنُ كثيرٍ، وحَسَّنَهُ: ابنُ حَجرٍ، والألبانيُّ، وقال الهيثميُّ:"رجالُهُ ثقاتٌ".
[التخريج]:
[حم 7068 (واللفظ له) / عدني - (خيرة 722) / مشكل 4489/ حكيم 1239/ هق 1073/ شجر 994/ لك 1451/ أثر (1/ 165) / نجار (جمع الجوامع 21/ 325)].
[السند]:
قال أحمدُ في (مسنده)، والحكيمُ الترمذيُّ في (النوادر): حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مُضَر عن ابن الهاد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده به.
ورواه ابنُ أبي عمرَ العدنيُّ كما في (الإتحاف) قال: ثنا الدراورديُّ.
ورواه الطحاويُّ في (المشكل)، والبيهقيُّ في (السنن الكبير) من طريقين عن الليث.
كلاهما (الدراوردي، والليث بن سعد) عن ابن الهاد به.
ومداره عند الجميع على يزيد بن الهاد، عن عمرو بن شعيب
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ حسنٌ؛ لأجل عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو، هو وأبوه:"صدوقان" كما في (التقريب 5050، 2806). وجَدُّهم هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهذه سلسلةٌ مشهورةٌ حسنةُ الإسنادِ، بل منهم مَن صَحَّحَهَا إذا صَحَّ الحديثُ إلى عمرٍو رضي الله عنه، وهو الحالُ معنا فبقية رواته ثقات من رجال الشيخين.
ولذا قال المنذريُّ والبوصيريُّ، وابنُ حجرٍ الهيتميُّ:"رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ"(الترغيب والترهيب 4/ 433)، و (إتحاف الخيرة 1/ 398)، و (الزواجر عن اقتراف الكبائر).
وجوَّدَهُ ابنُ تيميةَ في (شرح عمدة الفقه- كتاب الصلاة 1/ 425).
وقال ابنُ كَثيرٍ: "إسنادُهُ جيدٌ قويٌّ"(التفسير 3/ 490)،
وحسَّنَهُ الحافظُ في (الفتح 1/ 436)، والألبانيُّ (صحيح الترغيب والترهيب 3643).
وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، ورجاله ثقات"(المجمع 18486).
والحديثُ سبقَ نحوه في (الصحاح) من غيرِ هذا الوجهِ؛ ولذا قال الشوكانيُّ: "أصله في الصحيحين"(نيل الاوطار 2/ 421).
وعليه فالحديثُ صحيحٌ لغيرِهِ لهذه الشواهد.
3046 -
حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ
◼ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((فَضَّلَنِي رَبِّي عَلَى الأَنْبِيَاءِ -أَوْ قَالَ: عَلَى الأُمَمِ- بِأَرْبَعٍ)) قَالَ: ((أُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجُعِلَتِ الأَرْضُ كُلُّهَا لِي وَلِأُمَّتِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيْنَمَا أَدْرَكَتْ رجلًا مِنْ أُمَّتِي الصَّلَاةُ فَعِنْدَهُ مَسْجِدُهُ وَعِنْدَهُ طَهُورُهُ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ يَقْذِفُهُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي، وَأَحَلَّ لَنَا الغَنَائِمَ)).
[الحكم]:
صحيحٌ لغيرِهِ، وإسنادُهُ حسنٌ، وقال الترمذيُّ:"حسنٌ صحيحٌ".
وصَحَّحَهُ: ابنُ العربي، وابنُ الملقنِ، وابنُ حَجرٍ، والسيوطيُّ، والألبانيُّ.
وحَسَّنَهُ: الذهبيُّ. وأشارَ إلى تحسينه: ابنُ دقيقِ العيدِ، والهيثميُّ، والشوكانيُّ.
[التخريج]:
[ت 1636 (مقتصرًا على الغنائم) / حم 22137 (واللفظ له)، 22209/ مسد (خيرة 720/ 1) / مع (خيرة 720/ 3) / علت 462/ سراج 498 - 500/ ني 1260/ طوسي 1306/ تمنذ (در 4/ 59 - 60) / طب (8/ 257/ 8001، 8002) / نبص (المجلد الأول 175 ط. أم القرى) / هق 1033، 1072/ هقغ 245/ تمهيد (5/ 222) / شيو 410/ معكر 547/ كر (73/ 97 - 98) / مردويه (در 4/ 59 - 60) / حفار 55/ صمد 73/ دبيثي (3/ 43) / حسيني (ذيل 5/ 39 - 40) / مغلطاي (2/ 321) / (كما 12/ 183) / ثقفي (الإلمام 133)، (بدر 2/ 624)، (حبير 1/ 264) / طراد (ق 86/ أ)].
[السند]:
رواه أحمدُ في (المسند 22137) عن محمد بن أبي عدي.
وبرقم (22209) عن يزيد. كلاهما (يزيد بن هارون، وابن أبي عدي) عن سليمانَ -يعني التيميَّ-، عن سَيَّارٍ، عن أبي أمامةَ به.
ورواه الترمذيُّ عن محمد بن عبيد المحاربي عن أسباط بن محمد عن التيمي بسنده مختصرًا.
ومداره عند الجميع على سليمان التيمي، عن سَيَّارٍ
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، إلا سَيَّارًا، وهو القرشيُّ الأمويُّ الشاميُّ، قال الترمذيُّ:"سألتُ محمدًا -أي البخاري- عن هذا الحديثِ وقلتُ له: مَن سَيَّار هذا الذي روى عن أبي أمامة؟ قال: هو سيَّار مولى بني معاوية، أدرك أبا أمامة وروى عنه، وروى عن أبي إدريس الخولاني، وروى عن سيَّارٍ سليمانُ التيميُّ وعبدُ اللهِ بنُ بجير"(العلل الكبير صـ 275).
وقال ابنُ مَعينٍ: سليمانُ التيميُّ يُحَدِّثُ عن سَيَّارٍ، قال: سُئِلَ ابنُ عباسٍ عن أُمِّ الكتابِ، فقال: علم الله ما هو خالق". فسمعتُ أبا بكرٍ يقولُ: سيَّار هذا، مولى معاوية"(تاريخ ابن معين رواية ابن محرز صـ 411).
قلنا: وسيَّارٌ هذا روى عنه جماعةٌ منَ الثقاتِ، وترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 160)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 4/ 254)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 335) على عادتِهِ، وذكره -أيضًا- ابنُ خلفونَ في كتاب (الثقات)، كما في (إكمال تهذيب الكمال 6/ 190).
ولذا قال الذهبيُّ: "وُثق"(الكاشف 2220)، بينما قال -عقب هذا الحديث-:"صدوقٌ"، وحَسَّنَ حديثَه، كما سيأتي، وكذا قال ابنُ حجرٍ:
"صدوقٌ"(التقريب 2720).
قلنا: وقد تابعه القاسم بن عبد الرحمن الشامي كما عند الفزاري في (السير)، ومسدد، والطبراني في (الكبير) ولكنها متابعةٌ لا تساوي شيئًا، فمدارُ سندها عندهم على بشر بن نُمير عن القاسم
…
به.
وبشرٌ هذا قال عنه ابنُ حَجرٍ: "متروكٌ متهمٌ"(التقريب 706).
والحديثُ ثابتٌ صحيحٌ كما سبقَ عن جابرٍ في (الصحيحين)، وعن أبي هريرة عند مسلم، وعن غيرهم بأسانيدَ صحيحةٍ كما سبقَ.
ولذا قال الترمذيُّ: "حديثُ أبي أمامةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
وصَحَّحَهُ ابنُ العربي (عارضة الأحوذي 7/ 42).
وقال ابنُ دقيق العيد: "أخرجه أبو عبد الله الثقفي في (الفوائد) عن قومٍ موثقين"(الإلمام 1/ 107).
وقال الذهبيُّ: "إسنادُهُ حسنٌ، سيَّارٌ صدوقٌ، أخرجه أحمدُ"(تاريخ الإسلام 1/ 808).
وقال ابنُ الملقنِ: "وفي (فوائد أبي عبد الله الثقفي) بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي أمامة" ثم ساقه، (البدر المنير 2/ 624).
وقال الهيثميُّ: "رجالُ أحمدَ ثقاتٌ"(المجمع 13952).
وقال ابنُ حَجرٍ: "وفي (الثقفيات) عن أبي أمامة نحو الأربع المذكورة، وإسنادُهُ صحيحٌ"(التلخيص الحبير 1/ 399).
ورمز لصحته السيوطيُّ في (الجامع الصغير 5882).
وقال الشوكانيُّ: "إسنادُهُ ثقاتٌ إلا سيَّارًا، وهو صدوقٌ"(نيل الأوطار 2/ 421).
وصَحَّحَهُ الألبانيُّ في (الإرواء 152، 285).
[تنبيه]:
تقدَّمَ حديث هشيم عن سيَّارٍ عن يزيدَ الفقيرِ عن جابرٍ، فجاء سيَّارٌ غير منسوب، وليس هو سيَّارًا صاحب حديثنا هذا، وإنما هو سيَّار أبو الحكم كما سبقَ؛ ولذا قال الحافظُ:"ولهم شيخٌ آخرُ يُقالُ له: سيَّارٌ لكنه تابعيٌّ شاميٌّ أخرجَ له الترمذيُّ وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وإنما ذكرتُه لأنه روى معنى حديث الباب عن أبي أمامة ولم يُنْسَبْ في الروايةِ كما لم يُنْسَبْ سيَّارٌ في حديثِ البابِ، فربما ظنهما بعضُ من لا تمييزَ له واحدًا، فيظن أن في الإسنادِ اختلافًا، وليس كذلك"(فتح الباري 1/ 436).
رِوَايَةُ وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرِ شَهْرٍ، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَبْيَضَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا)).
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا -أَوْ قَالَ: خَمْسًا- لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي، أُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَأُعِنْتُ بِالرُّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا))، وَلَا أَدْرِي ذَكَرَ الشَّفَاعَةَ أَمْ لَا.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[طب (8/ 239/ 7931) (بلفظ الرواية الأولى) / مسد (خيرة 720/ 2) / سير 381 بلفظ الرواية الثانية].
[السند]:
رواه مسددٌ كما في (الإتحاف) -ومن طريقه: الطبرانيُّ-، ثنا عبد الوارث، عن بِشر بن نُمير، عن القاسم، عن أبي أمامة به.
ورواه الفزَاريُّ عن بِشرٍ بسندِهِ بلفظِ الروايةِ الثانيةِ.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ آفته بشر بن نُمير، "متروكٌ متَّهم"(التقريب 706).
وقد تقدَّم بسندٍ أحسن حالًا مِن هذا، كما في الروايةِ السابقةِ.
رِوَايَةُ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرَيْنِ يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((
…
جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَتَى الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَجِدْ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ وَجَدَ الأَرْضَ مَسْجِدًا، وَطَهُورًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرَيْنِ، يَسِيرُ بَيْنَ يَدَيَّ
…
)).
[الحكم]:
شاذٌّ بهذا اللفظِ.
[التخريج]:
[هق 4324].
[السند]:
قال البيهقيُّ: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي، أخبرنا أبو نصر محمد بن حمدويه بن سهل المروزي، حدثنا أبو داود سليمان بن معبد السِّنْجي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا سليمان التيمي عن سيَّارٍ عن أبي أمامة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، ظاهرُهُ الصحةُ؛ ولذا رمز لصحته السيوطيُّ في (جامعه 5882). وتبعه الألبانيُّ فقال:"صحيح"(صحيح الجامع 4220). وليس كذلك، بل قوله:((شهرين)) شَاذٌّ، فقدِ انفردَ بهذه اللفظةِ: سليمانُ بنُ معبدٍ السَّنْجيُّ عن يزيد بن هارون.
وهو وإن كان ثقةً، إلا أنه خَالفَ الثقات الحفاظ.
فقد رواه أحمدُ بنُ حنبلٍ كما في (مسنده 22209).
وأبو بكر بنُ أبي شيبةَ كما عند الطبراني في (المعجم الكبير 8002).
وأحمدُ بنُ مَنيعٍ كما عند البوصيري في (إتحاف الخيرة المهرة 720/ 3).
ومحمدُ بنُ عبد الملكِ كما عند البيهقي في (السنن الكبير 1033).
وزيادُ بنُ أيوبَ، وعبدُ اللهِ بنُ رَوْحٍ كما عند السراج في (مسنده 500).
فرواه سِتَّتُهم: (أحمد، وابن أبي شيبة، وابن منيع، ومحمد، وزياد، وابن روح) عن يزيدَ بنِ هارونَ به بلفظ: ((شهر)).
وهكذا رواه يزيدُ بنُ زُريعٍ كما عند مسدد في (مسنده) كما في (الإتحاف 720)، وغيره.
ومحمدُ بنُ أبي عَدِيٍّ كما عند أحمدَ في (مسنده 22137)، وغيره.
وأسباطُ بنُ محمدٍ كما عند الترمذي في (جامعه 1553)، وغيره.
والمعتمرُ بنُ سليمانَ كما عند الطوسي في (مستخرجه 1306)، وغيره.
وإسماعيلُ بنُ إبراهيمَ بنِ عُلَيَّةَ كما عند الروياني في (مسنده 1260)، وغيره.
فرواه خمستُهم عن سليمانَ التيميِّ عن سيَّارٍ به بلفظ: ((شهر)).
وهو المحفوظُ في سائرِ طرقِ الحديثِ، كما في (الصحيحين) من حديثِ جابرٍ، وعند مسلم من حديثِ أبي هريرةَ.
رِوَايَةُ أَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أُعْطِيتُ ثَلَاثًا لَمْ يُعْطَهُنَّ مَن قَبْلِي وَلَا فَخْرٌ: أُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِمَنْ قَبْلِي، كَانُوا قَبْلِي يَجْمَعُونَ غَنَائِمَهُمْ فَيَحْرُقُونَهَا. وبُعثتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَكَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، أَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ، وَأُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ، قَالَ اللَّهُ: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى}، وَأُعِنْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ بَيْنَ يَدَيَّ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ ابنُ كَثيرٍ.
[التخريج]:
[حا (كثير 6/ 526، در 12/ 230)].
[السند]:
أخرجه ابنُ أبي حاتمٍ -كما في (تفسير ابن كثير) - قال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علي بن زيد الألهاني، وعثمان بن أبي عاتكة كلاهما، ضعيفٌ، وخاصة رواية ابن أبي عاتكة عن الألهاني، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليهما مِرارًا.
ولذا قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ: "حديثٌ ضعيفُ الإسنادِ، وتفسيرُ الآيةِ بالقيامِ في الصلاةِ في جماعةٍ وفُرَادَى بعيدٌ، ولعلَّه مقحمٌ في الحديثِ مِن بعضِ الرواةِ، فإن أصلَه ثابتٌ في (الصحاح) وغيرها، والله أعلم"(التفسير 6/ 526).
3047 -
حَدِيثُ أَبِي مُوسَى
◼ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا: بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِمَنْ كَانَ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ سَأَلَ شَفَاعَةً، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ شَفَاعَتِي ثُمَّ جَعَلْتُهَا لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ شيئًا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وصَحَّحَ إسنادَهُ: ابنُ كَثيرٍ، والهيثميُّ.
وَحَسَّنَهُ: ابنُ حَجرٍ، وَجَّودَهُ: الشوكانيُّ.
[التخريج]:
[حم 19735 (واللفظ له) / ش 7834 (مقتصرًا على الطهور)، 32302، 33998 (مقتصرًا على الغنائم) / مش (خيرة 724/ 1) / حميد (شبيل 4/ 325) / ني 485/ طب - كما في (المجمع 13944) / فقط (أطراف 5008)].
[السند]:
قال أحمدُ: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى به.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه)، وعبدُ بنُ حُميدٍ -كما في (الأحكام الكبرى لعبد الحق الإشبيلي) - عن عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، به.
ومداره عند الجميعِ على إسرائيلَ
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ رجالُ الشيخينِ، ولكن قدِ اختُلِفَ في وصله وإرساله: فرواه جماعةٌ على الوصلِ، وهم:
الحسين بن محمد المروزي -ثقة من رجال الشيخين- كما عند أحمد في (مسنده).
وعبيد اللَّه بن موسى -ثقة من رجال الشيخين أيضًا- كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف)، والروياني في (مصنفه)، وعبد بن حميد كما عند عبدِ الحقِّ في (الأحكام الكبرى).
وموسى بن عقبة ومحمد بن عجلان، كما في (أطراف الغرائب والأفراد 5008).
فرواه أربعتُهُم: (الحسين، وعبيد الله، وموسى، وابن عجلان) عن إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق السَّبيعي عن أبي بردة عن أبي موسى به. هكذا موصولًا.
وخالفهم أبو أحمد الزبيري -ثقة من رجال الشيخين- كما عند أحمد (19736)، فرواه عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة مرسلًا.
قلنا: ورواية الجماعة بلا شك أقوى، إلا أن يكون الاختلافُ هذا من أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ، فقد قال أحمدُ:"في حديثِ إسرائيلَ اختلافٌ عن أبي إسحاقَ، أحسبُ ذاك مِن أبي إسحاقَ"(العلل ومعرفة الرجال -رواية ابنه عبد الله- 1335).
وقد صَحَّحَ الحديثَ جماعةٌ، فقال ابنُ كَثيرٍ:"وهذا أيضًا إسنادٌ صحيحٌ، ولم أرهم خرَّجُوه"(التفسير 3/ 491)، وحَسَّنَهُ ابنُ حَجرٍ في (الفتح 1/ 436).
وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ متصلًا ومرسلًا. والطبرانيُّ، ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ"(المجمع 13944).
وقال الشوكانيُّ: "عن أبي موسى عند أحمدَ والطبرانيِّ بإسنادٍ جيدٍ"(نيل الأوطار 2/ 422).
3048 -
حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ مرسلًا
◼ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
…
فَذَكَرَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُسْنِدْهُ.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[حم 19736].
قال أحمدُ: حدثنا أبو أحمد -يعني الزبيريَّ- قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة. مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أنه مرسلٌ، وقد وصله جماعةٌ عن إسرائيلَ، غير أبي أحمد الزبيري، فرواه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه به كما سبقَ في الروايةِ السابقةِ.
3049 -
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ
◼ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: [طَلَبْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلًا، فَوَجَدْتُهُ قَائِمًا يُصَلِّي فَأَطَالَ الصَّلَاةَ. ثُمَّ قَالَ]: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ (نَبِيٌّ) قَبْلِي: بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَيُرْعَبُ العَدُوُّ وَهُوَ مِنِّي مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ، وَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، فَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْكُمْ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ شيئًا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[الفوائد]:
قال ابنُ الملقنِ: "نَقَلَ أحمدُ في (مسنده) -عقب روايته لهذا الحديث عن مجاهد- أنه كان يرى أن الأحمرَ: الإنس، والأسود: الجن. قال ابنُ الجوزيِّ في (جامع المسانيد): (والذي عليه المفسرون) أن الأحمر العجم، والأسود العرب، والغالب على ألوان العرب السمرة، وعلى ألوان العجم البياض. قال أبو عمر: المراد بالأحمر: الأبيض، ومنه قوله لعائشة: ((يا حميراء)) "(البدر المنير 2/ 625).
[التخريج]:
[د 489 (مقتصرًا على قوله: وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ) / حم 21299 (والرواية له)، 21314 (واللفظ له)، 21435/ حق (مسند ابن عباس 868) / مي 2497/ حب 6502/ ك 3633/ بز 4077/ طي 474/ ش 7836، 7839، 32307/ مش - (خيرة 6356/ 5) / عد (3/ 140) / خلا 1178/ تمهيد (19/ 68) / زمب (زوائد ابن صاعد 1069،
1620) / حل (3/ 277)(والزيادة له ولغيرِهِ) / نبص (المجلد الأول 145، 146، 149 ط. أم القرى) / سرج 293/ سراج 493/ سير 375/ شهب 1112/ هقل (5/ 473) / مخلص 2258/ خيثم (رواية ابن أبي نصر 38) / مخلدي (ق 261/ أ) / دبيثي (1/ 396) / خبر (1/ 525 - 526)].
[التحقيق]:
مدارُ هذا الحديثِ على مجاهدِ بنِ جبرٍ، واختُلِفَ عليه، على وجهين:
الوجه الأول:
رواه أحمدُ في (مسنده 21314) -وعنه الخلالُ في (السنة 1178) -، وابنُ أبي شيبةَ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة المهرة 6356/ 5)، والدارميُّ في (مسنده 2497)، والسراجُ في (حديثه ومسنده)، وابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 6502)، وابنُ عبدِ البرِّ في (تمهيده)، وغيرهم، من طريقِ أبي عَوانةَ.
ورواه أبو داود في (سننه 489)، وإسحاقُ بنُ راهويه في (مسنده 868) -ومن طريقه: أبو نعيم في (الحلية 3/ 277) -، ويحيى بنُ صَاعد في (زوائده على الزهد لابن المبارك 1069)، وغيرهم، من طريقِ جريرِ بنِ عبدِ الحميدِ.
ورواه أحمدُ في (المسند 21299) من طريقِ محمدِ بنِ إسحاقَ.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه 7839، 32307) من طريق مِنْدَل بن علي.
ورواه الحاكمُ في (المستدرك 3633) من طريقِ أبي أسامةَ.
وكذا محمدُ بنُ أبي عبيدةَ عن أبيه عبد الملك بن معن، كما ذكر اللالكائيُّ
في (أصول الاعتقاد 1450).
سِتَّتُهم: (أبو عوانة، وجرير، وابن إسحاق، ومندل، وأبو أسامة، وأبو عبيدة عبد الملك بن معن) عن الأعمشِ عن مجاهدِ بنِ جبرٍ عن عبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ به.
ورواه الفَزاريُّ عن الأعمشِ عن رجلٍ عن عبيد بن عمير. وهذا المبهمُ هو مجاهدٌ كما بَيَّنَتْهُ باقي الروايات.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، ولهذا قال الحاكمُ:"هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجا ألفاظًا منَ الحديثِ متفرقة". ووافقه الذهبيُّ.
وقال الهيثميُّ: "رواه أحمدُ، ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ"(المجمع 13950).
وذكره ابنُ حَجرٍ مع غيرِهِ من شواهد هذا الباب، وقال:"رواها كلها أحمدُ بأسانيدَ حِسَان"(فتح الباري 1/ 436).
وقال الألبانيُّ: "أخرجه الدارميُّ، وأحمدُ، والسراجُ، بإسنادٍ صحيحٍ"(الإرواء 1/ 317).
وقال -عن سندِ أبي داود-: "هذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ الشيخينِ". ثُمَّ ذكرَ روايةَ أحمدَ، وقال:"وهذا على شرطهما أيضًا"(صحيح أبي داود 506).
قلنا: هذا الطريق مع ثقة رجاله قد أُعلَّ بثلاثِ عِللٍ:
العلة الأولى: أن الأعمشَ قد رواه على وجهٍ آخرَ مرسلًا، فرواه وكيع، والفضل بن موسى السِّيناني، كما عند المروزي في (زوائده على الزهد
لابن المبارك)، عن الأعمشِ عن مجاهدٍ به مرسلًا.
قلنا: وهذا الطريقُ رجالُهُ ثقاتٌ، ورواية وكيع عن الأعمش مِن أصحِّ الرواياتِ، حتَّى "قِيلَ لعبدِ الرحمنِ بنِ مهديٍّ: مَن أثبت في الأعمش بعد الثوري؟ قال: ما أَعْدِل بوكيعٍ أحدًا، وقِيلَ لعيسى بنِ يونس: إن وكيعًا سَمِعَ من الأعمشِ وهو صغير. قال: لا تقولوا ذاك، إنه كان ينتقيها ويعرفها" (شرح علل الترمذي 2/ 718، 719).
وتابع وكيعًا الفضلُ بنُ موسى السينانيُّ، وكان ثقةً ثبتًا ربما أَغْرَبَ كما في (التقريب 5419).
قلنا: والراجحُ أن روايةَ الجماعةِ هي الأشبهُ، وقد توبع الأعمش عليها متابعة ضعيفة جدًّا، رواها المَخْلَديُّ في (فوائده المنتخبة ق 261 أ) قال: أخبرنا أبو بكر الإسفراييني، ثنا عبد الله بن محمد بن عيشون، ثنا محمد بن سليمان، ثنا أبي، عن عبد الكريم عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر، قال: كُنَّا فِي مَسِيرٍ فلم أدرِ أَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فخرجتُ أطلبه فوجدتُه في غيضة يُصَلِّي، فأَطَالَ الصَّلاةَ، فلمَّا فَرَغَ قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ لقد أطلتَ الصَّلاةَ! ! قال: ((إنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ، أُوتِيتُ خَمْسًا لم يُؤتهنَّ أَحدٌ قَبْلِي: بُعثتُ إلى الأحْمَرِ والأسوَدِ، وأُحلَّتْ لي الغَنَائمُ ولم تَحِلَّ لأَحدٍ قَبْلِي، وجُعلتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، ونُصرتُ بالرُّعْبِ مَسِيرةَ شَهْرٍ، وقِيلَ لي: سَلْ تُعْطَهْ. فاختبأتْها شفاعةً لأُمَّتي)).
وإسنادُها ضعيفٌ جدًّا، فيها: سليمانُ بنُ أبي داودَ الحرانيُّ، ضَعَّفَهُ أبو حاتم، وقال البخاريُّ:"منكرُ الحديثِ". وقال ابنُ حِبَّانَ: "لا يحتجُّ به". وقال أحمدُ: "ليسَ بشيءٍ". وقال أبو أحمدَ الحاكمُ: "في حديثه بعض المناكير". وقال أبو زرعة: "لينُ الحديثِ". وذكره الساجيُّ في (الضعفاء). وذكره
الأزديُّ وقال: "منكرُ الحديثِ"(لسان الميزان 4/ 150).
وابنُه محمدٌ المعروفُ ببومة- ضعيفٌ، قال أبو حاتم:"منكرُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 7/ 267).
وقال البرقانيُّ: "سمعتُ الدارقطنيَّ يقولُ: سليمانُ بنُ أبي داودَ، حرانيٌّ، ضعيفٌ، وابنُه محمدٌ ضعيفٌ أيضًا، يلقب بالبومة"(سؤالات البرقاني 191).
وقال -أيضًا- في (العلل 7/ 255): "هو حرانيٌّ. قِيل: ثقة؟ قال لا".
العلة الثانية: أنَّ الأعمشَ وإن كان ثقةً حافظًا، فإنه يدلسُ، وقد عنعنَ، قال الحافظُ في (التقريب 2615):"ثقةٌ حافظٌ عارفٌ بالقراءاتِ ورعٌ، لكنه يدلسُ".
وقد قال الدارقطنيُّ في حديثنا هذا: "قيل: إن الأعمشَ لم يسمعْ من مجاهدٍ، وقال قطبة: عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ بنِ مهاجرٍ، عن مجاهدٍ.
وقال روحُ بنُ مسافرٍ، عن الأعمشِ، عن مجاهدٍ.
وقال بحرُ السقاءُ، عن الأعمشِ، عن المنهالِ بنِ عمرٍو، عن مجاهدٍ، وقِيل: عن الأعمشِ، عن عمرِو بنِ مُرَّةَ، عن مجاهدٍ، كلهم عن عُبيدِ بنِ عميرٍ، عن أبي ذَرٍّ" (العلل 4/ 182).
وقال في موضعٍ آخرَ: "ورواه قطبةُ بنُ عبدِ العزيزِ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ بنِ مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ، عن أبي ذَرٍّ.
وخالفَ بحرُ السَّقاءُ، فرواه عن الأعمشِ، عن المنهالِ بنِ عمرٍو، عن مجاهدٍ.
واختلف عن بحرٍ السَّقَاءِ، فقيلَ: عنه. وقيل: عن بحرٍ السَّقاءِ، عن الأعمشِ، عن عمرِو بنِ مرةَ، عن مجاهدٍ ففي هاتين الروايتين بيان أن الأعمشَ لم يسمعْهُ مِن مجاهدٍ" (العلل 3/ 184).
قلنا: ولم نقفْ -منَ الطرق التي ذكرها الدارقطنيُّ- إلَّا على طريقِ روحِ بنِ مُسَافرٍ، فقد رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 4/ 539) من طريقِ حسان بن حسان عن روح بن مسافر عن الأعمش عن أبي يحيى القتات عن مجاهد
…
به. فزاد رجلًا بين الأعمشِ ومجاهدٍ.
ولكن السند لا يصحُّ إلى الأعمشِ، فروحُ بنُ مسافرٍ "متروكُ الحديثِ". انظر (لسان الميزان 1885).
أما طريقُ بحرٍ السَّقَا، فإن بحرًا هذا "واهٍ". قال الذهبيُّ:"وَهَّوْهُ، قال الدارقطنيُّ: متروكٌ"(الكاشف 537). فلا يُعتمدُ عليه.
أما طريقُ قُطبةَ بنِ عبدِ العزيزِ، فإسنادُها حسنٌ، فإن قُطبةَ "صدوقٌ". ولكنه معلقٌ لم يُظهرْ لنا الدارقطنيُّ إسنادَهُ إليه، غير أنه لو لم يكن السند إلى قطبة صحيحًا لأبرزَ لنا الدارقطنيُّ عِلَّةَ ضَعْفِهِ كما مرَّ في طريقي بحرٍ وروحٍ.
وطريقُ قُطْبَةَ هذا يؤيده كلام العلماء في سماعِ الأعمشِ من مجاهدٍ:
قال ابنُ المباركِ: "قلتُ لهشيمٍ: ما لك تدلسُ وقد سمعتَ؟ قال: كان كبيراك يدلسان. وذكر الأعمش والثوري. وذكر أن الأعمشَ لم يسمعْ من مجاهدٍ إلا أربعة أحاديث"(العلل الكبير للترمذي صـ 388).
وقال ابنُ أبي حاتمٍ: "نا عليُّ بنُ الحسنِ الهِسِنْجانيُّ قال: سمعتُ محمدَ بنَ بشارٍ يقولُ: سمعتُ وكيعًا يقولُ: لم يسمعِ الأعمشَ من مجاهدٍ إلا أربعة أحاديث"(الجرح والتعديل 1/ 224).
وقال عمرُو بنُ عليٍّ: "سمعتُ وكيعًا يقولُ: كنَّا نتتبعُ ما سمعَ الأعمشُ من مجاهدٍ، فإذا هي سبعة أو ثمانية، ثم حدَّثنا بها"(الجرح والتعديل 1/ 227).
وقال أبو حاتم: "إن الأعمشَ قليلُ السماعِ من مجاهدٍ، وعامةُ ما يروي عن مجاهدٍ مدلَّسٌ"(العلل لابن أبي حاتم 5/ 471).
وقال عمرُو بنُ عليٍّ الصيرفيُّ: "سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ القطانَ يقولُ: كتبتُ عنِ الأعمشِ أحاديثَ عن مجاهدٍ، كلها ملزقةٌ، لم يسمعْها"(الجرح والتعديل 1/ 241).
وقال عباسٌ الدوريُّ: "سمعتُ يحيى يقولُ: إنما سمعَ الأعمشُ من مجاهدٍ أربعةَ أحاديث أو خمسة، وسمع من سعيد بن جبير خمسة فقط"(تاريخ ابن معين رواية الدوري 1570).
وقال ابنُ طهمان: "سمعتُ يحيى يقولُ: الأعمشُ سمعَ من مجاهدٍ، وكلُّ شيءٍ يروي عنه لم يسمعْ، إنما مرسلةٌ مدلَّسةٌ"(من كلام يحيى بن معين في الرجال رواية ابن طهمان 59).
وقال يعقوبُ بنُ شيبةَ في (مسنده): "ليس يصحُّ للأعمشِ عن مجاهدٍ إلا أحاديث يسيرة، قلتُ لعليِّ بنِ المدينيِّ: كم سمعَ الأعمشُ من مجاهدٍ؟ قال: لا يثبتُ منها إلا ما قال: سمعتُ. هي نحوٌ من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات، وقال عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ عن أبيه في أحاديث الأعمش عن مجاهدٍ، قال أبو بكر بنُ عياشٍ عنه: حدثنيه ليثٌ عن مجاهدٍ"(تهذيب التهذيب 4/ 225).
وقد سبقَ قولُ الدارقطنيِّ: "قِيلَ: إن الأعمشَ لم يسمعْ من مجاهدٍ"
(العلل 4/ 184).
العلة الثالثة: أن الأعمشَ -مع جلالته- قد خُولِفَ فيه: خالفه واصل بن الأحدب، وعمر بن ذَرٍّ، فروياه عن مجاهدٍ عن أبي ذَرٍ، ليس بينهما واسطة.
وهذا هو الوجهُ الثاني على مجاهدٍ:
فرواه أحمدُ (21435)، والطيالسيُّ (474)، والبزارُ (4077)، وغيرهم، من طرقٍ عن شعبةَ عن واصلٍ الأحدبِ.
ورواه ابنُ أبي شيبةَ (7836) عن وكيعٍ.
والقضاعيُّ في (مسند الشهاب 1112) من طريقِ عبدِ الرحمنِ بنِ هانئ أبي نُعيمٍ.
كلاهما (وكيع، وابن هانئ) عن عمرَ بنِ ذَرٍّ.
فروياه (عمر بن ذر، وواصل) عن مجاهدٍ عن أبي ذَرٍّ به. أسقطا منه: عُبيدَ بنَ عُميرٍ.
وهذا الإسنادُ فيه انقطاعٌ؛ لأن مجاهدًا لم يسمعْ من أبي ذَرٍّ، قال الدارقطنيُّ:"ورواه واصلٌ الأحدبُ، وعمرُ بنُ ذَرٍّ، عن مجاهدٍ، عن أبي ذر مرسلًا"(العلل 3/ 185).
وقال المنذريُّ: "رواه البزارُ، وإسنادُهُ جيدٌ إلَّا أنَّ فيه انقطاعًا، والأحاديثُ من هذا النوعِ كثيرةٌ جدًّا في الصحاحِ وغيرِها"(الترغيب والترهيب 4/ 234).
معنى كلامه أن لهذا الحديث شواهد كثيرة صحيحة.
وقال الهيثميُّ: "رواه البزارُ، ورجالُهُ رجالُ الصحيحِ، إلا أن مجاهدًا لم
يسمعْ من أبي ذَرٍّ" (المجمع 18499).
قلنا: واصل بن الأحدب وعمر بن ذر وإن كانا ثقتين إلا أن الدارقطنيَّ رجَّحَ عليهما روايةَ الأعمشِ فقال: "والمحفوظُ قولُ مَن قالَ: عن مجاهدٍ، عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ"(العلل 1115).
وقال ابنُ ناصرِ الدينِ الدمشقيُّ: "وروايةُ جريرٍ ومَن تابعه أولى؛ لأن روايةَ مجاهدٍ عن أبي ذَرٍّ مرسلةٌ"(جامع الآثار في السير ومولد المختار 1/ 426).
وقال الحافظُ بنُ حَجرٍ: "هذا حديثٌ صحيحٌ، جوَّدَ الأعمشُ إسنادَهُ، ورواه واصل الأحدب عن مجاهدٍ فأرسله
…
، والحُكْمُ للوَاصِلِ؛ لأنه حافظٌ عارفٌ بشيخِهِ" (موافقة الخبر الخبر 1/ 525 - 526).
قلنا: فهذه العللُ الثلاثُ هي غايةُ ما يُعلُّ به حديث أبي ذر، وأقواها العلة الثانية وهي تدليس الأعمش والكلام في سماعه من مجاهد رحمه الله، والمتنُ قد ثبتَ من أحاديثَ أُخرَ يصحُّ بها كما سبقَ من حديثِ جابرٍ، وأبي هريرةَ، وحذيفةَ، وغيرهم.
[تنبيه]:
قال أبو نعيم: "وحديثُ عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ مختلفٌ في سندِهِ: فمنهم مَن يرويه عن الأعمش، عن مجاهد، عن أبي ذر، مِن دون عُبيدٍ. وتفرَّدَ جريرٌ بإدخالِ عُبيدٍ بين مجاهدٍ وأبي ذَرٍّ عن الأعمشِ"(الحلية 3/ 277).
فتعقبه ابن ناصر الدين الدمشقي فقال: "كذا قال في (الحلية)، وخالفه في كتابه (دلائل النبوة) فذكرَ أن معاويةَ ومندل بن علي وغيرهما، تابع
(1)
(1)
كذا في المطبوع! ولعلَّ الصواب: تابعوا.
جريرًا على روايته" (جامع الآثار في السير ومولد المختار 1/ 426).
رِوَايَةُ وَأُطْعِمَتْ أُمَّتِي الفَيْءَ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا -أَوْ قَالَ: جُعِلَتْ لِيَ كُلُّ أَرْضٍ طَيِّبَةٍ طَهُورًا وَمَسْجِدًا- فَقِيلَ لِأَبِي عَامِرٍ: أَنْتَ تَشُكُّ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ عَلَى عَدُوِّي مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَأُطْعِمَتْ أُمَّتِي الفَيْءَ، وَلَمْ يُطْعِمْهُ أُمَّةً قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَهِيَ نَايِلَةٌ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[لك 1449].
[السند]:
قال اللالكائيُّ رحمه الله: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن قال: ثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا محمد بن عبد الله المُخَرِّمي قال: ثنا أبو عامر العَقَدي قال: ثنا شعبة عن واصل الأحدب عن مجاهد عن أبي ذر رضي الله عنه (مرفوعًا به).
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ. غير أنه منقطعٌ بينَ مجاهدٍ وأبي ذَرٍّ؛ قال أبو حاتم
الرازيُّ: "مجاهدٌ
…
وعن أبي ذَرٍّ، مرسلٌ" (المراسيل لابن أبي حاتم 758). وقال البزارُ:"لا نعلمُ سَمِعَ مجاهدٌ من أبي ذَرٍّ"(المسند 4076). وقال أبو بكر بنُ خزيمةَ: "أنا أَشُكُّ في سماعِ مجاهدٍ من أبي ذَرٍّ"(الصحيح 2748).
رِوَايَةُ نائم
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: طَلَبْتُ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ: بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا. فَأَتَيْتُهُ فَوَجَدْتُهُ عِنْدَ شَجَرَةٍ يُصَلِّي. قَالَ: فَصَلَّى صَلَاةً طَوِيلَةً ثُمَّ سَجَدَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ نَائِمٌ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لِي:((أَبُو ذَرٍّ؟)) قُلْتُ: ظَنَنْتُ أَنَّكَ نَائِمٌ مِنْ طُولِ مَا سَجَدْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: أُحِلَّ لِي الغَنَائِمُ، وَبُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ وَالأَبْيَضِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا؛ وَأُعْطِيتُ مَسْأَلَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ تَنَالُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[كر (60/ 416)].
[السند]:
قال ابن عساكر: أخبرنا أبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل، أنا أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى، أنا محمد بن أحمد بن عبد الرحمن
الذَّكْواني، أنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم، نا عبدان بن أحمد بن موسى، نا دُحَيْم نا سُوَيْد بن عبد العزيز، نا موسى بن أبي كثير أبو الصباح عن زيد بن وهب عن أبي ذر قال: طلبتُ خليلي
…
الحديث.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، آفته سويد بن عبد العزيز، قال فيه أحمد:((متروك الحديث))، وقال ابن معين والنسائي:((ليس بثقة))، وقال البخاري:((في حديثه نظر لا يحتمل)) (التهذيب 12/ 258 - 260)، وقال الحافظ ابن حجر:((ضعيف)) (التقريب 2692).
رِوَايَةُ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ مَسْأَلَتَهُ
• وَفِي رِوَايَةٍ، عن مجاهدٍ قال: كَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: حدَّثني خَلِيلِي ولَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ.
قال: سِرْنَا مَعَ خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم فَآوَانَا اللَّيْلُ إِلَى مَنْزِلٍ بِتْنَا فِيهِ إِلَى بَعْضِ الليلِ، فَلَمْ أَرَ خَلِيلِي عَلَى فِرَاشِهِ، فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ فَقُمْتُ أَطْلُبُ أَثَرَهُ، فَوَافَقْتُ رَجُلًا مِنَ القَوْمِ أَفْزَعَهُ الذِي أَفْزَعَنِي، نَطْلُبُ أَثَرَهُ، فَدَفَعْنَا إِلَيْهِ سَاجِدًا إلى سَمُرَةٍ، فَقَعَدْنَا نَنْتَظِرُ انْصِرَافَهُ حَتَّى تَحَدَّثْنَا بَيْنَنَا أَنَّ عَيْنَهُ قَدْ غَلَبَتْهُ، وَائْتَمَرْنَا أَنْ نُوقِظَهُ، وَذَلِكَ يسْمَعُهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ:((مَاذَا قُلْتُمَا؟))، قَالَا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَدْنَاكَ عَنْ فِرَاشِكَ، فَأَفْزَعَنَا ذَلِكَ، فَطَلَبْنَا أَثَرَكَ، فَدَفَعْنَا إِلَيْكَ سَاجِدًا، فَقَعَدْنَا نَنْتَظِرُ انْصِرَافَكَ، فَطَالَ عَلِيْنَا سُجُودُكَ، حَتَّى تَحَدَّثْنَا أَنْ عَيْنَكَ قَدْ غَلَبَتْكَ وَائْتَمَرْنَا أَنْ نُوقِظَكَ. قَالَ: ((لَا، وَلَكِنَّ اللهَ أَعْطَانِي خَمْسَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي
…
)) وَذَكَرَ الحَدِيثَ، وَفِيهِ:((وَأَرْسَلَ إِلَى كُلِّ نَبِيٍّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ مَسْأَلَةً يَسْأَلُهَا رَبَّهُ، فَتَعَجَّلَ كُلٌّ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، وَأُعْطِيَهَا فِي الدُّنْيَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي أَنْ يُؤَخِّرَ لِي مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِي، وَجَعَلَهَا فِي أُمَّتِي، وَهِيَ بَالِغَةٌ -إِنْ شَاءَ اللهُ- مَنْ مَاتَ، وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[نبص (المجلد الأول 148 ط. أم القرى)].
[السند]:
قال أبو نعيم: أخبرناه محمد بن علي بن إسماعيل الفقيه في كتابه، حدثنا
إسحاق بن محمد بن إسحاق بن زريق، حدثنا جدي إسحاق بن زريق، حدثنا المغيرة بن سِقْلاب عن عمر بن ذر عن مجاهد به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه علتان:
الأولى: الانقطاعُ، فمجاهدٌ لم يسمعْ من أبي ذَرٍّ كما سبقَ.
الثانية: المغيرةُ بنُ سقلاب؛ قال أبو جعفر النفيليُّ: "لم يكن مُؤْتَمَنًا".
وقال ابنُ عَدِيٍّ: "حرانيٌّ، منكرُ الحديثِ". وقال: "عامةُ ما يرويه لا يُتابَع عليه".
وضَعَّفه الدارقطنيُّ، وقال الأبَّارُ:"سألتُ عليَّ بنَ ميمون الرقيَّ عن المغيرةِ بنِ سقلاب فقال: كان لا يسوى بعرة".
ومع ذلك قال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وقال أبو زرعة:"لا بأس به". انظر (لسان الميزان 8/ 133).
وقال ابنُ حِبَّانَ: "كان ممن يخطئُ ويَروي عن الضعفاءِ والمجاهيلِ، فغَلَبَ على حديثِهِ المناكيرُ والأوهامُ فاستحق التركَ"(المجروحين 2/ 340).
3050 -
حَدِيثُ علي بن أبي طالب
◼ عَنْ عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ (النَّاسِ))) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ؟ قَالَ:((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ (مُحَمَّدًا)، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ: أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعلَ التُّرابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ)).
• وَفِي رِوَايَةٍ 3: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ جَوامِعَ الكَلِمِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ)) -وذَكَر خَصْلَتَيْنِ ذَهَبَتَا عَنِّي- قالَ
…
ثُمَّ ذَكَرَ الحَدِيثَ.
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، دون قوله:((وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ)) فإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [حم 763 (واللفظ له) / ش 32304/ مش (خيرة 6357) / مسند يعقوب بن شيبة (جامع الآثار في السير 1/ 430) / تمام 1276/ هق 1038/ هقل (5/ 472) / ضيا 729/ فيل 7 (والروايتان له) / تحقيق 268/ تمهيد (19/ 291) / جر 1043/ لك 1446، 1447].
تخريج السياق الثاني: [حم 1361 (واللفظ له) / سعد (1/ 104) / ضيا 728/ شاهين (جزء/ رواية المجلي 45)].
تخريج السياق الثالث: [بز 656].
[التحقيق]:
مدارُ هذا الحديثِ على عبد الله بن محمد بن عَقيل، واضطربَ في متنه على النحو التالي:
فرواه الإمامُ أحمدُ في (مسنده 1361) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 728) - فقال: حدثنا أبو سعيد، حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي الأكبر، أنه سمع أباه علي بن أبي طالب، رضي الله عنه
…
بلفظ الرواية الأولى.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيفٌ لسوءِ حفظِهِ كما تَقَدَّمَ مِرارًا.
والراوي عنه سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، صدوقٌ صحيحُ الكتابِ، يُخطئُ مِن حفظه (التقريب 2326).
وقد أخطأَ في سندِ هذا الحديثِ، فرواه على وجهٍ آخرَ؛ قال ابنُ أبي حاتمٍ: "وسألتُ أبي عن حديثٍ اختُلِفَ في الروايةِ على عبد الله بن محمد بن عقيل: فروى سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن عليٍّ به.
ورواه زهير بن محمد، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي؛ أنه سمع عليًّ
(1)
…
؟
(1)
قال محققوا كتاب (العلل): كذا في جميع النسخ، وهو عَلَمٌ مصروفٌ، وحُذِفَتْ منه ألفُ تنوين النصبِ، على لغةِ ربيعةَ.
فقال أبو زرعة: "حديثُ سعيد بن سلمة عندي خطأ، وهذا عندِي الصحيحُ"(العلل لابن أبي حاتم 2705).
قلنا: وروايةُ سعيدٍ الأُخْرَى هذه لم نقفْ عليها.
وخالف سعيدًا، زهير بن محمد، واختُلِفَ عليه:
فرواه أحمدُ في (المسند 763) -ومن طريقه الضياءُ في (المختارة 729) - عن عبد الرحمن بن مهدي،
ورواه ابنُ أبي شيبةَ في (مصنفه)، والبيهقيُّ في (السنن الكبير 1038)، وغيرهما، عن يحيى بن أبي بُكَيْر.
وتمامٌ في (فوائده) من طريقِ صدقةَ بنِ عبدِ اللهِ.
ويعقوبُ بنُ شيبةَ في (مسنده) كما في (جامع الآثار 1/ 430) من طريقِ أبي حذيفةَ موسى بن مسعود،
أربعتهم: (عبد الرحمن، ويحيى، وصدقة، وأبو حذيفة) عن زهير بن محمد عن ابن عقيل به، ولكن بلفظ الرواية الثانية.
وقد جاء عند ابن فيل في (جزئه 7) من طريق أبي حذيفة عن زهير بلفظ مغاير حيثُ قال فيه: ((وَسُمِّيتُ مُحَمَّدًا)).
ولكن أبو حذيفة موسى بن مسعود "صدوقٌ سيئُ الحفظِ، وكان يصحف"(التقريب 7010)، فلعلَّها من أخطائِهِ.
وخالف أربعتهم أبو عامرٍ العَقَديُّ، كما عندَ البزارِ في (مسنده 656) فرواه عن زهيرٍ بسندِهِ ولكن بلفظ الرواية الثالثة، وذكر فيه "جوامع الكلم" بدل "مفاتيح الأرض".
وروايةُ العقديِّ هذه رواها ابنُ سعدٍ في (الطبقات 1/ 84)، ولكن مقتصرًا على:((سُمِّيتُ أَحْمَدَ)).
قلنا: وروايةُ الجماعةِ على زهيرٍ أَوْلى؛ وذلك أن زهيرًا متكلَّمٌ فيه، ولكن رواية عبد الرحمن بن مهدي عنه مستقيمة، كما قال الإمام أحمد.
وقد توبع زهير على هذا الوجه، ولكنها متابعةٌ ضعيفةٌ لا تثبتُ، رواها ابنُ شاهينَ في (حديثه 45) عن أحمد بن أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد، حدثنا أبي عن عبد الله بن محمد بن عقيل
…
بنحوه.
وأحمد الهمداني هو ابنُ عقدةَ، ضَعَّفه غيرُ واحدٍ، وقوَّاه آخرون (ميزان الاعتدال 1/ 126).
وعبد الرحمن بن يزيد وأبوه لم يتبينا لنا.
قلنا: ومدارُ هذه المتونِ -كما سبقَ- على عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد ضُعِّفَ لسوءِ حفظه، وقد انفردَ بقوله:((وسُمِّيتُ أَحْمَدَ))، فلم لم يَأْتِ إلا في حديثه هذا، وحديث آخر من طريقه -أيضًا- عن الطفيل بن أُبي بن كعب عن أبيه أُبيٍّ رضي الله عنه، وهو معلولٌ لا يصحُّ كما سيأتي.
نعم، ثبتتْ تسميةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم في (الصحيحين)
(1)
من حديث جبير بن مطعم قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَأَنَا المَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الكُفْرَ، وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا العَاقِبُ)).
(1)
البخاري (3532)، ومسلم (2354).
وقد أشارَ إلى ضَعْفِ حديثِهِ هذا ابنُ دقيقِ العيدِ فقال: "وعبد الله بن محمد بن عقيل تقدَّم الاختلافُ في الاحتجاج بحديثه"(الإمام 3/ 130)، وبنحوه قال ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 368)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 159)، والزركشيُّ في (النكت على مقدمة ابن الصلاح 2/ 196).
وَتَعَقَّبَ المُناويُّ السيوطيَّ إذ رمز لصحته فقال: "رمز المؤلفُ لصحتِهِ، وفيه نظرٌ"(التيسير بشرح الجامع الصغير 1/ 171).
قلنا: وليس مراده تضعيف الحديث، وإنما مراده أنه لا يبلغ الدرجة العليا من الصحة؛ ولذا قال في (فيض القدير 1/ 564):"رمزَ المصنِّفُ لصحته، وهو غير صواب، كيف وقد أعلَّه الهيثميُّ وغيرُهُ بأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل سيئ الحفظ، وإن كان صدوقًا فالحديثُ حسنٌ لا صحيح".
قلنا: وقد حَسَّنَ إسنادَهُ كلّ مِن: ابنِ كثيرٍ في (تفسيره 2/ 94)، والعراقيِّ في (التقريب مع شرحه طرح التثريب 2/ 110)، و (التقييد والإيضاح صـ 114)، والهيثميِّ في (مجمع الزوائد 1/ 260)، وابنِ حجرٍ في (فتح الباري 9/ 93)، والسيوطيِّ في (الدر المنثور 3/ 726)، والألبانيِّ في (الصحيحة 7/ 1643)، وكان الشيخُ قبل قد ضَعَّفه فقال:"أخرجه البيهقيُّ (1/ 213 - 214) بسندٍ فيه ضَعْفٌ، وفيه اضطرابٌ بَيَّنَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (2/ 399) "، ثم رَجَعَ عن ذلك في (السلسلة الصحيحة) في الموضعِ المشارِ إليه فقال:"من الملاحظ أنه لا اختلاف بين رواية زهير ورواية سعيد بن سلمة، وقد ذكر ابنُ أبي حاتم في (العلل 2/ 399/ 2705) فرقًا نَقْلًا عن أبي زرعةَ؛ وما أظنُّ ذلك صحيحًا، فلعلَّه وقعَ له خطأ في الرواية. وقد كنتُ أشرتُ في (الإرواء 1/ 317) إلى هذا الفرق أو الاضطراب معزوًا لابن أبي حاتم قبل أن يتيسر لي هذا التحقيق؛ فاقتضى التنبيه".
قلنا: قد تقدَّمَ الفرقُ بين كلتا الروايتين بل على زهيرٍ نَفْسِهِ، وكذا الخلافُ في المتونِ، وليس ذلك إلا من سوءِ حفظِ ابنِ عَقيلٍ كما تقدَّمَ.
رِوَايَةُ أُرْسِلْتُ إِلَى الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: أُرْسِلْتُ إِلَى الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ وَالأَحْمَرِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ)) يَعْنِي القُرْآنَ.
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[نبص (المجلد الأول 196 ط. أم القرى) / جر 1042/ شاهين (جزء/ رواية المجلي 42) / لك 1448/ خلع 209].
[السند]:
قال الآجريُّ -ومن طريقه اللالكائي في (أصول الاعتقاد) -: حدثنا أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني قال: حدثني جدي قال: حدثنا موسى بن أعين، عن عطاء بن السائب، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه به.
ورواه ابنُ شاهينَ في (حديثه 42)، وأبو نعيم في (الدلائل) من طريق موسى بن أعين
…
به.
ومداره عندهم على موسى بن أعين عن عطاء بن السائب به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
العلة الأولى: الانقطاعُ؛ علي بن الحسين بن علي لم يدركْ جدَّهُ عليًّا رضي الله عنه، قال ابنُ أبي حاتم:"سمعتُ أبا زرعة يقول: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يدركْ عليًّا رضي الله عنها"(المراسيل 503)، ولذا قال المزيُّ: "روى عن
…
، وجده علي بن أبي طالب، مرسل" (تهذيب الكمال 20/ 383).
العلة الثانية: فيه عطاء بن السائب: ثقةٌ اختلطَ بأَخَرَةٍ، فمن سمعَ منه قديمًا فهو صحيحٌ، وموسى بن أعين لا نَدْرِي أسمع منه قبل اختلاطه أو بعده، لكن الحافظ ابن حَجرٍ ذَكَرَ جماعةً سمعوا منه قبلَ الاختلاطِ، ومَن عداهم يُتوقف فيهم، وليس فيهم موسى بن أعين فيُتوقف في روايته. انظر (تهذيب التهذيب 386).
والحديثُ أصلُه في (الصحيحين) وغيرهما -كما سبقَ- عن جابرٍ، وأبي هريرةَ، وحذيفةَ، وأنسٍ، وغيرِهِم.
[تنبيه]:
قوله: ((يعني القرآن)): لعلَّها جملةٌ تفسيريةٌ مدرجةٌ من كلامِ أحدِ الرواةِ.
رِوَايَةُ: زاد: وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ لِلْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِي
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأَحَلَّ لِي المَغْنَمَ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ لِلْمُذْنِبِينَ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
[الحكم]:
إسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[روذباري (ق 211/ أ-ب) (واللفظ له) / كر (14/ 296)].
[السند]:
رواه الروذباريُّ في (أماليه) -ومن طريقه ابنُ عساكر- قال: حدثنا أحمد، ثنا محمد بن الحسين القنطري، ثنا علي بن أحمد بن علي بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده، عن أبيه علي بن أبي طالب، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أربعُ عِللٍ:
الأولى: الانقطاعُ بين محمد بن علي بن الحسين وجده الحسين، قال الذهبيُّ: "روى عن جديه: النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه مرسلًا.
وعن جديه: الحسن والحسين مرسلًا أيضًا" (سير أعلام النبلاء 4/ 401)، وقال العلائيُّ: "أرسل عن جديه الحسن والحسين" (جامع التحصيل 700).
الثانية: عليّ بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، "مقبولٌ"(التقريب 4699).
الثالثة: أحمد بن علي بن جعفر، ومحمد بن الحسين القنطري، لم أقفْ لهما على ترجمةٍ.
الرابعة: أحمد بن عطاء الرُّوْذَباري، صاحب الأمالي، ذكره الذهبيُّ في (ديوان الضعفاء 83)، وقال:"روى عن الصغار، عن ابن عرفة أحاديث لم يروها ابن عرفة، قال الصوري: كأنه شبه عليه".
3051 -
حَدِيثُ أبي جعفر الباقر مرسلًا
◼ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَدِ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلَيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ المَغَانِمُ، وَلَمْ تُحْلَلْ لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ بما تقدَّمَ، وإسنادُهُ ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[هشام (1/ 676) / طبر (11/ 282)].
[السند]:
رواه ابنُ إسحاقَ كما في (السيرة لابن هشام) -ومن طريقه الطبريُّ في (تفسيره) - فقال: حدثني محمد أبو جعفر بن علي بن الحسين، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ لإرسالِهِ، بل قد يكون معضلًا، فإن محمدَ بنَ عليِّ بنِ الحسينِ تابعيٌّ من الوسطى، وكان يرسل عن جَدَّيهِ الحسن والحسين، وجدِّه الأعلى عليٍّ رضي الله عنهم، وعن عائشةَ وأبي هريرةَ أيضًا وجماعة كما في (جامع التحصيل 700). فحديثُه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يحتمل الإعضال.
ومحمد هو ابنُ إسحاقَ، صدوقٌ يدلسُ، غير أنه صرَّحَ بالتحديثِ، وقد توبع فرواه أبو إسحاقَ الفَزَاريُّ في (السير 378) عن أسلم المنقري، عن أبي جعفرٍ، قال: قال رسول الله عليه السلام: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي،
بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمَهُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا، وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا خَرَجَ مِنَ المِحْرَابِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّ لِيَ المَغْنَمُ، وَالشَّفَاعَةُ ذَخَرْتُهَا لِأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
وإسنادُهُ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أنه مرسلٌ، كما سبقَ، وليس فيه موضع الشاهد.
3052 -
حَدِيثُ ابن عباس
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ [فَلَيْسَ مِنْ أَحْمَرَ وَلا أَسْوَدَ يَدْخُلُ فِي أُمَّتِي إِلَّا كَانَ مِنْهُمْ]، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ (فَهُوَ يَسِيرُ أَمَامِي مَسِيرَةَ شَهْرٍ)، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي [إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ]، فَهِيَ [نَائِلَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ] لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شيئًا)).
[الحكم]:
صَحَّ المتنُ من وجوهٍ أخرَ كما تقدَّمَ؛ ولذا حَسَّنَ إسنادَهُ الهيثميُّ، وابنُ حَجرٍ، وَجَوَّدَهُ ابنُ كثيرٍ، وصَحَّحَهُ البوصيريُّ، وقال الألبانيُّ:"حسنٌ في الشواهدِ".
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، أشارَ لإعلالِهِ البزارُ، وأعلَّه بالاضطرابِ العقيليُّ، وكذا أعلَّهُ الدارقطنيُّ.
[التخريج]:
[حم 2256 (مختصرًا، والزيادة الأولى له)، 2742 (واللفظ له) / حق (مسند ابن عباس 867) / بز 4902/ ش 7833 (مختصرًا)، 32300 (والرواية، والزيادتان الثانية والثالثة له ولغيرِهِ) / مش (خيرة 723/ 1) / مسد (خيرة 4487) / حميد 643/ طب (11/ 73/ 11085) / نبص (المجلد الأول 151، 153، 154 ط. أم القرى) / عيينة (حرب/ الثاني ق 99/ أ) / حكيم 1201، 1238 (مختصرًا) / ثعلب 2326/ جر 1046/ تخ (5/ 455) / مردويه (12/ 218)].
[التحقيق]:
مدارُ هذا الحديثِ -عدا الطبراني في (11085)، وعنه أبو نعيم في (الدلائل 151) - على يزيدَ بنِ أبي زيادٍ، واختُلِفَ عليه فيه على أربعةِ وجوهٍ:
الوجه الأول: رواه أحمدُ في (المسند 2742)، والبخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 455) من طريق عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا يزيد، عن مِقْسَم، عن ابن عباس به.
الوجه الثاني: رواه أبو عوانة وعَبْثَرُ بنُ القاسمِ، كما عند العقيليِّ في (الضعفاء 2/ 28 معلقًا) فقالا: عن يزيدَ عن مجاهدٍ عن ابنِ عباسٍ به.
وتابعهما، جريرٌ كما عند إسحاقَ بنِ راهويه في (مسنده 867)، والحكيمُ الترمذيُّ في (نوادر الأصول 1201، 1238).
وكذا عبدةُ بنُ سليمانَ كما عند أبي نُعيمٍ في (الدلائل 153).
الوجه الثالث: رواه خالدُ بنُ عبدِ اللهِ الواسطيُّ، كما عند مسدد في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة 4487) فرواه عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ قال: عن مجاهدٍ -أو مِقْسَم- عن ابنِ عباسٍ به.
فشَكَّ يزيدُ فيمَنْ حدَّثَه هل هو مجاهد أم مقسم.
الوجه الرابع: رواه عليُّ بنُ عاصمٍ، كما عند أحمدَ في (مسنده 2256)، عن يزيدَ عن مِقْسمٍ ومجاهدٍ عن ابنِ عباسٍ به.
وتابعه محمدُ بنُ فُضيلٍ وجريرٌ، كما عند ابنِ أبي شيبةَ في (مصنفه 7833، 32300) -وعنه عبدُ بنُ حُميدٍ في (مسنده 643)، وغيره-.
وكذا رواه البزارُ في (مسنده 4902) عن يوسفَ بنِ موسى عن جريرٍ وابنِ فُضيلٍ به.
ومدارُ هذه الطرقِ على يزيدَ بنِ أبي زيادٍ الهاشميِّ، وهو "ضعيفٌ كبر فتغيَّرَ وصَارَ يتلقنُ" كما في (التقريب 7717).
قلنا: ومع ضَعْفِهِ قد خُولِفَ فيه: خالفه الأعمشُ كما عند:
أحمدَ في (مسنده 21314) -وعنه الخلَّالُ في (السنة 1178) -، وابنِ أبي شيبةَ في (مسنده) كما في (إتحاف الخيرة 6356/ 5)، والدارميِّ في (مسنده 2510)، وغيرِهِم، فرواه عن مجاهدٍ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ به، وقد تَقَدَّمَ.
ولذا قال الدارقطنيُّ: "واختُلِفَ عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ فيه، رواه عبيدة بن حميد، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس.
ورواه ابن فضيل، عن يزيد، عن مجاهد ومقسم، عن ابن عباس.
ورواه عبد العزيز بن مسلم القسملي، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم وحده، عن ابن عباس.
والمحفوظُ قولُ مَن قالَ: عن مجاهد، عن عبيد بن عمير أبي ذر" (العلل 3/ 185).
ونحا العقيليُّ إلى الاضطرابِ -بعد ذكرِ الخلافِ على مجاهدٍ- فقال: "
…
، وقال عمر بن ذر: عن مجاهد، عن أبي ذر، نحوه. وقال شعبة: عن واصل الأحدب، عن مجاهد، عن أبي ذر، نحوه. وقال أبو عوانة: عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، عن أبي ذر. وقال أبو عوانة، وعبثر بن القاسم، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال ابن فضيل: عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، ومقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قال: هذه الأحاديثُ مضطربةٌ كلُّها، والحديثُ ثابتٌ مِن غيرِ هذا الوجهِ في قوله:((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) " (الضعفاء 1/ 599 - 600).
وقال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يُروى عن ابنِ عباسٍ إلَّا من هذين الوجهين، وعن مجاهد، عن ابن عباس، وقد زاد بعضُ مَن حدثنا عنِ ابنِ فُضيلٍ، عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ، عن مجاهدٍ ومِقْسمٍ، عن ابنِ عباسٍ.
وحديثُ الحكمِ لا نعلمُ رواه إلَّا ابن أبي ليلى عنه.
وهذا الحديُث عن الحكمِ عن مجاهدٍ قد خُولِفَ فيه، فرواه الأعمشُ، عن مجاهدٍ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ، عن أبي ذَرٍّ؛ ورواه واصلٌ الأحدبُ، عن مجاهدٍ، عن أبي ذَرٍّ؛ ورواه سلمةُ بنُ كُهيلٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عُمرَ" (المسند 11/ 166).
ومع هذا حَسَّنَ هذا الإسنادَ ابنُ حَجرٍ في (الفتح 1/ 436).
وقال ابنُ كَثيرٍ: "إسنادُهُ جيدٌ"(التفسير 3/ 490).
وقال الهيثميُّ: "رواه البزارُ بإسنادين حسنين"(المجمع 18500).
وقال -أيضًا-: "رجالُ أحمدَ رجالُ الصحيحِ غير يزيد بن أبي زيادٍ، وهو حسنُ الحديثِ"(8/ 258).
وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ"(إتحاف الخيرة 1/ 399).
بل قال في موضعٍ آخرَ: "رواه أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، وعنه عبد بن حميد، بسندٍ صحيحٍ"(إتحاف الخيرة 8/ 192).
وأَحْكَمَ الألبانيُّ الحُكْمَ فقال: "أخرجه أحمد بسندٍ حسنٍ في الشواهدِ"(الإرواء 1/ 317).
قلنا: وللحديثِ طريقٌ أُخرَى أشد ضعفًا.
أخرجها الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 11085) -وعنه أبو نعيم في (الدلائل 151) - فقال: حدثنا سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن سلمة بن كُهَيْل، عن مجاهد، عن ابن عباس، بنحوه.
وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، مسلسل بالضعفاء والمتروكين؛ إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة، قال ابنُ أبي حاتم:"كَتَبَ أبي حديثَه ولم يأتْهِ ولم يَذْهَبْ بي إليه ولم يسمعْ منه زَهادةً فيه"، وسألتُ أبا زرعة عنه فقال:"يُذكرُ عنه أنه كان يحدِّثُ بأحاديثَ عن أبيه، ثم تركَ أَبَاه فجعلها عن عمِّه لأن عمَّه أَحْلَى عند الناسِ".
وقال العقيليُّ عن مطين: "كان ابنُ نُميرٍ لا يرضاه ويضَعِّفَهُ"، وقال:"روى أحاديثَ مناكيرَ"، وقال العقيليُّ:"ولم يكن إبراهيم هذا يقيم الحديث"، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات) وقال:"في روايتِهِ عن أبيه بعضُ المناكيرِ"(تهذيب التهذيب 1/ 106).
وأبوه إسماعيل بن يحيى، وكذا جده يحيى، متروكان كما في (التقريب 493، 7561).
ثم المحفوظُ على مجاهدٍ ما رواه الأعمشُ عنه عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ كما تقدَّمَ.
رِوَايَةُ: غُفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أُوتِيتُ خِصَالًا لَا آلُوهُنَّ فَخْرًا)) قِيلَ: وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((غُفَرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ، وَجَعَلَ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ، وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُوتِيتُ الكَوْثَرَ، آنِيَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[نبص (المجلد الأول 173 ط. أم القرى) (واللفظ له) / مجاهد (صـ 756) / مردويه (در 15/ 700)].
[السند]:
قال أبو نعيم: حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا عيسى بن ميمون، حدثنا محمد بن كعب، قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ، به.
ورواه عبدُ الرحمنِ الهمذانيُّ في (تفسير مجاهد) قال: ثنا إبراهيم -وهو ابن ديزيل-، قال: ثنا آدم -وهو ابن أبي إياس-، قال: ثنا عيسى بن ميمون، به مقتصرًا على الكوثر.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ منكرٌ، تفرَّد به: عيسى بن ميمون، وهو المدني، قال البخاري:"عيسى بن ميمون المديني، عن محمد بن كعب، منكرُ الحديثِ"(الضعفاء الصغير 278 ط. ابن عباس).
وقال عمرُو بنُ عليٍّ، وأبو حاتم:"متروكُ الحديثِ"، وقال أبو زرعة:"ضعيفُ الحديثِ"(الجرح والتعديل 6/ 287).
رِوَايَةُ: وَكَانَتِ الأَنْبِيَاءُ يَعْزِلُونَ الخُمُسَ، فتَجِيءُ النَّارُ فتَأكُلُهُ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهَا أَحَدٌ قَبْلِي مِنَ الأَنْبِيَاءِ: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، ولَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، يَكُونُ بَيْنَ يَدَيَّ إِلَى المُشْرِكِينَ، فَيَقْذِفُ اللَّهُ الرُّعْبَ فِي قُلُوِبِهِمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى خَاصَّةِ قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ أَنَا إِلَى الجِنِّ وَالإِنْسِ، وَكَانَتِ الأَنْبِيَاءُ يَعْزِلُونَ الخُمُسَ، فتَجِيءُ النَّارُ فتَأكُلُهُ، وَأُمِرْتُ [أَنَا] أَنْ أَقْسِمَهَا فِي فُقَرَاءِ أُمَّتِي، وَلَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ شَفَاعَةً، وَأَخَّرَتُ أَنَا شَفَاعَتِي لِأُمَّتِي)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، أشارَ لإعلالِهِ البزارُ، وأنكره الذهبيُّ، وضَعَّفَهُ الهيثميُّ.
[التخريج]:
[بز 4776 (واللفظ له) / نبص (المجلد الأول 174 ط. أم القرى) / تخ (4/ 114) / هق 4323/ هقل (5/ 473 - 474) / سلفي (خمسة 42) (مختصرًا على الخمس) / ميز (2/ 111)].
[السند]:
قال البزارُ: حدثنا محمد -بن عثمان بن كرامة-، قال: حدثنا عبيد الله
-بن موسى-، عن سالم أبي حماد عن السُّدِّي، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما به.
ورواه البخاريُّ في (التاريخ الكبير 4/ 114)، وأبو نُعيمٍ في (الدلائل 174)، وغيرهما، من طريق عبيد الله بن موسى به.
ومداره عند الجميع على عبيد الله بن موسى عن سالم أبي حماد
…
به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: جهالة سالم أبي حماد، وقيل: سالم بن عبد الله أبي حماد كما في (الكنى لأبي أحمد الحاكم 1817).
قال فيه أبو حاتم: " شيخٌ مجهولٌ"(الجرح والتعديل 4/ 192/ ت 827).
وقال الذهبيُّ: "سالمٌ مجهولٌ، قاله أبو حاتم"(المهذب 2/ 433).
وقال الهيثميُّ: "رواه البزارُ، وفيه من لم أعرفْهم"(المجمع 13947).
ومع جهالته هذه، فقد ذَكَرَ في متنه أشياء منكره، فقال البزارُ:"لا نعلمُ قوله: ((بُعِثْتُ إِلَى الجِنِّ وَالإِنْسِ)) إلَّا في هذا الحديثِ، بهذا الإسنادِ".
قلنا: وكذا قوله: ((وكانَتِ الأنبياءُ يَعْزِلونَ الخُمُسَ، فتَجيءُ النَّارُ فتَأكُلُهُ، وأُمرتُ أَنا أَنْ أَقْسِمَها في فُقراءِ أُمَّتي)) فالصوابُ أن النَّارَ كانتْ تأْكُلُ كلَّ الغنائمِ، وأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقسمها على المجاهدين -لا على الفقراء فقط- والله أعلم.
ولذا أَنْكَرَ حديثَه جملةً الذهبيُّ فقال في ترجمته من (الميزان): "لم يغمزه أحدٌ، وله حديثٌ منكرٌ" وذكر بإسناده هذا الحديث في (ميزان الاعتدال 3047).
العلة الثانية: إسماعيل السُّدِّي، قال ابنُ حَجرٍ:"صدوقٌ يهمُ"(التقريب 463).
رِوَايَةُ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ
• وَفِي رِوَايَةٍ بِالشَكِّ: ((
…
وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ حَتَّى إِنَّ العَدُوَّ لَيَخَافُونِي مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ
…
)).
[الحكم]:
منكرٌ بهذا اللفظِ، والصواب:"مسيرة شهر"، كما في الأحاديث الأخرى، وهذا إسنادٌ منكرٌ، أعلَّه البزارُ، وضَعَّفَهُ الهيثميُّ والألبانيُّ.
[التخريج]:
[طب (11/ 66/ 11047) / بز 4901 (ولم يسقْ متنَه) / نبص (المجلد الأول 152 ط. أم القرى) (ولم يسقْ متنَه)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا عبدان بن أحمد، حدثنا عبد الله بن حماد بن نمير، حدثنا حصين بن نمير، حدثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
ورواه البزارُ في (مسنده 4901)، وأبو نعيم في (الدلائل 152) من طريق حصين به ولم يسوقا متنَه، وإنما أحالا على روايةٍ أُخْرَى.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: "سيئُ الحفظِ جدًّا" كما في (التقريب).
وقد انفردَ بقوله: "شهرين"، ولعلَّها من أوهامه؛ ولذا قال الألبانيُّ:"والظاهرُ أن قولَهُ: ((شهرًا أو شهرين)) هو مِن سُوءِ حفظه"(السلسلة الضعيفة 12/ 891).
العلة الثانية: أن المحفوظَ -في رواية هذا الحديث- عن مجاهدٍ، ما رواه الأعمشُ عنه عن عبيد بن عمير عن أبي ذر. انظر (العلل للدارقطني 1115).
وقال البزارُ: "وحديثُ الحكم فلا نعلمُ رواه إلا ابن أبي ليلى عنه.
وهذا الحديثُ عن الحكم عن مجاهدٍ قد خُولِفَ فيه، فرواه الأعمشُ، عن مجاهدٍ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ، عن أبي ذَرٍّ؛ ورواه واصلٌ الأحدبُ، عن مجاهدٍ، عن أبي ذَرٍّ؛ ورواه سلمةُ بنُ كُهيلٍ، عن مجاهدٍ، عن ابنِ عُمرَ" (المسند 11/ 166).
قلنا: وفي السندِ -أيضًا- عبد الله بن حماد بن نمير: لم نجدْ له ترجمةً، وسَبَقَنا في البحثِ عنه الحافظُ الهيثميُّ وقال:"لم أقفْ عليه"(المجمع 10019، 13294).
ولذا حَكَمَ على الحديثِ الألبانيُّ بالنكارةِ، وقال:"هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ عبد الله بن حمَّاد هذا لم أعرفْه، وابنُ أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن، وهو سيئ الحفظ. والظاهر أن قوله: ((شهرًا أو شهرين)) هو من سوء حفظه"(السلسلة الضعيفة 12/ 891).
رِوَايَةٌ مطوَّلةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -مُطَوَّلًا-: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُرْسِلْتُ إِلَى الجِنِّ وَالإِنْسِ، وَإِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ دُونَ الأَنْبِيَاءِ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ كُلُّهَا طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ أَمَامِي شَهْرًا، وَأُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَكَانَتْ مِنْ كُنُوزِ العَرْشِ، وَخُصِصْتُ بِهَا دُونَ الأَنْبِيَاءِ، فَأُعْطِيتُ المَثَانِيَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَالمَائِدَةَ مَكَانَ الإِنْجِيلِ، وَالحَوَامِيمَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفُضِّلْتُ بِالمُفَصَّلِ، وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوْلُ مَنْ تَنْشَقُّ الأَرْضُ عَنِّي وَعَنْ أُمَّتِي وَلَا فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الحَمْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَآدَمُ وَجَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ تَحْتَهُ، وَإِليَّ مَفَاتِيحُ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَبِي تُفْتَحُ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا سَائقُ
(1)
الخَلْقِ إِلَى الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا إِمَامُهُمْ وَأُمَّتِي بِالأَثَرِ)).
[الحكم]:
موضوعٌ بهذا السياقِ، وضَعَّفَهُ ابنُ ناصرِ الدينِ الدمشقيُّ.
[التخريج]:
[نبص 25].
[السند]:
قال أبو نعيم: حدثنا أحمد بن السندي قال: ثنا الحسن بن علوية قال: ثنا إسماعيل بن عيسى قال: ثنا إسحاق بن بشر عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس به.
(1)
كذا في المطبوع، وأشار المحقق أنه في (الخصائص الكبرى): سابق، وقال: ولعله الصواب.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ بمرةٍ: وآفته إسحاق بن بشر أبو حذيفة البخاري: كَذَّبه علي بن المديني، وقال ابن حِبَّانَ:"لا يحلُّ كتبُ حديثِهِ إلا على جهةِ التعجبِ"، وقال الدارقطنيُّ:"كذَّابٌ متروكٌ"، وقال مسلم بنُ الحجاج:"أبو حذيفة تركَ الناسُ حديثَهُ"، وقال أبو بكر بُن أبي شيبة:"كذَّابٌ"، وقال النَّقاشُ:"يضعُ الحديثَ"، وقال الخليليُّ:"اتُّهم بوضعِ الحديثِ" وقال ابنُ عَدِيٍّ: "أحاديثُه منكرةٌ"، وقال ابنُ الجوزي في (الموضوعات):"أجمعوا على أنه كذَّابٌ". انظر (لسان الميزان 1096).
ولذا قال ابنُ ناصرِ الدينِ الدمشقيُّ: "ومن أجمعها ما رواه إسحاق بن بشر، وقد تركوه، عن عثمان بن عطاء
…
" (جامع الآثار في السير ومولد المختار 1/ 423).
وفي الإسنادِ -أيضًا-: عثمانُ بنُ عطاءٍ الخراسانيُّ، قال ابنُ حجرٍ:"ضعيف"(التقريب 4502).
3053 -
حَدِيثُ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ
◼ عَنْ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ مَا لمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ)). فَقُلْنَا: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، دون قوله:((وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الأُمَمِ)) فإسنادُهُ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[مكة 1872 (واللفظ له) / حكيم 1256/ مردويه (در 14/ 448)].
[السند]:
قال الفاكهيُّ: حدثنا محمد بن إسحاق الصيني، قال: ثنا عاصم بن علي، عن قيس بن الربيع، قال: قال عبد الله بن محمد بن عَقيل، عن الطُّفيلِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، عن أبيه به.
ورواه الحكيمُ الترمذيُّ عن الفضلِ بنِ محمدٍ، عن إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ يوسفَ الفريابيِّ، عن عاصمِ بنِ عليِّ بنِ عاصمٍ، به.
ومداره عندهم على عاصم بن علي، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
العلة الأولى: عبد الله بن محمد بن عقيل؛ الجمهورُ على تليينه، وقد تقدَّمَ مِرارًا.
العلة الثانية: قيس بن الربيع؛ قال فيه الحافظ: "صدوق، إلا أنه كان له ابنٌ يُدخلُ في كتابه ما ليس من حديثه فيُحَدِّثُ به"(التقريب 5573).
قلنا: ومع ضعفِ قَيْسٍ، فقد خُولِفَ، وهي:
العلة الثالثة: المخالفة، فقد رواه زهير بن محمد، كما عند أحمد في (المسند 763)، وابن أبي شيبة في (المصنف 32304)، والبزار في (المسند 656)، وغيرهم.
وحسام بن سلمة بن أبي الحسام كما عند أحمد في (المسند 1361).
فروياه: عن ابن عقيل عن محمد بن علي الأكبر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، به وقد تقدم.
وروايتهما أرجحُ، فإن حالهما أحسن حالًا من قيس هذا، ويحتمل أن يكون هذا من سوء حفظ ابن عَقيل، كما تقدَّم بيانُه.
3054 -
حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
◼ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((أُعْطِيتُ أَرْبَعًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَنَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي الخَامِسَةَ فأَعْطَانِيهَا: كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَرْيَتِهِ، وَلَا يَعْدُوهَا، وَبُعِثْتُ كَافَةً إِلَى النَّاسِ، وَأُرْهِبَ مِنَّا عَدُوُّنَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسَاجِدَ، وَأُحِلَّ لَنَا الخُمُسُ، وَلَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلَنَا، وَسَأَلْتُ رَبِّي الخَامِسَةَ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَلْقَاهُ عَبْدٌ مِنْ أُمَّتِي يُوحِّدُهُ إِلَّا أَدْخَلَهُ الجَنَّةَ، فَأَعْطَانِيهَا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ دون قوله: ((وَأُحِلَّ لَنَا الخُمُسُ))، فالمحفوظُ فيه:((وَأُحِلَّتْ لَنَا الغَنَائِمُ))، كما سبقَ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ.
[التخريج]:
[حب 6439 (واللفظ له) / عل (خيرة 6392/ 1) / كر (مختصر تاريخ دمشق 2/ 134)].
[السند]:
قال أبو يعلى -وعنه ابنُ حِبَّانَ-: حدثنا هارون بن عبد الله الحمال، حدثنا ابن أبي فُدَيْك عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن مَوْهَب عن عباس بن عبد الرحمن بن ميناء الأشجعي عن عوف بن مالك به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه علتان:
الأولى: عباس بن عبد الرحمن بن ميناء: ذكره البخاريُّ في (التاريخ الكبير 7/ 5)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 6/ 211)، ولم يذكرا فيه
جرحًا ولا تعديلًا، ومع ذلك ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 5/ 29) على عادته، وقال ابنُ حَجرٍ:"مقبول"(التقريب 3174).
قلنا: ومع جهالته هذه فروايته عن عوف بن مالك رضي الله عنه الظاهرُ أنها منقطعةٌ، فقد ذكر الحافظُ ابنُ حَجرٍ ابنَ ميناء هذا في الطبقة السادسة من (التقريب)، وقد نصَّ في المقدمة أن أصحابها لم يَثبتْ لهم سماعُ أحدٍ منَ الصحابةِ.
الثانية: عبيد اللَّه بن عبد الرحمن بن مَوْهب، قالَ عنه الحافظ ابنُ حَجرٍ:"ليسَ بالقويِّ"(التقريب 4314).
وللحديثِ شواهدُ عدة يرتفعُ بها إلى الصحة؛ ولذا قال ابنُ الملقنِ: "أودعه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه) وهو حديثٌ عظيمٌ"(البدر المنير 2/ 624).
وصَحَّحَهُ لغيرِهِ الألبانيُّ في (صحيح موارد الظمآن 1781).
قلنا: غير أن قولَهُ: ((وَأُحِلَّ لَنَا الخُمُسُ)) زيادةٌ منكرةٌ، فالصحيحُ أن اللهَ عز وجل أَحَلَّ الغَنَائِمَ جملةً لأمةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما سبقَ في الأحاديثِ المتقدمةِ.
3055 -
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي: بُعِثْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ (النَّاسِ كَافَّةً)، وَإِنَّمَا كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَأُطْعِمْتُ المَغْنَمَ، وَلَمْ يَطْعَمْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَةً فَتَعَجَّلَهَا، وَإِنِّي أَخَّرْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، وَهِيَ بَالِغَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، وإسنادُهُ ضعيفٌ، وَضَعَّفَهُ: العقيليُّ، والهيثميُّ.
[التخريج]:
[طس 7439 (واللفظ له) / عق (4/ 124) (مقتصرًا على قوله: وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ
…
) / نبص (المجلد الأول 157 ط. أم القرى) / غيب 87 (والرواية له)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول:
رواه العقيليُّ في (الضعفاء) قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا محمد بن فليح عن عبيد الله بن عمر عن مزاحم بن زُفَر عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأولى: الانقطاعُ بينَ مجاهدٍ وأبي سعيدٍ، فقد نَفَى البرديجيُّ سماعَ مجاهدٍ
من أبي سعيدٍ، قال البرديجيُّ:"لم يسمعْ من أبي سعيد .. وروى عن أبي سعيد من وجهٍ غير صحيح" كذا في (تهذيب التهذيب 10/ 44)، ونقلَ العلائيُّ عن البرديجيِّ أنه قال:"مجاهدٌ يَرْوِي عن أبي سعيد الخدري وليس بصحيح"(جامع التحصيل صـ 273).
وقال أبو الوليد الباجيُّ: "ويروي مجاهد عن أبي سعيد الخدري، ولا يصحُّ ذلك"(التعديل والتجريح، لمن خَرَّج له البخاري في الجامع الصحيح 1/ 306)
الثانية: فيه محمد بن فليح فيه كلام؛ قال الحافظ: "صدوق يهم"(التقريب 6228).
وقد توبع ابن فليح، متابعتين: تامة وناقصة:
أما المتابعةُ التامةُ، فقد أخرجها أبو نعيم في (الدلائل) فقال: حدثنا أبو محمد بن حيان من أصله، ثنا محمد بن عبيدة الضبي، ثنا عبد الله بن محمد الأسدي، قال: قرئ على الحنيني، عن العمري به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، الحُنَيْني هو إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب:"ضعيف"(التقريب 337).
وأما المتابعةُ الناقصةُ، فرواها قوام السنة في (الترغيب والترهيب) فقال: أخبرنا عبد الملك بن عبد الله بنيسابور؛ أنا أحمد بن الحسن الحيري، أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد القطان؛ أنا أبو الفضل صالح بن مقاتل، حدثني أبي، ثنا سليمان بن داود القرشي، ثنا خُصَيْف؛ عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه أكثر من راوٍ ضعيف:
الأول: خصيف بن عبد الرحمن الجزرى، "صدوقٌ سيئُ الحفظِ خلط بأَخَرَةٍ ورُمي بالإرجاء"(التقريب 1718).
الثاني: سليمان بن داود القرشي، قال العقيلي:"مجهولٌ"(الضعفاء 3/ 538)، وكذا قال ابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 291)، وترجمَ له الحافظُ في (لسان الميزان 4/ 148) وذكرَ كلامَ العقيليِّ.
وفي ترجمة صالح بن مقاتل من اللسان، قال:"وروى البيهقيُّ من طريق صالح بن مقاتل، عن أبيه، عن سليمان بن داود القرشي، عن حميد الطويل، عن أنس رضي الله عنه حديثًا. وقال: في إسناده ضعفاء. وعنى بذلك صالحًا وأباه وسليمان"(لسان الميزان 4/ 298).
وكلامُ البيهقيِّ هذا ذكره في (السنن الكبير 1/ 410) فقال: "ورويناه فيه عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن في إسنادِهِ ضَعْفًا، أخبرناه أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه، أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو سهل بن زياد، حدثنا صالح بن مقاتل، حدثنا أبي، حدثنا سليمان بن داود، حدثنا أبو أيوب القرشي بالرقة، حدثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك
…
الحديث".
الثالث والرابع: صالح بن مقاتل وأبوه، كلاهما ضعيفٌ:
فأما أبوه فقد تقدَّم في نقل الحافظ المتقدم (اللسان 4/ 298)، وقال ابنُ عبدِ الهادِي:"غير معروف"(التنقيح 1/ 291).
وأما صالح، فقال الدارقطنيُّ:"ليس بالقوي"(سؤالات الحاكم 112)، وقال البيهقيُّ:"صالح بن مقاتل بن صالح يَروي المناكير"(السنن الكبير 2/ 396).
قلنا: وفي الحديث علةٌ أُخْرَى، وهي المخالفةُ، وذلك أن المحفوظَ في الحديثِ ما رواه الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير عن أبي ذر رضي الله عنه، وقد تقدَّم.
ولذا أشارَ إلى ذلك العقيليُّ فقال: "محمد بن فليح يخالف في حديثه
…
وقال: المسعودي، عن مزاحم بن زفر، عن مجاهد، عن أبي هريرة.
وقال خازم بن خزيمة البصري التيمي: عن مجاهد، عن أبي هريرة.
وقال أبو عوانة ومِندل: عن الأعمش، عن مجاهد، عن عُبيد بن عُمير، عن أبي ذر.
وقال شعبة: عن واصل الأحدب، عن مجاهد، عن أبي ذر.
وقال ابن فضيل وأبو عوانة وعبثر، عن يزيد بن أبي زياد - قال عبثر: عن مجاهد، عن ابن عباس، وقال ابن فضيل، وأبو عوانة: عن مجاهد ومقسم، عن ابن عباس" (الضعفاء 3/ 538).
الطريق الثاني:
رواه الطبرانيُّ في (الأوسط) قال: حدثنا محمد بن أبان، نا إبراهيم بن سويد الجذوعي، ثنا عامر بن مدرك، ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ فيه ثلاثُ عِللٍ:
الأولى: عطية، وهو ابنُ سعدٍ العوفيُّ؛ قال الذهبيُّ:"ضعَّفوه"(الكاشف 3820).
قلنا: ومع ضَعْفِ عطية فهو مشهورٌ بالتدليسِ القبيحِ (طبقات المدلسين
صـ 50)، وقد عنعن.
الثانية: عامر بن مدرك؛ قال ابنُ حَجرٍ: "لينُ الحديثِ"(التقريب 3108).
الثالثة: إبراهيم بن سويد الجذوعي؛ لم نقفْ له على ترجمةٍ، إلا في (المتفق والمفترق للخطيب 71)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعدلًا.
وضَعَّف الهيثميُّ هذا الطريق فقال: "فيه عطية وهو ضعيف"(المجمع)، ثم تساهل فيه في موضع آخر فقال:"رواه الطبرانيُّ في (الأوسط)، وإسنادُهُ حسنٌ"(المجمع 14006). وليس كما قال.
ولكن الحديث ثابتٌ كما سبَق في البابِ من حديثِ جابرٍ رضي الله عنه، وغيره.
3056 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ
◼ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ [وَإِنَّمَا كَانَ يُبْعَثُ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَى قَرْيَتِهِ]، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ؛ يُرْعَبُ مِنِّي عَدُوِّي عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُطْعِمْتُ (وَأُعْطِيتُ) المَغْنَمَ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، فَأَخَّرْتُهَا (فَادَّخَرْتُهَا) لأُمَّتِي يَوْمَ القِيَامَةِ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ؛ وإسنادُهُ ضعيفٌ جدًّا، أشارَ لعِلَّتِهِ البزارُ، وضَعَّفَهُ: الهيثميُّ، وابنُ حَجرٍ، والشوكانيُّ.
[التخريج]:
[بز (كشف 311) (واللفظ له) / طب (12/ 413/ 13522) (والزيادة والرواية له) / نبص (المجلد الأول 150 ط. أم القرى) / حكيم 1202، 1237 (والرواية الثانية له)].
[السند]:
أخرجه البزارُ، والحكيمُ الترمذيُّ فقالا: حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل، ثنا أبي، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد، عن ابن عمر، به.
ورواه أبو نعيم في (الدلائل) من طريق محمد بن أحمد بن سليمان، عن إبراهيم بن إسماعيل به.
وقال الطبرانيُّ: حدثنا سلمة بن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن سلمة بن كهيل، عن
مجاهد، عن ابن عمر به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ مسلسلٌ بالضعفاءِ والمتروكينَ.
الأول: إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة، قال ابنُ أبي حاتمٍ:"كَتَبَ أبي حديثَه ولم يأْتِهِ ولم يذهبْ بي إليه ولم يسمعْ منه زهادة فيه. وسألتُ أبا زرعة عنه فقال: يُذكرُ عنه أنه كان يُحَدَّثُ بأحاديثَ عن أبيه، ثم ترك أَبَاه فجعلها عن عمِّه لأن عمَّه أحلى عند الناسِ".
وقال العقيليُّ عن مطين: كان ابنُ نُميرٍ لا يرضاه ويضَعَّفه وقال: روى أحاديثَ مناكير. قال العقيليُّ ولم يكن إبراهيم هذا يقيم الحديث. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، فقال: في روايته عن أبيه بعض المناكير" (تهذيب التهذيب 1/ 106).
الثاني والثالث: أبوه إسماعيل بن يحيى، وكذا جده يحيى، كلاهما متروك (التقريب 493، 7561).
قلنا: في الحديث علة أخرى، وهي: أن المحفوظَ عن مجاهدٍ هو ما رواه الأعمشُ عنه عن عبيد بن عمير عن أبي ذَرٍّ كما تقدَّمَ.
والحديثُ أشارَ لعلته البزارُ فقال: "لا نعلمه يُروى عن ابنِ عمرَ إلا بهذا الإسنادِ، وقد رواه يزيد بن أبي زياد عن مجاهد ومقسم عن ابن عباس"(كشف الأستار عن زوائد البزار 1/ 158).
وقال الهيثميُّ: "وفيه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن كهيل، وهو ضعيفٌ، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وقال: في روايته عن أبيه بعض المناكير"(مجمع الزوائد 1/ 261).
وقال الحافظُ ابنُ حَجرٍ: "إبراهيمُ ضعيفٌ"(مختصر زوائد مسند البزار 1/ 176) وضَعَّفه الشوكانيُّ في (نيل الاوطار 2/ 421).
3057 -
حَدِيثُ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ
◼ عَنِ السَّائِبِ بنِ يَزِيدَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِخَمْسٍ: بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَادَّخَرْتُ شَفَاعَتِي لأُمَّتِي، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ شَهْرًا أَمَامِي وَشَهْرًا خَلْفِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، دون قوله:((ونُصرتُ بالرُّعبِ شهرًا أمامي وشهرًا خلفي)) فمنكرٌ، وهذا الإسنادُ ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ: ابنُ رجبٍ، والعراقيُّ، والهيثميُّ، والمُناويُّ، والألبانيُّ.
[التخريج]:
[طب (7/ 154/ 6674)].
[السند]:
قال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتَري، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن يزيد بن خُصَيْفة، أنه أخبره عن السائب بن يزيد به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا، وعلته: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة؛ قال ابن حجر: "متروك"(التقريب 368).
وقال الهيثميُّ: "رواه الطبرانيُّ، وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو متروك"(المجمع 8/ 465).
وقال الحافظ ابن رجب: "إسنادُهُ فيه ضَعْفٌ"(فتح الباري 2/ 17).
وقال العراقيُّ: "وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهو ضعيفٌ جدًّا"(طرح التثريب 7/ 213).
وقال المُناويُّ: "عن السائب بن يزيد بإسنادٍ ضعيفٍ"(التيسير بشرح الجامع الصغير 2/ 172).
وقال الألبانيُّ: "إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ ابنُ أبي فروة هذا متروك"(سلسلة الأحاديث الضعيفة 5953)
وقوله: ((ونُصرتُ بالرُّعبِ شهرًا أمامي وشهرًا خلفي)) منكرٌ؛ لمخالفته الصحيح الثابت، بل المتواتر في هذا الحديث بلفظ:((مَسِيرَةَ شَهْرٍ))، قال الشيخُ الألبانيُّ: "فإن الحديثَ متواترٌ عن أبي هريرة، رواه مسلم (2/ 64) وحده من خمسة طرق عنه بلفظ: ((
…
شهر
…
)). ثم هو متواترٌ كذلك عن جمعٍ آخر من الصحابة، منهم جابر: عند الشيخين، وأبو ذر وابن عمر: عند أحمد. وأحاديثهم مخرجة في (الإرواء 1/ 315 - 317)، و (سلسلة الأحاديث الضعيفة 12/ 892).
3058 -
حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ
◼ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنِّي فُضِّلْتُ بِأَرْبَعٍ: جُعِلْتُ أَنَا وَأُمَّتِي فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَصُفُّ المَلَائِكَةُ، وَجُعِلَ الصَّعِيدُ لِي وَضُوءًا، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ)).
[الحكم]:
صحيحُ المتنِ، دون قوله:((وَجُعِلَ الصَّعِيدُ لِي وَضُوءًا)) فزيادةٌ منكرةٌ، وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، وضَعَّفَهُ الهيثميُّ.
[التخريج]:
[طب (مجمع 2496، جمع الجوامع 15948) / كر (58/ 206 - 207) (واللفظ له)].
[السند]:
رواه ابنُ عساكر بسندِهِ عن الطبرانيِّ قال: نا هارون بن مَلُول المصري، نا أبو عبد الرحمن المقرئ، نا سعيد بن أبي أيوب، حدثني عبد الله
(1)
بن الوليد، عن مُشْكان أبي عمرو الدمشقي، عن أبي الدرداء، به.
وعزاه للطبرانيِّ في (الكبير) الهيثميُّ في (مجمع الزائد)، والسيوطيُّ في (جمع الجوامع).
ورواه ابنُ عساكر -أيضًا- من طريق عن رشدين بن سعد، عن الوليد بن سليمان التُّجِيبي، عن عبد الله بن الوليد، به.
(1)
تصحَّفَ في المطبوع إلى: عبيد الله، والمثبتُ هو الصوابُ؛ فإن سعيدَ بنَ أبي أيوبَ معروفٌ بالروايةِ عن عبد الله بن الوليد وهو التجيبي.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأولى: عبد الله بن الوليد بن قيس التجيبي، ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 5/ 217)، وابنُ أبي حاتمٍ في (الجرح والتعديل 5/ 187)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 11)
(1)
، بينما قال الدارقطنيُّ:"مصريٌّ لا يُعتبرُ به"(سؤالات البرقاني 270)، ولذا قال الحافظُ في (التقريب 3691):" لَيِّنُ الحديثِ".
العلة الثانية: مشكان أبو عمرو، وقيل: أبو عمر الدمشقي، ذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 520)، وقال: يَروي المقاطيعَ، ولكن نَسَبَهُ فقال: الزياديُّ، روى عنه خالد بن عبد الرحمن، فلا ندري هو صاحبنا هذا أم لا؟
وقد ترجمَ لمشكان الدمشقي ابنُ ماكولا في (الإكمال 7/ 197) فقال: "في الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام، ذكره ابنُ سميع، وكان جليسًا لأبي الدرداء".
وكذا ترجم له ابن عساكر، وأسند قول ابن سميع المتقدم (تاريخ دمشق 58/ 208).
قلنا: وقد أثنى عليه خيرًا عبد الله بن أبي زكريا الدمشقي وغيره، كما عند الفسوي في (المعرفة والتاريخ 2/ 378) -ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخه 58/ 207) - قال: حدثني سعيد قال: حدثنا ضمرة عن علي بن أبي حَمَلة قال: كنتُ في مجلسِ ابنِ أبي زكريا الدمشقيِّ فذَكَرَ مشكان الدمشقيَّ وكان جليسا لأبي الدرداء، فقالوا: إنه لرجلٌ صالحٌ من رجل
(1)
نَسَبَهُ ابنُ حِبَّانَ: "مزنيًّا"، فتعقبه المحقق، فلينظر.
يحب السلطان.
فقال: اللهم عذرًا لقد رأيتنا معه في القوارس في البحر واشتدَّ علينا، فنقلد مصحفه، ثم جاءني فضرب فخذي فقال: يا ابن أبي زكريا، أي شيء تخاف؟ ! وددت أنها تجلجل بي وبك إلى يوم القيامة.
وروى هذه القصة -أيضًا- أبو نعيم في (الحلية 5/ 151)، ومن طريقه ابنُ عساكر في (تاريخه 58/ 208).
وفي هذا الأثر إثبات مجالسة مشكان لأبي الدرداء، وكذا أثبتَ سماعه من أبي الدرداء ابنُ عساكر، فقد دبج ترجمته بقوله:"سمع أبا الدرداء"(تاريخ دمشق 58/ 206)، فلا ندري ما مراد الهيثمي حيث ضَعَّفَ الحديثَ بقوله:"رواه الطبرانيُّ في (الكبير)، وإسنادُهُ منقطعٌ".
وعلى كلٍّ فالسندُ ضعيفٌ؛ لضعفِ عبدِ اللهِ بنِ الوليدِ، وجهالة مشكان هذا، وقد انفردا فيه بلفظ:((وَجُعِلَ الصَّعِيدُ لِي وَضُوءًا)) فهي منكرةٌ، وباقي الحديث قد صَحَّ من وجوهٍ أُخرَ كما تقدَّمَ.
3059 -
حَدِيثُ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ:
◼ عَنِ القَاسِمِ بنِ أَبِي بَزَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ بنَ الزُّبَيْرِ عَنْ طِينِ المَطَرِ فَقَالَ: تَسْأَلُنِي عَنْ طَهُورَينِ جَمِيعًا؟ ! قَالَ اللهُ: {وَأَنْزَلَنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءًا مُبَارَكًا} ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:((جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)).
[الحكم]:
قوله: ((جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا)) صحيحٌ كما سبقَ، وهذا إسنادٌ واهٍ جدًّا.
[التخريج]:
[عب 98].
[السند]:
أخرجه عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الحسن بن عمارة عن القاسم بن أبي بزة
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ واهٍ بمرة؛ فيه علتان:
الأولى: الحسنُ بنُ عمارةَ الكوفيُّ؛ "متروك" كما في (التقريب 1264).
الثانية: يحيى بنُ العلاء البَجَليُّ؛ "رُميَ بالوضعِ" كما في (التقريب 7618).
3060 -
حَدِيثُ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ:
◼ عَنِ الوَاقِدِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُثْمَانَ بنِ سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ، وَعَبْدُ المَلِكِ بنُ عِيسَى الثَّقَفِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ يَعْلَى بنِ كَعْبٍ الثَّقَفِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ بنِ عُتْبَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَغَيْرِهِمْ، كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي مِنْ هَذَا الحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ.
قَالَ: قَالَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ فِي خُرُوجِهِ إِلَى المُقَوْقِسِ مَعَ بَنِي مَالِكٍ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى المُقَوْقِسِ قَالَ لَهُمْ: كَيْفَ خَلَصْتُمْ إِلَيَّ مِنْ طَلَبَتِكُمْ، وَمُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ؟ ! قَالُوا: لَصِقْنَا بِالبَحْرِ، وَقَدْ خِفْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: كَيْفَ صَنَعْتُمْ فِيمَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: مَا تَبِعَهُ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ. قَالَ: لِمَ؟ قَالُوا: جَاءَنَا بِدِينٍ مُحْدَثٍ لَا تَدِينُ بِهِ الآبَاءُ، وَلَا يَدِينُ بِهِ المَلِكُ، وَنَحْنُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُنَا. قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ قَوْمُهُ؟ قَالَ: اتَّبَعَهُ أَحْدَاثُهُمْ، وَقَدْ لَاقَاهُ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ العَرَبِ فِي مَوَاطِنَ، مَرَّةً تَكُونُ عَلَيْهِمُ الدَّبْرَةُ، وَمَرَّةً تَكُونُ لَهُ.
قَالَ: أَلَا تُخْبِرُونَنِي، وَتَصْدُقُونَنِي؟ إِلَى مَاذَا يَدْعُو؟ قَالُوا: يَدْعُو إِلَى أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَخْلَعَ مَا كَانَ يَعْبُدُ الآبَاءُ، وَيَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، قَالَ: وَمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، أَلَهُمَا وَقْتٌ يُعْرَفُ، وَعَدَدٌ يَنْتَهِي؟ قَالُوا: يُصَلُّونَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، كُلُّهَا لِمَوَاقِيتَ، وَعَدَدٍ سَمَّوْهُ لَهُ، وَيُؤَدُّونَ مِنْ كُلِّ مَالٍ بَلَغَ عِشْرِينَ مِثْقَالًا: مِثْقَالًا، وَكُلِّ إِبِلٍ بَلَغَتْ خَمْسًا: شَاةً، وَأَخْبَرُوهُ بِصَدَقَةِ الأَمْوَالِ كُلِّهَا. قَالَ: أَفَرَأَيْتُمْ إِذَا أَخَذَهَا، أَيْنَ يَضَعُهَا؟ قَالُوا: يَرُدُّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَوَفَاءِ العَهْدِ، وَتَحْرِيمِ الرِّبَا، وَالزِّنَا، وَالخَمْرِ، وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
قَالَ: هُوَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَلَوْ أَصَابَ القِبْطَ وَالرُّومَ تَبِعُوهُ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ، وَهَذَا الَّذِي تَصِفُونَ مِنْهُ بُعِثَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ مِنْ قَبْلِهِ، وَسَتَكُونُ لَهُ العَاقِبَةُ حَتَّى لَا يُنَازِعَهُ أَحَدٌ، وَيَظْهَرُ دِينُهُ إِلَى مُنْتَهَى الخُفِّ وَالحَافِرِ وَمُنْقَطَعِ البُحُورِ، وَيُوشِكُ قَوْمُهُ يُدَافِعُونَهُ بِالرِّمَاحِ. قَالَ: قُلْنَا: لَوْ دَخَلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَهُ مَا دَخَلْنَا، قَالَ: فَأَنْغَضَ رَأْسَهُ، وَقَالَ: أَنْتُمْ فِي اللَّعِبِ.
ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ نَسَبُهُ فِي قَوْمِهِ؟ قُلْنَا: هُوَ أَوْسَطُهُمْ نَسَبًا. قَالَ: كَذَلِكَ المَسِيحُ، وَالأَنْبِيَاءُ عليهم السلام، تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا. قَالَ: كَيْفَ صِدْقُهُ فِي حَدِيثِهِ؟ قَالَ: قُلْنَا: مَا يُسَمَّى إِلَّا الأَمِينَ مِنْ صِدْقِهِ. قَالَ: انْظُرُوا فِي أَمْرِكُمْ، أَتَرَوْنَهُ يَصْدُقُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ؟ ! قَالَ: فَمَنْ تَبِعَهُ؟ قُلْنَا: الأَحْدَاثُ. قَالَ: هُمْ -وَالمَسِيحِ- أَتْبَاعُ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ.
قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ يَهُودُ يَثْرِبَ فَهُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ؟ قُلْنَا: خَالَفُوهُ، فَأَوْقَعَ بِهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَسَبَاهُمْ، وَتَفَرَّقُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ. قَالَ: هُمْ حَسَدَةٌ، حَسَدُوهُ، أَمَا إِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ أَمْرِهِ مِثْلَ مَا نَعْرِفُ.
قَالَ المُغِيرَةُ: فَقُمْنَا مِنْ عِنْدِهِ، وَقَدْ سَمِعْنَا كَلَامًا ذَلَّلَنَا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَخَضَّعَنَا، وَقُلْنَا: مُلُوكُ العَجَمِ يُصَدِّقُونَهُ، وَيُخَافُونَهُ فِي بُعْدِ أَرْحَامِهِمْ مِنْهُ، وَنَحْنُ أَقْرِبَاؤُهُ وَجِيرَانُهُ لَمْ نَدْخُلْ مَعَهُ قَدْ جَاءَنَا دَاعِيًا إِلَى مَنَازِلِنَا.
قَالَ المُغِيرَةُ: فَرَجَعْنَا إِلَى مَنَازِلِنَا، فَأَقَمْتُ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، لَا أَدَعُ كَنِيسَةً إِلَّا دَخَلْتُهَا، وَسَأَلْتُ أَسَاقِفَهَا مِنْ قِبْطِهَا وَرُومِهَا - عَمَّا يَجِدُونَ مِنْ صِفَةِ
مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ أُسْقُفٌ مِنَ القِبْطِ هُوَ رَأْسُ كَنِيسَةِ أَبِي غَنِيٍّ، كَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَرْضَاهمْ، فَيَدْعُو لَهُمْ، لَمْ أَرَ أَحَدًا قَطُّ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُ، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي: هَلْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَهُوَ آخِرُ الأَنْبِيَاءِ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ أَحَدٌ، وَهُوَ نَبِيٌّ قَدْ أَمَرَنَا عِيسَى بِاتِّبَاعِهِ، وَهُوَ النَّبِيُّ الأُمِّيُّ العَرَبِيُّ، اسْمُهُ أَحْمَدُ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ، وَلَا بِالقَصِيرِ، فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ، لَيْسَ بِالأَبْيَضِ وَلَا بِالآدَمِ، يُعْفِي شَعْرَهُ، وَيَلْبَسُ مَا غَلُظَ مِنَ الثِّيَابِ، وَيَجْتَزِئُ بِمَا لَقِيَ مِنَ الطَّعَامِ، سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ، وَلَا يُبَالِي مَنْ لَاقَى، يُبَاشِرُ القِتَالَ بِنَفْسِهِ وَمَعَ أَصْحَابِهِ، يُفْدُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، هُمْ لَهُ أَشَدُّ حُبًّا مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَآبَائِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ القَرَظِ، وَمِنْ حَرَمٍ يَأْتِي إِلَى حَرَمٍ، يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ سِبَاخٍ وَنَخْلٍ، يَدِينُ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام.
قَالَ المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ: زِدْنِي فِي صِفَتِهِ. قَالَ: يَأْتَزِرُ عَلَى وَسَطِهِ، وَيَغْسِلُ أَطْرَافَهُ، وَيُخَصُّ بِمَا لَمْ يُخَصَّ بِهِ الأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ، كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَجُعِلَتْ لَهُ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، أَيْنَمَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُشَدَّدًا عَلَيْهِمْ، لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي الكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ.
قَالَ المُغِيرَةُ: فَوَعَيْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْلَمْتُ، وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ المَلِكُ وَقَالَتِ الأَسَاقِفَةُ الَّذِينَ كُنْتُ أُسَائِلُهُمْ، وَأَسْمَعُ مِنْهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ القِبْطِ وَالرُّومِ، وَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَكُنْتُ أُحَدِّثُهُمْ ذَلِكَ فِي اليَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ.
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[نبص 45].
[السند]:
قال أبو نعيم: أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: ثنا الحسن بن الجهم، قال: ثنا الحسين بن الفرج، قال: ثنا محمد بن عمر الواقدي، قال: حدثني محمد بن سعيد الثقفي، وعبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن عثمان بن سهل بن حنيف، وعبد الملك بن عيسى الثقفي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى بن كعب الثقفي، ومحمد بن يعقوب بن عتبة، عن أبيه، وغيرهم، كلٌّ قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، قال: قال المغيرة بن شعبة
…
فذكره.
وقال أبو نعيم -عقبه- (المجلد الثاني ح رقم 44 ط. أم القرى): "ومثله ذكره إبراهيم بن محمد بن عبد الله البغدادي، ثنا ابن شُقَيْر النحوي، ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح، ثنا محمد بن عمر الواقدي".
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: الانقطاعُ، فشيوخ الواقدي المذكورون لم يدركْ أحدٌ منهم المغيرة رضي الله عنه.
الثانية: محمد بن عمر الواقديُّ، متروكٌ، وكَذَّبه غيرُ واحدٍ من الأئمةِ ونسبوه إلى الوضع. انظر (التاريخ الكبير 1/ 178)، و (الجرح والتعديل 8/ 21)، و (ميزان الاعتدال 6/ 273) و (تهذيب التهذيب 9/ 364).
3061 -
حَدِيثُ عَائِشَةَ
◼ عَنْ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ الزّبَيْرِ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: حَدّثِينَا يَا أُمّهُ حَدِيثَك فِي غَزْوَةِ المُرَيْسِيعِ.
قَالَتْ: يَا ابنَ أَخِي، إنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا، وَكَانَ يُحِبُّ أَلَّا أُفَارِقَهُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ.
فَلَمَّا أَرَادَ غَزْوَةَ المُرَيْسِيعِ أَقْرَعَ بَيْنَنَا فَخَرَجَ سَهْمِي وَسَهْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَخَرَجْنَا مَعَهُ، فَغَنَّمَهُ اللهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ.
ثُمَّ انْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلًا لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى مَاءٍ. وَقَدْ سَقَطَ عِقْدٌ لِي مِنْ عُنُقِي، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقَامَ بِالنَّاسِ حَتّى أَصْبَحُوا، وَضَجَّ النّاسُ وَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا: احْتَبَسَتْنَا عَائِشَةُ! !
وَأَتَى النّاسُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالُوا: أَلَا تَرَى إلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ ! حَبَسَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَالنّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ! !
فَضَاقَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، فَجَاءَنِي مُغَيَّظًا فَقَالَ: أَلَا تَرَيْنَ مَا صَنَعَتِ بِالنَّاسِ؟ ! حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَعَاتَبَنِي عِتَابًا شَدِيدًا، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، رَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي وَهُوَ نَائِمٌ.
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: وَاللهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ لَنَا رُخْصَةٌ! وَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَا يُصَلُّونَ إِلَّا فِي
بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا حَيْثُمَا أَدْرَكَتْنِي الصّلَاةُ)).
فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَتْ: وَكَانَ أُسَيْدٌ رجلًا صَالِحًا فِي بَيْتٍ مِنَ الأَوْسِ عَظِيمٍ.
[الحكم]:
منكرٌ بهذا السياقِ، وإسنادُهُ تالفٌ، وقصةُ ضياعِ العِقدِ ونزول آية التيمم صحيحةٌ كما تقدَّمَ.
[التخريج]:
[واقدي (2/ 426 - 427)].
سبق تحقيقه في باب ابتداء التيمم، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ).
3062 -
حَدِيثُ مجاهدٍ مرسلًا
◼ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي: جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، فَيُرْعَبُ القَوْمُ مِنِّي عَلَى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الأَبْيَضِ وَالأَسْوَدِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الغَنَائِمُ، وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ مِنْ قَبْلِي، وَقِيلَ لِي: سَلْ تُعْطَهْ، فَاخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي، فَهِيَ نَائِلَةٌ مِنْهُمْ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ- مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شيئًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ لإرسالِهِ.
[التخريج]:
[زمب (زوائد المروزي 1068 (واللفظ له)، 1618، 1619 (مقتصرًا على الشفاعة)].
[السند]:
رواه حسينٌ المروزيُّ في (زوائده على الزهد لابن المبارك) فقال: قال: أخبرنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، عن مجاهد، به.
ورواه -أيضًا- في (الزوائد 1619) عن الفضل بن موسى السيناني، أخبرنا الأعمش، عن مجاهد، به، مقتصرًا على فقرة الشفاعة.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإرسالِهِ، مجاهدُ بنُ جَبرٍ من الطبقة الوسطى من التابعين.
وقد وصله جماعةٌ عن الأعمشِ عن مجاهدٍ عن عُبيدِ بنِ عُميرٍ عن أبي ذَرٍّ كما سبقَ.
رِوَايَةُ: فيهربون مني
◼ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ: ((أُعْطِيتُ خَمْسَ خِصَالٍ لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي: أُرْسِلَ كُلُّ نَبِيٍّ إِلَى أُمَّتِهِ بِلِسَانِهَا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ مِنْ خَلْقِهِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَلَمْ يُنْصَرْ بِهِ أَحَدٌ قَبْلِي، يَسْمَعُ بِي القَوْمُ وَبَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَيَهْرَبُونَ مِنِّي، وَأُحِلَّتْ لِي الغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ كَانَ قَبْلِي، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا كُنْتُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ أَجِدِ المَاءَ تَيَمَّمْتُ بِالصَّعِيدِ وَصَلَّيْتُ، فَكَانَ لِي مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَلَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ بِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا بهذا السياقِ.
[التخريج]:
[حث 942/ حل (5/ 117) / نبص (المجلد الأول 147 ط. أم القرى)].
[السند]:
رواه الحارثُ بنُ أبي أسامةَ في (مسنده) -ومن طريقه أبو نعيم في (الحلية) - فقال: حدثنا عبد العزيز بن أبان، ثنا عمرو بن ذر، ثنا مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر
…
فذكره.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: الإرسال: فمجاهد لم يسمعْ من أبي ذَرٍّ كما سبقَ، فضلًا عن أن يكون حضرَ قولَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذَرٍّ.
الثانية: عبد العزيز بن أبان، "متروكٌ، وكَذَّبه ابنُ مَعينٍ وغيرُهُ" كما في (التقريب 4083).
* * *