الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
518 - بَابُ التَّيَمُّمِ لِلمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِ المَاءِ
3064 -
حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ -يَرْفَعُهُ- فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الآيَةَ. قَالَ: ((إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ الجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ القُرُوحُ أَوِ الجُدَرِيُّ، فَيُجْنِبُ فَيَخَافُ إِنِ اغْتَسَلَ أَنْ يَمُوتَ فَليَتَيَمَّمْ)).
رِوَايَةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ 2 عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَإِنْ كُنْتُمْ مرضى أو على سفر} قَال: ((إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ جِرَاحَةٌ يَخَافُ إِذَا اغْتَسَلَ أَنْ يَمُوتَ فَلْيَتَيَمَّمْ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ مرفوعًا، وأُعِلَّ بالوقفِ، وهو الصوابُ، كما قال أبو زرعة، -وأقرَّه ابنُ حَجرٍ-، والدارقطنيُّ -ووافقه الألبانيُّ-، وابنُ سيدِ الناسِ، وكمالُ الدينِ الدميريُّ، والخطيبُ الشربينيُّ، والصنعانيُّ، وأشارَ لذلك ابنُ خزيمةَ، والبزارُ، وضَعَّفَهُ عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ، وابنُ التركماني، وابنُ الملقنِ.
[التخريج]:
[خز 289 (واللفظ له) / ك 596/ بز 5057/ جا 129/ منذ 519/ علحا (1/ 459) / عد (8/ 510)(والرواية الثانية له ولغيرِهِ) / قط 678/
هقخ 828، 829/ هق 1079/ هقع (2/ 38) / هقغ 238/ ضيا (10/ 276/ 314، 215)].
[السند]:
أخرجه ابنُ خزيمةَ -وعنه ابنُ الجارودِ- فقال: نا يوسف بن موسى، نا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به مرفوعًا.
ورواه الحاكمُ في (المستدرك) -وعنه البيهقيُّ في (الخلافيات)، و (الصغرى) - من طريق إسحاق بن إبراهيم.
ورواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات) - من طريق محمد بن عيسى الطباع.
كلاهما (إسحاق، والطباع) عن جرير به.
ومداره عندهم على جرير عن عطاء به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه عطاء بن السائب:"صدوقٌ اختلطَ"(التقريب 4592)، فإنما يُقبلُ من حديثه ما كان قبل اختلاطه، ورواية جرير بن عبد الحميد عنه بعد الاختلاط.
قال أبو طالب: "سألتُ أحمدَ -يعني ابنَ حنبلٍ- عن عطاءِ بنِ السائبِ، قال: مَن سمعَ منه قديمًا كان صحيحًا، ومَن سمع منه حديثًا لم يكن بشيء، سمع منه قديمًا: شعبة، وسفيان، وسمع منه حديثًا: جرير، وخالد بن عبد الله، وإسماعيل -يعني ابنَ عليةَ-، وعلي بن عاصم؛ فكان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يعرفها".
وقال يحيى بنُ معينٍ: "عطاء بنُ السائب اختلطَ، فمَن سمعَ منه قديمًا فهو
صحيحٌ، وما سمع منه جرير وذووه ليس من صحيح حديث عطاء".
وقال أبو حاتم: "كان عطاء بن السائب محله الصدق قديمًا، قبل أن يختلطَ، صالح مستقيم، الحديث ثم بأَخرة تغيَّر حفظه، في حديثه تخاليط كثيرة، وقديم السماع من عطاء: سفيان، وشعبة، وحديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة، لأنه قدم عليهم في آخر عمره"(الجرح والتعديل 6/ 333، 334).
قلنا: وقد خُولف جريرٌ، فرواه جماعةٌ عن عطاءٍ عن سعيدٍ عن ابنِ عباسٍ قوله، لم يرفعوه إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهم:
1 -
أبو الأحوص كما عند ابن أبي شيبة في (المصنف 1076).
2 -
زائدة بن قدامة كما عند الطحاوي في (أحكام القرآن 70).
3 -
شجاع بن الوليد كما عند ابن أبي حاتم في (التفسير 5362)، وابن المنذر في (تفسيره 1813).
4 -
عمار بن زُرَيق كما عند الأزهري في (الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي صـ 35).
5 -
علي بن عاصم كما عند البيهقيِّ في (السنن الكبير 1080).
6، 7 - ورقاء وأبو عوانة كما ذكره الدارقطنيُّ في (السنن 1/ 327).
8 -
إبراهيم بن طهمان كما ذكره البيهقيُّ في (السنن الكبير 2/ 184).
9 -
عاصم الأحول -على اختلافٍ عليه- كما عند الدارقطنيِّ في (السنن 679، 680).
فرووه -تسعتُهم- عن عطاء بن السائب عن سعيد عن ابنِ عباسٍ قولَهُ،
ولا شَكَّ أن روايتَهم أرجحُ، فكيف وقد تُوبع عطاءٌ على الوقفِ، كما سيأتي؟ ! وكذا رواه جريرٌ على الصوابِ كما عند الدارقطنيِّ في (السنن 678) فقال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا يوسف بن موسى، نا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}
…
الحديث.
والحسين شيخ الدارقطني هو المحاملي، من الثقات، غير أن ابنَ خزيمةَ والبزارَ قد خالفاه فروياه عن يوسف بن موسى عن جريرٍ به مرفوعًا، كما سبقَ، وكذا تابعهما عباس بن حمدان على الرفع كما عند الضياء في (المختارة 10/ 267)، وجعفر الشاماتي كما ذكر البيهقيُّ (السنن الكبير 2/ 184).
قلنا: وقد رجَّحَ جماعةٌ من أهلِ العلمِ الوقفَ.
فقال ابنُ خُزيمةَ: "هذا خبرٌ لم يرفعه غير عطاء بن السائب"(الصحيح 1/ 255).
وقال البزارُ: "وهذا الحديثُ لا نعلمه يُروى بهذا اللفظِ إلا عن ابن عباس بهذا الإسناد، ولا نعلمُ أسند هذا الحديث رجل ثقة عن عطاء بن السائب غير جرير"(المسند 11/ 268).
وقال ابنُ أبي حاتم: "وسألتُ أبي وأبا زرعة عن حديثٍ رواه علي بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
في المجدور والمريض إذا خاف على نفسه، تيمم، قال
(1)
ولم نقف عليه مرفوعًا من رواية علي بن عاصم، وقد رواه البيهقي من طريقه موقوفًا كما هو مبينٌ في التحقيق.
أبو زرعة: ورواه جريرٌ أيضًا، فقال: عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس -رفعه- في المجدور. قال: إن هذا خطأ؛ أخطأ فيه علي بن عاصم.
ورواه أبو عوانة، وورقاء، وغيرهما، عن عطاء بن السائب، عن سعيد، عن ابن عباس، موقوفًا، وهو الصحيح" (العلل 1/ 459)، وأقرَّهُ ابنُ حَجرٍ في (إتحاف المهرة 7/ 70).
وصوَّبَ الوقفَ أيضًا: الدارقطنيُّ في (السنن 1/ 327)، والبيهقيُّ في (السنن الكبير 2/ 184).
وقال ابنُ سيدِ الناسِ: "عطاء بن السائب من المختلطين بأَخَرَةٍ، وجريرٌ عندهم ممن رَوى عنه بعد الاختلاطِ، وغيره من أصحاب عطاء يروونه عن
(1)
موقوفًا، وهو الصوابُ عند الرَّازيين فيما حكاه عنهما عبد الرحمن بنُ أبي حاتم" (النفح الشذي 3/ 77).
وقال كمالُ الدينِ الدميريُّ: "إسنادُهُ حسنٌ، لكن الأصح وقفه عليه"(النجم الوهاج في شرح المنهاج 1/ 449)، وبنحوه الخطيب الشربيني في (مغني المحتاج 1/ 92).
وقال الصنعانيُّ: "لا يتم رفعه"(سبل السلام 1/ 145).
وقال الألبانيُّ: "قال ابنُ خزيمةَ: (لم يرفعه غير عطاء بن السائب)، وذكرَ البيهقيُّ أنه رواه عنه جمعٌ موقوفًا. قلتُ: وقال الدارقطنيُّ: (وهو الصوابُ). ولكنَّه في حكمِ المرفوعِ؛ لأنه في التفسير، ولا سيما أنه من ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما"(صحيح أبي داود 2/ 164).
(1)
كذا في المطبوع، والصواب: عنه.
قلنا: تفسير ابن عباس لقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى} اجتهادٌ منه في تفسيرِ المرضِ الذي يُباحُ له التيممُ، فلا يستقيمُ أن يكون له حكم الرفع، وقدِ اشترطَ العلماءُ فيما كان فيه تفسير الصحابي له حكم الرفع أن يكون فيه تصريح بسبب النزول.
قال السخاويُّ: "وإنما كان كذلك لأن من التفسير ما ينشأ عن معرفة طرق البلاغة واللغة كتفسير مفرد بمفرد، أو يكون متعلقًا بحكمٍ شرعيٍّ، ونحو ذلك مما للرأي فيه مجال، فلا يُحكم لما يكون من نحو هذا القبيل بالرفع؛ لعدم تحتم إضافته إلى الشارع.
أما اللغة والبلاغة: فلكونهم في الفصاحة والبلاغة بالمحل الرفيع.
وأما الأحكام: فلاحتمال أن يكون مستفادًا من القواعد، بل هو معدود في الموقوفات" (فتح المغيث 1/ 156 وما بعدها).
وقال ابنُ القصار: "وأما تفسيرُ ابنِ عباسٍ فلا يلزمُ؛ لأنه لم يذكره عن الله تعالى ولا عن رسوله"(عيون الأدلة 3/ 1182).
كما أن ابنَ عباسٍ قد خالفه صحابيٌّ آخرُ في المجروحِ، هل يتيمم أو يغسل؟ فذهبَ ابنُ عمرَ إلى أن المجروحَ يمسحُ موضعَ الجرحِ ويغسل الباقي، فقال:((مَنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ مَعْصُوبٌ فَخَشِيَ عَلَيْهِ العَنَتَ، فَلْيَمْسَحْ مَا حَوْلَهُ وَلا يَغْسِلْهُ)). أخرجه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنف 1458) قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ؛ رجالُهُ كلُّهم ثقاتٌ.
ورواه ابنُ المنذرِ في (الأوسط 522)، والبيهقيُّ في (السنن الكبير 1092، 1093) من طريق هشام بن الغاز، به. ولفظه عند البيهقيِّ: ((مَنْ كَانَ لَهُ جُرْحٌ
مَعْصُوبٌ عَلَيْهِ، تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى العِصَابِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَ العِصَابِ)).
فهذا ابنُ عمرَ يرى أن المجروحَ يمسحُ على موضعِ الجرحِ فقط ثم يغسلُ الباقي، فليس اجتهاد ابن عباس في تفسير الآية بأولى من اجتهاد ابن عمر في المجروح، والله أعلم.
قلنا: ويجابُ بنحوه على مغلطاي حيث قال: ((وفي كتاب الدارقطني: ثنا بدر بن الهيثم، ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان عن عاصم الأحول عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس قال: رُخِّص للمريضِ التيمم بالصعيد
…
إلى أن قال: قوله: رُخِّص -بضم الراء- غالبًا إنما يُعزى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كقوله:(أُمِرَ بلالٌ)؛ لأنه ليس لأحدٍ أن يسن أو يرخص غيره" (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 336 - 337).
فلعلَّ ابنَ عباسٍ أرادَ بالرخصةِ ما جاء في كتاب الله تعالى: {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا} ، كما هو ظاهر، والله أعلم.
قلنا: وقد ضَعَّفَ الحديثَ غيرُ مَن تقدَّم، منهم عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ في (الأحكام الوسطى 1/ 223)، وابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 3/ 118 - 121)، وابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 224)، وابنُ الملقنِ في (البدر المنير 2/ 671 - 672).
[تنبيه]:
سقطتْ من (السنن الصغير) للبيهقيِّ طبعة الرشد: صيغةُ التحملِ بين عبد الله بن محمد، وإسحاق بن إبراهيم.
كما تصحَّفتْ -عنده أيضًا- كلمةُ (رفعه) إلى (بعد)، وقد وردتْ على
الصوابِ في طبعة جامعة الدراسات الإسلامية (1/ 96)، وأيضًا عند الحاكمِ في (المستدرك)، حيث أخرجها البيهقيُّ عنه.
3065 -
حَدِيثُ ابنِ عَبَّاسٍ موقوفًا
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، قَالَ:((إِذَا كَانَتْ بِالرَّجُلِ الجِرَاحَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القُرُوحُ أَوِ الجُدَرِيُّ، فَيُجْنِبُ فَيَخَافُ أَنْ يَمُوتَ (يُؤْذِيهِ أَذًى شَدِيدًا) إِنْ [تُوَضَّأَ أَوِ] اغْتَسَلَ يَتَيَمَّمُ [وَلْيُصَلِّ])).
[الحكم]:
صحيحٌ موقوفٌ.
[التخريج]:
[ش 1076/ أزهري (صـ 35) (والزيادة الأولى والرواية له) / تمنذ 1813/ طحق 70/ حا 5362/ قط 678 (واللفظ له) / هق 1080 (والزيادة الثانية له)].
[السند]:
قال ابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف): حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
ورواه الطحاويُّ في (أحكام القران) من طريق زائدة بن قدامة،
ورواه ابنُ المنذرِ في (التفسير)، وابنُ أبي حاتمٍ في (التفسير) من طريق شجاع بن الوليد.
ورواه الأزهريُّ في (الزاهر) من طريق عمار بن زريق.
ورواه الدارقطنيُّ في (السنن) من طريق عاصم الأحول.
ورواه البيهقيُّ في (السنن) من طريق علي بن عاصم.
خمستُهم (زائدة، وشجاع، وعمار، وعاصم، وعلي بن عاصم) عن عطاء
ابن السائب به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، غير عطاء بن السائب، تقدَّم القولُ فيه، وأنه اختلطَ، وجميع مَن ذُكر ممن حمل عنه بعد اختلاطه، إلا زائدة بن قدامة.
قال الطبرانيُّ: "ثقةٌ اختلطَ في آخرِ عمره، فما رواه عنه المتقدَّمون مثل سفيان وشعبة وزهير وزائدة فهو صحيحٌ"(إكمال تهذيب الكمال 9/ 247)، و (تهذيب التهذيب 7/ 207).
وقال الحافظُ: "تحصَّلَ لي من مجموعِ كلامِ الأئمةِ أن روايةَ شعبةَ، وسفيانَ الثوريِّ، وزهيرِ بنِ معاويةَ، وزائدةَ، وأيوبَ، وحمادِ بنِ زيدٍ، عنه قبلَ الاختلاطِ، وأن جميعَ مَن رَوى عنه غير هؤلاء فحديثُه ضعيفٌ؛ لأنه بعد اختلاطه، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه"(هدي الساري صـ 425).
قلنا: ولم ينفردْ عطاءٌ به، بل توبع كما سيأتي في الرواياتِ القادمةِ.
رِوَايَةُ رُخِّصَ
• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: ((رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمُ، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مَجْدُورًا كَأَنَّهُ صَمْغَةٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟)).
وَفِي رِوَايَةٍ 2: ((فِي المَجْدُورِ وَأَشْبَاهِهِ إِذَا أَجْنَبَ، قَالَ: يَتَيَمَّمُ بِالصَّعِيدِ)).
[الحكم]:
صحيحٌ موقوفٌ.
[التخريج]:
[عب 877، 882/ صلاة 158 (واللفظ له) / منذ 520/ بز 5076/ معر 724/ جعفر 657/ قط 679، 680/ هقخ 830 - 832/ هق 1081، 1082 (والرواية الثالثة له) / ضيا (10/ 337/ 365)].
[التحقيق]:
له طريقان:
الطريق الأول: رواه عاصم الأحول، واختُلِفَ عليه على ثلاثةِ أوجهٍ:
الأول: عن سفيان الثوري عن عاصم عن قتادة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
رواه عبد الرزاق في (المصنف 877) -ومن طريقه: ابنُ المنذرِ في (الأوسط 520)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 632) -، وأبو نُعيمٍ في (الصلاة 158) -ومن طريقه: البزارُ في (المسند 5076)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 831) -، عن سفيانَ الثوريِّ به.
ورجالُهُ ثقاتٌ، ولكن قتادة دلَّسه فلم يسمعْه من سعيد بن جبير، بينهما عزرة، وهو
الوجه الثاني: عن شعبة عن عاصم عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به.
رواه البيهقيُّ في (الكبير 1081) من طريق يحيى بن أبي بكير قال: سألتُ قتادةَ عن المجدور فقال: سُئِلَ عنها الشعبيُّ فقال: ذَهَبَ فرسانُها. قال: وقال سعيد بن جبير شيئًا فلم يحفظه، قال شعبة: وأخبرني عاصمٌ -يعني الأحولَ- عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في المجدور: إنه يتيمم.
ثم رواه أيضًا في (الكبير 1082) من طريق آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة عن عاصم الأحول، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في المجدور وأشباهه إذا أجنب، قال: يتيمم بالصعيد.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، عزرة هو ابن عبد الرحمن، ثقة كما تقدَّمَ قريبًا، ولكن خُولِفَ شعبة في إسنادِهِ، خالفه عبدةُ بنُ سليمانَ، وهو
الوجه الثالث:
رواه الدارقطنيُّ في (السنن 679) فقال: حدثنا بدر بن الهيثم، نا أبو سعيد الأشج، ثنا عبدة بن سليمان، عن عاصم الأحول، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:((رُخِّصَ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمُ بِالصَّعِيدِ)).
حدثنا المحاملي، قال: كَتَبَ إلينا أبو سعيدٍ الأشجُّ نحوه.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير عطاء بن السائب فقد اختلطَ، ورواية عاصم عنه بعد الاختلاط، قال أبو حاتم: "كان عطاء بن السائب محله الصدقُ قديمًا، قبل أن يختلطَ، صالحٌ مستقيمُ الحديثِ، ثم بأَخَرَةٍ تغيَّر حفظه، في حديثِهِ تخاليطُ كثيرةٌ؛ وقديمُ السماعِ من عطاءٍ: سفيان، وشعبة؛ وحديث البصريين
الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة، لأنه قَدِمَ عليهم في آخر عمره، وما روى عنه ابنُ فُضيلٍ ففيه غلطٌ واضطرابٌ، رَفَعَ أشياءَ كان يرويها عن التابعين، فرفعها إلى الصحابةِ" (الجرح والتعديل 6/ 334).
وعاصمٌ الأحولُ بصريٌّ، فروايتُه تدخلُ في حديثِ البصريين.
ولكن هذا الوجه عن عطاء تابع عاصمًا عليه جماعة، منهم زائدة وأبو الأحوص وغيرهما كما تقدَّمَ في الروايةِ السابقةِ.
قلنا: والذي يترجَّحُ لنا أن الحديثَ محفوظٌ على الوجهين الأخرين، والله أعلم.
الطريق الثاني:
رواه عبد الرزاق في (المصنف 882) عن ابن جريج، قال: أخبرني مَن أُصَدِّقُ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال:((إِنَّ رُخْصَةً لِلْمَرِيضِ فِي التَّمَسُّحِ بِالتُّرَابِ وَهُوَ يَجِدُ المَاءَ)).
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ لإبهام راويه عن سعيدٍ، ولكنه متابعٌ كما سبقَ، وانظر الآتي.
[تنبيه]:
وَقَعَ السندُ عند عبدِ الرزاقِ في (المصنف 877) فقال: عن قتادة، عن سعيد بن جبير به. فسَقَطَ منه الثوريُّ عن عاصمٍ الأحولِ عن قتادةَ، وهو على الصواب عند ابن المنذر في (الأوسط 520)، والبيهقي في (الخلافيات 832) حيث روياه عن الدبري عن عبد الرزاق.
رِوَايَةٌ
• وَفِي رِوَايَةٍ عن ابنِ عباسٍ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} قَالَ: ((المَرِيضُ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ تَيَمَّمَ)).
[الحكم]:
حسنٌ لغيرِهِ.
[التخريج]:
[حا (3/ 962/ 5371)].
[السند]:
قال ابنُ أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا ابنُ نُمير، عن شَريك، عن السُّدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه شَريكُ بنُ عبدِ اللهِ النَّخَعيُّ، كان في حفظه سوء، قال ابنُ حَجرٍ:"صدوقٌ يُخطئُ كثيرًا، تغيَّر حفظُه منذُ ولي القضاء بالكوفة"(التقريب 2787).
وشيخه السُّدي، هو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة، "صدوقٌ يهمُ"(التقريب 463).
رِوَايَةُ أَفْتَى مَجْدُورًا بِالتَّيَمُّمِ
• وَفِي رِوَايَةٍ: ((أَنَّ ابنَ عَبَّاسٍ أَفْتَى مَجْدُورًا بِالتَّيَمُّمِ)).
[الحكم]:
حسنٌ لغيرِهِ.
[التخريج]:
[مدونة (1/ 147)].
[السند]:
قال سحنون: قال ابن وهب: قال ابن أبي سلمة: وبلغني أن ابنَ عباسٍ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ؛ حيث رواه ابنُ أبي سلمةَ -وهو عبد العزيز بن الماجشون- بلاغًا كما هو مبينٌ، ولم يظهرْ لنا مَن بلَّغه ذلك.
والأثرُ جاء من طرقٍ أُخْرَى يُحسَّنُ بها كما تقدَّمَ في الرواياتِ السابقةِ.
3066 -
حَدِيثُ آخرُ لابنِ عباسٍ
◼ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أَصَابَ رجلًا جُرْحٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ احْتَلَمَ، فَأُمِرَ بِالِاغْتِسَالِ، فَاغْتَسَلَ [فَكُزَّ] 1 فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ العِيِّ السُّؤَالُ؟ ! )).
[قَالَ عَطَاءٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ، وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الجُرْحُ] 2] أَجْزَأَهُ] 3)).
[الحكم]:
ضعيفٌ، وأعلَّه: أبو زرعةَ، وأبو حاتمٍ، والدارقطنيُّ -ووافقهم: ابنُ دَقيقِ العيدِ، وابنُ عبدِ الهادِي-، وابنُ عبدِ البرِّ، والمنذريُّ، والألبانيُّ.
وضَعَّفَهُ: ابنُ المنذرِ، والبيهقيُّ، وابنُ حَجرٍ -ووافقه الشوكاني-.
واستغربه: أبو نُعيمٍ، وقال عبدُ الحقِّ:"ولا يُروى الحديثُ من وجهٍ قويٍّ".
وقال الضياءُ المقدسيُّ، وابنُ كَثيرٍ، والبوصيريُّ:"منقطعٌ".
[التخريج]:
[د 337 (واللفظ له) / جه 566/ حم 3056/ مي 770 (والزيادتان الأولى والثانية له ولغيرِهِ) / ك 641، 642، 643 (والزيادة الثالثة له ولغيرِهِ) / عب 874، 875 (والرواية له) / عل 2420/ تخ (8/ 288) / قط 730 - 736/ حل (3/ 317) / فاصل 297، 298 (مقتصرًا على شفاء العي) / هق 1088/ هقخ 836 - 838/ جمع 526/ ضيا (11/ 214/ 206، 207) / ك (تاريخ - مغلطاي 2/ 334) / فق (2/ 133) / كر (مختصر 27/ 115) / مغلطاي (2/ 334)].
[التحقيق]:
هذا الحديثُ له طريقان عن ابنِ عبَّاسٍ:
الطريق الأول: عن عطاء بن أبي رباح عنه، ورُوي عنه من ثلاثةِ أوجهٍ:
أشهرها: يرويه الأوزاعيُّ، واختُلِفَ عليه على خمسةِ أوجهٍ:
الوجه الأول: عن الأوزاعي، قال: ثنا عطاء بن أبي رباح، أنه سمع عبد الله بن عباس به. هكذا بصيغة التحديث بين الأوزاعي وعطاء.
رواه الحاكمُ في (المستدرك 641) -وعنه البيهقيُّ في (الخلافيات 836) - فقال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التَّنُوخي، ثنا بشر بن بكر، حدثني الأوزاعي به.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ؛ ولذا قال الحاكمُ -عقبه-: "بِشرُ بنُ بكرٍ ثقةٌ مأمونٌ، وقد أقامَ إسنادَهُ، وهو صحيحٌ على شرطِ الشيخين ولم يخرجاه".
قال السخاويُّ: "وإقامته له من جهة تصريحه بالتحديث بحيث ثبت اتصاله بلا واسطة"(المقاصد الحسنة صـ 182).
وقال ابنُ الملقنِ: "فقد علمت رواية الحاكم الأخيرة وأنها جيدة لا مطعن فيها"(البدر المنير 2/ 619).
قلنا: بشر بن بكر لم يُخَرِّج له مسلم شيئًا، وإنما انفردَ البخاريُّ بالإخراجِ له، وبشر مع جلالته وكثرة روايته عن الأوزاعي- قد وهم في ذكر التحديث، حيث خالفه جماعة من أصحاب الأوزاعي فرووه بغيرِ سماعٍ، كما سيأتي.
ولذا أشارَ الحاكمُ لضعفِ هذا الوجه بقوله: "وقد رواه الهِقْلُ بنُ زيادٍ وهو من أثبتِ أصحابِ الأوزاعيِّ، ولم يذكرْ سماعَ الأوزاعيِّ من عطاءٍ" (المستدرك
1/ 553).
وقال البيهقيُّ: "كذا قال بشر بن بكر، وهذا غلطٌ، إنما رواه الأوزاعيُّ عن عطاءٍ بلاغًا من غيرِ سماعٍ له من عطاءٍ".
وقال الذهبيُّ: "وعلته: أن الوليد بن مزيد قال: سمعتُ الأوزاعيَّ يقول: بلغني عن عطاءٍ أنه سمع ابن عباس إلى قوله شفاء العي السؤال"(تلخيص المستدرك 1/ 178).
وهذا الوجه عن الأوزاعي عن عطاءٍ بلاغًا سيأتي تخريجه قريبًا.
وحكم الألبانيُّ عن روايةِ بِشرٍ هذه بالشذوذِ كما في (صحيح أبي داود 2/ 162).
قلنا: وقد جاءتْ متابعةٌ لبشرٍ على التحديثِ، ولكنها متابعةٌ لا تصحُّ، أخرجها ابنُ عبدِ البرِّ في (جامع بيان العلم 526) فقال: قرأتُ على أبي عبد الله محمد بن عبد الله، أن محمد بن معاوية القرشيَّ أخبرهم، نا إسحاق بن أبي حسان الأنماطي، نا هشام بن عمار، نا عبد الحميد، نا الأوزاعي، به.
وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير عبد الحميد بن أبي العشرين كاتب الأوزاعي، مختلفٌ فيه، ولخَّصَ حالَهُ الحافظُ فقال:"صدوقٌ ربما أخطأ. قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث"(التقريب 3757).
قلنا: فالظاهرُ أن الإخبارَ هذا وهم من عبد الحميد، وقد اضطربَ فيه، كما سيأتي.
ولذا قال ابنُ عبدِ البرِّ -عقبه-: "هكذا رواه عبد الحميد بن أبي العشرين، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه عبد الرزاق، عن الأوزاعي، عن رجلٍ، عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ مثله سواء، وعبدُ الرزاقِ أثبتُ من
عبدِ الحميدِ" (جامع بيان العلم 526).
وهذا الوجهُ عن عبدِ الرزاقِ سيأتي تخريجُه قريبًا.
الوجه الثاني: عن الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، قال: سمعتُ ابنَ عباسٍ به، لم يذكرِ الأزاعي سماعًا له من عطاءٍ.
أخرجه ابنُ ماجهْ في (السنن 566) فقال: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي به.
وقال الأوزاعيُّ -عقبه-: "قال عطاءٌ: بلغني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ
…
)) " هكذا مرسلًا.
وهذا هو أحدُ أوجهِ الاختلافِ على عبد الحميد بن أبي العشرين، وثَمَّ خلافٌ ثالثٌ عنه، سيأتي تخريجُه قريبًا.
قال المنذريُّ: "في طريقِ ابنِ ماجهْ: عبدُ الحميدِ بنُ حبيبِ بنِ أبي العشرينَ، كاتبُ الأوزاعيِّ، استشهدَ به البخاريُّ، وتكلَّم فيه غيرُ واحدٍ، وقال ابنُ عَدِيٍّ: يغربُ عن الأوزاعيِّ بغيرِ حديثٍ، لا يرويه غيره، وهو ممن يُكتبُ حديثُه"(مختصر سنن أبي داود 1/ 209).
قلنا: لم يتفردْ عبدُ الحميدِ، فقد تابعه على هذا الوجه جماعةٌ، وهم:
1 -
الوليد بن مسلم كما عند الرَّامُهْرُمزي في (المحدث الفاصل 297)، وذكره ابنُ أبي حاتم في (العلل 1/ 512)، وأبو نعيم في (الحلية 3/ 317).
2 -
أيوب بن سويد كما عند الدراقطني في (السنن 732)، والخطيب في (الفقيه والمتفقه 2/ 133).
3 -
محمد بن كثير المِصيصي عند أبي نعيم في (الحلية 3/ 317).
4 -
رَوَّاد بن الجَرَّاح كما عند الرامهرمزي في (المحدث الفاصل 298).
فرواه أربعتُهم عن الأوزاعي عن عطاء به. فلم يذكروا سماعًا.
وكذا تابعهم الهقل بن زياد، فرواه عن الأوزاعي فقال: قال عطاء: عن ابن عباس به.
أخرجه أبو يعلى في (المسند 2420)، والحاكم في (المستدرك 643)، والدارقطني في (السنن 730، 731)، وغيرهم.
وفي رواية أيوب والهقل "رواية عطاء المرسلة" عقب الحديث.
قلنا: وهذا إسنادٌ رجالُهُ ثقاتٌ، غير أن الأوزاعيَّ لم يسمعْه من عطاءٍ، إنما رواه عن عطاءٍ بلاغًا، وهو
الوجه الثالث: عن الأوزاعي، أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح، أنه سمع عبد الله بن عباس به.
أخرجه أبو داود في (السنن 337) فقال: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي، حدثنا محمد بن شعيب، أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح به.
ورواه أحمد (3056)، والدارمي (770)، والدارقطني في (السنن 735) من طريق أبي المغيرة.
ورواه البخاري في (التاريخ الكبير 3027) فقال: قال يحيى بن عبد الله- وهو البابلتي.
ورواه الدارقطني في (السنن 736) من طريق يحيى بن عبد الله.
ورواه الحاكم في (المستدرك 642)، والدارقطني في (السنن 733) من
طريق الوليد بن مزيد.
ثلاثتهم (أبو المغيرة، والوليد، ويحيى) رووه عن الأوزاعي قال: بلغني عن عطاء به.
وذكر لهم الدارقطني متابعًا فقال: "وتابعهما إسماعيل بن يزيد بن سماعة، ومحمد بن شعيب".
وروايتُهم جميعًا اتَّفَقتْ على الفقرة المرسلة عقب الحديث.
قلنا: فأثبت هذا الوجه انقطاعًا بين الأوزاعي وعطاء، إذ رواه عنه الأوزاعي بلاغًا، وقد جاءتْ روايتان تبينان هذه الواسطة بينهما: إحدهما مبهمة، والأُخرى مُصَرِّحة.
أما المبهمة فهي الوجه الرابع: عن الأوزاعي، عن رجلٍ، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس به.
فأثبتْ عبدُ الرزاقِ واسطةً بين الأوزاعي وعطاء ولكنه أبهمها.
أخرجه عبد الرزاق في (المصنف 875) -ومن طريقه الدارقطنيُّ في (السنن 734)، والبيهقيُّ في (الخلافيات 837) - فقال: عن الأوزاعي، عن رجلٍ، عن عطاء بن أبي رباح به. وذكر عبد الرزاق قول عطاء مرسلًا عقبه.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ لإبهامِ راويه عن عطاء، وهذا الرجلُ المبهمُ سمَّاه ابنُ أبي العشرين كاتبُ الأوزاعيِّ، وهو
الوجه الخامس: عن الأوزاعي عن إِسماعيل بن مسلم عن عطاء، عن ابن عباس به.
وهذا الوجه لم نقفْ عليه مسندًا، وإنما ذكره ابنُ أبي حاتم في (العلل
77) فقال: "وسألتُ أبي وأبا زرعة عن حديث رواه هقل، والوليد بن مسلم، وغيرهما، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس: أن رجلًا أصابته جراحة، فأجنب، فأُمر بالاغتسال، فاغتسلَ، فكز، فماتَ
…
وذكرتُ لهما الحديثَ، فقالا: روى هذا الحديثَ ابنُ أبي العشرين، عن الأوزاعيِّ، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس، وأفسدَ الحديثَ".
قلنا: فبيَّنَ عبدُ الحميدِ الواسطةَ بين الأوزاعي وعطاء، فإذا هو إسماعيل بن مسلم المكي، وهو "ضعيف الحديث"(التقريب 484).
ولذا قال الرازيان: "أفسدَ الحديثَ"(العلل 77)، وأقرَّهما الدارقطني في (السنن 1/ 350).
قال ابنُ دقيقِ العيدِ: "يريدُ أنه أدخلَ إسماعيلَ بنَ مسلمٍ بين الأوزاعي وعطاء، فبَيَّن أن الأوزاعيَّ أخذَ الحديثَ عن إسماعيل بن مسلم"(الإمام 3/ 118).
قلنا: وهذا الوجهُ هو أحدُ أوجه الخلاف على عبد الحميد بن أبي العشرين، قال ابنُ حَجرٍ -معقبًا على كلام أبي زرعة وأبي حاتم-:"قد رواه هشام بن عمار، عن ابن أبي العشرين، فلم يذكر فيه إسماعيل"(إتحاف المهرة 7/ 407).
وعبد الحميد تقدَّم القول فيه، ونزيد عليه فنقول: قال ابنُ عَدِيٍّ: "قال البخاري: (شامي ربما يخالف في حديثه) ثم عقب ابن عَدِيٍّ قائلًا: "وعبد الحميد كما ذكره البخاريُّ تفرَّد عن الأوزاعيِّ بغيرِ حديثٍ لا يرويه غيره" (الكامل 8/ 412).
وقال السنديُّ: "وعبدُ الحميدِ كثيرًا ما ينفردُ بأحاديثَ لا يُتابَعُ عليها غيره"
(حاشيته على سنن ابن ماجه 1/ 202).
فيبعدُ جدًّا أن يحفظَ عبدُ الحميدِ المتكلَّمُ فيه ما لم يحفظه هقْل والوليدُ وغيرُهما من أصحابِ الأوزاعيِّ، كما سبقَ، مع اضطرابه في سندِهِ؛ ولذا قال الألبانيُّ:"حديثُ ابنِ أبي العشرين عند ابن ماجه كما سبقَ، وليس فيه: عن إسماعيل بن مسلم! فلعلَّه اختلف فيه على ابن أبي العشرين، وهو متكلَّمٌ فيه من قِبل حفظه، فيبعدُ أن يحفطَ ما لم يحفظْه الثقاتُ من أصحابِ الأوزاعيِّ؛ ولذلك قالا: إنه أفسدَ الحديثَ"(صحيح أبي داود 2/ 163).
قلنا: وعلى كلٍّ فالحديثُ منقطعٌ بين الأوزاعيِّ وعطاءٍ، وقد أخذه عن رجلٍ عنه كما قال عبدُ الرزاقِ، وأحيانًا كان يرويه بلاغًا كما في روايةِ الجماعةِ، وما وقعَ من تصريحٍ بالسماعِ فهو وهمٌ وقعَ فيه بشرُ بنُ بكرٍ كما قال البيهقيُّ وغيرُهُ، وكذا أخطأَ فيه عبدُ الحميدِ كما أشارَ ابنُ عبدِ البرِّ وغيرِهِ.
ولذا ذهبَ جماعةٌ إلى إعلالِهِ كما تقدَّمَ عن أبي حاتم، وأبي زرعة -ووافقهما الدارقطنيُّ في (السنن 1/ 350) -، وكذا ابنُ عبدِ البرِّ في (جامع بيان العلم 526).
وقال الدارقطنيُّ: "اختُلِفَ على الأوزاعيِّ: فقيلَ عنه عن عطاءٍ، وقيلَ عنه بلغني عن عطاءٍ، وأرسلَ الأوزاعيُّ آخرَهُ عن عطاءٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهو الصوابُ"(السنن 1/ 350).
وأقرَّهم البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 493)، وابنُ دَقيقِ العيدِ في (الإمام 3/ 117 - 118)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 386).
وقال ابنُ المنذرِ: "في إسنادِهِ مقالٌ؛ لأن عبد الرزاق أدخلَ بين الأوزاعي
وبين عطاء رجلًا وقال بشر بن بكر: ثنا الأوزاعي قال: بلغني أن عطاء قال إنه سمع ابن عباس" (الأوسط 2/ 141).
واستغربه أبو نعيم، فقال:"هذا حديثٌ غريبٌ، لا تُحفظُ هذه اللفظةُ من أحدٍ منَ الصحابةِ إلا من حديث ابن عباس، ولا عنه إلا من رواية عطاء، حَدَّثَ به الوليد بن مسلم والأعلام عن الأوزاعي"(حلية الأولياء 3/ 318).
وقال المنذريُّ عن طريق أبي داود: "أخرجه منقطعًا، وفي طريقِ ابنِ ماجهُ: عبدُ الحميدِ بنُ حبيبِ بنِ أبي العشرين،
…
إلى آخر كلامه المذكور قريبًا" (مختصر سنن أبي داود 1/ 209).
وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "واختُلِفَ عن الأوزاعيِّ: فقيل عنه عن عطاءٍ، وقيلِ عنه: بلغني عن عطاء، ولا يُروى الحديثُ من وجهٍ قويٍّ"(الأحكام الوسطى 1/ 222 - 223).
وقال الضياءُ المقدسيُّ: "رواه الإمامُ أحمدُ، إلا أنه منقطعٌ لم يسمعْه الأوزاعيُّ"(السنن والأحكام 1/ 202).
وقال ابنُ كَثيرٍ: "في سندِهِ انقطاعٌ"(إرشاد الفقيه 1/ 75).
وقال البوصيريُّ: "هذا إسنادٌ منقطعٌ، قال الدارقطنيُّ: الأوزاعيُّ عن عطاءٍ مرسل"(مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1/ 81).
وذكر كلامَه السنديُّ وزاد: "وفي مسند أبي داود تنبيه على ذلك، فالأوزاعي أنه بلغه عن عطاء، وعبد الحميد كثيرًا ما ينفرد بأحاديث لا يتابِع عليها غيره"(حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 202).
ولكن حاول تقويته بطريق الوليد بن عبيد الله عن عطاء، وسيأتي تخريجه قريبًا.
وضَعَّفَ الحديثَ الحافظُ في (التلخيص 1/ 260 - 261) ونقلَ كلامَه الشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 321) ولم يعقبْ عليه كالمقرِّ له، والألبانيُّ في (صحيح أبي داود 2/ 161 - 163) ولكن قوَّاه بمتابعةِ الوليدِ بنِ عبيدِ اللهِ للأوزاعيِّ.
قلنا: وهذه المتابعةُ هي الوجهُ الثاني عن عطاءٍ:
فروى ابنُ خُزيمةَ في (صحيحة 290) -وعنه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه 1309)، ومن طريقه: البيهقيُّ في (الخلافيات 827) -، وابنُ الجارود في (المنتقى 129) -ومن طريقه: ابنُ بشران في (أماليه 1333) -، والحاكمُ في (المستدرك 595)، -وعنه البيهقيُّ في (الكبير 1087) -، وغيرهم مِنْ طَرِيقِ عمر بن حفص بن غياث عن أبيه حفص بن غياث، أخبرني الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، أن عطاءً حدَّثَهُ عن ابنِ عباسٍ به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه الوليدُ بنُ عُبيدِ اللهِ ابنِ أخي عطاءٍ، ضَعَّفه الدارقطنيُّ (السنن 4/ 42)، والبيهقيُّ (السنن الكبير 11/ 337)، وابنُ الجوزي في (الضعفاء والمتروكين 3655)، وقال السخاويُّ:"الوليدُ ضَعَّفه الدارقطنيُّ، ولم يخرج له في الكتب الستة"(المقاصد الحسنة صـ 182). وقال الحاكمُ: "قليلُ الحديثِ جدًّا" ومع ذلك صَحَّحَ حديثَهُ هذا فقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ"(المستدرك 1/ 528).
وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 7/ 549)، وصَحَّحَ حديثَه هذا موافقًا لشيخِهِ ابنِ خُزيمةَ، وكذا انتقاه له ابنُ الجارود؛ ولذا قال الحافظُ:"وقوَّاه من صَحَّحَ حديثَه هذا"(التلخيص 1/ 261).
قلنا: وقد حاولَ بعضُهم تقويةَ الوليدِ بما ذكر في (الجرح والتعديل
لابن أبي حاتم 9/ 9) قال: "الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح ابن أخي عطاء بن أبي رباح - روى عن زياد النميري، روى عنه: معقل بن عبيد الله، أخبرنا يعقوب، حدثنا عثمان: سألت يحيى بن معين عن الوليد بن عبيد الله، فقال: ثقة".
وذكره متعقبًا به البيهقيَّ على تضعيفه للوليد، ابنُ التركماني في (الجوهر النقي 6/ 6) فقال: " ضَعَّفه الدارقطني، وكأن البيهقيَّ تبعه، ولم يضَعفه المتقدمون فيما علمتُ، بل حكى ابنُ أبي حاتم عن ابنِ مَعينٍ أنه ثقة، وأخرجَ له ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه) والحاكم في (مستدركه).
قلنا: هذا النقلُ عن يحيى بن معين لا يصحُّ؛ لأمور:
الأول: أنا رجعنا إلى سؤالات عثمان بن سعيد الدارمي، فإذا فيها:"وسألتُه عن الوليد بن عبد الله فقال: ثقة"(السؤالات 468)، والوليد هذا بَيَّنه الدوري فقال:"سمعتُ ابنَ مَعينٍ يقول: " الوليد بن عبد الله هو ابنُ أبي مغيث" (سؤالات الدوري 582).
ولذا اعتمدَ ابنُ أبي حاتم توثيقَ ابنِ معين لابنِ أبي مغيثٍ في ترجمته من (الجرح والتعديل)، وهي قبل ترجمة ابن أبي رباح مباشرة، مما يوهم أن التوثيقَ في ابنِ أبي مُغيثٍ وليس ابن أبي رباح،
يؤكد على ذلك الأمر الثاني: وهو أن المحقق وضع توثيقَ ابنِ مَعينٍ بين معقوفين هكذا: [أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتبَ إليَّ، قال: نا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: سألتُ يحيى بن معين عن الوليد بن عبيد الله، فقال: ثقة]، وفي ترجمة الوليد قبلها قال: "نا عبد الرحمن، أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتبَ إليَّ، قال: نا عثمان بن سعيد الدارمي، قال: سألتُ يحيى بن
معين عن الوليد بن عبد الله، فقال:"ثقة" فلم يضعها بين معقوفين، مما يبين اختلاف النُّسخ بين إثباتها وحذفها، كما أن الجملتين تتفقان على نفس الصيغة باختلاف عبيد الله من عبد الله، والتصحيف فيهما وارد.
ثالثًا: أن ابنَ أبي حاتمٍ ذَكرَ معقل بن عبيد الله فيمن روى عن ابن أخي عطاء، بينما ذَكرَ المزيُّ في (تهذيب الكمال 31/ 38) مَعْقِلًا هذا فيمن روى عن ابن أبي مغيث.
رابعًا: أن الحافظَين الذهبيّ وابن حجر مع سَعة اطلاعهما على أقوالِ الأئمةِ وتمحيصها، لم يذكرا توثيقَ ابنِ معينٍ لابنِ أخي عطاءٍ
(1)
، وقد ذكرا توثيقَ ابنِ حِبَّانَ، ومعلوم الفرق بين التوثيقين، مع ذكرهما لتضعيف الدارقطني، فقال الذهبيُّ في (الميزان 5/ 89 ط. الرسالة):"عن عمِّه عطاء بن أبي رباح. ضَعَّفه الدارقطنيُّ" وبنحوه قال في (ديوان الضعفاء 4553)، وأقرَّه الحافظُ في (اللسان 8/ 385) وزاد: "وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وأخرجَ له ابنُ خزيمة في (صحيحه).
خامسًا: أن الحافظَ ابنَ كثيرٍ قد عمل تذييلًا على التهذيب، وأضاف إليه شيئًا من (الميزان) وكتب الجرح والتعديل سمَّاه:(التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل) ذكر ترجمة الوليد هذا فقال: "عن عمِّه عطاء، وعن زياد النميري. وعنه معقل بن عبيد الله وغيره. ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ"(التكميل 1027)، وهذه الترجمةُ هي هي ترجمة الوليد من كتاب (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم، باستثناء تضعيف الدارقطني،
(1)
ولذا تفطَّنَ محققُ كتابِ (الجرح والتعديل) لذلك فقال: "الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح ترجمه في الميزان واللسان، وليس فيها توثيق ابن معين".
ومع ذلك ما ذكر توثيق ابن معين له.
قلنا: فكلُّ هذه قرائنُ تَحُولُ دونَ قبول توثيق ابن معين للوليد هذا؛ ولذا قال الألبانيُّ: "وذَكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات)، وأخرجَ له ابنُ خُزيمةَ في (صحيحه) ". قلت: أورده في طبقة (أتباع التابعين)(7/ 549)، بروايةِ حفصِ بنِ غياثٍ عنه، وقد روى عنه معقل بن عبيد الله أيضًا كما في (الجرح والتعديل 4/ 2/ 9)، وروى توثيقه عنِ ابنِ مَعينٍ، وقد وقعَتْ هذه الروايةُ نفسها في الترجمةِ التي قبلها (الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني عبد الدار)، وكذلك هي في (تاريخ الدارمي صـ 140) عن ابنِ مَعينٍ، لكنه لم يقل:(ابن أبي مغيث .. )، فالظاهرُ أنها مقحمةٌ في ترجمة (الوليد بن عبيد الله) في طبقة "الجرح والتعديل"، وروى عنه أيضًا (نافع بن عمر) كما تقدَّم في حديث الترجمة، فهؤلاء ثلاثة من الثقات رووا عنه، فهو صدوقٌ لولا أن الدارقطنيَّ ضَعَّفه، وأقرَّه الذهبيُّ كما تقدَّم" (سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/ 1242).
ومع ذلك قَوَّى الألبانيُّ حديثه هذا فقال: "الوليدُ هذا ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ، ولكنه قد توبع عليه، فقد أخرجه أبو داود (1/ 56)، وابن ماجه (202)، والدارمي (192)، والحاكم أيضًا (1/ 178)، من طريق الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح به نحوه، وفي آخره: ((أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ
(1)
؟ )) وفي روايةٍ للحاكم عن بشر بن بكر: ثني الأوزاعي: ثنا عطاءٌ به. وهذا لو ثبتَ لكان صحيحًا، ولكن علته أن الأوزاعيَّ لم يسمعْه من عطاءٍ، إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاءٍ، قلتُ: وإسماعيلُ هذا ضعيفٌ ولكن يقويه
(1)
ويصح أن تكون العبارة هكذا: ((أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ العِيِّ السُّؤَالُ)).
متابعة الوليد له كما سبقَ" (الثمر المستطاب 1/ 33).
قلنا: قد خالفتْ روايةُ الوليدِ روايةَ الأوزاعيِّ المتقدمة في المتن، وذلك أن الأوزاعيَّ ذكرَ عن عطاءٍ بلاغًا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ بعد ذلك، فقال:((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ، وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الْجِرَاحُ))، أخرجه ابنُ ماجه (566/ واللفظ له)، والدارميُّ في (السنن 770)، وعبد الرزاق في (المصنف 875)، وغيرهم.
ففي رواية عطاء المرسلة هذه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَن أصابه جرحٌ أن يَغْسِلَ جَسَدَهُ وما حول الجُرْحِ ويترك موضعَ الجُرْحِ، ولم يأمره بالتيممِ وهذا بخلافِ روايةِ الوليدِ حيثُ أمره بالتيممِ؛ ولذا قال البيهقيُّ -عقب رواية الوليد هذه-: "هذا حديثٌ موصولٌ، وتمامُ هذه القصةِ في الحديثِ الذي أرسلَه الأوزاعيُّ، عن عطاءٍ،
…
ثم أسندَ روايةَ عطاءٍ المرسلة، ثم قال:"فهذا المرسلُ يقتضي غسل الصحيح منه، والأول يقتضي التيمم، فمن أوجب الجمع بينهما يقول: لا تنافي بين الروايتين إلا أن إحداهما مرسلة"(السنن الكبير 2/ 190 - 191)، وفي هذا إشارةٌ منه إلى ضعفِ روايةِ الوليدِ.
وهذه الروايةُ المرسلةُ عن عطاءٍ توافقُ ما كان يفتي به عطاءٌ مِن قولِهِ.
أخرجَ عبدُ الرزاقِ في (المصنف 872) عن ابنِ جُريجٍ، قال: قلتُ لعطاءٍ: شَأْنُ المَجْدُورِ، هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ لا يَتَوَضَّأَ؟ وَتَلَوْتُ عليه:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى، أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، وهو سَاكِتٌ كذلك حتى جِئْتُ، {فلم تَجِدُوا مَاءً} ، قال: ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَإِنْ وَجَدُوا مَاءً فَلْيَتَطَهَّرُوا، قَالَ: وَإِنِ احْتَلَمَ المَجْدُورُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَاللهِ لَقَدِ احْتَلَمْتُ مَرَّةً -عَطَاءٌ الْقَائِلُ- وَأَنَا مَجْدُورٌ، فَاغْتَسَلْتُ، هِيَ لَهُمْ كُلُّهُمْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا المَاءَ، يَعْنِي الآيَةَ.
وابنُ جُريجٍ من أثبتِ الناسِ في عطاءٍ، فلو كان عند عطاءٍ ما ذكره ابنُ أخيه عنه في التيممِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ما كان يعدلُ عنه إلى رأيه، مما يوهن رواية الوليد هذه.
ويجدرُ التنبيه إلى ما رواه الطبرانيُّ في (المعجم الكبير 11472) فقال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن الأوزاعيِّ، سمعتُه منه أو أُخْبِرتُهُ، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، أن رجلًا أصابه جدري فأجنبَ فغسلَ فكز فماتَ، فأُخْبِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمِ اللهُ! ! أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ؟ ! أَلَا يَمَّمُوهُ؟ ! )).
ففي هذه الرواية متابعة لرواية الوليد في ذكر التيمم، ولكن في هذه الرواية إشكال، وذلك أن عبدَ الرزاقِ قد روى هذا الحديثَ في (المصنف 875) عن الأوزاعيِّ، عن رجلٍ، عن عطاءِ بنِ أبي رباحٍ، عن ابنِ عباسٍ، أن رجلًا كان به جِراحٌ فأصابتْهُ جَنَابةٌ فأمروه فاغتسلَ فماتَ، فبلغَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((قَتَلْتُمُوهُ قَتَلَكُمُ اللهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالَ؟ ! )).
قال عطاءٌ: فبلغني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((اغْتَسِلْ، وَاتْرُكْ مَوْضِعَ الجِرَاحِ))
(1)
.
فبين الروايتين تعارض في السند والمتن، فإما أن عبدَ الرزاقِ قد أعاده في
(1)
وقع عند عبد الرزاق قول عطاء المرسل بلفظ الأمر فقال: ((اغْتَسِلْ، وَاتْرُكْ مَوْضِعَ الجِرَاحِ))، وهذا الكلامُ غيرُ مستقيمٍ لكون الرجل الذي حَدَثَتْ له الواقعةُ قد مات، فكيف يقعُ الأمرُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم له؟ ! حتى وقفنا على كلام المحقق (ط. العلمية 1/ 175 حاشية رقم 1) فقال:"في الأصل كتب "وترك"، فظهرَ أن ثَمَّ لبثٌ في قراءةِ هذه الفقرةِ، فلما وجدنا ابن عبد البر يعزو الحديث لعبد الرزاق بلفظ: ((لَوِ اغْتَسَلَ وَتَرَكَ مَوْضِعَ الجِرَاحِ)) علمنا أن حرف "لو" قد سقط من مطبوعة عبد الرزاق وكذا الأصل (ظاهرية ق 36/ أ)، والله أعلم.
موضعٍ آخرَ من (المصنَّف)، ويكون فيما فُقد منه، أو يكون خطأ من الطبرانيِّ، وهذا الذي نميلُ إليه، وذلك أن متنَ عبدِ الرزاقِ محفوظٌ عن عطاءٍ من غير طريق عبد الرزاق كما تقدَّمَ، وكذا خالفَ الطبرانيُّ الإمامَ الثقةَ محمدَ بنَ إسماعيلَ الفارسيَّ كما عند الدارقطني في (السنن 734) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 838) - فرواه عن الدبري بإسناد المصنف، أما إذا كان عبد الرزاق حفظه على هذا الوجه، فهو ضعيفٌ للانقطاعِ بين الأوزاعي وعطاء، وذلك أنه قال: سمعتُه منه أو أُخْبِرْتُهُ، على الشَّك، وقد رواه على الصواب في (المصنَّف) فقال:(عن رجلٍ) بين الأوزاعي وعطاء، وهو الموافق لرواية أبي المغيرة والبلتي، ومحمد بن شعيب، والوليد بن مزيد، وغيرهم ممن أثبتوا انقطاعًا بينهم، كما سبقَ، فيكون ذِكرُ التيممِ شاذٌّ.
قلنا: وجملةُ القولِ أن ذِكرَ التيممِ لا يصحُّ مرفوعًا؛ لضعفِ الوليدِ وتفرده بذكره، ومخالفة الأوزاعي في متنه، وما ثبت عن عطاء من قوله يخالفه، والله أعلم.
الوجه الثالث عن عطاء ذَكَرَه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 2/ 334) فقال: ورواه أيضًا -أي الحاكم- في (تاريخ نيسابور) بإسنادٍ ضعيفٍ عن أبي الفضل المسلمي، ثنا محمد بن حاتم بن يونس، ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن الأشعث، ثنا بشر بن يحيى من ثقات أصحاب عبد الله، ثنا أبو عصمة عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن ابن عباس به.
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، وليس كما قال مغلطاي، فيه: أبو عصمة نوح بن أبي مريم "كَذَّبوه في الحديثِ، وقال ابنُ المبارك: كان يضعُ"(التقريب 7210).
والراوي عنه بشر بن يحيى، ضَعَّفه الدارقطني في (السنن 3/ 437) فذكر حديثًا من روايته عن أبي عصمة، فقال:"أبو عصمة وبشر ضعيفان".
الطريق الثاني عن ابن عباس:
رواه عبد الرزاق في (المصنف 874)، فقال: عن ابن سمعان، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، عن رجلٍ، عن ابنِ عباسٍ، أَنَّ رَجُلاً أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَبِهِ جِرَاحٌ، فَاحْتَلَمَ فَاسْتَفْتَى، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مَا لَكُمْ قَتَلْتُمُوهُ قَتَلَكُمُ اللهُ)).
وسندُهُ ساقطٌ؛ لجهالةِ راويه عنِ ابنِ عباسٍ. وابن سمعان، "متروكٌ، اتَّهمه بالكذبِ أبو داود وغيره"(التقريب 3326).
[تنبيهان]:
الأول: لم يقع في رواية عطاء هذه عن ابن عباس شاهد الباب، ألا وهو التيمم.
الثاني: وقع تصحيفٌ في مطبوع كتاب (الخلافيات) ط. دار الصميعي، فقال:"الوليد بن يزيد" بدلًا من " الوليد بن مزيد".
رِوَايَةُ: جَعَلَ اللهُ الصَّعِيدَ طَهُورًا
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: أَنَّ رَجُلًا أَجْنَبَ فِي شِتَاءٍ فَسَأَلَ فَأُمِرَ بِالغُسْلِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((مَا لَهُمْ؟ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ -ثَلَاثًا- قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الصَّعِيدَ أَوِ التَّيَمُّمَ طَهُورًا)).
[الحكم]:
ضعيفٌ، قال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ:"لا يُروى من وجهٍ قويٍّ".
[التخريج]:
[خز 290 (واللفظ له) / جا 128/ حب 1309/ ك 595/ بشن 1333/ هق 1087/ هقخ 847/ ضيا (11/ 213، 214/ 205)].
[السند]:
قال ابنُ خزيمةَ في (صحيحه) -وعنه ابنُ حِبَّانَ في (صحيحه) -، وابنُ الجارودِ في (المنتقى) عن محمد بن يحيى، نا عمر بن حفص بن غياث، نا أبي، أخبرني إيَّاه الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح، أن عطاءً حدَّثه، عن ابن عباس
…
به، وفيه: شَكَّ فِي ابنِ عَبَّاسٍ، ثُمَّ أَثْبَتَهُ بَعْدُ.
ورواه الحاكمُ في (المستدرك 595)، -وعنه البيهقيُّ في (الكبير 1087) - من طريقِ السَّريِّ بن خزيمة عن عمر بن حفص به.
ومداره عند الجميع على عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح
…
به.
[التحقيق]:
هذا حديثٌ ضعيفٌ، فيه "الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح" وقد ضَعَّفَهُ الدارقطنيُّ والبيهقيُّ، كما سبقَ، انظر الروايةَ السابقةَ.
ومع ضَعْفِهِ، فقد تفرَّدَ بذكرِ التيممِ فيه، وخالفه الأوزاعي في متنه، فروى عن عطاء قال: وبلغني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ بعد ذلك، فقال:((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ، وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الجُرْحُ، أَجْزَأَهُ)) كما تقدَّم.
فليس في رواية الأوزاعي ذكر التيمم، ورواية الأوزاعي هذه توافق ما كان يُفْتِي به عطاء، قال عبد الرزاق في (المصنف 872) عن ابن جريج، قال: قلتُ لعطاءٍ: شأن المجدورِ، هل له رُخْصة في أن لا يَتَوَضَّأ؟ وتَلَوتُ عليه:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى، أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، وهو ساكتٌ كذلك حتى جِئْتُ:{فلم تَجِدُوا مَاءً} ، قال: ذلك إذا لم يجدُوا ماءً، فإن وجدُوا ماءً فليتطهروا. قال: وإن احْتَلَمَ المجدورُ وَجَبَ عليه الغُسْلُ، والله لقد احتلمتُ مرةً -عطاء القائل- وأنا مجدورٌ فاغْتَسَلْتُ، هي لهم كلهم إذا لم يجدُوا الماءَ، -يعني الآية-.
وابنُ جُريجٍ من أثبتِ الناسِ في عطاءٍ، فلو كان عند عطاءٍ ما ذكره ابن أخيه عنه في التيممِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ما كان يَعْدِلُ عنه إلى رأيه، مما يوهن رواية الوليد هذه.
وضَعَّفَ الحديثَ جملةً عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ فقال: "ولا يُروى الحديث من وجهٍ قويٍّ"(الأحكام الوسطى 1/ 223).
انظر تفصيل ذلك في الروايةِ السابقةِ.
قلنا: ومع ذلك فقد قَوَّى حديثَ الوليد هذا ابنُ خزيمة وابنُ حِبَّانَ -ووافقهما الضياءُ في (المختارة 11/ 216) - وابنُ الجارودِ حيثُ أوردوه في كتبهم.
وقال الحاكمُ -عقبه-: "هذا حديثٌ صحيحٌ؛ فإن الوليد بن عبيد الله هذا
ابن أخي عطاء بن أبي رباح، وهو قليلُ الحديثِ جدًّا، وقد رواه الأوزاعيُّ، عن عطاءٍ، وهو مخرج بعد هذا، وله شاهد آخر عن ابن عباس" انتهى.
وقال ابنُ الملقنِ -متعقبًا عبدَ الحقِّ-: "قوله: (إنه) لا يروى الحديث من وجهٍ قويٍّ، فقد علمتَ روايةَ الحاكمِ الأخيرة وأنها جيدةٌ لا مطعنَ فيها، ويقربُ منها روايته الأخرى قبلها، وقد صَحَّحَها معه ابنُ خزيمة وابنُ حِبَّانَ"(البدر المنير 2/ 619).
وقال الحافظُ: "والوليدُ ضَعَّفَه الدارقطنيُّ وقوَّاه مَن صَحَّحَ حديثَه هذا"(التلخيص 1/ 261).
وكذا قوَّاه الألبانيُّ لغيرِهِ، انظر (الثمر المستطاب 1/ 33)، و (صحيح أبي داود الأم 2/ 161 - 164، وتمام المنة صـ 131).
[تنبيه]:
تعقب ابنُ القطان أبا محمد عبدَ الحقِّ الإشبيليَّ في كتابه (الوهم والإيهام) بما معناه أن التيممَ لم يرد من حديث ابن عباس، فقال: "فإنه ساقَ الحديثَ المذكور في التيممِ، ثُمَّ أخذَ يقولُ: إن الأوزاعيَّ رواه عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ.
فهذا لا يُفْهِم إلا أن التيممَ في حقِّ المريضِ من رواية ابن عباس أيضًا، كما هو من رواية جابر، وذلك باطلٌ.
وإنما اعتراه هذا من كتاب الدارقطني الذي نقله منه، فإنه أجمل القول كما ذكر، ثم فسَّره بإيراد الأحاديث، فتخلص، فكتب أبو محمد الإجمال ولم يكتب التفسير، فوقع في الخطأ.
وحديث ابن عباس لا ذكر فيه للتيمم، وإنما نصُّه: عن عطاء
…
إلى أن
قال: "وما في شيء منها إلا هذا الذي ذكرناه، لم يقع فيها للتيمم ذكر، وإنما اشتغل بالقصة لا بقطعة التيمم، ولا يُعرف ذكر التيمم فيها إلا من رواية الزبير بنِ خُرَيْق، عن عطاء، عن جابر"(بيان الوهم 2/ 237 - 238).
فتعقبه مغلطاي قائلًا: "وفيه نظر؛ من حيث زعمه أن حديثَ ابنِ عباسٍ لا ذِكرَ فيه للتيمم؛ لما أسلفناه قبل من كتابِ ابنِ حِبَّانَ وابنِ خُزيمةَ
…
" (شرح ابن ماجه 2/ 336).
وقال ابنُ الملقنِ: "وهو عجيبٌ منه مع جلالته؛ فذِكرُ التيممِ فيه ثابتٌ من حديثِ ابنِ عباسٍ كما سَلَفَ عن (صحيح ابن خزيمة، وابن حِبَّانَ)، و (مستدرك الحاكم) وسبب إنكاره ذلك اقتصاره على (سنن الدارقطني) الذي نَقَلَ عبدُ الحقِّ عنه، ولو فَتَّشَ حقَّ التفتيشِ لوجده في هذه المؤلفات (الجليلة) "(البدر المنير 2/ 260).
رِوَايَةٌ بزيادةِ: أَلَا يَمَّمُوهُ.
• وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ فِي آخِرِهِ: ((
…
أَلَا يَمَّمُوهُ)).
[الحكم]:
شاذٌّ بذكرِ التَّيَمُّمِ.
[التخريج]:
[طب (11/ 194/ 11472)].
[السند]:
قال الطبرانيُّ: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، عن عبد الرزاق، عن الأوزاعي، سَمِعْتُهُ مِنْهُ أَوْ أُخْبِرْتُهُ، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس
…
به.
[التحقيق]:
هذا حديثٌ ضعيفٌ، فيه انقطاعٌ بين الأوزاعيِّ وعطاءٍ كما تقدَّمَ في أولِ الرواياتِ، وقد شَذَّ الطبرانيُّ بذكرِ التيممِ، حيث خالفه محمد بن إسماعيل الفارسي، وكان ثقةً ثبتًا فاضلًا كما في ترجمته من (تاريخ بغداد 2/ 382)، فرواه عن الدبري إسحاق بن إبراهيم، نا عبد الرزاق، نا الأوزاعي، عن رجلٍ، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. أخرجه الدارقطنيُّ في (السنن 734) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات 838) -.
فأَحالَ على الروايةِ المتقدمةِ ومتنها: أن رجلًا أصابه جُرْحٌ في عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلامٌ، فأُمِرَ بالاغتسالِ فاغْتَسَلَ فكز فماتَ، فبلغَ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:((قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ العِيِّ السُّؤَالُ؟!)). قال عطاءٌ: فبلغنا أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن ذلك فقال: ((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الجَرْحُ)).
وهذا المتنُ بتمامه ذكره الدبريُّ في (المصنَّف 875) عن عبد الرزاق عن الأوزاعي عن رجلٍ عن عطاءٍ به.
وانظر تفصيل ذلك تحت الرواية الأولى من حديث ابن عباس.
3067 -
حَدِيثُ جَابِرٍ
◼ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ رجلًا مِنَّا حَجَرٌ، فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى المَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ:((قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا؟ فَإِنَّمَا شِفَاءُ العِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ -أَوْ: يَعْصِبَ، شَكَّ مُوسَى- عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ معلٌّ، وأعلَّهُ: الدارقطنيُّ -ووافقه البيهقيُّ، وابنُ عبدِ الهادِي، وأبو محمدٍ الغسانيُّ-.
وضَعَّفَهُ: عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ -ووافقه ابنُ القطانِ-، والزركشيُّ، والذهبيُّ، وابنُ التركماني، وصدرُ الدينِ المُناويُّ، وابنُ حَجرٍ، والعينيُّ، والملا علي القاري، والصنعانيُّ، والشوكانيُّ، والعظيم آبادي، والرحماني المباركفوريُّ، والألبانيُّ.
[الفوائد]:
قال الخطابيُّ: "في هذا الحديثِ منَ العلمِ أنه: عابهم بالفتوى بغيرِ علمٍ، وألحقَ بهم الوعيدَ بأن دعا عليهم وجعلهم في الإثم قتلة له.
وفيه من الفقه: أنه أَمَرَ بالجمعِ بين التيممِ وغسلِ سائرِ بدنِهِ بالماءِ، ولم يَرَ أحدَ الأمرين كافيًا دونَ الآخرِ.
وقال أصحابُ الرأي: إن كان أقل أعضائه مجروحًا جمع بين الماء
والتيمم، وإن كان الأكثر كَفَاهُ التيمم وحده.
وعلى قول الشافعي لا يجزيه في الصحيح من بدنه قلَّ أو كثر إلا الغسل" (معالم السنن 1/ 104).
[التخريج]:
[د 336 (واللفظ له) / قط 729/ هق 1089، 1091/ هقع (2/ 41) / هقخ 834، 835/ شهب 1163/ بغ 313/ بغت (1/ 221) / تحقيق 287/ جصاص (1/ 443)].
[السند]:
رواه أبو داود -ومن طريقه البيهقيُّ، والبغويُّ- قال: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي، حدثنا محمد بن سلمة، عن الزُّبَيْرِ بنِ خُرَيْقٍ، عن عطاءٍ، عن جابرٍ به.
ومداره عند الجميع على موسى بن عبد الرحمن عن محمد بن سلمة به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ، فيه علتان:
الأولى: الزُّبَيْرُ بنُ خُرَيْقٍ، ترجمَ له البخاريُّ في (التاريخ الكبير 3/ 412)، وابنُ أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 580)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وذكره ابنُ حِبَّانَ في (الثقات 4/ 262).
بينما قال أبو داود في كتاب (السنن)، -إثر تخريج حديثه-:"ليس بالقوي" كما في (إكمال تهذيب الكمال 5/ 42)، و (تهذيب التهذيب 3/ 314)
(1)
.
(1)
لم نقف على كلام أبي داود في أي من الطبعات الموجودة، ولا في (تحفة الأشراف)، ولا أي من شارحي السنن؛ ولذا قال الشيخ بشار عواد:"وزعم العلامة مغلطاي -وتابعه ابنُ حجرٍ على عادتِهِ- أن أبا داود قال في كتاب السنن إثر تخريج حديثه: "ليس بالقوي".
قال الشيخ بشار: لم أجده في المطبوع، فلعلَّه في روايةٍ أُخرى، أو هو من الوهم، والله أعلم. (حاشية 3 تهذيب الكمال 9/ 304).
وقال الدارقطنيُّ: "ليس بالقوي"(السنن 1/ 350)، ووافقه ابن الجوزي في (الضعفاء والمتروكون 1/ 292)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 386).
وقال عبد الغني الأزدي: "يعد في الجزريين، قليل الحديث"(المؤتلف 1/ 341).
وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "ليس بقوي"(الأحكام الوسطى 1/ 222)، ووافقه ابن القطان في (بيان الوهم 2/ 237)، وابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 227).
ولخص حاله ابنُ حَجرٍ فقال: "لين الحديث"(التقريب 1994).
وبه ضعف الحديث الذهبيُّ فقال: "والزبير ليس ممن يُحتج به"(المهذب 1/ 236).
وقال -أيضًا-: "والزبير فيه ضعف"(تنقيح التحقيق 1/ 83).
قلنا: ومع ضعفه فقد تفرد به.
قال أبو بكر بنُ أبي داود: "هذه سنةٌ تفرَّدَ بها أهلُ مكةَ وحملها أهل الجزيرة"(سنن الدارقطني 1/ 350)، ووافقه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 492).
وقال ابنُ السكنِ: "لم يُسندِ الزبيرُ بنُ خُريقٍ غير حديثين، هذا أحدهما، والآخر عن أبي أمامة الباهلي، وهو من أهل الجزيرة جزيرة ابن عمر بالموصل"(تهذيب الكمال 9/ 304).
وقال الدارقطنيُّ: "لم يروه عن عطاء، عن جابر غير الزبير بن خريق"(السنن 1/ 350)، ووافقه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 492) وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 386)، والغسانيُّ في (تخريج الأحاديث الضعاف من سنن الدارقطني صـ 57).
وقال عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ: "لم يروه عن عطاء غير الزبير بن خريق"(الأحكام الوسطى 1/ 222)، ووافقه ابن القطان في (بيان الوهم 2/ 237)، وابنُ التركماني في (الجوهر النقي 1/ 227).
العلة الثانية: المخالفة: وذلك أن الإمامَ الأوزاعيَّ قد خالفه في سندِهِ ومَتْنِهِ:
أما السندُ فقد جعله الأوزاعي -على اختلافٍ عنه- من حديث عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما سبقَ في الحديثِ المتقدم.
ولذا قال الدارقطنيُّ: "وخالفه الأوزاعي، فرواه عن عطاء عن ابن عباس، واختُلِفَ على الأوزاعي: فقيل عنه عن عطاء، وقيل عنه بلغني عن عطاء، وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب"(السنن 1/ 350) -ووافقه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 492)، وابنُ عبدِ الهادِي في (تنقيح التحقيق 1/ 386) -.
وقال البيهقيُّ في (السنن 2/ 191) -عقب هذه الرواية-: "وهذه الروايةُ موصولةٌ جمعَ فيها بين غسلِ الصحيحِ والمسحِ على العصابةِ والتيممِ، إلا إنها تخالف الروايتين الأوليين في الإسناد". يقصد بذلك رواية الأوزاعي
والوليد بن عبيد الله أبي رباح عن عطاء عن ابن عباس، كما سبقَ في الحديثِ المتقدمِ.
قال ابنُ التركماني: "روايتُه عن ابنِ عباسٍ تترجَّحُ على روايتِهِ عن جابرٍ من وجهين: أحدهما: مجيئها من طرقٍ ذكرها الدارقطنيُّ، والرواية عن جابرٍ لم تأتِ إلا من وجهٍ واحدٍ كما تقدم.
الثاني: ضَعْفُ سندِ هذه الروايةِ من جهةِ الزُّبيرِ. والروايةُ عن ابنِ عباسٍ رجالُ سندِها ثقات" (الجوهر النقي 1/ 227).
أما مخالفته في المتن: فقد روى الحديثَ الأوزاعيُّ فقال: قال عطاء: وبلغني أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ بعد ذلك، فقال:((لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ، وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الجُرْحُ، أَجْزَأَهُ)). وقد سبقَ الكلامُ عليها قريبًا.
قلنا: فليس في رواية عطاء هذه ذكر التيمم.
وهذه الروايةُ المرسلةُ عن عطاءٍ توافقُ ما كان يفتي به عطاء من قولِهِ، فأخرجَ عبدُ الرزاقِ في (المصنَّف 872) عن ابنِ جُريجٍ، قال: قلت لعطاء: شَأْنُ المَجْدُورِ، هَلْ لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ؟ وَتَلَوْتُ عَلَيْهِ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، وَهُوَ سَاكِتٌ كَذَلِكَ حَتَّى جِئْتُ:{فلم تَجِدُوا مَاءً} ، قَالَ: ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَجِدُوا مَاءً، فَإِنْ وَجَدُوا مَاءً فَلْيَتَطَهَّرُوا. قَالَ: وَإِنِ احْتَلَمَ المَجْدُورُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَاللهِ لَقَدِ احْتَلَمْتُ مَرَّةً -عَطَاءٌ القَائِلُ- وَأَنَا مَجْدُورٌ، فَاغْتَسَلْتُ، هِيَ لَهُمْ كُلُّهُمْ إِذَا لَمْ يَجِدُوا المَاءَ، يَعْنِي الآيَةَ.
وابنُ جُريجٍ من أثبتِ الناسِ في عطاءٍ، فلو كان عند عطاء ما ذكره الزبير عنه في التيممِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ما كان يعدلُ عنه إلى رأيه، مما يوهن رواية الزبير هذه.
فتفرَّد الزبير هذا بذلك التَّيَمُّمِ فيه مما يوهنه؛ ولذا قال ابنُ القطان: "ولا يُعرفُ ذِكرُ التَّيَمُّمِ فيها إلا من روايةِ الزُّبيرِ بنِ خُريقٍ، عن عطاءٍ، عن جابرٍ، كما تقدَّمَ"(بيان الوهم 2/ 238).
وقال الحافظُ: "لم يقعْ في روايةِ عطاءٍ هذه عنِ ابنِ عباسٍ ذكر للتيمم فيه؛ فثبتَ أن الزبيرَ بنَ خُرَيقٍ تفرَّدَ بسياقه، نبَّه على ذلك ابنُ القطانِ"(التلخيص الحبير 1/ 261).
قلنا: بل جمع الزُّبيرُ بين البدلِ وهو التَّيَمُّمُ، والمبدل منه وهو الغسل في روايةٍ واحدةٍ، وهذا مستنكرٌ في الأصولِ.
قال الملا علي القاري: "الحديثُ ضعيفٌ مع مخالفتِهِ للقياسِ، وهو الجمعُ بين البدلِ والمبدلِ منه"(مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 484).
لا جَرَمَ قال ابنُ أبي داود عن روايتِهِ: "هذه سنةٌ تفرَّدَ بها أهلُ مكةَ وحملها أهلُ الجزيرةِ" يقصدُ بأهلِ الجزيرةِ الزُّبيرَ فقد كان من جزيرةِ الموصلِ كما تقدَّمَ.
وقال الحافظُ: "لم يقعْ في روايةِ ابنِ أَخي عطاءٍ أيضًا ذِكرُ المسحِ على الجبيرةِ، فهو من أفرادِ الزبيرِ بنِ خُريقٍ كما تقدَّمَ"(التلخيص الحبير 1/ 261) -ووافقه الصنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 147).
وقال العظيم آبادي: "روايةُ الجمعِ بين التَّيَمُّمِ والغسلِ ما رواها غيرُ زُبيرِ بنِ خُريقٍ، وهو مع كونِهِ غير قويٍّ في الحديثِ قد خالفَ سائر مَن روى عن عطاء بن أبي رباح، فروايةُ الجمعِ بين التَّيَمُّمِ والغسلِ روايةٌ ضعيفةٌ لا تَثْبُتُ بها الأحكامُ"(عون المعبود 1/ 535).
وبنحوه قال الرحماني المباركفوريُّ في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة
المصابيح 2/ 230).
قال الشيخُ الألبانيُّ: "قوله: ((وَيَعْصِر
…
إلخ))، فهي زيادةٌ ضعيفةٌ منكرةٌ لتفردِ هذا الطريقِ الضعيفِ بها" (تمام المنة في التعليق على فقه السنة صـ 131).
قلنا: قد تقدَّمَ الكلامُ على روايةِ ابنِ عباسٍ وما فيها قريبًا.
وضَعَّفَ البيهقيُّ الحديثَ جملةً فقال: "وأصحُّ ما رُوي فيه حديث عطاء بن أبي رباح الذي قد تقدَّمَ، وليس بالقويِّ"(السنن الكبير 2/ 195).
وقال -أيضًا-: "ولم يثبتْ في هذا البابِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ، وأصحُّ ما رُوي فيه حديث عطاء بن أبي رباح، مع الاختلاف في إسنادِهِ، ومَتْنِهِ، والذي أخرجه أبو داود في كتاب (السنن) "(معرفة السنن والآثار 2/ 41).
وضَعَّفَه -أيضًا- عبدُ الحقِّ الإشبيليُّ (الأحكام الوسطى 1/ 222)، وقال:"لا يُروى من وجهٍ قويٍّ".
وكذا ضَعَّفَهُ الزركشيُّ في (شرحه على مختصر الخرقي 1/ 355)، والزيلعيُّ في (نصب الراية 1/ 187)، وصدرُ الدينِ المُناويُّ في (كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح 1/ 255).
وكذا ضَعَّفَهُ الحافظُ فقال: "رواه أبو داود بسندٍ فيه ضَعْفٌ، وفيه اختلافٌ على رُواتِهِ"(بلوغ المرام 136).
وقال بدرُ الدينِ العينيُّ: "الحديثُ معلولٌ"(شرح أبي داود 2/ 154).
وضَعَّفه الصنعانيُّ في (سبل السلام 1/ 146)، والشوكانيُّ في (نيل الأوطار 1/ 321، والدراري المضية 1/ 63)، والرحماني المباركفوريُّ في (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 2/ 230)، والألبانيُّ في (الإرواء
105)، و (صحيح أبي داود - الأم 2/ 159)
قلنا: أما ما ذهبَ إليه ابن السكنِ من تصحيحه للحديث في (السنن الصحاح المأثورة) كما في (البدر المنير 2/ 615)، و (التلخيص الحبير 1/ 260)، وقوله:"إن حديثَ الزبيرِ بنِ خُريقٍ أصحُّ من حديثِ الأوزاعيِّ. وهذا مثل ما ورد في المسح على الجبيرة"، وكذا قولُ ابنِ كثير:"رواه أبو داود بإسنادٍ لا بأسَ به"(إرشاد الفقيه 1/ 75)، وإقرارُ ابنِ الملقنِ لابنِ السكنِ، فغيرُ مقبولٍ لما تقدَّمَ، والله أعلم.
قال الألبانيُّ: "وصَحَّحَهُ ابنُ السكنِ كما في (التلخيص) وذلك من تساهله"(إرواء الغليل 1/ 142).
قلنا: وقد جاءتْ متابعةٌ للزبيرِ بنِ خُريقٍ أشدّ ضَعْفًا، كما في الروايةِ الآتيةِ.
رِوَايَةُ يَمْسَحُ جُرْحَهُ وَيَتَيَمَّمُ
• وَفِي رِوَايَةٍ قال: أَصْبَحَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:((كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى جُرْحِهِ وَيَتَيَمَّمَ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ: ابنُ عَدِيٍّ، والبيهقيُّ.
[التخريج]:
[عد (10/ 70) / هقخ 846].
[السند]:
قال ابنُ عَدِيٍّ -ومن طريقه البيهقيُّ-: أخبرنا الساجي، حدثنا أحمد بن محمد العطار، حدثنا أبو عمر الحوضي، حدثنا مُرَجَّى بنُ رَجَاءٍ عن العَرْزَمِيِّ عن عطاءٍ، عن جابرٍ، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه العرزميُّ، محمد بن عبيد الله بن أبى سليمان "متروك"(التقريب 6108).
والراوي عنه مُرَجَّى بن رجاء، مختلفٌ فيه، والأقربُ ضَعْفُهُ، انظر (الميزان 4/ 84).
قال البيهقيُّ: " مُرَجَّى بن رجاء ليس بالقويِّ، والعرزميُّ ضعيفٌ".
3068 -
حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ
◼ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَجْنَبَ رَجُلٌ مَرِيضٌ فِي يومٍ بَارِدٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَغَسَّلَهُ أَصْحَابُهُ فَمَاتَ، فَبَلغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((مَا لَهُمْ؟ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللهُ! ! إِنَّمَا كَانَ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ التَّيَمُّمُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، وضَعَّفَهُ: ابنُ عَدِيٍّ، والبيهقيُّ، وابنُ القطانِ -ووافقه ابنُ الملقنِ-والحافظُ.
[التخريج]:
[عد (7/ 574) (واللفظ له) / هقخ 848].
[السند]:
رواه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل) -ومن طريقه البيهقيُّ في (الخلافيات) - عن محمد بن الحسن بن موسى الكوفي بمصر، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن حماد، ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن عمرو بن شمر، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد به.
[التحقيق]:
هذا سندٌ ضعيفٌ جدًّا؛ عمرو بن شمر؛ رافضيٌّ، رُمِيَ بالوضعِ والكذبِ، وتركوا حديثه، انظر (لسان الميزان 6/ 210). ولذا أنكره عليه ابنُ عَدِيٍّ، فذكره في ترجمته، ثم ختمها بقوله:"وعامة ما يرويه غير محفوظ"(الكامل 7/ 579).
وتبعه ابنُ القيسراني فقال: "رواه عمرو بن شمر، عن عمرو بن قيس، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري. وعمرو بن شمر متروك الحديث" (ذخيرة
الحفاظ 1/ 237)
والحديث ضَعَّفَه البيهقيُّ في (الخلافيات 2/ 506).
وضَعَّفه جدًّا ابنُ القطانِ فقال: "هذا غايةٌ في الضعفِ من جهات: نجتزئ منها -إذا لم نقصده بالتنبيه- على عمرو بن شمر فإنه أحدُ الهالكين"(الوهم والإيهام 2/ 238)، وأقرَّه ابنُ الملقنِ في (البدر (2/ 620).
وقال الحافظُ: "ضعيفٌ جدًّا"(التلخيص الحبير 1/ 261).
3069 -
حَدِيثُ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ
◼ عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ قَالَ: كَانَ بِرَجُلٍ [مِنَ المُسْلِمِينَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ] جُدَرِيٌّ، فَأَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، فَأَمَرُوهُ فَاغْتَسَلَ، فَتَهَرَّى لَحْمُهُ فَمَاتَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمُ اللهُ، أَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ العِيِّ السُّؤَالُ؟ لَوْ تَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ! (أَمَا كَانَ يَكْفِيهِمْ أَنْ يُيَمِّمُوهُ بِالصَّعِيدِ؟ ! ))).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا، وأنْكَرَهُ الزهريُّ -ووافقه البخاريُّ، وابنُ عَدِيٍّ-، وضَعَّفَهُ ابنُ حزمٍ.
[التخريج]:
[عب 881 (واللفظ له) / مدونة (1/ 147) (والزيادة والرواية له) / تخأ 658 (مختصرًا) / عد (10/ 134) / حزم (2/ 5 - 6)].
[السند]:
رواه عبد الرزاق في (المصنَّف): عن ابن المبارك، عن جرير بن حازم، عن النعمان بن راشد، عن زيد به.
ورواه سحنون في (المدونة) قال: قال ابن وهب عن جرير بن حازم به.
ورواه البخاريُّ في (التاريخ الأوسط) -ومن طريقه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل)، وابنُ حزمٍ في (الإحكام في أصول الأحكام) - قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد به
ومداره عند الجميع على النعمان بن راشد به.
[التحقيق]:
هذا حديثٌ ضعيفٌ جدًّا؛ معلٌّ بعلتين:
الأولى: الإعضال، فزيدُ بنُ أبي أُنيسَةَ من الذين عاصروا صغار التابعين وهم الذين لم يصح لهم سماع أحد من الصحابة، كما نصَّ الحافظُ في مقدمة التقريب.
الثانية: النعمان بن راشد؛ ضعيفٌ، قال الحافظُ:"صدوق سيئ الحفظ"(التقريب 7154).
قلنا: وفيه علةٌ ثالثةٌ، ألا وهي ما أشار إليه البخاريُّ بقوله:"قال النعمانُ: فحدَّثتُ به الزهريَّ فرأيتُه بَعْدُ يَروي عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: من حدَّثكَ؟ فقال: أنت حدَّثتني، عمَّن تحدثه؟ قلتُ: عن رجلٍ من أهلِ الكوفةِ. قال: أفسدتَه؛ في حديث أهل الكوفة دَغَلٌ كثيرٌ"(التاريخ الأوسط 3/ 441). وأقرَّه ابنُ عَدِيٍّ في (الكامل 10/ 134).
وقال ابنُ حزمٍ -عقب روايته له-: "فإذا كان الزهريُّ، ومحمد بن سيرين، وسفيان، ومالك، وهم مَن هم في التحفظ والحفظ والثقة- في مراسليهم ما ترى فما أحدٌ -ينصح نفسه- يثقُ بمرسلٍ أصلًا، ولو جمعنا بلايا المراسيل لاجتمع من ذلك جزء ضخم، وفي هذا دليل على ما سواه"(الإحكام في أصول الأحكام 2/ 6).
3070 -
حَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلًا
◼ عَنْ عَطَاءٍ؛ أَنَّ رَجُلًا احْتَلَمَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَجْدُورٌ، فَغَسَّلُوهُ، فَمَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((ضَيَّعُوهُ ضَيَّعَهُمُ اللَّهُ، قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[ش 1083 (واللفظ له) / تميد (در 5/ 210) / صلاة 157/ ص (كبير 24/ 14)].
[السند]:
رواه ابنُ أبي شيبةَ في (المصنَّف) قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن أبي فروة، عن عطاء به مرسلًا.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: الإرسالُ، عطاءٌ مذكورٌ في الوسطى منَ التابعين.
الثانية: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة "متروك"(التقريب 368).
ولكن إسحاق قد توبع، فروى أبو نعيم في (الصلاة) قال: حدثنا سفيان، عن ليث، (
…
) رجل على عهد رسول الله
…
فذكره.
فسقط من المطبوع ما بين الليث والمتن، والظاهرُ أنه ليثُ بنُ أبي سليمٍ، فإنه معروفٌ بالروايةِ عن عطاءٍ، وسفيانُ الثوريُّ يروي عنه، فيكون الساقطُ هو عطاءٌ، وقد أبانتْ رواية ابن أبي فروة أنه مرسلٌ من هذا الوجه عن
عطاء، والليث بن أبي سليم ضُعِّفَ لسوءِ حفظه، وسبق مرارًا.
3071 -
حَدِيثُ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا
◼ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، كَانَ مَرِيضًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ فَيَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَيُنَاوُلَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} .
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[تمنذ 1815].
[السند]:
قال ابنُ المنذرِ في (التفسير): حدثنا زكريا، قال: حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا قيسٌ، عن خُصَيْف، عن مجاهدٍ به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا، فيه علتان:
الأولى: الإرسالُ، فمجاهدٌ هو ابنُ جَبرٍ، معدودٌ في التابعين.
الثانية: خصيفٌ، هو ابنُ عبدِ الرحمنِ، "صدوقٌ سيئُ الحفظِ خلَط بأَخَرَةٍ ورُميَ بالإرجاءِ"(التقريب 1718).
وقيسٌ هو ابنُ الربيعِ الأسديِّ "صدوقٌ تغيَّر لما كبر وأدخلَ عليه ابنُه ما ليسَ مِن حديثِهِ فحَدَّثَ به"(التقريب 5573).
3072 -
حَدِيثُ إِبَرَاهِيمَ مُرْسَلًا
◼ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَفَشَتِ الجِرَاحَاتُ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ ابْتُلُوا بِالِاحْتِلَامِ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} إِلَى آخِرِ الآيَةِ)).
[الحكم]:
ضعيفٌ جدًّا.
[التخريج]:
[آثار 77].
[السند]:
قال أبو يوسف في كتابه (الآثار): حدثنا أبو حنيفة، عن حماد، عن إبراهيم، به.
[التحقيق]:
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: الإرسالُ: فإبراهيمُ هو النخعيُّ، معدودٌ في التابعين.
الثانية: حمادٌ هو ابنُ سليمانَ، مختلفٌ فيه، والراجحُ ضَعْفُهُ، انظر (تهذيب التهذيب 3/ 15 - 16).
وأبو حنيفةَ هو النعمانُ الفقيهُ: "ضعيفٌ" وسبقَ مِرارًا.
وأبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، "ضعيف" انظر (لسان الميزان 8/ 518).