الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أيضاً: {وَقَالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [المائدة:12] ، والزكاة ليست تبرعاً يتفضل به غنيٌ على فقير، أو يحسن به واجد على معدوم، بل هي جزء هام من نظام الإسلام الاقتصادي.
والحكومة في الإسلام هي التي تجبي الزكاة، وقد أكد الإسلام ذلك فجعل ضمن مصارفها سهماً لجباتها العاملين عليها، وإنّما وكّل الدولة بالجباية لضمان الجباية الدقيقة والتوزيع العادل وحفاظاً على الكرامة الإنسانية.
هل الزكاة ضريبة كما زعم كاتب الموسوعة
؟
هناك فرق بين الزكاة والضريبة، فالضريبة فريضة إلزامية يلتزم المموّل بأدائها إلى الدولة تبعاً لمقدرته على الدفع بغض النظر عن المنافع التي تعود عليه من وراء الخدمات التي تؤديها السلطة الحاكمة، وتستخدم حصيلتها في تغطية النفقات العامة من ناحية، وتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الأغراض التي تنشد الدولة تحقيقها من ناحية أخرى (1) .
لقد اختار الشرع لفظ "الزكاة" ليميّزها عن الضريبة، فالزكاة تدل في اللغة على الطهارة والنماء والبركة، و"الضريبة" لفظة مشتقة من ضَرَبَ عليه الغرامة أو الخراج أو الجزية، أي ألزمه بها، وكلفه تحمّل عبئها؛ من هنا ينظر الناس إلى الضريبة على أنّها مغرَم.
(1) القرضاوي، العبادة في الإسلام ص242.
إنّ كلمة الزكاة تحمل دلالة التطهير والتنمية والبركة فلابد للمال من تطهير وإنّ كَنْزه أو الاستمتاع به من غير إخراج حق الله منه يجعله خبيثاً بَخِساً.
وليست الطهارة للمال فحسب، فنفس الغني تطهر وتزكى، ونفس الفقير تصفو من كل حقد وضغينة.
إن الزكاة عبادة فرضت على المسلم شكراً لله وتقرباً إليه، أما الضريبة فهي إلزام محض خال من العبادة والقُربة، إنّ الزكاة حق مقدّر بتقدير الشارع، هو الذي حدد أنصبتها ومقاديرها بخلاف الضريبة، فهي تخضع في كل أنظمتها لاجتهاد السلطة الحاكمة.
والزكاة لها صفة الثبات والدوام ما دام في الأرض إسلام، أما الضريبة فليس لها هذه الصفة (1) .
ويقدح كاتب الموسوعة في تطبيق تشريع الزكاة زاعماً في صفحة 27 فقرة -1- (من المذكرة)"إن جباية ضريبة الزكاة واستعمالها لم يكن دائماً حسب الشريعة الإسلامية، مما أثار بين الحين والآخر غضب الفقهاء على الحكام الذين أضافوا لذلك فرض ضرائب جائرة مختلفة (مكوس) على رعيتهم، رغم عدم ذكر هذه الضرائب في القرآن، والفكرة القائلة بأن الفقير ينقذ الغني من نار جهنم ما زكّى وتصدق موجودة باليهودية".
الرد:
إن قوله إنّ جباية ضريبة الزكاة بالواقع واستعمالها فعلياً لم يكن دائماً
(1) القرضاوي، فقه الزكاة (انظر الفصل المتعلق بحقيقة الضريبة وحقيقة الزكاة 2/997 وما بعدها) .
حسب قوانين الشريعة مما أثار بين حين وآخر غضب الفقهاء على الحكام، يشتمل على أمرين:
أولاً: سوء التطبيق لتشريع الزكاة دوماً، وهذه دعوى عريضة استغرق كاتب الموسوعة فيها كل عصور الإسلام منذ عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو مخالف لواقع العصر النبوي وعصر الخلافة الراشدة، خلافة عمر بن عبد العزيز، بل وكل عصر من العصور التي وجد الإسلام فيه تطبيقاً.
وكان يمكن صاحب الموسوعة أن يشير إلى سوء التطبيق في بعض العصور وعندها يقال: إنّ سوء التطبيق للنظام لا يقدح في صلاحيته.
ثانيا: "فرض بعض الحكام ضرائب أخرى غير الزكاة" وهذا في الحقيقة من تجاوزات الحكام، وإن ذهب العلماء إلى جواز فرض ضريبة لها شرعيتها بشروط هي:
1-
الحاجة الحقيقية إلى المال، ولا مورد آخر غير هذه الضريبة.
2-
توزيع أعباء الضرائب بالعدل.
3-
أن تُنفق في مصالح الأمة لا في الشهوات.
4-
موافقة أهل الشورى والرأي في الأمة.
وفي حالة اختلال شرط من هذه الشروط فلا يُلتزم بضريبة.
وقد روى لنا التاريخ الإسلامي مواقف رائعة لعلمائنا، وقفوا فيها مع مصلحة الشعوب ضد شر السلاطين وأتباعهم (1) .
(1) القرضاوي، فقه الزكاة 2/1079-1087.