المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مكانة محمد صلى الله عليه وسلم ‌ ‌تكثيره الطعام … مكانة محمد صلى الله - رد الطعون الواردة في الموسوعة العبرية عن الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم

[موسى البسيط]

الفصل: ‌ ‌مكانة محمد صلى الله عليه وسلم ‌ ‌تكثيره الطعام … مكانة محمد صلى الله

‌مكانة محمد صلى الله عليه وسلم

‌تكثيره الطعام

مكانة محمد صلى الله عليه وسلم:

يزعم صاحب الموسوعة المجلد 22 الصفحة (1015) الفقرة الأولى:

"أن محمداً "عليه السلام" كرر قوله إنه إنسان ككل الناس، ولكن الشعور بأفضليته وسموه عن الباقين برزت بأوامر متكررة في القرآن.

وهذا الشعور لم يكن يحتاج لأوامر قرآنية لكي يؤكَّد بين الناس فأصبحت شخصية محمد "عليه السلام" أسطورية كباقي الأنبياء، فسيرة ابن إسح?ق وابن هشام مليئة بقصص عجيبة عنه منذ البشارة بولادته مروراً بالقصة العجيبة حول سفره الليلي للأقصى والمذكورة في القرآن.

ولم تكن المسافة بعيدة بين المعجزات التي حدثت معه وتلك التي أحدثها محمد "عليه السلام" بنفسه رغم رفضه الشديد لفكرة قدرته على إحداث المعجزات.

وقد ضخّم الناس صورة نبيهم محمد عليه السلام حتى أوصلوه لدرجة قديس بمفهومها النصراني".

ونقول:

إنّ النبوة والرسالة ليس بمقدور أحد أن يدّعيها من غير برهان واضح أو دليل ساطع، وهذه الأدلة والبراهين يؤيد الله بها أنبياءه، وهي ما يسمى في المصطلح الإسلامي "دلائل النبوة"، وكان الأنبياء يقولون لأقوامهم: نحن مرسلون من عند الله، وعليكم أن تصدقونا فيما نخبركم به، وتطيعونا فيما نأمركم بفعله، وتجتنبوا ما ننهاكم عنه، وهذا نوح عليه السلام يقول:{أَلَا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:106-108] ، وهكذا

ص: 66

الأنبياء جميعاً هود وصالح ولوط وشعيب، لقد أيّد الله تعالى أنبياءه كلهم بالأدلة بحيث يقيمون الحجة، فلا يبقى لأحد عذر في الجحود وعدم التصديق {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25] .

ومن أعظم الدلائل الدالة على نبوة الرسل: ما يُجريه الله على أيديهم من أمور خارقة للسنن الكونية المعتادة والقانون الطبيعي الراتب والتي لا قُدرة للبشر على الإتيان بمثلها، كتحويل العصا إلى أفعى تتحرك وتسعى، ونزع خاصّية الاحتراق من النار، بحيث تكون هذه الظواهر أدلة لا تقبل النقض، ويسمى ذلك في عرف علماء العقيدة بالمعجزة وهي:"أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة".

ومما يظهر على يد النبي ما يقصد به التحدي، ومنه ما لا يقصد به التحدي، ومن الأخيرة؛ نبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وتسبيح الحصا في كفه

ومن الأولى أن يطلق على ذلك كله سواء تحدي به أو لم يتحد لفظ "الآية"، كما ورد في القرآن الكريم (1) .

والمعجزات وإظهار الخوارق "والآيات" على أيدي الأنبياء بعامة ليست قصصاً من نسج خيال الأتباع لخلق شخصية أسطورية تُغري باتبّاعها والاستسلام لها، كما يصور ذلك كاتب الموسوعة.

ونحن المسلمين حين نرد وندافع عن الأنبياء إنما ننطلق من واقع أنّ ما جاؤوا به هو من الله، لا نسمح لأحد بالمساس به أو التطاول عليه، وما مِن

(1) العقيدة الإسلامية للميداني 338 وما بعدها.

ص: 67

نبي إلا وأيّده الله بآية، فصالح عليه السلام طلب منه قومه آية أن يُخرج لهم من الصخر ناقة لها أوصافها {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء:59] . وإبراهيم عليه السلام أشعل الكفار ناراً فرموه بها {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:69-70] وجرت على يد إبراهيم آيات منها؛ إحياء الموتى (1) .

وجرت على يد موسى كثير من الدلائل والآيات وعلى رأسها العصا التي تحولت إلى حية عظيمة، وابتلاعها حبال السحرة وعصيهم (2)، ومنها: ضرب موسى البحر بعصاه وانفلاقه (3) ، وضربه الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.. (4) .

وعلى يد عيسى وضّح القرآن آيات جرت منها: أنه كان يصنع من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيها فتصبح طيراً بإذن الله وقدرته، ويمسح الأكمه فيبرأ بإذن الله وكذا الأبرص، ويحيى الموتى بإذن الله (5) ، وطلب من الله أن ينزل عليه مائدة من السماء فأنزلها الله تعالى (6) .

ومحمد صلى الله عليه وسلم أيده الله بمعجزات باهرات؛ وآيات واضحات كإخوانه الأنبياء، وقد عدّ العلماء المعجزات والدلائل التي ظهرت على يد الرسول صلى الله عليه وسلم

(1) البقرة الآية 260.

(2)

طه- الآيات (17-21 و 65-69) .

(3)

طه (77) .

(4)

الأعراف (160) .

(5)

المائدة الآية 110.

(6)

المائدة الآية 112-115.

ص: 68

فبلغت الألف، وتضمنتها كتب خاصة يطلق عليها "الدلائل" أو "دلائل النبوة" مثل "دلائل النبوة" للبيهقي. و"دلائل النبوة" للأصفهاني.

إننا لا نزعم أن جميع الروايات التي ساقتها هذه الدلائل روايات صحيحة، بل منها الصحيح ومنها دون ذلك.

وقد دخلت مجال السيرة النبوية والمغازي بعض الإسرائيليات والأساطير والرواياتِ الضعيفة والمكذوبة، فمثل ذلك لا يعتمده العلماء الراسخون وهم متنبهون حَذِرون من كل ما يوضع في هذا المجال وفي غيره ولا يُعد مشكلة في نظرنا.

إنّ أعظم آية أعطيها الرسول صلى الله عليه وسلم هي القرآن، تحدى الله بهذا الكتاب فصحاء العرب أن يأتوا بشيء من مثله فعجزوا (1) .

لقد جاء القرآن ليكون نمطاً جديداً من المعجزات، وليس معجزة حسية، ولو شاء الله تعالى أن ينزل على نبيه آية حسّية لأنزل {إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء:4] ولكنه تعالى أرادها "القرآن" الذي هو منهج حياة كامل ومعجز في كل جوانبه.

لقد ناسب أن تكون معجزة الإسلام معجزة مفتوحة للبعيد والقريب، لكل أمة، ولكل جيل، والخوارق القاهرة لا تلوي إلا أعناق من يشاهدونها ثم تبقى بعد ذلك قصة تُروى لا واقعاً يشهد ويُمارس، فأما القرآن فها هو بعدَ أكثر من أربعة عشر قرناً، كتابٌ مفتوح ومنهج مرسوم يستمد منه أهل الزمان ما يقوّم حياتَهم، ويلبي حاجاتهم كاملة، ويقودهم بعدها إلى عالم

(1) البقرة آية 23.

ص: 69

أفضل وأفُق أعلى.. ويبقى رصيدُه لا ينفد بل يتجدد (1) .

ثم ما عدا القرآن من الآيات المؤيدات التي تأيَّد بها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم وجرت على يديه طرق إثباتها ليس خيالات الناس كما يرى كاتب الموسوعة، إن إثبات هذه الأمور إنما هو بالخبر الصادق الذي يخضع لقواعد النقد وقوانين الجرح والتعديل، وهي قوانين علمية يسير بها الباحثون المسلمون وفق المنهج العلمي الذي سلم به غير المسلمين أيضاً (2) .

ومن معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم التي حصلت بل وثبتت بالقرآن: انشقاق القمر {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر:1-2] .

والأحاديث التي أثبتت هذه المعجزة متواترة، وقد شوهد انشقاقه كما يقول ابن كثير في بقاع من الأرض (3) .

ولا أريد أن أطيل بذكر جميع الآيات التي جرت على يد رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن أذكر بعضاً منها وأشير إلى الرواية التي ذَكَرَتْها:

تكثيره الطعام:

طعام القلة يكفي العشرات، ففي الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم لأم سليم:"هلمي يا أم سليم، ما عندك"، فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتّ وعصرتْ عليه أم سليم عكة لها فأَدَمَتْه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما شاء الله

(1) في ظلال القرآن جزء 19/2584.

(2)

مصطلح التاريخ لأسد رستم ص 67-83.

(3)

البداية والنهاية 3/118.

ص: 70