الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحرم، ودفن بها من يومه، وقد نيف على السبعين سنة من العمر رحمه الله.
أبو الوحش بن القدسي أبي الخير بن أبي سليمان داود بن أبي المثنى بن أبي فانة المنعوت بالرشيد، المعروف بابن أبي حليقة النصراني والد علم الدين ابن رئيس الأطباء بالديار المصرية.
كان الرشيد له التقدم والشهرة في معرفة صناعة الطب بالديار المصرية، وتوفي ليلة الاثنين سابع ربيع الأول بالقاهرة، ودفن يوم الاثنين بمقابر باب الخندق، وله من العمر خمس وثمانين سنة.
وكان ولده علم الدين أسلم في حياته، ومن بعده إلى الملك الظاهر ركن الدين، وسبب الحلقة التي وضعت في أذنه أن والده لم يعش له ولد ذكر، فوصف له ووالدته حامل أن تهيأ حلقة فضة قد تصدق بفضتها، وفي الساعة التي يوضع فيها من بطن أمه يثقب أذنه، ويوضع الحلقة فيها، ففعل ذلك فعاش وعاهدته والدته أن لا يقلعها، وجاءه أولاد فماتوا، فعمل حلقة حلقة على الصورة لولده المهذب في سعد. وسبب اشتهاره بأبي حليقة أن الملك الكامل بن العادل قال لبعض الخدام: اطلب الرشيد الطبيب من الباب، وجماعة الأطباء بالباب، فقال الخادم: من هو منهم؟ قال: أبو حليقة، فطلب واشتهر بذلك.
السنة السابعة والسبعون وستمائة
استهلت يوم الأربعاء وافق ذلك الخامس والعشرين من حزيران
من شهور الروم، والخليفة الإمام الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد؛ وهو بقلعة الجبل من الديار المصرية، وملك الديار المصرية والشام الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بركة قان بن الملك الظاهر بيبرس وهو بالديار المصرية.
ففي يوم الخميس بكرة النهار ثالث وعشرون المحرم دخل قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله مدينة دمشق، وخرج نائب السلطنة الأمير عز الدين ايدمر بجميع الموكب والأمراء لتلقيه إلى آخر الجسورة، وخرج أهل البلد إلى مسجد القدم، وأما رؤساء البلد وعدوله فتلقوه عدة مراحل بحيث أن وصل منهم جماعة رمح، ولم يزالوا متواصلين إليه في كل مرحلة، وسرّ الناس بولايته سروراً مفرطاً، ومدحه الشعراء وهنؤه بقدومه، ولم يبق من الأدباء من لا مدحه بغرر القصائد وهي مذكورة في دواوينهم. وانشده الشيخ رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقي من لفظه لنفسه:
أنت في الشام مثل يوسف في مص
…
ر وعندي أن الكرام جناس
ولكل سبع شداد بعد الس
…
بع عام فيه يغاث الناس
وعمل الفقيه شمس الدين محمد بن جعوان النحوي رحمه الله في المعنى يقول:
لما تولى قضاء الشام حاكمه
…
قاضي القضاة أبو العباس ذو الكرم
من بعد سبع شداد قال خادمه
…
ذا العام فيه يغاث الناس بالنعم
وقال سعد الدين سعد الله بن مروان الفارقي رحمه الله في المعنى وهو قوله:
أذقت الناس سبع سنين جدباً
…
غداة هجرته هجراًجميلاً
فرزقه الإله بأرض مصر
…
مددت عليه من كفيك نيلا
وعمل نور الدين أحمد بن مصعب في ولايته وعزل القاضي عز الدين:
رأيت أهل الشام طرّاً
…
ما فيهم قط غير راضي
نالهم الخير بعد شر
…
فالوقت بسط بلا انقباض
وعوضوا فرحة بحزن
…
قد أنصف الدهر في التقاضي
وسرهم بعد طول غم
…
قدوم قاض وعزل قاض
فكلهم شاكر وشاك
…
بحال مستقبل وماضي
وفي يوم الأربعاء ثالث عشر صفر ذكر الدرس بالمدرسة الظاهرية بدمشق قبالة العادلية الكبيرة، وهي على فرقتين شافعية وحنفية، وحضر الأمير عز الدين ايدمر الظاهري نائب السلطنة هو والعلماء الأعيان، وكان مدرس الشافعية الشيخ رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقي، ومدرس الحنفية صدر الدين سليمان الحنفي، ولم تكن عمارة المدرسة تكلمت إلى ذاك التاريخ.
وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول كسر الخليج الكبير بالقاهرة وقد غلق ماء السلطنة على ما جرت به العادة لله الحمد.
وفي يوم الخميس عاشر جمادى الأولى باشر الحكم بدمشق عوضاً عن القاضي مجد الدين عبد الرحمن بن العديم رحمه الله تعالى قاضي القضاة صدر الدين رسلان رحمه الله بمقتضى تقليد سلطاني ورد عليه في ذلك النهار من الديار المصرية.
وفي عشية الاثنين تاسع وعشرين من شهر رمضان المعظم باشر الأحكام الشرعية بدمشق عوضاً عن الشيخ صدر الدين سليمان بحكم وفاة قاضي القضاة حسام الدين أبي الفضائل الحسن بن القاضي تاج الدين أحمد بن القاضي جلال الدين الحسن بن أنوشروان الرازي الحنفي قاضي ملطية وما جاورها من بلاد الروم بمقتضى تقليد سلطاني سعيدي ورد عليه من الديار المصرية في هذا التاريخ، وكان خروجه من بلاد الروم إلى دمشق في سنة خمس وسبعين عندما عاد الملك الظاهر من قيسارية بعد كسرة التتر على البلستين، ومولده بأقصرا من بلاد الروم في ثالث عشر المحرم سنة إحدى وثلاثين وست مائة.
وفي العشر الأول من ذي القعدة تقدم قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان رحمه الله بفتح المدرسة التي أوقفها الأمير جمال الدين آقوش النجيبي رحمه الله تعالى جوار المدرسة النورية بدمشق، وبفتح الخانكاة التي أوقفها بالشرف القبلي المطلة على الميدان الأخضر بما إليه من الولاية الخاصة والعامة، وذكر الدرس بالمدرسة بنفسه مدة يسيرة، ثم نزل عنها لولده
كمال الدين موسى، وكان سبب تأخر فتح المكانين عن تاريخ وفاة الواقف شمول الحوطة للتركة والأوقاف فحين تهيأ الإفراج عن المكانين فتحا.
وفي العشر الأوسط منه خرج الملك السعيد من الديار المصرية بجميع العساكر قاصداً دمشق، وكان دخوله إلى قلعتها في خامس ذي الحجة وخرج أهل دمشق كافة إلا القليل لملتقاه، وزينوا ظاهر البلد وباطنها وسروا بمقدمه سروراً عظيماً، وعمل عيد النحر بقلعة دمشق، وصلى صلاة العيد بالميدان الأخضر.
وفي يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة وقعت الحوطة على الصاحب تاج الدين محمد بن محمد بن علي بن محمد بن سليم بدمشق لورود البريد مخبراً بموت جده الصاحب بهاء الدين، وكان تاج الدين وصل دمشق يوم الاثنين رابع ذي الحجة، ونزل بدار بني الزكي بباب البريد، وكانت وفاة جده ليلة الخميس سلخ ذي القعدة، فقال:
بنينا وعلّينا ورحنا كما ترى
…
وأعمالنا مكتوبة سوف تعرض
فيا معشر الناس الذين تمولوا
…
بأموالنا بالله لله أقرضوا
وفي يوم عرفة منه باشر الوزارة عن الملك السعيد بالديار المصرية الصاحب برهان الدين الخضر بن الحسن الزراري السنجاري بحكم وفاة الصاحب بهاء الدين رحمه الله بمقتضى تقليد سلطاني ورد عليه من دمشق. ومولد برهان الدين في سنة أربع عشرة وست مائة في جبال بلد إربل
رحمه الله.
وفي الشهر المذكور قلد وزارة الشام الصاحب فتح الدين عبد الله بن القيسراني وبسط يده وأمر القضاة وغيرهم بالركوب معه أول مباشرته.
وفي العشر الآخر من الشهر المذكور جهّز الملك السعيد العساكر إلى بلاد سيس للنهب والإغارة، ومقدمهم الأمير سيف الدين قلاوون الألفي. وأقام الملك السعيد بدمشق في نفر يسير من الأمراء والخواص، وكان في مدة غيبة العسكر يكثر التردد إلى الزيبقية من قرى المرج يقيم بها أياماً ويعود.
وفي يوم الثلاثاء سادس وعشرين منه جلس الملك السعيد بدار العدل داخل باب النصر بدمشق، وأسقط في المجلس المذكور عن أهل دمشق ما كان قرره والده الملك الظاهر عليهم في كل سنة قطيعة على البساتين بجميع الغوطة، فسر الناس بذلك، وتضاعفت أدعيتهم له ومحبتهم فيه، كأن ذلك كان أجحف بأرباب الأموال والأملاك بحيث ود كثير منهم لو أخذ ملكه وأعفى من الطلب، فبادر الملك السعيد رحمه الله إلى اغتنام هذه الحسبة، وحاز أجرها وشكرها وبرّ وضجع والده وتعفيه أثرها.
وفيها:
؟ توفي إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج بن عبد الله أبو العباس زين الدين الحنفي المعروف بابن السديد أمام مقصورة الحنفية شمالي جامع دمشق وناظر
وقفها.
كان رجلاً جيداً كثير الخير، عنده ديانة ومروءة ومكارم أخلاق وعدالة. وكانت وفاته يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الأولى في بستاني بالمزة، ودفن بسفح قاسيون، وقد نيف على خمس وستين سنة وهو حمو الحاج أحمد المصري النحوي المقدم ذكره رحمه الله تعالى.
آقسنقربن عبد الله الأمير شمس الدين الفارقاني.
كان قديماً مملوك الأمير نجم الدين أمير حاجب الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد بن خليل رحمه الله. ثم انتقل بعد مدة إلى الملك الظاهر، وتقدم عنده وجعله أستاد دار الكبير، فإن الملك الظاهر كان له عدة أستاد دراية، لكن لم يكن فيهم عنده أكبر من المذكور. وكان أكثر الاعتماد عليه والوثوق به يستنيبه في غيبته، ويقدمه على عساكره، ولم يزل عنده في أعلى المراتب إلى أن توفي الملك الظاهر، وهو على ذلك الحال. ثم إن الملك السعيد رحمه الله بعد وفاة الأمير بدر الدين الخزندار رحمه الله جعله نائب السلطنة في سائر الممالك على ما كان عليه الخزندار، فلم ترض حاشية الملك السعيد وخاصكيته ذلك، فوثبوا عليه وأمسكوه واعتقلوه، ولم يسع الملك السعيد إلا موافقتهم على قصدهم، وكان مسكه في السنة الخالية كما تقدم شرحه، فقيل أنه قتل عقيب مسكه، وقيل أن وفاته تأخرت إلى هذه السنة، وأنه مات حتف أنفه في مجلسه بقلعة الجبل من الديار المصرية رحمه الله وعمل عزاؤه تحت النسر بدمشق بجامعها في يوم الخميس ثالث جمادى الأولى من هذه السنة وهو في عشر الخمسين. كان وسيماً جسيماً شجاعاً مقداماً كريماً، كثير البر والصدقة، خبيراً بالتصرف حسن التدبير، عليه مهابة شديدة
مع لين كلمة، وهو الذي توجع إلى الديار المصرية مبشراً بكسرة كتبغانوين والتتر على عين جالوت في شهور سنة ست وخمسين وست مائة.
حكى لي أن سبب ترقيه عند الملك الظاهر رحمه الله أنه سير عشرة هو مقدمهم لكشف بلاد الجزيرة وتلك النواحي. فلما شارفوا الفرات وجدوها زائدة جداً لا يمكن عبورها، فرجعوا إلا هو، امتنع من الرجوع وقال لهم: قد ندبني السلطان في مهم فإما قمت به أو مت دونه. ثم جعل ثيابه وعدته مشدودة وحملها على رأسه وسبح بفرسه حتى قطع الفرات وحده، وكشف الجزيرة وظفر بجاسوس معه كتب فأخذها منه، واجتمع بقوم هناك عيون للمسلمين، واستعلم منهم الأخبار وعاد بعد إقامته هناك أياماً، وخاض الفرات ثانياً كما خاضها أولاً. ورجع إلى الملك الظاهر فأخبره بالخبر فعظم محله عنده، وارتفعت منزلته لديه، وكان أمير عشرة؛ فاتفق في الحال الراهنة وفاة أمير بطبلخاناة بالديار المصرية، وأخبر الملك الظاهر بوفاته والفارقاني بين يديه يحدثه فأعطاه خبزه، وظهرت منه الكفاية، فضاعف الإحسان إليه وزيادته وترقيه إلى أن بلغ أعلى المراتب.
أقطون بن عبد الله الأمير علاء الدين المهمندار أحد أمراء الشام.
كان شاباً حسناً، عنده شجاعة ومعرفة وديانة. توفي بدمشق ليلة الأحد ثامن شعبان، ودفن من الغد بسفح قاسيون، وقد نيف على أربعين سنة. ولما حضرته الوفاة ادعى بثلث ماله تصرف في وجوه البر حيثما يراه
الوصي، وكان من غلمان نجم الدين أمير حاجب الملك الناصر - رحمه الله تعالى.
آقوش بن عبد الله أبو سعيد جمال الدين النجيبي الأمير الكبير. هو من عتقاء الملك الصالح نجم الدين أيوب وذوي المكانة عنده، أمّره وجعله أستاد داره وكان معتمداً عليه ويثق به ويسكن إليه. مولده سنة تسع أو عشر وست مائة وجعله الملك الظاهر أستاد داره في أول الدولة، ثم جعله نائب السلطنة عنه بالشام مدة تسع سنين وعزل عن ذلك قبل وفاته بسبع سنين وانتقل إلى القاهرة، وأقام بداره بطالاً إلى حين وفاته، وحرمته في الدولة كبيرة ومكانته عالية. ولما تمرض عاده الملك السعيد، وتوفي ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر بالقاهرة المعزية بداره بدرب ملوخيا، ودفن يوم الجمعة قبل الصلاة بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى؛ وكان لحقه فالج قبل موته بأربع سنين، واستمر به ثم عرض له قبل وفاته بأحد عشر يوماً احتباس الاذاقة. وكان كثير الصدقة، محباً في العلماء والفقراء، حسن الاعتقاد، شافعي المذهب، متغالياً في السنة وحب الصحابة رضي الله عنهم؛ وعنده تحامل كثير على الشيعة لا يملك نفسه في ذلك. وأوقف أوقافاَ منها بمدرسته التي بدمشق جوار مدرسة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله. وبنى بها تربة حسنة، وفتح لها شباكين إلى الطريق، ولم يقدر دفنه بها. ووقف خانكاة ظاهر دمشق بالشرف القبلي غربي خانكاة المجاهد إبراهيم رحمه الله. ووقف خانا ومداراً للسبيل على طريق الجسورة، ووقف على ذلك أوقافاً صالحة، وجعل النظر في ذلك لقاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان -
رحمه الله. وكان من أعيان الأمراء وكبرائهم، وذوي الرأي والخبرة والمعرفة والدراية، متقدماً في الدول رحمه الله.
ايدكين بن عبد الله علاء الدين الشهابي. أحد امراء دمشق الأعيان، مشهوراً بالشجاعة، تولى نيابة السلطنة بحلب وشدّ دواواينها مدة أخرى. وكان عنده معرفة وخبرة، ومحبة للفقراء وحسن ظن بهم وإحسان إليهم. فتوفي بدمشق ليلة الاثنين خامس عشر ربيع الأول، ودفن من الغد بسفح قاسيون بتربة الشيخ عثمان الرومي رحمه الله وهو في عشر الخمسين رحمه الله. ووقف حديقته داخل باب الفرج بدمشق ففتحت، ورتب بها الصوفية وفتح بها شباكاً مطلاً على الطريق، وعمل عليه نصيبة مكتوب عليها اسم الواقف رحمه الله وتاريخه. والشهابي نسبة إلى الطواشي شهاب الدين الرشيد الكبير الصالحي النجمي رحمه الله.
بلبان بن عبد الله الأمير سيف الدين الزيني الصالحي النجمي، أحد أمراء دمشق العيان. كان في أول دولة الترك بالديار المصرية مقدم البحرية، ثم حبس مدة سنين، وأفرج عنه وأعطى أمرية بدمشق فأقام بها إلى أن توفي ليلة الثلاثاء تاسع شهر رمضان المعظم بجبل الصالحية، ودفن من الغد بالقرب من تربة الملك المعظم رحمه الله. وكان عنده نهضة وكفاية وشجاعة. والشهابي نسبة إلى الأمير شهاب الدين أحمد أمير خزندار الملك الصالح نجم الدين أيوب.
سليمان بن أبي العز أبو الربيع صدر الدين الحنفي شيخ المذهب. كان إماماً عالماً عارفاً بمذهبه متبحراً فيه، وعنده فضائل أخر. درّس مدة بدمشق، وأفتى واشتغل، وقرأ عليه جماعة وانتفعوا به. ثم استوطن الديار المصرية ودرّس بالمدرسة الصالحية بين القصرين بالقاهرة للطائفة الحنفية، وتولى الحكم بمصر واعمالها مدة سنين. ثم انتقل إلى الشام قبل وفاته بيسير، وفارق الديار المصرية. فلما توفي قاضي القضاء مجد الدين عبد الرحمن بن العديم رحمه الله قلد القضاء بالشام على مذهبه في عاشر جمادى الأولى فلم يستكمل فيه ثلاثة شهور. وأدركته منيّته في سادس شعبان بدمشق ليلة الجمعة ودفن من الغد بعد صلاة الجمعة بداره بسفح قاسيون، وبلغ ثلاثاً وثمانين سنة رحمه الله. كان الملك المعظم بن الملك العادل - رحمهما الله - قد زوّج مملوكه بجاريته، وكلاهما جميل الصورة، فعمل الشيخ صدر الدين يقول:
يا صاحباي قفا لي فانظرا عجباً
…
أتى به الدهر فينا من عجائبه
البدر أصبح فوق الشمس منزله
…
وما العلو عليها من مراتبه
أضحى يماثلها حسناً وصار لها
…
كفواً وصار إليها في مواكبه
فاشكل الفرق لولا وشي يمنته
…
بصدغه واخضرار فوق شاربه
وله نظم غير هذا. وسمع وحدث وصنف ولم يخلف بعده في مذهبه مثله فيما علمنا - رحمه الله تعالى.
سنجر بن عبد الله الأمير علم الدين التركستاني. كان من أعيان الأمراء بالشام وأماثلهم. له حرمة وافرة، وعنده شجاعة وإقدام وتجمل في امريته.
توفي بدمشق يوم الثلاثاء ثامن جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون وقد نيف على خمسين سنة من العمر - رحمه الله تعالى - وهو أخو الأمير عز الدين ايبك الاسكندري المقدم ذكره - رحمه - لأبويه، وأخوه كندغدي الحسامي الجوكنداري لأبيه - والله أعلم.
طه بن إبراهيم بن أبي بكر بن أحمد بن بختيار جمال الدين الهذباني الاربلي. كان عنده فضيلة وأدب، ورئاسة وتوصل وحسن مداخلة. وله يد في النظم، وتحيل في الذهوب. توفي بالشارع من ضواحي القاهرة يوم الثلاثاء ثالث وعشرين جمادى الأولى. ومولده باربل سنة أربع وتسعين وخمس مائة - رحمه الله تعالى. أنشد الملك الصالح وقد تحدثا في أحكام النجوم والعمل بها لنفسه، فقال:
دع النجوم لطرقي يعيش بها
…
وبالعزيمة فانهض أيها الملك
ان النبي وأصحاب النبي نهوا
…
عن النجوم وقد أبصرت ما ملكوا
وكتب إلى بعض أصحابه - وكان يلقب بالشمس - وقد انقطع عن زيارته في رمد حصل له:
يقول لي الكحال عينك قد هدت
…
فلا تشغلن قلباً عليها وطب نفسا
ولي مدة يا شمس لم أر كم بها
…
وايّة برأي العين أن ينظر الشمسا
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
البيض أقبل في الحشا
…
وبهجتني منها الحسان
والسمر ان قتلت فمن
…
بيض يصاغ لها لسان
وقال في زير اربل:
مولاي دعوة بائس عن عيلة
…
لطفان بالاطلاق نار غياله
قعد الزمان به فقام يحمله
…
نحو ابن موهوب عزى آماله
اي رب ابقى في المنازل واستجب
…
مني دعائي يا نبي وآله
أولاني الأفراح أي صنيعة
…
أولى واردفها بخالص ماله
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
ألا قف بالأجيرع والكثيب
…
ونادي نحوه هل من مجيب
وحتى أهيلة عن مستهام
…
أسير موثق صبّ كثيب
لعل الله يرجع لي زماناً
…
قضيناه على رغم الرقيب
لممشوق القوام إذ تثنى
…
رجعت عن المديح إلى النسيب
سقاني الراح من يده وفيه
…
فكان لي الأمان من المشيب
يغيب عن النواظر خوف واش
…
ويبرز في سويداء القلوب
له مني المصرّع والمقفّى
…
ولي منه معالجة الكروب
وأخشاه ولا الأسد الضواري
…
فيا لله من رشأ قريب
وأهون من صوارم مقلتيه
…
ملاقاة الكتائب والحروب
أسائل عن سواه وهو قصدي
…
ولا يخفى مسائلة المريب
دعا لي بالتسلي عنه قومي
…
فلا تك يا إله بمستجيب
فقد أنست فيه وفي زماني
…
بجيش الملك من فرج قريب
وما
…
لست فيه
…
أعالج للردى داع النقيب
يجاءك من بلد خبيث
…
فلست تطيب إلا للغريب
إربل! لا سقاك الله غيثاً
…
فقد أفقرت من رجل لبيب
أرى العزاء قد ملئت لياماً
…
وقد ضاقت على الشيخ الوهوب
فما في ماليكها من معين
…
على صرف الزمان ولا الخطوب
ولا في قاطنيها أريحيى
…
ولا في ساكنيها من طروب
ألا اجرى الإله بليد سوء
…
تحكم فيه عبّاد الصليب
وحضر ليلة في جماعة عند الصاحب شرف الدين المبارك بن المستوفى في دكة بستان داره، فجاء الغيث فقام الصاحب مسرعاً، والجماعة معه فدخلوا الدار، فعمل طه على البديهة يقول:
دخول لاقبال الشتاء مبارك
…
عليك ابن موهوب إلى آخر الدهر
ففر من القطر المسلم عشية
…
فلم نر بحراً قط فرّ من القطر
ظافر بن مضر بن ظافر بن هلال أبو منصور جمال الدين الحموي الأصل، المصري الدار، الشافعي الفقيه، وكيل بيت المال بالديار المصرية. مولده
بمصر في ثامن صفر سنة إحدى وست مائة، توفي بها في سابع عشر ذي القعدة من هذه السنة ودفن بسفح المقطم. روى عن ابن باقا وغيره، وله نثر ونظم ورئاسة، ولا يقدر على إمساك الريح ففشوا حاله في ذلك في مجالس الملوك وغيرها لعلمهم بعذره - رحمه الله تعالى. وكان له مكانة عند الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله بحيث كتب في وصيته التي عهد بها إلى غلمانه وولده إقراره على وكالة بيت المال، فلم يزل عليها إلى أن توفي - رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الحسن بن عبد الله أبو الحسن بن عثمان جمال الدين ابن الشيخ نجم الدين البادرائي. درس بمدرسة والده رحمه الله بدمشق إلى حين وفاته. وكان حسن الأخلاق، كريم الشمائل توفي إلى رحمة الله تعالى بدمشق يوم الأربعاء سادس شهر رجب، ودفن من يومه بسفح قاسيون، وقد نيف على خمسين سنة من العمر رحمه الله.
عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير أبو المجد مجد الدين العقيلي الحلبي الحنفي، قاضي القضاة. كان فاضلاً إماماً عالماً عابداً ورعاً، كثير الديانة والورع، من صدور الاسلام، تام الرئاسة حسن المعاملة للناس، ليّن الجانب، كثير الأدب والسكون والحشمة، ذو عقل وافر ودين متين وبرّ كثير وإحسان شامل؛ وله عقيدة جميلة في الفقراء والصالحين. ووالده الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد ابن العديم؛ -
رحمه الله - قد تقدم ذكره. وبيته مشهور بالتقدم والرئاسة والفضيلة والعلم رحمه الله. وقد تقدم ذكره بسماع العلم والحديث، سمع من جماعة من المشايخ وحدث ودرّس وأفتى، وولي الخطابة بجامع القاهرة الكبير، وهو أول حنفي ولي ذلك. ثم انتقل إلى الشام وولي قضاء القضاة على مذهبه، ولم يزل مستمراً فيه مع تدريس عدة بدمشق إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ورضوانه بحوسقه الذي على الشرف القبلي ظاهر دمشق في يوم الثلاثاء سادس عشر ربيع الآخر، ودفن عصر النهار المذكور في تربة أنشأها قبالة الجوسق رحمه الله المشار إليه. ومولده مستهل جمادى الأولى سنة أربع عشرة وست مائة بحلب رحمه الله.
وأسمعه والده صغيراً وكبيراً في كثير من البلاد الاسلامية على مشايخ وقته، فمنهم: أبو العباس أحمد بن تميم بن هشام بن جنون اللبلي الاندلسي، أحضره والده للسماع عليه بحلب سنة سبع عشرة وست مائة، وسمع من أحمد بن الخضر بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن علي بن طاوس الخضر بن موسى بن عباس بن طاوس البغدادي في رابع شوال سنة ثلاث وعشرين وست مائة بدمشق؛ ومن أبي العباس أحمد بن علي بن محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن الميمون القسطلاني الفقيه الزاهد تجاه الكعبة المعظمة في منتصف ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وست مائة؛ ومن أبي العباس أحمد بن محمد بن بختيار المعروف بابن المندائي تجاه الكعبة المعظمة - زادها الله
تعالى شرفاً وتعظيماً - في سابع عشر ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وست مائة؛ وربما سمع منه مسنده إلى أحمد بن أبي الحواري. قال: تمنيت أن أرى أبا سليمان الداراني في المنام. فرأيته بعد سنة، فقلت ما تعلم ما فعل الله بك؟ قال: يا أحمد! جئت من باب الصغير فرأيت وسق شيح فأخذت منه عوداً ما اوري تخللت به وأوريت به، فأنا في حسابه من سنة إلى هذه الغاية.
وسمع من أبي الفضل أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن الحسين بن عبد الله بن الجباب في العشر الثاني من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وست مائة بمكة - شرفها الله تعالى - تجاه الكعبة المعظمة وداخلها؛ ومن ابن العباس أحمد بن محمد بن محمود بن أحمد بن علي الحمودي في سادس شوال سنة ثلاث وعشرين وست مائة بجامع دمشق؛ ومن أبي المعالي أحمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى بن بندار بن ممسك الشيرازي في عاشر صفر سنة أربع وعشرين وست مائة بدمشق؛ ومن أبي العباس أحمد بن نصر بن أبي القاسم العميرة الازجي ببغداد؛ ومن الملك المحسن أبي العباس أحمد بن نصر بن أبي القاسم بن يوسف بن أيوب بن شاذي بحلب، ومن أبي إسحاق إبراهيم بن طاهر الخشوعي بحلب في رابع شوال سنة ثلاث وعشرين وست مائة بدمشق؛ ومن أبي إسحاق إبراهيم بن خليل بن عبد الله
الدمشقي بحلب، ومن أبي إسحاق إبراهيم بن ربيع بن ريحان بن غالب الديري الضرير في سلخ جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وست مائة بحلب، وما حدثه به مشافهة.
قال: كنت بماردين في سنة سبع وستين وخمس مائة. فقيل لي: ان الرجل الحطاب الذي اختطف قد جاء، فمضيت إليه مع جماعة وسألناه عن اختطافه، فأخبر أنه كان في البستان يحتطب فوجد حية على شجرة فقتلها، قال: فاختطفت من وقتي وغاب رشدي عني، ولم أعلم بنفسي إلا وأنا بين قوم لا أعرفهم في أرض لا أعرفها، فرأيت شخصاً وقد أتى إلي، وأخذ بيدي وسحبني إلى بين يدي شخص شيخ جالس على تخت عال، فقال له: يا سيدي! هذا قتل أخي، فقال لي ذلك الشيخ: أقتلت أخاه؟ فقلت: لا، فكرر عليّ القول، وأنا أنكر، وقلت له في آخر الكلام: ما قتلت إلا حية. فقال ذلك الشخص: فذاك هو أخي. فقال: خلّ عنه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من تزايا في غير صورته فقتل فلا دية عليه ولا قود ". قال: فأخذني شخص آخر وأجلسني في مكان، وكان يتردد إليّ في كل يوم ويجيئني بشيء آكله في هذه المدة، ثم أتى إليّ الشخص الذي كان يأتيني بالطعام، وقال: أتريد أن تمضي إلى أهلك؟ فقلت: نعم؛ فأخذ بيدي وأتى بي إلى بين يدي ذلك الشيخ، فقال لي الشيخ: أتريد أن تمضي إلى أهلك؟ فقلت: نعم، فقال: اذهبوا به إلى الموضع الذي أخذ منه. قال: فأخذ بيدي ذلك الشخص الذي كان يأتيني بالطعام لينصرف بي، فوقفت
وقلت: يا سيدي! سمعتك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات من زمان طويل، فقال: نعم، كنت مع الجن الذين كانوا في ليلة نصيبين فسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" من تزايا في غير صورته فقتل فلا دية ولا قود ". قال: ولم يبق معي من الذين كانوا ليلة الجن غيري وأنا أحكم بين الجن.
وسمع من أبي إسحاق إبراهيم بن شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر المعرى بدمشق، ومن أبي إسحاق إبراهيم بن محمود بن سالم بن مهدي البغدادي بقراءة والده بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبمسجده الشريف سنة أربع وعشرين وست مائة، ومن خلق لا يحصون كثرة بالبلاد الاسلامية. وكان أوحد عصره في العلم والرئاسة، وسعة الصدر والاقبال على أهل الخير وتقريبهم، وكان كثير الصيانة وعديم التبذل إلى أرباب الدنيا، وهم على أبوابه. وكان مجموع الفضائل يعرف الفقه والأصول والعربية واللغة والحديث والأدب والشعر. وكان كثير التهجد وقيام الليل، وله الأوراد الشاقة سفراً وحضراً حتى إنه كان له ورد يقومه من المغرب إلى العشاء الآخرة. فاتفق أنه سافر إلى بغداد وعبر في الطريق على واد مخيف، فنزل عن فرسه وقت أذان المغرب، وشرع يصلي ويأتي بورده وسائر من معه خائفون وهو متوكل آمن.
وكانت له أحوال عجيبة، منها أن الملك الظاهر لما توجه إلى الروم
توجه صحبته مجد الدين وأخوه جمال الدين، فاتفق إنهم في الطريق قلّ عليهم الزاد وحصل لهم جوع فسيروا بعض الغلمان بدراهم ليشتروا ما وجدوا في تلك القرية التي نزلوا بقربها شيء فوجدوا أبواب القرية مغلقة فدقوا بعض الأبواب فلم يجبهم أحد، فتسوروا الجدار ونزلوا إلى الدار فأخذوه وأعطوا ربتها دراهم كثيرة، فامتنعت من أخذها فوضعوها عندها وأخذوا البيض. فلما قدموا وعملوه وفرشوا السفرة وأحضروا ذلك البيض تقدم مجد الدين للأكل ومد يده إلى البيض، فلم يستطع الوصول إليه فقال لأخيه: يا أخي! هذا البيض حرام، فقال: اماله أنت، الدراهم وقد أرسلتها معهم، فمد يده ثانياً فلم يستطع فقال: هذا ما آكل منه، هذا حرام. فطلب أخوه الغلمان وألحّ عليهم في أمر شرى ذلك، فأخبروه أنهم اخذوه غصباً، ورموا لها الدراهم، ولم تأذن لهم في أخذ البيض، فتعجب من حضر من ذلك.
وكان له قدم صدق في الطاعات والقرب لا يضيع شيئاً من أوقاته إلا في العبادة مثل أشغال أو اشتغال أو تهجد أو تلاوة أو مطالعة أو جلب نفع إلى من يقصده، أو دفع ظلم عن مظلوم وإغاثة ملهوف، أجمع من يعرفه على علمه ودينه وفضيلته - رحمه الله تعالى. وكان مع هذه الفضائل له يد في النظم والنثر. فمن ذلك ما كتبه في وداع الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله:
أقول لصحبي حين ساروا ترفقوا
…
لعلي أرى من بالجناب الممنّع
وآلثم أرضاً ينبت العز تربها
…
وأسقي ثراها من سحائب أدمعي
وينظر طرفي أين أترك مهجتي
…
قد أقسمت أن لا تسير غداً معي
وما انا إن خلفتها متأسفاً
…
عليها وقد حلّت بأكرم موضعي
ولكن أخاف العمر في البين ينقضي
…
على ما أرى والشمل غير مجمعي
يميناً بمن ودعته ومدامعي
…
تفيض وقلبي للفراق مودعي
لئن عاد لي يوماً بمنعرج اللوى
…
وأصبح سرى فيه غير مروعي
غفرت ذنوباً أسلفتها يد النوى
…
ولم أشك من جور الزمان المضيع
وسرت أمالي بيوم لقائنا
…
ومتّعت طرفي بالحبيب ومسمعي
وفارقت أياماً تولّت ذميمة
…
وقلت لأيام السرور ألا ارجعي
وله، وقد سير له الملك الناصر صلاح الدين يوسف رحمه الله فرجية ويسأل عن حاله فكتب إليه مع الرسول:
أقول لدمعي حين ساروا بمهجتي
…
لقد خفت أن تبيض عيني الآقف
فقالت جفوني لا تجف فيض عبرتي
…
فبشراك قد أوفى قميص ليوسف
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
يا كاتباً قبّلت ماخطّه
…
إذ بعدت يد الكاتب
وغائباً في خاطري حاضر
…
وغائباً أفديه من غائب
قد سرت يا مولاي في خجلة
…
لأنني قصرت في الواجب
وإنما أذنبت كيما أرى
…
فضلك في العفو عن التائب
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
أحن إلى قلب ومن فيه نازل
…
ومن أجل من فيها تحب المنازل
وأشتاق لمع البرق من نحو أرضكم
…
ففي البرق من تلك الثغور رسائل
يريحني مرّ النسيم لأنه
…
بأعطاف ذاك الرند والبان سائل
وإن مال بان الدوح ملت صبابة
…
فبين غصون البان منكم شمائل
ولي أرب أن يترك الركب بالحمى
…
لسيال دمعي وهو للركب سابل
وفي أنه لا ينقضي او أراكم
…
وأنظر نجداً وهو بالحيّ آهل
ترى هل أراكم أو أرى من يراكم
…
فأبلغ منكم بعض ما انا آمل
وأحظى بقرب الطيف منكم وإنه
…
ليقنعني من وصلكم وهو باطل
أطالب جفني بالمنام وكم غدا
…
مواعدني أن يلتقي وهو ماطل
يطيلون تعذيبي بكم وأطيله
…
وما لي منكم بعد ذلك طائل
كتب إلى خاله عون الدين يروي لنا حديث المعالي عن عطاء ونافع:
أمولاي عون الدين يروى لنا
…
حديث المعالي عن عطاء ونافع
بعيشك حدثني حديث ابن مالك
…
فأنت له يا مالكي خير شافع
كتب لسعد الدين محمد بن عربي وقد عزموا على الخروج بملتقى والده الصاحب كمال الدين، وقد عاد من الموصل سنة ثلاث وخمسين وست مائة، كان مقيماً برفيق يعرف بنجم الدين بن أبي الطيب:
النجم مصاحبي قوى العزم
…
ما عندي ما يركبه العدم
والعبد يرجى إن آتى صحبتنا
…
إذ يسرع أدبر يا بشير النجم
فسيّر إليه بغلته وكتب إليه:
البغلة قد أضحت بحسن النظم
…
سمعاً وانت مطيعه للرسم
بشراي إذا يصحبه النجم لنا
…
فالسعد مقارن لهذا النجم
وكتب القاضي مجد الدين إلى سعد الدين المذكور، وقد لاذ بابن المولى الكاتب للإنشاء في شغل له:
عجباً من صرف دهر فاعل ليس أولى
…
جاهتي لاذ منه عزى بابن مولى
فأجابه سعد الدين:
لم ألذ بابن مولى إنما لذت بمولى
…
فهو مجد الدين ذو الفضل الذي أخجل طولا
وكتب القاضي مجد الدين إلى بدر الدين عبد الواحد وهو غائب عن والده كمال الدين وكان خاله - رحمهم الله تعالى:
يا راقياً رتبة المعالي
…
وجائزاً أشرف الخلال
حاشاك أن تلبي احتيالاً
…
ترهب قدراً عن احتيالي
وأشكر لدهر حباك حالاً
…
أنت به في الزمان خالي
من حاز حسناً بغير خال
…
لم يك في غاية الجمال
فعد إلى كرم السخايا
…
فبهجة البدر بالكمال
وله رحمه الله في غلام يلعب بالكرة:
لله ما احلى شمائل أغيد
…
أجرى الدموع له عذار واقف
وكانما الكرة التي يسطو بها
…
قلب لديه من جفاه واجف
وكأنما إنسان عين محبة
…
وكأنما الجو كان برق خاطف
وقال رحمه الله وكتبها إلى الملك الناصر وقد حضر إليه في السماع فأصبح مجموعاً:
ومن بات يمرح في روضة
…
فلم لا يحاكي غليل النسيم
وقال رحمه الله وقد عشق الصدر البصري خيالته:
فلا تلم الصدر في عشقه
…
فإن الملام بلا فائده
ومن ذي يرجى صلاح أمر
…
غدا ذا مخيلة فاسده
وقال - رحمه الله تعالى:
مذ غدا الكهف له من يوسف
…
صار بالنصر عزيزاً في الورى
قال بالإخلاص منه جنة
…
وسقاها من يديه الكوثرا
بارك الله فيها دوحة
…
لا يرى الطير فيها زمرا
فصلت للنور فيها قصص
…
ما سمعنا مثلها للشعرا
وله، وكتب بها إلى خاله عون الدين وقد مات أخوه قطب الدين حسن رحمه الله:
رحى الموت غدت بالقطب دائرة
…
والصبر من بعده قد عز إلماما
فقلت للنفس ماهذا الغرور أما
…
علمت حقاً بأن الكون أحلاما
ولست انسى لخال كان لي حسن
…
فإن لي الآن خالاً جمّل الشاما
وكتب إليه نور الدين الاسعردي:
أمولاي مجد الدين شوقي زائد
…
وفرط غرامي فيكم غير زائل
بحقكم ردّوا فؤادي فإنه
…
يقدمكم يوم النوى بمراحل
فأجابه قاضي القضاة مجد الدين رحمه الله فقال:
فديتك نور الدين أتعبت خاطري
…
وظل ينادي في جميع المنازل
وينشد قلباً منك أصبح شارداً
…
ومنى وأضحى هائماً في المراحل
ويا ليت شعري لم يقدم سائراً
…
وهلا غدا في كل أرض بنازل
فأجابه نور الدين الاسعردي:
أيا ما جداً عمّ الورى بالفواضل
…
وفاقهم في سودد وفضائل
ويا شاكياً من أين رحت ممتعاً
…
له خاطراً حاشاه من كل باطل
لئن راح قلبي سابقاً فهواكم
…
له سائق أو سابق غير غافل
غدا طائراً لما دخلت مبشراً
…
أمامك من يلقى بأكرم واصل
ويوم النوى أبدى عليّ تعصباً
…
لبعدي عن نادي العلا والفضائل
فعزّ لي الربع الذي تسكنونه
…
مخافة أن يشكى إلى غير عادل
ومن خوفه من أن يصادف عائقاً
…
يقدمكم يوم النوى بمراحل
وبعد جعلني فيك قلب مولّه
…
يهم ولا يصغى إلى قول عاذل
على انه لما غدا من خيالكم
…
تقدم إذ بنتموا بمنازل
فراجعه قاضي القضاة مجد الدين جواباً عن جوابه:
يميناً لقد أهديت نور نواظري
…
وأعربت عن شوق تحن حمائري
وأعربت في فضل صفا لك وده
…
واعربت بالوجد المبرح خاطري
أيا حبذا در يروق نظامه
…
أتاني عن بحر من الفضل زاخر
لله روضه قد علا الطرف بهجة
…
سقى من سحاب من بنانك ماطر
ومالك من زهر تضوّع نشره
…
يبشر قبول من بنانك عاطر
معانيه راح والسطور تساكر
…
فإن رحت سكراناً فكن فيه عاذري
شموس معان بالمداد تبرقعت
…
مخافة أن يغشى عيون النواظر
سرى في ظلام النفس طيف حديثكم
…
فيا لك من طيف لعيني وناظري
رأى الطرس قفراً والسطور رواحلا
…
فوافى إلى صبّ لبعدك ساهر
وكتب قاضي القضاة مجد الدين إلى النور الاسعردي صحبة فاكهة:
أيها النور الذي يجلو الغسق
…
وجهك هذا قمر إذا اتسق
عيناك تدنو دنو من وفق
…
نحو غلام وكتاب وطبق
وإن تشأ فاقرأ أوائل الفلق
فأجابه النور الأسعردي المذكور:
يا ماجداً إلى يدي الفضل سبق
…
ومن سما نحو المعالي وسبق
يا حبذا منك كتاب وطبق
…
وحبذا الغلام لو كان يقق
وقال قاضي القضاة مجد الدين رحمه الله: رأيت في النوم ليلة الخميس تاسع جمادى الآخرة سنة تسع وستين وستمائة كاني قاصد الدخول إلى بلدة صغيرة، فقيل لي: إن نجم الدين محمد بن إسرائيل قد صار كاتباً عند الوالي بها، فعملت في النوم ارتجالاً:
إلى كم ذا تغررك الليالي
…
وتبدي منك حالاً بعد حال
فطوراً شيخ زاوية وفقر
…
وطوراً كاتب في باب وال
وقال: ثم استيقظت وانا احفظها. وممن رثاه العالم الفاضل شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي كاتب الدرج بقوله:
أقم يا ساري الخطب الدميم
…
فقد أدركت مجد بني العديم
هدمت وكنت تقصر عنه بيتاً
…
له شرف يطول على النجوم
قصدت ذوي الكمال فعاجلتهم
…
بذاك يحلى عقدهم النظيم
وإن تكنّف بابهم الرزايا
…
حللت من المعالي في الصميم
أتدري من أصبت وكيف أمست
…
بل العلياء دائمة الكلوم
وكيف رفعت قدر الجهل لما
…
حفظت منار أعلام العلوم
ومكنت الصغار من الأيامى
…
وسلطت الشفاء على اليتيم
ولم ينزل بوفد الرفد أندى
…
سطاك سوى البكاء على الرسوم
عبرت وقد ضللت بطود علم
…
أما تمشي على السنن القويم
بمن أودى بصرف الدهر قرماً
…
فثار عليه للثأر القديم
بمن بسط الندى فأفاض عدلاً
…
يكف الليث عن ظلم الظليم
صحيح الزهد غادره تقاه
…
وخوف الله كالنضو السقيم
فكم قد بات وهو من الخطايا
…
سليم النفس في ليل السليم
وكم أورى هداه لمستضيء
…
وكم أورى هداه على هشيم
مضى وسراج منزلة البرايا
…
ومورد بيته قلب القيوم
وودّع والثناء على علاه
…
يفوق مضاعف البيت العميم
وساد وكان للفضلاء منه
…
حنوّ المرضعات على الفطيم
وغاب فاسمع الاسماع لفظاً
…
أرقّ من المدامة لنديم
أمجد الدين دعوة مستنيم
…
لأنواع الكآبة مستديم
حللت من الجنان أجلّ دار
…
وقلبي حلّ بعدك في الجحيم
فما لي غير حزني من صديق
…
وما لي غير دمعي من حميم
إذا ما سام نوى الأنس طرفي
…
ليمطرني همامي بالهموم
سقاك من الجنان رحيق لطف
…
يدار عليك مفضوض الختوم
ولا برحت ركاب المزن تسري
…
إلىمثواك مطلقة الرسيم
وقال أيضاً يرثيه:
رقاد أبى إلا مفارقة الجفن
…
وقلبي نأى إلا عن الوجد والحزن
أبيت وراحي أدمعي وكآبتي
…
لدوستي وحزني مؤنسي والأسى حزني
وأضحى وطرفي يحسد العمى إذ يرى
…
حمى المجد يغشاه الخطوب بلا إذن
ألا في سبيل المجد مجد وادقع
…
وهبتهما للبرق إن كل والمزن
لأنهما سنا الحدود وأقبلا
…
يزوران في سود الملابس والدكن
ثوى المجد في حزن من الأرض فاعتدت
…
تتيه على سهل الربى روضة الحزن
واسمع ناعيه أصم ضريحه
…
فأضحى لما لاقى من الرعب كالعهن
سطا فقده بعد الكمال على العلا
…
فهدت وأقوى الضعف وهي على وهل
وكان لوفد الجود مغناه كعبة
…
يطوفون فيها من يمينه بالركن
فأضحت وهذا القلب مرمى جمارها
…
وأمست وهذا الطرف مجرى دم البدن
وكان يفوت البرق إن رام شاءه
…
إلى جمع أشتات العلى وهو شنآن
وكانت فتاويه تخال فروعها
…
لتحقيقه يثنى على القطع للبطن
غدت بعده كأس العلوم مريرة
…
وكانت به من قبل أحلى من الأمن
وكأن سماء الدست من بعد شخصه
…
تغشى محياها عيون من الدجن
كأن عروس الفضل عزت قطوفها
…
وطالت وقد غاب المذلل والمدّن
أظن ربوع الدرس حان دروسها
…
وقد غاب عنها حين غاب ومتقن
وأضحت معاني النظم بعد فراقه
…
شوارد لا يأوي من اللفظ في كن
وأمسى صميم العلم إذ ذاك أعزلا
…
يصول عليهالجهل بالرشق والطعن
أبحر الندى طود المعالي وإنه
…
ليغني عن التصريح باسمك من يكنى
حللت بزعمي في الزعام وإنه
…
لمن تحته يبل ومن فوقه يطنى
ووافيت بيتاً كنت حرف حلوله
…
ووحشته ترك الكرى طاوي البطن
وأوحشت من قد أضحت الأرض داره
…
وآنست من قد حل في جنتي عدن
أمرّ على مغناه كي يذهب الأسى
…
لعادته الأولى فيغري ولا يغني
وتنثر عيني لؤلؤاً كان كلما
…
يساقطه من فيه يلقطه اذني
وأحسد عجم الطير فيه لأنها
…
تزيد على إعراب نظمي باللحن
وأقسم إن الفضل مات لموته
…
ويخطر في إذني أخوه فاستثنى
؟ عبد الله بن الحسن بن إسماعيل بن محبوب أبو محمد بهاء الدين البعلبكي.
كان من اعيان البعلبكيين ورؤسائهم وعدولهم، تولى جهات ديوانية، فمنها الحوائج خاناة في الأيام الصالحية والعمادية، ونظرها في الأيام الناصرية الصلاحية، ونظر بعلبك آخر الأيام الناصرية، واستمر إلى اوائل الدولة الظاهرية، وباشر نظر الجامع بدمشق مدة يسيرة، ونظر المارستان النوري - رحمه الله تعالى - بدمشق مدة أخرى، ونظر الأسرى بدمشق إلى حين وفاته، وباشر نظر الديوان للأمير فارس الدين الأتابك رحمه الله بالشام وغير ذلك.
وكان مشهوراً بالأمانة والخبرة ومعرفة صناعة الكتابة، حسن المجالسة؛ وتوفي بدمشق ليلة الجمعة سلخ ذي القعدة أو مستهل ذي الحجة، وصلي عليه بجامع دمشق عقيب صلاة الجمعة، ودفن لمقابر الصوفية، وقد ناهز ثمانين سنة وربما تعداها - رحمه الله تعالى.
؟؟ عبد الله بن الحسين بن علي بن عبد الله أبو عبد الله مجد الدين الكردي الرازي الشافعي. كان فقيهاً فاضلاً كثير الديانة والتعبد، عنده مواددة ولطف ولين جانب وتواضع، درّس بالكلاّسة شمالي جامع دمشق وأمّ بالتربة الظاهرية مدة يسيرة منذ فتحت إلى حين وفاته، وتوفي بدمشق يوم الجمعة سادس عشر ذي الحجة، ودفن من يومه بعد صلاة الجمعة والجنازة عليه بجامع دمشق بماقبر الصوفية وبلغ من العمر ستاً وستين سنة - رحمه الله تعالى.
عبد الله بن عمر بن نصر الله أبو محمد موفق الدين الأنصاري صاحبنا.
كان اديباً فاضلاً مقتدراً على النظم، وله مشاركة في علوم كثيرة، منها الطب والكحل وغير ذلك من الفقه والنحو والأدب، ويعظ وهو حلو النادرة حسن المحاضرة، لا تملّ مجالسته، وعلى ذهنه من التواريخ والحكايات والأشعار وأيام الناس شيء كثير، وكان أقام بالديار المصرية مدة، ثم استوطن بالشام مدة أكثرها ببعلبك ثم عاد إلى الديار المصرية في السنة الخالية واستوطنها، فلم تطل مدته بها حتى ادركته منيته، فتوفي إلى رحمة الله ليلة الجمعة مستهلّ صفر بالقاهرة من غير مرض، بل عرض له قولنج ليلة وفاته، فمات من وقته، وقد نيف على خمسين سنة من العمر رحمه الله. وشعره كثير جداً، ويقع له فيه المعاني الجيدة، وكان يكتب خطاً حسناً، ويترِسّل في مكاتباته، وعنده لطافة كثيرة ورقة حاشية، ودماثة إخلاق، ومدة مقامه ببعلبك لا يكاد ينقطع عني. من شعره:
يذكرني نشر الحمى بهبوبه
…
زماناً عرفنا كل طيب بطيبه
ليال سرقناها من الدهر خلسة
…
وقد امنت عيناي عين رقيبه
فمن لي بذاك العيش لو عاد وانقضى
…
ليسكن قلبي ساعة من وجيبه
إلا ان لي شوقاً إلى ساكن الغضا
…
أعيذ الغضا من حره ولهيبه
أحنّ لذيّال الجناب ومن به
…
يشكرني ذاك الذى من جنوبه
أخا الوجد إن جاوزترمل محجّر
…
وجزت بمأهول الجناب رحيبه
دع العيس تقضي وقفة بربا الحمى
…
ودع محرماً يجري بسفح كثيبه
وقل لغريب الحسن ما فيك رحمة
…
لمفرد حزن في هواك غريبه
متى غرّد الحادي سحيراً على النقا
…
أمال الهوى العذري عطف طروبه
وإن ذكرت للصبّ أيام حاجر
…
هناك تقضي نحبه بنحيبه
وفي الحي نشوان المماثل عاشق
…
محب له شكر بذكر حبيبه
إذا ما سبته في النسيم لطافة
…
ينازعه أشواقه بنسيبه
وقال أيضاً رحمه الله:
أسائل طرفي عن جنابك في الكرى
…
فيخبر سهري أن جفنك راقد
ويحسب وكراً ناظري طائر الكرى
…
وما هو إلا للسهاد مصائد
وقال أيضاً رحمه الله:
هيفاء ما هذا النسيم قوامها
…
إلا وقال الغصن لبنى قد سبى
هي نور عيني لا ترى ولها أرى
…
فهي البعيدة في االمكان الأقرب
وقال - رحمه الله تعالى:
قلبي وطرفي في ديارهم
…
هذا يهيم بها وذا يهمي
رسم الهوى لما وقفت بها
…
للدمع أن يجري على الرسم
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
من سكره منك بقد وريق
…
ماذا له يجدى كؤوس الرحيق
ومن يكن طرفك خمارة قل
…
لي متى من سكرة يستفيق
رق شرابي ونسيم الصبا فالعيش بالساقي عيش رقيق
إذا انقضى سكري وشاهدته
…
حدد لي سكراً بخمر عتيق
مديرها مشمولة من كل
…
شمائل القد القويم الرشيق
راح دع اللاحي على شربها
…
يهوي به الريح مكاناً سحيق
ما العيش إلا أن تراني بها
…
سكران لا أدري أين الطريق
إن قلت سكرى فنازلها
…
هذا دم في الكأس منها أريق
تشابهت والصبح في نورها
…
ففرق الساقي بفرق دقيق
ومرقب ثوب الضحى فانثنى
…
من نزلها يرقى بخيط رقيق
لصاحبي موهت عن خانها
…
فقلت قصدي نحو وادي العقيق
ومذ بدت كأساتها في الدجى
…
غالظها عنها بثأر الفريق
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
يا عائباً ما جرى ذكراه عن جلدي
…
إلا عدمت اشتياقي نحوه جلدي
ولا سرى في الصبا من جنة خبرا
…
إلا تأوهت من وجدي ومن كمدي
ولا عزمت على سلوانه غلطاً
…
إلا وجدت خيالاً منه بالرصد
ولا ما تذكرت أياماً به سلفت
…
إلا وضعت يدي خوفاً على كبدي
يا عائباً أقسمت عيني بطلعته
…
مذ غاب لا نظرت يوماً إلى أحد
ما كان أيامي مقرونة بقربكم
…
والشمل مجتمع والعيش في رغد
ترى تعّود أوقات بكم سلفت
…
هيهات وا أسفى ما فات لم يعد
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
لي عند ساكنة الكثيب ديون
…
أبداً تقاضيها جوى وحنين
من لم يكن في الوصل منها باذلاً
…
للروح منه فإنه مغبون
يا فتية ما فاز منها بالمنى
…
إلا فتى بجمالها مفتون
كيف السبيل إلى المزاروكل من
…
في الحي غير أن عليك أمين
وقال أيضاً:
يا سعد إن لاحت هضاب المنحنى
…
وبدت أثيلات هناك تبين
عرّج على الوادي فإن ظباءه
…
للحسن في حركاتهن سكون
ايه نسيم البان من اخبارهم
…
زدني حديثاً فالحديث شجون
إن ضيعوا عهدي فعهد هواهم
…
بين الجوانح سره مكنون
وحياتهم إن السلوّ فإنه
…
شك وأما حبهم فيقين
وقال أيضاً رحمه الله:
لا غرو إن سلبت بك الألباب
…
وبديع حسنك ما عليه حجاب
يا من يلذ على هواه تهتكي
…
شغفاً ويعذب لي عليه عذاب
حسبي افتخاراً في هواك بأن لي
…
نسباً به تسمو به الأنساب
أحبابنا وكفى عبيد هواكم
…
شرفاً بأنكم له أحباب
يا سعد مل بالعيس حلة منزل
…
أضحى لعزة ساكنيه يهاب
ربع تودّ به الخدود إذا مشت
…
فيه سليمى إنها اعتاب
كم في الخيام أهلذة هالاتها
…
تبدو لعينك برقع ونقاب
وشموس حسن أشرقت انوارها
…
أفلاكهن مضارب وقباب
شنّوا على العشاق غارات الهوى
…
فإذا القلوب لديهم أسلاب
من كل هيفاء القوام إذا انثنت
…
هز الغصون بقدها الإعجاب
تهب الغرام لمهجة في أسرها
…
فجمالها الوهّاب والمنهاب
وغدت تجرّ على الكثيب برودها
…
فإذا العبيرلدى ثراه تراب
رقّ النسيم لطافة فكأنما
…
في طيّه للعاشقين عتاب
وسرى يفوح معطراً وأظنه
…
لرسائل الأشواق فيه جواب
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
إذا لمعت من جانب الحي نارها
…
فلا طالع إلا فيها استعارها
وإن سمعت أذناي نحوي خطابها
…
خلا جملة الأشواق سراّ جهارها
فيسكر صحبي من صغار كؤوسها
…
وأصحو إذا دارت عليّ كبارها
لي المقلة النجلاء كأس مزاجها
…
غرام وما عين الفتور عقارها
وإن سفرت أطرقت صوناً لحسنها
…
وكيف أرى من بالسفور استتارها
فما البدر إلا في سحاب نقابها
…
وما الغصن إلا ما حواه إزارها
سلا عن منى العشاق منها لواحظ
…
تصحح أخبار السقام انكسارها
وميلاً إذا عاينتما بانة اللوى
…
تميل فما غير القلوب ثمارها
علاقة حب من تقادم عهدها
…
يجدد أثواب السقام أذكارها
منازل ليلى العامرية باللوى
…
يخاف نواها حين يدنو مزارها
ليهن المطايا بالأراك منازلا
…
مرابعها الفيحاء فاح عرارها
فعرّس بعيش الشوق يا عيس قد بدا
…
بشيرا بأسفار الصلاح سفارها
ولذ من حمى الوادي بأكرم حلة
…
يباح بها النادي وقد عز جارها
ملوك جمال خلد الله ملكها
…
إذا عدلت جازت وطاب جوارها
أيا كعبة الحسن الذي بين أضلعي
…
كما شاع شرع الحبير في خمارها
إليك قلوب العاشقين توجهت
…
وأنت المنى لا حجبها واعتمارها
وقال أيضاً رحمه الله:
طرفي على سنة الكرى لا يطرف
…
وبخيله بخيالها لا يسعف
وأضالعي ما ينقضي زفراتها
…
إلا وتدركها الدموع الذرف
شمت الحسود لأن ضنيت وما درى
…
أني بأثواب الضنى أتشرف
يا عائبين وما ألذ نداهم
…
وحياتكم قسمي وعز المصحف
إن بشّر الحادي بيوم قدومكم
…
ووهبته روحي فما أنا منصف
قد ضاع في الآفاق نشر خيامكم
…
وأرى النسيم بعرفها يتعرف
كيف المزار وما أتنت سمر الحمى
…
إلا غدت سمر الرماح تقصف
ويميتني في الحي أسمر قامة
…
ومن الرماح مثقف ومهفهف
بدر تمنى البدر يحكي معجزاً
…
من حسنه فبدا عليه تكلف
وقال أيضاً:
ولقد وقفت على منازل جيرة
…
رحلوا فأجرى الدمع ذاك الموقف
وتعبت في طي النسيم رسائلي
…
وسألته في نشرها يتلطف
حتى انثنى لشكايتي روح الحمى
…
وغدت حمامته بشجوي تهتف
وقال أيضاً رحمه الله:
كم من أسير غرام في خيامهم
…
طعين قدّ جريح الأعين النجل
من كل أسمر..... مبسمه
…
بيض من البيض أو سمر من الأسل
وفي الهوادج من تهدي إذا أسفرت
…
في الليل نوراً فتهدى الركب للسبل
وتخجل الشمس من إشراق طلعتها
…
ألست تنظر فيها حمرة الخجل
وقال أيضاً رحمه الله:
خذاعنة الوادي فتلك زرود
…
وميلاً عن الوادي فثم جدود
وإياكم سرب المها من تهامة
…
فغزلانه يوم اللقاء أسود
ولا تردا ماء بمنعرج اللوى
…
فليس به غير الدموع ورود
وعوجاً على تلك المعاهد بالحمى
…
فلي عندها يوم الوداع عهود
أحن إليها والديار قريبة
…
حنيني إليها والمزار بعيد
وإني إذا زاد اشتياقي لأهلها
…
وإن كان شوقي ما عليه مزيد
أعانق من نشر الشمال شمائلاً
…
يرنحني تذكرها فأميد
وألثم من برد الثنايا مباسماً
…
تجمع فيها الدر وهو فريد
وليلة حياني الخيال مسلماً
…
وصحبي على شعب الرحال قعود
فعانقته حتى الصباح وبيننا
…
حديث هوى أبديه وهو يعيد
ومائسة الأعطاف تذكي رضابها
…
لهيباً لدى الأشواق وهو برود
تقول لرسلي كيف غاب وكم بدت
…
بنار اشتياقي إن ذا لجليد
دعوه بغيري إن تشاغل قلبه
…
فواجد غيري أنه لفقيد
ألفت وما أنوي الفراق بسلوة
…
وإن فراقي من ألفت شديد
فلو مت عشقاً ثم عشت وقال لي
…
تعود إلى ما كنت قلت أعود
وما الحب إلا أن تروح وتغتدي
…
بثوب الضنا يبليك وهو جديد
وقال أيضاً رحمه الله:
طاب السماع فغنني يا مطربي
…
وأعد نعيمي من حديث معذبي
لا تسقني إلا كؤوس حديثها
…
فلقد حلا بالسمع منها مشربي
إني لأطرب كيف ما ذكر اسمها
…
فأرى العذول على هواها مطربي
ويمليني السكر القديم إذا جرى
…
صرف الحديث ومن فمي لم أشرب
أجني لكي أجني ثمار عتابها
…
فمتى عفت أبدأت حالة مذنب
هذي المصونة في خلال جمالها
…
سفرت فأي حشاشة لم تسكب
هتكت ببارق ثغرها ستر الدجى
…
وتسترت في شعرها من غيهب
هي نور عيني لا ترى وبها أرى
…
فهي البعيدة في المكان الأقرب
تبدو فيسترها بظاهر نورها
…
أرأيت محتجباً ولم يتحجب
وتريك من فوق النقاب محاسناً
…
أضعاف ما تبدي بغير تنقب
في طرفها سحر أغيد كمالها
…
الفتان من عين الغزال الربرب
سحبت على سفح الكثيب ذيولها
…
فتمسك الوادي بذاك المسحب
ونشقت ترب الحي إذ خطرت به
…
فإذا انتشاق الطيب ليس بطيب
يحمي الحمى بضرائب من لحظها
…
حبي ولا لحظ يمر بمضربي
خف قربها وكن البعيد تأدباً
…
ففظيعتي كانت لفرط تقربي
ولئن تمتعني خلا قرباً بها
…
فبذكرها مهما حييت تسببي
أهنئ الليالي إن تبيت مسهداً
…
ما دام نجم الكأس غير مغرب
والدهر يبخل أن يجود بلذة
…
فمتى يبح جسمي الخلاعة فانهب
وقال أيضاً رحمه الله:
سروا ببدور ليلهن الغذائم
…
مبرقعة بالحسن والحسن سافر
فبات على الأضغان حمر وإنما
…
عليها من السمر الرماح ستائر
وفيهن من يهدي الركاب بنورها
…
ويمشي به بدر الدجى وهو حائر
من السمر هيفاء القوام لقدها
…
حديث به سمر القنا تتسامر
يرنّحها سكر الشباب فينثني
…
على كل صاح عطفها يتساكر
رأى قدها قلبي فطار صبابة
…
ولا غروان يصبو إلى الغصن طائر
بألحاظها آيات بحر تبدلت
…
فواتر تقري والصحيح تواتر
لقد قلب الأعيان سحر عيونها
…
فأصبح فيها عاذلي وهو عاذر
أيا عائباً عن ناظري وجماله
…
بناظر فكرى تختلسه الضمائر
تميّل لي حتى أميل معانقاً
…
إليك اشتياقاً مثل ما أنت حاضر
بريق الحمى حدث بأخبار لوعة
…
لها من فؤادي بالحقوق تواتر
ويا نسمات الصبح قولي لراقد
…
هناك الكرى إني لبعدك ساهر
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
جميعي لسان وهو باسمك ناطق
…
وكلي قلب عند ذكرك خافق
وإني وإن لم أقض فيك صبابة
…
فما أنا في دعوى المحبة صادق
خليليّ ما للبرق يخفق غيرة
…
إبرق حماها مثلي وقلبي عاشق
وما للمطايا قد حداها اشتياقها
…
أحبي لها مثلي يحنّ الأبانق
إذا ما حدا الحادي وعرّض باسمها
…
تاوّه محزون وحنّ مفارق
تميل غصون البان شوقاً لقدها
…
فينطق إشفاقاً عليها المناطق
وينشق قلب للشقائق غيرة
…
إذا حدقت يوماً إليها الحدائق
وقال أيضاً رحمه الله:
رويت يا نفحة الوادي برياك
…
إخبار سعدي فحيا الله مرآكي
ياا طيبة الشرب يا من لحظ ناظرها
…
يصيد أسد الشرى عمداً بأشراكي
تلك الجفون تسمى اسرب فلقد
…
يرد لو انه من بعض اشراكي
اسقاك من لحظة الفتاك راشفة
…
عسى أعدّ به من بعض فتاكي
دعا هواك لاتلاف النفس فما
…
ابقى الضنا عاشقاً إلا ولبّاكي
كوني كما كنت لا عينا ولا ملذا
…
فكل قلب على ما فيك بنواك
إني أعيد جنوناً فيك هينمتى
…
من طارق العقل يا أسما باسماك
يشكو لها الخصر ظلماً من مناطقها
…
فيعطف العطف منها رقة الشاكي
ومذ حكى وجهها بدر الدجى شبهاً
…
أبدى الجمال عليه كلفة الحاكي
وقال أيضاً رحمه الله:
يا نازلين برامة والمنحنى
…
هل ترجع الأيام تجمع بيننا
أم هل لماضي عيشنا من مرجع
…
ورى رونقات بكم عادت لنا
ومناد خلق الشامائل واللمى
…
فضح القضيب قوامه لما انثنى
تجلوه أذكاري لعين ضمائري
…
فيرى قريباً والتباعد بيننا
كم قد ضللت بحندس من شعره
…
حتى اهتديت بوجهه الباري السنا
قابلته بالبدر ليلة تمّه
…
فرأيت أدنى التزين الأحسنا
اما هواه فإنه باضالعي
…
متمكناً وسلوه ما امكنا
يا للعجائب مع دوام ملاله
…
لم ذا ترى جعل القطيعة ديدنا
وقال أيضاً:
يا سعد إن جزت العقيق وعاينت
…
عيناك أعلام الحمى فلك الهنا
أرح المطايا في ظلال جويلع
…
فلقد عناها في سراها ما عنا
ولئن سئلت عن الكثيب وحاله
…
إن قد قضى شوقاً وما بلغ المنى
وقال بديهاً عندما شاهد بناء قبر أصحابه:
سقى جدثا ضم الحبيب ترابه
…
ندي كل وسمى من الغيث هطال
أقول وقد أضحى يجدد بالبنا
…
لقد رعت بالي يا جديداً على بالي
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
ما بين نجد وبين المنحنى عزب
…
رضيت فيهم بتعذيبي فلم غضبوا
وبين جفني وبرق السفح عهد هوى
…
أن لا يزال له منأدمعي سحب
يحلو العتاب لسمعي من حديثهم
…
فيحسن الريب عندي كلما عتبوا
شنوا الاغارة والاحداق سالبة
…
وكل قلب تمنى إنه سلبوا
إذا تهيأ بسمر من قدودهم
…
أعيت بحسن محيا إنها لهب
مبرقعات تراأت من خيامهم
…
مصونة ما سوى أنوارها تعب
تحجبت وخلت حسناً سلبت به
…
فكيف لو ترفع الأستار والحجب
وقال أيضاً:
لاتغررن بسيف الغمد مغمده
…
وخذ أماناً فمن أحداقها الرهب
تلك الجفون تسمى بالعمود كما
…
تلك اللواحظ من أسرابها القضب
يا عائبين وأشواقي بمثلهم
…
حتى يخيل طرفي إنهم قربوا
إذا تذكرت عيشاً باسماً بكم
…
سررت قدماً به أبكي وانتحب
عرب الحمى كيف لا يحمى نزيلكم
…
في حيكم وله في حبكم نسب
أم كيف يحسن يا جيراننا بكم
…
جور وقاماتكم للعدل تنتسب
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
أي يد للواحدات عندي
…
إن شارفت بي هضبات نجد
معاهد يشتاقها قلبي إن
…
طال بها على البعاد عهدي
سل يا بريق الحي هل غزاله
…
باق على عهد الغرام بعدي
يا أهل ودي أنتم قصدي وما
…
أحلى نداكم يا أهيل ودي
غدي عزيم الشوق إن عز اللقا
…
منكم بوصل وأمطلوا بوعد
يطول تردادي إلى أبوابكم
…
حلا لقلبي فاسعفوا ببرد
أخفى الهوى من حبكم بباطني
…
أضعاف ما أظهره وأبدى
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
ترى عند من بالسفح علم بأن لي
…
لأجلهم دمعاً على السفح يسفح
قضى الحب في شرع الغرام لناظري
…
يشاهد جفني منه وهو مجرح
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
وماء شجاني في الحمى ورياضه
…
وقد شقني شوقاً قوام مهفهف
حمام شكا للغصن وجداً بقده
…
إلى أن غدا من رقة يتعطف
فإن راح نشر الروض في الأفق ضائعاً
…
فإن به عزف النسيم يعرف
وما مالت الأغصان سكراً بطيبه
…
فمن زهره قد دار
…
قرقف
وقال أيضاً رحمه الله:
يا ليالي الحمى بعهد الكثيب
…
إن تنأيت فارجعي عن قريب
أي عيش يكون أطيب من عي
…
ش محب يخلو بوجه حبيب
يقطع العمر بالوصال سروراً
…
في أمان من حاسد ورقيب
يتجلى الساقي عليه بكأس
…
هو منها ما بين نور وطيب
كلما أشرقت ولاح سناها
…
آذنت من عقولنا بغروب
خلت ساق المدام يوشع لما
…
رد شمساً بالكأس بعد المغيب
نغمات الراووق يفقهها الكأ
…
س ويوحي بنشرها للقلوب
فلهذت يميل من نشوة الكأ
…
س طروباً من لم يكن بطروب
يا نديمي اسمأل أم شمول
…
رق منها وراق بي مشروبي
أم قدود السقاة مالت فملنا
…
طرباً بين واجد وسليب
أم نسيم من هاجرت هب وهنا
…
فسكرنا بطيب ذاك الهبوب
أم سرى في الأرجاء من عنبر الج
…
وأريج بالبارق الشبوب
ما ترى الركب قد تمايل سكرى
…
وأمالوا مناكبها لجنوب
لست أبكي على فوات نصيب
…
من عطايا دهري وأنت نصيبي
وصديقي إن عاد فيك عدوي
…
لا أبالي ما دمت لي يا حبيبي
وقال أيضاً رحمه الله:
حدّث فقد حدثتنا نسمة السحر
…
عن جيرة بظلال الضال والسمر
واستودعت سرهم في طيها وسرت
…
فأسكرتنا بنشر المندل العطر
موهت صحبي عنها إذ غرفت بها
…
غرفاً فقلت نسيماً فاح عن زهر
فكيف يخفي وريّاها روى خبراً
…
يشيم طيباً بها من ذلك الخبر
أمر بالدار من شوقي لمن رحلوا
…
عنها فأقتنع بعد العين بالأثر
يا نسمة الغصن في لين وفي هيف
…
لا كان قلب عليك الدهر لم يطر
أراك في كل مشهود لأنك في
…
طرفي مقيم فقد أصبحت لي نظري
وقال أيضاً رحمه الله:
ذكرت مرابعها بجرعاء النقا
…
فصبت لمغناها القديم تشوقا
فتفرقاً يا حادياها حسبها
…
حاد من الأشواق أن يتفرقا
حنت لعهدة أنسها فتجردت
…
وصبت إلى مرقي عزيز المرتقى
يا صاحبيّ تعرضا بي للحمى
…
إن أنتما جاوزتما كثب النقا
وخذا إماماً من لحاظ ظبائه
…
فيغير قلبي سهاماً لا يتقى
آها لفتنة مقلة سحارة
…
أعيت بقلبي ما يداوي بالرقى
راجعت في شرع الغرام صبابتي
…
لما غدا صبري عليه مطلقا
أملت أن تدنو الديار وتكتفي
…
هذي الديار دنت وعز الملتقى
أمرت قلبي بالتصبر طلة
…
فوجدت باب الصبر عنه مغلقا
أحبابنا قسماً بليلة وصلنا
…
وبغيرها وحياتكم لن أصدقا
عندي لعرفتكم حديث صبابة
…
أودعتها سرى ليوم الملتقى
وقال أيضاً رحمه الله:
سفرت وقد ستر الجلال جمالها
…
فاهجر منامك إن أردت وصالها
إياك يخدعك الحسود بقوله
…
قلب هواك فقد تمل ملالها
ولربما عتبت عليك تذللاً
…
فكن الذليل فما ألذ دلالها
شمس بقلبي
…
أو ما ترى
…
شفقاً بدمعي مذ بكيت زوالها
ونباله الأجفان درع تصبّري
…
مما يعين على نفوذ نبالها
الورد يشبه أن يكون شقيقها
…
في وجنة والمسك يشبه خالها
ما انطلق الخصر النطاق بسقمه
…
إلا وأخرس ساقها خلخالها
غار النسيم وقد توهم قدها
…
ألفاتميل لإلفتي فأمالها
لي مدمع دفق على جريانه
…
بين المنازل سائل أطلالها
تلك المنازل إن أتاها سائل
…
غير المدامع لا يجيب سؤالها
وحشاشة رضيت بأن تفنى اسى
…
في حبكم ما للعذال ومالها
وقال أيضاً رحمه الله:
ما للركائب من نشر الصبى سكر
…
هل جاء في طيها من رامة خبر
أولا فما لرجال القوم قد عبقت
…
وفاح في الجو نشر عرفه عطر
لطيب نفحتها برد على كبدي
…
ونار شوقي بها في القلب تستعر
أية سيري بأخبار الحمى كرماً
…
كرّر عليّ فأخبارالحمى سمر
يا جيرة غدروا من غير ما سبب
…
رقوا فأدمع عيني بعدكم غدر
أهلاً لأيام وصل كلها أصل
…
ولّت وليلات قرب كلها سحر
أفدي بروحي الذي ما غاب عن بصري
…
إلا وتجلوه لي الأشواق والفكر
ولا سرى البرق يهدي منه لي خبراً
…
إلا وعند فؤادي ذلك الخبر
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى:
نقل الأراك بأرن ريقة ثغره
…
من قهوة مزجت بماء الكوثر
قد صح ما نقل الأراك لأنه
…
يرويه نصاً عن صحاح الجوهري
وقال أيضاً - رحمه الله تعالى: أبياتاً سمعتها منه فطلبتها منه بعد صلاة المغرب، فراح يكتبها لي، فسيرها بعد عشاء الآخرة من تلك الليلة، وقد أضاف إليها على الوزن والروى ما يتضمن المدح، فأضربت عن معظم ذلك، وهذه الأبيات الأولة:
مقلقل القلب بكم ساهر
…
ما آن أن يجبره الكاسر
ومشتك منكم إليكم متى
…
ينظر في قصته الناظر
ووارد صار إلى وصلكم
…
تراه عن رأي بكم صادر
يا هاجراً أثبت لي رتبة
…
من شرفي إنك لي هاجر
وجائر يطعمني عذله
…
قلت له لا عدم الجائر
وواعد يعجبني مطله
…
إن كنت أحرى أنني صابر
وما على حتفي من جفنه
…
سل حسام لأنبأ باتر
يا غصناً قلبي على قده
…
إذ انثنى غيرة طائر
بالله ما كان الحمى منزلاً
…
حتى حماه طرفك الفاتر
وروضة ما طاب لولا سرى
…
فيه سحيراً نشرك العاطر
بي حاجر عني لذيذ الكرى
…
تشوقي من أجله حاجر
لا غزو إن حن فؤادي به
…
وقد دعاني طرفه الساحر
أكن موسى عادني باسمه
…
يا من شكا إني له شاكر
رب اليد البيضاء كم سودت
…
مولى وأولى فضلها الغابر
أنامل عشر غدت آية
…
أولها ليس له آخر
كم ضربت صخرة إعدامنا
…
في سفره ناه بها الساتر
فانبجست منها عيون الندى
…
فللوجا عين له ناظر
ترى سواد المجد مستيقظاً
…
يرقبها إن هجع السامر
وقال منها أيضاً:
إذا حبال الحرب في سعيها
…
حلها من سحره الكافر
تلففت يفتته إفكها
…
فانقلب الساحر والساخر
بلاغة يسجد شكراً لها
…
أن أنصف الناظم والناثر
موروثة عن نسب طاهر
…
يا حبذاك النسب الطاهر
مولاي قطب الدين يا ابن الذي
…
بوجهه نور الهدى الباهر
ومن وجوه الحق إن أعطيت أبدى سناها كشفه السافر
ومن إذا ما هتكت حرمة
…
غطى عليها ذيله الساتر
ينبوع حين الجمع واردها
…
إن صدّ عنها وارد صادر
والمشرع العذب الذي صدره
…
بحر من العلم به زاخر
مدير كأس الحب في حضرة
…
يغيب فيها خاطر حاضر
إذا جلا من كشف عرفانه
…
والعرف من أنفاسه عاطر
في مجلس التذكير من وعظه
…
خير فيه فاهتدى الحائر
خطبت من عبدك يا مالكي
…
عروس سقر صانها الشاعر
ولم يكن أهلاً لأمثالكم
…
وإنما لطفكم الجابر
وهي على استخبائها أقبلت
…
وذيلها من خجل عاثر
لا تبتغي مهراً سوى ودكم
…
أشرف ما حصّله تاجر
لو رامها غيركم لانثنت
…
وعطفها من صلف شامر
زارت حماكم في الدجى خلسة
…
فقل لها يا حبذا الزائر
وليس بالقصد لها عادة
…
لو اقتضاها جودك الآمر
إن كان في عصيانها فاطر
…
يوماً ففي طاعتها غافر
وذكر - رحمه الله تعالى: إنه رأى الحسين بن علي عليهما السلام في المنام، فقال له: مدّ المقصورة؛ قال: فوقع في خاطري إنه يشير إلى مقصورة
ابن دريد، فخمّسها ورثى بها الحسين رضي الله عنه وهي:
لما أبيح الحسين صونه
…
وخانه يوم الطراد عونه
نادي بصوت قد تلاشى كونه
…
أما ترى رأسي حاكي لونه
طرّة صبح تحت أذيال الدجى
معفراً على الثرى بخدّه
…
لم يرع فيه حرمة لجده
والسيف من معرفه بغمده
…
واستعل المبيض في مسوده
مثل اشتعال النار في جذل الغضا
ومنية بالله من مخلفي
…
يا رائحاً بالهودج المشرفي
ما هتكوا من سترة المتحف
…
وكان كالليل البهيم حلّ في
أرجائه ضوء صباح فانجلى
تلك الدماء أجرت من العين الدما
…
لما سرى الليل وغارت أنجما
قاض لها دمع جرى منسجماً
…
وغاض ماء شرتي دهر رمى
خواطر القلب بتبريح الجوى
حبائب اسمين لي أغاديا
…
أمضى مصابي بهم البواكيا
إذ بات جسمي في التراب ناديا
…
وآض روض اللهو يبساً ذاويا
من بعد ما قد كان مجاج الثرى
أصبح حالي عبرة بل قدوة
…
بعد ديار كي تسمى ندوة
رماني الدهر فأقضى عدوة
…
وضرم النأي المشت جذوة
ما تأتلي تسفع أثناء الحشا
مبرقعاً على العقيق قد عفا
…
إذ غدر الدهر به بعد الوفا
وقفت فيه باكياً على شفا
…
واتخذ التسهيد عيني مألفا
لما جفا أجفانها طيف الكرى
هم أهل ودادي إن وفوا أو غدروا
…
أفديهم إن وصلوا أو هجروا
إن كان يرضيهم دم قد هدروا
…
فكل ما لقيته يغتفروا
في جنب ما أسأره شحط النوى
يا زمني عن مجتني ماذا العما
…
فوقت لي من الرزايا أسهما
الماء طرق وأموت من ظما
…
لو لابس الصخر الأصم بعض ما
يلقاه قلبي فض أصلاد الصفا
يا دهركم هذي الجفون والأحن
…
صبراً لها صبراً عليها من محن
هو الهزال لا يغرنك سمن
…
إذا رأى الغصن الرطيب فاعملن
أن قصاراه نفاد وتوى
أشكو إلى الله وتلك قصة
…
وعزم مثلي ليس فيه رخصة
وفي الجواب المشاع خصة
…
شجيت لا بل أجرضتني غصة
عنودها أقتل لي من الشجا
أفاطم على مصابي عددي
…
فلو رأيت مصرعي بمشهدي
مثال ما سرك يوم مولدي
…
أن يحم من عيني البكا تجلدي
فالقلب موقوف على سبل البكا
وأحربا من جائر تحكماً
…
فتياً فأضحى نفساً مقسماً
ما مر بي هذا القضاء توهماً
…
لو كانت الأحلام نا جتني بما
ألقاه يقظان لأصماني الردى
إن الليالي تبارزت بحربها
…
وأخفت بركبها لنهبها
وأنزلت أهل العلى من عربها
…
منزلة ما خلتها يرضى بها
لنفسه ذو أدب ولا حجا
قوسي ليوم عاقتني عائقه
…
وساقني إلى الردى سائقه
أخلفني من وعده صادقه
…
شيم سحاب خلب بارقه
وموقف بين ارتجاء ومنى
يا عصبة الحلم علينا تجهلوا
…
كذى بأعضاء النبي تفعلوا
كأن على سواكم يرسل
…
في كل يوم منزل مستوبل
يشتف ماء مهجتي أو مجتوى
هتك وفتك وأسار وجلاً
…
ونسبة تسبي على رأس الملا
لو أنني في الجاهلين الأولا
…
ما خلت الدهر يثنيني على
ضراء لا يرضي بها ضب الكدا
علقت في أشراك خطب وتهن
…
أرجو أنشاطاً في زمان قد زمن
وربما كنت وخوفي قد أمن
…
أرمق العيش على برض فان
رمت ارتشافاً رمت صعب المنتسا
أصبحت محمولاً وكنت حاملاً
…
وعامل الرمح بكفي عاملا
أيام وصل كان شملي شاملاً
…
أراجع لي الدهر حولاً كاملاً
إلى الذي عوّد أم لا يرتجى
بقي العدو في عنادي مجتهد
…
وخان من كنت عليه أعتمد
لا أعتب الدهر فعتبي لم يعد
…
يا دهر إن لم تك عتبي فاتئد
فإن أراودك والعتبي سوا
رجحت بالعدل فلم بغضتني
…
وقمت في الحق فلم عصيتني
حفظ عليك بعض ما..
…
رفّه عليّ طالما أنصبتني
واستبق بعض ما غصن ملتجي
أنا الذي قارعت القوارع
…
وشيّبت عذاره الوقائع
فلم يرعه بعد ذاك رائع
…
لا تحسبن يا دهر أني ضارع
لنكبة تعرقني عرق المدى
أوصى إلينا أوبة لما دفن
…
قال إذا ما خشن الدهر فلن
فكنت جلداً بوصاياه فمن
…
مارست من لو هوّت الأفلاك من
جوانب الجو عليه ما شكا
أصبحت من مس الأذى معوذاً
…
مجدداً صبراً غدا مجذذا
فإن شكوت لمن ذاك عن أذا
…
لكنها نفثة مصدور إذا
جاش لغام من نواحيها غما
لست لما يرضي الحبيب مبغضاً
…
ولا على أحكامه تعرضا
إن كنت لا أرضى اختياراً بالقضا
…
رضيت قسراً وعلى القسر رضى
من كان ذا سخط على صرف القضا
يا صاحبي واللذان استعليا
…
عن مصرعي بالله لا تخليا
وبالبقاء بعدي فلا تمليا
…
إن الجديدين إذا ما استوليا
على جديد أدنياه للبلا
يا سائق الظعن عساك ترجع
…
يا ديارا فرقت هل تجمع
لما أنادي والنوى لا يسمع
…
ما كنت أدري والزمان مولع
بشت ملموم وتنكيث قوى
ابداني بالضعف بعد قوة
…
دهر في رجائي رجوة
فهل فتي يسعد عن فتوة
…
إن القضاء قاذفي في هوة
لا تستبل النفس من فيها هوى
لله أيام على الخيف خلت
…
قد سالت النفس وعنها ما سكت
جهلت فيها غاية ما جهلت
…
فإن عثرت بعدها وإن وألت
نفسي من هاتاً فقولا لالعا
لأنكصن جهلها مهولة
…
فإن وصلت غاية مأمولة
عقدت من عروقها محلولة
…
وإن تكن مدتها موصولة
بالحتف سلطت الأسى على الأسى
وإن حدا بمهجتي حادي الردى
…
واقتاد مني مطلقاً مقيدا
ما خبرني مجرداً عن مبتدي
…
إن امرئ القيس جرى إلى مدا
فاعتاقه حمامه دون المدى
هي المنون طالما هدّت القوى
…
وأورثت داء وما أعطت دوا
أما هوى قبل تقابيل الهوى
…
وخامرت بفس أبي الجبر الجوى
حتى حواه الحتف فيمن قد حوى
وحتف سمون أعاد شمسه
…
كاسفة سود منها عرسه
حتى لقد غيبت عنها حسه
…
وابن الأشج القيل ساق نفسه
إلى الردى حذار أشمات العدى
إن راح رأسي مفرداً عن جثتي
…
أو مت عن قصد العلا بغصتي
قد قتلت عثمان شبه قتلتي
…
واخترم الوضاح من دون التي
أملها سيف الحمام المنتضى
كذا فتى الخطاب جاء خاطباً
…
فردا مغلوباً وكان غالبا
قضى عليه الدهر حتفاً واجبا
…
فقد سما قبلي يزيد طالبا
شأو العلا فما وهي ولا ونى
وقام قبلي من عليه المعتمد
…
أي الذي بحكمه حل العقد
يدعو إلى الحق بطرف ما رقد
…
فاعترضت دون الذي رام وقد
جد به الجد اللهيم الأربي
لا غرو أن ساهمت سادتي الأولى
…
في كل ما مر وإن كان خلا
ألست من بيت له يعزى الولا
…
هل أنا بدع من عرانين علا
جار عليهم صرف الدهر واعتدى
فإن أحب سعياً يخطو يحتذي
…
صبراً على النار فلست باللذي
كان يرى الموت بطرف قد قذى
…
فإن أنالتني المقادير الذي
أكيده لم آل في رأب الثأي
ولا يلام الحظ في إدباره
…
والضرب ما قصر من تثاره
إن قام فاستعلى لأخذ ثأره
…
وقد سما عمرو إلى أوتاره
فاحتط منها كل عالي المستمى
فطاول الهول قصير وضمن
…
الثأر أخذاً فوفى بمن ضمن
وساق خيراً فيه مر مكتمن
…
فاستنزل الزباء قسراً وهي من
عقاب لوح الجو أعلى منتمى
ورب وعد ما ارتضت همته
…
حتى دعت لنفسه أمرته
ولم يزل وانقضت مدته
…
وسيف استعلت به همته
حتى رمى أبعد شأو المرتمى
وراح نهب المنى مسارعاً
…
وهجرها قواضباً قواطعا
طافت كؤوساً قطفت مواقعاً
…
فجرّع إلا حبوش سما ناقعا
واحتل من غمدان محراب الدمى
وابن الفتي الجعد غزت فرسانه
…
هوازناً فانبسطت بنانه
وأدرجت في هودج أكفانه
…
ثم ابن هند باشرت نيرانه
يوم أوارات تميماً بالصلا
لم يتعلق بالدنايا ذمتي
…
ولم تدنس بالخطايا عصمتي
وفي ترقي كل عال رتبتي
…
ما اعتن لي بأس يناجي همتي
إلا تحداه رجاء فاكتمي
من مبلغ مواردي بزمزم
…
فإنني ضرح الحمى ودمي
يا سائقاً بمنجد ومتهم
…
إليه باليعملات يرتمي
بها النجاء بين أجواز الفلا
ذكرت رمل الكثيب الأعفر
…
فانجذبت مع سائق التذكر
تضرب في الرمل بتر مضمر
…
خوص كأشباح الحنايا ضمّر
يرعفن بالأمشاج من جذب البرى
مورها من دمعها لا يرتحى
…
حزناً وإن كان لقوم مزحا
سفائن البر ترآى سبّحاً
…
يرسبن في بحر الدجى وبالضحى
يطفون في الآل إذا الآل طفا
مل أيها الحادي بها معرجاً
…
للسهل أن الحزن ضاق منهجا
فقد سراها في الشجا ما قد شجا
…
أخفافهن من حفاً ومن وجا
مرثومة تخضب مبيض الحصا
حدا بها الحادي لأرض النجف
…
عيس جهلن العبر عن معرف
فابتدرت من غير ما توقف
…
يحملن كل شاحب محقوقف
من طول تدآب الغدوّ والسرى
قد صافحت ترب الحمى أردانه
…
وناح للبين فأختي بانه
ولم يفارق قلبه أشجانه
…
برّ بري طول الطى جثمانه
فهو كقدح النبع محنى القرا
من الأولى ولي أرباب الولا
…
حيا الحياء قتلاهم بكربلا
يتلو مديح نبيهم مزملاً
…
ينوي اللتي فضلها رب العلا
لما دحا تربتها على البنى
راح لها يقطع أجواز الفلا
…
مكبراً. بدلوها فهلهلا
مكفكف الدمع لها تجملاً
…
حتى إذا قابلها استعبر لا
يملك دمع العين من حيث جرى
غني له الحادي بليلي سحرة
…
فصيرته العبرات عبرة
لقد أصاب إذ رماها جمرة
…
وأوجب الحج وثنّى عمرة
من بعد ما عج ولبّى ودعا
في موقف يجري به الدمع دماً
…
أشكو الليالي عنده تظلما
كم واقف قابله مسلماً
…
ثمت طاف وانثنى مستلما
ثمت جاء المروتين فسعى
دعاه داعي الحج من رب العلا
…
فابتدر السعي لها مهر ولا
يا حسنه في الرمل جاء مزملاً
…
ثمت راح في الملبين إلى
حيث تحجى المازمان ومنى
يميل إن هبت صبا يلفتا
…
يستنشق المسك بها تعنتا
عجبت منه محرماً موقناً
…
ثم أتى التعريف يقرو مخبتا
مواقفاً بين إلال فالنقا
مذ قربت من كان يخشى بعدها
…
ادى صلاة الوصل يتلو حمدها
وتلك نعمى ليس يحصى عدها
…
واستأنف السبع وسبعاً بعدها
والسعي ما بين العقاب والصوى
بات يراعيها بطرف ما رقد
…
مقدماً في الهدى روحاً قد تقد
أو حل من إحرامه ما قد عقد
…
وراح للتوديع فيمن راح قد
أحرز أجراً وقلى هجر اللغا
أقسم ولو أقسم بها مفرطاً
…
ولم أخف من لي خرج تورطا
وجبريل معنا تحت الغطا
…
بذاك أم بالخيل تعدو المرطى
ناشرة أكتادها قب الكلى
خيل إذا اشتاقت إلى المناهل
…
أعرضن إلا عن دم المقاتل
صواهل بعنية صوائل
…
يحملن كل شمّرى باسل
شهم الجنان خائض غمر الوغى
سوى لبان المجد يوماً ما اغتذى
…
وفي طريق الحد بالحمد احتذى
في البأس والبأساً لا يشكو أذى
…
يغشى صلا الموت بحديه إذا
كان لظى الموت كريه المصطلى
لا حكماً يرضي محكماً
…
إلا حساماً هزه مصمما
يشق جدول بحر الدما
…
لو مثل الحتف له قرناً لما
صدته عنه هيبة ولا انثنى
تبسم والأهوال تبكي فرجة
…
وكلما ضاقت رآها فرجة
فلو أباحت لحامها فرجة
…
ولو حمى المقدار عنه مهجة
لرامها ويستبيح ما حمى
صاح الدما........ سكره
…
شاك على الطعن استحق شكره
رب حروب ما أعز نصره
…
تغدو المنايا طائعات أمره
ترضي الذي يرضى وتأبى من أبى
أقسمت بالداعي قد ابتهل
…
بفيئة سباقة على مهل
من كل من في الحرب شاب واكتهل
…
بل قسماً بالشم من يعرب هل
لمقسم من بعد هذا منتهى
أمدحهم أهل العبا وكيف لا
…
ولم أخف من مقول تقوّلا
قوم على المدح علوا تنزلاً
…
هم الأولى إن فخروا قال العلا
بفي امرئ فاخركم عفر البرى
السادة الأبرار أعلام الهدى
…
قبيلهم لم يرض بالدنيا فدا
قف باشراً ربعهم أو منشراً
…
هم الأولى أجروا ينابيع الندى
هامية لمن عرا أو اعتفى
بحار علم حملوا الدنيا سخاً
…
عليهم الدين بكاء مصرخا
أجبال حلم راسيات شمخاً
…
هم الذين دوّخوا من انتخى
وقوّموا من صعر ومن صغا
هم الغيوث والزمان ماحل
…
أبحر جود ما لها سواحل
مروا لمن عاد ومن وجلوا
…
هم الذين جرعوا فما حلوا
أفاوق الضيم ممراة الحسا
اما وأسرار لها مكنونة
…
سفن النجاة بالولا مشحونة
بل بسيوف منهم مسنونة
…
أزال حشو نثرة موضونة
حتى أواري بين أثناء الحثي
يحلني مع المنى وأمنه
…
واليل في سهل الرجا وحزنه
بناظر سل عذار جفنه
…
وصاحبي صارم في متنه
مثل مدب النمل يعلو في الربا
سيف يشام البرق عند ندبه
…
يأبى الدماء اكلي من كسبه
قرابه يشلو الحفي عن قربه
…
كأن بين عيره وغربه
مفتأداً تأكلت فيه الجذى
في نهره ما يشب جمره
…
أزرقه بالموت يجلو أحمره
يصل إذا سل فأندى فجره
…
يرى المنون حين تقفو أثره
في ظلم الأكباد سبلاً لا ترى
إن صادرته هجمة صادرها
…
أو بادرته صدفة بادرها
وكم له من وقعة بادرها
…
إذا هوى في جثة غادرها
من بعد ما كانت خساً وهي زكا
ما أحمر إلا أبيض منه عرضه
…
وأوجب المنون ندباً فرضه
عضب غدا يبسط باعاً قبضه
…
ومشرف الأقطار خاط نحضه
حابي القصيري جرشع عرد النسا
مضمّر يتبعه سرب القطا
…
إذا تنزى في طلب طوى الوطا
.........مع قرب الخطا
…
قريب ما بين القطاة والمطا
بعيد ما بين القذال والصلا
لا عوج في الأصل راح ينتمي
…
ويحتمي بالذابل المقوم
كان في لينه من صلدم
…
سامي التليل في دسع مفعم
رحب اللبان في أمينات العجي
كأنه من ملك أوجنة
…
يحتال من ربا الوغى في حنة
فديتها حوافر في حنة
…
ركبن في حواشب مكتنة
إلى نسور مثل ملفوظ النوى
برهاب أوصاف له مقسومة
…
عشر وخمس عدة مضمومة
ومع ثمان أربع مضمومة
…
يدير إعليطين في ملمومة
إلى لموحين بألحاظ اللأى
قد ثبت القلب منيعاً صدره
…
وصير الشرح رفيعاً قدره
وغادر النهج وسيعاً كسره
…
مداخل الخلق رحيباً شجره
مخلولق الصهوة ممسود وأي
بمثله تدرك أسباب الرجى
…
وينجلي ليل الخطوب إن دجا
من ركب الهوى به فقد نجا
…
لا صكك يشينه ولا فجا
ولا دخيس واهن ولا شطا
كم يقصد أعجل من أناته
…
وطائر أجمع من شتاته
إن طاب للحرب فهو عاداته
…
يجري فتجري الريح في غاياته
حسرى تلوذ بجراثيم السحا
إن سمعت صهيله بيض الظبا
…
تهتز في صليلها تطرّبا
ويطرف السمر له تهيباً
…
تظنه وهو يرى محتجبا
عن العيون أن دأي أو أن ردى
يرد أطراف القنا بصدره
…
ويلتقي حد الظبا بنحره
أعيده في كره وفرّه
…
إذا اجتهدت نظراً في أثره
قلت سنا أومض لو برق حفا
يسير صفراً لما في مصاغه
…
كانصل إذ يعمد في فراغه
فانظر إلى التحجيل في إسباغه
…
كأنما الجوزاء في إرساغه
والنجم في جبهته إذا بدا
مضمّر بين الهزال والسمن
…
كميت حسن في العيون قد كمن
وصارفي الإحسان أذخان الزمن
…
هما عتادي الكافيان فقد من
أعددته فلينأ عني من نأى
ما زال سعي الدهر في مثوبة
…
اما لبرء عادة منهوبة
أو لأقر الحق في معصوبة
…
فإن سمعت برحى منصوبة
للحرب فاعلم أنني قطب الرحى
من غير فضل لم يكن تلفظي
…
ولا بغير عصمة تحفظ
يا نائماً عن نصرتي تيقظ
…
وإن رأيت نار موت تالتظى
فاعلم بأني مسعر ذلك الظى
يا صاحبي لا تخشى مني فترة
…
والحرب قد متنت بقلبي جمرة
دعني فإما قتلته أو مرة
…
خير النفوس الخابرات جهرا
على ظبات المرهفات والقنا
قل للذي فار قعلمي جهله
…
ما هكذا الخيل يخبن خله
بنى النفاق قد أنجزتم نزله
…
إن العراق لم أفارق اهله
عن شنآن صدني ولا قلى
وبالحجاز فتية راضعتهم
…
واصلت أحزاني مذ قاطعتهم
لم يصبني الأقمار مذ شاهدتهم
…
ولا اطبى عيني مذ فارقتهم
شيء يروق الطرف من هذا الورى
سرت وقلبي في ماهم ماسرى
…
وما أرى عنهم أتاني مخبرا
قوم عليهم وقف دمعي قد جرى
…
هو الشناخيب المنيفات الذرى
والناس ادحال سواهم وهوى
أبي الذي ناب الديار نأيها
…
على أسبق له عليها
من يهدي الهدى مهديها
…
هم الحروب زاخراديها
والناس ضحضاح ثعاب وأضى
ما خا با قط نائب بقصدهم
…
بل آثروا بزادهم من زهدهم
فضلهم لم يحصى مثل عدهم
…
إن كنت أبصرت لهم من بعدهم
شبهاً فأغضيت على وخز السفا
أبكى الحسين بل أخاه السيدا
…
أفديهما وقل مثلي الفدا
ولا يد تمدني ولا مدا
…
حاشا الميرين اللذين أوفدا
عليّ ظلاً من نعيم قد ضفا
الحسنان الطاهران استنزلا
…
ذكرهما متصلاً ومجملا
أبغي الشهيد منهما بكربلا
…
هما اللذان أثبتا لي أملا
قد وقف اليأس به على شفا
مدحهما وفّق من وفقه
…
فكل من أسمعه صدقه
أسكرني ساق سقى ريقه
…
تلا فيا العيش الذي رنّقه
صرف الزمان فاستساغ وصفا
كم طوفا فأنطقا مغردا
…
يستعيد الألحان منه معبدا
وأوقفاني للثناء منشدا
…
وأجريا ماء الحيالى رغدا
فاهتز غصني بعد ما كان ذوي
عليهما أثنى بطيب عاطر
…
زاه غداً يصبى الصبا بزاهر
ما بين باد في الورى وحاضر
…
هما اللذان سموا بناظر
من بعد إغضائي على لذع القذى
حبهما فرض أراه واجباً
…
بغضهما صبّ أراه راضبا
حابيت في حبهما أقاربا
…
هما اللذان عمّرا لي جانبا
من الرجاء كان قدماً قد عفا
إليهما عيس تعاجى لا ونت
…
وعنهما بيض حجاجى لانبت
قد حركا لي ألسنا لا سكنت
…
وقلداني منه لو قرنت
بشكر أهل الأرض عني ما وفى
ترى مؤونتي على قوم نزل
…
في الذكر لا أسألكم أجراً وسل
تسمع بأنبائهم تشفي العلل
…
بالعشر من معشارها وكان كل
حسوة في آديّ بحر قد طما
إن الحسين مدحه قد زانني
…
من سواه ذكره قد رابني
فلم أقل الجد قول ما جن
…
إن ابن ميكال الأمير انتاشني
من بعد ما قد كنت كالشي اللقا
والحسن السيد خوفي قد أمن
…
منه بحب في الضمير مكتمن
إن قلت في التقصير للقولضمناً
…
ومدّ ضبعي أبو العباس من
بعد انقباض الذرع والباع الوزى
إن الحسين والنقي الطهر الحسن
…
إن لم أنافس فيهما يوماً فمن
هل بهما قيس يقاس أو يمن
…
نفسي الفداء لأميريّ ومن
تحت السما لأميريّ الفدا
أصبح سحبان لديّ باقلاً
…
إذ عنهما قمت خطيباً ناقلا
مفاضلاً أعد لهما مفاصلاً
…
لا زال شكري لهما مواصلا
لفظي أو يعتاقني صرف المنى
أبكي الحسين فيهما وكيف لا
…
وقد غدا مفضلاً مفصلا
لما ذكرت قتله بكربل
…
إن الأولى فارقت من غير قلى
ما زاغ قلبي عنهم ولا هفا
ولم يكن كفوى من ناويته
…
حتى يعاطى فضل ما أعطيته
ولا جهلت الحزم ما عاديته
…
لكن لي عزماً إذا امتطيته
فمبهم الخطب فاآه فانفأي
لم أرى في غير المعاليمأرباً
…
وللعوالي لم ازل محببا
أهوى عليه مقعداً مطببا
…
ولو أشاء ضم قطريه الصبا
عليّ في ظل نعيم وغنى
كأنني حمامة حنّانة
…
حامت على الدوح وقال حبّانة
لم يصبني غير العلى مكانة
…
ولا عبتني غادة وهنّانة
تضني وفي ترشافها برء الضنى
…
حفت فلأعرف من بعلها
…
واعتدلت حيث الصبا ميلها
وجملة الأمر الذي فصلها
…
لو ناحت الأعصم لانحط لها
طوع القياد من شماريخ الذرا
يبعد ان يرقى المهابة بقى
…
أحداقها تفرى دلاص الحلق
نبالها لا يتقيها متقي
…
أو صابت القانت في مخلولق
مستصعب المسلك وعز المرتقى
مسلم نفس في يد حنينه
…
راهب دير فان من كمينه
مستوحش كالليث في عرينه
…
ألهاه عن تسبيحه ودينه
تأنيسها حتى تراه قد صبى
وخشية ألفه لعربها
…
إذا حدا في الليل حادي ركبها
أسكرني وهل نسيم قربها
…
كأنما الصهباء مقطوب بها
ماء جنى ورد إذا الليل عسا
يخالها النعمان أو شقيقها
…
يا زيد أنعمت في حريقها
كالكأس تجلى في جلي رحيقها
…
يمتاحها راشف برد ريقها
بين بياض الظلم منها واللمى
يا معجباً من دمع عيني مهملاً
…
يذكر روضا بالحمى ومنهلا
ومنزلاً إلى العقيق قد خلا
…
سقى العقيق فالحزيز فالملا
إلى النحيت فالقريان الدنا
ربع العلا أفقر من أربابه
…
وسورة الفتح على أبوابه
ومبسم الأفواه الأمير يترابه
…
فالمربد إلا على الذي تلقى به
مصارع الأسد بألحاظ المها
ربع على منزله بقربه
…
وأشرقت أنواره بغربه
وقد زها نوارها بتربه
…
محله كل مقرم سمت به
مآثر الآباء في فرع العلا
لئن زرد يوماً مقدماً فما رزوا
أكم خلق الله حوراً وحوز
…
من الأولى جوهرهم إذا اعتزوا
من جوهر منه النبي المصطفى
فهم بحار العلم أو سفن النجا
…
أطواد حلم لم يخب فيه الرجا
وثبت وحي لهداه الملتجى
…
صلى عليه الله ما جنّ الدجى
وما جرت في فلك شمس الضحى
عين يزيل الغيم منها حاجباً
…
فيشيم البرق العبور قاضبا
ويرسل الغيث لدمعي ساكباً
…
جون أغارته الجنوب جانبا
منها وواصت صوبه يد الصبا
الشمس في غيوبه قد كورت
…
والوحش من بريمه قد حشرت
ينظم وهرا كالنجوم انثرت
…
نأي يمانياً فلما انتشرت
أحضانه وامتد كسراه غطا
صفا بها شاباً من الشوائب
…
بكل لطف شابت الذوائب
ممدودة الأطناب في المضارب
…
فجلل الأفق فكل جانب
منها كأن من قطريه المزن حبا
حار على السرح وما أعدله
…
لما حمى السبل لما سبله
وأطفا النور بما أشعله
…
إذا خبت بروقه عنّت له
ريح الصبا تشب منها ما خبا
قنطارة توسع في إغرابها
…
فيبعد المحل من اقترابها
هذا مع الإسراع في إيابها
…
وإن ونت رعوده حدابها
راعى الجنوب فحدت كما حدا
إن نثرت جواهر من سلكه
…
وانحل عقد خيطه وفركه
هبت صبا تجمع شعل هتكه
…
كان في أحضانه وبركه
بركاً تداعى بين سجر ووحى
طاهره يبدو لمن تأملاً
…
ركب يوالي أولا فأولا
ولو تراه طالعاً يا ابن جلا
…
لم تر كالمزن سوا ما بهلا
تحسبها مرعية وهي سدى
رأى حمولاً قد تأمن رفعة
…
وأقبلت أنواره من دفعه
فاعرف البلدة نور هقعة
…
فطبق الأرض فكل بقعة
منها تقول الغيث في هاتا ثوى
ما نافعي منها بفلك أو سقت
…
من بعد قتلى الطف لطمت أو سقت
هل من سواء أنجزهم إن استقت
…
تقول للأجراز لما استوسقت
بسوقه تسقي بريّ وحيا
فأخرج الحب به بعد الجبا
…
وأطلق السبت ما ها للحبا
وفرق اللطف به كف الصبا
…
فأوسع الأحداب سيبا محسبا
وطبق البطنان بالماء الروى
وطالما استخرجه من عيبه
…
مستسقياً غمامه بسيبه
فأضحك العباس فضل شيبه
…
كأنما البيداء غبّ صوبه
بحر طما تياره ثم سجا
إذا أناخ في الثرى بركبه
…
اطلع تبراً زاهراً من تربه
يعرب في النادي بداً عن عربه
…
ذاك الجدا لا زال مخصوصاً به
قوم هم للأرض غيث وجدا
سقتني الاخلاص منه درة
…
وبالرضا قد حيلت لي قطرة
فلي على الصبر بذاك فطرة
…
لست إذا ما بهظتني غمرة
ممن يقول بلغ السيل الزبى
كم وقفة للرمح فيها خطرة
…
لم يجر فيها من دموعي قطرة
كفكفها وتلك نفس حرة
…
وإن ثوت تحت ضلوعي زفرة
تملأ ما بين الرجا إلى الرجا
لمتها بعفتي تسترا
…
أو يرجع المظهر منه مظهرا
وإن دهتني أزمة كما ترى
…
نهنهتها مكظومة كما يرى
مخضوضعاً منها الذي كان طغى
لست وإن أرب حيا في كربة
…
وأعوزتني لمساغي شربة
يخضع يوماً من تناهي هضبة
…
ولا أقول إن عرتني نكبة
قول القنوط انقدّ في الحرب السلا
أنا الذي طود حياتي قد رسا
…
فلا ألين للعدو إن قسا
ابسم والخطب يرى معبساً
…
قد مارست مني الخطوب مارسا
يساور الهول إذا الهول عسا
واعتدلت أفعال بطشي في القوى
…
وصح ميزاني فخلاني سوا
فلا أميل لهواء وهوى
…
لي التواء إن معادي التوى
ولي استواء إن موالي استوى
خلائق قد جبلت طهارة
…
خذ عن عبير عيرها عبارة
في الذي يخشى ويرجى عارة
…
طمعي شريّ للعدو تارة
والأري والراح لمن ودي ابتغى
ساءني الأضداد في تألفي
…
أبدع في تركيبها مؤلفي
تنكرا ضمّ إلى تعرفي
…
لدن اذ لوينت سهل معطفي
ألوى إذا خوشنت مرهوب الشدا
لم يتقلقل الرزايا ربتي
…
ولا دنت طوع لدينا همتي
وكل فضل راسخ من فضلتي
…
يعتصم الحلم بجنبي حبوتي
إذا رياح الطيش طارت بالحبي
شيطان دنياي لا يوسوس
…
وباطني كظاهري مقدس
عفة طهر حرها لا تنجس
…
لا يطبئني طمع مدنس
إذا استمال طمع أو اطبى
إن شرفت فلم يشنع شاربي
…
إذا شرقت من الدماء معاربي
فطا لما أدنى المنى مآربي
…
وقد علت بي رتبا تجاربي
أشفين بي منها على سبل النهى
صفوت أخلاقاً فذا
…
معوداً من صغري معوذا
من كل ما يخشى الفتى إلا إذا
…
إن امرؤ خيف لافراط الأذى
لم يخش مني نزق ولا أذى
سجية في غير دأبي لم يكن
…
إن خانني دهر ظلوم لم أخن
أو هزّ خل..حقاً أحن
…
من غير ما وهن ولكني امرؤ
أصون عرضاً لم يدنسه الطخا
كم ليلة بت بها أحمي الحما
…
أرعى بها نجمي سنان وسما
صوناً وبذلاً لدمي أو دما
…
وصون عرض المرء أن يبذل ما
ضنّ به مما حواه وانتصى
إن أسمعت قوس الرزايا رنّه
…
وأرسلت رسماً أصاب مجنّه
تلقه بالشكر تلق منّه
…
والحمد خير ما اتخذت جنه
وأنفس الاذخار من بعد التقى
إن قعدت في كبوة من زمني
…
وقام في العلياء منكوس دني
خلف الدنيا بالميل الدون مني
…
وكل قرن ناجم في زمن
فهو شبيه زمن فيه بدا
لم تبد لي من مبسم بوارق
…
إلا انجلت لي تحتها بوائق
يعرفها من هو مثلي ذائق
…
والناس كالنبت فمنهم رائق
غض نضير عوده مرّ الجني
وكلما نجني على طرف الفطن
…
بظاهر ببطن سرا؟ ً مكتمن
فمنه ما بان بمعنى لم يبن
…
ومنه ما تقتحم العين فإن
ذقت جناه انساغ عذباً في اللها
رمى الذي أكفيت في طعانه
…
قد كفت الأيام من سنانه
فليت لي عوداً إلى إبانه
…
يقوم الشارخ من زيغانه
فيبستوي ما انعاج منه وانحنى
هيهات إن يرجعه لهيفه
…
يبعثه على الدماء وبيغه
وهو عليه قد قضى نبيغه
…
والشيخ إن قومته من زيغه
لم يقم التثقيف منه ما التوى
قد كان والنصر به يحفه
…
يشقى دماء فيميل عطفه
أعطشه الدهر وهان قصفه
…
كذلك الغصن يصير عطفه
لدناً شديد غمزه إذا عسا
هو الذي أطمع حلماً خصمه
…
حتى استباح السيف ظلماً قسمه
لو حارب القوم يبوء سلمه
…
من أظلم الناس تحاموا ظلمه
وعزّ منهم جانباه واحتمى
هذا الزمان لا يرى ناجبه
…
أو ليحيل للادى واجبه
وكلما أسند انتهى عاصبه
…
وهم لمن لان لهم جانبه
أظلم من حيات أنباث السفا
ان اسمعوا داعي الهدى لم يسمعوا
…
وحركوا إلى الضلال أزمعوا
لهم على العين عيون تدمع
…
عبيد ذي المال وإن لم يطمعوا
من غمره في جرعة تشفي الصدى
لا يغترر منهم بوجه قد دهن
…
ما نفاف من نفاق قد حزن
ما حبهم إلا لمهزول سمن
…
وهم لمن أملق أعداء وإن
شاركهم فيما أفاد وحوى
خالطت أرباب العصور والدمن
…
وذقت من حال هزال وسمن
فما ثنى عن ناب الزمن
…
عاجمت أيامي وما الغر كمن
تأزد الدهر عليه واعتدى
على الحظوظ فليكن معولاً
…
وبعد ها كن معزلاً او معولا
من سلبت حطت ومن أعطت علا
…
لا ينفع اللب بلا جد ولا
يحطك الجهل إذا الجد علا
كم ساقط علمت به إعلامه
…
ولم تزل في الوغى أقدامه
وسائق آجره أقدامه
…
من لم تفده عبراً أيامه
كان العمى أولى به من الهدى
وفي الليالي عبر فاعجب لما
…
يأتي به في الأرض عن رب السما
ما فيه شك والمقال قلّما
…
من لم يعظه الدهر لم ينفعه ما
راح به الواعظ يوماً أو غدا
ما زال مني دانياً من انثنى
…
يخطو فكر كلما شاء شأي
وطرف رأي في العيون لا رأى
…
من قاس ما لم يره بما رأى
أراه ما يدنو إليه ما نأى
فأعتق فديت النفس من رق الأمل
…
وحيّ في الزهد على خير العمل
وأقنع من المهل وتاب لعل
…
من ملك الحرص القياد لم يزل
يكرع في ماء من الذل سرى
لي نفس حر الدنايا ما دنت
…
وهمة على العلا قد أمنت
من أجلها عين الجنان لي عنت
…
من عارض الأطماع باليأس رنت
إليه عين العز من حيث ما رنا
وكم لطمت الخيل في شدوهها
…
فصدمه عراء في وجوهها
والحرب لم تعقل على معتوهها
…
من عطف النفس على مكروهها
كلان الغنى قرينه حيث انتوى
عذر جوادي ما انتهى عن كرّه
…
حتى التقى حد الظبا بنحره
وآل بعد مدة لحرزه
…
من لم يقف عند انتهاء قدره
تقاصرت عنه فسيحات الخطا
السهم إن أطلقه من حبسه
…
قوس شعيف النبض عند خبسه
أخطأ راميه مكان حدسه
…
من ضيع الحزم جنى لنفسه
ندامة الذع من سفع الذكا
لم يحبس العنان في رباقه
…
إلا الذي أطلق من وثاقه
فأسرع الإعداء في إلحاقه
…
من ناط بالعجب عرى أخلاقه
نيطت عرى المقت إلى تلك العرى
إن قصر الخطى في خطواته
…
فلم يكد يخرج عن خطته
فطالما بالغ في رفعته
…
من طال فوق منتهى بسطته
أعجزه نيل الدني بله القصا
وصارم قلل منه توقه
…
لمورد من الوريد ذوقه
فلم ينل منه دروع شوقه
…
من رام ما يعجز عنه طوقه
ملعبء يوماً آض مجزول المطا
لما تجلى ساعد المساعد
…
ولم أجد لي صلة من عائد
لقيت وحدي جمعهم عوائدي
…
والناس ألف منهم كواحد
وواحد كالألف إن أمر عني
نفس ترد غلانه لا سلمت
…
في بذلها صون لها لو علمت
ستجمع الحمد إذا ما اقتسمت
…
وللفتى من ماله ما قدمت
يداه قبل موته لا ما اقتنى
ولي سنان في الجلاد لسن
…
كما لساني في الجدال ألسن
كلاهما تكليمه مستحسن
…
وإنما المرء حديث حسن
فكن حديثاً حسناً لمن وعى
قل للذي أيقظن حرى ورقد
…
فلا انطفا من حقده ما قد رقد
ولا أحذر الموت أحال أو فقد
…
إني حلبت الدهر شطريه فقد
أمرّ لي حيناً وأحياناً حلا
نشطت للحرب فسلى عن العقل
…
وقمت فيها مستخفاً ما ثقل
وبالقرار فأولت فلم أقل
…
وفرّ عن تجربة نابي فقل
في بازل راض الخطوب وامتطى
إن أصولاً الأمير يالتراب غرسهم
…
عرائس يوم الممات عرسهم
سل عنهم الأقران هل يجسّهم
…
والناس للموت خلا يلسّهم
وقلّما يبقى على اللّس الخل
يا من غدا في حربنا ثم اعتدى
…
ما قد لقينا اليوم نلقاه غدا
أفق لما أنشأ الزمان منشدا
…
عجبت من مستيقن إن الردى
إذا أتاه لا يداوي بالرقى
وذاهل عن سير مرويّة
…
مفصحة عن عبر علوية
يوقع في أنشوطة ملويّة
…
وهو من الغفلة في أهويّة
كخابط بين ظلام وعشا
ومعشر بعدي بكوا تندماً
…
ظنوا أن يرووا إذا متّ ظما
حلواً فأجروا مثلاً تلوّما
…
نحن ولا كفران لله كما
قد قيل للسارب أخلى فارتعي
والثابت الأروع والقلب الفطن
…
من عثرات ما يخاف قد أمن
والحائر الجأش الذي إذا امتحن
…
إذا أحسّ نبأة ريع وإن
تطامنت عنه تمادى ولها
إنا وإن تقللت جموعنا
…
ومزقت يوم اللقاء دروعنا
.....
…
نهال للمسير الذي يروعنا
ونرتعي في غفلة إذا انقضى
وإن قضيت والقضاء لا يدفع
…
فلي بجنات النعيم موضع
وقاتلي في قعر الجحيم موضّع
…
إن الشقاء بالشقي مولع
لا يملك الردّ له إذا أتى
مع الكرام تصنع الصنائع
…
وللملام عندهم مسامع
وفي اللئام ما غرست ضائع
…
واللوم للحرّ مقيم رادع
والعبد لا يردعه إلا العصا
ما خاب سعياً في الرجا من عقلا
…
ولم يزل بالعقل نجحا معقلا
ومن علا بالجهل يوماً سفلا
…
وآفة العقل الهوى فمن علا
على هواه عقله فقد نجا
لي خلق زكية أعراقه
…
راق لمن قد شمنى مذاقه
تجمع لي فاروقه فراقه
…
كم من أخ مسخوطة أخلاقه
أصفيته الود لخلق مرتضى
وصاحب بعد الولا تململا
…
وصارم بعد الوفا تقلقلا
حفظت للثاني الزمان والأولا
…
إذا بلوت السيف محموداً فلا
تذممه يوماً تراه قد نبا
ولئن أصاب الدهر مني صلدما
…
فعاد بالى ثراه مقدما
وطال ما حليتها وقلما
…
والطرف يجتاز المدى وربما
عنّ لمعداه عثار فكبا
اسمع أخي نصح قد غذى
…
من فاطم صفو رضاع ما قذى
قائل بفضل المديح وااللفظ البذى
…
من لك بالمهذب الندب الذي
لا يجد العيب إليه مختطى
وإن عصيت الحق مع خلّ ظلم
…
كما اقتضى العلم وأجراه القلم
صفحاً فذو النقص بفضل لم يلم
…
إذا تصفحت أمور الناس لم
تلف امرءاً حاز الكمال فاكتفى
وابك على ربع من الأهل خلا
…
مطلع بدر صار بعدي منزلا
وناد في النادي به تمثلا
…
إن نجوم المجد أمست افلا
وظله القالص أضحى قد أزى
ربع العلا والفضل والتكرم
…
يبكي له الركن بدمع زمزم
ما فيه للسائر المسلم
…
إلا بقايا من الناس بهم
إلى سبيل المكرمات يقتدى
أرى النسيم يعتل في حماهم
…
وغار في الروض على خلاهم
كأنما هواهم لهواهم
…
إذا للأحاديث انتضت أنباهم
كانت كنشر الروض غاداه السدى
أبكي لشمل منهم مشتتاً
…
وغنه المسك غدا مفتتا
من لي بطيب راح قد أتى
…
ما أنعم العيشة لو أن الفتى
يقبل منه الموت أسناء الرشا
ولم يزل يجلو الليالي بدره
…
ولم يخف من بعد وصل هجره
فكان يقضي في نشاط دهره
…
أو لو تحلى بالشباب عمره
لم يستلبه الشيب هاتيك الحلى
ترى لأيام الشباب مرجع
…
أم في البقا مع داء المصاب مطمع
أم لي خلع منهما تخلع
…
هيهات مهما تشعبه يسترجع
وفي خطوب الدهر للناس أسى
وليلة كنت بها نجم السرى
…
وكان فيها النصل سنخاً مسفرا
أيقظت طرفاً بات عنه مبصراً
…
وفتية سامرهم طيف الكرى
فسامروا النوم وهم غيد الطلى
والسير يطوى ويمد عركه
…
وهنا وخيط الصبح وقت فركه
وستره ما حان بعد هتكه
…
والليل ماق بالموامى بركه
والعيس ينبثن أفاحيص القطا
أهدت لعيني طيف ليلى هدأة
…
حفت لها على الجفون وطأة
سرى فعادت من هيامى ندأة
…
بحيث لا تهدى لسمع نبأة
إلا نئيم البوم أو صوت الصدى
وصحبتي من كل من تنبذا
…
خمراً حلا لا من نعاس وشذا
قد أخذ النوم عليهم مأخذاً
…
شايعتهم على السرى حتى إذا
مالت أداة الرحل بالجبس الدوى
مالت بهم تعريسه بحبها
…
من هون البعد عليه قربها
فعند ما راق إليهم سربها
…
قلت لهم إن الهوينا غبّها
وهن فجدّوا تحمد واغب السرى
إذا الرجا سالت بهم بطحاؤه
…
في مهمه أسنة حصباؤه
إنسه مع الضنا ضناؤه
…
وموحش الأرجاء طام ماؤه
مد عثر الآعضاد مهزوم الجبا
لا يتأتى وارد لمائه
…
في الأرض ما لم يأت من سمائه
أما ترى الطير من ارتمائه
…
كأنما الريش على أرجائه
زرق نصال أرهفت لتمتهى
يستهول الخائض فيه هوله
…
حيث الصدى فيه يعيد قوله
ويومه يحسب طولاً حوله
…
وردته والذئب يعوي حوله
مستك سمّ السمع من طول الطوى
اعددت لليل الطويل همه
…
عوناً أخوه إن نسيت عمّه
إذ كان منه جسمه وقسمه
…
ومنتج أم أبيه أمه
لم يتخون جسمه مسّ الضوى
عنت له في الفرعين أو عنت
…
أن يتوطا مع القرين أو طنت
فعند ما أسرّ ما قد أعلنت
…
أفرشته بنت أخيه فانثنت
عن ولد يورى به ويشتوى
ورب واد كمنت أحشاؤه
…
أفاعياً دانت له حصباؤه
سلكته ليلاً إذ ردى أرداؤه
…
ومرقب مخلولق أرجاؤه
مستصعب الأقذاف وعر المرتقى
في شقة قد اطلعت شقيقها
…
وما عرب فارقت فريقها
لا عقّ أن يودى الندا عقيقها
…
أوفيت والشمس تمج ريقها
والظل من تحت الحذاء محتذى
كم خائف أوسعه الدهر إذا
…
ملّ على الذل البقا فانتبذا
رأى طريق الصبر وعراً فاحتذى
…
وطارق يؤنسه الذئب إذا
تضوّر الذئب عشاء وعوى
دارت به في الليل طرف يقنف
…
جرت عليه الليل ريح صفصف
حتى إذا لاح منار يعرف
…
أوى إلى ناري وهي مألف
يدعو العفاة ضوءها إلى القرى
في ليلة طافت بنشر عابق
…
فأسكرت بصائح وعائق
أدنت فأنشدت بها مفارقي
…
لله ما طيف خيال طارق
تزفه للقلب أحلام الردى
عجبت منه كيف أهداه السرى
…
والنجم قد بات به محيرا
وبيننا بحر وبرّ أقفرا
…
يجولها جواز الفلا محتقرا
هول دجى الليل إذا الليل انبرى
يا ناظراً متع في إعفائه
…
لئلا يطيف ضامن لألائه
ها قد بلغت السول من لقائه
…
سائله إن أفصح عن انبائه
أنىّ تسدى الليل أم أنى اهتدى
وهل ترى تخيل الوساوس
…
ونفسه في مثلها ينافس
إن غزال حاجرى آنس
…
أو كان يدرى قبلها ما فارس
وما مواميها القفار والقرى
ومجتنىً ذاق لذوق مجتن
…
فارقته من سكن ومسكن
وأحزنني لفقد من حزن
…
وسائلي بمزعجي عن وطني
ما ضاق بي جنابه ولا نبا
يسائلني وحقه أن يسكتا
…
لم ولما وكيف حتى ومتى
كان له عند الجواب مسكتاً
…
قلت القضاء مالك أمر الفتى
من حيث لا يدري ومن حيث درى
يا عاذلاً عن شرعه الحق عذل
…
دع عنك عذلاً سبق السيف العذل
يسائلني لم أعتصم من الزلل
…
لا تسألني واسأل المقدار هل
يعصم منه وزر ومذدرى
سعى الفتى بتعلّي قسطه
…
أبداً رضاه عنده أو سخطه
فلا تطيل قبضه أو بسطه
…
لا بد أن يلقى امرؤ ما خطّه
ذو العرش مما هو لاق ووحى
إذ عاد نفع الدهر وهو ضائر
…
فانفطرت من دونه مرائر
وراح بعد الجبر وهو كاسر
…
لا غرو إن لجّ زمان جائر
فاعترق العظم الممخ وانتقى
فلا يغرنك انطفاء نور قد وقد
…
يوماً لا نور إذا الحلّ انعقد
في كل عين لو نظرت منتقد
…
فقد يرى القاحل مخضراً وقد
تلقى أخا الاقتار يوماً قد نما
قل للذين قد أباحوا قتلنا
…
واستحسنوا على الرماح حملنا
في السبي سرب ظبية أصلنا
…
يا هؤلي هل نشدتن لنا
رافعة البرقع عن عيني طلا
راحت بخشفين مما بحشرتي
…
فراح بعضي معها بل جملتي
لامت من ريقها بغضتي
…
ما انصفت أم الصبيين التي
أصبت أخا الحلم ولما يصطبي
يا صاحبي ومن له سرى علن
…
كم بيع حر في الهوى بلا ثمن
وانقاد طوعاً جامح كالممتهن
…
استحى بيضاً بين أفوادك أن
يقتادك البيض اقتياد المهتدي
لئن جلوت للشباب حلة
…
يحتمل العاقل فيها جهلة
فخذ بذا التفصيل مني جملة
…
هيهات ما أشنع هاتا زلة
أطربا بعد المشيب والجلا
رجعت في الغزلان عن تغزلي
…
إلى رثاء السيد الطهر الولي
به مستشفعاً توسلي
…
يا رب ليل جمعت قطريه لي
بنت ثمانين عروساً تجتلي
عذراً في قتلي قبلت عذرها
…
شمطاً لكن ما تعد عمرها
بشيعة الأكباد وقعاً حرها
…
لم يملك الماء عليها أمرها
ولم يدنسها الضرام المحتضى
بكر إذا ما شق عن جذورها
…
يستتر الأنوار من ظهورها
أما ترى البدر اختفى من نورها
…
كأن قرن الشمس في ذرورها
بفعلها في الصحن والكأس اقتدى
من كأسها الملآن ما الدهر حلا
…
من عدها بأول فأولا
قد شبه يثرب مع اهل الولا
…
نازعتها أروع لا تسطو على
نديمه شرّته إذا انتشى
بات يراعى خاطري بلحظه
…
حتى أفاد ذا الرقى من حظه
غيث ندى في ندبه ووعظه
…
كأن نور الروض نظم لفظه
مرتجلاً أو منشداً أو إن شدا
أمطرت وادي الحزن وأسبلته
…
فحطّ عني بعض ما حملته
مقالة فانقضت ما نقلته
…
من كل ما نال الفتى قد نلته
والمرء يبقى بعده حسن النثا
لا تجز عن بصري رفقتي
…
إني فرحت راضياً بقتلتي
خذوا تفاصيل النهى من جملتي
…
فإن أمت فقد تناهت لذتي
وكل شيء بلغ الحد انتهى
ما إثمي قد رجعت مواسماً
…
وذا بلى قد اهتز غصناً ناعما
بجنّة فيها البقاء دائماً
…
وإن أعش صاحبت دهري عالما
بما انطوى من صرفه وما انتشى
أليس من قربي أعلام الهدى
…
الطاهرين مولداً ومشهدا
فكيف أرضى بأضاليل العدى
…
حاشا لما سأره فيّ الحجا
والحلم أن أتبع روّاد الخنا
لا تحسبن دهر قضى بغربة
…
إني إليه شاكياً من كربه
أو شاكراً لرفعه في ركبه
…
أو أن أرى مختضعاً لنكبه
أو لابتهاج فرحاً ومزدهى
تمت بحمد الله
علي بن محمد بن سليم أبو الحسن بهاء الدين الصاحب الوزير المعروف بابن حنّاء وزير الملك الظاهر ركن الدين وولده بعده إلى حين وفاته. مولده بمصر في سنة ثلاث وست مائة، وتوفي بها وقت العصر نهار الخميس سلخ ذي القعدة، وصلي عليه يوم الجمعة قبل الصلاة، ودفن بتربته بالقرافة الصغرى رحمه الله ومات وهو جد كان من رجالة الدهر حزماً وعزماً ورأياً وتدبيراً، تنقلت به الأحوال، وتنقل في المناصب الجليلة، وظهرت كفايته ودرايته وحسن تأنّيه، فاستوزره الملك الظاهر رحمه الله في أوائل دولته، وفوّض إليه أمور مملكته مما يتعلق بالأموال والولايات والعدل لا يعارض في ذلك، ولا يشارك بل هو المتصل بأعباء ذلك، والمرجع إليه فيه، ولم يزل مستمراً على ذلك إلى حين وفاة الملك الظاهر رحمه الله فدبّر الأمور أحسن تدبير، وساس الأحوال في سائر المملكة، واحمل خلقاً كثيراً ممن ناوله، وكان عنده حسن ظن بالفقراء والمشايخ يحسن إليهم - نفع الله بهم - ويقضي حوائجهم ويبالغ في إكرامهم وكان أرباب الحوائج يتوسلون بهم إليه فلا يرد لهم شفاعة. حكي لي أن بعض الصلحاء المتورعين قدم القاهرة في أواخر شعبان فكلف بالاجتماع به لسبب شخص مصادر فاجتمع به وحدثه في ذلك فأجابه ثم قال له: هذا شهر رمضان قد أقبل، واشتهى أن تصومه هنا وتفطر عندي وأقضي لك في كل ليلة عشر حوائج كائنة ما كانت، فنظر ذلك الرجل على ما يترتب في إجابته من المصالح فصام عنده شهر رمضان وأفطر عنده فوفى له بوعده، وكان كلّ ليلة يقضي
له عشر حوائج من إطلاق محبوس وولاية بطال ومسامحة من عليه ماله وهو عاجز عنه إلى غير ذلك. وكان واسع الصدر لا يدري مقدار ما يلزمه من الكلف للأمراء والرؤساء ومن يلوذ بخدمته، وأما عفته من الأموال فإليها المنتهى لا يقبل لأحد هدية إلا أن يكون من المشايخ الصلحاء، ويهدي له ما لا قيمة له فقبله تبركاً ويبرّ الذي سيّره إليه، وقصده جماعة من أكابر الأمراء وغيرهم من أرباب الدولة فلم يبلغوا منه مقصودهم، ولم يجدوا ما يتعلقوا عليه به، ولما توفي الملك الظاهر استمرّ به ولده الملك السعيد رحمه الله وبالغ في إكرامه وإعظامه ولم تزل حرمته وافرة تامة ومكانته عالية، وكلمته نافذة، وأوامره مطاعة إلى حين وفاته، وله برّ وأوقاف وكان يتصدق بالجمل الكثيرة سراً وجهراً، وله متاجر تعود نفقتها إليه فمنها معظم نفقاته وصدقاته، ولما ابتلاه الله تعالى بفقد ولديه الصاحب فخر الدين والصاحب محيي الدين - رحمهما الله تعالى، وقد تقدم ذكرهما وحاز لأجر فقدهما، عوضه الله من ذريتهما بأولاد نجباء صدور رؤساء تقرّ بهم عينه وبهم في المعروف وفعل الخير طرائق لم يسبقوا إليها، وفيهم الأهلية التامة والوزارة وغيرها، غير أنهم كانوا يختارون العزلة، وكان الصاحب بهاء الدين رحمه الله ممدّحاً مدحه جماعة كثيرة من الشعراء بغرر القصائد، وكان يهش لذلك، ويجزيهم الجوائز السنية، عمل فيه الحاج رشيد الدين الفارقي الآتي ذكره في هذا الكتاب إن شاء الله.
وقائل قال لي نبّه لها عمراً
…
فقلت إن علي قدر تنبه لي
مالي إذا كنت محتاجاً إلى عمر
…
من حاجة فليتم حتى انتباه علي
ولسعد الدين سعد الله بن مروان الفارقي كاتب الدرج المختص بملازمته فيه:
يمّم علياً فإنه يمّ الندى
…
وناده في المضلع المعظل
فرفده مجد على مجدب
…
ووفده مفض إلى مفضل
يسرع أن سيل نداه وهل
…
أسرع من سيل أتى من علي
محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر أبو عبد الله مجد الدين. ولد سنة اثنتين وست مائة بإربل وتوفي بدمشق القيمازية ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر، ودفن يوم الجمعة بمقابر الصوفية - رحمه الله تعالى. كان إماماً في علم الأدب ونقد الشعر ومعرفته، وله اليد الطويلة في النظم، فاق به نظراءه، وكان فقيهاً جيداً، درّس بالمدرسة القيمازية بدمشق مدة سنين، وكان وافر الديانة، كريم الأخلاق، واسع الصدر، محتملاً للأذى، يتصدق دائماً، يحسن إلى معارفه وتلامذته، ويكارم أصحابه وإخوانه. صحبته في طريق الحجاز في سنة ثلاث وسبعين، ورأيت من مكارمه وحسن عشرته وجميل أوصافه ما لم يجمع في غيره - رحمه الله تعالى ورضي عنه، وكان رقيق الحاشية دمث الأخلاق علوّ النادرة، قال شهاب الدين محمود كاتب الدرج أنشدني الشيخ مجد الدين لنفسه:
أواصل فيه لوعتي وهو هاجر
…
ويؤنسني تذكاره وهو نافر
ويعدى هواه ناظري بأدمع
…
يوردها ورد بخديه ناضر
ويغتر في تيه الملاحة خاطراً
…
فكلّ خليّ في هواه مخاطر
ويزوّر سخطاً ثاني العطف معرضاً
…
فلا عطفه يرجى ولا الطيف زائر
محياه زاه بالمحاسن زاهر
…
فقلبي فيه ساهر وساهر
يحيل على القد المهفهف معجباً
…
جبالة شعركم بها صيد شاعر
غزال منيع الحذر دون مزاره
…
مطللة بالبيض قدّ جؤاذر
جلا طلعة كالروض دبجه الحيا
…
ترفّ بماء الحسن فيها أزاهر
وشهّر خدّا بالعذار مطرزاً
…
فما لفؤاد لم يهم فيه غادر
فإن صاد قلبي طرفه فهو جارح
…
وإن فتنت آياته فهو ساحر
وكم راح دلّ في الهوى لي شافعاً
…
فعوضت عما ارتجى ما أحاذر
إذا كان صبري في الصبابة خاذلاً
…
فما لي سوى دمعي على الشوق ناصر
على أن فيض الدمع لم يرو غلة
…
من الوجد إذ كتمها العيون الفواتر
وقال - رحمه الله تعالى:
لولا الهوى اعدوا أصالي هاجر
…
بسؤول منّاع ومرضى مسخط
ألف الجفاء وباع ودي مرخصاً
…
فكتبت منه بمفرّط ومفرط
وقال أيضاً رحمه الله:
كل حي إلى الممات مآبه
…
ومدى عمره سريع ذهابه
معه سائق له وشهيد
…
وعلى الحرص ويحه أكبابه
تخرب الدار وهي دار بقاء
…
وهو يثني ما عن قليل خرابه
هو ضرب من الطيب كالخلوق كي
…
ف يلّهيه طيبه وملابه
كل يوم يزيد نقصاً وإن عمّ
…
ر خلت أو صابه وأصابه
والورى في مراحل الدهر ركب
…
دائم السير لا يرجي إيابه
فتزود إن التقى خير زاد
…
ويصيب اللبيب منه لبابه
وأخو العقل من يقضي يصدق
…
شيبه في صلاحه وشبابه
وأخو الجهل يستلذ هوى الن
…
فس فيغدو شهداً لديه أصابه
كم سلبت مني عقولاً وكم أو
…
جب نقضاً لفاضل إعجابه
وأحال الهوى الحقائق حتى
…
صار عذباً عند المحب عذابه
أجمل الفكر في الزمان وأهله
…
اعتباراً في الكون جماً عجابه
وتحام الأقدار نطقاً وفكراً
…
فهي في شاهق يشق عقابه
وإذا ما الجهول أغرق فيها
…
أغرقته بالسيل فيه شعابه
رب أمر يريب العقل صعب
…
بالتروي فيه يزول ارتيابه
لا تكن حاكماً بأول رأى
…
فكثير بين الأمور التشابه
رب كأس من الجمال كما يؤ
…
ثر عار من الجميل إهابه
وعزيز بمنع ضيم حتى
…
أصبحت كالوهاد ذلاً هضابه
ودني علا به الجد حتى
…
أوطئت هامة الثريا ركابه
وسعيد يحظى بكسب سواه
…
وشقي لغيره اكسابه
وغني صلاحه في غناه
…
وفقير إعطاؤه أعطا به
وجواد بماله نال ذكراً
…
كان ذاك الذكر الجميل ثوابه
وكريم يقتر للرزق من ك
…
ف لئيم أمواله أربابه
وعدو يفيدك القرب منه
…
وصديق من الصواب اجتنابه
وملولة بحاضر مثمن
…
لخيال من غائب تنتابه
لا يغرنك قرب خلّ ولا يؤ
…
نسك من خلة العدو جنابه
فلكم مصحب عزاه حزان
…
وحزون أتى له أصحابه
وجهول مع الرضى وحكيم
…
ليس يغني أعضاؤه أعضابه
ومقيم في السوق غير حريص
…
وإمام شوق له محرابه
ومحل ثوى به غير بانيه
…
وعلم أضاعه أربابه
وغريق في الجهل مستحسن
…
اللحن وخير مستهجن أعرابه
موجز القول من أخي الفقر مملو
…
ك وذو الجد مؤثر انتهابه
لا يضع قدر ذي النباهة إن
…
قدّر إعساره ورثّت ثيابه
وتأمل فالبدر لانقص بعدوة
…
إذا كان بالسحاب احتجابه
زين ذي الفضل فضله وهو عار
…
وأخو النقص زينه أثوابه
ومعاداة كل حر كريم
…
ديدن الأخرق اللئيم ودابه
وإذا صادف الوضيع وضيعاً
…
ليس يلقى إلا إليه أنصابه
ليس بدعا فوز الأراذل بالما
…
ل وفوت الغنى الكريم نصابه
وبعيد من التوسع في الرز
…
ق أذيبت من رزقه إذا به
كن قنوعاً بما تيسر فالطا
…
مع عند ما ينقضي أرا به
وغنياً وأنت في غاية الف
…
قر برب طاعاته أبوابه
وإذا كان خوفه لك دأباً
…
لم تجد في الوجود شيئاً تهابه
إن رزقاً طلابه لك مكتوب
…
من العجز والشقاة طلابه
ولقد يرزق المقيم ويكدي
…
من سعي دهره وطال اغترابه
ولكم فارق الدنيّة مثر
…
ووفى عرض مملق أحدابه
إن امرءاً لم يمضه القدر الما
…
ضي لتعدو عوائقاً أسبابه
إن طول الحياة داء وما نف
…
ع حياة لمن قضت أترابه
إذا المرء طال عمره أذاقه
…
المنايا بفقدها أصحابه
وانتهى نقصه وعشش بازي
…
المشيب في رأسه وطار غرابه
وإذا كان آخر الأمر هذا
…
فلماذا على الحياة اكتئابه
أيها السائر المقيم على حرص
…
مقيم ما يستقل ركابه
إن حيل الأعمال والحرص كالأعم
…
ار طولاً فبالغنا انقضابه
بالفاقد أوبق النفس لم يكثر
…
عليها عويله وانتحابه
أمامنا موقف الحساب ولا أح
…
سابه جنة ولا أنسابه
ولملك أمد في العمر والرز
…
ق ومدت من ملكه أطنابه
يوسع الخطو في الخطاب أوا
…
ن ضاق عليه ضاقت عليه رحابه
هل لعبت لاه على ظهر أرض
…
وطويل في بطنها ألبابه
وغريق من لم يوفق لإقلا
…
ع وبحر الذنوب طام عبابه
لم لا يعتدي بقلب سليم
…
من إلى حضرة يحول انقلابه
لم لا تجزع النفوس منها
…
رهينة رمس بيد المشفقين يحثى ترابه
وبأمر يخلو به كل دار
…
من دونها يخلو من الليث غابه
يا مطيلاً آفال عمر قصير
…
وخطيب الردى فصيح خطابه
مغرب معرب وليس بمجد
…
فيه إغرابه ولا إعرابه
أنت ضعيف في الأهل فارتقب
…
الرحلة والصيف لا يدوم سحابه
نحن في دار قلعة فاز منها
…
من كان لدار المقام اكتسابه
دار حزن مريض عقل فتى
…
عادته فيها مسرة أطرابه
لا تضيقن ذرعاً بعاجل مكرو
…
هـ توافي حميدة أعقابه
وإذا علمت عاقبة الصب
…
ر عليه هانت عليك صعابه
ولكم قرب البعيد لك الصب
…
ر وكم بعد القريب ارتقابه
وإذا لم يكن من الأمر بد
…
فارتكبه ولا يرعك ارتكابه
ينصب الذلة الجبان ولا يد
…
فع عنه المقدار استصعابه
يفرج الضيق باللطف في الأمر ويؤ
…
دي بالعمر فيه اضطرابه
أومأ الماء وهو في باطن الصخ
…
رة باللطف رشحه وانسيابه
وإذا ما أحس بالشرك الصي
…
د دهاه نفوره وانجذابه
ومن الحزم أن يشاور في الأم
…
ر فكم فات ذا صواب صوابه
ولقد يخرق اللبيب وقد يح
…
سن من قد أخرق جهول مثابه
وينال الضعيف بالعجز أمراً
…
يئست من حصوله أخطابه
وعسى أن يجر يوماً إليك ال
…
رفع من طال العناد انتصابه
ولقد تحسن المجاور صنعاً
…
وهو يؤذي من زاد منه اقترابه
أو ما النصل كافل لك بالنص
…
ر شقي بالحد منه قرابه
والسر في الطباع ولي ولا
…
عنه عز في الورى أعبابه
ومن الناس عاد بالشم والش
…
مخ حزماً نسر الملا وعقابه
ومن الناس من يرضى بأوشا
…
ل مياه من القطا أسرابه
ومن الناس مشبه الليث لا ير
…
ضيه إلا عدوانه واغتصابه
ومن الناس عاقر الضيف كالكل
…
ب ومنهم من لا تهر كلابه
حكم قدر......... عدلاً
…
عم معروفه فخل جنابه
فاستعذ بالإله من شر عاف
…
في حبال الشيطان طال اختطابه
لم يرعه الإرهاب شرعاً ولا
…
ألبسه ثوب طاعة أرغابه
يوحش الجاهل الإقامة في الأه
…
ل ولا يوحش اللبيب اغترابه
والحليم الرشيد يخجله العت
…
ب ولا يخجل السفيه سبابه
ويجد الفتى يعود وداداً
…
وولاء من العدو ضبابه
وإذا ولت السعادة خانت
…
هـ وصارت أعداؤه أحبابه
وإذا ما القضاء عاند عبداً
…
حاربته سيوفه وحرابه
وغدا شمله شتيتاً واحزا
…
ناً عليه لضده أحزابه
يعجل المنفى ويبقى سليباً
…
من توالي طعناته وضرابه
لا يغرنك الوجوه فما كل
…
سحاب يروق يرجى ذهابه
وتجنب عتب الملوك فما يج
…
لب أعتابه إليك عتابه
وأصحب نصحاً من استشا
…
ر فما أنكر في مشروع قلة إيجابه
وإذا قابل النصيحة بالعس
…
ر فدعه فما عليك حسابه
وإذا اغتابك اللئيم فشكراً
…
حيث أضحى جهل اللئيم اغتيابه
وإذا سال السفيه بما شا
…
ء فترك الجواب عنه جوابه
وإذا الخطب ناب فاصبر فقد
…
يفرج غماؤه ويكهم نابه
وافعل الخير ما استطعت فقد يع
…
جز عن فعله ويغلق بابه
واخشين كاتب الشمال فيا خس
…
ر امرئ في الشمال منه كتابه
واغتنم لذة الخمول اختياراً
…
فهنئ طعامه وشرابه
واجعل البأس للمطامع شرباً
…
فكفيل برئهن شرابه
عش وحيداً ولو دعاك إلى صح
…
بته مخلص الدعاء مجابه
وانظر الجمر وهو يطفي بالما
…
أتجده به يزيد التهابه
وانتسب طائعاً إلى باب مولا
…
ك فما خاب من إليه انتسابه
كيف يرجو الوفاء من أهل دهر
…
قد تساوت أبناؤه وذبابه
طاف فيه العدول عن سنن العد
…
ل وطالت رؤوسه أذنابه
كم قرب بإتيانه الهم قلباً
…
وفرّت همام أهله أنيابه
وأباحت ملكاً منيعاً حماه
…
وأذلت ملكاً عزيزاً جنابه
وأعادت حسن الثناء أخا قب
…
ح ملاء من العيوب عتابه
وأعادت سعوده لاثم الت
…
رب مهيباً ملثومه أعتابه
هذه سنّة الزمان قديماً
…
وعلى مثلها مضت أحقابه
فقرين التوفيق من ذاته في
…
كل ما شاء صبره واحتسابه
يا أسير الذنوب بت عائداً من
…
ها بغفّارها المخوف عقابه
وخليق بعاجل الفوز من كا
…
ن إلى الخالق الكريم مثابه
وقال رحمه الله تعالى: وكتب بها من العلاء عند عوده من الحجاز الشريف في سنة أربع وسبعين وستمائة إلى المولى شهاب الدين محمود كاتب الدرج رحمه الله تعالى:
بلغنا العلى والشوق يحدو ركابنا
…
وذكركم زاد لنا وسمير
لعل النوى ينجاب عنا ظلامها
…
فيدنو ويبدو للعيون ستير
وتروى أحاديث الغرام صحيحة
…
وتروى بكم بعد القليل صدور
ويحدث في اللقيا أمور عجيبة
…
ويحدث من بعد الأمور أمور
وكتب إلى شهاب الدين محمود ملغزاً:
أيها العالم الذي يهز العا
…
لم فضلاً وفاق طبعاً وذهنا
ابن أسماء مؤنثاً مفرداً وض
…
عا ويعدو مذكراً إذا يثنى
وإذا شئت حال فعلاً وحرفاً
…
وعن الجملتين في اللفظ أعني
وإذا ما تركته كان لفظاً
…
وإذا ما عكسته صار معنى
فأجابه شهاب الدين رحمه الله تعالى:
يا إماماً أضحى حماه لأهل ال
…
فضل مأوى من الضلال وحصنا
كلما قلت قد سلوت هوى الش
…
عر بدت لي بروق نظمك وهنا
أنا من معشر إذا ما حبا الفك
…
ر استبقنا إليك ثم اقتبسنا
لم يكن مغرماً بنعم فإني
…
بمعانيك مستهام معنّى
أنت لغزت في اسم زنة حذر
…
خذها مثل ما حماه المثنى
وأجبنا عما ذكرت سريعاً
…
غير أنا على الأمور اقتصرنا
ولمجد الدين بن الظهير رحمه الله يقول:
أما والمطايا في الأزمة تمرح
…
وقد شفها طول السرى فهي طلّح
تيمم من أرض الحجاز منازلاً
…
لها دونها مسرىً فسيح ومسرح
قسى عليها كالسهام سواهم ال
…
وجوه كما أمسوا على النوق أصبحوا
يحجون من بطحاء كعبة مكة
…
تحط بها الأوزار عنهم وتطرح
يميل بهم سكر السهاد.......
…
على كل كور غصن بان مرنح
أضاء لهم من بارق لمع بارق
…
فألحاظهم تدنو إليه وتطمح
لاسم منى الصب الكثيب وأنتم
…
ملكتم أبيّاً من قيادي فاسجحوا
فصيح لساني أعجم جيرة بكم
…
وأعجم دمعي بالصبابة مفصح
فإن لك بالشكوى إليكم معرضاً
…
فشأني بشأني في هواكم مصرح
إذا لم يكن ذنباً سوى الحب فاعذروا
…
وإن كان ذنباً فرط حي فأصفحوا
بمرتاح قلبي لوعة مطمئنة
…
وأعلاق وجد برحها ليس يبرح
يلح عزيم في غرامي كلما
…
لحاني عليكم عادل مستنصح
ومن بإخفاء الهوى مذيعة صبىً
…
لنائلكم بالحزن يقرى ويفرح
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
غش المفند كامل في نصحه
…
فاطلب وقوفك بالغوير وسفحه
واخلع عذارك في محل رأيه
…
يزداد دمع العاشقين وشحه
وإذا أسرى سحراً طليع نسيمه
…
مالت به سكراً ذوائب طلحه
ودع الوقار بحب ساكنه ولا
…
تحفل بذم أخي الوقار ومدحه
ما صادق في الحب من هو عالم
…
فيه بحسن صنيعه أو قبحه
جهل الهوى قوم فراموا شرحه
…
حل الهوى وحبابه عن شرحه
وبي الذي يغنيه فاتر طرفه
…
عن سيفه وقوامه عن رمحه
صب يؤنس بالغرام نفاره
…
ويجد في نهب القلوب بمدحه
ذو حبة شرقت بماء نعيمها
…
كالورد أشرقه نداه برشحه
وكأن طرته ونور جبينه
…
ليل تألق فيه بارق صبحه
استعذب التعذيب من كلفي به
…
والحب لذة طعمه في برحه
يا ساهياً من جفنه غصناً غدا
…
ماء المنية بادياً في صفحه
ومعربداً في صبحه ومباعداً
…
في قربه ومحارباً في صلحه
ثم لا جناح عليك في سهري وما
…
ألقاه في ليلي الطويل وجنحه
وسعى إليك بي العذول وإنني
…
لأجيب أن ظفر العذول بنجحه
طرفي وقلبي ذا يفيض دماً وذا
…
دون الورى أنت العليم بقرحه
وهنا يحبك شاهدان وإنما
…
تعديل كل منهما في جرحه
والقلب منزلك القديم فإن تجد
…
فيه سواك من الأنام لفتحه
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
إذا حان من شمس النهار غروب
…
تذكر مشتاق وحن غريب
وإن صدعت أبكيه صدعت حبيباً
…
بها من تباريح الغرام يذوب
أأحبابنا والدار منكم قريبة
…
هل الوصل يوماً إن دعوت مجيب
وهل عندكم حفظ بعهد متيم
…
حليفاه منكم لوعة ونحيب
يحنّ إليكم والخطوب تنوشه
…
ويشتاقكم والنائبات تنوب
لم أنه لا يملك الحلم ردهاً
…
إذا هب من ذاك الجناب جنوب
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
طاف بدر الدجى بشمس النهار
…
في رياض أنيقة الأزهار
مشرقات يضم شمل الأماني
…
في رباها بفتحة النوار
وأتانا بها يقد أديم الل
…
يل منها صوارم الأنوار
بنت كرم حفت بكأس زجاج
…
ثم زفّت بنغمة الأوتار
جاء يسعى بها إلينا وقد حا
…
طت يد النوم أعين السمار
وكأن النجوم نور رياض
…
وكأن المريخ شعلة نار
ذو دلال ما زال يحيى ويجني
…
زهر الحسن منه بالأبصار
رقّ جسماً حتى لقد كان يدمي
…
هـ هبوب النسيم بالأسحار
خاف ألحاظنا فحط سباجاً
…
حول ورد الخدين أس العذار
شنآن راضته لي سورة الرا
…
ح وقد كان آنساً بالثغار
لابس حلتي جمال وتيه
…
في هواه خلقت ثوب الوقار
كنت ذا عفة ونسك فآثر
…
ت افتضاحي في حبه واشتهاري
وإذا رمت سلوة عن هواه
…
خل عزمي بعقدة الزنار
مسكر باللحاظ يحسب في عين
…
يه كأنها حانة الخمار
ما رأينا من قبله بدر تم
…
بادياً نوره من الأزرار
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أنس الطرف بالرقاد مآقناً
…
وأطعت العذول واللواما
وتناسيتكم وأقصر قلب
…
لم يزل مغرماً بكم مستهاما
هدأت مني الضلوع فلا أت
…
لف وجداً ولا أذوب غراما
والمحب الذي عهدتم جزوعاً
…
خيّم الصبر عنده وأقاما
كم جنيتم وكم تجنيتم ظلماً
…
وحلّلتم الدماء الحراما
لا دنا نازح الديار ولا
…
قدّر الطيف أن يزور لماما
كان قربي بكم يزيد أوامي
…
فغدا بعدكم يزيل الأواما
وقال من أبيات:
ما شأنه الألم الملم ولم يزل
…
لأليم أدواء القلوب طبيبا
فالريح تزداد اعتلالاً كلما
…
هبّت ولا تزداد إلا طيبا
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
قلة الحصن مانعي قصد أرض
…
أنت فيها وكثرة الإفلاس
ولو أني ملكت أمري لوافي
…
تك سعياً على قدمي وراسي
لو ترق بعدكم دمشق ولا
…
ما يزيد كلاّ ولا بانياس
ولو أن النسيم يحمل شكري
…
لأتاكم معطر الأنفاس
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
قد دفعنا إلى زمان لئيم
…
لم تنل منه غير غلّ الصدور
وبلينا من الورى بأناس
…
تركتهم أعجازهم في الصدور
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أكثر اللوم في الحبيب أناس
…
عيّروني ببذله بعد منع
قلت شمس الضحى أشد ابتذالا
…
وهي محبوبة إلى كل طبع
وكان مجد الدين المذكور قد كتب إلى محي الدين بن زيلاق قصيدة رأئقة صدر كتاب فأجابه على وزنها يقول:
يا أيها المولى الذي ما ونى
…
عن حبه القلب ولا قصرا
ومن صحبنا العيش في قربه
…
طلق المحيا ضاحكاً مسفرا
وافى كتاب منك وفيته
…
غاية الفضل جلّ أن يحصرا
حلّ محل الوصل من عاشق
…
شرّد عنه الهجر طيب الكرا
يميل في إنشاد ألفاظه
…
كأنما ضمنته مسكرا
زيد من التقبيل حتى غدت
…
شفاهنا مرقومة أسطرا
إذا أحال الشيء تكراره
…
أعطاك حسناً كلما كررا
كأنه روض سقاه الندى
…
ريّاً فأضحى بيته مزهرا
وما رأينا قبله روضة
…
نمقها الحبر ولا خبرا
يخبرنا عن مثل أشواقنا
…
أكرم به مستخبراً مخبرا
يذكرنا والعهد لم ننسه
…
فيوجب النسيان أن يذكرا
وكيف لا يرعى عهود امرئ
…
ما شأنها شين ولا كدرا
لله أيام تدان غدا
…
ليل المنى في ظلها مقمرا
أيام تدنو بك أفراحنا
…
إذ اتقاها الهم أو نفرا
إذا وردنا مورداً للضنى
…
لم يرض إلا مثله مصدرا
ما ينسى لا ينسى حمى جلّق
…
مطرد إلا مواه رطب الثرى
كأنما الأسباط حلّوا بها
…
ففجروا أحجاره أنهرا
في أي فصل زرت أوطانها
…
قلت الربيع الطلق قد أخضرا
يقصر الواصف عن حسنها
…
وإن غدا في وصفه مكثرا
ترى صباها نشراًعطرها
…
كأنما قد ضمّنت عنبرا
والطير في مزهر عيدانها
…
تحسب في ترجيعها مزهرا
يا حبذا الربوة من موطن
…
الأنس ما أبهى وما أنضرا
وحبذا أخضر ميدانها
…
حبت بصيد الصبي أسد الشرا
والشرف العلى الذي حسنه
…
مستوقف ناظر من أبصرا
أرض دمشق لا أعب الحيا
…
رياك إن راح وإن بكرا
لولا صروف الدهر ما خلتني
…
للبعد عن أوطانها مؤثرا
يا مجدنا إن قيل مجد ويا
…
سيدنا المستعظم الأكبرا
أمتى أخذ الدهر أمنية
…
كنت المنى الصادق دون الورى
وقال المولى شهاب الدين محمود أعزه الله يرثي الشيخ مجد الدين محمد بن الظهير رحمه الله:
تمكن ليلي واطمأنت كواكبه
…
وسدت على صبحي فغاب مذاهبه
وولي بأنسي من أتى لطفه به
…
ونازعني ثوب المسرة واهبه
إلا في سبيل من ضيم بعده
…
حمى لي حتى لان للجهل جانبه
وفي ذمة الرضوان بحر ندي غدت
…
مشرّعة للواردين مشاربه
ولله من فاق المجارين سعيه
…
وإن أدرك المجد المؤثل طالبه
إمام مضى بالفضل والجود والحجي
…
وكل إلى الميقات يرجع ذاهبه
بكته معاليه ومن ير قبله
…
كريماً مضى والمكرمات نوادبه
ولا غرو أن تبكي المعالي بشجوها
…
على المجد إذ أودي وهنّ صواحبه
فأي إمام في الهدى والندي عدت
…
ولاملّه آرابه ومآربه
وأي كريم الأصل والنفس ينتمي
…
إلى شرف العلم النسيب شاسبه
أظن الردى نشر السماء وأنه
…
علا فوقه فاستنزلته مخالبه
أما والذي أرسى تيسر حكمه
…
لقد طاش حلمي يوم رست ركائبه
وقد كدت أن أقضي غراماً كما قضى
…
فؤادي الذي قد أدرك الفرض واجبه
سوى فوق أعواد المنايا وإنها
…
وإن كرهت نحو النجاة نجائبه
وأمّ ثرى ما كان لولا حلوله
…
به يكتسي ثوب السماء سباسبه
ثوى منه في روض أريض أنيسه
…
تقى كان في كل الأمور مصاحبه
مضى وينأى كالنجوم لأنه
…
مدى الدهر لا ينفك يطلع غاربه
وولي ودمعي مثل جود يمينه
…
وفيض إياديه سواد سواربه
أمرّ عليّ إيثاره ودياره
…
فيلعب بي حزناً عليه ملاعبه
وترفع حجب الهدب عن ماء أدمعي
…
ويخفض طرفي عن سواه مناصبه
ألا يا فؤادي دم حبيساً على الأسى
…
فقد حقق الدهر الذي أنت راهبه
وقد أوجد الوجد المبرح فقده
…
وشابت هنى العيش فيه شوائبه
وأصلى فؤادي فقده النار فالذي
…
ترفّقه أجفان عينيّ ذائبه
تضعضع طود العلم والحلم بعده
…
وحدّت عليه يوم مات ذوائبه
وأضحى أخياً إذ أتاه نعيه
…
ودكت أعاليه ورجت جوانبه
وأصبح بحر الفضل ملحاً نميره
…
وطاميه الطامي سواء وناضبه
إليه انتهى علم البلاغة وانتمى
…
ومنه استعاد به فعاد أعاربه
وحين عذت عز الفضائل بعده
…
يتامى علمنا أنهن ربائبه
وقفنا وقد جد الوداع عشية
…
فممسك دمعاً يوم ذاك وساكبه
ليودع نفس المجد بيتاً مصرعاً
…
طويلاً على زواره متقاربه
تولى وهل يلوى علينا وقد غدت
…
تلقاه من حور الجنان حبائبه
ظننت باني مخلص في وداده
…
وأخطأت لا بل أسوأ الذنب كاذبه
رجعت وأمسي الجود يصحب نفسه
…
إلى رمسه فالجود لا أنا صاحبه
وقد كان لي منه إذا الخطب أظلمت
…
أوائله رأى رضىً عواقبه
وكنت إذا ما تهت في الجهل والصبى
…
هداني لرشدي علمه وتجاربه
فمن لي بجفن مسعد لي في الأسى
…
عليه فجفني عليه والجفن خاضبه
أمولاي مجد الدين دعوة مفرد
…
غدوت على قرب المزار مجانبه
سلكت سبيلاً عشت خوف سلوكها
…
وأنت خميص البطن بالصوم شاحبه
وعمرت داراً لم تزل لتحلّها
…
تحن إلى يوم النوى وتراقبه
وخلّفت علماً يستضاء بنوره
…
إذا الجهل سارت في الوجود غياهبه
ليهنك خير كنت قدماً تسره
…
وتستره عنا ويحصبه كاتبه
وسر في سنا الذكر الذي كنت دائماً
…
تحثّ على تكراره وتواظبه
وزر سيداً قد كنت إن رمت مدحه
…
هدتك إلى النظم البديع مناقبه
ودونك ما أملته من رغائب
…
فمدحك فيه باهرات غرائبه
إذا جئته تسعى إلى الحوض طامياً
…
وطوبى لك العذب الذي أنت شاربه
ولا زال وفد العفو نحوك والرضى
…
تفوض عادته وينزل آئبه
وقال إن مجد الدين محمد بن الظهير رحمه الله اجتاز بحماة ومعه بضاعة فطلب منه المكس، فكتب إلى الصاحب شرف الدين عبد العزيز رحمه الله وزير صاحب حماة، إذ ذاك يقول:
يا أيها الصدر الذي أضحى بإن
…
كار العلى كلفاً بغير تكلّف
هل يعذروا النواب في تكليفهم
…
حق الجوار لشاعر متصوف
متسربل حلل الظلام مشمّر
…
في جمعه الرزق الشتيت يطوف
صوناً لها لأحبابه عن بذله
…
في ردّه أو في إجابة مسعف
يطرى ويطرب في الحديث كأنما
…
في كل قافية عتيق القرقف
والألمعية وهي فيك خليقة
…
تغني عن التعريف من لم يعرف
أنا واثق وجميل ظني فيك مه
…
ديّ فكن بجميل شكري مكتف
ومتى توقف عنه أمرك ساعة
…
بذل الذي طلبوا بغير توقف
فكن الكفيل بمنع باغ معتد
…
عمر الزمان ومنح باغ معتف
محمد بن سوار بن إسرائيل بن الخضر بن إسرائيل بن الحسن بن علي بن الحسين أبو المعالي نجم الدين الشيباني الدمشقي. مولده بدمشق في الساعة الرابعة من نهار الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستمائة، وتوفي بدمشق ليلة الأحد رابع عشر ربيع الآخر من هذه السنة، ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان رحمة الله عليه. ذكر نجم الدين المذكور، أن أهله قدموا الشام مع خالد بن الوليد رضي الله عنه، واستوطنوا دمشق، وأنه صحب الشيخ أبا الحسن بن منصور اليسري الحريري رحمه الله سنة ثماني عشرة وستمائة بعد أن لبس الخرقة من الشيخ شهاب الدين أبي حفص عمر بن محمد السهروردي رحمة الله عليه وأجلسه في ثلاث خلوات، وكان المذكور أديباً فاضلاً قادراً على نظم الشعر مكثراً منه، نفع الله به الأبيات الجيدة والمعاني النادرة، ومدح الأمراء والكبراء وغيرهم،
وأشعاره كثيرة منها مادحاً فيه جده والشيخ شرف الدين عمر بن الفارض رحمه الله تعالى، ومنها غير ذلك، فمن شعره يقول:
لقد عادني من لاعج الشوق عائد
…
فهل عهد ذات الخال بالسفح عائد
وهل نارها بالأجرع الفرد يعتلي
…
لمنفرد ساب الدجى وهو ساهد
نديميّ من سعد أديراً حديثها
…
فذكر هواها والمدامة واحد
منعمة الأطراف دقت محاسنا
…
كما جلّ في حبي لها ما أكابد
فللبدر ما لانت عليه خمارها
…
وللغصن ما حالت عليه القلائد
فديتك هل المامة من خيالكم
…
تعود لفاقد مل منه العوائد
وكيف يزور الطيف والليل عاكر
…
عليه ولا الطرف المسهد راقد
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
رفقاً حنانيك بي يا أيها الحادي
…
وأنزل بنجد متى ما رمت إيجادي
وأبلغ تحية من أودي الغرام به
…
أهل الكثيب والإبانة الوادي
وقل لها يا فدتك النفس كيف بأن
…
يغيب أعناك قلب الهائم الصادي
أطلت مدة هذا الهجر ظالمة
…
ما كان أغناك عن صدي وأبعادي
قد ملّ صحبي ثوائي في منازلكم
…
وطال في عرصات الدار تردادي
وشاع في الحي أني مغرم بكم
…
فصرت فيكم حديث الرائح والغادي
يا هذه وأحاديث المنى صدع
…
هل ينجز الدهر من لقياك ميعادي
غادرت بالليل دمعي جعفراً فمتى
…
أرى ولو بمنامي وجهك الهادي
وقال أيضاً:
يا من ثنائي وفؤادي داره
…
مضناك قد أقلقه تذكاره
صددت عنه قبل ما وصلته
…
وكان قبل سكره خماره
ما كان يا بدر الدجى أسعده
…
لو هتكت في حبكم أستاره
لي غصن يحمل بستاناً غدت
…
ناضره في ناظري أزهاره
نرجسه لحاظه وورده
…
وجنته وآسسه عذاره
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
منكم إليكم مهربي ومآلي
…
وبكم عليكم في الهوى إدلالي
يا من أردت بذلتي في حبهم
…
وأخو لهوي من لد بالإذلال
إني أجلّ محبكم عن أن يرى
…
مستوسلاً بسواكم بسؤالي
وأكاد أكتم عنكم وجدي بكم
…
لولا أطالعكم على أحوالي
لا تحسبوني خائفاً من هجركم
…
أو راجياً منكم دوام وصال
هيهات لي وحياتكم بهواكم
…
شغل عن الأعراض والإقبال
لم تنعموا كرماًعليّ بودكم
…
إلا لينعم بالمحبة بالي
أهلاً بأدواء الغرام وحبّذا
…
برح الهوى ولواعج البلبالي
ما كان فيه رضاكم فهو المنى
…
والقصد وهو نهاية الآمال
وله مما نقلته من خطه:
من لي ببرق من حماك لموع
…
يقضي لبانة قلبي الموجوع
يا شاكياً بمحل سرى من حمى
…
قلبي ومن طرفي مكان هجوعي
مالي أذاد عن الورود وحوض
…
كم عن وارد به ليس بالممنوع
أحبابنا لم أستمح مباخلاً
…
منكم ولا ناديت غير سميع
عودوا تعود سقم من أو
…
دعتم أعضاءه الأسقام بالتوديع
وصلوا محبكم فليس نوالكم
…
عن طالبي الإحسان بالمقطوع
أيجوز أن أقضي وقد أحببتكم
…
بالبعض من ذاتي وبالمجموع
منكم عليكم مهربي وترحلي
…
عنكم بحكم الدهر غير رجوعي
مذ أشرقت في أفق ذاتي شمسكم
…
أضحى غروبي عنكم كطلوعي
وله، مما نقلته من خطه:
يا رب من ليل خيال مسلم
…
يجوب إلى البيداء والليل مظلم
فيا حبذا الوداد طرفاً مهوماً
…
ومن أين للمشتاق طرف مهوم
وبي جيرة جاروا فأجروا مدامعي
…
وبانوا ولكن في فؤادي خيموا
أشاهدهم حتى كان لقاؤهم
…
يقين ومصدوق الفراق توهم
وأسمر معسول اللمى رمح قده
…
يميل على العشاق وهو مقوّم
حوى خده وطرفى معينه
…
وناراً ولكن في فؤادي تضرم
أموت به عشقاً وأنكر حبه
…
وأسأل عن أخباره فأجمجم
وأحجم إجلالاً عن وصاله
…
ويغلبني صدق الرجاء فأقدم
وأكتم حبي عنه ما بي تصرفاً
…
فيا من رأى حباً عن الحب يكتم
وأبخل عن غيري بأسرار حبه
…
ويحلى بأسرار الغرام تكرم
وله مما نقلته بخطي منه:
صد تيهاً وأعقب الصد وصلاً
…
ظالم رق لي فأحدث عدلا
إن من سفرة الصدود منيباً
…
من ذنوب الجفا فأهلاً وسهلا
وثنى عطفه الرضى دون صب
…
مال عنه مع الوشاة وملا
فأعاد السرور بل عاد مضناً
…
مذ رآه من عائديه وبلا
ذو خيال الحبيب حلو ولكن
…
هو من بعد روعة الصد أحلى
يا قضيب الأراك إذ يتثنى
…
وهلال في السماء إذ يتجلى
كيف عادرني لديك دليلاً
…
يا أعز الورى لدي وأجلى
وأطعت العذال في مستهام
…
لم يطع فيك مذ أحبك عذلا
لا يليق الصدود وهو كثيف
…
بك يا ألطف البرية شكلا
إن حالي في الحب يعجب منها
…
كل من كان للمحبة أهلا
ربع جسمي بغيث دمع محيل
…
من رأى الغيث فذا واجب محلا
يا عزيز الذات بالذل فيه
…
وعزيز من في المحبة ذلا
حسدت مقلتي الثرى إن تطاها
…
فتمنت لو أصبحت لك نعلا
وله مما نقلته من خطه أيضاً:
إن أم صحبي سمراً أو أراك
…
فإنما مقصودهم أن أراك
وإن ترنمت بذكر الحما
…
فإنما عقد ضميري حماك
وإن دعا غيرك داع فما
…
عندي إلا أنه قد دعاك
وإن بكى صب حبيب فما
…
أحسب إلا أنه قد بكاك
يا جملة الحسن وتفضيله
…
أجملت إذ قرعتني سواك
ويا غنياً عن غرامي به من لي
…
بأن يرحم فقري غناك
أحبيت باللطف موات الهوى
…
وجدت حتى عم كلا جداك
ما أعرضتك نعماك عن سائل
…
في كل ناد عارض من نداك
وقد ملأت الكون عشقاً فما
…
أعرف قلباً خالياً من هواك
وله مما نقلته من خطه أيضاً:
لعرفكم في كل شارقة نفح
…
لنار اشتياقي منه في كبدي لفح
وبالسفح منكم بارق متألق
…
لسحب جفوني كلما شمته سفح
وبالمنحنى ربع قديم يد البلى
…
يجدد أحزاني عليه ما يمحو
ومنها أيضاً:
علام ترى للبين عيساً طلائحاً
…
ولما يلح لي منكم البان والطلح
أبيت أشيم البرق من نحو أرضكم
…
فمن ومضه لمع ومن ناظري لمح
واستشرح النكباء عنكم صبابة
…
رموز حديث عند قلبي لها شرح
وحقكم ما قرح الدمع ناظري
…
ولامسني للبين من بعدكم قرح
وكيف ولم يبرح فؤادي بعدكم
…
يحلّ بدار قد أقمتم بها برح
وحبكم كالشمس في أفق باطني
…
فمغربة ليلاً ومقبوضة صبح
فحتام استسقى الحيا لدياركم
…
وفي سحبه شح وفي ناظري سمح
وله، مما نقلته من خطه أيضاً:
أقوت معالمهم وخف قطين
…
ونأوا فطار فؤاده المحزون
صب يلوم العيس في قطع الفلا
…
بهم وحاديهم منه حنين
يا برق إن أهلّ شأن ربوعهم
…
هملت لها من ناطريه شؤون
ما قيّد الأظعان مهجة نفسه
…
إلا ليطلق دمعه المسجون
ظعن هتكن الليل حين سرينه
…
وحبابهن عن العيون مصون
حجبن بالاشباه وهي ذوابل
…
ومعاطف وصوارم وجفون
وجرعن نقب المنحني فتأرجت
…
بنسيمهن أجارع وحزون
ولقد وقفنا للوداع عشية
…
وعلى ملاحظة العيون عيون
أبكي الدما بين الذوابل شرعاً
…
وكأنني في ناظري طعين
يا حيرتي بلوى الأراك دنا النوى
…
وعليكم للمستهام ديون
ما كنت أعلم أن عهد فتاتكم
…
مين ولا أن الفراق منون
بنتم فأخفاني الأسى من بعدكم
…
سقماً فما أنا لا أكاد أبين
عجباً لطرفي كيف لم يجئ الكرى
…
فيه وماء الدمع منه معين
وقال أيضاً رحمه الله:
أما آن أن تبدو لعينك نارها
…
وهذي المطايا قد براها سفارها
شققت بها وهنا على الأين والوجا
…
بطون موام كالظلام نهارها
وجئت بها والآل يلمع بالضحى
…
ظهور فياف لا تجاب قفارها
إذا العتب قد أنكرتها بطويلع
…
مرابع يزهو شيحها وعرارها
وإن ظمئت منيتها ماء وحرة
…
ومن دونه أدلاجها وابتكارها
طلائع دار العامرية قصدها
…
وأين من البزل المصاعيب دارها
وهل قربتك العيس منها أترتجي
…
زيارتها هيهات منه مزارها
ما هي إلا الشمس تحسب ضوءها
…
قريباً وفي الأوج الرفيع منارها
ممنعة أشجار ساحتها الفنا
…
يظل الأماني والمنايا ثمارها
تحف بها تحت العجاج كتائب
…
إلى مضر الحمراء ينمى نجارها
تعيد الرجا صبحاً بلمع خدودها
…
وتجعل ضوء الصبح ليلاً غبارها
فعد لا يمنيك الأماني غرورها
…
فقد طال ما بالنفس أودي اعتبارها
يميناً بعهد سالف كان بيننا
…
وأسرار حب لا يحل خمارها
لأقتحمن الهول فيها بعزمة
…
إلى الفلك الأعلى يطير شرارها
فإن حان ميقاتي لديها ولم أفز
…
بتقريبها فليهن نفسي افتخارها
وفيمن أخاف الموت فيها أهل لنا
…
سواها وهل غيري تكن ديارها
وما الوصل إلا الفصل عن رسم منزل
…
متى فارقته العيش قرّ قرارها
وهل حاجب عنها سواك فإن يبن
…
عن المنزل الأدنى يزول استتارها
متى بان ما فارقت بعد فراقه
…
بكتها بلا شك وجادك جارها
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
عسى الطيف بالزوار منك يزور
…
فقد غاب عنه كاشح وغيور
وكيف يزور الطرف طرفاً مسهداً
…
له النجم بعد الظاعنين سمير
ظعائن تغزو الجيش وهي رديفة
…
عليهن من سمر الرماح ستور
إذا نزلوا أرضاً تولّت محولها
…
وأصبح فيها روضة وغدير
وإن فارقوا أرضاً غدت رمالها
…
من الطيف مسك والتراب عبير
أأحبابنا النأون أدعوا بيننا
…
سهول وغور قطعهن عسير
وداركم بالبان عن أيمن الحمى
…
يلوح عليها نضرة وسرور
قريبة عهد بالخليط رسومها
…
مواثل ما محت لهن سطور
كأن مواطي الخيل فيها أهلة
…
وآثار أخفاف المطي بدور
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
يا هاجري وله خيال واصل
…
أتراك تسمع بعض ما أنا قائل
ما كان ذنبي حين خنت مودتي
…
وهجرتني ظلماً وهجرك قاتل
أصبحت تظلمني وظلمك بارد
…
وتميل عن وصلي وقدك مائل
وأراك مقترب المزار وبيننا
…
يخفاك يا أمل النفوس مراحل
أصبحت من ذهبي خدك في عنا
…
عما سواه فلم عذارك سائل
ديوان حبك فيه طرفك ناظر
…
والصبر مصروف وسقمي حاصل
وعذار خدك بالغرام موقع
…
وهواك مستوف وقدك عامل
أذكي الصبي نار الجمال بخده
…
فلذاك نرجس ناظريه ذابل
وله وكتب بها إلى كحّال:
يا سيد الحكماء هذي سنة
…
أفنيتها في الطب أنت سننتها
أو كلما كلت سيوف جفون من
…
سفكت لواحظه الدماء سننتها
وقال أيضاً من أبيات:
أنت الأمير على الملاح بأسرهم
…
وعليك من قلبي لواء خافق
وله أيضاً رحمه الله تعالى:
ما سر ناظره مذ غبتم نظر
…
ففيم حكم فيه الدمع والسهر
قد كان يكفيه هجران الخيال له
…
لكن قدرتم فلم تبقوا ولم تذروا
يا راحلين في أعقاب ظعنهم
…
قلب يقلبه الأشواق والفكر
ما الدار بعدكم داري وإن حسنت
…
مغنىً ولا أهلها أهلي وإن كثروا
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
أيها المعتاض بالنوم السهر
…
ذاهلاً تسبح في بحر الفكر
سلم الأمر إلى مالكه
…
واصطبر فالصبر عقباه الظفر
لا تكونن آيساً عن فرج
…
إنما الأيام تأتي بالغير
كدر يحدث في وقت الصفا
…
وصفا يحدث في وقت الكدر
وإذا ما شاء ذهن مرة
…
سرّ أهليه ومهما شاء سر
فارض عن ربك في أقداره
…
إنما أنت أسير للقدر
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
كتم الغرام ولج في كتمانه
…
زمناً فخر بشأنه عن شانه
والصب من نصحي بجمر غرامه
…
ثملاً يفوح الطيب من أردانه
لا ترتجي فوزاً بجنة وصل من
…
تهوى ولا تخشى لظى نيرانه
متلذذاً بالذل مغتبطاً بها
…
يلقاه من إهماله وهوانه
وبمهجتي ريان من ماء الصبا
…
نشوان لا يلوى على نشوانه
حلو الشمائل والمعاطف مطمع
…
مضناه بعد الناس في إحسانه
شاكي السلاح ورمحه من قده
…
وسنانه المفتاك من وسنانه
متلثم بعذاره متقلد
…
بالصارم المصقول من أجفانه
بستان حسن في قضيب مائس
…
ولقد عهدنا الغصن في بستانه
يدنو ويبعد رقة وتغررا
…
ويظل يمزح حرفه بأمانه
وإمام ظعن الحي مهروب الشظى
…
لا يتقي السطوات من سلطانه
يجلو تبسمه الدجى وجبينه
…
فعلى تبسمه هدى ركبانه
ويميس في ظل الإراك قوامه
…
فتخاله للبين من أغصانه
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
لصرف الليالي عندي الحمد والشكر
…
وقد صار يعموراً بك السرّ والجهر
ظهرت وسيرت الوجود مظاهراً
…
وكان الذي يجلو محاسنك الستر
ومعتذر بالحسن أمسيت عبده
…
وأصبح لي مولى له النهي والأمر
معاطفه بالعطف تطمع صبّه
…
وخط عذاريه لعاشقه عذر
وقامته النشوى وعيناه واللوى
…
ثلاث خمور عال عقلي بها السكر
فعذبه يحلو..... لديه عذابه
…
وما سورة العاني يلذ له الأسر
ونشوان من سكر الشباب قوامه
…
يقر له الخطى والغصن النضر
على غصنه بدر وفي فرعه دجى
…
وفي ثغره خمر وفي طرفه سحر
وفي قربه بعد وفي وصله جفا
…
وفي ظلمه جور وعندي له شكر
ومطرورة ترضى بوحشة طرده
…
ومهجورة ظلماً يطيب لها الهجر
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
وحقك ما عنك لي مذهب
…
وحبك لي أبداً مذهب
وفيك يلّذ لجسمي الضنا
…
ويرتاح قلبي بما يتعب
ومحتلم الطرف في بهجتي
…
يجور وفي عدله أرغب
غرير غريز له ناضر
…
يقر له الصارم المقتضب
ونشوان من مسكرات الدلا
…
ل توهم أن الحفي يحجب
ترى أنني راغب في رضاه
…
وإني من صده أرهب
وإني إذا فاه لي منطق
…
بذكر فضائله أخطب
ومن راح سكران من حبه
…
فليس يصح له مطلب
ولي معرض لدى إعراضه
…
وكل الذي يرتضى طيّب
وكم ليلة نلت من كفه
…
مداماً ومن طرفه أشرب
صبرت على ما ساءني
…
وأعتبه وهو لا يعتب
ويختلف الطرف والقلب فيه
…
فيصدق هذا وذا يكذب
وبالمنحنى عرب بيضهم
…
إلى أسود أجفانهم ينسب
نسيمهم يستتر الهوى
…
وبرقهم للجوى يلهب
وعن كل غارة جيش لهم
…
قدود غدائرهم تغرب
وقال أيضاً رحمه الله تعالى:
وفي لي من أهواه جهراً بموعدي
…
وأرغم عذالي عليه وحسّدي
وراد على شحط المزار تطولا
…
على مغرم بالوصل لم يتعود
فيا حسن ما أبدي لعيني جماله
…
ويا برد ما أهدى إلى قلبي الصدى
ويا صدق أحلامي ببشري وصاله
…
ويا نيل آمالي ويا نجح مقصدي
تجلى وجودي إذ تجلى لباطني
…
بجد سعيد وبسعد مجدد
لقد حق لي عشق وأهله وقد
…
علقت بكفي جميعاً بموجدي
نديميّ من سعد أريحا ركائبي
…
فقد أمنت من أن تروح وتغتدي
ولا تلزماني النسك فالحب شاغلي
…
ولا تذكرا لي الورد فالراح موردي
ولا تقفاني في الرسوم التي عفت
…
فقد طال حبسي بين نوء وموقد
ومرّا على حيّ بمنعرج اللوى
…
فقولا لغزلان الصريم ألا ابعدي
ولا تسعداني بعدها لكما البقا
…
فما لي بعد اليوم فقر لمسعدي
أمن بعد ما قد برّد الوصل غلتي
…
وزاد الكرى أجفان طرفي المسهد
وهامت بي الصهباء وجداً فكل من
…
سقاها له قلب إلى رؤيتي صدي
وأمسيت والكأسات شمى وأصبحت
…
عروس حمياً الحان تجلّى على يدي
ونادمت في دير الخنيس غزالة
…
وزخرف لي في هيكل الدير مقعدي
وأضحت ظباء الحي صيد خلاعتي
…
وإن صدن من أهل النهى كل أصيد
وصارت لقلبي قوة نبوية
…
مميزة بين الهدى والتهود
أضلّ وفي نور الجمال تقلبي
…
وأخشى وفي ظل الحلال ترددي
ويدركني نقص ومعنى كماله
…
إذا سرت في بيداء قصدي مزودي
وأرضى بدين المانوية ملّة
…
وديني في حييه دين موحد
ودأبي وعزمي والدجى وقراره
…
فقد أبت العلياء إلا تفردي
وجدا وحدا في العلاء كل عائق
…
ولا تصغيا يوماً لعذل مفند
ولا تيأسا من روحه وتأسيا
…
فكم معرض في اليوم يقبل في غد
فتى الحي صبّ باع مهجة نفسه
…
لجيرة ذاك الحي نقداً بموعد
هو الحب إما منية أو منية
…
ودون العلى حدّ الحسام المهند
ألم تريا أني وجدت تلذذي
…
برؤياه عقى جيرتي وتلددي
وقد عشت دهراً والجمال يهزني
…
ويطربني الإلحان من كل منشد
وأغزو وفي ليل الغدائر دائباً
…
أضلّ ومن صبح المباسم أهتدي
ويسقم جفني كل جفن وتارة
…
يورّد دمعي كل خدّ مورّد
فطوراً أرى في الربع يبدو تولهي
…
وطوراً وراء الظعن يوهن تجلدي
أحنّ للمع النار شبّ ضرامها
…
بنعمان في ظل الطراف المعمّد
وأصبو متى هبّت صباحاً جدية
…
يخبرني عن منجد غير منجّد
ويخجل أجفاني السحاب بوبلها
…
حتى لاح برق برقة ثهمد