الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أركان الإسلام
الصلاة
…
أركان الإسلام
وفي أول صفحة (17) من المذكرة يقول الكاتب: "إنّ أركان الإسلام الخمسة لم تُذكر مجموعة في القرآن".
"ومفهوم أركان الإسلام المعروف اليوم تطور فقط بعد وفاة محمد "عليه السلام" (من المذكرة) .
ونقول: إنّ أركان الإسلام الخمسة هي الأسس التي عليها بناء الإسلام كله.
وقد أوضحنا سبب الاقتصار على هذه الأركان مع أنّ مفهومَ الإسلام أوسعُ ومنهجه في تنظيم الحياة البشرية أعم وأشمل.
وقد وردت أركان الإسلام كلها في القرآن الكريم مفرقة في مواضع كثيرة فلفظ "الصلاة" ذكر في القرآن سبعاً وستين مرة، ولفظ "الزكاة" ورد في اثنين وثلاثين موضعاً، و "الصيام" ذكر سبع مرات، ولفظ "الحج" تكرر عشر مرات.
وأما كلمة التوحيد والشهادتين فما أكثر ما وردت وتكررت في القرآن، قال الله تعالى مادحاً صحابة رسوله صلى الله عليه وسلم:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [الفتح: 26] ، وكلمة التقوى هي الشهادتان، وذُكرت هذه الأركان مجموعة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بُني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً"(1) .
(1) البخاري باب -2- حديث رقم -8-.
كذلك ثبت عن عمر رضي الله عنه قال:
"بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد.. (1) فذكر القصة وفيها أنّ جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم موجِّها ومعلِّماً صحابته عن أركان الإسلام، وأركان الإيمان، والإحسان، وعن بعض أمور الدين.
ولقد سأله عن الإسلام فأجابه: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت".
ولا فرق بين أن تأتي أركانُ الإسلام في القرآن أو أن تأتي في السنة النبوية التي هي وحيٌ من الله.
إنّ اجتماع هذه الأركان في حديث عمر رضي الله عنه دفع كاتب الموسوعة إلى الزعم بأن مفهوم أركان الإسلام برز وترسّخ بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ اعتماداً منه على أن الأحاديث المنسوبة إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم إنما هي من وضع الصحابة رضوان الله عليهم، والحق أنّ دعوى تطور مفهوم أركان الإسلام وترسيخه بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا تستند إلى دليل ولا برهان أو سنة أو استحسان، وإنّما هي تقليد لآراء المستشرقين "جولد تسيهر" الذي قال في كتابه [العقيدة والشريعة في الإسلام] :"إنّ القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني"(2) .
(1) مسلم، الإيمان رقم 1.
(2)
انظر: السباعي، السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ص195.
ورداً على ذلك نود أن نقرر ما يلي:
إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المبلغ عن ربه - قد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ بما أنزل الله عليه في كتابه، وبما سنّه من سنن وشرائع وقوانين شاملة وافية حتى إنّه قال:"تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي"(1) .
وكان من أواخر ما تنزل عليه صلى الله عليه وسلم: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3] ، ويعني ذلك كمال الإسلام وتمامه وعدم قابليته للزيادة عليه أو تطويره بمفهوم المستشرقين، ولقد صادف الصحابةُ جزئيات وحوادث لم ينص على بعضها القرآنُ ولا السنةُ فعملوا باجتهادهم قياساً واستنباطاً حتى وضعوا لها الأحكام وهم بذلك لم يخرجوا عن دائرة الإسلام وتعاليمه، وثمة أدلة واقعية تطبيقية تشهد على اكتمال الإسلام ونضجه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهمها:
* مقدرة الإسلام الفائقة على السيطرة على مملكتي كسرى وقيصر، وكان لهما من الحضارة والمدنية ما يصعب على دين غير ناضج مواجهته.
* وحدة المسلمين في عهد الصحابة ومَنْ بعدهم واجتماعهم على عقيدة واحدة وعبادة واحدة وتعامل واحد، في شرق الأرض وغربها، ولا يمكن أن
(1) الحاكم، المستدرك 1/93 وصححه من لفظ حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال:"له أصل في الصحيح" ووافقه الذهبي واللفظ المذكور لأبي هريرة رضي الله عنه ذكره الحاكم كشاهد لحديث ابن عباس رضي الله عنهما ولم يحكم عليه.
يكون ذلك لو لم يكن للمسلمين قبل مغادرتهم جزيرة العرب نظام تام ناضج، وفهْمٌ صحيح للإسلام متفق عليه زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذن فليس بمستغرب ما أشارت إليه الموسوعة العبرية من تشابه في دعاء الشهادتين بين ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن والسنة، وما تبقّى من موروثاتٍ لدى يهود مما جاء به موسى عليه السلام عن ربه، فقد ورد في المذكرة ص18 الفقرة الأولى: الشهادتان تماثلان دعاءً يهودياً يقال في الصلوات ويُعرفُ بـ:
ونصها:
ونص آخر:
ونقول: كون نص الشهادتين ليس كاملاً في القرآن فإن ذلك لا يدعو إلى الشك في ثبوت ركن من أركان الإسلام، ثم إن معنى "وأشهد أنّ محمداً رسول الله" مقرر في القرآن الكريم في أكثر من موضع؛ فحسبك قوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران: 144] . وقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: 128] .
والله تعالى وصف محمداً بأنه رسول، وأمر بطاعته في آيات كثيرة جداً (1) .
(1) ينظر مادة (رسول) في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم.
ثم إنّ السنة النبوية مؤكدة لما جاء في القرآن، ومفصلة ومفسرة ومكملة، ولها نفس المرتبة من حيث الاحتجاج بها والعمل بمقتضاها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم نطق بهذه الشهادة، وعلَّمناها، وأمرنا بها، وقد ردّنا القرآن إلى طاعة محمد صلى الله عليه وسلم وإتباعه وعدم مخالفته أو ترك شيء من التعاليم التي نطق بها، فنُطقنا بعدُ لهاتين الشهادتين إنما هو إتباع للقرآن، واستمع إلى قوله تعالى:{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء:80]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من شهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأنّ عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنَّة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل".
وفي رواية: "من شهد أن لا إله الله وأنّ محمداً رسول الله، حرم الله جسده على النار"(1) .
إنّ الفارق الأساسي بين لفظ الشهادتين عند المسلمين وبين ما ورد عند اليهود هو؛ أنّها عند اليهود تقتصر على كلمة التوحيد فحسب، أما المسلم فلا تكفي هذه الكلمة في تمام إيمانه وكماله، بل لا يُعدّ مؤمناً ما لم ينطق بالشق الثاني من الكلمة.
ومعنى الشطر الأول:
لا معبود بحق سوى الله، ولا مالك لي ولا لغيري، ولا مطاعٌ ولا معظّمٌ ومتوكلٌ عليه ومستمسكٌ به إلا الله.
(1) مسلم، إيمان، رقم 46، 47.
ولا يمكن للمؤمن أن يَقوم بلوازم الشطر الأول إلا إذا عرف رسوله، وتعرّف بواسطته على الطريق الذي ينبغي أن يسلكه ليحقق لوازم الوحدانية، لذا كانت معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم تعدل معرفة الله، وقد حكم الله بكفر من لم يؤمن بالرسول الذي هو حجة على الناس.
ومن هنا جاء الحكم على اليهود بالكفر، وإنْ نطقوا بكلمة التوحيد؛ لأنهم آمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض، ولم يؤمنوا بالأنبياء والرسل، بل قتلوهم وآذوهم وتنكروا لهم:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران:21] .
ولقوله تعالى في وصف يهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلَاّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [آل عمران:112] . ولسنا ندّعي أنّ أهل الكتاب جميعاً بهذه المثابة، فالله تعالى يستثني منهم ويقول: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ
قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:113 -114] . على أنّ كلمة التوحيد التي ينطق بها يهود - على حد قول كاتب الموسوعة - لا نجد تطبيقاتها في حياتهم، فهم منذ القدم يُشْركون مع الله فيقولون: عزير ابن الله، ويعظّمون الأشخاص تعظيماً يوصلهم إلى حد الاعتقاد بهم والتوجّه إليهم، هذا عدا عن وصف الله تعالى بأوصاف لا تليق به.
الصلاة:
ويتكلم كاتب الموسوعة على الصلاة فيقول في (ج4) الصفحة (972) الفقرة الثانية: "الصلاة لغوياً مأخوذة من الآرامية، "صلوتاً" (.....) ، وفي القرآن "صلاة" وفي المدينة ذُكرت الصلاة الوسطى الثالثة (سورة 2 آية 238) بالإضافة للصلاتين المفروضتين على المسلمين في فترة حياتهم بمكة.
ولكن يحتمل أن تكون سنّة إعادة أداء فرض الصلوات الخمس يومياً قد بدأت خلال أيام حياة محمد "عليه السلام".
ويقصد من هذا التغيير في عدد الصلوات من (3) إلى (5) ، مخالفة المتبع لدى اليهود الذين لديهم ثلاث صلوات بتأثير من الفرس حسب أقوال غولد تسيهر، ورغم ذلك بقي تقارب كبير بين الصلاة عند المسلمين وعند اليهود، وربما بقي التقارب القائم في مبنى الصلاة.
التيمم مثلاً موجود باليهودية أيضاً
…
كذلك الأمر مع صلاة القصر عند السفر والحضر، دون التوقف عن السفر أو النزول عن الدابة للصلاة".
صفحة (48) الفقرة الأخيرة من (المذكرة) يقول: "اختلفت الآراء حول مدى التأثيرات اليهودية والمسيحية على نظام الصلاة ومضمونها في الإسلام.
بقايا عادات عربية جاهلية نلمسها فقط بمواعظ يوم الجمعة".
ونقول: رداً على هذه المزاعم التي لا تستند إلى الدليل القاطع والبرهان الساطع:
قال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] .
وفي ضوء ذلك يزعم كاتب الموسوعة أن أصل فرض الصلاة في الإسلام كان ثلاث صلوات، بدليل ذكر الصلاة الثالثة، بالإضافة إلى الصلاتين المفروضتين على المسلمين في فترة حياتهم بمكة، ويَحْتمِل كلام الكاتب أن يكون أداء الصلوات الخمس يومياً قد بدأ خلال أيام محمد؛ حيث غيّر عدد الصلوات من ثلاث إلى خمس مخالفة لليهود، ويعزو ذلك إلى تأثره بالفرس.
والحق أنّ الصلاة عبادة مشتركة بين الديانات عامة، عند رسل الله جميعاً فإبراهيم يقول:{رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ} [إبراهيم:40]، وفي وصف إسماعيل ورد قوله تعالى:{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} [مريم:55]، ولقمان وصّى ابنه:{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان:17] وفي قصة فرض الصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ما يدل على أنّها فرضت خمس مرات في اليوم والليلة، فقد ثبت في صحيح البخاري أنّ الله تعالى فرض على الأمّة الإسلامية خمسين صلاة، فلما أَخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام بذلك قال لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"إنّ أُمتك لا تطيق ذلك"، فرجع إلى ربه يسأله التخفيف حتى انتهى به إلى خمس، وجعل ثوابها خمسين (1) . فمن أين دعوى أنّ الصلاة كانت في بدء فرضها ثلاث مرات؟؟!!.
ثم إنّ الآية الكريمة تأمر بالمحافظة على جميع الصلوات، وتؤكّد على وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى وهي العصر، وصلاة العصر وسط بين صلاتي الفجر والظهر من جانب، والمغرب والعشاء من جانب آخر، والصلاة
(1) البخاري، توحيد باب (37) حديث 7517.
التي يريدها الإسلام ليست مجرد أقوال يلوكها اللسان، وحركات خالية من الخشوع والتدبّر، بل هي التي تأخذ حقها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله.
إن الصلاة في الإسلام حركات مخصوصة في أوقات مخصوصة بقراءة وألفاظ مخصوصة لها شروطها وأركانها التي لا تؤدّى إلا بها.
وقد فرضت الصلاة في مكة قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات، وكانت طريقة فرضها دليلاً على عناية الله بها، فالعبادات كلها في الإسلام فرضت في الأرض، أما الصلاة فهي وحدها التي فرضت في السماء ليلة الإسراء والمعراج.
وفي المجلد (22) الصفحة (1013) الفقرة الثانية من الموسوعة قال:
"إن تغيير محمد للقِبْلة من القدس إلى مكة كان خطوة عبّر بها محمد عن يأسه من محاولتِه وجهودِه لكسب واستِمَالةِ قلبِ اليهود إلى فكرته".
ونقول:
لقد صلى المسلمون إلى بيت المقدس سبعة عشر شهراً (1) .
والذي عليه جمهور العلماء أنّ الله تعالى أوجب على رسوله استقبال بيت المقدس، ثم نسخ الله ذلك وأمره أن يستقبل بصلاته الكعبة (2) ؛ بدليل قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلّب وجهه في السماء
(1) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم 1/198.
(2)
انظر تفسير ابن كثير (1/274) طبعة دار الشعب، وأبو شهبة، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة 2/105.
متجهاً إلى ربه دون أن ينطق لسانه بشيء تأدباً مع الله، وانتظاراً لتوجيهه لما يرضاه في شأن القبلة.
ثم نزل القرآن يستجيب لما يعتمل في صدره صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] .
لقد كان هذا التحول اختباراً وامتحاناً للقلوب والأفئدة، وانطلقت أبواق يهود وقد عزّ عليهم أن يتحوّل محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه عن قبلتهم، انطلقت تُلقي في صفوف المسلمين وقلوبهم بذور الشك في نبيهم وفي دينهم (1) .
لقد كان تحويل القبلة أولاً عن الكعبة إلى المسجد الأقصى لحمة تربوية نجدها في الآية: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَاّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} [البقرة:143] ، ذلك أنّ العرب كانت تعظم الكعبة في الجاهلية، فأراد الله بذلك أن يختبر إخلاصهم وتجردهم لله تعالى وانعتاقهم من الموروثات القديمة.
ثم لما توجهوا إلى المسجد الأقصى، وأخلصوا التوجّه لله، صدَرَ الأمر الإلهي بالاتجاه إلى المسجد الحرام ليتميّز للمسلمين كلُّ خصائص الوراثة، وراثة الدين، ووراثة القبلة، ووراثة الفضل من الله (2) .
وزعم كاتب الموسوعة أن تحول النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة أثار معارضة بين
(1) سيد، في ظلال القرآن 1/126-128.
(2)
سيد، في ظلال القرآن 1/127.
مؤمنيه (مؤيديه) فيقول في صفحة 20 رقم -1-: "غيّر محمد القبلة من القدس إلى مكة كما في (سورة 2 آية 142) وهذا أثار معارضة من المؤمنين به".
وهو زعم لا أساس له من الصحة. فمن ذا الذي عارض التوجه نحو الكعبة من المؤمنين برسالة الإسلام؟!
إنّ الرواية التاريخية الصحيحة لا تحفظ لنا معارضاً واحداً للتوجه نحو الكعبة إلا يهود، فعن البراء بن عازب قال:"أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على أجداده – أو أخواله – من الأنصار وأنّه صلى قِِبَل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت، وأنّه صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قومه، فخرج رجل ممن صلى معه، فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: "أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل الكعبة فداروا كما هم قِِبَل البيت"، وكانت اليهود قد أعجبهم إذْ كان يُصلي قِبَل بيت المقدس، فلما ولّى وجهه قِبَل البيت أنكروا ذلك فنزلت الآية {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلَاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة:142]- السفهاء أي اليهود - (1) .
لقد جاء فرض الصلاة مجملاً في القرآن الكريم، ولا نجد فيه التفصيل المعروف للصلاة بأركانها وشروطها وسجودها وركوعها وقراءتها، وكل ذلك فصلته سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال لصحابته: "صلوا كما رأيتموني
(1) الطبري، جامع البيان 1/129-130.
أصلي" (1) وقال: "خذوا عني مناسككم" (2) . إنّ قِصَر نظر المستشرقين وعدم إيمانهم بأن أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 4] دعا كاتب الموسوعة في (ص46 الفقرة الثانية من المذكرة) إلى القول بأن: "أحكام الصلاة في القرآن بعيدة عن شكلها النهائي في الإسلام".
(1) ذكره الشيخ الألباني في إرواء الغليل (1/291) برقم 262 وقال: صحيح أخرجه البخاري وغيره.
(2)
رواه مسلم في صحيحه (2/943) ك: المناسك برقم 1297، بلفظ "لتأخذوا عني مناسككم
…
".