الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم وصلت الخلع وغيرها، وأباح له ما لم يبحه لأحد من خواصه من شرب الخمر وسماع الغناء وسائر الملاهي مبالغة في إكرامه واحترامه.
وفي سادس صفر ولدت امرأة نصرانية بقصر الشمع محلة بمصر ثلاث بنات في بطن واحد لكل واحدة منهن مشيمة ومتن لوقتهن.
وفي يوم الأحد سابع صفر توجه الملك الظاهر إلى الكرك على الهجن، وفي صحبته الأمير بدر الدين بيسري وسيف الدين أتامش السعدي وسبب توجهه أنه وقع بالكرك برج فأحب أن يكون إصلاحه بحضوره، وكان بالكرك بساتين محكرة بشيء يسير، فأمسكها جميعها ثم عاد إلى مصر، فدخلها يوم الثلاثاء ثاني وعشرين ربيع الأول، ولقيه صاحب حماة على الغرابي ليلاً، فودعه وسار إلى حماة. وقبل توجه الملك الظاهر إلى الكرك أعطى الأمير شهاب الدين يوسف بن الأمير حسام الدين الحسن بن أبي الفارس القيمري خبز أربعين طواشياً بدمشق، وكان من أعيان الأمراء في الدولة الصالحية النجمية والدولة الناصرية، وكان بطالاً قد أطلق له من بيت المال في كل يوم عشرين درهماً لنفقته وكلفته.
ذكر هرب رئيس الإسكندرية ومن معه من عكا
قد تقدم القول بكسر الشواني وأسر من كان فيها، ولما أسروا
بعث بهم إلى عكا طلباً للفداء، فامتنع الملك الظاهر من فدائهم، وقال: إني قد استغنيت عنهم. وكتب إليهم أن يسعوا في فداء أنفسهم. ومن فدى نفسه شنقته ودام الحال على ذلك، فمات من مات وهرب من هرب، فكتب الملك الظاهر إلى الأمير عز الدين العلائي نائب السلطنة بقلعة صفد بأن يوسع الحيلة في خلاصهم، فكتب إلى ابن جعفر من الفرنج بعكا ووعد ألف دينار إن سعى في خلاصهم فدسّ المذكور إليهم مبارداً قطعوا بها شبّاكاً في البرج الذي هم فيه، ثم أخرجوا من الباب ليلاً، وعليهم زي الفرنج إلى مركب قد أعدوا لهم، فركبوه إلى ساحل عيّن لهم، فوجدوا خيل البريد معدة لهم، فركبوا وغيروا زيهم وتلثموا ودخلوا صفد سراً لم يشعر بهم أحداً وبعث بهم العلائي ملثمين بحيث لا يعرفون، فوصلوا إلى القاهرة في ربيع الأول، وهم الرئيس شهاب الدين أبو العباس المغربي وشهاب الدين محمد بن الموفق رئيس الاسكندرية وزين الدين أخوه، والرئيس سيف الدين أبو بكر بن إسحاق. وكان توفي من المأسورين بعكا وقبرس سيف الدين محمد بن المجاهد وسيف الدين بن أبي سلامة رئيسا الاسكندرية، وشرف الدين علوي رئيس دمياط، ومن رؤساء مصر نجم الدين نجم بن سيف الدولة الجبلي، وسيف الدين أبو بكر بن المخلص إبراهيم بن إسحاق، وجمال الدولة يوسف بن المخلص وسيف الدين محمد بن نور الدولة علي بن المخلص وغيرهم، والباقون منهم
من تحيل وهرب ومنهم من توفي ومنهم من بقى في الأسر بجزيرة قبرص، ولما وصل الرؤساء الذين سلموا كان الملك الظاهر بالكرك، فلما عاد أحضرهم ووبخهم على تفريطهم، فقال له شهاب الدين رئيس الاسكندرية: قضاء الله لا يرد بحيلة. فاستحسن منه ذلك وخلع عليهم.
وفي سابع عشر ربيع الآخر عاد ابن غراب وصارم الدين أزبك وجماعة من الأجناد والعرب والمماليك من برقة، ومعهم منصور صاحب قلعة طلميثة ومفاتيحها معه.
وفي سادس وعشرين ربيع الآخر خرج الملك الظاهر لرمي البندق، وترك في القلعة نائباً عنه الأمير بدر الدين أيدمز الوزيري، فأقام خمسة أيام ثم عاد إلى القلعة. وسبب عوده أن بعض العرب اطلع على أن جماعة من التتر يكاتبون، ثم ردف ذلك أن والي غزة أمسك ثلاثة نفر، ومعهم بدوي في خان حماق قد خرجوا من القاهرة لقصد التتر، فأنكر الخاني كلامهم، فعرّف الوالي بهم فأخذهم ووجد معهم كتباً، فسيرها إلى القاهرة ووقف الملك الظاهر على الكتب، فوجدها من عند قجقار الحموي وموغان بن منكورس وسربغا وطنغري برمش وأنوك وبرمش وبلبان محلى والمعلاني المرتد
وبلاغاً وطعبني وأيبك وسنجر الحواشي التركي؛ فقيض عليهم وقابلهم بما فعلوا؛ فأقروا فكان آخر العهد بهم.
وفي يوم الاثنين حادي عشر جمادى الأولى توجه الملك الظاهر وولده الملك السعيد إلى جهة البحرية للصيد في الخراريق ودخل الاسكندرية فشكى إليه وإليها شمس الدين بن باخل، فضربه وأخذ خطه بخمسين ألف دينار، وهدم له بستاناً كبيراً وقف عليه بنفسه حتى هدمته العامة، وأقره على الولاية فقط، وفوض أمر الجيش والديوان إلى الطواشي بهاء الدين صندل فشيد دار الطراز، وعاد نهار الخميس خامس جمادى الآخرة.
وفي رابع شعبان رحل الملك الظاهر بالعساكر نحو الشام، فوصل دمشق يوم الخميس تاسع عشرين منه، ثم خرج قاصداً بلد سيس وعبر إليها الدربند، فملكها وملك إياس والمصيصة وأذنة، وكان دخول العساكر إلى سيس يوم الاثنين حادي عشرين شهر رمضان، وخروجهم منها في العشرين من شوال بعد أن قتلوا من الأرمن وأسروا خلقاً كثيراً لا يحصى، وغنموا من البقر والغنم ما بيع بالمجان، وأقام الملك الظاهر بجسر الحديد إلى أن انقضى شوال وذو القعدة، ورحل في العشر الأول من ذي الحجة، فدخل دمشق يوم الثلاثاء خامسه، وأقام بدمشق إلى أن دخلت سنة أربع وسبعين.
أعجوبة: في السابع والعشرين من شعبان وقع رمل بمدينة الموصل
ظهر من القبلة وانتشر يميناً وشمالاً حتى ملأ الأفق وعميت الطرق، فخرج العالم إلى ظاهر البلد بتلعها وبمشهد يحيى بن قاسم، ولم يزالوا يبتهلون إلى الله تعالى بالدعاء إلى أن كشف الله ذلك عنهم.
وفي هذه السنة بعث أبغا إلى الروم تقونوين عوضاً عن أجاي ومعه أربعين رجلاً من خواصه، وأمره أن يكتب جميع أموال الروم ويضبطها، ولا يحكم البرواناة ولا غيره من أمراء الروم إلا بحضوره، ولا يصدرون إلا عن رأيه، فلما وصل حضر مجلسه جميع امراء الروم وقدموا له الهدايا والتحف خصوصاً البرواناة، وطاف تقونوين جميع بلاد الروم وحصل منها أموالاً جسيمة وحملها إلى أبغا، ولما رأى البرواناة تمكن تقونوين ذل له واستكان وبذل له الطاعة.
وفيها توفي إبراهيم بن يوسف بن جعفر بن عرفة بن المأمون بن المزمل بن قاسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو إسحاق المعروف بظهير الدين بن شيخ الإسلام القرشي الأموي، ومولده بدمشق في ثالث عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وست مائة، سمع وحدث، وبيته معروف بالحديث والرواية والديانة والرئاسة والأمرة والتقدم، وكانت وفاته في رابع عشرين جمادى الآخرة، ودفن من يومه بمقابر باب النصر - رحمه الله تعالى.
إبراهيم بن شروة بن علي بن مرزبان بن كلول جكو أبو إسحاق الأمير
سيف الدين الزهيري الجاكي توفي ببعلبك قبل طلوع الشمس من يوم الخميس رابع عشرين شهر رجب، ودفن من يومه ظاهر باب حمص من مدينة بعلبك، وقد نيف على السبعين سنة من العمر - رحمه الله تعالى. وكان من الأمانة والحشمة وشرف النفس وصدق اللهجة على طريقة لا يدانيه فيها غيره. حكى لي غانم بن العشيرة أنه كان متولي حلب عند فقد التتار لها، ولما هجمت المدينة صعد إلى القلعة وأحضر غلمانه صناديق من داره رموها في خندق القلعة لضيق الوقت عن ادخالها إلى القلعة وكذلك غيره، ثم سير غلمانه ليحضروا له شيئاً من تلك الصناديق، فخرجوا والقتال يعمل، فقاتلوا ولا زالوا حتى أحضروا صندوقاً، فلما فتحه وجد فيه ذهباً ودراهم وحوائص وأشياء فاخرة وما هوله؛ فقال له غلمانه: أنت محتاج خذ منه شيئاً ولو على سبيل القرض. فأبى ولا زال ينبشه حتى وجد فيه شطفة رنك بعض الأمراء، فسير اليه عرّفه فحضر وتسلّمه، وكان ولي حران في الأيام الناصرية وأمير جندار العزيز بن عبد الملك الناصر، وتوجه معه إلى هولاكو وبعد أخذه قلعة حلب جعله هولاكو أمير شكار وسلم إليه الجوارح وغيرها، وكان عنده محترماً خلاف وكان الملك الظاهر يحترمه ويثني عليه ويصفه بالعفة والأمانة
والحشمة - رحمه الله تعالى، وخلف أولاداً منهم الأمير علاء الدين أحمد أخذ خبزه وولي بعده مكانه وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
أحمد بن موسى بن يغمور بن جلدك أبو العباس الأمير شهاب الدين بن الأمير جمال الدين، كان معروفاً بالشهامة والصرامة، ولاه الملك الظاهر رحمه الله تعالى المحلة وأعمالها من الغربية، فهذبها ومهّد قواعدها وأباد من بها من المفسدين والدعار، وقطع من الأيدي والأرجل ما لا يحصى كثرة وشنق ووسط وأباد بحيث أفرط في ذلك، فخافه البريء والسقيم وتمكنت مهابته في صدور أهل عمله ومن جاورهم. توفي بالمحلة في رابع عشرين جمادى الأولى، وحمل إلى القرافة. فدفن بتربتهم في الثامن والعشرين منه، وكان عنده كرم ورياسة وحشمة وسعة صدر وبر بمن يقصده، وله نظم وعنده إلمام بالفضيلة رحمه الله وتجاوز عنه، فمن شعره:
وبي أهيف واف وفيه محاسن
…
بدت وعليها للعيون تهافت
ممشي في ضياء الدين كالبدر وجهه
…
وبينهما للناظرين تفاوت
وأعجب ما شاهدته فيه أنه
…
يكلم قلبي لحظه وهو ساكت
وقال في غلام عنبري من أبيات:
تحكم في الألباب حتى رأيته
…
ينظّم حبات القلوب قلائدا
وقال في غلام يمد الشريط:
وبي زيّنا كالبدر والظبي بهجة
…
وجدّا بقلبي ناره وهو جنتي
منعم خده كاللجين بياضه
…
يمد نضاراً كاصفراري ودقتي
وقال وكتب بها إلى الأمير بدر الدين بيليك الخزندار الظاهري وقد أهدى إليه شاهيناً بدرياً:
يا سيد الأمراء يا من قد غدا
…
وجه الزمان به جميلاً ضاحكا
وافى لك الشاهين قبل أوانه
…
ليفوز قبل الحائمات ببابكا
حتى الجوارح قد غدت بدرية
…
لما رأت كل الوجود لذالكا
وله يخاطب صاحباً الملك الظاهر له ورد عليه من الاسكندرية إلى المحلة:
إن صدرتم عن منزل فلكم
…
فيه ثناء كنشر روض بهى
أو وردتم فاللمحب الذي من
…
آل موسى في الجانب الغربي
بيمند بن بيمند بن بيمند متملك طرابلس توفي بها في العشر الأول من شهر رمضان المعظم، ودفن في كنيستها، وتملك ولده بعده كان حسن الشكل مليح الصورة، رأيته ببعلبك في سنة ثمان وخمسين وست مائة، وقد حضر إلى خدمة كتبغا نوين وصعد إلى قلعة بعلبك وداراها وحدثته نفسه أنه يطلبها من هولاكو ويبذل له ما يرضيه وشاع ذلك عند بعلبك، فشق على أهلها وعظم لديهم فحصل بحمد الله ومنته من كسرة التتار ف آخر الشهر المذكور ما أمنهم من ذلك ثم لما ملك الملك المنصور
سبف الدين قلارون رحمه الله طرابلس وفتحها في سنة ثمان وثمانين وست مائة نبش الناس عظام بيمند المذكور من الكنيسة وألقوها في الطرقات وطرابلس في الحقيقة عند الفرنج إنما هي لامرأة من أولاد صنجيل الذي افتتحها أولاً وأخذها من بني عمار وهي في الجزائر في قلعة لها هناك، واستنابت هي أو جدها جد هذا، فاستولى لبعدها عنه، وكان من شياطين الفرنج ودهاتهم وتداولها أولاده من بعده، وكان ابن صنجيل خرج من قلاعها لأمر أوجب ذلك وركب البحر، فتوفقت عليه الريح ونفد زاده، وكاد يهلك هو ومن معه وقرب من طرابلس فسيّر إلى صاحبها إذ ذاك وسأله أن يأذن له في النزول في أرضه والإقامة في البر بمقدار ما يستريح ويتزود فأذن له. فنزل بمكان الحصن المعروف به الآن وهو حيث بنيت طرابلس الجديدة وباع واشترى فنزل إليه أهل حبه يشري وسائر تلك النواحي وجميعهم نصارى وأطمعوه في البلد وعرّفوه ضعف صاحبه وعجزه عن دفعه، فأقام وبنى الحصن المعروف به وتكثر بأهل بلاد طرابلس واتفق اشتغال ملوك الشام ونواب الدولة المصرية به فغنم وتم مراده وصابر طرابلس مدة زمانية فتوجه ابن عمار إلى السلطان ملك شاه السلجوقي يستنجد منه، فلم يحصل له مقصود فأخذت منه طرابلس وانتقل بأمواله وذخائره إلى عرقا.
واستفحل أمر الفرنج بالساحل فلم يمكنه مجاورتهم فانتقل إلى حصن الخوابي وكان له فأخذ عرقاً متملك طرابلس والله أعلم.
سعد الله بن سعد الله بن سالم بن واصل زين الدين الحموي، كان فاضلاً في الطب مجرباً حاذقاً حسن المعالجة متديناً ذا مروءة غزيرة، وله تقدم في الدولة، مولده سنة خمس وثمانين وخمس مائة، وتوفي في شوال رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن إبراهيم بن عبد الكريم بن قرناص أبو محمد جمال الدين بن الشيخ نجم الدين أبي علي بن مخلص الدين أبي إسحاق الخزاعي الحموي، توفي بحماة عشية يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الآخر، ودفن من الغد بالتربة المعروفة بهم رحمه الله وهو في عشر السبعين. وذكره القاضي جمال الدين بن واصل رحمه الله؛ فقال: جمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن الشيخ نجم الدين أبي علي الحسن بن إبراهيم بن قرناص كان رئيساً كبيراً كريماً ذا نعمة واسعة، وداره مأوى القاصدين إليه والواردين عليه واللازمين من الأصحاب له مع ديانة تامة، وحسن طوية، وطلاقة وجه لم يكن في بلده في وقته من يضاهيه في ذلك، مولده سنة عشرين وست مائة، وتوفي في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين وست مائة، ودفن بالمدرسة التي أنشأها جده الرئيس مخلص الدين إبراهيم بن عبد الكريم بن قرناص ظاهر حماة رحمه الله تعالى.
عبد الله بن محمد بن عطاء أبو محمد شمس الدين الحنفي توفي بدمشق يوم الجمعة ثامن جمادى الأولى، كان والده شرف الدين محمد حنبلي المذهب، وكان يتغالى في والدي رحمه الله ويحبه محبة عظيمة مفرطة وبسببه انتقل إلى بعلبك واستوطنها مدة سنين، وقرأ ولده شمس الدين القرآن العزيز على والدي واستأذنه والده شرف الدين محمد فيما يشتغل به ولده المذكور، فأشار عليه أن يشغله في الفقه على مذهب أبي حنيفة رحمة الله عليه؛ فاشتغل وحفظ القدوري ورحل إلى دمشق وتفقه بحيث صار المشار إليه في الحنفية، وتولى تدريس مدارس عدة، وناب في الحكم بدمشق عن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن سنى الدولة رحمه الله، ومن بعده من القضاة، فلما رتب الملك الظاهر رحمه الله القضاة من المذاهب الأربعة سيّر له تقليدا بقضاء القضاة بدمشق المحروسة وأعمالها، فباشر ذلك وانتقل من النيابة إلى الاستقلال، وذلك في سنة أربع وستين، واتفق حوطة الملك الظاهر على الأملاك وبساتين دمشق، وقعد في دار العدل وجرى الحديث في هذا المعنى بحضور القضاة وجماعة من العلماء والمشايخ وغيرهم، فكل ألان القول وخشي سطوة الملك الظاهر إلا القاضي شمس الدين المذكور رحمه الله، فأنه بالغ في الصدع بالحق ولم يخش إلا الله تعالى، وقال: لا يحل لمسلم أن يتعرض إلى هذه الأملاك ولا البساتين فإنها بيد أربابها ويدهم ثابتة عليها. فغضب الملك الظاهر لهذا القول، وقام من دار العدل، وقال: إذا كنا ما نحن مسلمين أيش قعودنا. فشرع
الأمراء يتلافوه وقالوا: لم يقل أن مولانا السلطان ما هو مسلم وإنما قال ما يحل لمسلم التعرض إلى أملاك الناس. فلما سكن غضبه قال: اثبتوا كتبنا عند هذا القاضي الحنفي وتحقق صلابته في الدين فعظم في عينه. وأما القاضي شمس الدين رحمه الله فلم يتأثر ولا التفت وعصمه الله منه بحسن قصده، وكان القاضي شمس الدين من العلماء الأعيان تام الفضيلة وافر الديانة كريم الأخلاق حسن العشرة كثير التواضع عديم النظير قليل الرغبة في الدنيا، يقتنع منها باليسير ولا يحابي أحداً في الحق، واشتغل عليه خلق كثير وجم غفير كان مرضه وهو صغير ببعلبك مرضاً أشفى منه والده بدمشق في شغل له، فسيرت والدته إليه تقول: إلحق ولدك عبد الله فإنه هالك. فبطّل ما كان بصدده وحضر إلى بعلبك، فرآه في حال اليأس منه فحضر عند والدي فسلم عليه وأخبره بما شاهده من حال ولده، فقال له: طيب قلبك فإن ولدك يبرأ بإذن الله تعالى وما عليه بأس. فقام لوقته وسافر ولم يبت تلك الليلة ببعلبك، فقالت له زوجته: تسافر وولدك على هذه الحال! قال لها: قال لي الشيخ الفقيه: إنه يهدى وما عليه بأس. وتم سفره ومدفنه يجبل قاسيون رحمه الله ورضي عنه.
عثمان بن محمد بن منصور بن أبي محمد بن عبد الله بن سرور أبو عمرو فخر الدين الأميني ويعرف بابن الحاجب، والحاجب هو جده منصور بن أبي، ومولده بدمشق سنة اثنتين وست مائة. سمع من جماعة من
المشايخ الكثير وحدث وتوفي في الرابع من ربيع الآخر، ودفن من الغد ظاهر باب النصر رحمه الله؛ وللأميني نسبة إلى أمين الدولة صاحب صرخد.
محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحيم أبو عبد الله عز الدين الحلبي الأصل المعروف بابن العجمي، قد تقدم ذكر والده كمال الدين في سنة سبع وستين وست مائة، ولما توفي والده رتب عز الدين ولده في كتابة الإنشاء، وكان عنده أهلية تامة وفضيلة كثيرة ومروءة غزيرة ومثابرة على قضاء حوائج الناس، وتوفي بدمشق في هذه السنة ودفن بمقابر الصوفية إلى جانب قبر أبيه رحمه الله تعالى ولعله لم يبلغ ثلاثين سنة من العمر رحمه الله تعالى، وكان عارفاً بالفقه على مذهب الشافعي رحمه الله، مشاركاً في علوم كثيرة، متفنناً أكثرها مع كثرة الديانة وسعة الصدر، كثير التعبد والانقطاع عن الناس، حفظ شيئاً كثيراً من الكتب المشهورة في فنون العلوم ودرّس بعدة مدارس بالقاهرة وغيرها، وصنف وأفاد وبرع نظراءه، وله نظم كثير فمنه:
حكم الغرام وحكمه مقبول
…
إني بسيف لحاظه مقتول
فعلام تنكر ما جنت ألحاظه
…
ودمي على وجناته مطلول
بدر وغصن قدّه ورضابه
…
ذا عاسل يثني وذا معسول
لا غرو أن أضحى القوام مثقفاً
…
فسنانه من جفنه مسلول
حل اصطباري عقد مبسمه
…
وما عقد الوداد لودّه محلول
أرادفه مثل الكثيب بحالها
…
لكن محل وشاحه مجدول
كيف السبيل إلى وصال حبيبه
…
وصدوده ببعاده موصول
وله ملغزاً في عقرب:
وما اسم رباعي إذا ما عددته
…
تراه بلا شك يزيد على عشر
له منزل إن شئت في أبرج السماء
…
ومنزله في الأرض باد لدى حجر
إذا أدركته الشمس يذهب شخصه
…
وتبصره في الشمس يسعى إلى الوكر
معكوسه ستر إذا ما رفعته
…
رأيت جمالاً حل باريه كالبدر
وتصحيفه أرجوه من خالق الورى
…
يمن به قولاً إذا حفت من وزري
وقال أيضاً رحمه الله:
أتراه يذري في الهوى ولهن به
…
أم عنده خبر الجوى ولهيبه
أم هل ترى ترتي النوى لمقاطع
…
ما زال يوصل دمعه بنحيبه
صب تسربل في قميص سقامه
…
لما كساه الحب ثوب شحوبه
عجباً له عذبت بفيه مشارب
…
وعذابها سبباً إلى تعذيبه
فنحيبه لحبيبه وسراره
…
لرقيبه وسقامه لطبيبه
حكم الهوى أن لا يمر بربعهم
…
إلا ستاه بدمعه وغروبه
ويظل يطلب منه عن سكانه
…
خبراً وذاك الرسم غبر مجيبه
بالله ما يجري السؤال لمعهد
…
أفنى الزمان رسومه بخطوبه
درست معالمهم فلست مفرقاً
…
في الرسم بين وهاده وكثيبه
هب النسيم على محل ديارهم
…
فشممت من رياه عند هبوبه
آبجاً لأجلهم صبوت له كما
…
يصبو المحب إلى لقاء حبيبه
أنسيته لما بدا بدر الدجى
…
يحكيه صافي نهره وقليبه
فنظرت عند شروقه وغروبه
…
ورأيته بين طلوعه ومغيبه
بدري الذي قد همت فيه ولم
…
أخف من كيد عذله ووشي رقيبه
فلئن عفا فلطالما قد مر لي
…
زمن نعمت بحسنه وبطيبه
ولئن حلا فلكم جوى من شادن
…
يحتال بين حزونه وسهوبه
ومشنف كحل اللحاظ منعم
…
ومهفهف علا القوام رطيبه
غنى الربيع بربعه فكساه من
…
تفضيضه حللاً ومن تذهيبه
نبأ لدهر ما تبسم ساعة
…
إلا وأعقبها بعام قطوبه
لم أبك إطلالاً له ولكنني
…
أبكي على عيش تقضي لي به
وقال رحمه الله ملغزاً في قاسم:
سألت محبوبي عن اسمه
…
فقال ما عندي له علم
لكنني أبدي له كنية
…
يعرفها من عنده فهم
ترخيمه وصف لقلبي فإن
…
أسقطت منه أولاً فاسم
وعكسه عضو إذا رخموا
…
منى اللحم والعظم
فقلت لا نبعث من لفظه
…
تصحيفه تجلى بها الوهم
فحله وانظم يا ذا الفتى
…
بفضله قد شهد النظم
وقال أيضاً ملغزاً:
يا أولي الفضل والفضيلة قد أع
…
وزني في حل وفي كشف
خبروني عن اسم جمع وطرف
…
ومعكوسه إذا شئت حرف
وهو أن صحفوه في الصدر بعض
…
وهو أن حرفوه في القلب ألف
وتراه فلا تشك بأني
…
قلت حقاً إذا بدا منه وصف
وهو معتل طالما صحح ال
…
مرء معروف بالخفافة عطف
ينبي العكس منه عن كل واحد
…
هو إذا خففوه كم فيه ألف
أي عذر وقد أتاك صريحاً
…
لك إن كان في جوابك خلف
وكتب إليه شخص من أصحابه لغزاً:
رأيت صبياً قارئاً ذا فصاحة
…
يريك آيات النساء ويجوّد
فقلت له ما الاسم أطرق ساعة
…
يصوب نحوي طرفه ويصوّد
فقال إذا ما رمته فهو ظاهر
…
بأول ما أتلوه حين أردد
فصحفه بعد العكس منه فإنه
…
تراه صحيحاً واضحاً حين يقصّد
فأجابه عنه يقول:
أظنك تعني خادماً ما لبيباً
…
ومن تنقل الأخبار عنه وتسند
إذا عكسوه فهو ضوء لبارق
…
وإن حرفوه فهو للصب مسعد
وتصحيفه انبئت حقاً بفضله
…
فما ارتاب فيه لا ولا أتردد
فخذه ودم ما ناح في الجو طائر
…
وما دام أدوار وما دام فرقد
وقال رحمه الله ملغزاً أيضاً:
ما اسم كلتا بفضيلة سماه نعترف
…
متصرف كان في ملكه غير منصرف
فحرفان منه فعل أمر لمذكر وثلاثة أمر لمؤنث أن حرف وباقيه فعل ماض معناه الكذب، والمشار إليه بالصدق قد عرف له خصائص صفات قد باين بها الحيوان بالبشر ورحيل مشهور كاد أن يضاهي برحيل الشمس وبتسيير القمر وسلوك في الجو أعجب من كل عجيب وهو أن صحفته وقلبته تام تكتيب، وله رحمه الله مجيباً:
هو النبي سليمان الذي ظهر
…
إيمان في عصره واستخبأ الشرك
هذا الجواب بلا شك أتاك فإن
…
صحفت حرفين منه جاءك الشك
محمد بن إسماعيل بن إسماعيل بن جوسلين أبو عبد الله شمس الدين، كان رجلاً حسناً، وعنده اشتغال بالفقه والنحو وغيره، وتوفي ببعلبك في بكرة نهار الجمعة خامس وعشرين شهر رجب، ودفن من يومه بتربة ابن قرقين بمقابر باب سطحاً ظاهر بعلبك، وهو في عشر الأربعين رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن موسى بن عبد الرحمن أبو بكر أمين الدين الأنصاري الخزرجي المحلي النحوي العروضي الكاتب، ولد في شهر رمضان المعظم سنة ست مائة، وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر ذي القعدة، ودفن يوم الجمة بين القرافقين بالديار المصرية، قرأ الأدب وبرع فيه، وانتفع به جماعة؛
وله تصانيف، وكان أحد الفضلاء المشهورين، عارفاً بعلوم عدة؛ وله نظم حسن وأرجوزة في العروض وأخرى في القوافي وغير ذلك، كتب في مرضه إلى بعض معارفه الأكابر يشكو المضائقة وسوء الحال:
يا من الذي عم الورى نفعه
…
ومن له الإحسان والفضل
العبد في منزله مدنف
…
وقد جفاه الصحب والأهل
فزوجه البقل ويا ويح من
…
فروجه في المرض البقل
ومات بعد قوله هذه الأبيات الثلاثة بثلاثة أيام، وكان له صاحب فمرض فلم يعده أمين الدين المذكور وكتب إليه:
إن جئت نلت ببابك التشريفا
…
وإن انقطعت فأوثر التخفيفا
ووحق حبي فيك قدماً أنني
…
عوفيت أكره أن أراك ضعيفا
محمد بن يحيى بن الفضل بن يحيى بن عبد الله بن القاسم بن المظفر أبو حامد محي الدين ابن الشهرزوري الموصلي، مولده في ثامن عشر شهر رمضان سنة تسعين وخمس مائة، كان من أولاد القضاة، وعنده فضيلة، وله نظم حسن، ووالده تاج الدين أبو طاهر كان قاضي الجزيرة العمرية، والمحيي المذكور ترك زي الفقهاء وتزيا بزي الأجناد، وكانت وفاته يوم الأحد ثاني عشر شهر ربيع الآخر من هذه السنة بالمقس ظاهر القاهرة من الديار المصرية، وبيته مشهور بالرئاسة والتقدم، وتولى القضاء فب الأقطار غير واحد منهم رحمه الله.
مسلم البرقي البدوي شيخ الفقراء كان رجلاً صالحاً كثير التعبد، وله رباط بالقرافة الصغرى، وكان أحد المشايخ المشهورين مقصوداً للزيارة والدعاء والتبرك به وأصحابه معروفون. وتوفي في خامس ربيع الأول، ودفن من الغد بقرافة مصر الصغرى رحمه الله.
منصور بن سليم بن منصور بن فتوح الهمداني الاسكندري أبو المظفر وجيه الدين ابن الشافعي الشيخ الفقيه العالم المحدث الفاضل، مولده في صفر سنة سبع وست مائة، وولد بالاسكندرية، وسمع من جماعة وحدّث ووليّ الحسبة بالاسكندرية ودرس بها وجمع وصنف وخرّج وألّف تاريخاً لبلده الاسكندرية، وكان حافظاً صالحاً حسن الطريقة جميل السيرة محسناً إلى من يرد إليه من الطلبة عفيداً حسن الأخلاق ليّن الجانب؛ رحل إلى بغداد وأقام بها مدة، وله ذيل على ابن نقطة فيما ذيله على كتاب الأمير ابن ماكولا، وله تاريخ الاسكندرية وتاريخ لمنارة الاسكندرية وغير ذلك، وكانت وفاته بالاسكندرية في ليلة الحادي والعشرين من شوال، ودفن من الغد بين العشاوين رحمه الله تعالى.
نصر الله بن عبد المنعم بن نصر الله بن أحمد بن جعفر بن حواري أبو الفتح شرف الدين التنوخي الدمشقي الحنفي، مولده في سنة ثلاث أو أربع وست مائة، وتوفي في سادس شهر ربيع الآخر بدمشق، ودفن بمغارة
الجوع بسفح قاسيون، وكان فاضلاً ديّناً حلو النادرة حسن المحاضرة، على ذهنه من الأشعار والحكايات والوقائع شيء كثير، وله يد في نظم وليس بذلك، وكان كبير النفس عالي الهمة كثير الكرم يتجمل فيما يصنعه لمعارفه وأصحابه من المآكيل ولعله يدعو النفر الواحد والنفرين، ويحضر من الأطعمة الفاخرة ما يكفي جماعة كثيرة، وكان في غالب أوقاته يمتنع من أكل طعام غيره وقبول هدية فلمته على ذلك؛ فقال: أشتهي أن أكون حراً لا يسترقني أحد بإحسانه. وكان في زمن أولاد شيخ الشيوخ رحمهم الله، قد تعرف بهم وصار له قرب منهم وحرمة وافرة بسببهم وعمّر في آخر عمره مسجداً عند طواحين الأشنان ظاهر دمشق وغرم عليه جملة كثيرة وتأنق في عمارته، وكان يدعو معارفه إليه ويبالغ في الاحتفال على عادته في سعة صدره وعلو همته، وسمع الكثير وكتب بخطه ما لا يحصى وحدّث رحمه الله تعالى؛ ومن نظمه يتغزل ويصف دمشق:
ما كنت أول مستهام مدنف
…
كلف بممشوق القوام مهفهف
يردي لواحظه بكل مهند
…
ماض وعطفاه بكل مثقف
مستعذب الألفاظ يفعل طرفه
…
في قلب من يهواه فعل المشرف
شمس الضحى كسفت بنور جبينه
…
خجلاً ولولا حسنه لم تكف
أنا واله دنف بورد خدوده
…
وبغض نرجس مقلتيه المضعف
فحذار من طرف كحيل أوطف
…
يسبي ومن خصر نحيل مخطف
يا حائراً أبداً بعادل قده
…
ما حيلتي في الحب إن لم ينصف
ديوان حبك لم يزل مستوفياً
…
وجدي وأشواقي بحسن يصرف
لك ناظر فتّاك بالعشاق قد
…
أضحى على الهلكات أعجل مشرف
ورشيق قد عامل في مهجتي
…
من غبر حاصل أدمعي لم تصرف
يا من يروم الوصل من متمنع
…
أبداً على عشاقه لم يعطف
أغرس غصون اللهو مهما تستط
…
يع فإن بدت ثمرات لهوك فاقطف
وإذا طلائع عارضيه بدت فقل
…
قف يا عذار بخده واستوقف
واكشف قناعك إن أردت لذاذة
…
لاخير في اللذات إن لم يكشف
لا شي أعذب من تهتك عاشق
…
في عشق معسول المراشف أهيف
إن يخف وجدك فالغرام يدعيه
…
والوجد أقتل ما يكون إذا خفى
فإذا بلغت لما تحاول من منىً
…
بحصاة همك عن فؤادك فاحذف
يا من على صنم الملاحة عاكفاً
…
صنم يكون عليه من لم يعكف
أشرفت فيما قد أتيت وإنما
…
قد يدرك اللذات غير المشرف
كلّفت نفسك حمل أعباء الهوى
…
ومن العجيب خطاب غير مكلف
يا من يعنّف في دمشق ووصفها
…
لو كنت تعقل كنت غير معنف
هي جنة الدنيا وتكفي منزهاً
…
وفضيلة أوصافها في المصحف
بلد سبي الزمّر الذي حلوا به
…
بمياهه ومروجه والزخرف
يوسف بن أحمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي القاسم أبو المحاسن الأسدي الدمشقي الملقب جمال الدين التكريتي الجد، الموصلي الأب، الدمشقي المولد، المحلي الوفاة، المعروف بابن الطحان، المشهور بالحافظ اليغموري مولده بدمشق سنة ست مائة - تخميناً - سمع الكثير بالموصل ودمشق ومصر والاسكندرية وغيرها من جماعة من المشايخ وحصل الأصول والفوائد منهم أبو العباس أحمد بن سلمان بن أبي بكر بن سلامة بن الأصفر البغدادي، وكان عنده فهم وتيقظ، وله مشاركة جيدة في الأدب والتاريخ وغيره من علوم متعددة، وجمع جموعاً مفيدة، وكتب بخطه الكثير، وكان كثير البحث والتنقير، جامعاً لفنون حسنة، حسن الأخلاق لطيف الشمائل، مشغولاً بنفسه، وحدّث وصحب الأمير جمال الدين موسى بن يغمور رحمه الله ولازمه وعرف به، فلا يعرف إلا بالحافظ اليغموري، وكان حلو المحادثة مليح النادرة لا تمل مجالسته. توفي إلى رحمة الله تعالى في ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من ربيع الآخر بمدينة المحلة من أعمال الغربية، وكان قد قصدها لرؤية الأمير شهاب الدين أحمد بن يغمور المقدم ذكره، فتوفي عنده في هذا التاريخ، وتوفي شهاب الدين من بعده بشهر ويومين على ما هو مذكور في ترجمته رحمهم الله تعالى، وكتب إليه الأديب شهاب الدين محمد بن عبد المنعم المعروف بابن الخيمي وكلاهما أرمد:
أبثّك يا خليلي إن عيني
…
غدت رمداء تجري مثل عين
حديثاً أنت تعرفه بيننا
…
لأنك قد رمدت وأنت عيني
فأجابه الحافظ رحمه الله تعالى يقول:
كفاك الله ما تشكو وحيّا
…
محاسن مقلتيك بكل زين
فإني من شفاك على يقين
…
فإني قد شفيت وأنت عيني
وكتب إليه الأديب شهاب الدين - ابن الخيمي - المذكور:
يا أيها البحر الذي
…
هو سائغ فيه الشراب
والحبر كعب حين ين
…
سب في العلوم له كعاب
أأبا المحاسن أنت حا
…
فظها فليس لها ذهاب
أضحت وصدرك لوحها الم
…
حفوظ ما حفظ الكتاب
كل المحاسن والفضا
…
ئل والعلوم به تصاب
وكذا الغرائب أنت مو
…
طنها فليس لها اغتراب
أشكو إليك وربما
…
يلّتذ بالشكوى المصاب
ذهب الصبا وزمانه
…
ذاك الزمان المستطاب
وتغيرت منى الغري
…
زة في علوم واكتساب
وتنكرت عندي المعا
…
رف والمعارف والصّحاب
وسألت لذاتي الإيا
…
ب فلم يكن منها إياب
وا خيبتي ما كان يجم
…
ع بيننا إلا الشباب
وبدت عيوب كان من
…
بون الشباب لها حجاب
وخضبت أستر حالتي
…
عنها فما نفع الخضاب
ومن القضايا في المشي
…
ب وكلها فيه صعاب
كحقوق مخدومي جما
…
ل الدين طاب به المآب
قد طال شغل خدمتي
…
إياه وهو لها ثواب
دأبي له إما ثنا
…
ء أو دعاء مستجاب
أو نظم جوهر وصفه
…
في سلك نظم يستطاب
وبدائع من فضله
…
يبدو بها العجب والعجاب
إلا اجتناب القرب من
…
هـ فما يضر الاجتناب
إذا كان للإجلال والإجلال
…
الأدوان دأب
ومع التجنب فالمو
…
دة فوق ما معها اقتراب
فخليفتي في خدمتي
…
وله فيها انتداب
قصد النزول بظله
…
ليكون منه انتساب
في دار علم جنة
…
تجري جواريها العذاب
وللحافظ اليغموري:
رجع الود على رغم الأعادي
…
وأتى الوصل على وفق مرادي
ما على الأيام ذنب بعدها
…
كفه القرب أساءت البعادي
وقال رحمه الله تعالى:
أنا مرآة فإن أبصرتمو
…
حسناً أنتم بها ذاك الحسن
أوتروا ما ليس رضوه فقد
…
صدئت إن لم تروها من زمن
قال الحافظ اليغموري: ذكرت الأمير سيف الدين المشد رحمه الله زهر السفرجل وحرصته على رؤيته، فلما صار إليه ورأى بهجته كتب إلي يستدعيني:
زهر السفرجل ما علم
…
ت فقد أشرت برؤيته
يدعوك دعوة شيق
…
فاغنم إجابة دعوته
إن لم تعنه بنظرة
…
أذبلت يانع نضرته
قال الحافظ: فأجزت هذه الأبيات ببيت تأدباً:
حاشاه أن يذوي وقد
…
حل البذى في ساحته
مرض للأمير جمال الدين موسى بن يغمور رحمه الله بعض مماليكه، وكان يعز عليه معالجة بعض الأطباء واتفق أن ذلك المملوك توفي إلى رحمة الله تعالى فخرج في جنازته خلق عظيم من الأمراء والأعيان وغيرهم، وخرج الطبيب الذي عالجه في الجملة ووقف على شفير القبر، وجعل يقول للحفار: افعل كذا وكذا؛ فقال له الحافظ اليغموري: يا حكيم أنت قضيت ما عليه ووصلته إلى هنا وما لك بعد هذا حديث هذا يتولاه غيرك. فضحك بعض الحاضرين وخجل الطبيب وبلغ الأمير جمال الدين ذلك فطرب له.