المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم ‌ ‌القرآن … شهادات على عظمة - رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

[موسى البسيط]

الفصل: ‌ ‌شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم ‌ ‌القرآن … شهادات على عظمة

‌شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم

‌القرآن

شهادات على عظمة محمد صلى الله عليه وسلم:

إنّ مكانة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحددها الناس والأتباع، وإنما يقررها الله تعالى في آيات كثيرة {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح:8-9] .

ومعنى توقيره صلى الله عليه وسلم: تعظيمه، وإجلاله، والإكبار من شأنه، والرفع من قدره حتى لا يدانيه أحد من الناس.

وأمر الله بطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فقال: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [النساء:80] وقال: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور:54] .

وأمر بمتابعته في الاعتقاد والقول والعمل، واشترط لحصول محبة الله أن يُتّبع الرسول فقال سبحانه:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] .

إنّ قَدْر محمد صلى الله عليه وسلم مرتبط بقَدْر رسالته التي حَمَلها وهي رسالة الإنسانية، ولسنا نحن المسلمين فقط نعظّم محمداً صلى الله عليه وسلم ونوقره ونشهد له بالفضل، بل إن كتّاباً ومفكرين عالميين درسوا الإسلام وانتهوا بدراستهم إلى هذه النتيجة وشهدوا ضد من تحامل على الإسلام، وها أنا أسوق لك شهادة بعضهم:

يقول (برناردشو) بعد أن درس الإسلام: "إني لأعتقد بأنه لو تولى رجل مثل محمد حُكم العالم الحديث، لنجح في حلّ مشكلاته بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة والطمأنينة التي هو في أشد الحاجة إليها".

ص: 73

"لقد أفاد الإسلامُ التمدّن أكثر من النصرانية، ونَشَر راية المساواة والأخوة. وهذه الأدلة نذكرها نقلاً عن تقارير الموظفين الإنجليز، وعما كتبه أغلبُ السيّاح من النتائج الحسنة التي نتجت من الدين الإسلامي، وظهرت آياتها منه، فإنه عندما تدين به أمة من الأمم السودانية تختفي بينها - في الحال- عبادة الأوثان، وإتباع الشيطان، والإشراك بالعزيز الرحمن، وتحرّم أكل لحم الإنسان، وقتل الرجال ووأد الأطفال، وتُضْرب عن الكهانة، ويأخذ أهلُها بأسباب الإصلاح وحب الطهارة واجتناب الخبائث والرجس والسعي نحو إحراز المعالي وشرف النفس. ويصبح عندهم قِرى الضيف من الواجبات الدينية، وشرب الخمر من الأمور البغيضة، ولعب الميسر والأزلام محرماً. والرقص القبيح، ومخالطة النساء – اختلاط دون تمييز – بغيضاً. ويحسبون عفة المرأة من الفضائل، ويتمسكون بحسن الشمائل.

أما الغلو في الحرية وراء الشهوات، فلا تجيزه الشريعة الإسلامية. والدين الإسلامي هو الدين الذي يقمع النفس عن الهوى، ويحرم إراقة الدماء، والقسوة في معاملة الحيوان والأرقاء، ويوصي بالإنسانية، ويحض على الخيرات والأخوة. ويقول بالاعتدال في تعدد الزوجات، وكبح جماح الشهوات" (1) .

أما الفيلسوف الروسي المنصف تولستوي فعندما رأى تحامل أهل الأديان الأخرى على الدين الإسلامي هزّته الغيرة على الحق، فوضع كتاباً عن نبي الإسلام، قال فيه: "وُلد نبي الإسلام في بلاد العرب من أبوين فقيرين. وكان- في حداثة سِنّه - واعياً يميل إلى العُزلة والانفراد في البراري والصحاري،

(1) ماذا يقول الغرب عن محمد صلى الله عليه وسلم، لأحمد ديدات، محاضرات بعنوان "ويأبى الله إلا أن يتم نوره" موقع إسلاميات.

ص: 74

ومتأملاً في الله خالق الكون.

لقد عبد العرب المعاصرون له أرباباً كثيرة، بالغوا في التقرب إليها واسترضائها، وأقاموا لها العبادات، وقدموا لها الضحايا المختلفة.

وكان - كلما تقدم به العمر - ازداد اعتقاداً بفساد تلك الأرباب، وأن هناك إلهاً واحداً حقيقياً لجميع الناس والشعوب.

وقد ازداد إيمان محمد بهذه الفكرة، فقام يدعو أمته وأهله إلى فكرته، معلناً: أن الله اصطفاه لهدايتهم، وعهد إليه إنارة بصائرهم، وهدم ديانتهم وعباداتهم الباطلة، وراح يعلن عن عقيدته وديانته.

وخلاصة هذه الديانة التي نادي بها الرسول: هو أن الله إله واحد - لا إله إلاّ هو - ولذلك لا يجوز عبادة غيره وأن الله عادل ورحيم بعباده، وأن مصيره النهائي، متوقف عليه وحده، فمن آمن به فإن الله يأجره في الآخرة أجراً حسناً. وإذا ما خالف شريعة الله، وسار على هواه فإنه يعاقب في الآخرة عقاباً أليماً، وإن الله تعالى يأمر الناس بمحبة بعضهم بعضاً.

ومحبة الله تكون بالصلاة، ومحبة الناس تكون بمشاركتهم في السراء والضراء. وإن الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر ينبغي عليهم أن يبذلوا وسعهم لإبعاد كل ما من شأنه إثارة الشهوات النفسية، والابتعاد عن الملذات الدنيوية، وإنه يتحتم عليهم ألا يخدموا الجسد ويعبدوه، بل عليهم أن يخدموا الروح ويهذبوها. ومحمد لم يقل عن نفسه إنه نبي الله الوحيد، بل اعتقد أيضاً بنبوة موسى وعيسى، وقال:"إن اليهود والنصارى لا يُكْرَهون على ترك دينهم".

ص: 75

وفي سني دعوته الأولى، احتمل كثيراً من اضطهادات أصحاب الديانات القديمة، شأن كل نبي قبله نادى أمته إلى الحق، ولكن هذه الاضطهادات لم تثنه عن عزمه، بل ثابر على دعوة أمته.

وقد امتاز المؤمنون كثيراً عن العرب (*) : بتواضعهم وزهدهم في الدنيا، وحب العمل والقناعة، وبذلوا جهدهم في مساعدة إخوانهم في الدين عند حلول المصائب بهم. ولم يمض على جماعة المؤمنين زمن طويل، حتى أصبح الناس المحيطون بهم يحترمونهم احتراماً عظيماً، ويعظمون قدرهم، وراح عدد المؤمنين يتزايد يوماً بعد يوم

!!

ومن فضائل الدين الإسلامي: أنه أوصى بالمسيحيين واليهود ورجال دينهم. فقد أمر بحسن معاملته، وقد بلغ من حسن معاملته لهم أنه سمح لأتباعه بالتزوج من أهل الديانات الأخرى، ولا يخفى على أصحاب البصائر العالية، ما في هذا من التسامح العظيم " ثم ختم كلامه قائلاً:"لا ريب أن هذا النبي، من كبار الرجال المصلحين؛ الذين خدموا الهيئة الاجتماعية خدمة جلية، ويكفي فخراً أنه هدى أمته برمتها إلى نور الحق، وجعلها تجنح للسلام، وتكف عن سفك الدماء وتقديم الضحايا. ويكفيه فخراً أنه فتح لها طريق الرقي والتقدم، وهذا عمل عظيم لا يفوز به إلا شخص أوتي قوة وحكمة وعلماً، ورجل مثله جدير بالإجلال والاحترام"(1) .

(*) يعني: عن سائر العرب من غير المؤمنين.

(1)

الأعمال الكاملة محمد عبدو: 2/367 مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي عالم المعرفة، العدد 55، سنة 1991.

ص: 76

أما عن معجزة نبينا الخالدة فإن الدكتور: "موريس بوكاي" يستعرض عظمة القرآن ويستدل على أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي مرسل بسؤاله: كيف امتلك هذا القدر من المعارف العلمية الهائلة في القرن السابع من العصر المسيحي في وقت تفشي الجهل وعَمُومِِِهِ؟؟!

هذا القدر من المعارف العلمية التي سبقت بأكثر من أربعة عشر قرناً الثقافة العلمية المعاصرة، استمع إليه وهو يقول: "لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة في البداية، فلم أكن أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوى الخاصة بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقة المعارف العلمية الحديثة، وذلك في نص كُتِبَ منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، في البداية لم يكن لي أي إيمان بالإسلام، وقد طرقت دراسة هذه النصوص بروح متحررة من كل حكم سابق وبموضوعية تامة، وإذا كان هناك تأثير ما قد مورس فهو بالتأكيد تأثير التعاليم التي تلقيتها في شبابي، حيث لم تكن الغالبية تتحدث عن المسلمين وإنما عن المحمديين لتأكيد الإشارة إلى أن المعني به دينٌ أسسه رجل، وبالتالي فهو دين عديم القيمة تماماً إزاء الله، وككثيرين كان يمكن أن أظل محتفظاً بتلك الأفكار حين ألتقي خارج المتخصصين، بمحدثين مستنيرين في هذه النقاط أعترف إذن بأنني كنت جاهلاً قبل أن تُعطَى لي عن الإسلام صورة تختلف عن تلك التي تلقيناها في الغرب

"

"وعندما استطعت قياس المسافة التي تفصل واقع الإسلام عن الصورة التي اختلقناها عنه في بلادنا الغربية، شعرت بالحاجة الملحة لتعلم اللغة العربية التي لم أكن أعرفها، ذلك حتى أكون قادراً على التقدم في دراسة هذا الدين الذي

ص: 77

يجهله كثيرون. كان هدفي الأول هو قراءة القرآن ودراسة نصه جملة جملة مستعيناً بمختلف التعليقات اللازمة للدراسة النقدية: وتناولت القرآن منتبهاً بشكل خاص للوصف الذي يعطيه عن حشد كبير من الظاهرات الطبيعية".

لقد أذهلتني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات، وهي تفاصيل لا يمكن أن تدرك إلاّ في النص الأصلي، أذهلني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن تفشي هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد صلى الله عليه وسلم أن يكوّن عنها أدنى فكرة

".

"إن أول ما يثير الدهشة في روح مَنْ يواجه مثل هذا النص لأول مرة هو ثراء الموضوعات المعالَجة، فهناك الخَلْق وعلم الفلك وعرض لبعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان وعالم النبات، والتناسل الإنساني، وعلى حين نكتشف في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو كان كاتب القرآن إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟ إذ ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلاً نفس النص الأول، ما التعليل؟ إذ ليس هناك سبب خاص يدعو للاعتقاد بأن أحد سكان شبة الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق بحوالي عشرة قرون ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات".

"ومن الثابت فعلاً أن في فترة تنزيل القرآن، أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف في مرحلة

ص: 78

ركود منذ عدة قرون، كما أن عصر الحضارة الإسلامية مع الازدهار العلمي الذي واكبها كان لاحقاً لنهاية تنزيل القرآن.

إن الجهل وحده بهذه المعطيات الدينية والدنيوية هو الذي يسمح بتقديم الاقتراح الغريب الذي سمعت بعضهم يصوغه أحياناً والذي يقول: "إنه إذا كان في القرآن دعاوى ذات صفة علمية مثيرة للدهشة فسبب ذلك هو تقدم العلماء العرب على عصورهم وأن محمداً صلى الله عليه وسلم بالتالي قد استلهم دراساتهم.

إن من يعرف ولو يسيرا تاريخ الإسلام ويعرف أيضاً أن عصر الازدهار الثقافي والعلمي في العالم العربي في القرون الوسطى لاحقٌ لمحمد صلى الله عليه وسلم لن يسمح لنفسه بإقامة مثل هذه الدعاوى الوهمية فلا محل لأفكار من هذا النوع وخاصة أن معظم الأمور العلمية الموحى بها أو المصاغة بشكل بين تماماً في القرآن لم تتلق التأييد في العصر الحديث".

من هنا ندرك كيف أنَّ مفسري القرآن (بما في ذلك عصر الحضارة الإسلامية العظيم) قد أخطؤوا حتماً وطوال قرون في تفسير بعض الآيات التي لم يكن باستطاعتهم أن يفطنوا إلى معناها الدقيق. إن ترجمة هذه الآيات وتفسيرها بشكل صحيح لم يكن ممكناً إلا بعد ذلك العصر بكثير، أي في عصر قريب منا؛ ذلك يتضمن أن المعارف اللغوية المتبحرة لا تكفي وحدها لفهم هذه الآيات القرآنية، بل يجب بالإضافة إليها، امتلاك معارف علمية شديدة التنوع. إن دراسة كهذه دراسة إنسيكلوبيدية (*) تقع على عاتق تخصصات عدة، وسندرك – كلما تقدمنا – في عرض المسائل المثارة تنوع المعارف العلمية اللازمة لفهم معنى بعض آيات القرآن، ومع ذلك فليس

(*) أي موسوعية.

ص: 79

القرآن كتاباً يهدف إلى عرض بعض القوانين التي تتحكم في الكون، إن له هدفاً دينياً جوهرياً" (1) .

هذه شهادة لعالم من علماء الغرب توصل إليها بعد دراسة علمية بعيدة عن الهوى.

وقد وصف المستشرق الفرنسي كلود إتيان سافاري – رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدمة ترجمته للقرآن العظيم (2) فقال: "أسس محمد ديانة عالمية تقوم على عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافئ على الفضيلة ويعاقب على الرذيلة، فالغربي المتنور وإن لم يعترف بنبوته لا يستطيع أن يعتبره من أعظم الرجال الذين ظهروا في التاريخ".

وينفي المستشرق الإنجليزي توماس كارلايل – دعوى التزوير عن الإسلام ورسول الإسلام فيقول في كتابه " الأبطال وعبادة الأبطال"(3) :

"لقد أصبح من أكبر العار على كل فرد متمدن في هذا العصر أن يصغي إلى القول بأن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خداع مزور، إن الرسالة التي أداها ذلك الرجل ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً لمئات الملايين من الناس أمثالنا، خلقهم الله الذي خلقنا".

ثم يتابع ويقول: "فلو أن الكذب والغش يروجان عند خلق الله هذا الرواج، ويصادفان منهم ذلك التصديق والقبول، فما الناس إذاً إلا بُلْه ومجانين، ما الحياة إلا سخف وكبت كان الأولى ألا تخلق".

(1) موريس بوكاي، التوراة والإنجيل والقرآن والعلم 113-118 دار الكندي- بيروت.

(2)

مناهج المستشرقين 1/24.

(3)

مناهج المستشرقين 1/25.

ص: 80

ويسترسل كاتب الموسوعة العبرية في التعجب من توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتهم المسلمين فيقول في الأول ص (1016)، من المجلد (22) :

"فنسبوا له مثلاً قدرته على الشفاعة وتغيير إرادة الله رغم تعارض هذا الأمر مع مفهوم" إرادة الله " التي لا مبدل لها، ومع حقيقة كون محمد بشراً كباقي البشر كما صرح هو نفسه.

وجعلوا له عيداً خاصاً به يعرف بعيد مولده، وهذه بدعة غير موثوقة وغير مدعومة بفرائض أو أوامر.

الشيعة بالغوا في ذلك فنسبوا لعلي صفات الأنبياء وراثياً عن محمد "عليه السلام" وتطور ذلك فرأوا الخلفاء كأئمة ليس فقط بفضل القانون بالدولة، بل أيضاً بفضل صفاتهم الطبيعية، وراثياً عن محمد "عليه السلام".

وعند الصوفيين وصل محمد "عليه السلام" درجة كونه شخصية يجب الاختلاء بها تماماً كما يختلي الصوفيون مع الله.

....ولقد حُدّدت للنبي بركة خاصة به هي "عليه الصلاة والسلام من الله".

ونقول:

الشفاعة خصيصة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79] أي اتبع هذا الذي أمرتك به لنقيمك يوم القيامة مقاماً محموداً يحمدك فيه الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى (1) .

(1) ابن كثير 3/58

ص: 81

وفي الصحيحين عن رسول الله: "إن الناس يصيرون يوم القيامة جثياً - أي جماعة – كل أمة تتبع نبيها يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله مقاماً محموداً، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول: لست بصاحب ذلك المقام، ثم بموسى فيقول كذلك، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم فيشفع بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم" (1) .

والأحاديث الواردة في شفاعته للخلائق بعامة ولأمته على وجه الخصوص كثيرة جداً، ساقها ابن كثير في تفسيره. (2)

وهذه الشفاعة لا تعني أن محمداً صلى الله عليه وسلم له القدرة على تغيير إرادة الله تعالى، كلا وحاشا فهو مقام أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، منحه إياه ربه وخالقه صاحب الإرادة النافذة لا مبدِّل لكلماته، يعلم ما كان وما سيكون، ولا يملك محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدّل شيئاً مما كتب في اللوح المحفوظ، فالله تعالى علم أنه سيُخرج هؤلاء العصاة من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلم أنه سيخفف عن الناس في الموقف بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم وأراد ذلك.

أما المبالغة في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا يعبد من دون الله، أو يشرك معه في العبادة فقال:"لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد الله ورسوله"(3) .

(1) البخاري –زكاة 52، مسلم الجنة 62، أحمد5/254.

(2)

ابن كثير 3/59-62.

(3)

رواه البخاري في صحيحه (6/478) كتاب أحاديث الأنبياء، ح3445.

ص: 82

وعقائد الشيعة من تعظيمهم لعلي رضي الله عنه وقدحهم في ما سواه من الصحابة، وما وصلوا إليه من القول بعصمة الأئمة وتفضيلهم، فهو مما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة جملة وتفصيلاً. وليس لهم فيه نقل صحيح أو برهان صريح (وانظر للمزيد منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية) فقد استفاض في الرد عليهم ودحض أدلتهم وبيَّن زيفها.

أما مغالاة الصوفية وغيرهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نحتكم فيها إلى الكتاب والسنة الصحيحة، فما وجدنا عليه من تصرفاتهم وتصوراتهم دليلاً أخذنا به، وما لم نجد عليه دليلاً حكمنا بابتداعه ورمينا به عرض الحائط؛ فإن المطلوب في صحة العبادة أن لا يعبد إلا الله تعالى، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع، والخير كل الخير في الإتباع، والشر إنما هو في الابتداع، وكل بدعة واختراع في دين الله الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي الضلالة وكل ضلالة في النار.

ولقد أثنى الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] فهذه منزلة رفيعة جعلها الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم.

وفيما يتعلق بالمولد النبوي الذي عدَّه كاتب الموسوعة بدعة لا تدعمها أدلة، فيا للعجب! كيف يتخذ الكاتب من تصرفات الناس وابتداعهم في الدين حجّة على الإسلام؟ فأين المنهج العلمي الرصين في البحث؟؟

ص: 83

القرآن

ص33 ملاحظة -2- (من المذكرة) يقول:

"هناك من فسّر المقصود بجملة {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] المكتوبة على المصحف بأن المقصود؛ "المسلمون" أما غير المطهرين فهم غير المسلمين".

ونقول:

لقد اقتصر كاتب الموسوعة في معنى هذه الآية على بيان أن المقصود بـ"المطهرون" المسلمون، والحق أن علماء التفسير فسّروا الآية تفسيرات عديدة تبعاً لاختلافهم في تفسير "الكتاب" و "المطهرون"، فالكتاب في الآية على أحد أقوالهم هو: كتاب في السماء أو هو اللوح المحفوظ، وذهب مجاهد وقتادة إلى أنه المصحف الذي في أيدينا. (1)

ومعنى "المطهرون": وذهب أنس وسعيد بن جبير إلى أنهم المطهرون من الذنوب، وهم الملائكة. وذهب أبو العالية وابن زيد إلى أنهم الذين طُهّروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم، فجبريل النازل به مطهر، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون. وهذا نحو قول مالك حيث قال:"أحسن ما سمعت في قوله: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في سورة "عَبَسَ وَتَوَلَّى": {فَمَن شَاء ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ، مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس:12-16] يريد أن المطهرين هم

(1) تفسير القرطبي 17/220.

ص: 84

الملائكة الذين وصُفوا بالطهارة، في سورة عبس، وقيل المراد "بالكتاب" المصحف الذي بين أيدينا، وهو الأظهر.

وقد روى مالك وغيره أن في كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ونسخته "ألا يمس القرآن إلا طاهر"(1)، وقال ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر"(2) .

وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامها وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة وقرأت: {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} من الأحداث والأنجاس.

وقد اختلف العلماء في مسّ المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم، وذهب أبو حنيفة في قولٍ عنه إلى أنه يمسه المحدِث، واحتج بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قيصر. (3)

أما الرأي الذي أشار إليه كاتب الموسوعة من أن المقصود بغير المطهرين المشركون، فهذا ما ذهب إليه ابن عباس الذي كان يَنْهى أنْ يُمكّن أحدٌ من اليهود والنصارى من قراءة القرآن (4) .

إن تركيز كاتب الموسوعة على هذه العبارة {لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ، المكتوبة على القرآن فيه من السطحية وضيق الأفق ما فيه، فضلاً عن إظهار الإسلام على أنه دين لا يراد له الانتشار والعالمية، وأنه لا يرحب باطلاع الآخرين على مصادره.

(1) وهو حديث صحيح بشواهده (انظر: إرواء الغليل رقم 122) .

(2)

المصدر السابق.

(3)

تفسير القرطبي 17/225.

(4)

تفسير القرطبي 17/226.

ص: 85

كلا! فليس الإسلام أسراراً يُتَكَتّم عليها، وثقافة لطائفةٍ من الطوائف، أو فئةٍ من الفئات، إنه دين الإنسانية جمعاء، دين عالمي فطري يتسم بالسهولة واليسر والوضوح (1) .

ص 34 فقرة – 1– (المذكرة) يقول:

"ربما كانت كلمة" فرقان "الآرامية" خلاص، إنقاذ"، هي ذاتها المقصودة بكلمة "فرقان" العربية المذكورة في القرآن وربما كان المقصود بها هو "التوارة".

ونقول:

ورد لفظ الفرقان في القرآن الكريم ست مرات؛ اثنتين منها في تسمية الكتاب المنزل على موسى عليه السلام قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48] .

وذُكِرت لفظة الفرقان في ثلاثة مواضع جاءت في وصف القرآن الكريم، وأن فيه التفريق بين الحق والباطل، قال تعالى:{هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] وقال {وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ، مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ} [آل عمران: 3-4] وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1] .

(1) وللتوسع انظر (خصائص الإسلام العام للقرضاوي) .

ص: 86

وذُكِرت مرة واحدة في وصف يوم "بدر": {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال:41] .

والفرقان هو القرآن، وكل ما فُرّق به بين الحق والباطل فهو فرقان، ولهذا قال الله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاء وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء:48](1) .

وفي حديث فاتحة الكتاب: "ما أُنزل في التوارة ولا الإنجيل ولا الزبور ولا الفرقان مثلها"(2) .

والفرقان من أسماء القرآن أي أنه فارق بين الحق والباطل والحلال والحرام.

ومن معاني الفرقان في اللغة: الحجة، والنصر، وفي التنزيل:{وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} [الأنفال: 41] .

وهو يوم بدر؛ لأن الله أظهر دينه وَفَرّق فيه بين الحق والباطل، وقال تعالى:{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ} [البقرة:53] . والفرقان هو الكتاب بعينه وهو التوارة، إلا أنه أعيد ذكره باسمٍ غير الأول تأكيداً وعَنَى به أنه يفرق بين الحق والباطل (3) .

(1) انظر لسان العرب مادة (فرق) .

(2)

تفسير القرآن العظيم ابن كثير (1/11) رواه الترمذي والنسائي من حديث أُبيّ رضي الله عنه، وقال الشيخ الألباني ـ في صحيح الجامع الصغير (2/975) رقم 5560 ـ ((صحيح)) .

(3)

القرطبي 17/399.

ص: 87

وسمى الله تعالى الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم فرقاناً وسمّى الكتاب المنزل على موسى عليه السلام فرقاناً، والمعنى أنه تعالى فرّق بكل واحد منها بين الحق والباطل (1) .

إن كاتب الموسوعة العبرية لا يزال يُردِّد أقوال المستشرقين فيما يتعلق بنظرتهم إلى القرآن الكريم حين يردد مزاعم بروكلمان:

ص 41 الفقرة -1- (من المذكرة) :

"العلم الغربي (الاستشراق) يرى بالقرآن ثمرة نتاج وشخصية محمد" وفي الصفحة (43 الفقرة 2 من المذكرة) يَستمر في نقل مزاعم بروكلمان: "كُتِبت السورة بضمير المتكلم، المتكلمُ هو إما الله أو محمد بلسان الله".

ومن مزاعم بروكلمان أيضاً قوله:

وتنصَبّ أقوال بروكلمان على نسبةِ القرآن إلى محمد (انظر الشعوب الإسلامية ص 1) .

وللرد عليهم نقول:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمياً لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وقد تحدى الله المشركين بذلك فقال:{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48]، وقال: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ

(1) انظر لسان العرب مادة (فرق) .

ص: 88

الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] .

وكان محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبر قومه برسالة الإسلام بعد ما خَبَروه وعرفوه، وتجلت لهم أخلاقهُ وكان ذلك بعد سن الأربعين.

وتحداهم ببلاغة القرآن وإعجازه: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88] .

وقال: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23-24] .

ومما يدل على أن القرآن ليس من عند محمد صلى الله عليه وسلم: عتابُ الله لنبيه فقد كان الله تعالى يعاتبه، ومن ذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1]، وتأمل عتاب الله له في قصة زيد بن حارثة وزينب بنت جحش:{وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37]، وفي قصة ابن أم مكتوم يقول الله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا

ص: 89

عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 1-10] .

وقال تعالى في قصة صلاته على المنافق عبد الله بن أبي بن سلول: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} [التوبة: 84] .

ولو كان القرآن من عنده هل تراه وهو بَشَرٌ يعاتِب نَفسَه بمثل ذلك؟!

وفي قصة أسرى بدر استمع إلى قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [الأنفال: 67] .

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47] .

وتفيد هذه الآيات، أن محمداً صادق فيما أبلغهم، وأنه لو تقوَّل بعضَ الأقاويل التي لم يوح بها إليه لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وَصَفتْه الآيات، ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق.

وتأمل الحركة التصويرية للآيات؛ الأخذ باليمين، وقطع الوتين، حركة عنيفة هائلة مروّعة حية في الوقت ذاته، ووراءها الإيمان بقدرة الله العظيمة، وعجزُ المخلوق البشري أمامها وضعفُ البشر أجمعين (1) .

ثم إن هذا القرآن جُمع جمعاً متواتراً، كتبه الصحابة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسطور وحفظوه ووعوه بالصدور ولا يشك في قطعية ثبوته أحدٌ.

(1) في ظلال القرآن 6/3689.

ص: 90