الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليبعثه إلى الملك الظاهر، فدفعته إلى ولده بدر الدين أقوش وأمره أن لايبعثه فخالفه وبعثه.
واما شرف الدين فداخله الندم وخاف إن هو خرج من الروم لا يعود إليه، فكتب إلى سيف الدين جندر أن لا يبعث الكتاب فاستدعى بولده وطلبه منه فأخبره أنه بعثه. ولما وصل بدر الدين الأتابكي إلى البلستين صادف من عسكر الروم جماعة منهم الأمير مبارز الدين شورى الجاشنكير، وسيف الدين جندر، وبدر الدين لؤلؤ، وبدر الدين ميكائيل، وعند وقوع نظره عليهم لم ينزل ولا من معه على ظهور الخيل بعثوا إليهم بإقامة جليلة وركبوا إليه وسالوه الإبقاء عليهم على أن يقتلوا من بالبلستين من التتر ويصيروا معه إلى باب الملك الظاهر فأجابهم، فلما وفوا بذلك قفل بهم، فوافوا الملك الظاهر بحارم فأقبل عليهم.
ذكر وفود بيجار وولده بهادر
لما تواترت الأخبار بقربهما تقدم إلى الأمير نور الدين نائبه بحلب بالاهتمام بالإقامة له، ثم الخروجإلى لقائه إذا شارف البلاد. ولما قارب أرض دمشق سيّر جمال الدين محمد نهار لتلقيه ووصل بيجار إلى دمشق يوم الأربعاء تاسع عشر المحرم، فتلقاه السلطان وبالغ في إكرامه، وأنزله في النيرب. ثم وصل ولده بهادر إلى دمشق يوم السبت التاسع والعشرين من الشهر وكان تأخر بسبب جمع أمواله من البلاد، وكان مهذب الدين علي بن البرواناة نائباً عن أبيه في البلاد يومئذ. فلما بلغه رحيلهم جهز
خلفهم عسكراً من التتر وقدم عليهم نيجى فسار إلى خرت برت فلم يلحق أحداً منهم غير أنه عشر على خمس مائة فرس عربية عريقة الأنساب، كان بهادر قدمها بين يديه فضلّت عن الطريق. لما قضى الملك من الاجتماع بهما بعث بهادر إلى القاهرة مع بيسرى وخطليجا فخرجوا من دمشق يوم الخميس تاسع صفر ووصلوا يوم السبت ثالث ربيع الأول ثم بعث أباه بيجار مع شرف الدين الحاكي فوصلاها يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فخرج الملك السعيد لتلقيه واحتفل به وحمل إليه أموالاً وخلعاً.
وفي الرابع والعشرين من صفر علق مشاء السلطان وكسر الخليج بكرة السبت الخامس والعشرين منه وركب الملك السعيد وباشر ذلك بنفسه وانتهت الزيادة إلى أربع عشرة إصبعاً من تسع عشرة ذراعاً.
وفي الخميس تاسع صفر توجه الملك الظاهر من دمشق إلى حلب، فوصل حمص ثالث عشر صفر فوافاه عليها ضياء الدين محمود بن الخطير، وسنان الدين بن الأمير سيد الدين طرنطاي بكلربيكي؛ وسبب وصولهما أن شرف الدين بن الخطير كان لما وردت كتب الملك الظاهر على امراء الروم شرع في تفريق العسكر الرومي، وأذن لهم في نهب من يجدونه من التتر وقتله وإنجاز الأمير محمد بن قرمان وإخوته واولاده بمن معه من التركمان إلى السواحل وأغاروا على من جاورهم. ثم كتب السلطان الملك الظاهر يعرفه مباينته التتر وإخراج السواحل من أيديهم، وبلغ السلطان غياث الدين ومهذب الدين ما اعتمده شرف الدين بعثاً في طلبه. فلما وصل
إليهما أمر مهذب الدين أن يحضر بجمع رسل التتر ونوابهم ومن كان من المغل ممن كان مع ينجي على أسوأ حال، فأحضروا مكشفين الرؤوس وبسطت الرعية أيديهم فيهم، وحبس من قبض عليه منهم وبعث بمهذب الدين إلى شرف الدين مسعود، وكان ظاهر المدينة ليحضر فأبى. فخرج إليه تاج الدين كيوى ثم تبعه سيف الدين طرنطاي وسبق تاج الدين. فلما اجتمع بشرف الدين عنّفه، وأغلظ له فأمر به فقتل وقتل معه سنان الدين بن أرسلان طمغش زوباشي قونية. ولما قتلهما خاف من مهذب الدين فتوجه قاصد الملك الظاهر. وذلك يوم الجمعة ثالث عشر صفر وأدركه سيف الدين طرنطاي.
فلما رأى السيوف مجردة أنكر عليه فقال شرف الدين: فات ما فات فاستر عليّ بالمصلحة؛ فقال: الرأي أن أرجع إلى بيتي فرجع وتركه. ولما بلغ مهذب الدين ذلك بعث إلى سيف الدين يستدعيه فأتى فتحيّل أنه مع شرف الدين، ثم بعث شرف الدين إليه. فلما اجتمع به سأله أن يوفق بينه وبين مهذب الدين فعاد سيف الدين إلى مهذب الدين وسأله في ذلك وأجاب. وخرج السلطان غياث الدين إلى ظاهر قيسارية، فنزل بجمال طاسي في عشية النهار المذكور. فلما رآه شرف الدين وضياء الدين ومن معهما ترجّلوا وقبّلوا الأرض ونادوا في البلد بشعار الملك الظاهر. واتفقوا أن السلطان غياث الدين والعسكر يتوجهون إلى مدينة بكيدة يقيمون بها
ويبعثون قصاداً إلى الملك الظاهر يستوثقون باليمين لغياث الدين ولأنفسهم فاستأذنهم مهذب الدين في أن يدخل إلى قيصارية ليخرج أثقاله فأذنوا له، فدخل وحمل منها أثقاله وخزينته وخرج منها ليلاً وقصد دوقات؛ فلما تحققوا ذلك، بعث شرف الدين بن الخطير أخاه ضياء الدين ومعه سبعة وثلاثون نفراً من أصحابه، وبعث الأمير سيف الدين طرنطاي بكلربكي ولده سنان الدين ومعه عشرون نفراً إلى الملك الظاهر ليستوثقوا منه باليمين لغياث الدين ولأنفسهم فاستأذنهم مهذب الدين في أن يدخل قيصارية ليخرج أثقاله فأذنوا له فدخل وحمل أثقاله وخزينته وخرج منها ليلاً وسار سيف الدين وشرف الدين والسلطان غياث الدين إلى بكيدة وقدروا مع رسلهم أن يحثوا الملك على المسير إليهم بعد أن يستحلفوه على ما تقرر.
فلما وصلوا إلى الملك الظاهر واجتمعوا به في حمص وأخبروه بما جرى وحثوه على المسير؛ قال: أنتم استعجلتم في الباينة فإني كنت قد عدوت معين الدين قبل توجهه إلى الأرد، وفي أواخر هذه السنة أطأ البلاد بعساكري فإنها بمصر وما يمكنني أن أدخل البلاد بمن معي الآن لقتلهم، وأما انفصال مهذب الدين إلى دوقات فنعم مافعل، فإنه كان مطلعاً على ما بيني وبين والده.
ثم أنزلهم وأكرمهم وطلب ضياء الدين أن يجتمع بالسلطان خلوة،
فأجابه فلما اجتمع به قال: ليتني لم تقصد البلاد في هذا الوقت لم آمن على أخي أن يقتل ومن معه من الأمراء الذين خلفوا وغن كان لا بدّ من تصبّرك فابعث إلى بلاد من فيه قوة من عسكرك حتى يكونوا ردءاً السلطان غياث الدين ولأخي، فتمكنوا من الخروج من البلاد؛ فقال: أرى من المصلحة أن ترجعوا إلى بلادكم وتحصنوا قلاعكم ويحتموا بها على أن أرجع إلى مصر وأربع خيلي، وأعود في زمنالشتاء فإن آبار الشام في هذا الوقت قد غارت، ثم استصحبهم معه إلى حلب في العشرين من صفر؛ ولما مر بحماة استصحب صاحبها، ووصل حلب في الخامس والعشرين من صفر وجهز الأمير سيف الدين بلبان الزيني في عسكره، وبعث به إلى الروم ليحضر السلطان غياث الدين، وشرف الدين بن الخطير، وسيف الدين طرنطاي، وبقية من حلف له من الأمراء. فلما وصل كينوك - وهي الحدث المراء - وردت القصاد إليه بعود البرواناة إلى الروم في خدمة منكوتمر وإخوته في ثلاثين ألف فارس والأمراء، راجعاً إلى تتاوون، فكتب إلى الملك الظاهر يعرفه بذلك، فظن أن التتر إذا سمعوا به في عسكر قليل قصدوه؛ فرحل من حلب إلى دمشق ثم إلى مصر ثم عاد الأمير سيف الدين. ولما ترك الملك الظاهر حمص قدم عليه رسل صاحب سيس ومعهم هدية فقبل الهدية ولم يجتمع بالرسل، وكان دخوله مصر يوم الخميس ثاني عشر ربيع الأول.