الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن منهج الله لهداية العباد نزل منجّماً ومكانة القصص في القرآن:
يقول في ص 38 الفقرة الثانية (من المذكرة) :
"السُور القرآنية المدنية تعكس التغيير الذي حَصل لمحمّد بعد الهجرة إلى المدينة حيث أصبح قائداً سياسياً وعسكرياً بعد أن كان مطارداً.."
ويقول في ص 38 الفقرة الأخيرة (مذكرة) :
"بعد الحروب الأولى تطوّرت أحكام الجهاد والغنائم وغيرها في السور المدنية ونرى بذلك كيف تطوّرت الديانة الإسلامية لتصبح عربية مستقلة.
كما نسمع في السور المدنية صدى الأحداث التي جرت في حياة النبي الخاصة ونجد قصصاً قديمة وخاصة قصص التوراة والحكايات الدينية المعروفة وغير المعروفة، كقصص شاؤول وداود لحث المسلمين على القتال.
وفي هذه القصص الكثير من عدم الدقة النابع - ليس فقط من دمجها مع الحكايات الدينية المتأخرة، وإنما أيضاً نابع من عدم فهم، أو عدم معرفة، مما أثار سخرية يهود المدينة".
ونقول:
إن عدم الإيمان بأن القرآن وحي من لدن الله تعالى أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، يدفعُ مؤلف الموسوعة إلى التعامل مع القرآن على أنه انعكاسات للأوضاع والظروف المتجددة، لقد أوحى الله بهذا الكتاب إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ليهدي الإنسانية إلى المحجة البيضاء، فالقرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن تنزلان؛ الأول: نزوله جملة واحدة في ليلة القدر إلى بيت العزة من السماء الدنيا، عن ابن عباس قال:" أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا ليلة القدر"(1) .
والثاني: نزولهُ من السماء إلى الأرض مفرقاً في ثلاث وعشرين سنة، قال الله تعالى:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء: 106] .
ودعوى "التطور" المنسوبة للآيات بقوله: "تطورت أحكام الجهاد والغنائم وغيرها في السور المدنية" دعوى مخالفة لكيفية تنزل القرآن الكريم من الله تعالى، وهي تُغْفل جانباً هاماً من الجوانب ألا وهو "أسباب النزول" يعني: تنزل القرآن وفق الأحداث، وقد اعتنى الباحثون في علوم القرآن بمعرفة"أسباب النزول" ولمسوا شدة الحاجة إليه، وفي ضوئه يمكن تحقيق إصابة التفسير للآية الكريمة، وكشف الغموض الذي يكتنف بعض الآيات.
ولا شك أن من القرآن ما هو مكي ومنه ما هو مدني، وقد عُني العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية وسورة سورة، فصنفوا الآيات المكية والمدنية بل توصلوا إلى حصر الآيات المكية في السور المدنية، والآيات المدينة من السورة المكية
…
(2)
ومن أهم خصائص القرآن الذي تنزل في الفترة المدنية أنه يُعنى ببيان العبادات والمعاملات والحدود ونظام الأسرة والعلاقات الدولية في السلم
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/222) كتاب التفسير وصححه على شرط البخاري ومسلم، ووافقه الذهبي، وكذا رواه النسائي في فضائل القرآن، 69ح15، وصحح إسناده د/ فاروق حمادة - محقق الكتاب - وهو كما قال، ولكنّه من قول ابن عباس رضي الله عنهما – إلاّ أن مثله يكون له حكم الرفع والله اعلم.
(2)
راجع جهود العلماء في ذلك من خلال كتب علوم القرآن وانظر (مباحث في علوم القرآن ص54-64) .
والحرب وقواعد الحُكْم ومسائل التشريع، ويخاطب أهل الكتاب من اليهود والنصارى ويدعوهم إلى الإسلام ويبيّن تحريفهم الكتب السماوية وتجنّيهم على الحق.
ونجد القصص الكثير في القرآن المدني والمكي، ومن أغراض القصة الإشارة إلى وحدة الأديان السماوية، وبيان أن الدين كله من عند الله، وأن المؤمنين كلهم أمة واحدة، والله الواحد هو ربُّ الجميع:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] .
وبيان مدى الترابط الوثيق بين الشرائع والأديان جميعاً: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13] .
وبيان أنّ النصرَ للرسل والهلاك للمكذبين، وفي ذلك تقوية للأنبياء والمرسلين ولأتباعهم بأنّ العاقبة لهم.
إننا لا نجد فيما قصّه الله علينا معنىً غامضاً أو مبهماً، بل كثيراً ما نجده يكرر لنا القصة ليرشدنا إلى مواطن العظة والعبرة في حياة كل رسول؛ لنقتدي بهم في سيرتهم وأخلاقهم الطاهرة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [يوسف:111] .
ولقد كان للتكرار حكمتُه البالغة وإشارته الدقيقة المفهومة الدالة على إعجاز القرآن.
ولعل دافع هذا الاتهام - عدم الفهم وعدم المعرفة - في موضوع قصص القرآن هو أن القرآن أكثر من الحديث عن "بني إسرائيل" وأفاض في ذكر حوادثهم ووقائعهم وفضائحهم ليأخذ الإنسان العبرة من حياة هذه الأمة التي قابلت النعمة بالجحود والإحسان بالعصيان، وما كان منهم بعد الجميل الذي قدّمه الله إليهم من نجاتهم من عدوّهم، وهلاك فرعون إلا أنْ عبدوا العجل وتنكروا لدعوة نبيهم وقتلوا الأنبياء واعتدوا في السبت وكانت نهايتهم أن مسخهم الله قردة وخنازير وغضب عليهم ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [البقرة:61] .
ونقلت لنا الآيات أخباراً عن بني إسرائيل وكيف أنهم تطاولوا على ذات الله واتهموه بأنواع من الاتهمات الشنيعة، ورموه بالعجز والظلم:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء} [المائدة: 64] .
إن القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] .