الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
//بسم الله الرحمن الرحيم
السنة الحادية والسبعون وستمائة
دخلت والخليفة والملوك على لقاعدة المستقرة والملك الظاهر بالشام متجددات الأحوال في هذه السنة.
في ثامن عشر المحرم أفرج ن الأمير عز الدين أيبك النجيبي وعز الدين أيدمر الغوري وكانا محبوسين بالقاهرة. وفي يوم الأحد سابع عشر المحرم توجه الملك الظاهر على البريد إلى الديار المصرية، وفي صحبته الأمير بدر الدين بيسري وجمال الدين آقوشي الرومي وسيف الدين جرمك الناصري؛ فوصل إلى قلعة الجبل يوم السبت ثالث وعشرين منه، فأقام إلى ليلة الجمعة التاسع والعشرين منه، ثم توجه إلى دمشق فدخل قلعتها ليلة الثلاثاء رابع صفر.
وفي الحادي والعشرين من المحرم وصلت جماعة من النوبة وصاحبها فهجموا ثغر عيذاب ونهبوا ما كان وصل من تجار جاؤوا من عدن ومصر وقتلوا منهم خلقاً وقتلوا واليها وقاضيها وأسروا ابن حلى، وكان مشارفاً على ما ترد به التجار. ثم ورد كتاب علاء الدين ايدغدي الحربدار متولي قوص يخبر بأنه رحل من قوص إلى أسوان فوصلها سادس عشر صفر وأقام ستة أيام؛ ثم رحل طالباً بلاد النوبة، فوصل إلى بلد يقال له الجون حادي وعشرين صفر، فقتل من به وأحرقه؛ ثم رحل منه إلى بلد أرمنا، فوصله في الخامس والعشرين منه فقتل من به وأحرقه؛ ثم رحل منه إلى اطميث فوصله في السابع والعشرين منه فقتل من فيه وأحرقه ودوخ بلادهم وأخذ بثأر من قتلوا.
وفيها خرجت العساكر من الديار المصرية إلى الشام.
وفي خامس جمادى الأولى اتصل بالملك الظاهر وهو بدمشق إن فرقة من التتر قصدت الرحبة، فبرز إلى القصير بالعساكر فبلغه أنهم عادوا عن الرحبة ونزلوا على البيرة، فسار إلى حمص وأخذ مراكب الصيادين بالبحيرة على الجمال للجسور؛ ثم سار حتى وصل إلى الباب من أعمال حلب وبعث جماعة من المماليك والعربان لكشف أخبارهم وسار إلى منبج فعادوا وأخبروا أن طائفة من التتر مقدارها ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات مما يلي الجزيرة، فرحل من منبج يوم الأحد ثامن عشر
جمادى الأولى ووصل شط الفرات وتقدم إلى العسكر بخوضها، فخاض الأمير سيف الدين قلاوون والأمير بدر الدين بيسري في أول الناس؛ ثم تبعهما بنفسه وتبعته العساكر فوقعوا على التتر فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتي نفس ولم ينج منهم إلا القليل وتبعهم الأمير بدر الدين بيسري إلى قريب سروج؛ ثم عادوا الذين كانوا على البيرة شرف الدين بن الخطير، وأتابك رسلان دعمش، وأمين الدين ميكائيل النائب بقونية، وأمراء الروم تقديراً ثلاثة آلاف فارس ومقدم المغل درباي؛ ولما اتصل بهم خبر الوقعة رحلوا عن البيرة بعد أن أشرفوا على أخذها وتركوا ما لهم من الأسلحة والعدد والمجانيق والأمتعة والحشارات ونجوا بأنفسهم، فسار الملك الظاهر إلى البيرة ووصلها في الثاني والعشرين من الشهر وصعدها وخلع على مستحفظها وفرق في أهلها مائة ألف درهم وأنعم عليهم ببعض ما تركه التتر عند هربهم؛ ثم رحل قاصداً دمشق. وقد ذكر خوض الفرات المولى شهاب الدين محمود الكاتب - أيده الله - في قصيدة أولها:
سر حيث شئت لك المهيمن جار
…
واحكم فطوع مرادك الأقدار
منها:
لم يبق للدين الذي أظهرته
…
يا ركنه عند الأعادي ثأر
لما تراقصت الرؤوس وحركت
…
من مطربات قسيك الأوتار
خضت الفرات بسابح أقصى منى
…
هوج الصبا من نعله الآثار
حملتك أمواج الفرات، ومن رأى
…
بحراً سواك تقله الأنهار؟
وتقطعت فرقاً ولم يك طودها
…
إذ ذاك إلا جيشك الجرار
منها:
رشت دماؤهم الصعيد فلم يطر
…
منهم على الجيش السعيد غبار
شكرت مساعيك المعاقل والورى
…
والترب والآساد والأطيار
هذي منعت وهؤلاء حميتهم
…
وسقيت تلك وعمّ ذا الإيثار
فلأملأن الدهر فيك مدائحا
…
تبقى بقيت وتذهب الأعصار
وقال ناصر الدين حسن بن النقيب الكناني رحمه الله في واقعة الفرات - وأظنه حضرها -:
ولما ترامينا الفرات بخيلنا
…
سكرناه منا بالقوى والقوادم
فأوقفت التيار عن جريانه
…
إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم
وعمل صاحبنا موفق الدين عبد الله بن عمر رحمه الله ذكره إن شاء الله تعالى في ذلك:
الملك الظاهر سلطاننا
…
نفديه بالأموال والأهل
اقتحم الماء ليطفي به
…
حرارة القلب من المغل
وعند اجتياز السلطان بحمص تقدم بعمارة الدور التي بالقلعة فعمرت وجدد له طارمة وسماط وتوجه إلى مصر، وخرج ولده الملك السعيد من قلعة الجبل لتلقيه يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة، فاجتمع به
بين القصير والصالحية يوم الجمعة الحادي والعشرين منه فترجلا واعتنقا طويلاً؛ ثم ركبا وسارا إلى القلعة وأدخل أسراء التتر ركاباً على الخيل.
وفي سابع هذا الشهر أفرج عن الأمير عز الدين أيبك الدمياطي وكانت مدة اعتقاله تسع سنين وعشرة أيام، وفي يوم الثلاثاء ثالث شهر رجب خلع على جميع الأمراء ومقدمي الحلقة وأرباب الدولة وأعطى كل واحد منهم ما يليق به من الخيل والذهب والحوائص والثياب والسيوف، وكان ما صرف فيهم فوق الثلاث مائة ألف دينار.
وفي سادس عشر من شعبان أفرج الملك الظاهر عن الأمير علم الدين سنجر العتمي المعزي وأثبت موالي أيبك الأسمر أنه باق على ملكهم فاشتراه منهم.
وفي العشر الآخر من الشهر سفر الملك الظاهر رسل منكوتمر ابن أخي بركة وبعث معهم هدية سنية من حوائص، وسيوف محلاة، وجواهر، وثياباً منوعة، وصحبتهم بدر الدين عزيز الكردي وغيره.
وفي يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان اشترى الملك الظاهر عز الدين أيبك النجيبي من مولاه الأمير جمال الدين آقوش النجيبي.
وفي يوم الاثنين ثاني عشر شوال استدعى الملك الظاهر الشيخ خضر إلى القلعة وأحضره بين يديه مع جماعة حاقوه على أشياء كثيرة، كثر بينه وبينهم فيها القيل والقال ورموه بفواحش كثيرة فتقدم باعتقاله، وهذا المذكور كانت له عند الملك الظاهر منزلة لم يظفر بها أحد منه بحيث