المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بل حقه أن لا يقيم بمنزل … إلا إذا ما - ذيل مرآة الزمان - جـ ٣

[اليونيني، أبو الفتح]

فهرس الكتاب

- ‌السنة الحادية والسبعون وستمائة

- ‌ذكر استيلاء الملك الظاهر على ما بقي من قلاع الإسماعيلية

- ‌ذكر هرب عمرو بن مخلول من آل فضل

- ‌ذكر عزل الصاحب خواجا فخر الدين وزير الروم

- ‌فصل

- ‌السنة الثانية والسبعون وست مائة

- ‌متجددات الأحوال

- ‌ذكر أخذ بيلوس أمير عرب برقة

- ‌ذكر قبض الملك الكرج

- ‌ ذكر مراسلة دارت بين الملك الظاهر ومعين الدين البرواناة

- ‌فصل

- ‌السنة الثالثة والسبعون وست مائة

- ‌متجددات الأحوال

- ‌ذكر هرب رئيس الإسكندرية ومن معه من عكا

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌ السنة الرابعة والسبعون وستمائة

- ‌مجددات الأحوال

- ‌ذكر ما ورد من أخبار بلاد الروم

- ‌ذكر ما دبر البرواناة في إخراج آجاي

- ‌على ما كاتب به البرواناة

- ‌ذكر استئصال شأفة النوبة

- ‌السنة الخامسة والسبعون وست مائة

- ‌متجددات الأحوال

- ‌ذكر وفود بيجار وولده بهادر

- ‌ذكر هروب شرف الدين بن الخطير

- ‌ذكر ما حدث ببلاد الروم عند وصول التتر

- ‌ذكر عرس المللك السعيد

- ‌ذكر توجّه الملك الظاهر إلى الروم

- ‌ذكر ما اعتمد عليه الأمير شمس الدين محمد بك بن قرمان

- ‌ذكر قصد أبغا الروم لأخذ النشاز

- ‌السنة السادسة والسبعون وست مائة

- ‌متجددات الأحوال

- ‌ذكر ما كان ينوب دولته من الكلف المصرية خاصة

- ‌السنة السابعة والسبعون وستمائة

- ‌فصل في المشاهد الجمالية:

- ‌فصل في المظاهر العلوية:

- ‌فصل في المظاهر المعنوية:

- ‌فصل في المظاهر الجلالية:

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌فصل:

- ‌‌‌‌‌‌‌فصل:

- ‌‌‌‌‌فصل:

- ‌‌‌فصل:

- ‌فصل:

- ‌فصل:

الفصل: بل حقه أن لا يقيم بمنزل … إلا إذا ما

بل حقه أن لا يقيم بمنزل

إلا إذا ما الركب فيه أقاموا

ومعذر ركب المهابة راجياً

بالجهد أن تبدو له الآرام

فلعل ذلك في خفارة قصده

ولكل قصد حرمة وذمام

‌فصل:

والزاهدون بأسرهم صنف وفي

إثبات زهد الزاهدين كلام

والزهد في ترك الفتى بحظوظه

أولى فكيف تفوته الأقسام

فصل:

والعابدون عداد أربعة فمن

عيد له

إمام

ثاني عبادته عليها ينبغي

التطهير والأركان والأحكام

وله وقد تمت ظواهر أمره

بالعلم عن علل النفوس فطام

فتراه ليس يرى الرياء ولا له

بالخلق إشراك وذاك همام

ويرى العبادة

... وفعالها من ربه إكرام

هذا للذي وفي العبادة حقها

وله دلائل تقتفى وترام

منها إنارة وجهه وحصول ما

يقضي بها الإخلاص وهو لزام

ومتى أتى بعبادة في مشهد

أرضى بها من عقّد الاسلام

فصل:

ومثمر العلم لكن سرّه

دنس وكل قصوده آثام

ومقصر في ظاهر من علمه

والجهل مع لقيا التعلم ذام

ص: 425

ولربما أهدى له إخلاصه

بقبيض من يهدي به الإفهام

ومقصر في الحالتين فذاك من

أربت عليه بفضلها الأنعام

صلى بلا علم وصام لأنه

عظمت صلاة عنده وصيام

فتراه كالغضبان يشمخ أنفه

ويقول كل العالمين عوام

ويقوم في الليل الطويل وربما

أضحى بوجه قد علاه سخام

قد أنشدت رؤيا العبادة لبّه

وكذاك رؤياها أذى وسمام

فافهم رسالة سرّ لاهوت أثر

قد أنهكت ناسوته الأسقام

جاءت تقاد مطيعة فكأنما

في كلّ قافية إليّ زمام

ما ظنها سن الشباب وربما

قد كان كهل الحلم وهو غلام

حذرتها في بعض ليلة جمعة

والفجر ما نشرت له أعلام

وعلام لا تعنوا المعارف لي ولي

بمقام سيدنا الجليل مقام

صلّى عليه الله ما متع الضحى

ومتع الصلاة تحية وسلام

على نبيه ومن هو على الهدى

الهادي نبيّ الرحمة القوّام

من ليس ينقض ما تولى برمّه

أبداً وليس لنقضه إبرام

وقال يمدح الشيخ علي الحريري رحمه الله نقلته من خطه:

حيّا الديار على علياء حورانا

مستهزم الرعد تسكباً وتهتانا

وكيف أحمل فيها للسحاب يداً

وربما عمّ كل الأرض إحسانا

داراً يلاقي بها العافون رحمة

كما يلاقى بها الجانون غفرانا

ص: 426

تهوى القلوب لها شوفاً فلو قدرت

طارت إليها زرافات ووحدانا

حيث المواعيد لا تفضي المواهب لا

تحصى وعين الرضى لم يعص إنسانا

ويورد الوصل مشروع لوارده

لم يلق من دونه سداً وهجرانا

فطائر المدح غريد على فنن العلياء مورد أسجاعاً وألحانا

والمشرفيات لا تنبو مضاربها

والسمر تحمل رايات وخرصانا

وللقرى النار على بالعلياء مضرمة

يعشو إلى ضوءها من جاء عريانا

وكل غير أن يخشى الموت سطوته

ويلبس الدهر ثوب الذل ألوانا

دار إذا حل ذو منّ بساحتها

رأى غرائب لا تحصى وأفنانا

إن حلّها عابد الغيّ بساحتها

ديراً يضمن تسبيحاً وتحيانا

حفت بهيكله العباد قد لبسوا

تحت المسوح من الأحزان قمصانا

فعابد قد أسال الفقر مهجته

دمعاً وأصلاه خوف النار نيرانا

وعابد يرتجي حيث الجزاء غداً

فما يدين به حور وولدانا

فذاك في قبض خوف لا انبساط له

وذا تروحه الآمال أحيانا

أو حلها مسالك ألقى بجانبها

وكائب العزم لا يسأمن وجدانا

يحملن كل بعيد إليهم قد بذل القرار والنوم للعلياء إيمانا

كالسيف يقطع من تلقاه شفرته

والنجم يهدي لدى الظلماء ركبانا

أو حلّها عارف مذلّ بمعرفته

رأى معارفه جهلاً ونكرانا

حتى إذا ما ارعوى أهدى نسيم ريّا

ذاك الحباب له عرفاً وعرفانا

ص: 427

وقابتله بمعنى منه ناطقة

بسرها بجوى وجداً ووجدانا

أو حلها عائق والخان مرتعه

يلقى الندامى بها شيباً وشبانا

فواحد في رياض الإنس منبسط

يجرّ للتيه أذيالاً وأردانا

بادي الخلاعة لا يرجو النعيم ولا

يخشى الجحيم ولا تلقاه محزانا

وفاقد أرعشت كفيه مقلته

وولته وهدّت منه أركانا

وصيرت بطشه عجزاً وصحته

سقماً ووجدانه محواً وفقدانا

وصاحب لم يؤثر فيه قهوتها

قد صار

قصفاً وإدمانا

يقول رائيه إعجاباً بيقظته

في السكر هل تسكر الصهباء نهلانا

خان حدسها حدثت عن عجب

تمد تغازل آراماً وغزلانا

ونشوة لو بدت في الكون ما نزلت

في عالم الكون لا إنساً ولا جانا

وإلى كؤوس عتيق الراح دائرة

لما يصر بعدها الندمان ندمانا

راح لو أن ابن نوح شام بارقها

لم يخش إذ نبع التنور طوفانا

ملك التي تلبس الأقداح شاربها

حقاً وباباتها هما وأحزانا

يسعى بها مائس الأعطاف تحسبه

قد ركب السحر في عينيه أجفانا

بادي الجمال ترى في كل جارحة

منه شموساً وإقماراً وأغصانا

تبدو فتحسب بدر التمّ مقتبلاً

وينثني فخيال الغصن ريّانا

يجلو عليك بما يحوي الوشاح وما

يحوي المآزر

ونعمانا

ص: 428

مؤثر الخصر مطبوع على صلف

تريك رؤيته روحاً وريحانا

يا مالكي والذي لا شيخ أعرفه

سواه أدعوه إسراراً وإعلانا

أجللت مدحك عن ان أقوم به

فعجت أبعث آثاراً وأوطانا

لا يقدر المرء أن يثني عليك ولو

أعيت بلاغته قساً وسحبانا

أنت الذي يقحم التقصير مادحه

إلا إذا أنزل الرحمن قرآنا

أنت الذي ما له ابن فنعرفه

وليس يملك عنه الحرف بنيانا

سرادق العز مبنى عليك وهل

يرضى لك الله غير العز تبيانا

أنت الذي تنزل الخيرات دعوته

لنا ويعلم ما يخفي طوايانا

أنت تنشر الأموات قدرته

لطفاً وينطق الصمت خرسانا

أنت الذي جزت صحو الجمع متنصحاً

بالاتحاد مراداً للذي كانا

كم رمت كائن ما أوليت مجتهداً

فما استطعت لنور الله كتمانا

أنت الذي كلّ ما في الكون مظهره

حقاً أقيم على ما قلت برهانا

وأنت

في موله فلا عجب

إن فات إدراك نور الشمس عميانا

خفيت لبساً على أهل الرقاد كما

ظهرت كشفاً لمن يلقاك يقظانا

مصداق قولي أن قد صرت محتجباً

في عزنا وكفاني ذاك عنوانا

أنت الذي لم ينل ما نلته أحد

ولا أحاشى من الأشياخ إنسانا

أنت الذي من حفت يمناك بعد رضى

يمناه ألبسته يمناً وإيمانا

ص: 429

أنت الذي من رأى مغناك واحده

لم يخش الدهر إملاقاً وخسرانا

منحتها ليلاً إسعافاً لطالبنا

بما يروم وعفواً عن خطايانا

ألبستنا وصف عزّ لا نفاد له

فأصبح الدهر يرجونا ويخشانا

أحللتنا حيث لا ترمى لمرتفع

إذ صرت.... برّاً وترعانا

ولا يزال الذي غلا بنا أبداً

يعمّ بالفضل أقصانا وأدنانا

فالوقت يسعدنا والوصل يسعفنا

والسمع والراح والألحان تهوانا

والمجد يصحبنا والعز يخطبنا

وموجد الكلّ يرضينا ويرضانا

والعلم والكشف والأحوال أجمعها

لمن يؤصلنا أدنى عطايانا

وكل عارفة من فيض أنعمنا

وكل فضل يعار من سجايانا

فمن يفاخرنا أو من يساجلنا

قد قلّ أكفاءنا قصرت مولانا

وتاه والحق لا يخفى لوائحه

على أئمة هذا الشأن أدنانا

مكاشفون بأسرار الوجود يرى

في كل كائنة في الكون معنانا

ونحن فرسان بيد القصد يقطعها

عسفاً ويقبلها خيراً مطايانا

أنت الذي جئت عرض البيد معتسفاً

إليك أحمل أشواقاً وأحزانا

وكيف لا يعسف الأخطار في مهل

وأنت قائد مرآنا ومغدانا

يا واحد كلّ ما نلناه موهبة

من فضله أنت محياها ومحيانا

رجاك لم تبق أشواقي على أذىً

وهل يطيق النهي للشوق سلطانا

ص: 430

أم هل يلام محب فيك مصطبح

خمر المحبة إن وافاك سكرانا

قدمت نفسي علىأن لست ما قدمت

...بين يدي نجواك قربانا

فاغفر لجرمي وهب لي العفو عن زللي

عما أتيت فقد فارقت طغيانا

أهوى المقام بجسمي في حماك كما

معناي فيه فألقى منك حرمانا

ولي علائق آمال حضائضها

السبع العلى وأعالي برج كيوانا

فارحم فتى في انتهاء الأوج همته

قد أكرمته بقايا الحظ نقصانا

حتام أطوى الفلا عسفاً على قدم

تحدىإذا احمرت الرمضاء صوانا

أخوض لجّ سراب القفر ذا ظما

مود وأطوي ملاء البيد طيانا

ولا يراح فؤادي عن مفارقتي

داراً وأهلاً وأحباباً وجيرانا

طوراً أرى لسفين البحر ممتشطاً

إذ يرعش الرعيب ثوبنا وربّانا

وتارة يرتمي في كل مقفرة

يهماء يستوقف الحريب حيرانا

أرخى قلائص عزم لا يعجن على

ورود صدىً ولا يرعين سعدانا

كأنما أخذت أيدي الخطوب على

عزمي بذرع بساط الأرض إيمانا

فتم إغرابي أسعى في اكتساب على

أمر هل يشهد أمصاراً وبلدانا

أم هل لأطلب لا مهدي سواك إذاً

فلا برحت عميد القلب حيرانا

حاشاي أرضى وقد وجدت حبك أن

أشرك بحبك أنصاباً وأوثانا

أوردتني لجة البحر الخضيم فهل

أرضى لوردي أنهاراً وخلجانا

ص: 431

لولاك لم أشم لبرق الشآم ولم

أودّ بالمنحنى أثلاً ولا بانا

ولا تمنيت من بطحاء خيف منى

حزن الديار الذي غربي نجرانا

ولم يبق لي في نوى نعماك من أمل

ففيم أستوثق الركبان نشدانا

الكلّ أنت وبرّ الأرض أجمعها

وكأس فضلك لا يجتاز حمانا

فهب لتفرقتي جمعاً أعيش بها

حباً لديك وهب لي منك رضوانا

أنت السلام فإن يهدي السلام إلى

مهدي السلام مجازا صار مهدانا

كان نجم الدين، ناظم هذا القطع لا شك في جودة شعره ومعرفته بالأدب، لكنه أطلق لسانه في هذه القصيدة النونية بما ينبو عنه السمع، ورده الشرع، ولا يحتمل التأويل. والعجب أن مدحه بما لا ينبغي في حق بشر، ثم قال:

مصداق قولي أن قد صرت محتجباً

في عزنا وكفاني ذاك عنوانا

وكان الشيخ عليّ الممدوح - رحمه الله تعالى - صاحب دمشق في ذلك الوقت بحصن عزتا قريب وادي بردا وبقي محبوساً به مدة سنين، فجعل الدليل على صحة ما ذكره من الصفات العظيمة المنسوبة إلى حبسه، وهذا في غاية التناقض والقبح، والعجب منه كونه خفي عنه ذلك، وإنه استشهاد ساقط لا مناسبة له ولا في غير هذه القصيدة ألفاظه ينقد عليه فيها غير أنها محتملة لها تأويل يحمل عليه، وكان مع هذه المبالغة يقول عنه، إذا ذكره صاحبنا كأنه يترفع أن يقول شيخنا ماذا قيل له في ذلك يقول: شيخي شهاب الدين السهروردي وإنما الشيخ صحبته بعد ذلك مدة زمانية إلى حين وفاته، هذا سمع منه وما هو في معناه غير مرة في آخر عمره رحمه الله أجمعين.

ص: 432

محمد بن عبد القادر بن عبد الكريم بن عطايا أبو عبد الله شرف الدين القرشي الزمري المصري الشافعي الفقيه العدل. كان من أعيان المصريين وهو ناظر الخزانة بالديار المصرية، وكان عنده ديانة وافرة وعبادة وتعاني الرياضة والمجاهدة، والذكر، ومحبة الفقراء وبرّهم ومخالطتهم، فتوفي في هذه السنة ودفن بالقرافة الصغرى، وقد نيف على ثمانين سنة - رحمه الله تعالى.

محمد بن عربشاه بن أبي بكر أبو عبد الله ناصر الدين الهمداني الدمشقي. كان رجلاً فاضلاً له معرفة بالحديث، سمع الكثير على مشائخ عصره، واسمع وكتب من كتب الحديث شيئاً كثيراً، وكان متقناً متفنّناً محرراً لما يكتبه. كتب صحيح البخاري في ثلاث مجلدات، وقابلها، وحررها، وسمعها على المشائخ، وصارت من الأصول المعتمد عليها بعد وفاته إلى الشيخ علاء الدين علي بن غانم - أعزه الله - فوقفها بدار الحديث المعيدية ببعلبك المحروسة على الشرط المكتوب بخطه عليها. وكانت وفاة ناصر الدين المذكور يوم الجمعة رابع جمادى الأولى من هذه السنة، ودفن بسفح قاسيون - رحمه الله تعالى.

محمد بن علي بن يوسف بن شاهنشاه المنعوت بالتاج المعروف بابن المصري. كان فاضلاً، صنف تاريخاً للقضاة، وتوفي يوم السبت ثامن عشر المحرم بمصر، ودفن بسفح المقطم رحمه الله.

محمد بن محمد بن بيدار أبو الثناء عز الدين المعروف بابن النوري. كان فقيهاً فاضلاً، دمث الأخلاق، عنده كرم وسعة صدر، واحتمال، وحسن

ص: 433

عشرة، وحسن المحاضرة، ناب عن القاضي صدر الدين ببعلبك مدة طويلة إلى حين وفاة صدر الدين، فتولى الحكم بعجلون وغيرها، وتوفي ببعض بلاد الاسماعيلية، وقد تولى الحكم بها بحصن الكريف وهو في عشر الثمانين - رحمه الله تعالى.

أبو بكر بن عبد الله بن مسعود جمال الدين اليزدي البغدادي التاجر المقيم بدمشق. يعرف بالأمير جمال الدين أقوش النجيبي رحمه الله إذ كان نائب السلطنة بالشام المحروس، فولاه نظر الجامع الأموي، والمارستان النوري، والخوانك بدمشق، وجعله شيخ الشيوخ، ورفع من قدره فبقي على ذلك مدة. وفي مباشرته للجامع أذهب رؤوس العمد ورخّم الحائط الشمالي، وأعجله العزل فلم يتمه، وأصلح كثيراً من المواضع المتشعثة. وكذلك فعل في غيره، وكان عنده نهضة في ذلك، ثم صرف بعد عزل الأمير جمال الدين وسفره إلى الديار المصرية، وغرم مبلغاً، ولزم بيته إلى أن توفي ليلة الخميس سابع صفر، ودفن يوم الخميس بسفح قاسيون، وهو في عشر الثمانين - رحمه الله تعالى.

أبو القاسم بن الحسين بن العود نجيب الدين الأسدي الحنبلي الفقيه على مذهب الشيعة. كان إماماً يقتدى به في مذهبهم، ويرجع إلى قوله عندهم، وعنده فضيلة ومشاركة في علوم شتى، وحسن عشرة، ومحاضرة بالأشعار والحكايات والنوادر، رافقته من ظاهر بعلبك إلى ظاهر دمشق فوجدته نعم الرجل، يقوم كثيراً من الليل في السفر على صعبه، وصار بيني وبينه إنسة شديدة، وكانت وفاته ليلة الاثنين نصف شعبان بقرية جزين،

ص: 434

وبها دفن في المجلس الذي كان يجلس فيه بداره، وجدت بخط الفقيه شمس الدين محمد الأنصاري المقيم بنحوسية ما كتب به إلى أن وفاة المذكور كانت ليلة الاثنين سادس عشر شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة، ومولده في سنة إحدى وثمانين وخمس مائة، ورثاه الفقيه جمال الدين إبراهيم بن الحسام أبي الغيث العاملي بقوله:

عرس بجزين يا مستعبد النجف

ففضل من حلها يا صاح غير خفي

نور ثوى في ثراها فاستنار به

وأصبح الترب فيها معدن الشرف

نجل الحسين الذي فاق العلى شرفا

وطود علم هوى من حيرة السلف

حتى إذا عبثت أيدي المنون به

فأوردته سريعاً مورد التلف

لا تلزموني وإن خفتم على كبدي

صبراً ولو أنها ذابت من الكهف

لمثل يومك كان الدمع مدخراً

بالله يا مقلتي سحي لا تقف

لا تحسبن جود عيني بالبكا سرفا

بل سحّ عيني محسوب من السرف

سارى مصابك بين الناس في حزن

كان يساق له قسط من الأسف

ما زلت تهدي لهم ما عشت مجتهداً

نوراً فما لك من فضل لمعترف

فأظلمت بعدك الأيام قاطبة

لما اعترى شمسها خطب من الكسف

وقد يبقى لنا من بعده خلف

يا حبذا لك من أصل ومن خلف

كأنهم حين طافوا حول تربته

بدور تم بدت من مطلع السدف

صلى الإله على ترب تضمنه

لقد تبوأ أنواعاً من التحف

ص: 435

ترب تناكره الآمال زائرة

من وارد نحوه يهوى ومنصرف

ولما بلغت هذه الأبيات جمال الدين محمد بن يحيى بن مبارك بن مقبل الغساني الحمصي قال:

لقد تجاوز حل الكفر والسحب

من قاس مقبرة ابن العود بالتحف

ما راقب الله أن يرمي بصاعقة

من السموات أو يهوي بمنسخف

واعجب بجزين ما ساحت بساكنها

مجاهل لعظيم الوزر مقترف

وقد تحيرت فيما فاه من سفه

ومن ضلال وإلحاد ومن سرف

أتيت ويك يقول لا يفارقه

مقال مفترش الحراء ملتحف

جهلت مقدار ما فاقت فضائله

على النبيين والأملاك في الصحف

وقال ما ازددت إتقاناً ولو كشف

الغطاء ورفع مسدول من السجف

وما أنت إلا كمن قد قاس منطقه

البيت المحرم ذا الأستار بالكنف

ولا أقول لمن قاست جهالته

الدر الثمين بمكسور من الخزف

أو من يقيس الجبال الشامخات بمن

حط الحضيض وعرف المسك للجيف

أو من يقيس النجوم الزاهرات إذا

سمت إلى أوجها والسعد بالحرف

ودون ذا قست نفسي قول مبتهج

أراه فوق محلي غير ذي أنف

إني وكيف ومن أين القياس إلى

ضوء الذي كان للرب الودود صفي

هو الذي شرفت رجلاه إذ علتا

كيف البناء فبالله من شرف

وكان وعده خوض الحروب وقد

ألقاه فيها بحمد الله حدّ وفيّ

ص: 436

وأي ما بطل لاقاه في رهج

عنه تولى جباناً غير منتصف

أم أي ما.. قد حل في يده

ما راح منقصفاً في صدر مقتصف

يعان طعن المولّى عنه مزدلفاً

وليس يطعن غير المقبل الدلف

ليوم صفين نجا عمرو حين هوى

عن الجواد بدبر منه منكشف

وكان إن زاد فقر ومسكنة

يحنو عليه حنوّ الوالد الترف

وهو الذي إذا دعى يوماً إليها سما

الأنام من منكر منهم ومعترف

فتب إلى الله وأسرع وابتهل لعسى

تنال منه الرضى في عرصة النجف

ولم أوقك ما استوجبت من فزع

ولست أجمع سوء الكيل والخشف

وما أردت بهذا العض من رجل

بمثله خلف من غابر السلف

ما كان مجرىً له إلا ليقطع عن

تكفير أهل التقى والدين والصلف

وإن عتبت عليه وهو يسمعني

لقد بكيت عليه وهو في الحذف

ومن يكن بينا من أخيه يبحث عن

التنازع في الأموال والتحف

وكان صاحبنا بالأمس في حلب

صدقاً وكنت به بالله حدّ خفي

كم مجلس جمعتنا فيه مسألته

ثم افترقنا بشمل غير مؤتلف

وكان يحملني طوراً وأحمله

طوراً وأكرمه بالبرّ واللطف

فلا عدت قبره في رحمة سمحت

تجود تربته بالوابل الذرف

ما كان إلا كمصباح أضاء وخبا

صاف ذبالته ما عاش ثم طفى

ص: 437

وقد أتيت بها شنعاء منكرة

في أخريات القوافي بغتة السلف

وكان من خلفه عن نفيه عوضاً

لو كنت تفرّق بين الباء والألف

وإن حملتم على ما قلته غرضي

فقد يحام من الحنيّ إلى كنفي

وإن ظننتم بي السوء فلست إذا

أرضيت جيرة الهادي بذي أسف

وقال الجمال إبراهيم المذكور المشار إليه يرثي نجيب الدين المشار إليه بقول:

جد بالدموع فلست تلقى مثله

خطباً فتدّخر الدموع لأجله

لا تلجأن إلى التصبر إنما

كان التصبر ملجأ من قبله

تبغي السلوّ به وتلك شريعة

نخت وغير حكمها من أصله

هذا نجيب الدين أصبح ثاوياً

في لحده منفرداً من أهله

مات الهدي وتهدمت أركانه

إذ مات واندرست معالم فضله

فالآن قد طاب البكاء ولذّ لي

ما كنت أحرس مقلتي من مثله

فلأبكينك ما حييت بكاء من

قرحت حشاشته بحرقة ثكله

متسربلاً جلباب حزن لم يزل

ولهان لم يحفل بوافر عدله

من للضعيف أتاك مقتبساً هدىً

يشكو العناية هارباً من جهله

حتى إذا ما حلّ ربعك غلّة

في ريقه فأرحته من غله

من للدروس مبيناً أشكالها

تبدو غوامضها بواضح فضله

ما زلت للدين الحنيف مكابداً

حتى استبان حرامه من حلّه

فجزيت خيراً من إمام عصابة

وضح السبيل بقوله وبفعله

ص: 438

جعلوك سبلهم إلى باريهم

فأريتهم حقاً معالم سبله

ومقسماً لحظاته ما بينهم

كل يرى ما يرضى من عدله

ومراقباً حال الضعيف معاهداً

لا يزدريه لضعفه ولعلّه

جعلوك ظهرهم فكلّ منهم

يرجو قواك بأن تقوم بحمله

فازت مصابيح الهداية بعد ما

ركض الضلال بخيله ورجله

فالآن قد صار الزمان جميعه

ليلاً يحير في يسير بطله

كذباً يموت صبابة في شؤمه

لولاه لترجى في أفاضل نسله

حاشى علاه أن يموت وإنما

علم الإله نعيمه في نقله

ودّت قلوب العارفين بأنها

دون التراب مجله لمحله

صلى الإله على قرى حلب

صلواته من فرضه ونفله

كلاّ ولا برح الغمام مداوماً

يهمى عليه بطلّه وبوبله

وحكى لي أن الشيخ النجيب رحمه الله لما كان بحلب كان يكشر غشيان السيد عز الدين المرتضى رحمه الله نقيب الأشراف، وكان من سادات الأشراف، له رياسة، وجلالة، وديانة، وفضيلة، وعظم محل، فاسترسل مع الشيخ النجيب يوماً، وذكر أبا بكر الصديق، وعمر، وعثمان - رضوان الله عليهم - بما نبى عنه سمع المرتضى وأكبره، فأمر بالشيخ النجيب فجرّ من بين يديه وركب حماراً مقلوباً، وطيف به شوارع حلب وأسواقها،

ص: 439

وهو يضرب بالدرة، فعظم محل المرتضى في صدور الناس، وتحققوا ماكان ينطوي عليه من حب الصحابة رضي الله عنهم ومعرفته بمحلهم، وكان ذلك من آكد أسباب انتقال الشيخ النجيب عن حلب، وعمل في هذه الوقعة أشعار كثيرة، ليس هذا موضع ذكرها، وكان هذا الشريف عز الدين له المكانة العالية، والمنزلة الرفيعة عند الملك الناصر صلاح الدين يوسف ابن الملك العزيز - رحمه الله تعالى - ويحضر عز الدين محمد بن القيسراني - رحمه الله تعالى - المقدم ذكره في هذا الكتاب سنة ست وخمسين فيروم للترفع على المرتضى، فيتمعض المرتضى من ذلك، ويشق عليه، فلما كان في بعض الأيام حضر مجلس الملك العزيز أحفل ما كان، فسلك عز الدين ابن القيسراني ذلك، وقعد أعلى منه قال عز الدين المرتضى للسلطان: يا مولانا هذا يقعد أعلى منّي، وأنا رجل شريف من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، وجدّي علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - وفي أحد أجدادي يقول أبو العلاء ابن سليمان المعري:

يا ابن مستعرض الصفوف ببدر

ومبيد الجموع من غطفان

أحد الخمسة الذين هم الأغ

راض في كل منطق والمعاني

والشخوص الذين خلقن طيباً

قبل خلق المريخ والميزان

وقبل أن تخلق السموات أو تؤ

مر أفلاكهن بالدوران

ص: 440

وفي جدّ هذا يقول ابن منير الطرابلسي:

أتراني أكلت جور عيالي

مثل ما كان يفعل القيسراني

أو.. الفلوس من خالد

أنى قادت عليه أمّ سنان

فخجل ابن القيسراني، وأمر السلطان أن لا يترفع على الشريف في مجلس. والأبيات الأولى من قصيدة طويلة مدح بها أبو العلاء الشريف أبا إبراهيم محمد بن أحمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو جدّ النقيب عز الدين، مجيباً له عن أبيات نظمها الشريف أبو إبراهيم المذكور، وسيرها إلى أبي العلاء يقول:

غير مستحسن وصال الغواني

لابن ستين حجة وثمان

وكان الشريف أبو إبراهيم محمد بن أحمد يعرف بالحراني، وهو من سادات أهل بيته في عصره، وبينه وبين أبي العلاء مكاتبات، ومراسلات، وهو معدود من الفضلاء رحمه الله، توفي يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمائة بالمعرة. وأما ابن القيسراني الشاعر، فذكره قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان - رحمه الله تعالى - في وفيات الأعيان ونسبته فقال هو أبو عبد الله محمد بن نصر بن صغير بن داغر بن نصر بن داعر

ص: 441

بن محمد بن خالد بن نصر بن داغر بن عبد الرحمن بن المهاجر بن خالد بن الوليد، المخزومي، الخالدي، الحلبي، الملقب شرف الدين أبو المعالي عدة الدين المعروف بابن القيسراني، ولد سنة ثمان وسبعين وأربعمائة بعكاً وتوفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من شعبان، سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بمدينة دمشق، ودفن من الغد بمقبرة باب الفراديس رحمه الله هكذا ذكر بعض حفدته في نسبه، وأكثر المؤرخين وعلماء النسب يقولون: إن خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتصل نسبه، بل انقطع من زمان، والله أعلم. والقيسراني نسبة إلى قيسارية. بليدة بالشام على ساحل البحر. وذكر أيضاً ابن منير في الوفيات وهو أبو الحسين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي، الملقب مهذب الدين، عين الزمان، الشاعر المشهور، وكان بينه وبين ابن القيسراني مكاتبات، وأجوبة، ومهاجاة، وكانا مقيمين بحلب، ومتنافسين في صناعتهما، ومولد ابن منير سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بحلب، ودفن في جبل جوشن بقرب المشهد الذي هناك، وقيل إنه توفي بدمشق، ونقل إلى حلب فدفن بها - والله أعلم - انتهى كلام قاضي القضاة رحمه الله. وعز الدين هو أبو حامد محمد بن خالد بن محمد بن نصر بن نصير بن داغر رحمه الله، وقد تقدم ذكره في هذا الكتاب، والشريف عز الدين فهو أبو الفتوح المرتضى بن أبي طالب أحمد بن محمد بن جعفر

ص: 442

بن أبي إبراهيم محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين السبط الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف.

توفي عز الدين بحلب فجاءة ليلة السادس عشر منشهر شوال سنة ثلاث وخمسين وستمائة، ودفن بعد ثلاثة أيام بجبل جوشن، ومولده سنة تسع وسبعين وخمسمائة بحلب، سمع من ابن النقيب أبي علي محمد بن أسعد النسابة والشريف أبي هاشم بن الفضل الهاشمي والشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان والقاضي أبي المحاسن يوسف بن رافع بن تميم وغيرهم - رحمهم الله تعالى.

ص: 443